خرافة بيب غوارديولا: السارق الأعظم في تاريخ كرة القدم

عدد القراءات
4,441
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/20 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/20 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
سبب زيارة غوارديولا لمصر (رويترز)

في عاصمة الأرجنتين، بوينس آيرس، على خشبة مسرح يضم بين جنباته 3500 متفرج خرج بيب غوارديولا للعلن وأعلن أنه أبداً لم يكن مخترعاً في عالم كرة القدم بل إنه سارق جيد للأفكار.

حيث اعترف بيب هنالك بأن لديه تساؤلات أكثر من الإجابات، وأكد أن اجتماعاته مع سيزار لويس مينوتي ومارسيلو بييلسا في زيارته الأولى للأرجنتين قبل سبعة أعوام، كانت المفتاح وراء قراره العمل في التدريب.

قائلاً في ذلك المؤتمر: "في كرة القدم لا يوجد كتاب يمكنه أن يعلمك. الأفكار ملك للعالم، وأنا سرقت منها قدر ما استطعت. لقد فعلت ذلك في إسبانيا، في إيطاليا، في المكسيك، وفي قطر. وإذا أردتم أن تسرقوا مني فافعلوا".

عندما يتم ذكر غوارديولا لا بد أن نذكر ملهمه الأول خوان مانويل ليو. أفضل مدرب في تاريخ غوارديولا، كما ادعى بيب نفسه.

من هو خوان مانويل ليو؟ إنه العبقري المنسي، الفيزيائي الذي اهتم بتدريب كرة القدم، أكبر منتقد لفكرة أن النتيجة هي الأهم في كرة القدم حيث يخبرنا خوانما: "النتيجة لا تعني لي شيئاً، الهدف في الرحلة، العملية، المشروع، العمل المبذول. تخيل أنك في سباق ما، أنت الأول لأميال وأميال، وقبل خطوات من الخط النهائي، وقعت. هل ستقول أيها الصحفي، أنا فاشل! لقد جريت بكل قوة طوال الطريق. الموضوع أكبر من أنك جيد إذا فزت، وسيئ إذا خسرت".

"النتيجة مجموعة من البيانات، أنت تناقش العملية وليس النتيجة النهائية، النتائج لا تُناقش. هل تذهب إلى الملعب لمدة تسعين دقيقة من أجل مشاهدة لوحة النتائج في نهاية المباراة؟ أم لكي تشاهد المباراة نفسها؟".

"نحن نشاهد العملية أو المباراة وفي النهاية نحكم على النتيجة فقط. تهاجم ما انتهى بشكل سيئ، وليس ما جرى بشكل سيئ، وهذا هو الشيء السيئ في كرة القدم"!

خوانما – بيب: ثنائية الملهم والطالب

ستة أشهر في المكسيك تحت قيادة ليو شكلت فلسفة بيب غوارديولا التي استطاعت غزو كرة القدم بعد ذلك.

التقى خوانما مع بيب للمرة الأولى عندما خسر فريقه، ريال أوفييدو، أمام برشلونة الذي كان يلعب له غوارديولا بنتيجة 4-2. ربما خسروا رقمياً، لكن ريال أوفييدو قدم عرضاً رائعاً على الميدان، ما جعل عمالقة كتالونيا يبدون وكأنهم فريق من الدرجة الثانية.

غوارديولا وخوانما ليو

كان بيب لاعب خط الوسط الشاب منبهراً بأسلوب فريق أوفييدو وطلب مقابلة مدربه، هكذا بدأت قصة كيف قام خوانما بإلهام بيب لابتكار فلسفة للسيطرة على كرة القدم.

سوف يعاود خوانما الظهور مرة أخرى في حياة بيب في عام 2006 عندما أصبح مدرباً الفريق المكسيكي دورادوس دي سينالوا، انضم بيب إلى ذلك الفريق رغبةً وأملاً في أن يعمل مع الرجل الذي ألهمه كلاعب.

أعطت الأشهر الستة تحت قيادة خوانما لبيب رؤية جديدة ومنظور آخر نحو كرة القدم ومعرفة حول اللعبة، وتنمية مهاراته لما سيأتي بعد ذلك في حياته المهنية.

بعد تعيين بيب غوارديولا كمدرب لبرشلونة B عام 2007 لم يستلهم غوارديولا أفكار ليو فقط بل وأدار خوانما ليو أولى الحصص التدريبية بشكل غير مباشر جنباً إلى جنب مع بيب.

الطريف في الأمر أن بيب غوارديولا نفسه كان السبب في إقالة ليو عام 2010 من تدريب فريق ألميريا عندما سحق برشلونة النادي الأندلسي بـ8 أهداف دون رد.

غوارديولا وريكاردو لافولبي: وتد آخر!

مرة أخرى يستلهم بيب أفكار الثوريين في كرة القدم، هنا نحو منتخب المكسيك مع ريكاردو لافولبي، فمن هو ريكاردو لافولبي؟ إنه العبقري الذي لا يصافح خصومه.

منذ بداياته تزوج لافولبي بـ3-5-2، عشقها وعمل دائماً على تطويرها وإقناع المدربين بها، عندما يحلل يعطي أسبقية دائمة للفريق الذي يلعب بها، اللاوعي لديه تعلق بـ3-5-2.

يقول لافبولي إن هذا النظام التكتيكي يفوز دائماً بلاعب إضافي؛ لأنه يملك ميزة دائمة في الخلف وهي مدافع إضافي، الخصم يحتاج لكي يضغط بثلاثة باستمرار لذلك سيعطيك زيادة عددية في الوسط، أنت تملك خمسة في الوسط، إذا قرر الخصم تقديم أظهرته لمواجهة أظهرتك المتقدمة فأنت ستكون في وضع واحد ضد واحد هجومياً. 

الملهم لافبولي

في إحدى ليالي مونديال 2006، ذهب بيب مع خوانما ليو لمشاهدة مباراة منتخب المكسيك بقيادة لافولبي مع منتخب الأرجنتين، استحدث ريكاردو لافولبي فكرة تكتيكية مبتكرة في ذلك الوقت، باستخدام القيصر المكسيكي رافا ماركيز كلاعب حر بين الوسط والدفاع.

في حالة الدفاع، يعود ماركيز لكي يقوم بدور المدافع الصريح، بينما في الهجوم يبدأ الهجمة ويتحول إلى  Deep Lying playmaker يخرج بالكرة من الخلف للأمام.

ألهمت تلك الفكرة بيب غوارديولا وقرر تحويلها إلى ثورة على مفاهيم كرة القدم، فعندما كان بيب غوارديولا لاعباً كان لاعباً ضعيفاً بدنياً ومع تطور كرة القدم في تلك الفترة أصبحت اللعبة بدنية أكثر منها فنية، بيب طُرِدَ من جنة كرة القدم بسبب انتهاء دور الممرين الضعفاء، لكنه عاد مع سيرجيو بوسكيتس لغزو العالم.

مارسيلو بيلسا صانع القرار

في مشهد أقرب إلى الأفلام التي تجمع الأصدقاء عندما يظل البطل وصديقه في حوار يستمر من النهار حتى يأتي منظر الظلام الدامس خلفهم، ذلك المشهد هو أقرب تمثيل لما حدث بين بيب ومارسيلو بييلسا.

لقد أمضيا 11 ساعة معاً، ناقشا كل شيء من حبهما للسينما إلى أنظمة كرة القدم، التشكيلات، المفاهيم التكتيكية، لقد شاهدا مقاطع فيديو من مجموعة بييلسا التي يبلغ قوامها 4000 مقطع، نقاش دائم واختلاف ثم إيجاد الحلول عبر جوجل، قام بيب بتدوين الكثير من الملاحظات، نفدت منه الصفحات في المفكرة واضطر إلى أن يطلب من بييلسا مفكرة أخرى. 

ثم فاجأه بيلسا بالحديث عن مدى سوء كرة القدم وقذارة من يعملون بها، أساليب خداعهم المستمر.

هل حقاً تحب الدماء لهذه الدرجة؟

بييلسا وغوارديولا

ليجيبه بيب بأنه يريد تلك الدماء، ذلك الاجتماع الذي أكد لبيب غوارديولا أنه بالتأكيد يريد أن يكون مدرباً، إنه الاجتماع الذي غير مسار كرة القدم.

رحلة نحو إيطاليا

زار بيب كارلو أنشيلوتي قبل دخوله عالم التدريب في رحلته المعرفية، جاء بيب لإيطاليا لأخد فكرة المحور الذي يبني اللعب أو ما يسمى في إيطاليا الريجيستا والتي يعود الفضل فيها إلى أنشيلوتي.

حيث أضاف كارلو الكثير لمفهوم الهجمة خاصة في ما يتعلق في البناء من الخلف، راهن على قدرة بيرلو على التحكم في إيقاع الفريق ويعود له الفضل الأكبر في وصول بيرلو الى هذه المرحلة.

غوارديولا تأثير الفراشة!

يقولون إن رفرفة جناح فراشة في الصين، من الممكن أن تسبب إعصاراً في أمريكا، هذا التعبير مجازيّ بالطبع، لكن المقصد منه أن بعض الأحداث الصغيرة قد تكون نتائجها كبيرة للغاية.

لن نجد إسقاط لهذه النظرية في عالم الكرة أفضل من هذا الإسباني.

عندما بدأ بيب لعب كرة القدم في برشلونة أرادت الإدارة رحيله لأنه كان ضعيفاً، سيئ في الثنائيات، سيئ في الصراعات الهوائية، لكن يوهان كرويف تدخل ومنع ذلك الأمر لأنه رأى في بيب مميزات أكبر من تلك العيوب التي يمكن تطويرها، ذلك الموقف وتلك الفلسفة من يوهان كرويف في الدفاع عن لاعبيه والتحدي لإثبات وجهة نظره هي أكثر ما يجري في عروق بيب غوارديولا الآن.

فلسفة الكرة الشاملة التي تعلمها بيب من يوهان كرويف ستصبح إحدى وسائله في تطوير كرة القدم وتحويلها إلى معركة للأفكار وليس الأبدان.

الفنان الجيد ينسخ، الفنان العظيم يسرق!

قد يتوارى إلى ذهن القارئ هنا أن بيب غوارديولا مجرد دمية تحركها سرقة الأفكار، لكن أبداً لم يكن هذا مقصد المقال، لأن كما قال بيكاسو: "الفنان الجيد ينسخ، أما الفنان العظيم فيسرق".

هل تعلم أن المصدر الوحيد للإبداع في العالم هو السرقة؟

أجل السرقة، أنا لا أعلم ما اهتماماتك، ولكن مهما كانت، تخيل أكثر شخص مبدع في مجالك، تخيل بطلك الخارق لو سألته من أين تجلب أفكارك الإبداعية تلك، لو كان صريحاً سيقول لك: أسرقها.

دعنا قبل أن نبدأ أن نوضح بعض النقاط حتى يكون بيننا فهم مشترك للأمور.

هناك ثلاثة أنواع من السرقة:

. سرقة "أحمد" الحرامي، الذي يأخذ عملَ شخصٍ آخر وينسبه لنفسه، وهذه الجريمة ليست ما نتحدث عنه.

. سرقة "نادر" الذي يقلد الناس؛ فيقلد أسلوبَ شخصٍ آخر ناسخاً إياه.

. سرقة "غوارديولا" الفنان، الذي يسرق 20 فكرة من 20 مجالاً ويدمجها كلها مع بعضها بعضاً، ويخرج منها بفكرة جديدة بعد أن يضيف لها قيمة، وهذه هي السرقة التي نريد أن نشترك فيها كلنا.

إن كان لديك حساسية من لفظ "السرقة" يمكنك تسميها استلهاماً مثلاً، أو إعادة تدوير، استخدم اللفظ الذي يناسبك.

في حالة بيب غوارديولا فإنه السارق الأعظم في تاريخ كرة القدم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد الزير
طالب بكلية الطب ومدون رياضي
طالب بكلية الطب ومدون رياضي
تحميل المزيد