Top

المملكة العربية السعودية تستضيف أحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

جزيرة شوشة ، الواقعة في البحر الأحمر غرب المملكة العربية السعودية بالقرب من نيوم ، ستكون موقعًا لأحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم كجزء من شراكة كاوست ونيوم. المصدر: كاوست

غالبًا ما تتطلب الظروف الاستثنائية إجراءات استثنائية أيضاً. فمع الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ وتأثر النظم البيئية بطرق وخيمة وغير متوقعة، أصبح العلماء وصانعو السياسات والخبراء في جميع أنحاء العالم يعيدون التفكير بضرورة وضع استراتيجيات حاسمة وجريئة قابلة للتطبيق والتكيف وذات مغزى تتصدى للتبعات المدمرة لهذه الظاهرة.

وعلى ضوء ذلك، أطلقت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ( كاوست ) مبادرة طموحة لدعم استعادة الشعاب المرجانية في وقت يشهد العالم فيه تغيرًا بِيئِيًّا غير مسبوق. وتعد هذه المبادرة في جزيرة شوشة على ساحل البحر الأحمر أول مشروع واسع النطاق لترميم الشعاب المرجانية في العالم، تديره وتموله كاوست بالشراكة مع نيوم ، أحد المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية التي تركز على الاستدامة وتحسين جودة الحياة وحماية الطبيعية. وتوفر هذه الشراكة الاستراتيجية بين الكيانين الخبرة البحثية والبنية التحتية التقنية اللازمة لتعزيز استعادة الشعاب المرجانية وترميمها على نطاقات كبيرة.

وقال البروفيسور توني تشان، رئيس كاوست بهذه المناسبة :"نحن في سباق مع الزمن لإنقاذ الشعاب المرجانية ، والتي يمكن القول إنها من بين أكثر النظم البيئية قيمة على هذا الكوكب. تعاني الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم من أزمة ، وقد تعاونت كاوست مع نيوم ونخبة من الشركاء العالميين لنشر أفضل حلولنا العلمية والتقنية لترميم الشعاب المرجانية ، وإثبات ذلك في جزيرة شوشة ".

بدأ المشروع مع إنشاء مركز أبحاث المرجان في كاوست الذي يضم أعضاء من هيئة التدريس والباحثين المهتمين بتطوير مناهج جديدة لاستعادة الشعاب المرجانية. وسرعان ما تطورت هذه الخطة الطموحة لتصبح أساسًا لمبادرة أكبر من المرجح أن تدعم استعادة الشعاب المرجانية وترميمها في جميع أنحاء المنطقة لعقود قادمة. يشار إلى أن هذه المبادرة تهدف بالأساس لتكون عرضًا لتقنيات وأساليب استعادة الشعاب المرجانية المبتكرة التي يمكن تطبيقها في البحر الأحمر وأنظمة الشعاب المرجانية الأخرى حول العالم.

ستعمل مبادرة كاوست لترميم الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة على الحفاظ على حوالي 100 هكتار من الشعاب المرجانية حول الجزيرة التي تقع على بعد حوالي 20 كيلومترًا من شاطئ نيوم في البحر الأحمر. المصدر: كاوست

يتضمن المشروع زراعة مئات الآلاف من الشعاب المرجانية في موقع تجريبي بمساحة 100 هكتار يقع في البحر الأحمر شرق جزيرة شوشة، على بعد حوالي 20 كيلومترًا من نيوم في محافظة تبوك في المملكة العربية السعودية. وسيشمل أيضًا مركز للأبحاث والسياحة البيئية لزيادة المعرفة حول النظم البيئية للشعاب المرجانية والتنوع البيولوجي للأنواع التي تدعمها.

وفي هذا السياق قال المهندس نظمي النصر الرئيس التنفيذي لنيوم: "يسعدنا أن نتشارك مع كاوست في هذا البرنامج الرائد لترميم الشعاب المرجانية قبالة سواحل نيوم. ولا شك في أن النظام البيئي للشعاب المرجانية في البحر الأحمر في نيوم قد يفتح الطريق نحو مستقبلٍ مزدهرٍ للشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم التي تعاني اليوم من تغيرات شديدة في درجات الحرارة بسبب تغير المناخ العالمي. هذا البرنامج هو أيضاً مفتاح جهودنا لإعادة بناء البيئات الطبيعية في نيوم، ويعكس التزامنا بحماية النظم البيئية البحرية الغنية، وجهودنا لريادة مستقبل عمليات الحفظ البيئي ".

بناء أساس متين لعمليات ترميم المرجان

تتطلب المشاريع المعقدة والواسعة النطاق التي تضم فرقًا متعددة وخدمات لوجستية كبيرة وجود قيادة متمرسة قادرة على إعطاء توجيهات مهمة وحاسمة. ولهذه تم إحضار توم مور خبير السياسات البيئية وترميم الشعاب المرجانية المخضرم في عام 2021 للمساعدة في إطلاق مشروع مبادرة ترميم الشعاب المرجانية في كاوست . وصل توم إلى الجامعة في أواخر عام 2021 جالبًا معه خبرة كبيرة في إدارة الحفاظ على الشعاب المرجانية بعد أن عمل لأكثر من 23 عامًا في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في الولايات المتحدة، فضلاً عن امتلاكه لشبكة من الانتماءات العالمية التي ستشكل نطاق المشروع وآليات تنفيذه. ولا شك في أن مثل هذه المشاريع الضخمة تتطلب كوادر بشرية استثنائية، وهو ما يعمل عليه توم من خلال تجميع فريق كبير يضم علماء من كاوست وخبراء عالميين لتقديم شيء لم يسبق له مثيلا، يقول: "ما يجعل هذه المبادرة قادرة على تغيير قواعد اللعبة في مجال استعادة الشعاب المرجانية هو اشتمالها على توليفة من الخبرات والعناصر الفذة والمستقلة التي تم تجميعها معًا في مشروع واحد. وهي فرصة مواتية لتطبيق علوم عالمية المستوى تخرج من جامعة كاوست ، فضلاً عن امتلاكها الموارد الفائقة والآليات لازمة لتوسيع نطاقها".

تضم الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة شعابًا في حالة صحية جيدة وأخرى في حالة سيئة، مما يوفر فرصًا لتطبيق واختبار استراتيجيات الاستعادة المختلفة. المصدر: كاوست

تلعب كاوست دوراً محورياً في هذا المشروع الواعد ، حيث توفر التمويل والبنية التحتية البحثية الشاملة والمختبرات المتطورة والتقنيات الرائدة. وتقدم نيوم الرؤية الشاملة والبنية التحتية التشغيلية والمواقع المخصصة لزراعة وتكاثر المرجان. ويقوم فريق دولي من الخبراء متعددي التخصصات الذين عمل توم مور على تعيينهم منذ وصوله - من المهندسين الذين يمكنهم بناء نظم أساسية لدعم الحياة ، إلى مديري المشاريع الذين يمكنهم تشغيل المرافق المعقدة ، إلى علماء البحار الذين لديهم معرفة عميقة بالبحر الأحمر وترميم الشعاب المرجانية ، وأخيراً القوى العاملة من الغواصين اللازمين لزراعة الشعاب المرجانية.

يذكر أن عدة منظمات إقليمية ودولية مختلفة تساهم أيضًا في دعم الخبرات الداخلية لكاوست الخاصة بهذا المشروع، بما في ذلك اتحاد استعادة المرجان ، ومؤسسة استعادة المرجان ، و (NOAA)، والمعهد الأسترالي للعلوم البحرية ، و(Oceans Inc.) ، وشركة كورال فيتا ، ومنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان (CORDAP) في كاوست التي نشأت خلال رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين (G20) في عام 2020. وتتمثل مهمتها في دعم المبادرات الحالية والجديدة التي تركز على الحفاظ على الشعاب المرجانية وتكيفها ودعم جهود ترميمها وتكميلها على أوسع نطاق.

يشار إلى أن البروفيسور كارلوس دوارتي ، أستاذ علوم البحار المتميز في كاوست، هو من بين العلماء في مركز أبحاث المرجان في كاوست الذين يعملون في إيجاد وتطبيق حلول استعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة، وفي عدد من المواقع الدولية من خلال دوره كمدير تنفيذي لـمنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان في الجامعة. يقول دوارتي: "الشعاب المرجانية هي أول نظام بيئي معرض لخطر الانقراض -شبه الوظيفي- في ظل ظاهرة تغير المناخ ، ونحن بحاجة إلى زيادة قدرتنا على استعادتها من بضعة هكتارات إلى كيلومترات مربعة وما بعدها. وفي ظل ذلك، يقدم هذا المشروع فرصة فريدة لاختبار وتطوير معرفتنا والتعلم من خلال العمل في هذا المجال الحرج لمستقبل محيطاتنا والبحر الأحمر. إنه منارة الأمل التي تأتي من المملكة إلى العالم ".

ويوضّح توم أن عمليات استعادة الشعاب المرجانية وترميمها شهدت تطوراً كبيراً منذ تسعينيات القرن الماضي، أي قبل تهديد ظاهرة ابيضاض المرجان اليوم. كان علماء الأحياء حينئذٍ ينفذون عمليات الاستعادة استجابةً لجنوح السفن والحوادث البحرية الناتجة عن ارتطام السفن بالشعاب المرجانية وتأثيرات بناء السواحل. وكانت معظم الجهود تتم بدعم مالي وتقني محدود. وظل الأمر كذلك حتى أوائل عام 2000 عندما عمل علماء الأحياء البحرية في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، على إصلاح الأضرار الناجمة من ترسانات السفن على الشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي، حيث بدأت الوكالة في التفكير بشكل مختلف حول آلية استعادة المرجان خصوصًا بعد هلاك نوعين رئيسيين من الشعاب المرجانية على نطاق واسع بسبب الابيضاض والأمراض. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ إجراءات مباشرة للحفاظ على البيئة وإدارة تدهورها على الوجه الأكمل، يقول توم: "لقد عرفنا كيفية إصلاح الموائل الأخرى مثل الأعشاب البحرية وأشجار المنغروف ، لكننا لم نعرف كيفية إصلاح الشعاب المرجانية".

مع استمرار تدهور الشعاب المرجانية، بدأ توم والعلماء الآخرون في المنطقة في التساؤل عما إذا كانت نفس التقنيات التي استخدمتها المشاريع المجتمعية الصغيرة وتجارة الأحواض المائية لعقود من الزمن- مثل تفتيت الشعاب المرجانية الفردية إلى مئات القطع الصغيرة (المستنسخات الجينية) وتنمية المستعمرات المرجانية- يمكن استخدامها لإصلاح الشعاب المرجانية في المواقع المتضررة. وهنا بدأت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي جهودًا مركزة لاستعادة المرجان باستخدام هذا النهج في نطاقات كبيرة، عبر إنشاء مشاتل مرجانية صغيرة في المحيط الأطلسي وفي جميع أنحاء فلوريدا ومنطقة البحر الكاريبي.

نجحت هذه الطريقة، لكن توم قال إنه باستثناء عدد قليل من الأطراف المشاركة، فإن بقية العالم لم ينتبه لحجم المشكلة وكانت أغلب الجهود البيئية مركزة على المناطق البحرية المحمية، ومشكلات التلوث البري، والصيد الجائر، وحلول تغير المناخ. بينما تلعب كل منطقة دور حاسم في تعافي الشعاب المرجانية، فإنها لا تستطيع معالجة التحدي بمفردها. ولم ينتبه العالم لحجم الضرر الذي لحق النظام البيئي للشعاب المرجانية حتى عام 2015 عندما أصبحت ظاهرة ابيضاض المرجان منتشرة بشكل متزايد حتى بدأ دعاة الحفاظ على البيئة على مستوى العالم في التحدث بجدية عن استراتيجيات ملحة لترميم المرجان.

في عام 2016 ، شكل توم مور والمتعاونون معه ائتلاف استعادة الشعاب المرجانية ، وهو مكان تبادل المعلومات وحلول العصف الذهني للممارسين والمعلمين والمديرين والعلماء وغيرهم من المشاركين في الحفاظ على الشعاب المرجانية. وسرعان ما تطور هذا الاتحاد من مجموعة صغيرة مقرها منطقة البحر الكاريبي إلى مجتمع دولي فاعل.

عالم بحار في كاوست يستخدم شظايا مرجانية لتنمية مستعمرات في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط. تصوير: جولي ويست/كاوست

وكان مؤتمر مستقبل المرجان 2018 نقطة انطلاق الائتلاف حيث ناقش فيه المشاركون كيفية توسيع عمليات استعادة الشعاب المرجانية وترميمها على نطاق أكبر وأكثر تركيزًا. بينما وضعت العديد من المجموعات خططًا خاصة تتناول هذه القضية ، لم يكن أي طرف على استعداد لتولي الاستثمار الحقيقي المطلوب ، حتى تقدمت كاوست ، بالتعاون مع نيوم وحكومة المملكة العربية السعودية ، وشُكلت مبادرة كاوست لاستعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة، وبدأت العمل على قدمٍ وساق لاستعادة المرجان.

ويشرح توم :"يحاول علماء الأحياء حل المشكلات الهندسية في مناطق ترميم الشعاب المرجانية باستخدام الشريط اللاصق والأربطة ذات الزمام المنزلق والأنابيب البلاستيكية والصمغ السريع منذ عقدين من الزمن وحتى يومنا هذا ، إلا أن ما نحتاج إليه فعلاً هو أن يطور المهندسون حلولًا مبتكرة ومخصصة لهذه المشكلات . ولحسن الحظ ، كان التفكير المبتكر سمة باحثي كاوست. لا يوجد مشروع في العالم مماثلا لهذا المشروع مطلقاً من ناحية الدعم الحكومي الكامل ، والاستثمار والاستعداد لتوسيع نطاقه، ووجود فريق من الخبراء الذين يمكنهم تحقيق ذلك".

تحقيق الرؤية على نطاق واسع

ستساهم كاوست -باعتبارها شريك رئيسي في هذا المشروع - بموارد وخبرات من مختلف التخصصات لتنفيذ المشروع ، بما في ذلك التقنيات التي تطورها والمصممة لتوفير طرق أكثر كفاءة لنمو الشعاب المرجانية وزراعتها مثل تقنية (KAUST Maritechture™) لتغطية الحدائق المرجانية بالهياكل الإصطناعية. وسيعمل باحثو الجامعة على تطوير سلسلة توريد أفضل للشعاب المرجانية باستخدام أدوات مثل الروبوتات والتصنيع التكيفي ثلاثي الأبعاد ، والمساعدة في تعزيز مرونة وحياة الشعاب المرجانية باستخدام أساليب متطورة من العلوم البيولوجية.

ستستخدم مبادرة كاوست لترميم الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة تقنيات خاصة بكاوست (KAUST Maritechture™) لتغطية الحدائق المرجانية المحيطة بالجزيرة بالهياكل الإصطناعية.

وكمثال على جهود كاوست في هذا المجال ، يقوم البروفيسور مانويل أراندا ، أستاذ البيولوجيا التطورية في كاوست، بتطبيق خبرته في علم الجينوم المرجاني على المشروع من خلال تحديد الجينات التي تجعل مستعمرات مرجانية معينة أكثر مقاومة للحرارة من غيرها من خلال التكاثر الانتقائي الذي يمكن من خلاله إدخال هذه السمات المرنة إلى مجموعات المستعمرات المرجانية الأقل تحملاً لمنحهم فرصة أفضل للبقاء في ظل درجات حرارة أكثر دفئًا. وفي دراسة أخرى ، تعمل البروفيسورة شارلوت هاوزر ، أستاذة العلوم الحيوية في كاوست، على تطوير هياكل عظمية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد مغلفة بمادة تسرع نمو المرجان. وهي نفسها الهياكل الإصطناعية التي سيستخدمها العلماء في المشروع لزراعة الشعاب المرجانية. كما تبحث البروفيسور راكيل بيكسوتو ، أستاذة علوم البحار في كاوست وزميل الجمعية الدولية للشعاب المرجانية منذ عقود في كيفية استخدام البكتيريا لدعم الكائنات الحية المختلفة والنظم البيئية الطبيعية الحيوية ، على اليابسة وتحت الماء. ويعد عملها الثوري في المعززات الحيوية المرجانية (البروبيوتيك) مثالًا مهمًا آخر على مساهمات أعضاء هيئة التدريس في كاوست في حلول الترميم واستعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة.

تستخدم عالمة البحار في كاوست البروفيسورة راكيل بيكسوتو المعززات الحيوية (البروبيوتيك) لزيادة تحمل ومرونة الشعاب المرجانية والحد من نفوقها في البحر الأحمر. المصدر: كاوست

يقول إيان كامبل ، المدير التنفيذي للمشاريع الخاصة في كاوست والذي يشرف على المبادرة في جزيرة شوشة: " نريد تقديم مشروع لترميم الشعاب المرجانية على نطاق واسع ، وفي الوقت نفسه نرغب استخدام مناهج استعادة بيئية شاملة تضم الاساليب التقليدية والحديثة والمبتكرة من خلال إدماج تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لإنشاء نموذج عمل مستدام. يتمثل هدفنا بتسخير مواردنا المتميزة لبناء حلول يمكن أن تدعم المشاريع الأخرى في جميع أنحاء المنطقة والعالم".

يحتوي الموقع الذي تم اختياره للمشروع على شعاب مرجانية في حالة سليمة وأخرى سيئة على حد سواء ، والتي قال توم إنها توفر فرصًا لتطبيق واختبار استراتيجيات الاستعادة المختلفة. من المقرر زرع أكثر من 5000 من الشعاب المرجانية كل يوم ، بإنتاجية تقريبية تصل إلى نصف مليون من الشعاب المرجانية سنويًا ، ومليونين من الشعاب المرجانية على مدار خمس سنوات. وسيتم استخدام هياكل اصطناعية خاصة عند الحاجة مصممة لدعم الشعاب المرجانية ومساعدتها على النمو لتشكل مستعمرات كبيرة، فضلاً عن استخدامها لزراعة المرجان على الشعاب المرجانية الحالية.

سيستخدم العلماء شعابًا مرجانية من عدة مصادر متنوعة ، مع التركيز على تلك التي تنمو في المشاتل ، سواء في المحيطات أو تلك التي في مرافق خاصة وتستخدم أنظمة إضاءة مثلى وظروف نمو قابل للضبط. وسيعمل الفريق على الحد من استخدام المرجان الموجود قدر الإمكان. كما سيستفيد المشروع من المرجان الذي تضرر وانفصل عن شعابه بفعل العواصف أو مشاريع البناء.

تستخدم عالمة البحار في كاوست البروفيسورة راكيل بيكسوتو المعززات الحيوية (البروبيوتيك) لزيادة تحمل ومرونة الشعاب المرجانية والحد من نفوقها في البحر الأحمر. المصدر: كاوست

ويؤكد توم أن الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو زيادة مرونة وتنوع الشعاب المرجانية، يقول: "لا يمكنك نقل الشعاب المرجانية من جميع الأنحاء والأعماق المختلفة إلى مواقع جديدة. فلا يوجد حل واحد يناسب الجميع. نحن بحاجة إلى التفكير مَلِيًّا بشأن الشعاب المرجانية التي يمكن أن تنمو وتزدهر في الموقع، بالإضافة إلى الشعاب المرجانية النادرة التي تتكاثر لَاجِنْسِيًّا".

ولهذه الغاية ، ستحتوي الخطة الرئيسية التي يجري تطويرها للموقع على مئات من المناطق التشغيلية تضم شبكة من الوحدات ، لكل منها خطتها الوصفية الخاصة. وسترصد أجهزة الاستشعار وتقنيات المراقبة الرقمية الأخرى الشعاب المرجانية التي تعيش بشكل جيد وستحدد مواقعها، حيث تساعد هذه المعلومات على اتخاذ قرارات حول الاستراتيجيات التي تُمكن الشعاب المرجانية من الازدهار في المستقبل. وبكل تأكيد، ستلعب القدرات والموارد الحاسوبية المتفوقة في كاوست دورًا كبيرًا في هذا الجهد. يقول توم مور: " يستعرض هذا المشروع الإمكانات والتقنيات الحالية والمستقبلية لكاوست في مجال حماية التنوع الحيوي والتي ستساعدنا في الاختيار الصحيح للمرجان وبطريقة ذكية تجعل الشعاب المرجانية أكثر قوة وصحة".

مركز تعليمي لأجيال المستقبل

بمجرد بدء المشروع وسريانه ، سيتم إنشاء مركز زوار ومنشأة بحثية لتوفير فرص تعليمية وتبادل مستمر للعلماء والطلبة والسياح على حد سواء ، وتسهيل وصول الزوار من جميع أنحاء المملكة والعالم. وسيضم مركز الزوار معارض تعليمية تفاعلية لزيادة الوعي بالبيئات البحرية ، بما في ذلك العروض المرئية التي قال توم إنها ستكون "التوأم الرقمي" لتجربة استعادة المرجان تحت الماء. ستكون منشأة البحث مركزًا متطورًا لباحثي نيوم وباحثي كاوست والعلماء المقيمين لدراسة الشعاب المرجانية هناك وفي المناطق المجاورة.

يفيد توم إنهم لا يزالون يستكشفون الفرص المختلفة لهذا المشروع ويدرسون الجوانب الأخرى منه. وأشار إلى أن المشروع من المرجح أن يوجّه الابتكارات بقدر ما ستوجّه الابتكارات المشروع، يقول: "إنه طريق ذو اتجاهين. ما هو مناسب للعلماء في مختبر على نطاق صغير قد لا يعمل بشكل جيد على نطاق منشأة ضخمة. لهذا نحتاج إجراء المزيد من النقاشات والتقارير حول هذا المشروع مع العلماء والمشاركين في الموقع لمساعدتهم على فهم الأساليب والأمور التي تعمل بشكل أفضل في هذا المجال ، وبالتالي نتمكن من الخروج بتقنيات وأساليب جديدة ومحسنة لم نفكر فيها في البداية".

وعلق مدير مركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست، البروفيسور مايكل بيرومين على المشروع بقوله: " نعيش اليوم في وقت حرج بيئياً يستدعي تدخلات جريئة وطموحة للحفاظ على الشعاب المرجانية ومعالجة التحديات التي تواجهها على مستوى العالم باستخدام مناهج مبتكرة تغطي تخصصات علمية متعددة. ولا شك أن كاوست ، التي يعتبر البحر الأحمر أكبر مختبراتها ، في وضع فريد يؤهلها لتكون مركزًا للأبحاث والتطورات التكنولوجية التي سيكون لها تأثير محلي وعالمي".

بدأ فريق مبادرة استعادة الشعاب المرجانية في كاوست إطلاقًا مَبْدَئِيًّا للمشروع خلال مؤتمر مستقبل الشعاب المرجانية (Reef Futures 2022) في الفترة من 26 إلى 30 سبتمبر 2022 في كي لارغو بولاية فلوريدا الأمريكية، وهو مؤتمر دولي لاستعادة الشعاب المرجانية يجمع ممارسي الاستعادة والباحثين والمديرين وصانعي السياسات من جميع أنحاء العالم لمناقشة أحدث التقنيات والعلوم لتوسيع نطاق وتأثير جهود استعادة الشعاب المرجانية في العالم بشكل كبير.