تقارير وتحليلاتمقالات مميزة

بعد لقاء ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة.. هل أجاب على الأسئلة الحقيقية للمواطن؟

مدخل

ظهر محافظ ”صندوق الاستثمارات العامة“ ياسر الرميان، في استضافة مفاجئة على إذاعة ثمانية التي تبث في منصتها على يوتيوب. وكشف عن تفاصيل لقائه الأول مع الأمير محمد بن سلمان، وخطة عمل الصندوق، وكيف وصل إجمالي أصول الصندوق لـ 620 مليار دولار.

لكن المتابع للقاء يدرك أن هذا الظهور الإعلامي الأبرز للرميان، حتى الآن، قد ولّد أسئلة أكثر مما حاول أن يجيب. ”السعودية اليوم“ تحاول كشف ما بين السطور وتتساءل: هل نجح ظهور ياسر الرميان في توضيح تلك الأسئلة المعلقة أم زادها تعقيداً؟ ولماذا وقع الاختيار على ”إذاعة ثمانية“ ليظهر فيها بدلاً من قناة العربية؟ وهل أخطأ أخطأ الرجل الاقتصادي الأول في الدولة في معلوماته وأرقامه؟

عن صندوق الاستثمارات العامة السعودي

تأسس صندوق الاستثمارات العامة بداية عام 1971، ولكن في 2015 أمر ولي العهد بإعادة هيكلته وتأسيس الصندوق بشكله الجديد ونقله من إشراف وزارة المالية إلى إشراف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ليكون تحت الإشراف المباشر لسموه. إذ يحتل المركز السادس عالمياً بعد الصناديق النرويجي والصيني والإماراتي والكويتي والسنغافوري بإجمالي أصول تقدر بـ 620 مليار دولار. وتهدف المملكة إلى تحويله لأكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم. في عام 2020، عمل صندوق الاستثمارات العامة على إدارة أصول بقيمة 400 مليار دولار. ولدى الصندوق محفظة تتكون من حوالي 200 استثمار، منها حوالي 20 استثمار مدرجة في السوق المالية السعودية.

ملخص لقاء ياسر الرميان مع إذاعة ثمانية

يعتقد ياسر الرميان أن سبب تعيينه محافظًا للصندوق هو مسيرته المهنية الناجحة في مؤسسات وبنوك مالية سابقاً، كما شرح بالتفصيل في استضافته، عبر بودكاست ”سقراط“ في إذاعة ثمانية على يوتيوب، آليات ترشيح قيادات المناصب في الصندوق؟ وما هي آليات الحوكمة واتخاذ القرار داخل الصندوق؟ وما هي أسباب تركيز استثمارات الصندوق في قطاعات التقنية والذكاء الصناعي والترفيه والرياضة. وأضاف الرميان، أن الصندوق وضع قطاع الرياضة والترفيه ضمن القطاعات الاستراتيجية، متوقعا أن يكون الاستثمار في قطاع الألعاب الإلكترونية من أفضل الاستثمارات المستقبلية من حيث العوائد.

قطاع الألعاب أحد أهم القطاعات التي يستثمر بها صندوق الاستثمارات العامة – السعودية اليوم

وقال الرميان أن الصندوق قد أضاف استثمارات دولية استراتيجية حيث ركز الصندوق على الاستثمارات الدولية بشكل خاص بعد أن كانت لا تشكل سوى 1 ونصف بالمئة من الصندوق بشكله السابق، حيث قال الرميان أن الاستثمار الدولي كان بدافع سياسي بحت.

وعلى الجانب الشخصي، أشار الرميان أنه لم تكن له علاقة شخصية سابقة بولي العهد، ولكن تم ترشيحه بداية لتأسيس ”مركز دعم اتخاذ القرار“ للتخلص من العشوائية في اتخاذ القرارات، حسب تعبيره. ثم جاء تعيينه كمحافظ للصندوق بعد ذلك. وادعى الرميان أن آلية اتّخاذ القرارات داخل الصندوق تُحسم برأي الأغلبية، ولو كان ذلك ضد قرار رئيس المجلس، ولي العهد.

وفي ما يتعلق بالأرقام، كرر الرميان تصريح ولي العهد أن الصندوق يخطط لتوفير مليون وثمانمائة ألف وظيفة حتى 2025. وأضاف ياسر الرميان إن العديد من الأصول ساعدت في رفع عوائد الصندوق إلى نحو 8٪ حالياً، مثل استثمارات السوق السعودية للأسهم، إلى جانب بعض الاستثمارات بالأسواق العالمية. كما دافع الرميان عن القرار الذي اتخذه ولي العهد، والذي كان ضد رأي الاغلبية كما ذكر الرميان في المقابلة، فيما يخص استثمارات الصندوق خلال فترة كورونا، حيث ذكر أنهم  استثمروا 35 مليار دولار وجاءت العوائد بنحو 40%. وأخيراً أشار إلى أن عدد الشركات التابعة للصندوق 85 شركة، وقد ساهم الصندوق بتأسيس 50 شركة منها.

لماذا ظهر ياسر الرميان الآن؟

ويبدو أن سبب ظهور الرميان في الأساس، وفي وسيلة غير تقليدية كالقناة الإخبارية الرسمية أو قناة العربية، هو محاولة الصندوق لتوضيح القضايا المالية الشائكة التي صاحبت الصندوق منذ 2015 وحتى الآن، محاولاً الإجابة على كثير من الأسئلة التي تدور في خلد المواطنين السعوديين، خصوصاً الشباب والتي عادة لا تهتم لوسائل الإعلام التقليدية. تلك الأسئلة تشكلت بعد عدد من لقاءات وتصريحات لولي العهد أعلن فيها استحداث مئات الآلاف من الوظائف وضخ مليارات الريالات في الاقتصاد السعودي.

ويجدر بالذكر أن ”إذاعة ثمانية“ قد استحوذت عليها ”المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام“ (شبه الحكومية) في صفقة بلغت 33.31 مليون ريال في يوليو 2021 بعد تحقيقها نجاحات ومشاهدات عالية من خلال مقابلات مؤسسها عبد الرحمن أبو مالح.

أين أخطأ محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان؟ 

حاول الرميان جاهداً خلال اللقاء التأكيد على مبدأ الشفافية داخل الصندوق في عملية الترشيح للمناصب واتخاذ قرار الاستثمار من عدمه، ولكن المتابع يدرك بسهولة التناقض الواضح الذي وقع في المحافظ من خلال الأمثلة التي ذكرها. حيث لفت الرميان بالتفصيل الدقيق التراتبية التي وضعها الصندوق، برئاسة ولي العهد، في عملية اتخاذ القرارات. ولكن عندما ذكر مثال استثمارات فترة كوفيد-١٩ والتي عارضها أغلبية المجلس، تم رفع الأمر للملك سلمان بطلب من ولي العهد ورئيس المجلس، حيث جاء الأمر الملكي بالموافقة على ذلك القرار. الأمر الذي يشير بوضوح إلى عدم فعالية تلك الآلية المذكورة. 

ولعل المثال الأوضح الذي يشير لعدم حقيقة وجود آليات فعالة للحوكمة داخل الصندوق خصوصاً لقرارات الاستثمار الكبرى، هو ما كان يتردد في وسائل الإعلامية العالمية منذ سنوات حول قدرة رئيس صندوق SoftBank من الحصول على استثمار سعودي بقيمة 45 مليار دولار خلال 45 دقيقة من سمو ولي العهد. وعند محاولته الدفاع عن هذه الرواية، لم يشر الرميان إلى تفعيل آليات الحوكمة التي أشار إليها سابقاً. 

سوفت بانك يعلن خسائر فادحة خلال ٢٠٢٢ – السعودية اليوم

من الجدير بالذكر أن SoftBank قد مُني بخسائر فادحة خلال السنة الحالية، حيث سجل أكبر صندوق للتكنولوجيا في العالم خسارة قدرها 2.33 تريليون ين في الأشهر الثلاثة المنتهية في 3 يونيو، بعد خسارة قياسية بلغت 2.2 تريليون ين في الربع السابق. كما أعلنت سوفت بنك عن خسائر بقيمة 820 مليار ين من أسعار الصرف بسبب ضعف الين، بحسب ما نقلته “بلومبرغ”. الأمر الذي يشير بوضوح إلى أهمية ”فعالية“ الحوكمة وليس مجرد وجودها في مؤسسات الدولة السيادية. 

كما نفى ياسر الرميان منافسة الصندوق للقطاع الخاص داخل المملكة جملة وتفصيلا، كما ادعى عدم وجود مثال واحد على على ذلك. وعندما لفت مقدم البرنامج نظره إلى عدد من الأمثلة كشركة Safe للخدمات الأمنية التي أنشأها الصندوق، كان نفي الرميان يخفي في سياقه حقيقة أن الصندوق يزاحم القطاع الخاص. وعلل الرميان ذلك بضعف شركات الخدمات الأمنية داخل المملكة، ولكن ضعف القطاع لا يعالج بدخول الصندوق للمنافسة، بل يعالج برفع مستوى التشريعات المنظمة للقطاع وبوضع ضوابط منظمة، كما يقول الكاتب الاقتصادي زياد الغامدي. ويضيف الغامدي أن استراتيجية منافسة الصندوق للقطاع الخاص دون رفع مستوى معاييره يبقي القطاع الخاص ضعيفاً.

تم تعيين ياسر الرميان رئيساً لشركة أرامكو في ٢٠١٩ – السعودية اليوم

وأخيراً، قد لا يهتم كثير من المواطنين وخصوصاً الشباب، كثيراً بلغة الأرقام التي حققها الصندوق السيادي السعودي، أو ما هي نوعية الاستثمارات أو الشركات التي أسسها وساهم فيها الصندوق؟ لكنه بلا ريب يهتم بمستقبله الوظيفي ووضع وطنه الاقتصادي، وبالتأكيد يهتم بمستقبل وطنه وصندوق الأجيال القادمة. إن تحقيق الصندوق للأهداف المعلنة هو فخر لكل مواطن، وكفيل بالقضاء على أكبر هموم الوطن الاقتصادية، البطالة. ولكن السؤال الذي يقلق شباب الوطن هو ما إذا كانت إدارة الصندوق الحالية سوف تحقق ذلك؟ وهل مستوى الشفافية المالية والإدارية في عملية إدارة أصول وعوائد الصندوق كافٍ لطمأنة المواطنين؟ وكيف يمكن إقناع المواطن أن عملية تحويل أصول الدولة ومقدراتها الاستراتيجية والمغامرات الاستثمارية عالية المخاطر هو أمر في صالح مستقبل الصندوق السيادي للوطن؟

زر الذهاب إلى الأعلى