أحد منظمي هذه الأفراح يتسلم الأموال
أحد منظمي هذه الأفراح يتسلم الأموال

تتمايل راقصات على إيقاع موسيقى مصرية شعبية صاخبة على مسرح خشبي في الهواء الطلق، فيما يعلن حسن العجمي عبر مكبر الصوت أن أحد المدعوين دفع خمسة آلاف جنيه كهدية في حفل عيد ميلاد طفلة صغيرة.

ولا يعرف مقدم الهدية حتما صاحبة العيد أو أهلها، لكنه يدفع اليوم ما سيحصده غدا في مناسبة اجتماعية خاصة به.. ربما.

ولا يتخلى العجمي عن الميكروفون، فهو الوسيط الذي يجمع أشخاصا لا يعرفون بعضهم البعض يدفعون مبالغ مالية تسمى في مصر "النقوط" في أفراح أو حفلات أعياد ميلاد صاخبة يشاركون فيها.
 

​​

ويوضح العجمي "كل مشارك يدفع مبلغا معينا في أكثر من حفل حتى يأتي دوره ويقيم حفله فيجمع كل ما دفع مرة واحدة... هكذا تدور الجمعية".

وباتت أفراح الجمعيات أمرا شائعا في مصر بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. 

وينشغل مساعدو العجمي بعد النقود وكتابة أسماء دافعيها عليها ثم التدوين في كراسة صفراء صغيرة.
 

​​

ويقول العجمي "نحن نحدد مواعيد أفراح للناس.. لكل واحد موعد.. عيد ميلاد أو عرس أو حفل أسبوع طفل، ويأتي الناس للتنقيط"، فيسترد دفعة واحدة ما سبق أن سدده على دفعات.

ويدير العجمي 70 جمعية في القاهرة وثلاث محافظات في دلتا النيل. وتتراوح المبالغ التي يدفعها المشاركون غالبا بين 250 جنيها (قرابة 12.5 دولارا) و2500 جنيه (125 دولارا).
 

​​

تمويل شعبي تضامني 

وتنتشر في مصر جمعيات بين أشخاص يعرفون بعضهم يدفع كل منهم مبلغا محددا شهريا ويحصل على هذه المبالغ شخص واحد منهم كل شهر، وهو شكل من أشكال التضامن الاجتماعي المعروف والمنتشر في مصر وعدد من دول المنطقة منذ عقود.

وغالبا ما يكون الهدف من الجمعية مساعدة الشخص الذي سيحصل على المال على الوفاء بالتزام هام أو تمويل حاجة ملحة، إلا أن "جمعيات الأفراح" مختلفة، إذ يشارك فيها أشخاص كثر لا يعرفون بعضهم، والحفلات هي العنصر الرئيسي الذي يجمعهم.
 

​​

وتحيي الحفلات فرق موسيقية وراقصات ومطربون شعبيون لجذب أكبر عدد ممكن من المشاركين، وهي مرهونة بإدارة شخص مثل العجمي يسجل بدقة كم يدفع كل شخص بالضبط وبالتالي يوجه زبائنه لحفلات مناسبة لما يدفعونه.

ويصف المحلل الاقتصادي وائل جمال هذه الجمعيات بإنها إحدى "آليات التمويل الشعبي التضامني". وهي تقوم في الواقع مقام المصارف في هذه الأوساط الشعبية.
 

​​

ويقول جمال "في كل الدول عندما لا تكون هناك ثقة في نظام المصارف أو بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض، يلجأ الناس إلى وسائل تضامنية لمساعدة بعضهم البعض على العيش".

وقد يكلف الحفل الواحد 50 ألف جنيه (قرابة 2500 دولار)، لكن صاحب الحفل قد يجني أموالا تصل أحيانا إلى 200 ألف جنيه (10 آلاف دولار)، حسب حسن العجمي الذي شدد على أن "كل شخص يجمع في حدود ما سبق دفعه".

ويشارك الجزار الثلاثيني مجدي رجب في حفل عيد ميلاد لطفلة في بلدة أبو الغيط الصغيرة في محافظة القليوبية (35 كيلومترا شمال القاهرة)، رغم أنه لا يعرف الطفلة أو أيا من أفراد أسرتها. ويقول "جئت لأدفع النقوط.. سأظل أدفع لمدة سنة حتى أقيم حفلي وأحصل فلوسي".

ويضيف رجب الذي يستعد لإقامة حفل زفاف قريب له الصيف المقبل أنه سيستثمر أمواله المحصلة في "شراء عربة نقل سوزوكي أو إقامة أي مشروع لتحسين الدخل... موضوع الجمعية يساعد كثيرا في هذه الظروف الصعبة".
 

​​

ودفعت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن اضطرابات سياسية وأمنية تشهدها البلاد منذ اطاحة الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011، المصريين للبحث عن بدائل لتوفير أي دخل إضافي.