قبة الصخرة بالقدس... مصلى الأنبياء

بناها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان
04:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

إعداد: مها عادل

قبة الصخرة بالقدس هي واحد ة من أقدم وأعظم الآثار الإسلامية حول العالم حيث يعود تاريخ إنشائها إلى القرن الهجري الأول حيث بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 66 هجرية في الموقع الذي قيل إنه شهد معجزة الإسراء والمعراج.

مصلى قبة الصخرة أحد أجزاء المسجد الأقصى «فالمسجد الأقصى هو كل ما داخل سور الأقصى»، أي أنه جزء من أحد أهم المساجد الإسلامية في مدينة القدس وفلسطين والعالم الإسلامي.

ومصلى قبّة الصخرة عبارة عن بناء مثمن الأضلاع له أربعة أبواب وفي داخله شكل ثماني آخر يقوم على دعامات وأعمدة أسطوانية في داخله دائرة تتوسطها «الصخرة المُشرفة» التي يقال إن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام عرج منها إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج. ويبلغ ارتفاع هذه الصخرة عن أرضية البناء 1,5 متر وهي غير منتظمة الشكل يتراوح قطرها بين 13 و18 متراً، وتعلو الصخرة في الوسط قبّة دائرية بقطر حوالي 20 متراً، مطلية من الخارج بألواح الذهب، ارتفاعها 35 متراً ويعلوها هلال بارتفاع خمسة أمتار.

يوجد أسفل الصخرة كهف به محراب قديم يطلق عليه «مصلى الأنبياء»، ويحيط بالصخرة حاجز من الخشب المعشق من تجديدات السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 725 ه، وتحيط بمنطقة الصخرة أربع دعامات من الحجر المغلف ببلاطات الرخام بينها 12 عموداً من الرخام تحمل 16 عقداً تشكل في أعلاها رقبة أسطوانية، تقوم عليها القبة.

مكانة مزدوجة

وفضلًا عن مكانتها الدينية الكبيرة لدى المسلمين في كل مكان، تحظى قبة الصخرة بأهمية أثرية بالغة حيث تعطينا فكرة عن تطور فن العمارة الإسلامية في مراحله الأولى ومدى تأثره بفنون معمارية أخرى كانت موجودة في البيئات المحيطة في الشام والعراق.. فالقبة هي أقدم نموذج من نوعه وهي من الآيات المعمارية الفريدة وتمتاز بالتناسق التام بين عناصرها المعمارية والزخرفية وجدير بالذكر، أن جميع الدراسات والاختبارات الأثرية الكثيرة التي أجراها علماء مختصون على البناء خلال عمليات الصيانة والترميم على مدى الأزمان، أثبتت بما لا يدع مجالًا لأي شك، أن قبة الصخرة، بكامل أساساتها وجدرانها الخارجية، هي من إنشاء عبد الملك بن مروان، وأنها بناء متجانس الأجزاء، لا يضم بقايا أي بناء قديم كما توهم البعض.

اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية، مثل الهزات الأرضية والعواصف والأمطار والحرائق، فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان عن ترميمها والحفاظ عليها.

زخارف مبهرة

تتميز الزخارف الداخلية لقبة الصخرة بالإبهار والإتقان حيث غطيت معظم أروقة وجدران المصلى من الداخل بالفسيفساء ومعظم حجارة الفسيفساء مصنوعة محلياً وتحمل الطابع البيزنطي الذي كان سائداً في منطقة بلاد الشام في مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي، ولكن ظهرت لمسات الفن الإسلامي عليها حيث أن أجمل ما في الزخرفة هي الآيات القرآنية المنقوشة في أعلى أقواس المضلع المثمن الأوسط وهي تعتبر من أقدم ما كتب من الخط العربي الجميل حيث بدأ في ذلك العصر استخدام الحروف الكتابية كوحدات زخرفية، كما جرت إضافة لمسات جمالية من الزخارف النباتية مثل ورق الأشجار وعناقيد العنب بينما جرى الاستغناء عن الرسوم والصور التي تمثل الإنسان والحيوان وفقا لما جرى عليه الفن الإسلامي في كثير من الأحيان مما أعطى المكان رونقًا يمتاز عن غيره بما يبعثه في النفس من الشعور بالهدوء والطمأنينة والتأمل العميق.

من نسج الخيال

وحاكت القصص الشعبية خيالات وأساطير كثيرة حول الصخرة المشرفة، ذكرها الكثير من العلماء، وجمعها عيسى القدومي في كتابه (المسجد الأقصى: الحقيقة والتاريخ)، ومن هذه الأساطير والأكاذيب التي جمعها القدومي أن الصخرة من صخور الجنة، وأنها سيدة الصخور، وهي معلقة من كل الجهات كما أن مياه الأرض كلها تخرج من تحت هذه الصخرة، وتتحول إلى مرجانة بيضاء..

ومن الحكايات الخيالية عنها وغير الموثقة حكاية تؤكد أن عليها موضع قدم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وعليها أثر أصابع الملائكة، وحكاية أخرى تقول إن الماء الذي يخرج من أصل الصخرة، يأتي من أحد من أنهار الجنة، وقيل أيضًا إنها عرش الله الأدنى، ومن تحتها بسطت الأرض، وأنها أوسط الأرض كلها، وأخيرًا أن لها مكانة الحجر الأسود في الكعبة، وأكد الدكتور عبدالله معروف في دراسته لمعالم المسجد الأقصى أن العلماء أنكروا هذا التعلق بالصخرة، وبينوا أنها صخرة طبيعية وجزء من المسجد الأقصى،. ولكن هذا بالطبع لا يقلل من مكانة قبة الصخرة وقدسيتها في نفوس كل المسلمين حول العالم.

تعتبر قبة الصخرة المشرفةأحد أهم المعالم الإسلامية في العالم، ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم أنموذج لفن العمارة الإسلامية من جهة، ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جذبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين من كل بقاع الدنيا، لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية، حتى اعتبرت آية في الهندسة المعمارية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"