+ A
A -
يوسف أفندي أحمد، ابن المعلم يوسف أحمد، عالم الآثار، أحد أساطين وفناني الخط العربي، وأستاذ الخط الكوفي بمدرسة تحسين الخطوط الملكية، أول مصرى عني بالخط الكوفي، فأحياه بعد موته، وأيقظه بعد نومه، وأعاده بعد ضياعه، والباعث، في العصر الحديث، للخط الكوفي من مرقده في مصر والعالم الإسلامي، والناهض به على قدميه بعدما ظل حُقبًا وأجيالًا لا يعرفه الناس إلا رسومًا وأشكالًا يصعب عليهم قراءتها، وتمييز حروفها بعضها عن بعض، اشتهر بإحياء عدد من أنواع الخط الكوفي، بالإضافة إلى ذلك يُعدُّ واحدًا من رواد الخط العربي في مصر والعالم العربي. ولد بالقاهرة سنة 1286هـ/‏ 1869م، تعلّم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وأخذ مبادئ الحساب. وبعد أن أتم دروسه، ونال حظا من الثقافة يؤهله لمستقبله المرتقب؛ صار أبوه يصحبه معه في عمله بالمساجد، ويوقفه على ما بالمساجد، التي كان يتولى ترميمها من زخارف ونقوش وخطوط، إذ كان والده معمارًا بارزًا ومهندسًا في لجنة حفظ الآثار العربية، وبتشجيع وتوجيه منه، ومن خلال ملازمته.
بدأ يوسف أحمد يتعلم الرسم والزخرفة، والخط الكوفي من المساجد والأبنية الأثرية، وكان والده يوحي إليه بمحاكاتها، ورسم صورها وأشكالها على الورق، وطفق يُشجعه على ذلك بمنحه مكافآت سخية، ويغريه بالثناء المستطاب، والدعاء المستجاب، والفتى لا يُخيّب لوالده أملًا، ولا يرد له نُصحًا؛ بل كان يزداد بما يدعوه إليه شغفًا وكلفًا.
ينظر الباحثون إلى يوسف أحمد باعتباره أحد المجددين في فن الخط العربي، ولهُ الريادة في انتشال الخط الكوفى من الضياع؛ لإهمالهِ في العصور المتأخرة، وهو ما أهله لأن يُصبح رائد الخطاطين في هذا النوع من الخطوط العربية، ولهُ الفضل في تجديد الأسلوب الفاطمي في الكوفي؛ بل هو من أطلق تسمية لهذا الأسلوب بعدما درس الكتابات الكوفيّة في الأزهر وغيرهُ من الآثار الفاطمية. وقد نبغ في هذا الفن؛ قراءة وكتابة من دون أن يتلقاه عن مُعَلِّم؛ بل اعتمد على الجهد الذاتي في تلقي هذا الفن؛ والتمرس به حتى أتم إتقانه، وكان فيه إمام الخطاطين، وأستاذهم المدقق في العصر الحديث.
وأذكى هذا التفوق مشاركته أباه في مهام صناعته، ثم تتلمذه في لجنة حفظ الآثار العربية بعد ذلك، بعد تعيينه موظفًا رسميًا بها في سنة 1891م، لإلمامه بالخط الكوفي، مما ضاعف من اهتمامه به، فانكب في عمله وخارجه على دراسة الخطوط الكوفية الأثرية، وفك حروفها في المساجد والمقابر، حتى أتقن قراءتها ثم كتابتها، ونجح باستخلاص أنواعها التي خطت على الآثار في مصر حسب تسلسلها التاريخي، وتجاوز ما استخلصه منها سبعة وعشرين نوعًا أتقنها جميعًا، ثم أخذ يبدع ويتفنن فيها. وقد قام بترميم النوافذ الجصية في جامع أحمد بن طولون، وعددها 130 نافذة، وهي مزدانة بآيات قرآنية، وجمل متنوعة حكمية مكتوبة بالخط الكوفي. كما أفاد كثيرًا من قيامه بترتيب الآثار العربية، وتنسيق ما عثر عليه من ألواح الرخام والحجر الجيري والرملي، وشواهد القبور المكتوبة بالخط الكوفي، فدرسها وحل رموزها وعرف تواريخها، فكانت هي مدرسته وكتبه وصحائفه، التي اهتدى بها إلى معرفة قواعد الكتابة الكوفية في كل زمن منذ عرفها العرب إلى القرن الرابع الهجري أصدق معرفة، بالأدلة الصادقة، والبراهين القائمة الناطقة، فأتقن قراءتها وكتابتها على اختلاف أنواعها وعصورها.
أما مدرسته الكبرى ومأثرته في الوقت نفسه، فكانت تلك الآثار الخطية، التي رممها بدقة وإتقان. وقد كتب يوسف أحمد العديد من أغلفة الكتب بالخط الكوفي، كما جعل من الخط الكوفي ثقافة بصرية وتشكيلية جديدة لم تعتدها العين الفنية من قبل، وابتدع أسلوبًا يحمل سمات الخط الكوفي الأصيل، وقواعده في تنسيق جديد على الورق، فلم يسبق أن رأت العين الخط الكوفي من قبل إلا على العمائر المملوكية في القاهرة، وإليه يرجع الفضل الكبير في صيانة وترميم الآثار الإسلامية، ومن الأعمال التي قام بها كذلك إكمال الناقص من الكتابة، التي بداخل الجامع الأزهر عند ترميمه بمعرفة لجنة الآثار العربية، وكذلك إتمام الكتابات على سائر المساجد والأماكن الأثرية، التي كتب على جدرانها بالخط الكوفي، كجامع الحاكم، والجامع الأقمر، وأبواب سور القاهرة، ومسجد الصالح طلائع، ومسجد سيدي معاذ، ومشهد السيدة رقية، وقبة إخوة يوسف، ومسجد الجيوشي، ومسجد السلطان حسن، ومسجد الغوري وقبته بالغورية، وقبة الغوري بكوبري القبة، ومسجد سليمان باشا بالقلعة، ومشهد السيدة رقية، وأبواب سور البلد، بالإضافة إلى آلاف الألواح والشواهد الأثرية، التي تسلمها ونسقها أثناء عمله كرسام وخطاط ومفتش للآثار الإسلامية. وحاز المرتبة الثانية للخط الكوفي في المسابقة، التي أقيمت لإصلاح حروف المطبعة الأميرية في مصر عام 1903م، ولم ينافسه فيها إلا اثنان سوري وتونسي. وكلف بكتابة أوسمة الدولة عام 1914م، وكتب كثيرًا من الخطوط للأمراء والأعيان والمشاهير، ولتجار الآثار والصاغة وغيرهم، وترك عددًا من اللوحات وثلاث رسائل في الخط الكوفي، وكان أول مدرس للخط الكوفي في مدرسة تحسين الخطوط الملكية منذ عام 1932م.
ينجح يوسف أحمد في استخلاص أنواع الخط الكوفي، التي خُطَّت على الآثار في مصر حسب تسلسلها التاريخي، وتجاوز ما استخلصه منها سبعة وعشرين نوعًا أتقنها جميعًا، ثم أخذ يبدع ويتفنن.ومن محامده، وتجديده إدخال أنواع من الزخارف والرسم على الكلمات في كتابته، وارتقائه بها من بديع إلى أبدع. فهو الباعث الناشر للخط الكوفي، والرائد المعلم لسائر خطاطيه في العصر الحديث، بعد أن ظل نحو أربعمائة سنة يغط في نوم عميق.
توفي يوسف أحمد بالقاهرة في سنة 1361ه/‏ 1942م، وبعد وفاته أكمل المسيرة محمد عبد القادر (1335-1417هـ/‏ 1917-1997م)، الذي أصبح امتداد لأستاذه، كما كان امتداد أيضًا لمصطفى غزلان (ت 1356هـ/‏ 1938م) في الخط الديواني ليتتلمذ على يديه مسعد خضير البورسعيدي، وغيره من المعاصرين الذين لا يزالون يسيرون على نفس الدرب. وحاز المرتبة الثانية للخط الكوفي في المسابقة التي أُقيمت لإصلاح حروف المطبعة الأميرية في مصر عام 1903م، ولم ينافسه فيها إلا اثنان سوري وتونسي. وكُلِّف بكتابة أوسمة الدولة عام 1914م، وكتب كثيرًا من الخطوط للأمراء والأعيان والمشاهير ولتجار الآثار والصاغة وغيرهم، وترك عددًا من اللوحات.
copy short url   نسخ
22/05/2020
6158