إعلان

"دخلة الباك سبور" في تونس... تقليد طلابي يحتفي بالحرية وينتقد الواقع

المصدر: النهار العربي
تونس-كريمة دغراش
من الشعارات المرفوعة في  "دخلة الباك سبور"
من الشعارات المرفوعة في "دخلة الباك سبور"
A+ A-
"دخلة الباك سبور"، مصطلح ظهر في تونس في السنوات التي تلت حوادث 2011، ليتحول إلى تقليد احتفالي يتفنن تلاميذ المدارس في تصميمه وتحويله من فكرة إلى مشهدية تخرج عن المألوف، يعبرون من خلالها عن آرائهم في كثير من القضايا التي تمسهم أو تدور حولهم.
 
"دخلة الباك سبور"، والإسم مقتبس من عالم ملاعب كرة القدم، هو احتفال ينظمه تلاميذ البكالوريا قبل بداية اختبار الرياضة البدنية الذي يسبق بدوره الاختبارات الكتابية، ويتكفلون بجمع مصاريفه وتحتضنه عادة ساحة المؤسسة التربوية.  
 
و"الدخلة" بالنسبة إلى جماهير الملاعب هي تقليد معروف في تونس، تسهر مجموعات "الالتراس" على تنظيمها وتنفيذها احتفاءً بفريقها قبل بداية المباراة عندما يلعب على ميدانه، ويتم خلالها تصميم لوحات عملاقة بألوان الفريق وكتابة عبارات قد تكون لها علاقة بفريقها أو حتّى بقضايا شغلت الرأي العام.
 
 
رسائل بالجملة
التقط تلاميذ المعاهد الثانوية هذا التقليد وحوّلوه بدورهم إلى احتفال مثير للجدل، يسهرون على تنفيذ تفاصيله كل سنة قبيل بداية اختبارات الثانوية العامّة التي يسبقها عادة اختبار التربية البدنية (الرياضة)، من خلال تصميم لوحات عملاقة غريبة المحتوى والشكل أحياناً، يحرصون على تطريزها بشعارات ورموز تكون لها صلة بالواقع الاجتماعي والسياسي في بلدهم للفت الانتباه إليهم.
 
وعلى سبيل المثال، اختار تلاميذ في معهد "القلعة الخصبة" في محافظة الكاف (شمال غربي تونس) انتقاد النظام التعليمي في تونس، من خلال رفع لوحة عملاقة رسموا عليها شعار البحث على الإنترنت، وكتبوا في خانة البحث "نظام تعليمي جيد"، لتكون الإجابة التي عثروا عليها "خطأ... هذا غير متوفر في بلدكم".
 
أما في معهد بني خداش (جنوب تونس)، فقد اختار التلاميذ أن تكون "الحرقة" (الهجرة غير النظامية) موضوع "دخلتهم" من خلال رفع لوحة عملاقة رسموا عليها صورة لفرسان على جبل وفوقهم تحلق طائرة، يقفون قبالة برج إيفل الفرنسي وبينهم خريطة تونس مع جملة "جدودنا ضحوا بأرواحهم فلاقة وأولادهم هاربين من البلاد حراقة" (أجدادنا كانوا مناضلين فدوا البلد بأرواحهم واليوم أبناؤهم هاربون منه كمهاجرين سريين).
 
في المقابل، اختار تلاميذ أحد معاهد محافظة القصرين (غرب تونس) الحديث عن موضوع المخدرات، من خلال لوحة عملاقة رسموا عليها صورة لطائر صغير مع عبارة "مش عيب كيف نغلطو العيب كيف ما نصلحوش" (ليس عيباً أن نخطئ، العيب عندما لا نصلح الخطأ).
 
كسر الحواجز
مع "دخلة الباك سبور" يكسر التلاميذ الذين لم تعد تفصلهم عن توديع الحياة المدرسية وإغلاق "صفحة الطفولة" للمرور إلى مرحلة الجامعة كل الحواجز والقواعد التي كانوا مطالبين على امتداد سنوات بالمثول لها وإطاعتها، ففي ذلك اليوم لهم حريّة نزع الزي المدرسي (الميدعة) وإلقائه بعيداً والرقص والغناء، في إشارة إلى تحرّرهم من عالم وصاية الراشدين عليهم والانتقال إلى عالم الكبار.
 
 
لا يقتصر الاحتفال في مناسبات عديدة كما تنقله الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي "للدخلة" على وسط المعهد، فقد تتجاوزه إلى الخارج، إلى حيث لا قيود تُفرض على السلوك أو الشكل أو طريقة الكلام.
 
وتقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية صابرين الجلاصي إن "دخلة الباك سبور" تعبّر عن ثقافة جيل شاب يرغب في نقد واقعه والتعبير عن آرائه وفق منظوره وتقييمه للأشياء، مضيفة في حديث إلى "النهار العربي" أن المواضيع التي يختارها التلاميذ لـ"الدخلة" تختلف من معهد إلى آخر، فالبعض اختار القضية الفلسطينية مثلاً، فيما ذهب بعض التلاميذ إلى التركيز على الرقصات الفولكلورية لمنطقتهم في محاولة منهم للبحث عن الانتماء.
وترى أن شباب المعاهد يبحثون عن هوية لهم يدحضون من خلالها الصورة النمطية التي تروّج عنهم كجيل غير واع وغير ناضج.

جدال سنوي
صارت "الدخلة" تثير كل سنة جدالاً كبيراً، فمع انتشار صورها وفيديوهاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تختلف الآراء بشأنها بين مرحب ومعجب يشدّ على أيدي التلاميذ، مشيداً بقدرتهم على الإبداع والخلق، ورغبتهم في التحرر والتعبير عن مواقفهم مما يدور حولهم، وبين آراء محافظة تدافع على المدرسة الكلاسيكية ذات القواعد الصارمة التي لا يجوز بأي شكل من الأشكال الخروج عنها أو العبث بها، معتبرة هذه "المشهدية الاحتفالية" نوعاً من التحلّل الذوقي والأخلاقي.
 
وتقول الجلاصي إن الانتقادات الموجهة إلى هذا الاحتفال نابعة من عدم قدرة الأجيال السابقة على تقبل التغيير والتطور الطبيعي للزمن، مضيفة أن المعايير الأخلاقية للمجتمعات ليست ثابتة وتتغير بفعل الزمن وبفعل ظهور عوامل جديدة مؤثرة، أبرزها حالياً التكنولوجيا، مشددة على أن لكل جيل ثقافته وطريقته في التعبير عن نفسه وأفكاره.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار العربي الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم