Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نخيل العراق يعانق السماء بملايين الأشجار مجددا

اعتمدت البلاد استراتيجية لتوسعة زراعته بعد ما أنهكته الحرب  

النخيل ينتشر في محافظات عراقية عدة بخاصة الوسطى والجنوبية (اندبندنت عربية)

ملخص

تشهد المدن العراقية حراكاً ملموساً لزراعة مساحات من النخيل والتوجه لاستثمار الأراضي المتاحة وبخاصة في أطراف المدن وخارج بغداد.

في واحدة من التسميات التي أرادت أن تمسك بملمح من جماليات العراق وخصوصيته، "بلد النخيل" تلك الشجرة التي ارتبط اسمها وذكرها في التاريخ ببلاد الرافدين، راسخة الذكر والحضور في مدونات تراث البلاد وملاحمها وأدبها.

إن واحداً من أهم الآلهة في الأساطير السومرية، وهو "إنكي"، كانت النخلة أول شجرة غرسها في فردوسه الإلهي، مثلما ورد التمر، ثمرة أشجار النخيل في ملحمة جلجامش، وهو ملك تاريخي لدولة الوركاء السومرية، وذلك في رده على طلب عشتار الزواج منه.

نخيل القصائد

أما في مسار الشعر العراقي وخرائط نتاجه الممتدة، حضرت مفردة "النخيل" بقوة في متون العديد من القصائد، منذ شعر رواد الحداثة، بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي، ثم في شعر جيل الستينيات العراقي، ومن قصائد السياب التي ينطبق عليها المثال، "مدينة السندباد":

"عشتار عطشى، ليس في جبينها زهر... وفي يديها سلة ثمارها حجر

ترجم كل زوجة به وللنخيل... في شطها عويل"

وأيضاً "غريب على الخليج":

"هي النخيل أخاف منه إذا أدلهم مع الغروب"

و"في السوق القديم" للسياب نفسه:

"صدى غناء... ناء يذكر بالليالي المقمرات... وبالنخيل"

انفجار سكاني يبتر الجذوع

من ضمن ما حل بالمساحات الخضر في العراق، وسط أجواء الفوضى وعدم سيادة القانون، إحراق أو قطع عدد كبير من النخيل لمصلحة بناء مساكن ودور، في أزمة بدت تتضح يوماً بعد الآخر مع الانفجار السكاني الحاصل في البلاد، وغلاء أسعار العقارات، مما اضطر بعض الناس لشراء مساحات من الأراضي الزراعية وتحويلها إلى بيوت، وباستثمار واضح من قبل بعض المتنفذين الذين عمقوا من زيادة نسبة التجاوزات وتقليص الاخضرار في المدن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن حراكاً بدا ملموساً في أطراف المدن العراقية اليوم، بزراعة مساحات من النخيل والتوجه لاستثمار الأراضي المتاحة وبخاصة في أطراف المدن وخارج بغداد.

تجارب زراعية ما بعد 2003

في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، يقول المواطن العراقي أحمد محمد خليل (صاحب بستان للنخيل في بابل)، "النخيل وجوده أساسي في محافظتنا، لكن الأزمة الدخيلة عليه هي كثرة المسطحات المائية عبر التوسع في البحيرات الصناعية للأسماك".

وأضاف، "زراعة النخيل تقوي الأرض وتجعل التربة في حالة شبابية تتيح للمزارع أن يزرع فيها الغلة الزراعية اليومية، لأنه يقلل الملوحة. حالياً هناك صعوبات تتعلق بقلة المياه، فاتجه الفلاح إلى المراشنة أي انتظار دوره للحصول على الماء، وحدث بعض الإشكالات الاجتماعية بسبب الجفاف وقلة المياه بعدما حصل لأنهر متفرعة من شط الفرات".

والنخيل لا يتنازل عنه العراقيون لكن الملمح الجديد في الأمر هو غزو أصناف غير محلية للسوق، لأن بعض الدول في المنطقة تشهد حالياً نهضة في مجال زراعته.

يعلق خليل على ذلك بقوله، "المساحة التي زرعناها هي 30 دونماً... نصفها مسطح مائي والنصف الآخر نخيل وعنب وحمضيات، حيث بدأنا في زراعتها منذ عام 2003، والمعاناة تنحصر في توفير المياه لخدمة بحيرة الأسماك".

بين إحصاءات قديمة وجديدة

يقول المدير العام السابق لدائرة البستنة التابعة إلى وزارة الزراعة العراقية، الدكتور حاتم كريم عباس، "بما أن النخيل ينتشر في محافظات عدة بخاصة الوسطى والجنوبية، فإن الإحصاءات المعتمدة تشير إلى أن مجمل المساحة المزروعة بالنخيل تصل إلى 700 ألف دونم، وإن ما تعرض إلى التجريف أو الحروب وغيرها من العوامل المؤثرة على أعداد النخيل بلغ 160 ألف دونم، وهذا قبل سنتين تقريباً".

 

 

أضاف، "لطالما أكدت الإحصاءات أن العراق كان يملك 32 مليون نخلة في العهد الملكي وحتى عام 1979، لكن بعد حرب الخليج الأولى بدأ التراجع لأن منطقة زراعته تحولت إلى بؤرة للمعارك، حيث أن البصرة وحدها خسرت ما يقارب 10 ملايين نخلة، وهكذا توالت الحروب العبثية ثم الحصار الذي دفع الناس للبحث عن لقمة العيش تاركين الزراعة مع هجرة مناطقها، حتى أصبح العدد- وهذا ليس دقيق طبعاً- يتراوح بين 8 و12 مليوناً فقط".

هوس ما بعد 2020

المسؤول العراقي السابق نوه إلى أنه "بعد التغيير كان هناك اهتمام بهذا القطاع بعد أن أصبح العراق مفتوحاً على الخارج واطلاع المزارعين على أهمية الأصناف التجارية في الأسواق العالمية، إذ بدا توجه واضح نحو استيراد فسائل النخيل بخاصة الأصناف ذات القيمة الاقتصادية العالية كالبرحي والمجهول، فأدخلت وزارة الزراعة هذه الأصناف وغيرها وأنشأت محطات لزراعتها وإكثارها وبيعها للمزارعين بأسعار مدعومة ومن ثم عدلت القوانين وأصبح بالإمكان استيرادها من قبل القطاع الخاص بسهولة، مما أفضى إلى ارتفاع واضح بأعداد النخيل طبقاً للجهاز المركزي في وزارة التخطيط لعام 2020 إذ بلغ 20 مليون نخلة".

وقال عباس، "منذ عام 2020 وإلى اليوم أصبح هناك هوس ورغبة في زراعة النخيل وبمزارع ذات مساحات كبيرة، لعل آخرها مزرعة في بادية السماوة تعمل على زراعة مليون نخلة ولك أن تتصور حجم الزيادة".

وأشار أيضاً إلى أفكار كانت سائدة بأنه لا يمكن أن ينجح النخيل في المناطق الشمالية مثل نينوى وكركوك، مؤكداً أن وزارة الزراعة عملت على إنشاء محطات صغيرة تحوي أصنافاً عدة منذ عام 2012 وبعد أن وصلت مرحلة الإثمار ونجاح الزراعة، أعطى ذلك مؤشراً إلى خطأ الأفكار السابقة ودفع المزارعين إلى التوسع في زراعته وإضافة مساحات كبيرة لذلك.

وأضاف، "لكن كل هذه المساحات الجديدة المزروعة بالنخيل ما زالت إلى اليوم خارج تعداد جهاز الإحصاء ولم تدخل ضمن الأعداد المسجلة وهذا رقم إضافي كبير غير ظاهر، وعلى ما يبدو هناك تحسن والفترة المقبلة ستكون أفضل بكثير من عام 1979، لكون الأعداد الجديدة تعد فتية وكل منها سينتج الكثير من الفسائل التي ستضاف مستقبلاً إلى العدد النهائي الذي سيعود بالعراق إلى مراتبه المتقدمة في هذا القطاع".

ما بعد الاستيراد

وتحدث المهندس الزراعي الاستشاري في العراق علاء البدران، عن أنه "قبل مدة نشرت وزارة الزراعة تقريراً عن عدد أشجار النخيل المسجلة لديها، وكان بحدود 23 مليون نخلة حالياً، إذ كانت أعداد أشجار النخيل قبل الحرب العراقية- الإيرانية أقل من 16 مليون نخلة، منها ستة ملايين في البصرة، بعد أن كان عدد الضعف لكن بعد إطاحة الملكية، هاجر معظم مالكي البساتين ممن كانوا يديرون تجارة التمور من العراق عالمياً، وأسهم ذلك بشكل غير مباشر في تفتيت الأراضي الزراعية إلى مقاطعات ومساحات أقل بعد إقرار قانون ما يسمى بـ(الإصلاح الزراعي) ومنها بدأت أعداد النخيل بالتناقص بشكل متوال".

 

 

ورأى أن "قانون الإصلاح الزراعي رقم 117 الذي أعطى حق التصرف لمالكي البساتين، أسهم في زيادة أعداد النخيل وبقية الأشجار بشكل عام، لكن إيقاف العمل به أدى لتراجع زراعة النخيل. بعد عام 2010 ومع ابتداء العمل بمشروع المبادرة الزراعية ومنح القروض للمزارعين، استعادت زراعة النخيل أنفاسها لكن ليس بالشكل المطلوب، ومن ثم بعد سماح وزارة الزراعة باستيراد النخيل النسيجي، تضاعفت أعداد النخيل المزروع خلال الأعوام الثلاثة الماضية بشكل مطرد في العراق".

والبدران لديه دراسة تحمل عنوان "مشروع دراسة واقع زراعة وإنتاج النخيل في ناحية النشوة (محافظة البصرة)"، إذ اقترح ضمناً إنشاء بستان نموذجي يعمل كبنك لأمهات النخيل لحفظ الأنواع وحمايتها من التغيرات التي تحصل على النخيل المتدهور في البساتين على حوض شط العرب، فضلاً عن الإفادة من أعداد النخيل المنتجة في تشجير الشوارع وإقامة الساحات لما لذلك من آثار جمالية، غير تحسين البيئة وزيارة الرقعة الزراعية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات