رواية الحب اولا الجزء الثالث 3 بقلم دهب عطية

رواية الحب اولا الجزء الثالث 3 بقلم دهب عطية


رواية الحب اولا الجزء الثالث 3 هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة دهب عطية رواية الحب اولا الجزء الثالث 3 صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية الحب اولا الجزء الثالث 3 حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية الحب اولا الجزء الثالث 3

رواية الحب اولا بقلم دهب عطية

رواية الحب اولا الجزء الثالث 3

جالسة على الاريكة تشاهد مايحدث بوجها فاتر المعاني فارغة النظرات كمن ينظر لمشهد خارج
أطار حياته…
تألقت في غضون ساعة بفستانا ابيض مزين من عند الصدر بقماش التل وحزام أنيق حول الخصر وينزل
باتساع بسيط..فبدت خلابة بعد ان رفعت شعرها في تسريحة انيقة تاركة غرة جانبية تداعب خدها…ولم
تغير كثيرًا في زينتها فكانت تلائمها وتلائم الثوب الأبيض الذي ابتاعهُ عاصم لها وأتى بعد وصوله مع
المساعدة……
دارت عسليتاها بين الوجوه الحاضرة هذه اللحظة
لحظة عقد القران على عاصم الصاوي الذي يجلس
الان امام والدها يضع يدهُ في يدَه ويردد ما يملى عليه من المأذون الجالس بينهم يضع منديلا ويمسك بقبضتهم معًا……
عادت تشاهد الوجوه من جديد اصدقاؤه الاثنين
حاضرين المناسبة وهم (حكيم ، ومينا…)يبدو عليهم
السعادة لرفيقهم……حضر أيضًا أفراد عائلته عدا الهام التي أعتذر عن غيابها زوجها متحجج بانها مريضة ولم تقدر على الحضور……
اتت عيناها في عينا يزن الواقف جانبًا يتابع ما يحدث وقد التقط نظراتها التي توزعهما على
الجميع بفتور..استغربت جدًا نظراته نحوها
غريب هذا الصبي تشعر بعدم الارتياح معه
ربما لانه أبن إلهام !…
ابعدت عيناها عنه تبحث عن الملاذ فوجدت اخيها ينظر اليها فابتسمت له بخجلا فبادلها الابتسامة
وهو يبث دون كلمات الطمأنينة والراحة لقلبها….
ولم تلبث إلا دقائق قليلة وتمت الإجراءات الرسمية واصبحت زوجة عاصم الصاوي على سنة الله ورسوله وانتلقت حينها الزغاريد من صديقتها (خلود)التي حضرت على عجله بعد ان اخبرتها
في الهاتف…..
بدأت التهنئة من جميع من حولهما فبادلتهم
بابتسامة وسلام فاترًا كمشاعرها الآن في تلك
اللحظة فهي حتى الان لا تستشعر السعادة بعد
تلك الخطوة الهامة في مسار حياتها ؟!…
طبيعتها تجبرها على هذا ان تكون كلوح زجاج
شفاف خالٍ من الألوان والحياة ولا يمتزج
معهن حتى وان طل عليهم !…
(كماءٍ عذب انتِ خالٍ من المذاق والطعم والرائحة لكنه أحد أهم مصادر الحياة ، وانتِ مصدر الحياة بنسبة لقلبي حتى وان كُنتِ باردة فاترة
المشاعر ، ستظلِ ترياق الحياة سيدتي…)
قالها عاصم وهو يراها تقف بين شقيقيها بعد
تهنئة الجميع لها وقفت جوار اخويها تستمد
منهم القوة وربما السعادة التي حتى الان
تفارقها……
قالت كيان بابتسامة واسعة…
“مش مصدقه انك بقيتي حرم عاصم الصاوي…”
مطت شهد شفتيها قائلة..
“ولا انا…..بس انا مضايقه منكم..ليه محدش قالي..”
استلم حمزة دفة الحوار….
“قال انه عملهالك مفاجأه وانكم متفقين ان كتب الكتاب هيبقا قريب بس محددتوش امتى بظبط..”
ثم استرسل بشك….
“انتي ادبستي ولا اي ياشهد ؟!…”
هزت شهد راسها مجيبة ببديهية….
“لا طبعًا انا بس اتفجأت متوقعتش يبقا
بالسرعة دي…بس زي ما عاصم قالك احنا
كنا متفقين على كل حاجه….”
ثم نظرة لاختها وسالتها….
“هو خطيبك ليه مشي علطول…..”
قالت كيان مبتسمة….
“شكله اتحرج فسلم ومشى علطول….”
ثم إضافة بروح مرحة….
“على العموم ابوكي حدد فرحنا هيكون مع
حمزة وقمر….مبروك ياميزو… متوقعتش خالص
انك تجوز قمر…. ”
قالت شهد بجذل….
“انا بقا متوقعه من زمان..وكنت متاكده انك هتاخد الخطوة دي لما قمر تبعد عنك….”
لم يرد حمزة بل أومأ براسه وهو يحك
في شعره كنوع من الحرج…..فقالت كيان
بهدوء….
“على فكرة انا عايز اروحلها…..”
ضيق حمزة عيناه…. “ليه بقا ان شاءالله…..”
قالت كيان بجدية….
“عشان اعتذرلها على اللي حصل وبارك لها دي هتبقا مرات اخويا برضو…..”
رفع حمزة حاجبه وكذلك فعلت شهد التي سالتها بدهشة….. “انتي بتكلمي بجد ولا بتهزري….”
اكتفت بايماءة وتمتمت بحرج….
“بتكلم بجد طبعا انا حاسه اني جيت عليها اوي
ومش عايزاها تكون شايله مني….”ثم كورت
شفتيها قائلة ببراءة…..
“مش عايزة أكون عمتو الحرباية…..”
ابتسمت شهد وضحك حمزة معقبًا…
“جدعه ياحرباية….يومين كده واخدكم ونروحلها..”
ثم نظر لكلتاهما قائلا برجاء….
“وبرضو عايزكم تقنعوها ترجع معانا بدل قعدتها
في الشقة لوحدها….”
نظرا الفتيات لبعضهن بلؤم ثم هتفا بنفسًا
واحد….
“اطمن سيب الموضوع ده علينا…..”
ضحكا ثلاتهم معًا وهم يقفا معًا كمثلث مترابط
بثلاثة أضلع……
تدخل عاصم في تلك الوقفه بنحنحة خشنة..
“معلش لو قطعت عليكم كلامكم بس العروسة
اختفت مرة واحده من جمبي وملحتقش ابارك
لها حتى…”
بلعت شهد ريقها وهي تتبادل النظرات معه
وكم كانت نظراته خطرة وحانقه عليها…لذا
قالت بتبرير…..
“كنت مشغول مع صحابك وأهلك فقولت اسيبك
براحتك معاهم…..”
“يبقا انا اللي غلطان اني مهنتكيش أول
واحد…. متعوضة… ”
اقترب منها عاصم ومالى على رأسها مقبل جبهتها
قبلةٍ طويلة بثت بها مشاعر خطرة شديدة السخونة
فاغمضت عيناها بتاثر وجسدها ينهار بين يداه….
حك حمزة في ذقنه وهو يبعد عيناه عنهما
بحنق….اما كيان فأبتسمت مطرقه برأسها…
فابعد عاصم شفتاه عنها مهنئا إياها وهو ينظر لعيناها التي فتحتهما فورًا عليه كشمسان في المغيب نورهما
ساطع وخلاب…..
“مبروك ياشهد….. مبروك ياحبيبتي….”
اومات براسها تغتصب الابتسامة بقلب مختلج
ومشاعر متضاربة…….فمالى عاصم على وجنتها
يقبلها ويده كالوثاق على خصرها حتى لا تبتعد
همست تحاول ان تمنعه دون ان تسبب
له الحرج امام شقيقيها…. “عاصم……”
طبع قبله صغيرة على وجنتها فغز عطرها الطيب انفه فأسكر حواسه وسرى بين جوانحه بنشوة…إلا انه
همس بغضب مكبوت….
“كل مرة بتثبتي ليا اني مش فارق معاكي…. وانك
مغصوبه عليا…..”
افترت شفتيها بشهقة صغيره لم يسمعها سواه
لقربه الشديد منها…حتى قالت بخفوت…
“انت فاهم غلط…..”
وتلك الشهقه شديدة الانوثة والرقة التي خرجت
للتو من بين شفتيها الفاتنة احد الأسلحة الفتاكه
التي تشهرها في وجهه دون ان تدرك….
فقال على مضض قبل ان يبتعد عنها
مجبرًا…..
“هديكي فرصة تفهميني الصح بس مش هنا….”
أقترب منهم عثمان قائلا بإبتسامة واسعة…
“مبروك ياعاصم…خدت اغلى بنت عندي…”
نظرت شهد لوالدها بمشاعر باردة….وابتسامة مبتذلة
تحمل من السخرية اطنان……وكذلك شقيقيها نظراتهم شديدتا الجفاء….
تنحنح عاصم قائلا بإبتسامة متزنة….
“طبعًا ياعمي….انا محظوظ ان شهد بقت مراتي…”
باغتها بمسك يدها المرتاحه جوارها ثم احتضن اصابعها باصابعه باحتواء فنظرت اليه بدهشة
فقال عاصم مسترسلا بهدوء…..
“انا بستأذنك ياعمي…أخرج مع شهد النهاردة
نحتفل بالمناسبة السعيدة دي….”
وزع عثمان النظرات بينهما قليلا ثم
قال…. “طبعا حقك…..روحوا انبسطوا…..”
ثم ربت على كتف ابنته يبارك لها حتى يحفظ
ماء وجهه امام عاصم….”مبروك ياشهد….”
اكتفت بابتسامة لا تمت للحياة والفرحة بصلة بل كانت ميته من شدة البرودة كمشاعرها نحوه…..
………………………………………………………….
كانت تعبث بخاتمها الالماس وعيناها على الطريق الممتد أمامها تنظر له بشرود ومشاعرها تختلط وتتضارب بجنون…..وهو بجوارها يحتل مقعد
القيادة بصمت وملامح وجهه لا تعبر عن اي
شيء حتى الآن…..
أصبحت زوجته…زوجة رجلًا….حياتها الجديدة ستشارك تفاصيلها مع رجلا.. ستكون ملكا لرجلا…
مسؤولة من رجلا…كيانها وطموحها أصبح بين
قبضة رجلا !….
شعور مضنيًا يستنزفها ويرهق قلبها وكانه
ينخر في عظامها نخرًا…
هل هي بائسه لتلك الدرجة تنغص حياتها بهذه السهولة لما لا تستمتع مثلا بهذه الطلعة الخاصة
وتفكر كالفتيات عن اي مفاجاة اعدها لها
زوجها وما نوع الاحتفال…..
يالهي انها أمور تافهة تكره التفكير بها….
انها بائسه فعليًا وليس مجرد تخمين !…
إبتسمت بسخرية مريرة عن اي أحلام وردية ستداهم
عقلها ، عقلا لم يستقبل إلا ذكريات شديدة البرودة والقسوة…..عن اي دفئ وردي يجب ان تفكر به وكل شعورٍ عاطفيّ بداخلها ناله التعفن !…
“افهم بقا… بتضحكي على إيه…..”
سالها عاصم بنظرة جانبية ثم عاد للطريق…فنظرت
اليه قليلا متأمله وجهه المحبب لقلبها والوسامة التي
اوقعت قلبها في الهوى، والهيبة التي تزلزل ثباتها
متوغلة حتى تصل الى نقطة ضعفٍ تكره ان تصل
اليها معه !…..
بللت شفتيها وهي تنظر أمامها هازئه….
“تفهم اني مبسوطه بالمفاجاه اللي عملتهالي…مع
اننا مكناش متفقين قبلها على الجواز بسرعة دي.. ”
زم شفتيه قائلا ببرود….
“والله انا لما فكرت فيها لقيت ان ده انسب
وقت… اتجوزك فيه….”
جزت على اسنانها بقوة جراء صفاقة
تعبيره وقالت منزعجة….
“ممم.. لا والله…. عندك حق… طب مش كان
واجب عليك تعرفني برضو….”
تحدث بجفاف دون النظر لها….
“ما انا قولتلك اني عملهالك مفاجأه…. وبعدين لو كنتي معترضة اوي كده وافقتي ليه….”
قالت بغضب….
“عشان محرجكش قدامهم…”
رفع حاجبٍ وهو يرمقها بنظرة سوداوية…فقالت
هي بتقهقر…..
“اللي اقصده اني مكنش ينفع أرفض.. بذات بعد
ما دبستني….”
ازداد ارتفاع حاجباه بخطر فعقب مستهجنًا
“دبستك ؟! اسكتي ياشهد… ومتكلميش…. بلاش تبوظي اليوم بكلام يحرق الدم…”
رمشت بعيناها وهي تقول بدفاع عن حق
من حقوقها….
“فين حرقة الدم… انت مش شايف انك باللي عملته
ده لغيت وجودي واتصرفت بمزاجك…”
قال بنظرة نافدة وصوتٍ محتدم….
“انا اتصرفت صح انتي مينفعش معاكي غير كده..”
لمعة عيناها بالغضب….. “قصدك إيه….”
عيل صبر منها فقال بصرامة…
“قصدي انك كنتي بتماطلي الفترة اللي فاتت ومش عيزاني اخد خطوة لقدام معاكي مختصره علاقتنا
بخاتم خطوبة…. وده لا يليق بيا ولا بيكي ولا احنا
مراهقين عشان نعيش المرحلة دي ولا حتى نطول
فيها….”
قالت شهد برجاحة عقلا…..
“الخطوبة اساسا اتعملت عشان الناس تتعرف على بعض اكتر وتطمن وبعدين ياخده الخطوة التانية الجواز بعد ما يتأكدوا ان هما فعلا مناسبين لبعض….”
لوى شفتيه وهو يقول بسخرية تمتزج بوقاحة
الذكور المعروفة….
“وانا متأكد انك مناسبة ليا….وحتة نتعرف اكتر فانا شايف ان احنا نعمل فترة الخطوبة دي في بيتنا اهو
تتعرفي عليا اكتر بس عن قرب وانتي في حضني
على سريري….وده هيكون أحلى تعارف…”
تخضبة وجنتيها وهي تقول بحنق بالغ….
“بلاش تقلب الحوار لكلام خارج انا مبحبش كده..”
ابتسم بسخط….. “بكره تحبي….”
اندفع الغضب في أوردتها فقالت من بين
اسنانها…. “عاصم انت ا…”
اوقفها عاصم بصوتٍ هادئ انساب على
قلبها فاطفأ شعلة غضبها….
“هشش…. اسكتي ممكن تأجلي كلامك الحلو ده
ليوم تاني لاني النهاردة مش عايز حاجة تعكر
مزاجي… عايز انبسط واحتفل معاكي… احتفل
انك بقيتي مراتي ممكن….”
رمشت باهدابها بتقهقر بعد ان أثر عليها
بكلماته ونظراته المشبعة بالعشق….فقالت
بعد لحظات باقتضاب…
“ممكن….. بس احنا رايحين فين…..”
رأت الحب الذي أطل من عيناه وهو
يخبرها بهمسا أجش….
“خليها مفاجأه…..اصلحك بيها….”
أرحم قلبي من روعتك يارجل، أرحمه فكل هذا
الحب والدفء يكاد يصهره في بحر هواك…..
………………………………………………………..
دخلا معا احد الاماكن الخاصة المطلة على البحر مباشرة فظنت انها جلسة خاصة كسابقة على الشاطئ…..
لكنها تفجأت بهذا المكان الرومانسي الذي خصصه ملاك المكان للاحتفاليات الثنائية…
صعدت السلالم الخشبيه برفقته وسارت على جسرٍ
خشبي عالي منصوب في عرض البحر يزين بالزهور الحمراء والشموع المنصهرة من الجانبين وفي نهاية الجسر تجد مقعدان وطاولة يزين سطح الطاولة بالزهور الحمراء وفي الوسط شمعة منصهرة تذوب بشاعريه مع موسيقى البيانو الرائعة التي تصدر من أحد الزاويا…..
وقفت شهد في هذا المكان الساحر الخلاب… والمنظر
الرائع الذي يطل عليه البحر انهما يقف في منتصف البحر على جسرٍ بني متين مزين بالزهور والشموع الحمراء والاضاءة الخافته الرائعه…مكانا يشعرك بأنك تحلق في عالم من الخيال وليس معك سوى من تحب…..
ومع موسيقى البيانو الإيطاليا التي تعزف مقطوعة رائعة تعزف على أوتار قلبها فتغذي جانبًا فنيًا بداخلها تمتزج الموسيقى مع خرير الماء بالاسفل فتعطي رونق اخر مع الهواء الطلق والمظهر البديع
من حولهما….
انها في الجنة، هذا التعبير الاصدق داخلها الآن….
“اي رأيك في المفاجأة…..”
نظرت اليه وكانها انتبهت لوجوده الان !…
انها فُتنة بالمكان فخلب عقلها وقلبها معًا ونسيت
انه هو من حضر لكل هذا من أجلها….
شعورٍ دافئ تسلل اليها فجعل نبضاتها تتسارع بعنفا
وهي تبعد الغرة الجانبية قليلا قائلة بانبهار براق
في عسليتاها التي أضحت في الليل كشهابٍ
ساطع شديد التوهج…..
“المكان يجنن…..مش مصدقه انك عملت ده كله عشاني…انا حاسه اني وقفه في حتة من الجنة
المكان يجنن وكل حاجه فيه جميلة….”
“طب تعالي نقعد العشا وصل…..”
اشار لها عاصم على النادل القادم عليهم من أول الجسر يجر عربة أنيقة عليها عشاء أليوم….
علمت من رائحة الطعام انه عشاء ايطالي بحت فهي
درست المطبخ الإيطالي لأعوام كما حال باقية المطابخ الاكثر شيوعًا والتي يجب ان يطلع عليها
أغلب الطهاة لكسب خبرة أكبر في مجالهم المعتمد على التجديد والتميز….
جلست على المقعد المقابل له ثم بدأ النادل بوضع
الطعام بابتسامة عملية….بعد ان رص الاطباق ووضع المشروب الجانبي انصرف….
فقال عاصم لها بابتسامة مستاءة….
“للأسف بعد ماحجزت في المطعم ده اكتشفت انه المنيو كله ايطالي….فكرت الغي الحجز بس المكان عجبني….”
قالت وهي تشبك اصابعها معًا وتسند بذقنها
عليهم… “أول مرة تاكل اصناف ايطالية….”
هز راسه بنفي سائلا….
“انا معرفش غير الاصناف المصرية وانتي….”
قالت شهد بابتسامة صافية….
“انا شغلي يحتم عليا اجرب كل حاجة واتعلم معظم الاكلات المعروفة وكان من اشهرها المطبخ الإيطالي….”
انعقد حاجبا عاصم….
“دا بجد….واضح انك رسمة على تقيل في شغلك
ده…..”
قالت شهد بصوت متزن….
“دا اسمه طموح….. والحياة من غير هدف متبقاش حياة… وانا اتعلمت من صغري يكون عندي هدف
اعيش عشانه….”
تأمل عاصم وجهها قليلا ثم القى عرضًا
مبهمًا….
“انا ممكن افتحلك المطعم اللي بتحلمي بيه..
ساعتها هتكوني مبسوطه ؟….”
رأت الهزل والرفض على محياه فقالت
بكبرياء….
“مين قال اني عيزاك تفتحلي مطعم… انا يوم ما هعمل ده هعمله بنفسي من غير مساعدة من اي
حد….”
وكانها صفعته بأدب فوضح وجهة نظره بصبرٍ…
“انا مش حد ياشهد ومع ذلك انا رافض فكرت شغلك
ان شايف ان هدفك المفروض يكون نجاح علاقتنا
جوازنا…. ونجاحه أهم مشروع في حياتك…”
حديثه نبش في الجراح القديمة فقالت
بعسليتان نافرتان…..
“سعادتي هو اني أكون شخصية مستقلة ماديًا
ومعنويًا حتى بعد ما أكون مراتك….”
افتر فمه لبرهة بدهشة وهو يحدق بها بملامح صخرية قد جفت الفرحة من فوقها…..
“اللي بتقولي ده عكس الطبيعة البشرية… معروف
ان الست بعد الجواز مسئوله من جوزها… ماديًا
ومعنويًا مش العكس….”
قالت شهد تقارعه بصوتٍ شديدة البرود….
“ممكن بس مش على حساب ان يلغي كيانها بمجرد
انها بقت مراته فـهتبقا تحت رحمته زيها زي الكرسي اللي بيقعد عليه….دا مش عدل….”
سحب عاصم نفسا متهدج بالكثير من المشاعر
مابين إعجاب بقوتها لأحباط من شدة صلابتها
وصعوبة ترويضها…..
فقال عاصم وعيناه تأسرها باحتواء العالم احتواء
يصهر قشرة الثلج داخلها فتصبح عارية امام
سطوة مشاعره……
“مين قال انه بيلغي كيانها لما تكون قعده في بيتها معززه مكرمة زي الملكة اللي بتشاور عليه بيجلها
من قبل ما تطلب حتى…..
انا لو هعمل كده معاكي فا لاني شايفك زي قطعة الماس نادرة وغالية يتخاف عليها من العيون فلازم
احافظ عليكي ولو طولت اخبيكي بين ضلوعي هعملها ياشـهـد…وساعتها ابقي قولي عليا رجعي ومتخلف…”
هل تأثرت كالمرهقات بهذا الكلام العاطفي المبتذل
ان قلبها يختلج بالنبضات ولسانها توقف فجأه بعد
ان داهمها شعور جميل أضعف عزمها……
عندما ساد الصمت ابتسم عاصم بنشوة الانتصار فاشار لها على الطعام قائلا…. “الاكل هيبرد….”
مسك عاصم المنديل الأبيض النظيف وبدا يمسح الشوكة والسكين بحرصٍ شديد قبل ان يأكل بهم
..وعندما لاحظت تلك الحركة قالت بابتسامة مشدوهة….
“انت بتعمل إيه… الشوك والسكاكين باين انهم
نضاف على فكرة…”
قال مقتضبًا….. “زيادة تاكيد…..”
بدأت تاكل وصوت البيانو يشاركهما
الخلوة الرائعة….فقالت بعفوية…
“الفيو من هنا يجنن… المكان كله يجنن…”
قال عاصم بحنان….
“انا معنديش مانع اجيبك كل يوم نتعشا هنا…”
قالت بوجنتين حمراون وعسليتان
خلابتان… “أخاف تزهق مني…”
اخبرها عاصم بتوله…..
“انتي الوحيده ياشـهـد.. اللي مينفعش ازهق منها…”
الرحمة أرجوك ، جميل إسمها على لسانه وكانه
يسقي احرفها الثلاثة بالحب فتتوغل الى قلبها
فورًا وكانه يحدث قلبها سرًا…
راقبته شهد من أسفل رموشها بانه يرغم نفسه
على ان يأكل لقمة او اثنين ويظل يمضغ بهم
لوقتٍ طويل…..
دفعها الفضول فقالت بتساؤل….
“شكل الأكل مش عجبك… ولا موسوس كالعادة…”
قال مقتضبًا.. “الاتنين….”
تركت الشوكة والسكين جانبًا ومسحت فمها
بمنديلا ورقي….ثم سالته بحيرة….
“نفسي افهم طالما ملكش في المطاعم والجو ده..
بتعمل كدا ليه في نفسك….”
اخبرها دون النظر اليها….
“عشانك…. عشان ابسطك….”
انتفض قلبها بين اضلعها وذابت مفاصل اعصابها فسارت نشوة غريبة في كامل جسدها ورغم
ذلك قالت بواقعية…..
“انا أقل حاجة ممكن تبسطني….مش لازم تجهد نفسك وفلوسك في كل ده….”
رفع عيناه عليها قائلا بجفاء…..
“مش دي الجملة اللي مستنيها منك….”
عضت على باطن شفتيها فمدت يدها ترتشف
القليل من الماء ثم اقترحت بتردد وهي تضع
الكأس جانبًا…..
“اي رايك نرقص سوا…. صوت البيانو يجنن….”
كانت تتوقع الرفض منه لكنه نهض عن مقعده مكتفي
بايماءة ووجهه لا يعبر عن ما يجول بخاطره الان…
رقصا بطريقة مختلفه عن السابقة فقد احتوى خصرها النحيل بكلتا يداه مقربها منه وهي وضعت يدها على صدره لفرق الطول بينهما…
شعرت في تلك اللحظة بمضخة قلبه العنيفة
اسفل كفها….في حين تسارعت دقات قلبها
بقوة تضاهيه وهي ترفع عيناها عليه مأخوذة
بهيئته المهلكة عن قرب انه شديد الوسامة
والرجولة وبنيته الجسمانية الضخمة تقشعر
بدنها….
فيزداد ازدرد ريقها وكانها محمومه بين ذراعيه وها
هو الانجذاب يزداد خطورة معه والحميميه تطفو
على مشاعر كلاهما دون سابق إنذار…..
تبادلا النظرات معًا وسُبُل الحب تعرف صبابة
قلوبهما المتوهجة به الان….
ضمها عاصم الى صدره برقة وحنان فأرتاحت
برأسها على صدره النابض بقوة وعند سماع
خفقات قلبه همست بإسمه بتعب دون ان تعي
على نفسها….”عـاصـم….”
“ارتاحي ياحبيبتي…. انا جمبك….”
قالها وهو يميل عليها دافنا وجهه في عنقها ويداه
تضمها بقوة حانية وكانه يعمل فعليا على ان
يخبؤها بين اضلعه لعله يرتاح ويريح قلبها…..
همس بنفسًا ساخن بقرب اذنها وشفتاه تلامس عنقها دون قبلات فزاد هذا من قشعرتها وطغى عليهما بنشوة الحب لذة……
“اه من هواكي ياست الحُسن…. آه ياشـهـد…..”
باخر تأوه خافت له زاد ضمها لصدره ومشاعرهما
معًا تذوب مع أوتار الموسيقى الرائع ، وصوت الأمواج الثائرة يشارك خفقات قلوبهما العنيفة
الان…..
هذا أول أعترف بالحب منه بان هواها اضنى
قلبه ؟!..
وماذا عنها فهي أمام قوة مشاعره تسلم كافة حصونها مستقبله بنهم أول شعور دافئًا يلفها
به…
ان قلبها مصابٍ بالجفاف وكل ما تريده الان منه ان ترتوي من الحب دون مقابل ، وهذا ما يجعلها تظهر امامه بصورة المرأه الانانية باردة المشاعر ، صُنعة
من زجاج صلب ؟!…
اغمضت عيناها في احضانه مسالمة طامعه في الكثير من الحب من المشاعر والراحة…فقد اتضح
ان عناقه هو ملاذها الضائع وأخيرًا وجدها !…
…………………………………………………………..
أنزل سلطان كوب الشاي عن فمه وهو يرمق صديقه
باستنكار قائلا….
“انت بتفكر غلط…ذنبها اي بنت عمتك تدخلها معاك في لعبه زي دي…..”
تحدث حمزة بتجهم….
“ومين قالك انها مش مستفادة….زي مافهمتك انا
بحافظ على مالها وفي نفس الوقت برجع حقي
وحق أخواتي…”
رد سلطان يقارعه….
“واجب تعرفها وليها حق تختار…”
هتفت حمزة مستهجنًا….
“وافرض رفضت وبوظت كل حاجة هكسب إيه
انا…هرجع لنقطة الصفر تاني…..”
هتف سلطان كضمير المتكلم….
“يعني تغشها بطريقه دي…..انت كده بتلعب
بمشاعرها ياجدع….”
برر حمزة باستهانه….
“يابني هو انا قولتلها بحبك…كل الحكاية اني قولتلها انها عجباني وعايز اتجوزها….. ”
ابتسم سلطان بسخرية ثم برجاحة
عقل تحدث….
“يعني لما تجوزها عشان عجباك… غير لما تجوزها
عشان تعرف ترجع حقك من أبوك….وانت شرط
على أبوك وقتها لانك واثق ان مفتاح قلبها في
إيدك ومتأكد انها هتوافق عليك…”
ثم لوى شفتاه بتهكم مضيف…..
” كل ده وملعبتش بمشاعرها… فوق ياصاحبي انت بتوحل نفسك في حكاية كبيرة هتطلع منها صغير اوي قدامها بعد ما تعرف الحقيقه… ”
هز حمزة راسه بتعنت….
“وحتى لو.. مش هتنفع غير كده الفرصة مش بتيجي
للي زيي غير مرة واحده يا استغلها يا اسبها تروح
لصاحب النصيب…..”
ثم استرسل حمزة وصدره يشتعل كمرجل ناري
من مجرد التخيل…..
“بالك يعني عثمان الدسوقي هيغلب معاها…ممكن
يزق عليها اي واحد نصاب….يعلقها بيه وتجوزه وياخد منها التنازل برضو…..”
تافف سلطان بوجوم….
“انا نصحتك وانت حُر بس في الاخر مترجعش
تقول ياريتني….”
اوما حمزة براسه قائلا بصلابة….
“لا من الناحية دي أطمن….اللي بعمله هو عين العقل
دا حقي وحق أخواتي البنات….”
انتاب سلطان القلق على صديقه فساله
بريبه…..
“تفتكر ابوك هيعديها كده بساهل لما بعد كام شهر
من جوازك يكتشف انك نصبت عليه ولا هتديلو تنازل ولا غيره…..”
رد حمزة بجسارة….
“أعلى مافي خيله يركبه…هيعمل اي يعني…”
زم سلطان شفتاه بعدم ارتياح…..
“ربنا يستر …. على اللي كنت بتحكهولي اتوقع
منه اي حاجة…..”
ساد الصمت قليلا وهم يرتشفا المشروبات
الدافئة…..
كانوا جالسين امام ورشة الخشب الخاصة
بسلطان يتابعا حركة الشارع الرتيبة بعينين
شاردتين……
حتى قطع الصمت سلطان الذي
قال بتهنئه…..
“صحيح مبروك لشهد…وكيان…..عقبال الفرحة الكبيرة.. ”
اجابه حمزة وهو يرمقه بعتاب….
“الله يبارك فيك….مجتش ليه بقا انت ومراتك
دا انا حتى عزمتك….”
هتف سلطان معتذرًا…
“رجعت من السفر هلكان نمت ماقمتش غير تاني
يوم العصر……سامحني ياصاحبي متعوضة في
الفرح الكبير ان شاء الله….”
اوما حمزة براسه ناهضا عن مقعده
وهو يقول….
“ان شاء الله…….انا همشي انا عشان أكمل شغلي…”
نهض سلطان معه معترضًا….
“ما انت قاعد ياجدع…مش اتفاقنا نتغدى سوا…”
شكره حمزة وهو يتجه الى سيارته….
“بالف هنا ياصاحبي.. هتغدى مع اخواتي عشان ميبقوش لوحدهم….عايز حاجة….”
لوح له سلطان بيده قائلا بخشونة….
“لا عايز سلامتك…هبقا اكلمك في التلفون أشوف
الأمور وصلت معاك لفين…..”
عندما غادر حمزة بسيارة….عاد سلطان جالسا على مقعده امام الورشة ثم اشعل سجارته ورفع عيناه
على شرفة شقته فمنزل عائلته يقبع امام الورشة
مباشرةً…
أبتسم عندما وجدها تدلف اليها حاملة سلة صغيرة
من الملابس….ترتدي اسدال الصلاة……
زادت البسمة مشاكسة على محياه وهو يرفع
هاتفه على اذنه…فاختفت لثوانٍ وعادت بالهاتف
ترفعه على اذنها وهي تنظر اليه من شق الستائر
المغطي أطار الشرفة بملامح عابسة…..
فسالها سلطان بمناغشة…..
“بتعملي اي يامجنونة….”
رمقته شزرًا ثم اجابت بتبرم….
(بنشر الهدوم…مش شايف يعني….)
قطب حاجباه مستفسرًا….
“وانتي قلبه عليا كده ليه…..”
اندفعت داليدا تخبره دون مواربة….
(انت عارف… عشان مرحتش قراية فاتحة
كيان…..لا سبتني أروح معاك ولا من غيرك…)
هز راسه متاففًا وهو يراها تتابع نشر الملابس
دون النظر اليه…..
“لا حول ولا قوة الا بالله…. بيقولوا الإحساس نعمة
وانتي مفيش رحته…..”
نظرت اليه بدهشة..(والله….دا الكلام دا ليه…)
تراجع عن الحديث محاولا نيل رضا الأميرة
المدلله…..
“مش كنت تعبان انا ياداليدا ورجعت نمت علطول..
وبعدين تروحي إزاي من غيري لازم ابقى معاكي تتخطفي يابت…..”
هتفت بضجر……(انا مش صغيره على فكرة…..)
ابتسم بمناغشة لذيذة….. “انتي نونه….”
ضحكت فورا…بينما قال هو مبتسمًا
“ايوا كده خلي الشمس تنور…. بدل قلبة البوز اللي تسد النفس دي….هعوضهالك يادودا فرحها قريب
يعني مش بعيد….. ”
صمتت قليلا ثم حاولت ان تلطف الجو بينهما
فقالت بدلال شقي يليق بها….
(سلطن…. تحب تأكل اي على الغدى….)
تسارع نبض قلبه وهو يبتسم على هذا
التدليل السخيف لاسمه……
ثم قال لها مشتهيًا…..
“بمبار ومحشي مشكل وبطه… الواحد هفتان
اوي يادودا من بعد سفرية الشغل دي…”
افترت شفتيها بصدمة لبرهة ثم لم تلبث
إلا وقالت برضا تام…..
(خلاص عرفت انا هعمل إيه…مكرونه وبانية….)
رفع حاجباه مشدوهًا ثم تمتم بعدها
بتجهم….
“والله !!….لا اعملي على قدك بقا… عشان انا
كدا كده هاكل عند امي…..”
ضحكت بتشفي وكانها كانت تنتظر هذه الجملة
منه حتى قالت بجذل……
“يازين ما اخترت والله… انا كمان هنزل اتغدى
تحت عند امك …”
لوى شفتاه قائلا…..
(تعرفي انك عنوان للبجاحه…..)
قالت بتهكم….
“متعلماها منك يابتاع الخوخ…..”
ضيق عيناه مهددًا بانتشاء….
(هنرجع للسيرة دي تاني..هطلعلك ياداليدا…وانتي عارفه لو طلعت هعمل إيه….)
احمرت وجنتاها على سيرة هذا التلميح
الوقح……فقالت بتقهقر…..
(خلاص سكتنا….أقفل بقا خليني اكمل نشير…)
أمرها بخشونة قبل ان يغلق
الهاتف….
“شدي الستارة طيب وانجزي…..”
(حاضر… سلام ياسلطن….)قالتها بابتسامة
حلوة التقطها بعيناه وحفظها قلبه…..
وضع الهاتف في جيب بنطاله مغمغمًا
بتعب…..
“سلطن تعب يابنت عمي…..وجاب آخره….”
………………………………………………………….
دخلت من باب المكتب وبين يداها صنية عليها فنجانين من القهوة…..بخطى واثقه ومستقيمة
اقتربت من مكتبه….
وكان جالسًا مع احد الوكلاء….وعندما وقفت
امام عيناه مباشرةً تلعثم قليلا في الحديث
واخطأ عدة مرات وعيناه تذهب اليها…..
“تحب اجبلك حاجة تانيه يا استاذ….”سالته بابتسامة
رزينة لكن ومض عيناها شديد الشقاوة والدلال..
جعله يطيل النظر اليها قليلا ثم
قال….
“لا ياكيان…. شكرًا روحي شوفي شغلك….”
استدارت عائده ادراجها حيثُ مكتبها بالخارج…
وبعد ساعة ونصف خرج العميل وعلى وجهه الرضا
التام بعد تلك المقابلة المثمرة…… القت عليه كيان
التحية ثم دلفت الى المكتب بيدها دفتر صغير
تسجل في اهم مواعيده لليوم….
اطرقت على الباب فدخلت…. فوجدته بانتظارها
فكان يترك كل شيءٍ امامه مرتخي للخلف بظهره على المقعد الدوار الذي يتحرك يمينا ويسارًا
بفعل اهتزازه بسيطه منه….. وعيناه
عيناه تسبح في تفاصيلها تلتهماها دون حياء
فسرت قشعريرة بكامل جسدها وتخضبة وجنتيها بخجلا فأطرقت براسها أرضا وكادت ان تتعثر
في السجادة لولا تمسكها…..
عندما وقفت امامه بعد معاناة قالت وهي تنظر
في دفتر المواعيد…..
“في وكيل هيوصل كمان نص ساعة و…..”
“كيان….”
قاطعها عندما نادى باسمها فاعطته كامل تركيزها…
فالتوى ثغرة في ابتسامة ذكورية مشاكسة قائلا…
“انتي مش ملاحظة اننا من الصبح بنتكلم في
الشغل….”
حكت في عنقها بحرج…..
“طبيعي يعني إحنا في الشغل….يبقا هنتكلم في الشغل…..”
مالى على المكتب قليلا وأشار على
المقعد المقابل له….
“ممكن تنسي الشغل شوية…قعدي يا كيان…”
عندما جلست بلعت ريقها متوجسة بعد
ان اخبرها سليم….
“انا حددت الفرح مع باباكي بعد شهرين بظبط…..”
اومات براسها…. “اه عارفه….”
عقد حاجباه مستفسرًا….
“لحد دلوقتي مسالتنيش هنعيش فين….”
نظرت اليه وحركت اهدابها ببراءة…
“افتكرت انك هتعيش مع عمو مصطفى…..”
انبسطت ملامحه قليلا ثم استفسر
بحيادية….
“انا نفسي طبعا….بس المهم انتي عايزة إيه….”
اسبلت اهدابها مفكرة…فوضح هو بهدوء…
“انا عندي شقة في مكان كويس….ممكن اغير في الديكور بتاعها تعملي حاجة على ذوقك…اي رأيك..”
فهمت دون توضيح أكثر ، انها الشقة الذي كان
مقدر له الزواج بها مع ايتن وان ديكورها صمم
على ذوقها العريق….
رغم شعور الغيرة القاسٍ على روحها اجابة
بثبات……
“مش لازم….انا عايزة اعيش في شقة باباك…يعني
اهو نونسه بدل ما نسيبه لوحده كده….اي رأيك..”
قال سليم بمشاكسة….
“انا كده بدأت اغير من سيادة المستشار….”
ابتسمت كيان مؤكده….
“لازم تغير لانه واخد مكانه خاصة في قلبي…”
سالها بصوتٍ أجش وعيناه تسبح في فلك
عيناها بضياع…
“وانا مخدتش ركن صغير في قلب عصفورتي…”
اجابته بعفوية… “انت واخد قلبي كله يا استاذ….”
فغر شفتاه فلم يتوقع اجابة صريحة
منها… “انا إي ياكيان…..”
ابتسمت بمراوغة وقالت..
“مش بحب اكرر كلامي مرتين…على فكرة انا هخرج
ساعة بدري…..دا بعد اذنك طبعًا…..”
عبست ملامحه فجأة….. “راحه فين بقا….”
قالت بهدوء…. “معزومه عند ناس صحابي….”
سالها بخشونة…. “يطلعوا مين صحابك…..”
ضحكت قائلة…..
“صحابي ياسليم….أطمن كلهم بنات….”
“والعزومة دي فين.؟…”ازدادت سعة التحقيق
معها وكانها متهمة !..
فقالت بصبرٍ…..
“في بيت واحده من صحباتي اي اسئلة تانيه…”
ازدادت علامات الرفض على وجهه….
“من امتى الخروجات دي…وبعدين انا كنت
ناوي اعزمك على الغدى النهارده….”
قالت مؤنبه إياه….
“وتسيب عمو يتغدى لوحده…دا ينفع..”
تبادلا النظرات بصمت فقال سليم
بتجهم…
“يبقا اوصلك بنفسي عشان اطمن….”
قالت كيان برفض…..
“طب والوكيل اللي جاي كمان نص ساعة….خليك
انت وانا أول ما أوصل هرن عليك مش هتخطف
يعني…”
…………………………………………………………
بعد ان انتهى يومًا شاق في العمل….عاد للمنزل
عصرًا في موعد الغداء…..
وعندما أغلق الباب خلفه سمع صوت اغنية شعبية
تصدر من مطبخ والده !….
كان هذا الأمر مريب بنسبة لرجلا لا يسمع إلا اغاني
محددة للست ام كلثوم فقط وهذا لأجل (هالة)
حبيبته التي كانت تعشق صوتها….
قاده الفضول فخطى بخطواتٍ حريصة الى المطبخ
كي يرى سبب تغير والده المفاجئ في ذوقه في الأغاني…..
خصوصا ان الاغنية المذاعة لمطرب شعبي
قديم….وكانت الموسيقى صاخبة قليلا والمغني
يقول…..
(انا قلبي عندك وانت قلبك مش هنا اديني قلبك واللي انت عايزة عندنا…. ااه اديني قلبك وخد
قلبي ااه اديني قلبك وخد قلبي…. خلي المحبه
حبة حبة تجمع شملنا…)
وقف عند باب المطبخ ولم يتوقع ما تراه عيناه…
(كيان) هنا في مطبخهم تطهو مع والده الطعام
وهي تضحك مندمجه هي ووالده مع المغني
الذي استرسل قائلا…..
(طول عمر قلبك دا غالي علينا ويامه روحنا معاه وجينا وشيلنا حبك في رموش عنينا…بس انت ليه مبقتش جمبي تملي ليه تتعبلي قلبي ااااه….)
(اديني قلبك وخد وقلبي…اديني قلبك وخد
قلبي..خلي المحبه حبة حبة تجمع شملنا…)
كتم سليم ضحكاته وهو يراها تقلب في الاناء
على النار… مدندنة مع الاغنية بعفوية دون ان
يغطي صوتها على صوت المغني…..
وكان والده يشرع في وضع الطاجن بالفرن وهو
يردد كلمات الاغنية بروقان ولم يرى والده سعيدا
هكذا من قبل وكانه مع تلك العصفورة عاد به
العمر للخلف لزمنا أشتاق الى عنفوان الحياة
به و الأقبل عليها بروح الصبى !…
أسند سليم كتفه على الجدار وهو يتابع هذا
الاندماج الرائع وهم يطهو معًا اصنافٍ شهية
بروائح متناغمه مع أوتار الموسيقى الصاخبة… صخب رائق وهذا وصف غريب !……
كانا معا كالأب والابنة في هذا المشهد كان هذا
الحلم الذي يسعى سليم بان يحققه لها…
وقد تحقق دون اي تدخل منه….وكأن والده وجد ابنته أخيرًا ، وهو مع والده وجد حب حياته
الضائع…..
انتبهت كيان لوجوده فابتسمت وهي تردد كلمات الأغنية دون ان يغطي صوتها على المغني….
وعيناها اسيرة عيناه السعيدة برؤيتها هنا….
(شغلت بالي شغلت بالي ولا انت داري باللي
جرالي تنام واسهر انا الليالي…)
ضحك سليم دون صوت واعطاها قبلة في الهواء دون ان يلاحظ والده وجوده حتى الآن….
فابتسمت كيان وهي تتابع الاغنية مدندنة
بنعومة….
(رغم العذاب وزعلي منك مقدرش يوم استغنى عنك اه..اديني قلبك وخد قلبي..اديني قلبك
وخد قلبي خلي المحبة حبة حبة تجمع شملنا…)
اشارة له بان يقترب ففعل والابتسامة الجذابة
تزين محياه……
فمدت يدها له بالمعلقة الخشبية….فاشار سليم
على الحلة الانيقة فاشارت له ان ينزع السترة
ففعل وهو يقهقه عاليا وشمر عن ساعدِهِ..وبدا
يقلب في الاناء وهي بجواره تتابع تقطيع
البصل…..
فأستمرت كلمات الأغنية لأخر جزءًا بها وهي
تدندن معها دون ان يعلو صوتها…..
(اديني حبك وخد حناني ريحني جمبك ولو
ثواني ولا انت قلبك في حد تاني؟…..)
هز سليم راسه سريعًا بنفي وأشار عليها ثم
على موضع قلبه حركةٍ تعني…
(انكِ الوحيدة هنا…. وستظلِ للأبد هنا..)
لوت شفتيها بحسرة…فكانت الاغنية تتضامن
معها قائلة…..
(كتير كتير تزعل وصلحك…وكتير كتير عذبني جرحك….)
ضحك سليم بقوة التعبير بكلمات الأغاني أحيانًا
يحملك غرامات اكثر من المستحق…..
لكنه أحب الأغنية الذي يسمعها لأول مرة معها
فكانت تحمل أول ذكرى شقية وجميلة بينهما
“انت جيت ياسليم….”قالها والده الذي اقترب منه مندهشًا فلم يلاحظ وجوده إلا الآن….
مسكت كيان هاتفها واوقفت الأغنية….بينما
رد سليم وهو يغطي الإناء….
“من بدري ياسيادة المستشار…..واضح انك
كنت مندمج اوي مع عبد الباسط….”
اتسعت ابتسامة والده حتى اطالت حدود
عيناه المجعده….
“يااه ياسليم….تعرف انا بقالي قد إيه مسمعتلوش..
البركة في الاستاذة دي رجعتني سنين لورا ايام ما كنت بسمعه على القهوة مع الحبايب…”
نظر لكيان التي ابتسمت بحرج وهي تنظر الى
سليم الذي سألها بعتاب….
“مقولتيش يعني ان العزومة هنا كنا روحنا سوا وبدري….”
عضت على شفتيها وهي تخبره….
“حبيت اعملهالك مفاجأه…خصوصا ان كان قدامك شويه على ما تخلص…..”
ثم استرسلت بمناكفة وهي تنظر لوالده…
“على العموم…دي عزومة عمو ليا..مجتش منك..”
أفصح سليم…. “مانا كنت ناوي اعزمك…..”
هتف والده بتوبيخ….
“اه كان ناوي يستفرد بيكي لوحده….”
ضحك سليم وهو يحك في انفه بحرج….
فأمره والده قائلا…
“خد خطيبتك واستنوني في البلكونة ياسليم على
ما الطاجن اللي في الفرن ده يتحمر…..عشان نتغدى….”
قالت كيان بحرج…. “اساعدك ياعمو…”
رفض والده قائلا بموده….
“مش مستهله ياكيان….مفضلش غير حاجات
بسيطه ارتاحي…انا واخد على كده..”
كانت ستعترض كيان مجددًا لكن سليم تدخل
قائلا بحرارة وهو يمسك يدها…..
“عين العقل تعالي…تعالي ياعصفورة اما اوريكي بلكونة بيتنا هتعجبك اوي…”
كتمت كيان ضحكاتها وهو يجرها خلفه للخارج بسرعة.. “براحه ياسليم هقع……”
……………………………………………………….
انه الحب الحب الذي يجملنا ويسعدنا…
نتشبث بالحب وكانه(الأم) ومهما زاد الصدع بيننا
وكثرة الخلافات سيظل المسكن الأمن لنا ، ان الحب كالوطن نعلق عليه الخيبات ونهاجره لأميال ثم نعود فنجد الوطن مزال بمكانه ينتظرنا بقدر رحابُ..
هل عليها ان تتوخى الحذر في الحب…كيف وهو
بهذه الروعه ، انها بالحب تشعر بانها تحلق عاليا
بين النجوم الامعة تتلألأ معهن ، انها بالحب ترى نفسها أجمل نساء العالم واكثرهن رضا وثقة
بنفس….
ان للحب آثر عميق في نفس المحب يشعرنا بالكمال
يغير نظرتنا للأفضل…..
كانت تقف بجواره في شرفة منزله والذي يطل
على حديقة صغيرة تحيط البنية بالاسفل، ومن
بعد حدود الحديقة السيارات الفارهة المصفوفه
جانبًا….كان الشارع هادئ راقي، الحركة شبه
رتيبة…..
داهم انفها عبق الهواء الطيب يملأه نسيم الطبيعة
المنعش….وصوت زقزقة العصافير ياتي من مكانًا بعيد فابتسمت وهي تغمض عيناها باستمتاع..
وعلى جانب الاخر كان هناك من يراقب ويتأمل بنهم جمالها خفة روحها واقبالها على الحياة بتفاصيلها
الصغيرة……
سالها وسط هذا الجو المفعم بالحب والحياة..
“لسه عند رايك…في اننا نعيش هنا بعد الجواز…”
فتحت عينيها الفيروزية ونظرت اليه مؤكده
بروح حلوة…..
“اكيد…مش كل شوية هتسألني السؤال ده…”
اخبرها سليم بجدية….
“بس مش هنقدر نغير اي حاجة في الديكور هنا..
كل حاجة اتحط هنا بايد ماما…وبابا مستحيل
يغير اي ركن في شقة باستثناء اوضتي….”
سالته دون تعبير مسبق…..
“انت نفسك تغير حاجة في الشقة….”
هز راسه بنفيًا قائلا بنظرة بها لمحة من
الحزن والحنين…..
“لا طبعًا ولا حتى جدران الحيطان ينفع اغير
لونهم دي الذكريات اللي فضلالي منها…”
اومات كيان براسها تخبره بتفهم….
“الشقة أصلا جميلة والديكور مش محتاج تغيير مامتك كان ذوقها حلو اوي….بس أكيد لازم اغير
في اوضتك شوية دا بعد اذنك طبعا…..”
أكد بابتسامة واسعة وكانه نال حلواه
للتو…
“دي هتبقا اوضتك خلاص وليكي الصلاحيات
في ده…..قوليلي انتي عايزة اي فيها يتغير وانا
اعملهولك…”
قالت بحرج….
“ممكن أشوفها….بس لوحدي….”
عقد حاجباه وهو يدعوها
للداخل…
“وليه لوحدك هاكلك انا يعني….تعالي معايا… ”
فتح الباب واضاء الأنوار واشار لها سليم بان تتقدم ففعلت وهي تخطو أول خطوة في غرفة نومهما الخاصة عما قريب……
تأملت المكان من حولها كانت غرفة شاسعة أنيقة
بها طابع رجولي بحت الوانها داكنه والاثاث كذلك
يحتوي على الاساسيات من فراش لمكتب لخزانة
ملابس لتسريحة موجود عليها اغراضه الخاص
وعطره وهيهات من عطره….
الغرفة متشربة من عطره وكانها تهواه سرًا !…
بلع سليم ريقه بقلب يخفق بشدة بين اضلعه ، كم
هي رائعه حين يراها هنا في غرفته في مطبخه
في منزله….حلما يتحقق على أرض الواقع…
وكان الواقع أشد جمالا وروعة من الخيال.. ليته اتخذ هذا القرار منذ زمن ليته لم يعرضها ويعرض نفسه لضلالة الحب !…
ظل مستند على اتار الباب يشاهدها وهي تطلع على
كل زاوية في الغرفة بتأني…حتى رات باب ملحق
بها وقبل ان تساله أخبرها بهدوء…
“دا الحمام تحبي تشوفيه….”
احمرت وجنتيها بحرج انها تتمادى اليوم وكانها طيرٍ
حرًا طليق لو علم شقيقاها بأمر تلك الزيارة لقطعا
من لحمها للطير !…
لكن لا بأس يحق لها ان ترى المنزل والغرفة التي ستعيش بها….وكل ركن بها….
اتجهت الى الحمام وفتحت إياه….. وكانت مساحته رائعة وبه كل ما يحتاج المرء فلن تضطر لاستعمال
الحمام الخارجي أبدًا. فكانت الخصوصيه بهذه
الغرفة اكثر من رائعة…..
تحمست للأمر وارتاح بالها أكثر…..فقالت باعجاب
تبدي رايها في غرفته الخاصة…
“بصراحه الاوضة حلوة اوي…بس محتاجه اظبط
فيها شوية حاجات…هغير الموبيليا والحيطان..”
أومأ سليم براسه دون ان يتحرك من مكانه….
قائلا بنظرة شغوفة بها…
“مفيش مشكلة ننزل المعرض واختاري الاوضة
اللي تعجبك….كمان انا لسه عايز اجبلك شبكتك..
واضح ان الخروجات هتكتر الفترة الجايه…. ”
توترت من نظراته فقالت بتلعثم وهي تتجه
الى المكتب….”اه….هو الاب دا بتاعك….”
اتكأت عليه بعفوية فأنارة الشاشة بصورتها..اتسعت
عيناها وهي تراه يضع صورتها خلفية حاسوبه..
كانت الصورة نفسها التي التُقطت لها سابقًا
على يد (داليدا.)وهي تاكل الدونتس…وحينها
ابدى اعجابه بالايك الأزرق ولم تحبذه أبدًا
وقتها اخبرها انه قيمها من منظوره الخاص….
رفعت كيان حاجبٍ وهي تنظر إليه منتظرة
تفسير فهرش سليم في انفه بحياء ذكوري
لذيذ…..
“الصورة عجبتني فقولت احطها….”
التوت شفتاها بضحكة لئيمة…
“انا فاكره انها مكنتش عجباك وقتها….”
اخرج تنهيدة حارة….
“مع الوقت اكتشفت انها احلى صورة صدفتني..”
ضاقت عيناها بشقاوة….. “متأكد…..”
اوما براسه وعيناه تحكي الكثير
فتخضبة وجنتيها كشعلتين متوهجتين وهي
تنظر للحاسوب سائلة بخفوت….
“ويترى حطتها من امتى على الاب….”
اجابها سليم وهو يتقدم منها….
“من فترة قصيرة…بس انا محتفظ بيها من وقتها..”
لعقت شفتيها قائلة….
“تعرف اني مسحت الصورة من على البروفيل بعدها….ودا بسبب الايك وكلامك…. ”
وقف امامها قائلا بمناورة….
“واضح ان رايي كان اهم من كل الناس اللي عملت
ريأكت لاف…. زي ماقولتي وقتها…”
ابتسمت ببلادة دون ان ترفع راسها
إليه….
“وقتها كان رأيك مهم وبيأثر عليا… بس مكنتش اعرف السبب….”
مد يده يقرص وجنتها بمداعبه..
“وعرفتي يا كيان….”
ضربة يده وهي تقول بشراسة…
“سليم الزم حدودك… وابعد شوية….”
طالت نظرة سليم لعيناها أكثر وكم كانت نظراته شديدة العبث تقطر عشقا يسري في كامل جسدها
فتقشعر مشاعرها بضعف مستشعره الخطر
الوشيك…
انتفضت كيان فجأة تخبره وهي تبتعد عنه
خارجة من الغرفة باكملها…..
“عمو بينادي….عمو بينادي… وسع كده ياسليم
اشوفه عايز إيه….انا جايه ياعموو…. ”
“امتى ده…”قالها سليم بحيرة وهو يلحق بخطاها
ضاحكًا….
” استني ياكيان… نسيت اقولك حاجة مهمة…..”
بعد قليل…
تجمعا على سفرة الطعام وبدا بالاكل والذي كان اكثر
من رائع من يد المستشار الذي شعر بالالفه والراحة بصحبة تلك العصفورة واحس انها عوضا من الله لابنه وعما قريب ستكون زهرة معطرة لهذا البيت
و عصفورٍ لهُ بهجة ينشرها بين ارجاء هذا البيت…
…………………………………………………………..
بعد عدة أيام….
وصل للدور المنشود وكان بصحبة شقيقتيه….
سالته كيان وهي تلتفت حولها…
“هي في الدور الكام ياحمزة….”
“تقريبًا الرابع هي دي الشقة…” اجابها حمزة وهو يشير على باب الشقة…..
وفقوا امام باب الشقة وحمزة اولهم وهم خلفه.. فقالت شهد بحرج….
“كان المفروض نقولها ان احنا جايين….شكلها مش حلو واحنا طبين عليها كلنا كده….”
مطت كيان شفتيها قائلة…
“اي المشكلة يعني ياشهد…عاملين لها سبرايز…”
اتكا حمزة على جرس الباب وهو يهمس لهن..
“زي ما تفقنا ها تفضلوا وراها لحد ماتوافق تروح
معانا ماشي….”
اومات الفتيات بصمت ففتح الباب وظهر امامهم شاب في عمر المراهقة مظهرة مريب يمضغ علكه
في فمه بميوعة وهو ينظر لهما بتمعن…..
نظروا ثلاثتهم لبعضهما بريبة وأول من تحدث
حمزة الذي ساله بشك….
“انت مين يالا…وبتعمل اي هنا…..”
رد الصبي بميوعة….
“انا بشتغل هنا….انتوا مين زباين جداد…”
ثم نظر للفتيات وجمالهن المميز فقعب بضحكة
مائعة…. “شكلكوا سياح…”
مسكه حمزة من ياقة قميصه
بغضب…
“سياح مين يخربيتك قمر فين…”
رد الصبي بتبرم مائع….
“ياخوي كلهم قمرات أهدى… واستنى انديلك
المعلم سرنجة..”
ابتعد الصبي للداخل فوقف ثلاثتهم عند الباب المفتوح يسمعوا اصوت الموسيقى الصاخبة
وضحكات الرقيعة……
قالت كيان بارتياع….
“سـرنجة !…حمزة انت متاكد ان قمر سكنه في العمارة دي….”
اوما براسه متجهمًا… “تقريبًا…”
قالت شهد وهي تلتفت حولها….
“يبقا احنا لغبطنا في الأدوار…اكيد ده مش الدور الرابع…..يلا نمشي…. ”
قبل ان يتحركوا امرهم حمزة
بوجوم…
“استنو اما اشوف العك ده….”
اتى عليهم رجلا عجوز بملامح منفرة للنفس
ونظراته مريعة وقد ازدادت خطرا عندما
أبصر وجوههم الجديدة عليه فسألهم
بابتسامة واسعة…..
“أأمر يابيه… معاك المعلم سرنجة بنفسه….”
اخبره الصبي الواقف خلفه….
“بيقول يامعلم انه عايز واحده قمر…”
تحسس العجوز صدره قائلا بابتسامة أوسع
من المعتاد….
“غالي والطلب رخيص نادي عليهم ياض من
عندك…يختار اللي تعجبه… ”
ثم سال حمزة….. “عايزهم قد إيه….”
هز حمزة راسه قائلا برتياع…
“لا انت فهمتني غلط…..انا شكلي لغبط في
دوار العماره…هو احنا في الدور الكام….”
اخبره وهو يمسد على
صدره….”التالت لمؤخذه….”
هتفت كيان من خلف اخيها
باستنكار…
“ولمؤخذة ليه…ما المؤخذات كلهم جوا عندك….”
ابتسم العجوز وهو ينظر نحو كيان..
“مين بقا الحلوه……”
مسك حمزة ذقنه واداره اليه
قائلا….
“ركز معايا انا…. ياعم حقنة انت….”
اخبره الرجل بحمائية….”اسمي سرنجة يابيه…..”
زم حمزة شفتيه وهو ينظر خلف العجوز حيثُ
النساء الشبه عاريه هناك….
“مفرقتش كتير….هو انتوا بتعملوا إيه هنا بظبط..”
اخبره العجوز بتأثر…..
“بنعمل زار يابيه…بعيد عنك حالة الناس اللي جوا صعبة أوي….”
انطلقت ضحكة انثوية رقيعة من الداخل..فعقب حمزة مهللا…..”الله…الله…ودي مالها بقا….”
اخبره العجوز دون تبسم….
“الاسياد بيزغزغوها…عليها جن شديد حبتين….”
رفع حمزة حاجبه بدهشة….
“والله…… لا ربنا ينتعها بسلامه…..”
اتى عليهم امراتين جميلتان يرتديا قمصان
نوم قصيرة حريري لم تعطي للمخيلة شيء..
اشار العجوز عليهن قائلا….
“وده بقا طلبك يابيه….تحب انهُ قمر فيهم….”
تدخلت شهد بنفاذ صبر….
“مش عايزين حاجه شكرًا احنا اتلغبطنا أصلا
في العنوان….”
قالت احدهن بميوعة وهي تداعب حمزة بالنظرات
الصريحة…
“الله ماتسيبي السُكر يقول رأيه…الله على شعرك المسبسب….ولا عنيك تجنن….”
ابتسم حمزة وغمز لها من باب الذوق….فضحكت
قائلة….”اسمك إيه بقا….”
قبل ان يفتح حمزة فمه اوقفته قائلة
بتغنج….
“استنى متقولش انا هسميك سُكر….”
ابتسم العجوز لهما قائلا لحمزة….
“واضح ان فتون عجبتك….نتكلم في السعر….”
هتفت شهد بضيق وهي تسحب اخيها
للخلف…
“سعر مين ياعم انت… ابعدي يا بتاعه انتي
كمان عن اخويا…..”
انحنى حاجبي المرأه بحزن….فتابعت شهد
بضراوة ….
“قولنالك غلطنا في العنوان…إيه ماصدقتوا…”
ابتسم العجوز ببلادة قائلا….
“شديدة اوي الانسة…..بس حلوة…”
قالت كيان بتبرم….
“ياعم إبرة انت اتلم وخش جوا بقا…”
قال العجوز بحمائية…. “اسمي سرنجة يا انسه….”
لوت كيان شفتيها قائلة باستحقار….
“ياسيدي يعني غلطنا في البخاري….قولنالك غلطنا في العنوان…. يلا ياجماعه قبل ما بوليس الادب يطب عليهم…. ”
ابتعد ثلاثتهم عن باب الشقة…فخرجت المرأه
خلفهم تتعلق في ذراع حمزة قائلة بميوعة….
“بقولك يا سُكر ماتجيب رقمك….”
اتجهت كلتاهما اليها بنفاذ صبر ودفعوها بعيدًا
عن اخيهم لداخل الشقة وهتفت شهد منزعجة…
“رقم مين ياماما ادخلي لحسان تستهوي…ادخلي.
يخربيتك….”
قالت كيان عندما استقلوا المصعد معًا..
“الله يخربيتك ياحمزه….. كنت هتودينا في
داهية…”
قال حمزة وهو يتكأ على ازرار
المصعد….
“كويس ان احنا خبطنا عليهم الأول….”
لوت كيان شفتيها بنزق…
“اه كويس….. عشان تعلق فتون….”
هتف حمزة من بين اسنانه بحدة….والدماء
تغلي في عروقة….
“فتون مين اللي اعلقها….انا بتكلم على الاستاذه اللي
عايشة في عمارة مشبوهة… والله ما هسيبها تنام
فيها ليله واحده لو حكمت…هرجعها معايا بالعافية”
زفرة شهد متدخلة… “اهدى بس واحنا هنكلمها…..”
…………………………………………………………….
اخذت رشفة من كوب الشاي وعيناها متعلقه على شاشة التلفاز تتابع الفيلم بعيناها لكن عقلها في مكانا اخر….مزال يدور في فلك معذبها ، تتأرجح بين القبول والرفض…..
طرق على الباب نشلها من دوامة الأفكار….فنهضت
من مكانها بتكاسل تسأل من خلف الباب….
“مين….”
اتى صوته من خلف الباب
بهدوء….
“افتحي ياقمر….انا حمزة….”
تسارعت نبضات قلبها بقوة…فاتجهت سريعًا الى اقرب مرآة تنظر اليها…وعبر المرآة تأملت وجهها الشاحب والوهن المتمكن منها والحزن الذي
اطال بنيتاها وأطفأ لمعة العنفوان بهم…..
ماذا بها وكانه اخبرها انه سيتزوج غيرها ؟!..
لم كل هذا الاسى المرسوم بخطوط عريضة على
ملامحها الجميلة…انه حمزة….من تحب ومن تريد
ربما الحزن لانه زواج تقليدي بنسبة له…كانت تود
ان يهيم بها عشقًا ، ان يكون مولع بقربها….
لكن هذا البرود يرعبها ، يقتل الامل ويزرع الشكوك
حول تلك الزيجة….تخشى فيما بعد ان يكسر قلبها وان حدث سيكون بموتها !….
اتجهت الى الباب بمنامة بسيطة محتشمة وشعرها
المموج معقود للخلف في كعكة فوضوية.. رغم الفوضى تزيدها جاذبية…..
فتحت الباب ودون النظر اليه قالت
بفتور….”ادخل ياحمزة….”
هتفت كيان بتبرم….
“حمزة بس اللي يدخل واحنا بقا ياست قمر نستنا
على السلم ولا إيه….”
رفعت قمر عينيها بصدمة على اطار الباب لتجد ثلاثتهم ينظروا اليها بإبتسامة شقية اكثرهم
شقاوة هذا المعذب الذي قال بمناغشة…
“مصممين يجوا معايا عشان يشوفوا العروسة…
قولتلهم ومالوا تعالوا….قولولي رايكم برضو…”
خطت شهد خطواتها للداخل وهي تنظر
الى قمر قائلة بوداعه…
“مش محتاج شهادتنا الجواب باين من عنوانه…
ياترى العروسة لسه زعلانه مننا..”
خطت كيان خطواتها للداخل ايضا وهي تقول بتجهم…
“تزعل مننا واحنا جينالها لحد بيتها….دي تبقا قليلة الذوق أوي….”
لكزها حمزة وهو يغلق الباب
خلفه…
“احنا قولنا اي ياكيمو…..”
غمغمت كيان بحسرة….
“ايوا صح…..مش هينفع اكون عمتو الحرباية…”
ثم ربتت على كتف قمر قائلة باعتذار….
“متزعليش مني ياقمر…انا غلط في حقك شوية..”
صححت شهد لها….. “شوية يامه….”
اكفهر وجه كيان مستنكرة….
“لا هما شوية صغيرين..هي اللي عيوطه وقماصة..”
صاح حمزة….. “كيان….”
اغضمت عيناها وهي تقول بنبرة باكية…
“يارب مش عارفه اكون طيبة دقيقتين على
بعض…”
قالت قمر بابتسامة فاتره….
“واضح انك جايه غصب عنك….”
صاحت كيان معترضة بجدية…
“والله العظيم أبدًا..دا انا اللي قايله لحمزة اني
عايزة اشوفك واعتذرلك….”
إبتسمت قمر بنفسا نقية….
“انا مش زعلانه منك ياكيان…حصل خير…”
تهللت اسارير كيان فقالت بحرارة وهي تجذبها لاحضانها…..
“بجد طب تعالي بقا في حضني ياخطيبة اخويا..”
عندما فصل العناق بينهن…نظرت قمر نحو شهد
وترقرق الدمع في عيناها بتاثر وهي تقترب منها
بحنين…”وحشتني اوي ياشهد….”
عانقتها شهد بفطرة حنانها وحبها النقي للجميع
والذي تلقيه في قلوب كل من يعرفها عن قرب…
وقالت وهي تبتسم في احضانها….
“وانتي كمان والله ياقمر…مع اني واخده على خاطري منك انك مش بترضي تردي على مكالماتي….”
فصلت قمر العناق بينهن وهي تجفف دموعها…
“مكنتش عارفه أرد اقولك ايه…اللي حصل زعلني
جامد منك خصوصا انك سكتي وعنيكي اتهمتني
من غير كلام…..”
هزت شهد راسها توضح لها بوجها يشي بصدق
حديثها….
“والله ابدا انتي اللي فهمتي غلط ياقمر…انا من ساعة
ما المجوهرات اختفت وانا دماغي لفت…اقسم بالله
ما كنت شكه فيكي ولا واحد في المية….”
تدخل حمزة قائلا ملاطفة….
“حصل خير ياجماعه…ما محبة إلا بعد عدوه..”
ثم نظر لقمر قائلا بأمر…..
“قمر لمي هدومك ويلا عشان ترجعي معانا…”
عقدت قمر حاجباها وقالت
بتعنت….
“ارجع فين مستحيل طبعا….”
اثارة حفيظته فصاح بغضب….
“المستحيل اني اسيبك في المكان المشبوه ده..”
هتفت قمر ببلاده…..
“فين المشبوه ده….دي شقتي….”
قالت كيان بحذق…
“هو قصده على الشقة اللي تحت منك..صاحبها
إسمه إبره…. فتحها دعارة…..”
هزت قمر كتفها قائلة…
“انا معرفش حاجة دول سكان جداد…وبعدين انا مالي ومالهم….”
توحش الغضب داخله وهو يقول بغيرة….
“مالك ازاي مش جيرانك..افرضي حد احتك بيكي
منهم….هتصرفي معاه إزاي…..”
ازداد عنادها امامه…..
“انا مليش دعوة بحد ومش بتعامل مع الجيران..”
جز على اسنانه وهو يقول بغضب سائد…
“انتي بتفهمي إزاي بقولك فاتحنها زفت دعارة
تحت….والبوليس بكره يشم خبر ويجي يشمع
العمارة باللي فيها وسين وجيم مع الكل…. ”
قالت قمر ببرودة أعصاب…..
“وانا مالي برضو…انا معرفش حد ولو طلبوا شهادتي…مش هتفدهم….”
“لا دي هبلة….”رمقها بنظر مشتعلة….
“اهدى ياحمزة…..”استلمت شهد دفة الحوار
قائلة بهدوء….
“انتي معترضة على اي ياقمر… انتي لسه زعلانه
مننا….”
هزت قمر راسها بنفي مخففه من حدتها…
“مش حتة زعلانه…بس انا مش هسيب شقتي..”
صاح حمزة باهتياج…..
“وبنسبة لجوازنا إيه… ولا انتي مفكراني هاجي
قعد معاكي هنا….”
قالت بكبرياء… “انا لسه موفقتش….”
وقع الخبر على اذانه كالصاعقة مما جعله يجفل
وهو ينظر لها بصدمة….
بينما قالت كيان بحمائية….
“اسم الله وانتي بتفكري ترفضي اخويا…”
“وانتي مالك انتي انا حُره….”لوحت قمر بيدها بتشنج….
فقالت كيان بضيق… “شايفه ياشهد قلة الذوق. ”
ربتت شهد على كتف اختها…”معلش ياكيان…”
ثم نظرت الى قمر وقالت بمهاودة….
“قمر انتي لازم ترجعي معانا على الاقل لحد مالناس المشبوهة دي تمشي من هنا…”
اسبلت قمر اهدابها قائلة بحرج….
“مش هينفع ياشهد… انا ما صدقت لقيت شغل وهنزل من أول بكرة….”
صاح حمزة متشنجًا….
“شغل اي دا بقا ان شاء الله….”
قالت ببرود…. “مصنع ملابس….”
برقة عيناه بالشر فقال بتحذير….
“مفيش شغل ياقمر…. وارجعي عن الهبل اللي في دماغك ده….احسلك.. ”
هتفت كيان من بينهما بلؤم…..
“هو دا الكلام المظبوط…..الست ملهاش غير بيت
جوزها برضو….”
رمقتها قمر بعدائية…..
“انا مش متجوزه يابتاعه انتي….”
عيل صبر كيان فقالت بشراسة….
“انا بتاعه يابلاعة….انا سكتلك كتير ودا
فوق طاقتي……”
قالت قمر بغضب…. “اللي عندك اعمليه….”
اخرجت لها لسانها قائلة باستفزاز….
“عندي كتير…بس انا محترمة وهسكت عشان اخواتي الكبار واقفين….”
“اخرسوا انتوا الإتنين…..”اطلق حمزة صيحة غاضبة… جعلت كلتاهما تلتزم الصمت….
بينما قالت شهد بصبر أكبر….
“الله يهديكي ياقمر ليني دماغك احنا خايفين
عليكي…..”
نظرت لها قمر قليلا بتردد وقبل ان ترد
طرق على باب الشقة اوقفها….
فسالها حمزة بنظرة حانقة….
“الباب بيخبط…..انتي مستنية حد…”هزت راسها
بنفي فأشار لها بصرامة….
“خليكي مكانك انا هفتح….”
عندما فتح حمزة الباب أبصر الطارق وسريعا انكمشت ملامحه بحنق متاففًا فالذي توقع
حدوثه حدث بالفعل…..فكانت نفس المرأه التي
قابلها في الأسفل…لكنها ترتدي الان عباءة
بيتي ضيقه تظهر مفاتنها بوضوح…
رمقته المرأه بنظرات جريئة وهي
تساله بميوعة….
“أهلا بالسُكر…هو انت ساكن معانا في نفس العمارة….ولا إيه… ”
رد حمزة بقرف….
“حاجه زي كده….عايزة إيه….”
قالت بتغنج….. “شوية ملح….عندك ملح….”
مط شفتيه قائلا….. “مش عارف هسألها….”
قالت بضحكة مائعة…. “هي مين المدام….”
اوما براسه….. “تقريبًا…”
ضحكة المرأه بميوعة قائلة بنظرة صريحة…
“والمدام حلوه على كده….اصل الحلو مايخدش
غير الحلو…. ”
نظر لها نظرة ذات مغزى ثم قال دون
تبسم….”اه حلوة…. حلوة أوي….”
اطلقت المرأة ضحكة رقيعة…
“اه منكم هو مفيش واحد فيكم سالك ابدًا..”
اجابها بالمثل…. “مش لما تسلكي انتي الأول….”
لفت خصلة من شعرها حول اصبعها
قائلة…”على رأيك….مقولتليش اسمك إيه.. ”
“انت واقف بتكلم مين….” اتى صوت قمر من خلفه
التي عندما ابصرت المرأه رمقتها بعينين غاضبتين نافرتين….
“نعم…. مين انتي وعايزة ايه….”
قالت المرأه بنعومة الثعابين….
“انا جارتك الجديدة ساكنه في الدور اللي تحت..”
“وعاوزه إيه بقا ياجارتي ياجديده….”تخصرة قمر
بعصبية ووقفت امام حمزة بمواجهة غريمتها…
رفع حمزة حاجباه للأعلى يتابع العرض الجبار
باستمتاع…..
قالت المرأه بدلع…. “شوية ملح… عندك؟….”
هزت قمر راسها بعصبية….
“لا معنديش……اتكلي على الله….”
نظرت المرأه لها ثم لحمزة وقالت بميوعة…
“طب براحه متزقيش كده….مالازم ميبقاش عندك ملح ما السكر كله هنا…هنحتاج الملح في إيه….ولا
اي ياسُكر….”
لوح لها حمزة قائلا ببراءة….
“بطلي معاكسة بقا المدام واقفة….”
جزت قمر على اسنانها قائلة
له بشراسة…..
“والله شفافه انا مش سمعاك كده….”
“طب والله دمه خفيف.. “ثم مالت المرأه على قمر هامسة لها في اذنها قبل ان ترحل…
” نصيحة مني خدي بالك منه اصله شقي اوي..”
اطلقت ضحكة ذات مغزى وهي تبتعد عنهما….
اغلقت قمر الباب بقوة….
سالها حمزة بفضول…”بتقولك إيه في ودنك….”
فاجابته بشرارة الغيرة…
“بتقول انك شقي اوي….عملتلها اي بقا ياشقي..”
اخبرها حمزة بهدوء….
“ماهي دي الشقة اللي خبطنا عليها بالغلط
وطلعت لمؤخذة ….”
سالته بوجوم…. “وليه بقا بتقول عليك شقي….”
اجابها بزهوٍ…. “عشان انا شقي….”
قالت من بين اسنانها….. “مش بهزر ياحمزة….”
هتف هو أيضًا بجدية صارمة…
“ولا انا بهزر…انا مش هسيبك هنا لحظة واحده…
هترجعي معايا يعني هترجعي معايا….”
عقدت ساعديها امام صدرها
بعناد…”وانا قولتلك لا….”
صاح في وجهها بهمجية…
“هتيجي معايا غصب…وفكري قبل ما اعملها…”
حلت وثاق ساعديها بتافف….
“انا مش فاهمه انت بتعمل كدا ليه….”
اخبرها بغيرة وهو يميل عليها برأسه وانفاسه
الساخنة تضرب صفحة وجهها بلا هوادة…
“خايف عليكي افهمي…مش هبقا مطمن وانتي
بعيد عني كده….”
تسمرت مكانها وهي تنظر اليه بدهشة واختلج
قلبها بين اضلعها بشدة….
انه يخاف عليها و ربما يغار هل هذا مؤشر جيد
في علاقتهما القادمة…..
لم يفهم نظرة عيناها له فظن انه الرفض….
لذا احتدم الامر داخله وهو يأمرها للمرة
الأخيرة….
“بلاش البصة دي… هترجعي معايا يعني
هترجعي قولتي إيه… ”
رمشت بعيناها عدة مرات وهي تنظر اليه ببلاهة
ولم يكن لسانها حليفها الان….
فأنقذتها شهد قائلة وهي تقترب منها….
“موافقة ياحمزة… متحرجهاش اكتر من كده…”
“تعالي ياقمر نحضر شنطة الهدوم سوا….”سحبتها شهد من امامه برفق ودخلا معا أحد غرف النوم
أمام عيناه الهائجة….
همست كيان لاخيها بغمزة شقية…..
“يا ميزو….البت دايبه فيك أوي…طول عمرك
قاهر قلوب العذارى…. ”
التوت زاوية شفتيه في إبتسامة بائسة شديدة البرودة خالية من الحياة ، فمن تلك التي تحب
رجلا ميت ؟!….
…………………………………………………………….
“ايوا ياماما…. الحمدلله بخير… انتي اي الاخبار..”
خرجت الى الشرفة ترتدي اسدال الصلاة وعلى اذنها الهاتف تتحدث مع والدتها باهتمام…
وضعت طبق المكسرات على سور الشرفة وبدأت
تاكل منه وهي تطلع على المارة بالاسفل وصوت
سكون الشارع والليل الدامس عدا عدة محلات
لا زالت مفتوحة من ضمنها ورشة (سلطان..)
مطت شفتيها قائلة بنبرة متحسرة…
“يخسارة… بجد كان نفسي فيه… لما اجيلك المرة الجاية تعملهولي…”
ثم استرسلت وهي تنظر للأسفل حيثُ
ورشة سلطان….
“وبابا عامل إيه…. اكيد البيت ملوش حس من غيري……عشان تعرفه اني بهجة البيت..”
انعقد حاجبيها وهي ترى سيارة فارهة تدخل الشارع
وتصف جانبًا ثم تخرج منها امراة جميلة ممتلأت القوام ترتدي عباءة مطرزة ووشاح حريري تضعه
فوق راسها بعشوائية وذراعيها المكتنزة تغطى
بالاساور الذهب…. انها تلمع بالذهب كمن يروج
لماركة حلي معينة……
ازداد اتساع عيناها وهي ترى سلطان يخرج من الورشة مرحبًا بها بحفاوة…. ومشيرا على المقعد
كي تستريح ثم طلب لها عصيرا من المقهى المجاروة وكل هذا امام عيناها المستعرتين بالغضب…..
“هكلمك تاني ياماما سلام….”
اغلقت مع والدتها وهي تميل برأسها اكثر حتى توضح الرؤية أمامها…
انه يضحك معها ويحاورها باسلوب لبق !
هذا الهمجي المتوحش لبق مع نساء العالم وياتي
عندها ويتحول الى جلف لعين….
اتكات باسنانها على المكسرات بوحشية وهي ترى الالفه والتملق متبادل بينهما….
اشتعل صدرها كمرجل ناري وتغضنت زواية عيناها
بغضب سائد…..
انه يشير على المنزل وهو يتحدث معها وكانه يدعوها لتناول الطعام مثلا…
كريم انت يازوجي العزيز ، لِمَ لا نجعلك وجبة العشاء ونوفر أكثر ؟!…
ضيقت عيناها بشرٍ وهي تراه يقهقه عاليًا… فقلدت
صوته بوجها مشمئزًا من العالم أجمع…..
ثم اتكات على اسنانها بغل وهي ترفع الهاتف
وتجري اتصالا به….
من خلف الستائر وجدته يخرج الهاتف من جيب بنطاله وعندما نظر اليه وعلم انها المتصلة اغلقه سريعًا في وجهها ووضعه على الطاولة جانبًا وهو يعود الى المرأه بضحكات والكلمات المتبادلة….
قالت من بين اسنانها بانفعالًا….
“وحيات امك…. بتقلبني انا…..عشان دي…دي
يابو ذوق معفن… ”
لوت شفتيها وهي تغمغم بقهرة…
“وانا مليش في الكلام الحلو… مش بعرف اتعامل
مع الستات قد كده… وطبعي كده….وانا كده…”
حركت شفتيها بوحشة وكانها تسبه…
“اه ياكداب… قاعد بقالك نص ساعة قدامها
عمال تسبلها بعنيك اللي هخزقهملك قريب…
وضحك ومرقعه وقلة آدب…”
عضت على اصبعها وهي تقول بغضب…
“اعمل إيه…انزل اجبها من شعره…وافضحه في الشارع… ولا ابقى ست عاقلة واستناه لحد مايرجع واساله مين دي… ”
هزت راسها بنفي ولم ترجح الفكرة
الأخيرة معقبة بنزق…
“وانا هجيب العقل منين…..”
فتحت الستارة فجاة وظهرت من خلالها بوضوح
ثم نادت عليه بعلو صوتها…
“سلطاااااااااان…..”
رفع سلطان راسه للأعلى وقد جفل للحظة من صدمة
ظهورها وعلو صوتها بهذا القدر…..
نظرت المرأه كذلك لداليدا بتعجب…..فقالت داليدا
له بابتسامة صفرة واسعة…..
“رد على تلفونك ياحبيبي….عايزاك في حاجة
مهمة….رد ضروري… ها ضروري… ”
اوما سلطان براسه بملامح متصلبة وأشار لها
براسه بصرامة ان تدخل وتغلق الشرفة…ففعلت
على مضض وهي تعيد الاتصال به وهي تقف
في صالة الشقة…..
عندما فتح الخط صاحت
باهتياج…
“انت مبتردش عليا ليه….”
اجابها بغضب مكتوم….
(مش شايفه اني قاعد مع ناس وبعدين انتي صوتك
عالي كدا ليه…..انتي اتهبلتي….)
اربد وجهها غضبا وغيرة….
“ايوا اتهبلت لما تكنسل عليا عشانها يبقا اتهبلت..”
رد سلطان بنفاذ صبر…
(شُغلي ياداليدا…اكل عيشي….اي مشكلتك….)
توحش الغضب بداخلها….
“ومن امتى بيجيلك ناس بعربيات لحد عندك افهم…”
تافف بتململ قائلا ببرود….
(رزق وجه هنقوله للرزق لا… ناس ولاد حلال دلوها
عليا…وجتلي عشان اعملها موبيليا لبيتها الجديد…)
(اي اللي مضايقك….)
جاش صدرها بالغيظ….
“اللي مضايقني اسلوبك معاها ضحك وهزار…
ونظرات…اي حكايتك بظبط….”
رد يقارعها بلا مبالاة….
(حكاية إيه يامجنونه…زبونة ولازم تاخد واجبها..)
مطت شفتيها وهي تقول بنعومة
ساخرة….
“وواجبها ده مش هينفع غير بضحك والهزار…
لكن بالادب…هتاخد على خاطرها منك…ياحرام..”
جاشت مراجلهُ فصاح عليها…
(داليدا انا مش فاضي للهبل والدلع بتاعك ده..اقفلي
عشان اروح اشوف شغلي…)
هتفت بغليان…
“شغلك ولا المسخرة وقلة الأدب….”
جز سلطان على اسنانه وهو يتوعد لها
بوحشية….
(انا اللي هاجي اوريكي المسخرة وقلة الأدب لو مالمتيش نفسك واتعدلتي معايا…..)
تخصرة وهي تقف مكانها بجسد ينتفض
بتشنج….
“اه اظهر وبان بقا على حقيقتك…مانا اللي عملت في نفسي كده….تتعامل برا بالادب وبالاحترام..ومعايا تقلب قتال قتله……طب والله العظيم ياسلطان لو
ما مشيت الوليه الحربوءة دي لهـ……”
بتر سلطان جملتها بشراسة….
(والله لو ما قفلتي دلوقتي لطلعلك واطلع عليكي
القرف والزهق اللي جوايا….)
مطت كلماتها باستهزاء…..
“ياحبيبييي دلوقتي بقيت زهقان وقرفان…مانت كنت من شوية الضحكة من الودن دي للودن ديه…”
عندما لم تجد منه ردًا صاحت
بغليان….
“يابصباص يابتاع الستات الكبار….”
رد ببرود دون ذرة مرح…..
(الدهن في العتاقي بقا….مانتي عارفه….)
كانت فريسة للغضب والغيرة وهي تخبره
بانفعال….
“وانت من يومك طفس….خليهم ينفعوك….اقولك
خلص مع الحربوءة دي وروح لخالتي ام دنيا زمانها
جبتلك الخوخ اللي بتحبه….يبتاع الخوخ يبتاع العتاقي….”
عض سلطان على شفتيه وهو يتوعد
لها بضراوة….
(عيله…..اقسم بالله متجوز عيله….لما اطلعلك يامجنونه..)
اغلق الهاتف في وجهها…فالقت الهاتف على
الاريكة مغمغمة بتبرم…..
“جتك القرف…..انت وهما….”
زفرة وهي تدور حول نفسها بجنون لدقائق حتى ان صدرها كان يرتفع وينخفض من شدة الانفعال….
“متغاظه ليه انا مافي داهية…..”
كانت ستذهب الى الشرفة مجددا لكنها توقفت عند اخر لحظة متبرمة…..ثم اتجهت الى ابسط الحلول لتزيل الغضب والتوتر من على جسدها……
سحبت المنشفة واغراضها الخاصة للاستحمام…ثم
ملأت حوض الاستحمام بالماء والغسول المعطر والقت فيه القليل من الورد الأحمر…
ثم نزعت ملابسها وجلست في المغطس وهي تحاول
ان تصفي ذهنها وتطرد هواجسها جانبًا..
ان الغضب يتمكن منها والغيرة تشعل جسدها وقلبها
يتلوى من الوجع….
تغار عليه !…هذه هي الحقيقه الملموسة داخلها
انها تغار عليه بشدة….
انه ملكا لها وحدها ولا يجب ان تراه أمرأه اخرى
وتسايره وتضحك معه…كيف وهو ملكا لها وحدها
عليه ان يفهم انها تغار وبشدة ويراعي مشاعرها
انها تغار يعالم ، والغيرة كأتون متقد بقلبها هبوطًا
لاحشاؤها…
اغمضت عيناها وهي تحاول ان تسترخي في هذا الماء الدافئ فتلك هي حيلتها عندما لا تجد لغضبها منفذ تستكين في المغطس بين الماء الدافئ
ورغاوى الصابون المعطر تجد ملاذها…..
بعد مدة من الوقت سمعت صوت إغلاق باب الشقة
ويبدو انه عاد……
خرجت من الحمام تلف جسدها بالمنشفة وتجفف
شعرها بمنشفة صغيرة وخرجت اليه بتلك الهيئة…
“داليدا….داليدا…..”
صاحت بتبرم وهي تخرج من الحمام الى الصالة
حيثُ يقف سلطان ينتظرها بهيئة مرعبة تنذر
بالخطر…..
“بتزعق كدا ليه متبرخرتش انا يعني..اديني
مرزوعه أهوه……”
سارت عيناه الغاضبة على هيئة جسدها الغض
المغوي بمفاتنه البارزة الشهيه يلتف في منشفة بيضاء تكشف عن نصف ساقيها ومن الأعلى
ذراعيها وكتفها… شعرها مندي يلتصق في
بشرتها بافتتان ووجهها صافي يلمع وشفتيها
شديدة الاحمرار…..
ابتلع ريقه بتأثر وهو يسالها
بضيق….
“بقالي ساعة بنادي كنتي فين….”
قالت ببرود وهي تتابع تجفيف شعرها…
“زي مانت شايف بستحمه….خلصت قعدتك ولا
لسه….”
عيناه الوقحة كانت تسير عليها بنهم
تلتهماها بنظرات….. “قولتلك انه شغل….”
ارتجف جسدها بتأثر حميمي بعد نظراته
المشتعلة نحوها..
“والله…أصلي افتكرته حاجة تانيه….”
تحدث بعصبية وهو يقترب منها…
“انا لسه ماحسبتكيش على الهبل اللي قولتي في التلفون….”
لم تهابه بل رفعت وجهها بتحدٍ….
“بلاش تبدأ علشان انت اللي غلطان من الأول..ولا ناسي كلمتك…الدهن في العتاقي…خليهم ينفعوك”
ضيق عيناه بخبثٍ…
“وانتي اي اللي مزعلك….تكونيش بتغيري.. ”
لم يعلو صوتها عن الطبيعي وهي تأكد..
“اه بغير…..مش انت جوزي وانا مراتك يبقا
لازم أغير…..وسع… ”
تجاوزته وهي تدلف لغرفة النوم….ووقفت امام
المرآة تنظر لصورتها المعاكسة بها والغضب
جلي على محياها..
وجدته يدلف الى الغرفة فقالت بصوتٍ
أجوف…..
“جاي ورايا ليه….انا عايزة البس هدومي….”
أجاب بصوتٍ لا معالم له…..
“وانا عايز اغير هدومي….”
بلعت ريقها وهي تراه ينزع القميص عنه ويقف
عاري الصدر….مستعرضا سمار جسده الامع
وصدره المشدود الصلب بالعضلات القوية….
اسبلت اهدابها وهي تحاول اشغال عقلها باي
شيء لحين خروجه….ففتحت علبة المرطب
المعطرة وبدأت تدهن كتفها ويدها به…
رفعت عيناها للمرآة بعدها لتجد نفسها عرضة
للمراقبة منه…خفق قلبها بشدة وهربت من
مجال عيناه….
سالها سلطان وهو يقترب منها بتلك الهيئة
المهلكة…..
“اي اللي بتحطيه على جسمك ده…”
“لوشن……بيرطب البشرة… “قالتها وهي تبتلع ريقها
بعد ان شعرت بسخونة صدره خلفها….
مسك العلبة من يدها قائلا… “تحبي اساعدك…..”
رفضت بوهن….. “لا شكرًا انا بـ…..”
اوقفها عن المتابعة وهو يضع القليل من الكريم
على يده ثم مرره على بشرة كتفها….
“خليني اجرب….. مش هتخسري حاجة…”
عندما لمس بشرتها اغمضت عيناها بضعف وجسدها
باكمله اقشعر بنشوة تحت يداه……
احتوى سلطان خصرها بذراع واحده حتى ترتاح على صدره ففعلت بنبضات متسارعة ومشاعرها تسبح مع نشوتها…..
بدأت شفتيه تلامس عنقها بقبلات كلمسات
الورد….ويده الحرة تمر على ذراعها وكتفها
ورائحة هذا المرطب العطر يزكم انفهم……
قالت داليدا وهي تئن بضعف…
“سلطان….كفاية… ”
وكانها تطالب بالمزيد فازدادت قبلاته حرارة على
عنقها وكتفها حتى ادارها إليه وسمعت صوته المحموم يخبرها….
“انا بحبك ياداليدا….. بحبك أوي….”
فتحت عيناها بضعف تنظر اليه بدهشة لتجده
يغلق فمها بقبلةٍ قوية مشتعلة بالكثير من المشاعر الذي يجهل التعبير عنها…
كان هجوم عاطفي جعلها تضعف امام طوفان
مشاعره فتستجيب لها رويدا رويدا محاولة
ان تبادلة القبلات بخبرة معدومة….
كانت تسير شفتيه الشهوانية على ملامحها يقبلها بحرارة وعمق هبوطًا الى عنقها يداعب بشرتها باسنانه…. ويداه كانتا تعملا على احتواء جسدها
كان يضمها بقوة تكاد تهشم عظامها بين ذراعيه الصلبتين…
وكلما حاولت الاعتراض بالهمسات كان يلتقط اعتراضها من بين شفتيها….
وقعت المنشفة أرضا ولم تشعر بجسدها إلا وهو يرتفع عن الأرض على ذراعيه القويتين…
وشفتاه تعمل على تدليل شفتيها بالقبلات العميقة الحارة..
وضعها على الفراش وهو يعلوها…فهمست داليدا
وهي ترتجف بخوف…”سلطان….انا….”
مالى على عنقها يقبلها وهو يشم عطرها
الأخذ…..هامسا جوار اذنها بحرارة…
“متخفيش يادودا…..انا مش هأذيكي….في حد
بيأذي حبيبُ….”
اغمضت عيناها بنشوة مستسلمة له وجسدها
باكمله تخدر اسفل يداه الجريئة….
تمتم بصوتٍ محموم ثائر بالعواطف…
“كنتي فين من زمان ياداليدا….كنت فين وسيباني
كده…. ”
ابتسمت بخجلا….فسند جبهته فوق جبهتها يدللها بالحب والقبلات هامسًا بتهدج..
“بـحـبـكـ…”
ذاب جسدها من فرط الحميمية بينهما…واتمزجت
اجسادهما معًا منصهرة في عناقا موحد ،وعندما
وصل معها لنقطة الفاصلة اطلقت هي بدورها
صرخة عالية كتمها هو بفمه…..ومن هنا اخذت علاقتهما منحنى آخر يختلف عما خططا اليه
يومًا…..
………………………………………………………….
عندما سمعت صوت باب الشقة يغلق وتاكدت من مغادرة والدها…..
خرجت من الغرفة في الظلام تنير كشاف هاتفها
كي ترى بوضوح فكان الجميع في هذا الوقت
نائم وكانت تريد ان تنفرد بنفسها في تلك الغرفة
المغلقة ربما وجدت طقم المجوهرات الضائع….
اخرجت المفتاح الصغير من جيب المنامة وبدأت
بفتح الباب وهو تلتفت حولها كالصوص…
ثم دخلت سريعا الى الغرفة واضاءة نور
الابجورة الخافت فأتضحت معالم الغرفة
قليلا…..
وقفت في منتصف الغرفة تتأملها بعينين شديدة
البرود….
لم تتغير كثيرًا مزالت تحتوي على ابشع الذكريات بداخلها.. كانت هنا تحبس وتضرب وتهان…في
نفس الغرفة فقدت اذنها… فقدت روحها وحياتها… وخسفت بكرامتها أرضًا منذ الصغر……
منذ الصغر وهي تعرف معنى المذلة وكيف
تكون وحشية الرجال عند الغضب..
سحبت انفاسها المسلوبه بصعوبة وكانها تختنق بداخل تابوت محكم…..والغرفة فعليًا كانت تابوت
لها منذ سنوات طويلة عاشتها قسرًا وقهرًا
ومزالت مستمرة حتى الان !…..
حاولت ان تكسب وقتًا فبدأت تبحث عن المجوهرات لعلها تجدها في مكانا ما هنا…
وبعد بحثًا دام لبضعة دقائق وجدتها في أحد الادراج
المحكمة والتي تغلق بمفتاح لزيادة الحرص….
لكنها تمكنت من فتحها بالحيلة فقد نزعت الجارور العلوي وتمكنت من رؤية المحتويات الموجودة
في هذا الجارور المغلق…لتجد شيء يلمع كالماس
في الظلام….
التقطت اياه سريعا وعندما ابصرت انه عقد من
ضمن طقم الالماس المفقود ابتسمت بارتياح على
أمل ان تجد المتبقي من الطقم في اي مكانا هنا…
وضعت العقد على سطح المكتب…ثم ارجعت
وعندما استقامت واقفه وقع العقد أرضا فمالت
عليه تتناوله بيدها لتجد حذاء أسود يدعس
يدها أسفل العقد بقسوة….
كتمت تاوهة وهي ترفع عيناها المتألمة على
صاحب الظل الاسود لتجد عينين تشعان
قتامه مخيفه مغلفة بالوحشية….
ولم تكون سوى عيون والدها الذي يدهس يدها
أسفل حذاؤه الان بمنتهى الجبروت سائلا
بصوت يفوح منه الشر والخطر…..
“بتعملي اي عندك….”..
كان وصف الرعب والترهيب وصفًا بديهيًا لمن يحكي
حكاية لفيلم مخيف حضرة قبل النوم ، او لقصة استوقفته في احد المنتديات المعروفة عن القصص الاكثر واقعية في العالم…..
لكن هل جرب أحد ان يصف شعوره عند حضور الموت عند النظر في عيني عزرائيل في وحشة
الظلام الحالك، هل جربت الركوع رهبة وعجز امام الشيطان !..
هي جربت..
جسدها كله الان يضخ عرقًا…او موتًا… ترتجف ترتجف وكانها تحتضر…تشعر بغصة حادة كالعلقم مريرة ولاذعة كالصدى تقف في منتصف حلقها يصعب عليها ان تزدرد ريقها في حضور راهبها، بينما انفاسها تتلاشى بوجل وكانها سجينة في صندوق مظلم بلا منفذ !……
جالسه على عقبيها اسفله يدها تعصر تحت حذاؤه
القوي تكتم تاوهها وهي تنظر اليه بخوفًا والدموع
تتجمع في مقلتاها بغزاره وتهبط واحدة تلو الاخرى
بضعف….
ضعفًا بان يرحمها ويشفق عليها ولان يدها تكاد تكسر تحت حذاؤه وهو يتابع عصرها وكانها عقب سجارة فرغ منه للتو…..
بصوتٍ خفيض سالها وعيناه تنهال منها قسوة
وبغض… “بتعملي اي هنا…انطقي…..”
نزلت دموعها وهي تقول بصوتٍ
متقطع….
“أيدي……سيب ايدي هتكسر…..”
لم يراف بها بل اتكأ أكثر فصرخة مجيبة بصعوبة…
“بدور على طقم الالماظ….ولقيت العقد في الدرج
وخدته…ا…..”
قاطعها وهو يرفع حذاؤه عن يدها ويسحبها من شعرها يكاد يقتلع جذوره رافعا وجهها في
مواجهة نظراته البغيضة…..
“يعني انتي اللي سرقة نسخة مفتاح الاوضة…
من سلسلة المفاتيح…..”
قالت بنبرة تضاهية بغضًا..
“وانت اللي سرقة طقم الالماظ….”
نفضها عنه بقرف قائلا بتكبد….
“دي أقل حاجة اخدها بعد المصاريف اللي صرفتها عليكي انتي واخواتك…..”
عقبت مستنكرة…. “مصاريف ؟!….”
لمعة عينا عثمان بالقسوة…فاضافت هي بنبرة
مزدرية…..
“انا فاكره ان حمزة بدا يشتغل وهو عنده اتناشر سنة..وده لانه مكنش عارف يسعف ماما ازاي ويجبلها بقية العلاج اللي انت استخسر تمنه فيها وبقيت تجيب نصه تقرييا بالعند..”
التوت زاوية شفتي عثمان بإبتسامة باردة
فقالت هي بهدوء الصقيع..
“مع انك في الوقت ده كان معاك تسعفها وتوديها احسن المستشفيات….لكنك اهملت فيها….كنت بتعجل بموتها بالبطيء…”
في وسط عتمة الغرفة والضوء الخافت الذي
يكاد ينير جزءًا من وجوههم…..
اخبرها بكرها ينبع من عيناه
القاسية….
“تعرفي ان فيكي شبه كبير منها….”
سالته بفتور… “عشان كده كرهتني….”
بدون تردد اجاب بجفاء….
“انا كرهتك من قبل ما أشوفك…..”
وكانه القاها برصاصة سامة لم تقتلها لكنها جعلتها تتجرع مرارة الموت !…..
تابع عثمان بعينان تشعان قتامة مخيفة….
“كنتي لعنه وجودك بوظ كل حاجة…عجزني وخلاني إرجع أكمل في علاقة بيعها من البداية….”
اولها ظهره بجسد يتشنج بعصبية…
فقالت شهد بعينين حمراوان غير مستوعبتان
بعد….
“مش مصدقه….حبك ليها…يخليك تكره بنتك…يخليك تبيع مراتك وابنك…..يخليك تدمرني سبعة وعشرين سنه..وتسببلي عاهة مستديمة….”
هتفت بغضب مكتوم….
“إزاي أصلا بتحب وانت جواك الشر والغل ده كله…”
نظر لها عثمان نظرة من المفترض ان ترعبها
لكن غضبها كان أكبر وعتابها اليه كان اقوى من
ان تصمت أمامه…..
“طب وانا ذنبي إيه…ذنبي انا واخواتي إيه….”
اطرقت براسها وهي تلعق شفتيها والدموع
تنهمر من مقلتاها بغزارة….
“يمكن ماما غلطت انها كملت في وضع زي ده
وكان اختيارها….لكن احنا اي هو ذنبنا في القصة دي….محدش بيختار اهله…. وانا واخواتي مخترنكش ولا اختارنا تضحيتها ليك… التضحية اللي بسببها بندفع تمنها لحد دلوقتي….. ”
نظرت اليه بعيون مندية بالدموع….وبقلب
مقهور قالت…..
“كنت مجبور تعيش معاها تمام…خونتها مع صاحبتها يبقا اكيد لقيت فيها اللي ملقتهوش في كريمة….كلها حاجات ممكن تحصل وتنتهي بالطلاق….حتى لو اجبروك تكمل معاها….مش ذنبي ولا ذنب أخواتي
ولا ذنبها انها حبتك….عشان تعمل فينا كل ده…. ”
قالت بنظرة نافرة من قصةٍ متعفنة النوايا….
“مش ذنبنا ان الهام بصت لمستوى اعلى وسبتك…ولا ذنبنا انك اكتشفت في الاخر انك خسران…. خسرتها وخسرت نفسك وخسرتنا معاها…. ”
لم يجد عثمان ردًا امام هجوم كلماتها فانصاع
لها مقتضبًا….
فتابعت شهد بابتسامة متحسرة….
“انا عارفه ان خُسارتنا مش فارقه معاك….ومش مهم خالص نكرهك او نحبك أهم حاجة تدوس علينا وتكفرنا….”
ثم اسرسلت بحيرة من تلك القسوة….
“بس ليه…يعني في نهاية هتوصل لايه….احنا مش اعدائك المفروض ان احنا ولادك… ”
اشاح عثمان بوجهه….. فقالت شهد بتكبد يشوبه
مذلة الحياة….
“جربت مرة تسالنا احنا محتاجين إيه…غير الفلوس اللي كنا بناخدها منك بالاكراه….حمزة ليه كان بيهرب من المدرسة ليه كان بيبات برا البيت بالايام والشهور
وليه كان بيرجع مدروخ باليل ومش قادر يسند طوله….من كتر القرف اللي كان بيشربه…..”
اسبلت اهدابها متذكرة تلك الأيام البشعة باحداثها
عندما كان اخيها في سن المراهقة وخضع لتلك الممنوعات مع صحبة السوء مجرب انواعا كثيرة
من السموم…..
لا تعرف كيف اقتلع حمزة عنها وابتعد عن اصدقاؤه
وعدل عن هذا الطريق…..
تتذكر فقط اليوم الذي اتى به ليلا بملابس مبللة
من اثار الأمطار دلف حينها الى الحمام بدل ملابسة
وتوضا وصلى وسجد لوقتا طويل يبكي !…
وعندما سالته وقتذاك اخبرها انه كان على وشك ان يرتكب ذنبا كبير…لكنه تراجع ونجاه الله في الوقت
المناسب !….
اضافت شهد بوجع….
” وجه وقت على كيان مكانتش بتخرج فيه من اوضتها شهور…..جربت تفسر نظرتها ليك؟…..”
زار الاكتئاب كيان أكثر من مرة في فترة المراهقة
والجامعة على مراحل متباعدة وفكرة الانتحار
كانت تحوم حولها دومًا لولا تراقب شهد لها لكانت
استسلمت كيان لأحد نوبات الضعف وتركت شيطانها يقودها للجحيم ؟!….
تابعت شهد الحديث وكانها تمضغ الحصى
قبل ان تقذفة عليه…..
“طب انا فكرت مرة فيا….كرهك ليا وكلامك الوحش عني ومعايا هز قد إيه ثقتي في نفسي…. بقيت كل يوم اقف قدام المراية ابص على نفسي واقول هو
انا بابا ليه بيكرهني اوي كده….بابا ليه بيتمنالي الموت….”
نزلت دموعها وهي تضيف بوهن…
“من قبل ما ودني اليمين تتصاب..والبس السماعة..
وانا كنت حاسه اني مش زي اي بنت…حاسه نفسي وحشة ومنبوذة بس بسبب نظراتك وكلامك ليا….”
مسحت دموعها بظهر يدها قائلة…
“بيقولوا دايما ان البنت حبيبة ابوها…وبيكون اقرب حد ليها اكتر من أمها…في مرة في المدرسة الاستاذة كانت بتوقف الطلاب وبتسالهم اي هو الاب في حياتكم…”
“والاجابات كانت مختلفة من طالب للتاني في اللي قال سند…و امان…وحماية…ولما جه الدور عليا لقتني بقولها بكل عفوية ولصغر سني…كابوس…”
اهتزت حدقتا عثمان…فتابعت شهد تتجرع
الالم ببطء….
“الاب في حياتي هو كابوس…لو زرني مرة مااحبش اشوفه تاني…ولو الكابوس اتكرر في حياتي اكتر
من مرة.. ده معناه ان الموت بيزورني كل دقيقة
وكل ثانية….”
بللت شفتيها وهي تاخذ انفاسها بصعوبة…
“يمكن يكون كلامي وجعك… بس انت مقدمتش ليا غير الوجع…. عمرك في يوم حضنتني يابابا…
طبطبت عليا..”
قالت بصوتٍ لا معالم له من كثرة الأوجاع….
“سالتني مالك اي اللي وجعك اي اللي تعبك…احنا التلاته كنا محتاجينلك أوي في كل مرحلة من عمرنا.. كنا مستنينك تفوق من وهمك وترجع تلمنا حوليك بجد….مش مجرد انك تعايشنا في شقة وتدينا قرشين….”
فهزت راسها بنزق قائلة بتهدج…..
“لكن انت معملتش كده ففات اوان ان احنا نستناك..ومبقاش فارق معانا أصلا….انت بنية الف سور بينا…واحنا ساعدناك بعد كده انك تعليه…..”
عندما توقفت عن الحديث بدات تنهت و صدرها يعلو ويهبط بانفاسا مضطربة والوجع ينخر في جوف الفؤاد…..
بينما قال عثمان بصوتٍ خال من الرحمة
“مرفعه حلوة عجبتني بس مدخلتش ذمتي بنكلة…”
اقترب منها وفرد كفه امامها بسطوة….
امرا بترهيب….
“هاتي العقد…والمفتاح… وانا هكون رحيم بيكي وهعديلك كل اللي سمعته… ولي عملتيه…. ”
رفضت وهي تضع قبضة يدها خلف ظهرها….
“انا مش هديك العقد…انا هاخد العقد وبقية الطقم…”
كبلها عثمان بيداه بقوة قائلا بغضب…
“يبقا عايزة تموتي…وحشك الضرب وقلة القيمة..زيك زي اللي جابتك مكانتش بتمشي غير بكده…..”
كانت تحاول الفرار من بين يداه وهي تقول
بعنفًا….
“دي حاجاتي وملكش اي حق انك تسرقها مني…”
هتف عثمان ببغضا……
“ولا وبقا ليكي حق يابنت كريمة….لا وجايه تحسبيني وتسرقيني كمان…هاتي العقد يابنت****…”
سحب العقد من بين قبضتها بصعوبة ثم القاها
خارج الغرفة بعد عدة دفعات…..
“الاوضة دي متدخلهاش تاني اخرجي برا…..برا
يابنت الكلب…”
اغلق الباب في وجهها…فشعرت في تلك اللحظة
وكانها جثة مجمدة ملقاه في احد الخزائن تنتظر
تصريح الدفن !….
فعلمت انها لم تنبذ مرة واحدة لسوء توقيت نزولها
للدنيا بين والدين اوشكا على الطلاق فربطة هي العلاقة بوجودها الغير مرحب به…فكانت لعنة كما
اخبرها الان ،لعنة تستحق النبوذ طوال عمرها..
لم يحرك حديثها مشاعره بل لم يرى وجعها
المثخن بجراح الماضي ، وكانها كانت ضبابيةٍ باوجاعها ودموعها كانت ضبابية امام عيناه
الكارهة….
………………………………………………………………
حانت منه نظرة عليها فوجدها تنام بجواره تلف جسدها العاري بالغطاء غارقة في نومًا عميق بعد ليلة أمس العاصفة بالحب والحميمية المتبادلة بينهما…
لانت شفتاه في إبتسامة صافية رائقة وهو ينظر لسقف الغرفة مفكرا في احداث ليلة أمس بتفاصيلها….
كانت كقطعة هُلام ذائبة تحت حرارة أفعاله….. تلين مع قبلة تذوب مع همسة ، تئن باسمه بين الحين والاخر حتى لا يتركها لضعفها…..
جسدها كان مغويا… همسها كان متغنج…تأوهاتها كانت تطرب جسده المحموم في حضرتها….
اشتعل بافعالها… جن بقربها…فكان ينسى احيانا انها المرة الأولى لها !…..
كان همجي في قبلاته… شرسا في لمساته.. وقحا في همساته..ورغم ذلك كان يروقها كان واضحا انها
تحبه في كل حالاته وتتقبلها بترحاب…..
ذاب في قطعة من الجنة بين ذراعيها…كانت جميلة فاتنة قدّها الانثوي شديد النعومة غض….معطرة بالورد ، انها أمرأه معجونة بالورد هكذا يراها….
لم يتوقع ان تنتهي الليلة وهي ترتاح في احضانه عارية بعد جولة طويلة منهكه من ممارسة الحب بينهما لأول مرة….
اين كانت تلك الصغيرة امام عيناه، منذ عامين فقط كان يظن انه سيسلمها لزوجها بنفسه…
كان غبيًا حينها فمن سيحظى بالمدلله سواه….هي امرأته وابنته وحبيبته….هي النصف الذي كان يبحث عنه في بيوت الاغراب ونسى ان يفتش في بيت عمه عنه !..
لكنه وجدها الآن وأصبحت في احضانه ، فعليه البدء من جديد وقبلها يمزق تلك الصفحة التي تنغص حياتهما معًا ؟!…
سمع تاوها بجواره وتقلبها على جانبها واضعه كفها على صدره العاري…..
فخفق قلبه وازدرد ريقه والرغبة تلح من جديد…
لم تكتفي بل بدأت تتحسس صدره وهي تئن
بتعب…”سلطان بس….”
ابتسم سلطان وهو يمسك يدها بين قبضته
بامتلاك….
“انا جيت جمبك….انتي اللي جايبه ايدك عندي….”
فتحت داليدا عينيها الناعستين تنظر اليه بألق حميمي لم ينطفئ منذ ليلة أمس…
عضت على شفتها وهي تنظر الى صدره العاري ثم لجسدها أسفل الغطاء…..فشهقة وهي تختبئ تحت الغطاء…محاولة إلا تتذكر جنونهما ليلة أمس…..
ففعل مثلها وهو يضحك ثم ضمها الى صدره هامسًا
بجوار اذنها…”صباحية مباركة ياعروستي….”
قبل عنقها ثم وجنتيها الاثنين ثم سحق شفتيها في قبلة طويلة وعميقة…
جعلتها تغمض عيناها مستجيبة له بضعف وجسدها يعرف سلطانه يسلم الرايا دون ذرة مقاومة ! احاطت عنقه بيدها مداعبة شعره باصابعها بدللًا وهو يلتهمهاها باسنانه وشفتيه….
ضحكة داليدا وهي تحاول ان تتخلص من هذا الاعصار الجارف الذي يسحبها اليه دون إرادة منها..
ضحكتها وتملصها منه لم يدوم إلا ثواني ووجدته يشرف عليها بجسده الرجولي الضخم هامسًا بشقاوة….
“ماتيجي نلعب عريس وعروسة تاني انا حبيت
اللعبة أوي…..”
عضت على شفتيها وفلتت ضحكة رنانة من بينهم
ففقد صبره امام انثوتها الباذخة وافتتن امام نظرة عيناها الضاحكة فمال عليها يرتشف من حمرة شفتيها رشفة تلو الأخرى حتى ثمل منتشيًا في احضانها….
………………………………………………………………
كانت ترتدي قميصا حريري طويل يزين بالريش الناعم من عند الكتف وشريطٍ يحيط خصرها
النحيل….تطلق شعرها المندي قليلًا خلف ظهرها بانسيابيّه….
كانت شهية هذا الصباح متوردة بروح متوهجة بالحب…تقف هكذا تعد الفطور وعلى ثغرها ابتسامة رائعة تعبر عن روعة مشاعرها بعد ما حدث بينهما…
الامر اشبه بحلم وردي جميل تتمنى ألا تستيقظ
منه أبدًا……
حانت منها نظرة على باب المطبخ فوجدته يدلف إليها وهو يرتدي طاقم رياضي أنيق ويضع المنشفة حول عنقة باهمال وخصلات شعره تقطر ماءا……
اقتربت منه داليدا بعفوية ووقفت على اطراف اصابعها ثم سحبت المنشفة وجففت بها شعره
وهي تقول بعفوية… “كده هتبرد على فكرة…..”
سحبها من خصرها والصقها في جسده قائلا
بمزاح…
“طب نشفي كويس لحسان انا مناعتي ضعيفة….”
ضحكت وهي تنظر الى جسده الضخم بشك..وكانه قرا المسطور في عينيها فقال ببراءة….
“المناعة ملهاش دعوة بحجم الجسم…..”
قالت بوجنتين متوردة…. “بس انت مناعتك كويسة….”
بنظرة عابثة اخبرها وهو يميل على وجهها….
“مين قالك….دا مناعتي ضعيفة اوي بذات قصاد الحاجة الحلوة……”
دفعته في صدره وهي تبتعد عنه
بخجل….
“بطل بقا….وتعالى اعمل معايا الفطار…. ”
“ومالوا عروسة ولازم تدلع…..”اتى رده سريعا وهو يرفعها بخفة بين يداه واضعها على رخامة المطبخ…
شهقة داليدا بصدمة…. “بتعمل اي ياسلطان…”
“هعملك الفطار…خليكي هنا….”قالها وهو يطبع قبلة سطحية على شفتيها ثم اخذ ثمرة خيار ووضعها
في يدها قائلا….
“وخدي دي اتسلي فيها لحد ما أخلص…..”
ضحكت وهي تقضم من الخيارة سائلة
بشك… “متأكد انك هتعرف تعملنا فطار…”
قال سلطان وهو يقوم بفتح الخبز ووضع الجبنة
بداخله…..
“مش هغلب يعني رغفين سايحين في جبنة تركي
وكوبيتين شاي…..عايزه حاجة تانيه….”
هزت رأسها بإبتسامة شهية…. “لا كده تمام أوي…..”
ركز فيما يفعله فبدات هي تمضغ الخيار وهي تتابعه
بعيناها ثم بعد لحظات نادته بدلال….”سلطن…..”
كان رده همهمات خشنة….
فتابعت داليدا….
“انت أجازة النهاردة مش كده….”
نظر لها بعد ان وضع الخبز بالجبنة
في الميكرويف…
“المفروض انزل كمان ساعة…..”
مطت شفتيها قائلة….
“لا خد اجازة النهاردة…. وخرجني بالله عليك”
اقترب سلطان منها ووقف امامها قائلا وهو يلف
خصلة من شعرها المندي حول اصبعه…
“انا افتكرت عاوزاني اخد اجازة عشان نقعد
مع بعض أكتر….”
“ماحنا برضو لما نخرج هنبقا مع بعض…سلطن انا زهقانه وعايزة اخرج….”قالتها وهي تئن بدلال…..
سالها سلطان…. “وعايزة تخرجي فين بقا يادودا….”
هتفت بابتسامة متوهجة وعينين براقتين…
” مركب في البحر….نقضي فيها اليوم اي رأيك…”
“موافق…بس نفطر الأول….”قالها وهو يتجه الى
الميكرويف ثم اخرج طبق الخبز بالجبن ووضعه
امامها…..
“اي حكاية الريش ده….”
ضحكت داليدا وهي تعبث بريشات الناعمة على
كتفها…..قائلة بعفوية شهية…
“اي رأيك….كنت هموت والبسه في قمصان نوم
كتير اوي عجباني ومكنتش عارفه هلبسها إمتى….”
لمعة عيناه بألق النشوة فقال بوقاحة….
“اديكي هتلبسيهم…عايز اتفرج عليهم كلهم….ماتيجي نعمل بروفا… واهوه أقولك مين فيهم احلى من التاني….”
قالت داليدا بحرج…. “لما نرجع من الخروجة الأول…”
“طب يلا بينا….”
“خلصت…..”
“أسهل واسرع فطار…..”أشار على الطبق جوارها….
فمسكت لقمة من الخبز واكلتها فقالت هي تمضغها
بصعوبة وعلى عجلة……
“ممم سخنه أوي بس طعمها حلو…تجرب….”
نظر الى جانب ثغرها الملطخ بنقطة جبنة صفراء ذائبة شهية للجائع لم يقاوم كثيرًا فباغتها مائلا عليها في لحظة وامتصها بالسانه وشفتيه بشهوانية جعلت داليدا تجفل وتتوقف عن المضغ ……
رفع سلطان عيناه اليها مدعي البراءة وهو يتلذذ في
طعم الجبنة على لسانه..”مم….الجبنة سايحة اوي….”
عضت على شفتيها وهي تبتلع اللقمة بصعوبة وقلبها
يخفق بجنون……
………………………………………………………………
كان يبحر بهما المركبي في زُرقة المياة كان المنظر خلاب سلبها من الوهلة الاولى…..وضعت يدها في الماء وحركتها بسعادة وهي تنظر الى سلطان الجالس
جوارها يتاملها تارة وتارة اخرى يتأمل المكان من حوله والابتسامه تزين محياه….
ابتسمت داليدا بسعادة وهي تتمتع بنظر الى الطبيعة
كذلك حيثُ امتداد البحر من حولهما وبعض المراكب المصفوفه في نقطة بعيدة….
الهواء المنعش الممزوج برائحة البحر المالح….زرقة
السماء الصافية المنعكسة على البحر ، جوٍ مبهج
جعلها تقف مبهورة امام إبداع الخالق….
“مبسوطه يادودا….”
سالها سلطان وهو ينظر لها فكانت متأنقة بثوبٍ ربيعي جميل والحجاب ملتف حول وجهها بجمالا زادها نضجا وبهاءا…..
اتسعت ابتسامة داليدا حتى شملت وجهها
وهي تقول بعفوية…
“اوي أوي ياسلطان….مش أول مرة نركب مركب
سوا فاكر لما كنت بقعد ازن عليك في الاعياد عشان
اركبها….”
اوما براسه وهو يمط شفتيه مستهجنًا….
“فاكر وفاكر انك في مرة روحتي من ورايا وركبتيها
مع بنات صحابك….”
ضحكة بلؤم قائلة….
“قلبك اسود لسه فاكر…..الكلام ده كان من تلات
سنين….”
لم تلين ملامحه عندما قال…..
“ولو بعد عشر سنين هفضل فاكر….يومها رجعتي هدومك كلها ماية..”
قالت داليدا بتذكر وهي تعقد حاجباها بأسى…
“اختل التوازن بتاعنا على المركب…تلاته من صحابي وقفه مرة واحده عشان يغيروا امكانهم هوب…لقينا نفسنا كلنا في الماية..”
زم شفتيه معقبًا….. “من اعملكم سلط عليكم…..”
ضافت عيناها بشقاوة قائلة….
“دا عشان روحت من وراك بس…..واضح انك كنت بتدعي عليا….”
“طول عمرك عنيده وتعباني….”خبط سلطان على ركبته بخفه وهو ينظر للمركبي الذي يوليهم ظهره…
فقالت داليدا بجدية…..
“لا بس الكلام ده كان من تلات سنين ياسلطن…انا دلوقتي عقلت وبقيت بسمع الكلام….”
عقب بنبرة واهية…..
“بكرة نشوف…المواقف هي اللي بتبين وبذات
معاكي انتي….”
هتفت داليدا بثرثرة لذيذة…..
“ماهو انت برضو غريب….ليه مرة واحده كده قولت
مفيش ركوب مركب ومفيش مرواح للبحر كان لازم
تفهمني عشان اعذرك واسمع كلامك….”
لكزها في كتفها قائلا بتسلط….
“تسمعي الكلام غصب عنك مش هبررلك انا كل حاجة…”
ضحكت داليدا مصرة…..
“لا بجد.. ليه مرة واحده قولتلي مفيش مرواح
للبحر تاني…..”
لوى شفته مستهجنًا……
“عشان المشاكل اللي بعملها بسبب حضرتك…ولا ناسيه ان اي عركه كانت بتحصلي بسبب معاليكي..”
قالت بابتسامة عذبة…..
“مش ناسيه…بس انت كنت بتضربهم من
أول بصة…”
هتف باستنكار….
“لا استنى لما يبحلقه فيكي….”
هزت رأسها بنفي موضحة….
“مش القصد بس ممكن تكون نظرة بريئة…”
عقب بسخرية لاذعة…..
“مفيش راجل بيبص لواحده نظرة بريئة…إلا لو كانت الست الوالدة هتفرق !…. ”
ضحكت بعذوبة وهي تنظر للبحر الممتد
امامهم…
“مش مصدقة ان بعد دا كله اتجوزنا…”
“ولا انا….”رد بحيرة ناظرًا لأبعد نقطة تبصرها عيناه…
نظرت اليه بتساؤل….. “أوعى تكون ندمان….”
نظر لعيناها التي تلمع كالحجر الأسود تحت
شمس المغيب…….
“اخاف انتي اللي تكوني ندمانه بعد اللي حصل بينا
إمبارح….”
تخضبة وجنتيها فقالت بانكار…..
“اكيد مش باين عليا الندم…بدليل اني طلبت نخرج النهارده ونغير جو…. ”
عقب بدهاء…
“لو مش ندمانه… تبقي مبسوطه….”
“انت ليه مصمم تحرجني ياسلطن….”ازداد احمرار وجنتيها فاشاحت بوجهها بعيدًا عن محور عيناه..
فمسك كفها قائلا بجدية وعيناه تجوبان على
ملامحها وعيناها بتأني……
“عايز أعرف انتي عايزاني زي مانا عايزك ولا لا….”
رمشت بعيناها جافلة…. “عندك شك في ده…”
هز راسه بصلابة….
“مفيش حاجة عملتيها تثبت ليا العكس….”
غامت عيناها بالحزن وهي تنظر اليه بدهشة تشعر
بانها تعود معه لنقطة الصفر من جديد…..
فقال سلطان بعد لحظة بصرامة….
“بلاش البصة دي ياداليدا انا عايز نحط نقطة ونبدا
من أول السطر… قولتي إيه….”
عقبت بضجر….
“قولت ياما انت غبي ياما بتتغابى….”
نداها بحزم…. “داليدا…..”
فقالت بتبرم خافت وهي ترمقه شزرا……
“إزاي مش فاهم يعني كل ده….معقول هسلملك من غير ما اكون واثقة ومتاكده اني هكمل معاك للآخر
انا كمان عايزه ابدا معاك من جديد وننسى اللي
فات….”
سالها بشك….. “متأكده….”
اومات براسها بعنفوان…..
“متاكده ميه في المية اني عايزة أفضل معاك العمر
كله….عايزه افضلك معاك لحد ما اشيب….”
ابتسم سلطان فقالت هي بدلال….
“قولي صحيح لما ابقى عجوزة…هتفضل تحبني..”
برم سلطان شفتيه مستنكرًا….
“مش عارف بصراحه بس اكيد انا هبقا قفة في شوال فرق خمستاشر سنة برضو…”
انكمشت ملامحها بضجر… “اي التشاؤم ده….. ”
ضحك سلطان وهو يلف ذراعه حول عنقها
بقوة ويضمها اليه هكذا…..
“خلاص افردي وشك ده…هفضل أحبك حتى لو بقيتي مركبة طقم سنان…. حلو كده….”
سعلت داليدا وهي تحاول ان تتخلص
من ذراعه… “هتخنقني ياسلطان…..”
حل سلطان وثاقه عن عنقها قائلا بجزع…
“انتي بسكوته كدا ليه…انشفي كده…هتتخنقي
من حضن….”
برمت داليدا شفتيها ممتعضة…
“انت بتسمي ده حضن….دا انا نفسي راح… ”
ابتسم سلطان بسخرية وهو يشد الوشاح
ليغطي بشرة عنقها الظاهرة….
“اعدلي الطرحة دي….مش بطوليها ليه…”
عدلت حجابها قائلة بعفوية…”هي الموضه كده….”
رمقها سلطان بامتعاض قائلا…..
“يبقا اسمى موضة بقا مش حجاب…..فكري تلبسي
الخمار احسن…او النقاب هيبقي احلى….”
رمشت بعيناها بعدم تصديق….
“النقاب ؟!….انت بتغير ولا إيه….”
اوما براسه وعيناه تبث شعورا حميمي في
نفسها… “مش عايز حد يشوفك غيري….”
ابتسمت بخلاء متدلله…..
“محدش بيشوفني غيرك….ومش بخرج غير
معاك….”
هربت من عيناه وهي تثرثر بجذل…
“قولي ياسلطان لما ابقى عجوزة هتخرجني
كده وهتجبلي الأكل اللي بحبه…..”
تبسم سلطان قائلا بعينان تفيضان عشقًا…..
“هعملك اللي انتي عيزاه من دلوقتي مش لازم لم تعجزي….المهم تفضلي في حضني… ”
تسارع نبض قلبها فوضعت يدها على صدره
النابض بقوة في حضرتها….وقالت بتغنج..
“وانا عايزه أفضل في حضنك العمر كله…اي
رايك… ”
سحبها لاحضانه برفق وضمها الى صدره
بضعف هامسًا بعاطفة جياشة بالقرب من
اذنها…..
“رايي اني بحبك…بحبك أوي يا دودا..”
اغمضت عيناها وجسدها ينصهر بين ذراعيه
القويتين وقلبها يتجاوب مع خفقات قلبه العالية أسفل اذنيها….والبحر والنسيم وشمش المغيب جميعهما يشاركا قلبها لحظة موثقة بروعة الحب…
انه التكامل التي كانت تبحث عنه سابقًا وأخيرًا
حظت به مع شخصًا لم يمر على المخيلة
يومًا ولو بالخطأ !..
انها طلاسم الحياة ، واختيارات القدر فلم يكن
يومًا على الحب سلطان وليس كذلك على
النسيان حاكم !….
انها الحياة وطلاسمها المعقدة ؟!…..
………………………………………………………….
تطلعت الى يدها بعينين باردتين فقد ربطة كفها بضمادة طبية تساعد في تخفيف الكدمة الزرقاء التي نتجة عنها أمس بعد ان دعست أسفل حذاء والدها بتجبر دون ذرة رحمة منه……
اتكأت على موضع الالم وهي تغمض عيناها بقوة.. هذا الوجع لا يضاهي وجع قلبها وروحها الملتاعة بالاحزان…..
كم هو مؤلم البوح لمن خلى قلبه من الإنسانية لمن
مات شعور الابوة بداخله…. لمن ظن انه لن يدفع
فاتورة ظلمه وتجبره يومًا..
لو كانت تشكي لجماد لكان رحمها بصمته وقدم الموساة بنفس الصمت….
أحيانًا يكون في الصمت رحمة ، في الصمت غاية.. نجد في الصمت أنفسنا ، نعترف بالاخطاء ونكتشف
الحلول اذ طال الصمت ، في الصمت مؤازرة لا
يدركها إلا من اعتنق الصمت بصبرٍ….
شعرت بيدٍ حانية تلامس ضمادة يدها وتعانقها
بحنان……
ففتحت عيناها الباردتين وعطره كشف عنه وخفق قلبها قبل ان تبصره بنظراتها……
“عاصم…”
همست باسمه وهي ترمش عدة مرات وكانها تنعش
جزءًا بداخلها قد مات ليلة أمس…..
“مالك ياشـهـد….ومال أيدك…..”
وكأن صوته بلسم يدواي جراحها…
تركت يدها بين راحته وكانا يجلسا بقلب المطعم على أحد الطاولات الشاغرة والمنعزلة قليلا ولانهما كانوا
صباحا فكان عدد الزبائن أقل……
قالت وهي تهرب من محور
عيناه…
“وقعت عليها أمبارح بليل….”
سالها بحاجب معقود…..”أزاي….”
عضت على باطن شفتيها وهي تخبره….
“صحيت اشرب الفجر واتكعبلت فخدت الوقعه عليها…..”
قلب في كفها برفق…. “وحصلها حاجه…..”
اجابت بفتور….. “كدمة بسيطه…..”
اسر عيناها بنظرة ثاقبة..
“متاكده ان هو ده بس اللي حصل…عنيكي بتقول غير كده….”
تدرك كم هو صعب ان أحكي لك عن اسراري ممن أشكو لك ياعاصم ؟!…من والدي ماذا اخبرك عنه اكثر
مما اخبرتك به ،يكفي ان اخبرك بان ابي طامعا في مالك…فهل يجب ان أخبرك أيضًا بسنوات شقائي
معهُ هل عليَّ ان أبوح لك بحرمانِ من أقل
الحقوق كأبنة
هل افصح عن أمر إصابة اذني اليمنى واخبرك
عن تفاصيل الحادث وان السبب هي زوجة عمك
التي أساسا هي عشيقة والدي سرًا، وقد خانة
امي وغدرة بها يومًا تحت مسمى الصداقة
ام اخبرك انني رغم حبي لك أحاول ان اصل لها
عن طريقك لأنتقم !….
قالت بهدوء ميت….
“حصلت مشكلة بيني وبين بابا… وشدينا مع
بعض شوية…”
انكمشت ملامحه عابسًا… “بسبب…”
قالت مقتضبة….. “طقم الالماظ…..”
تافف عاصم قائلا بضيق…
“ما خلصنا من القصة دي ياشهد.. قولتلك اني
هعوضك بس لما نتجوز…. اي لزمتها تفتحي الموضوع ده تاني معاه….”
لمعة عيناها الباردة…..
“لاني لقيت العقد في اوضته…..”
هز راسه مستفسرًا…. “وبعدين…..”
لوت شفتيها مستهجنة….
“زعق معايا وطردني من اوضته….”
سألها بتعجب….. “لدرجادي….”
اومات براسها بأسى ويدها المصابة مزالت بين
راحتيه…..
“علاقتنا من زمان كده…عمرها ما كانت عادية..علطول
في بين حروب مش بتنتهي….”
مسد على يدها بحنان قائلا…
“بكرة ينتهي كل ده لما نتجوز….وهعوضك عن كل
حاجة…”
سالته بشك….. “تفتكر….”
ابتسم ابتسامة عميقة جذابة وهو يخبرها
بعطف….
“مش هتكلم كتير عن نفسي….بكرة لما نتجوز هتعرفي….إحنا هنكون عوض لبعض ياشهد..”
وكانه عانق روحها الباردة بعدة كلمات فشعرت
بدفء الحب يتسلل إليها عبر تلك العيون
النافذة بحب وحنان العالم….
فاضاف عاصم ويداه تمسد على كفها
المصاب….
وعيناه تبث عدة مشاعر هي كل ما تحتاج
اليه الآن……
“انا شايف فيكي اهلي وحياتي ياشـهـد انتي
دنيا جديدة عايز اعشها…. وانتي كمان لازم تشوفيني
حبيبك وسندك واخوكي وابوكي وكل حاجة ليكي
في الدنيا….ولا إيه ياست الحُسن…”
جميل هذا شعور لكنه مخيف !….
سحبت يدها وهي تقول
بحياء…
“أكيد…..تحب تفطر معايا….”
اوما براسه بهدوء….
“ومالو نفطر ونروح مشوارنا….”
لاحت علامات الاستفهام على محياها….
“مشوار اي ده؟….”
اخبرها ببساطه وعيناه لا تحيد عنها…
“شقتك…مش المفروض تشوفي شقتك وتقولي رايك
فيها….عشان مهندس الديكور يبدأ يشتغل ويشوف
حبا تعملي اي فيها….”
فغرت شفتيها قائلة بتعجب….
“شقتي؟!…انا كنت فاكره انك هتعيش في بيت
العيلة….”
وضح عاصم بهدوء ….
“بيت العيلة هيفضل مفتوح هنروح ونيجي عليه طبعًا….. بس الشقة لينا هتكون خصوصية اكتر
عشان نبقا براحتنا من غير إزعاج…. ولا إيه….”
احمرت وجنتيها وعضت على شفتيها جراء هذا التلميح العابث…فغمغمت بحرج…
“مم…واشترتها امتى الشقة….”
راته ينظر لشفتيها الحمراون للحظات بجرأة لم تعهدها عليه من قبل…ثم اجابها….
“من فترة قصيرة…المهم هتيجي معايا تشوفيها
ولا لا….”
نظرت لسطح الطاولة بتردد….
“هقول لحمزة…. عشان يجي معايا…”
بنظرة جادة اخبرها بخشونة….
“واضح انك ناسيه ان احنا كتبنا الكتاب من كام
يوم….”
اهتزت حدقتاها بتردد… “مش ناسيه بـ..”
قاطعها وهو يلتهماها بنظراتٍ
مبهمة….
“لا ناسيه بس انا هفكرك متقلقيش….”
رمشت عدة مرات بوجل….
“مش فاهمه الجملة دي….تقصد إيه….”
اسبل اهدابه وهو يقول بهدوء….
“اقصد اني جعان هتفطريني ولا نفطر برا…”
لوت شفتيها باستياء….
“على اساس انك بتاكل برا هقوم احضرلك
الفطار بنفسي…..”
عندما نهضت مبتعدة عنه زفر زفرة الظمئًا وما
أصعب الظمئ الى الهوى……
…………………………………………………………….
أدار المفتاح في الباب ومن ثم فتحه مشيرًا لها
بابتسامة رائعة….
“سمي ياست الحُسن..وادخلي برجلك اليمين شقتك…”
اومات براسها مبتسمة ومن ثم خطت بقدمها
اليمنى باسم الله…..
تطلعت في زوايا الشقة الفارغة فكان موقعها رائع
قريب من البحر تراه من شرفة منزلها على بعد مساحة….شاسعة الشقة ومساحتها منظمة بشكلًا
رائع وفخم تؤهل لعمل ديكور عصري كما تشاء…
بدا عاصم يعرفها على كل ركنًا بالشقة والغرف الموجوده بها… وكانت معه مأخوذة بانبهار
فتلك كانت شقة احلامها بمساحتها وموقعها
القريب من البحر….رسمت معها الاحلام في كل
ركنا بها…
وجودها هنا وتلك الاحلام التي تطرقت الى عقلها
جعلتها تنسى ليلة أمس باحداثها المريرة…
“اي رأيك عجبتك.. الشقة….”
اخبرته بابتسامة جميلة….
“عجبتني أوي ياعاصم… حلوة أوي….مفهاش
غلطه.. ”
“لا فيها غلطة….” اخبرها على مضض وهو يطلع
على الحوائط البيضاء حولهم….
نظرت اليه فاسترسل……
“هتاخد وقت على ما تجهز… ممكن اربع شهور
على الأقل….”
قالت شهد بلا مبالاة…. “واي المشكلة نستنى….”
هز عاصم راسه بنظرة حازمة….
“لا انا مش بقولك كده عشان تقوليلي نستنى…احنا هنتجوز اخر الشهر ده…. وده كلام مفهوش نقاش..”
سالته متخصرة…… “وهنعيش فين بقا….”
اجاب بجذل…. “هنعيش في الشارع…”
عقدة حاجباها..فضحك عاصم مضيفًا بعبث
“ما انتي اللي سؤالك غريب….كده كدا قدمنا اجازة طويلة بعد الجواز….”
“قصدك شهر العسل…” رمشت بعيناها بحياء لذيذ في عيناه….
فأكد وهو يقترب منها محيطها بذراعيه…
“انتي ونصيبك بقا… شهر اتنين تلاته… نفضل في اجازة لحد مالشقة تخلص… اهم حاجة نتجوز اخر الشهر ده….. ومفيش تاخير ولا يوم واحد….ولا يوم
واحد تاني هتبعدي عن حضني…. ”
انهارت اعصابها امام تلك الكلمات بينما يداه
تحتوي خصرها بشوقا……قالت شهد وهي
تحاول الفرار منه ومن مشاعرها…..
“عاصم أبعد شويه…..”
قربها عاصم منه أكثر فبقت اجسادهما ملتصقة
في بعضها بحميمية مفرطة…..
“ابعد إزاي انا حالف افكرك اننا اتجوزنا…. لحسان شكلك ناسيه….”
قالت وهي تزدرد ريقها…. “مش ناسية…. انا فاكره….”
مالى عليها يشم عبيرها الطيب جوار
عنقها… “فاكره ايه بظبط….”
“انك بقيت جوزي…..”زادت وتيرة انفاسها وتحرك صدرها علوا وهبوطا باضطراب امام عيناه
المشتهية…….
“واي كمان….” سارت يداه على ظهرها فارتجفت بين ذراعيه وكم كانت رجفتها العذراء تثير مشاعره الرجوليه نحوها اكثر من ذي قبل….
جلت صوتها وسط طيات الضعف…..
“عاصم احترم نفسك… وابعد شوية…”
قربها اكثر منه وضمها بقوة وعندما مالى على
شفتيها ابعدت وجهها وهي تقول بزعر….
“عـاصـ..”
اختفى اخر حرفٍ من اسمه بين ثنايا شفتيها بعد
ان عانقها بشوقًا…عناق دافئ لزج غريب..يبث شيء
في الروح وكانه ينعشها……
هذه أول قبلة تتلقاها في حياتها…كم كانت رائعة شديد السخونة مزيج بين الحب والحنان قبلة
من رجلا سخي المشاعر حنون محب بالفطرة……
سارت شفتيه على وجنتيها يقبلها ويتكأ عليها بشفتاه
مداعبا بحنان…. فابتسمت وقلبها يخفق على أوتار
الهوى…..
مد يده وسحب رباط شعرها وتخلل نعومته باصابعه
مخبرها وهو يشم عطر شعرها الزكي….
“بحب شعرك اوي ياشـهـد……”
مالى يشم عنقها رائحتها الطيبة التي تسكر حواسه
كان عطرها مزيج من رائحة البحر وعطر الزهور…
طيب زكي خفيف على الانف لكن آثره كالوشم
يطبع في الذهن ولا ينسى…..
قبل ثغرها قبلة سطحية ثم بدا يتحسس وجنتيها الناعمتين باصابعه برقة كلمسات الورد قائلا
وهو ينظر لعسليتاها البراقة المذعنة اليها بكل جوارحها….
“انتي أجمل واحده شفتها عنيا…..والست الوحيدة
اللي اتمناها قلبي…انتي يا ست الحُسن والجمال…
انتي اللي اتمناها قلبي…وأخيرًا وصلك وبقيتي
حلالي…..مراتي.. ”
ضاعت في الغزل الصريح فاغمضت عينيها ويداه
تحتوي وجهها الجميل…..وعطره الرجولي وانفاسه
الساخنة تتخلل لرئتاها فتخلق فوضى العشق وما
أجمل منها فوضى !….
فوضى تحتاج لان تفعلها فترتاح وتشعر بلذة
الحب وثمل الهوى….
ثملة هي الان بين يداه مشاعرها وقلبها في حالة
سكر كل ذرة بها تطالب بالدفء بالحب بدلال…
تطالب بـعاصم
بملامح متشبعة بالعشق أخبرها وعيناه تطوف
على وجهها المشع جمالًا خجلًا….
“خطفتيني من أول يوم شوفتك فيه..من أول يوم وقعت عيني في عيونك….وانا اتشقلب حالي…
عملتي اي فيا ياشـهـد….اي سرك ؟….”
“لو عرفته مش هيكون سر……”قالتها وهي بين يداه
تحلق في عالم غير العالم….عالم هادئ جميل وردي
بمذاق الشهد……
همس ساحقا شفتيها بمشاعر ثائرة…..
“مصيري أعرف كل حاجه ومن بين شفيفك دول
هتحكيلي…..”
اعطاها قبلة كانت تتوق لها منذ بداية الحديث وكانها
اشتاقت لهذا الدفء من جديد….دفئا يبث بها الحياة
وكم هي بحاجة لمن يشعرها بالحياة والذات بها….
عانقة عنقه بكفها الصغير الرقيق فطوق هو خصرها
بحب رافعها لمستواه حتى يتعمق اكثر في قبلاتها
الشهية مذاقها كالشهد…حلوة وشهية وطرية الملمس…..
بعد لحظات اطلق سراح شفتيها بصعوبة بعد ان طلبت القليل من الهواء….
لمس كاحلها الأرض فوقت تاخذ انفاسها المسلوبه
لاهثة بقوة بين ذراعيه بوجنتين حمراوين كشعلتين متوهجتين ، وعينين خلابتين كنجميتن متلألاتين
“عـاصـم….”
نادته بشفتين حمراوين ومتورمتين قليلا من طوفان
قبلاته عليهما…..
نظر اليها لاهثة ببطء ويداه تحسس خصرها بتولة
فقالت وهي تشعر بخطٍ من الصقيع يتخلل عمودها
الفقري…….
“احضني ياعاصم…..احضني….”
وقف مشدوه لثوانِ امام هذا الطلب..نعم استجابت
للقبلات واستكانت بين يداه لكنه هو من بادر بهذا
واخذت وقتها حتى استجابت معه….لذلك طلبها
سمره قليلا وصوتها الراجي اجفله لوهلة فهذا
الحلم الذي لم يتطرق اليه أبدًا !…
ان تتوق (شهد) لعناقه يصبح الواقع
حلمًا يجب اقتناصه…..
لذا كان الرد هو عناقا حانيًا يحتويها بمعنى الكلمة
يدفئها يطمئنها ويريحها من معمعة الحياة، كما كان يعانقها عندما كانا يرقصا على أوتار البيانو……
وهي أدمنت هذا القرب ووجدت ملاذها بين ذراعيه
فلم لا تاخد القليل من تلك المشاعر التي تتوق اليها
منذ زمنا بعيد……
عندما ضمها الى احضانه وربت على كتفها بحنان أبوي تلقائيا بدات تترقرق الدموع في عينيها ولم تمنع شهقة بكاء تسللت من بين شفتيها الحمراء…
وكانها لم تكن تحتاج إلا لهذا كي تنفجر دون توقف
كان رائعا متفهمًا لم يخرجها من احضانه ويبدا وصلة
الاسئلة بل تركها، تركها تفرغ اوجاعها ودموعها على قميصه في احضانه وكان هذا اقصى طموحه معها
ان تكشف هذا الجانب الموجوع الضعيف داخلها
اليه….وتبوح له…..
تركها لدقائق تفرغ اوجاعها ودموعها بينما صدره تضخم بمشاعر سوداوية هائجة بالغضب شاجنة
بعد رؤيتها منفظرة القلب حزنًا بهذا الشكل المأساوي….
ربت على ظهرها وهو يهدأها….
“اهدي ياحبيبتي….مفيش حاجه تستاهل الدموع
دي كلها…اهدي وخلينا نتكلم….”
رفعت وجهها الى عيناه وهي تمسح دموعها
بضعف لم تحبذ وجوده هنا امام عينا عاصم
سالها وهو يرفع كفها المصاب امام أعينهما…
“هو اللي عمل كده في ايدك ياشـهـد صح….”
غافلها بالسؤال فوقفت متسمرة للحظات تنظر اليه
بوجل….وكانها طفلة تخشى ان تفشي أسرار بيتها
للاغراب….
سالها وهو يلامس وجنتها بحنان…..
“خايفه من اي ياشهد….انا جوزك ياحبيبتي
اقرب حد ليكي… لو محكتيش ليا انا هتحكي
لمين بس….”
وكانه يحاكي طفلة يجاريها في الحديث حتى تفصح عن مبتغاه ، ليست ساذجة…
لماذا يعاملها كـساذجة ان أرادت البوح ستبوح وان
لم ترد لن تفعل وحتى لو استعمل معها القوة !….
لكن لِم العناد….هي تضعف الان امام نظراته وكلماته
فبدأت تحكي بالفعل احداث ليلة أمس حديث والدها
قسوته عليها دون ان تتطرق لقصة إلهام….
ايضا افصحت لم يكرهها والدها، لانها ربطة علاقة
زواج منتهية الصلاحية ربطتها مدى الحياة فكانت
النتيجة اذنيها وعمرها وشقاء ثلاثتهما عمرًا بأكمله
لم تحكي له عن تفاصيل اصابة اذنيها بل لم تطرق
للموضوع أصلا..حكت فقط اشياء بسيطه واحتفظت بالباقية في صندوقها المظلم….
أوغر صدره غضبًا وغيظ…..وهو يسألها
“وبعد كل اللي بتحكيه ده بتماطلي في معاد
الفرح…..”
نظرت اليه بصمت فتابع بضراوة…..
“ازاي عيزاني اسيبك معاه بعد اللي حكتهولي…دا ممكن ياذيكي….”
رمشت شهد بعيناها عدة مرات ثم قالت بهدوء يتوارى خلفه القهر….
“مش لدرجادي وبعدين انا عشت معاه سبعة وعشرين سنه مش هتيجي على شهر كمان…”
تحدث عاصم بتسرع….
“احنا ممكن نتجوز خلال اليومين دول… ونشتري شقة جاهزة… ونخلي دي لحد ماتفرشيها على
ذوقك…”
ابتسمت بذهول قائلة….
“عـاصـم……انت كده هتندمني اني قولتلك….”
بنظرة نافذة جادة أفصح….
“انتي محكتيش كل حاجه ياشهد…انا متأكد ان في
حاجات تانيه اكتر من اللي حكتيه…”
اسبلت اهدابها هاربة من عيناه…فأوما براسه
متفهما بصبرٍ….
“بس انا مش هضغط عليكي…. هتحكيلي برضو
وبمزاجك…..”
لوت شفتيها بتبرم…
“الثقة الزايدة دي بضيع صاحبها….”
اخبرها بثقة…. “معاكي انتي في محلها….”
نظرت لعيناه قليلا فسالها هو بجدية….
“قولتي ايه….”
هزت راسها بجدية تضاهية حاسمة الأمر برفضا
قاطع….
“قولت لا طبعًا…. اخر الشهر مش بعيد…مش مستاهله
كل الخوف ده انا كويسة… وبعدين في نهاية ده ابويا
مش عزرائيل….”
كاذبة… كيف تبثِ الطمأنينة اليه وقلبك يعتنق الخوف كل دقيقه وكل ثانية في كنف عثمان الدسوقي ؟!….
سبعة وعشرون عام من المذلة والمهانة والوجع وتدعي انكِ بخير…كاذبة….كاذبة……
اسبلت اهدابها وهي تمسح دموعها الجافة
على خدها قائلة بمرح زائف….
“كفاية نكد بقا انا تعبت….مش المفروض اقولك
عايزة أعمل إيه في شقتنا….”
مسكته من يده وسحبته الى أحد الزوايا مشيرة
الى الجدران والاشياء التي تود فعلها هنا وهناك…
ظل ينظر اليها بصمت مبهم عازم النية على ايقاف
تلك المهزلة فلم تعد حرة الان أصبحت زوجته عرضه
وكرامته وعلى والدها ان يتعامل من الان وصاعدًا على هذا النحو ؟!…
…………………………………………………………….
خطى بخطواتٍ مستقيمة تشع رجولة وهيبة صالة
الشقة وعيناه الصقريتين تطلع في زوايا تلك الشقة الفخمة والمكان المرموق القابعة به….
عكس الشقة التي تمكث بها شهد مع شقيقيها كانت أقل في المستوى بمراحل…..
سؤالا يطرح نفسه الان هل والدهما بهذا القدر من
الدونية ؟!….
ما الذي يدفع الأب ان يحرم أولاده من حياة مرفهة بامكانه ان يوفرها لهم بسهولة ؟!….
بخيل مثلًا ؟!…
ديكور الشقة وفرشها وموقعها وملابسه الفخمة وسيارته الفارهة جميعها أشياء تكشف بانه
رجلا سخي على نفسه…..
لكن ماذا عن ابنائه لماذا ينبذهم بهذا الشكل….
“اتفضل يامعلم عاصم.. سي عثمان مستنيك جوا”
قالتها مُهجة وهي تشير على أحد غرف الجلوس…
اوما عاصم براسه بملامح متصلبة وهو يدلف الى الغرفة بخطواتٍ مستقيمة……
عندما ابصره عثمان نهض مرحبا به بحرارة
مشيرًا على المقعد جواره قائلا….
“أهلا أهلا يامعلم عاصم نورتنا يا راجل…. قعد
واقف ليه…..”
ثم ساله عثمان بحفاوة زائفه….
“تشرب إيه….اجيبلك قهوة ولا عصير….”
رد عاصم وهو يحل زر سترته….. “قهوة كويس…..”
أمر عثمان بصوتٍ جهوري….. “القهوة يامُهجة….”
اعطاه كامل تركيزة وهو يضيق عيناه
بشك…..
“خير طلبت تشوفني…تكونش شهد زعلتك…فـ جاي
تشتكيلي منها…..”
لاح على وجه عاصم تعبير غريب وهو يحدج به….فاضاف عثمان بجفاء….
“انا عارفها نكديه زي اللي جبتها….امها برضو فضلت ورايا لحد ما كرهتني في صنف الحريم….”
دون ذرة مرح عقب عاصم….
“مش باين انك كرهته…بدليل انك متجوز….”
أكد عثمان بابتسامة بذيئة المعاني…
“ماهو ده اللي انت هتعمله بعد سنة واحده من الجواز…. هتجوز مرة واتنين وتلاته ماهو واحده
بس مش كفاية بذات لو نكدية وزنانه….”
جاش الغضب في صدره لكنه تحلى بالصبر
قائلا بتحفظ……
“شهد ست الستات…هي عندي بستات الدنيا دي كلها..”
وكان الإجابة لم ترضي والدها فقال بتبرم…
“والله ؟!….طيب بما انكم زي سمنة على عسل اوي كده اي سبب زيارتك ليا….”
سحب عاصم نفسًا طويلا ثم نظر اليه
بجدية قائلا بحزم…..
“اسمع ياحمايا…. بنتك دلوقتي مبقتش بنتك بس بقت مراتي كمان كرامتها من كرامتي…ولو حد داس لها على طرف وزعلها…كانه زعلني انا وبالجامد كمان…”
جفل عثمان وجحظت عيناه قائلا
بدهشة…
“وانت جاي تسمعني الكلام دا ليـ….”
قاطعه عاصم بحزم شديد الخطورة….
“انت عارف انا جاي اسمعك الكلام ده ليه….”
زاد اتساع عينا عثمان جراء هذا الهجوم…
فتابع عاصم قائلًا بمروءة…..
“اللي عملته فيها امبارح وصلني….وهي لا كانت غلطانه وقتها ولا تستحق تضرب…أصلا مش من الرجولة انك تستقوى على حد ضعيف بذات لو واحده ست حتى لو الست دي تبقى بنتك هي برضو مأجرمتش عشان تعمل اللي عملته…”
اهانه عثمان وهو يرمقه شزرًا…
“وانت بقا اللي جاي تعملني الرجولة…”
حل الصمت لثوانِ وعاصم ينظر اليه بصدمة
تمتزج بالخطر….خطر مما تفوه به وربما يدفع
ثمن تهوره غالي……
“لا حول ولا قوة الا بالله.. لولا انك أبوها واحتراما
لسنك… مكنتش استنيتك لما كملت الكلمة….”
ازدرد عثمان ريقه بتخوف….فقال عاصم بوجها
اربد غضبا رغم ان صوته لم يعلو عن الطبيعي…
“عيب تقل من نفسك كده…. عيب الجملة اللي قولتها دي لو عملنا قعدة عرفي هتدفع عمرك قصادها….. عيب انت مش قاعد مع عيل صغير…انت قاعد مع عاصم الصاوي.. عاصم الصاوي اللي قعد مع ناس لو تعرف اسميهم شعرك يشيب…..مكنش في حد فيهم
يستجرا يرفضلي طلب…”
شعر عثمان بالاختناق وسط هذا التهديد
الصريح…..
فاسترسل عاصم وهو يقول بنبرة صارمة
واعده…
“بنتك ضيفه عندك الكام يوم اللي فاضلين…تعاملها بما يرضي الله…او متعملهاش خالص المهم تبعد عنها وايدك متترفعش عليها….ومتفكرش انها لو حصلت تاني هاجي اخد وادي معاك كده في الكلام..لا ساعتها هتصرف….تصرف مش هيعجبك….وهيخسرك كتير أوي…تمام ياحمايا… ولا إيه…”
هاج الغضب في حدقتا عثمان فجأه
فهدده قائلا…..
“انت مفكر ان كتب الكتاب ده خلاك تملكها…انا
ممكن اطلقها منك دالوقتي…انا ميتلويش دراعي…”
“صدقني ولا انا…جرب كده تبعدها عني…
وساعتها…”ثم جاشت مراجلة بالوعيد وهو
يسترسل بصلابة …
“خلي الكلام مفتوح لحد هنا….. اصل اللي بيتكلم عمره ما بيعمل…وانا طول عمري بعمل من غير كلام كتير….. ”
انتصب عاصم واقف امامه بطوله الشامخ المهيب
قائلا بترفع صلب…..
“ياريت تحفظ الكلمتين اللي لسه قايلهم لك….”
نظر له عثمان بغيظ….فاضاف عاصم بخشونة…
“كرامة بنتك من كرامتي… ولو مستها يبقا انت كده
بتعاديني….وانا اللي بيعاديني مش بيشوف النور..”
خرج من الغرفة بعد ان القى اخر تهديد صريح
في وجهه وكانتا عيناه الصقريتين مستعرتا
بالوعيد…وعيد ان استهون به خصمه سيبدأ
في عد الخسائر القادمة والاضرار الجسيمة !…
………………………………………………………..
كانت منعزلة في مكانها الخاص (الشرفة..) جالسة على المقعد تضع السماعة في اذنيها وتسند بمرفقيها
على السور وعيناها غائرتين شاردتين في مكانا بعيد
تستمع للحنًا مميز الإيقاع معبرا عن الحب والغرور!
هذا الغرور الذي ينتابنا عندما نظن اننا امتلكنا الحب وأصحابه ومع أول اصطدام تقتلنا الحقيقة تذبحنا
الاقاويل فـنقف امام المرآة بوجه المهرج الذي أبدع
في اضحاك الناس عليه وليس معه !….
شاردة هي في عالمها ، ضائعة في دهاليز الأفكار
تختنق في صندوق الحكايات الوردية….
عاشت حياتها باكملها تتنقل بين الكتب على أمل ان
تجد فارسها في واحدًا منهم…
كانت من الموهومات في البحث عن البطل المثالي بين الصفحات ،للأسف لم تجد فارسها بينهم و لم تقع في حبهم لمجرد انهم يحملا كل سيمات الوسامة
المطلقة ، ولم تفضل ان تكون القسوة دليل الحُب لديهم….
لماذا في الروايات تكون القسوة دليل الحُب والكمال
هو المظهر الخارجي….لماذا لا نهتم بتجميل الجوهر الداخلي فهو الذي يستحق اظهاره للقراء !..
انها متناقضة حد اللعنه، ماذا عن قصتها هي…
أول انجذب لها كان في عيناه الهمجيتين الساخرتين ثم لرجولته الفتية الى وسامة تقسم انها راتها يومًا بين سطور الروايات…..
ام دليل الحُب في قصتها فهو مفقود ، فان قصتها
فاترة…..فاترة جدا فتور يؤلم قلبها على تلك المشاعر
التي تكنها له وحده….
لماذا هو فاتر معها ، لماذا لا يحبها ، ولماذا يريد الزواج منها لمجرد انها عروس مناسبة….
تكره الزيجات المعتمدة على نظريات ثاقبة….تعشق
فطرة الحب المؤلفه بين قلوب الأحبة ، انها تعشق الجنون رغم انها لم تعتنقه يومًا
الا ان قصة والديها كانت مولعة بالحب المتبادل بينهما عاشا معا على هدف واحد وهو تقديس علاقتهما والحفاظ على هذا الحب….
كانت ترى والدتها في عين والدها كلما سمع اغنية
قديمة أو ديوان شعرٍ لأحد الأدباء الكبار
كانت عيناه تتلألأ كالالعاب النارية عندما يراها
تضحك تتحدث تتناقش…..تغني…..
وان بكت تدمع عيناه معها وان غضبت منه تنقلب
الدنيا في عيناه ولا يهدأ إلا عندما يراضيها ويطيب
خاطرها…..
لذلك كان مابينهما اقوى من ان ينتهي بالموت فرحلت
امها حزنا على فراق والدها بعد سنوات من المثابرة
بدونه رحلت……
فلماذا لا تتمنى رجلا كوالدها يدللها حبًا ويهيم
بها عشقًا….
من ارتوت بالحب منذ الصغر لن تقبل بقطرة منه
هذا ليس عدلًا ؟!..
سحبت السماعات من اذنيها والقتها جانبًا وهي تاخذ
انفاسها بضجرًا فقد ثقل صدرها وازداد صداع راسها
من كثرة التفكير……
من يوم ان عادت معهم وهي في دوامة من الأفكار المتلاحقة مزالت لم تعطي قرارها النهائي في طلب
الزواج ….ويبدو انها حتى الان عاجزة عن فعلها…
تنحنح رجولي اوقف سيل الأفكار داخلها…اقتحم خلوتها ببساطه..وحمل مقعدا ووضعه جوار مقعدها جالسا بجوارها بصمتٍ دون ان ينطق بحرفٍ واحد..
جيد هذا جيد….لم ينقصها إلا وجوده…..فيأثر عليها
عاطفيًا من مجرد نظرة من عسليتاه الضارية….
خطيرة عيناه ووسيم هو بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، عابث وهي تكره العبث لكن منه يشبه قصيدة من الغزل !…
اغمضت عيناها بقوة هل يجب ان تلعن قلبها الان ام
الحب الذي استوطنه قسرًا ؟!…
من منا قادر على ان يحزم مشاعره ويمضي دون تأثر
بالحب ، لماذا يكبلنا الحب الى هذا الحد ولا قدرت
لنا على المواجهة !…
وكانه انزعج من ضجيج افكارها فسألها
عابسًا…
“بتفكري في إيه ياقمراية….”
حانت منها ابتسامة صغيرة منكسرة المعاني…
سالها حمزة وهو ينظر لجانب وجهها…
“من ساعة ما رجعنا وانتي متغيرة معايا…هو موضوع
الجواز ده هيبعدنا عن بعض ولا إيه….”
ازدادت الإبتسامة وجع….
“واحنا من امتى كنا قريبين ياحمزة….”
ها هو يتجرأ كالعادة ويمد يده ماسكا ذقنها
ليدير وجهها إليه…..
“مالك ياقمر…. اي اللي عملته مضايقك اوي كده…”
اهتز حدقتاها وهي تنظر الى يده الدفئة
هل بشرتها…فقال حمزة وهو يمرر ابهامه على
ذقنها بعفوية…..
“انتي مش موافقة عليا…لو مش موافقة قولي عادي مش هزعل..مش هتجوزك جبر خواطر يعني…”
ابعدت يده عنها برفق وهي تقول
بتبرم…
“قول الكلام ده لنفسك….”
“يعني إيه مش فاهم…..” لاح التعجب على محياه….
فقالت بضجر من بين
اسنانها….
“يعني ليه عايز تجوزني…..”
اخبرها حمزة وهو ينظر لبنيتاها….
“قولتلك انك عجباني…. ومناسبة ليا… وكفاية انك
بنت عمتي….”
تاففت بجزع…”مش ده اللي عايزة اسمعه منك….”
برم شفتيه بعدم فهم.. “امال عايزة تسمعي إيه….”
دبت الغيرة في قلبها فقالت بلوعة…
“انت لسه بتحب خطيبتك صح…. واكيد عايز تجوزني عشان تغيظها….”
اوما حمزة براسه ضاحكا بهزل….
“انتي بتقولي فيها دي هتتغاظ أوي… بذات لم تشوف القمر اللي انا اختارته…”
صاحت بعنف…. “انا مش بهزر ياحمزة….”
بصوتٍ باردٍ أجاب….
“انا بقا بهزر علشان دا مش كلام ناس عاقلة…”
لم تعقب بل عقدة ساعديها أمام صدرها
فاضاف حمزة بهدوء….
“اي المشكلة يعني اني كنت خاطب قبلك كنت بخونك معاها مثلا.. دي حاجة حصلت قبل ما
اعرفك ملكيش حق تحاسبني عليها…”
اومات براسها بصمتٍ كئيب فقال حمزة
بمناغشة…
“زي مانا محسبتكيش على اشيف كده….ياترى هتعزميه على فراحنا.. ماهو ابن عمك برضو…..”
قالت قمر بتمرد…..
“انا معنديش عمام…بابا وحيد وملوش أخوات..”
أومأ براسه بفتور سائلا….”واي حكاية اشرف ده…”
زفرت قائلة بضيق…. “كنت بشتغلك…. ارتاحت..”
هز راسه مجددًا بزهوٍ….
“أحلى راحة…. يعني انتي عمرك ما حبيتي قبلي…”
ارتجف قلبها وكانه اصابه بماس كهربائي جعلها تجفل للحظات وهي تنظر لعسليتاه المغرورتان…..
“قبلك ؟!.. معنى كلامك اني بحبك….”قالتها
بزمجرة فرد بثقة….
“أكيد ماهو انا اتحب برضو….ولا إيه… ”
زمجرت قمر بنفي…..
“مش ولا…. انا كمان لو هوافق عليك دا لانك ابن
خالي محترم ومؤدب و….”
اوقفها حمزة هازئًا….
“هششش محترم ومؤدب في جملة واحده…
مين ضحك عليكي وفهمك كده….”
لمعة عينا قمر بالعنفوان…
“معنى كلامك انك مش هتحترمني بعد الجواز.. وهتقل ادبك وطول إيدك…..”
لاح الاستهجان على وجهه فعقب محتقر
تفكيرها…..
“ليه متجوزك عشان امدك ؟!..انتي متعرفنيش كويس ياقمراية…. انا اللي تجوزني اشيلها في عيوني…”
سالته بوله….”وبنسبة لقلبك ياحمزة….”
ضاع في جمال عينيها مجيبًا بمراوغة…
“هي وشطارتها لو عرفت توصله.. يبقا حلال
عليها…”
سالت بعد تنهيدة….”وان معرفتش ياحمزة….”
اجابها مبتسمًا… “هتعرف….. السكة ما توهش….”
اشاحت بوجهها ناظرة للبعيد بصمتٍ…فتأملها حمزة
قليلا من أول شعرها الغجري الطويل حتى اطراف
عبائتها البيتي الجميلة……لم يمنع نفسه من طرح
هذا السؤال فصمتها يستفزه وبعدها عنه يحيره !..
“اي اللي محيرك ياقمراية…”
لم تنظر اليه بل تضخم صدرها بمشاعر كثيرة
وهي تستسلم في نهاية المطاف لمشاعرها
بجملة واحدة……
“انا موافقة ياحمزة…. موافقة نتجوز…..”
جفل لوهلة بتشكيك….. “متأكده….”
لوت فمها واجمه…..”غيرت رأيك….”
اجاب بجدية بالغة….
“دي الحاجه الوحيدة اللي مينفعش اغير فيها رايي….”
نظرت اليه بتعجب محاولة ان تستشف صدق جملته…. “ليه يعني….”
بملامح رصينة اجابها….
“بكرة هتعرفي…. وساعتها هتشكريني….”
رفعت حاجبها وهي تحاول فكة شفرة
حديثه..
فقطع حمزة وصلة التفكير تلك بإبتسامة
مرحة….
“مش ناويه تعمليلي فنجان قهوة…بمناسبة
الخبر الحلو ده… ”
اسبلت اهدابها بوجوم….
“مانا بعمل وفي الاخر مش بتعجبك…مع انك بتشربها…..”
غمز حمزة ضاحكا بمناكفة….
“بنكشك ياهبلة…هي لو مش عجباني هطلبها
منك ليه…..”
رمقته بشزر هاتفه….
“انا مش هبلة ياحمزة ولم لسانك ده..”
برق لها بعيناه قائلا بخشونة….
“لا عشان نبقا على نور انا اقول اللي انا عايزة واعمل اللي يعجبني…”
زمجرت بعنفوان…
“دا في شرع مين ده ان شاء الله….”
اشار على نفسه بغرور… “في شرعي…..”
زمت شفتيها باستخفاف…. “على نفسك….”
خبطها في راسها من الخلف
قائلا…
“بطلي العوجه دي يابت هخنفك….”
لكزته في كتفه بقوة….. “ولا ما تقدر…..”
“اه يالمضه…..”هز راسه ضاحكا بانتشاء….
ابتسمت قمر بدورها وتوهجة وجنتيها خجلا انها وافقت على الزواج منه مزالت لا تصدق بعد انها
اختارت سعادتها رغم شكوكها المبينة ؟!…
من تتحدي ياقمر ، ام انكِ تنتظري المعجزة !….
امرها حمزة بصوتٍ هادئ…
“قومي اعملي قهوة بقا…..”
اومات براسها ناهضة….وشعور الفتور منه يستوطن قلبها حزنًا……
قال من خلفه بعبث… “شوية وجاي وراكي…..”
خفق قلبها فأومات براسها مرحبة بابتسامة لطيفة….
عندما ابتعدت نظر للبعيد متنهدا بتعب وقلبه يعتنق
شعورًا مختلف عن ما سبق بعد قرارها الأخير..شعور
شعور بالسعادة !….
…………………………………………………………..
بعد مرور ثلاثة أسابيع…..
كانت تقف مع العمال بقلب شقتهما تتابع العمل وتشرف عليه…..ففي غضون ثلاثة أسابيع كانت تواظب على زيارة الشقة للإشراف على العمل
والتاكد من ان كل شيء اختارته من المهندسة
المتخصصة بالديكور يتم تنفيذة بدقة…
كان لها ذوقا مميز في إختيار ألوان الحوائط ونوع
الارضية….ساعدتها المهندسة كذلك في إختيار
ديكور يلائم ذوقها ومن بين ملايين التصاميم
اختارت ما يميزها…..
تقدمت منها المهندسة (آلاء) والتي تشرف ليلا ونهارا
على شغل العمال محاولة الإنجاز في خلال الثلاثة شهور القادمه كما اتفقت معهما…..
“مكنش لي داعي تتعبي نفسك بشكل ده..”
قالتها المهندسة آلاء وهي تشير الى احد الزوايا البعيدة عنهما نسبيا حيثُ يجلس العمال بجوار بعضهم وكل منهم يمسك علبة تحتوي على
وجبة متكاملة شهية اعدت من تحت يدي شهد
وقد احضرتها لهم…ولم تكن المرة الأولى ففي
كل مرة تأتي الى هنا تجلب لهم وجبات من
مطعمها…..
ابتسمت آلاء باناقة قائلة باستياء…
“حضرِتك كل مرة بتعملي كده..ونفس الكلام بقولهولك….هما بيبقا معاهم اكلهم….”
قالت شهد بتبسم….
“واي المشكلة زيادة الخير خيرين…الناس دي بتتعب أوي…..دا كفاية انهم بيشتغلوا ليل ونهار…”
هزت آلاء راسها موضحة…
“هما متعودين على كده…اكل العيش بقا…”
نظرة شهد للزوايا من حولها…
“بس الله ينور…..الشغل ماشي كويس اوي….”
قالت آلاء بعملية….
“ان شاءالله كمان أسبوعين هتبان اكتر..احنا لسه بنقول ياهادي….حبه برضو اوري حضرِتك الخامات
الجديده اللي جت…..”
اتجهت معها شهد الى أحد الغرف…فبدات تفتح
آلاء العلب وتريها الاشياء الخاصة بارضية الشقة
والتي اختارتها شهد بعناية….
“تجنن يآلاء…طلعت احسن من اللي في الصورة
كمان…”
قالت آلاء بابتسامة عملية….
“أكيد على الطبيعة احلى ولما تغطي أرضية الشقة
هتبقا احلى واحلى…..”
صدح هاتف شهد فهزت راسها بايجاب…
“ان شاء الله….هرد على المكالمة دي وارجعلك.. ”
ابتعدت شهد قليلا…
“خدي راحتك….”قالتها آلاء بتهذيب وهي تخرج من الغرفة باكملها تاركه لها مساحة من الخصوصية….
وضعت الهاتف على اذنها فاتى صوته الشغوف
باهتمام…..
(بتعمل اي ست الحُسن من غيري…)
ابتسمت بعذوبة مجيبة بصوتها
الموسيقي…
“في شقتنا…..انت فين….”
شقتنا…..ايقاعها مختلف على اذانه وقلبه
فكانت صيغة المشاركة معها في كلمةٍ واحده
متعة لا يحظى بها كثيرًا في احديثهما العامة..
ورغم ذلك رد مقتضبًا…..
(اي اللي خلاكي تروحي لوحدك…. مش احنا اتفقنا نروح سوا….)
“ايوا اتفقنا امبارح بليل..ورنيت عليك الصبح لقيت
تلفونك مقفول فافتكرت انك سبقتني….”
تحدثت بهدوء وهي تسير بلا أهداف الى زوايا
الغرفة الشاسعة ورائحة الدهان والخامات الجديدة تزكم انفها وتضيف متعة خاصة في حوارهما الان….
قال عاصم بعدم رضا….
(كان صعب يعني تستني لحد ما افتح التلفون
وارجع اكلمك….)
سالته بهدوء….. “وليه كنت قفله…”
اخبرها بفتور….
(فصل شحن من امبارح..نمت ونسيت اشحنه..)
سالتها بلؤم…. “وفصل شحن ليه….”
تكاد تقسم انه ابتسم مع تذكر المكالمات المسائية
التي لا غنى عنها بينهما…..
(مش كنت برغي مع ست الحُسن ونامت وسبتني
بتكلم كالعادة….)
عضت على شفتيها بخجلا انها تكره ان تظهر امامه بصورة المراهقة الحمقاء لكن رغما عنها أحيانًا كثيرة
تنام على صوته وكانه يسرد لها قصة قبل النوم !..
الامر يزعجها من نفسها اكثر منه ازعاجه منها خصوصًا مع التكرار اكثر من مرة وتبقى الحجة واهية ولا تستعمل غيرها….فقالتها دون ادنى
تردد……
“غصب عني كنت جايه هلكانه من شغل المطعم….”
اتى صوته جادًا لأبعد حد…
(مش ان الأوان نقفل المطعم ياشهد…وننهي
القصة دي….)
تغضنت زاوية عينيها حزنًا…الى انها قالت
برجاحة عقل….
“دي مش قصة دا اكل عيش ناس…..والمطعم بقا شغال كويس أوي…يعني حرام اقفله وهو باب رزق
ليا وللناس الي معايا….”
تافف عاصم واجما…..
(باب رزق ليكي…..شهد انتي بقيتي مراتي ومسئولة
مني….ليه مش مستوعبة ده….)
اجابت بصوتٍ متزن….
“مستوعبة ياعاصم….بس انا اتعودت اكون حُرة ومستقلة ماديا…..”
هتف عاصم مشدد على كل حرف
بحمائية…..
(يعني اي حرة ومستقلة….انتي مراتي افهمي..
يعني مسئولة مني وطلباتك كلها مجابة واذا كان على الاستقلال المادي….انا هفتحلك حساب في البنك وهحطلك فيه مبلغ محترم ….)
قالت شهد برفض تام…..
“لا طبعا اوعى تعمل كده انا مش عايزة فلوس..”
سحب نفسًا طويلا بقلة صبر…
(فلوسي هي فلوسك…نفسي توصلك ياشـهـد…)
ساد الصمت بعد جملته فحاولت ان تلطف
الجو فقالت…..
“امشي معايا واحده واحده ياعاصم….انا محتاجه
وقت على ماتعود على ده….”
عندما لم تجد منه ردًا اضافت….
“اصل اللي عشته سبعة وعشرين سنة مستحيل
يتغير في كام شهر…..”
“وبلاش تقولي اقفلي المطعم…انا عايزاه يفضل مفتوح حتى لو هبشره من بعيد…خلي مفتوح
وخلود وبشير يدروه….المهم منقطعش بعيش
البنات اللي شغاله فيه….لو سمحت….”
لم تتوقع ان يلين بتلك السهولة وهو
يدللها بحب….
(لو سمحت انتي ارحميني من طيبة قلبك….اللي
بتخليني هتجنن عليكي اكتر….)
ضحكت شهد غير مستوعبة…..
“رهيب وانت بتنقلنا من موضوع للتاني…”
تنحنح عاصم قائلا بجدية…..
(الموضوع ومافيه اني مش عايز اتكلم في حاجه سابقه لاوانها….بعد الفرح نشوف موضوع
المطعم والشغل…اتفقنا…..)
اومات شهد براسها قائلة ببراءة….
“تمام…اكيد هيكون في وسيلة اقنعك بيها….”
هتف عاصم بخفوت وقح….
(كل الوسائل مباحة بعد الجواز ياست الحُسن
بس انتي فتحي مخك معايا….)
خفق قلبها بلوعة الحب وتخضبة وجنتيها واذنيها كالعادة عندما تغضب او تخجل….وكانه راها في
تلك اللحظة فقال بيقين……
(اكيد خدودك وودانك احمره دلوقتي……)
همست من بين اسنانها….. “عـاصـم….”
ضحك عاصم بانتشاء قائلا…..
(لي لما بتضايقي او بتتحرجي خدودك وودانك بيحمروا ؟!….)
قالت بتمرد انثوي……
“مش عارفه والله خلقة ربنا….عندك اعتراض..”
نفى بكلمات ممطوطه بالمكر وتسلط
الرجال…….
(أبدًا أبدًا ياست الحُسن…انتي تحمري زي مانتي
عايزة طالما معايا ومني انا…..)
ابتسمت بحياء….
“وبعدين معاك…اي حكايتك النهاردة….”
هتف عاصم بحرارة……
(الحكاية ومافيها ان كلها ايام ونول المراد…)
زمت شفتيها ومزالت قشرة البرود تسيطر
عليها…تفقدها لذة السعادة بهذه الزيجة لذا
ادعت المرح قائلة….
“مم هنيالك يامعلم عاصم….”
هتف عاصم بطرافة…..
(الله يهنيكي يامعلمة شهد…ما تتفضلي معانا…)
فلتة من بين شفتيها ضحكة رنانة برقة الملكات مشعة بجمال الحسناوات كالحنًا مميز الايقاع
لم تتقنة آلة موسيقية ولم يكتشفه موسيقار !..
فافصح عن تأثره بمدى روعة ضحكتها
قائلا….
(آه من ضحكتك ياست الحُسن….اااه…)
غيرة مجرى الحديث بوجه
خجول….
“قولي هتعدي عليا ولا هروح لوحدي….”
تحدث عاصم بصوت اجش….
(مقدرش طبعا… انا في السكة شوية وجاي اي
أخبار الشغل عندك..الأمور تمام….)
تنفسة الصعداء وهي تراه أخيرًا يفتح
حوارٍ عاديا فقالت بهدوء…..
” بصراحه كله تمام…المهندسة آلاء قايمه بشغلها
على اكمل وجه….والعمال بينجزه….”
جلى صوت عاصم بجدية قصوى….
(أكدي عليها ياشهد ان مش اهم حاجه عندي بس
انها تخلص في خلال تلات الشهور….الأهم ان الحاجه تتعمل صح من غير كروته…)
اكدت شهد وهي تخبره برجاحة
عقل……
“دا اللي انا خايفه منه رغم ان شغلهم كويس وباين
انهم بيراعوا ضميرهم فيه… بس شغل تامن شهور إزاي هيخلص في تلات شهور ياعاصم…..”
تحدث عاصم بحزم…
(هيخلص ياشـهـد……آلاء من اشطر المهندسين في مجالها…..وانا متأكد انها هتعمل اللي طلبته وبزيادة
كمان….مش أول مرة اتعامل معاها…)
رفعت حاجبها بتبرم…
“والله دا واضح انها معرفة قديمة….”
شعر بالارتياح والرضا جراء جملتها الغيورة….
لكنه خفف من وطاة الوضع قائلا….
(معرفة شغل دماغك مترحش لبعيد…البنت مؤدبة
وبنت ناس وانتي بنفسك ارتاحتي في التعامل
معاها الاسابيع اللي فاتت…حصل….)
مطت شفتيها والغيرة تزعزع ثباتها…..
“حصل هي فعلا محترمه ولبقه في الكلام…عمتا
شغلها هو اللي يهمني مش هناسبها….”
عقب عاصم بدهاء الثعالب…..
(قاسية انتي أوي ياست الحُسن وفيها اي لو نسبناها مثلا…)
هتفت من بين أسنانها بقوة… “عاصم….”
أبتسم بنشوة الانتصار….(بتكلم عن أخوكي….)
قالت ممتعضة وهي تعرف انه يستنزف صبرها باسلوب التلاعب هذا….
“اخويا خطب خلاص…وهيتجوز بعدنا بكام شهر..
خلاص حدد فرحه هيبقا مع كيان….”
اوما عاصم بجذل..
(مبروك عليهم…ومبروك وعلينا…)
ابتسمت باستياء وهي تغلق الخط بعد لحظات
فوجدت آلاء تدلف الى الغرفة التي تقف بها قائلة بتهذيب…
“آنسة شهد…في واحده برا عايزة تقابل حضرِتك..”
سالتها شهد بتعجب…. “مين دي….”
اخبرتها آلاء بهدوء…. “بتقول اسمها الهام…..”
جفلت شهد وتسمرت مكانها للحظات بعينين متسعتين قليلا من هول المفاجأة….. مرردة
الاسم بجفاء…. “إلهام !….. اي اللي جبها ؟!..”
كانت تفف بكامل اناقتها تطلع على أرجاء الشقة
بترفع وتقييم…. ترتدي طاقم كلاسيكي مجسم
على جسدها وتطلق شعرها الاشقر القصير
حرًا على كتفها…..
اقتربت منها شهد بخيلاء وبخطوات رشيقة وقفت
امامها مرحبة بابتسامة باردة كعيناها….
“أهلا أهلا بام يزن…..دا اي المفاجأة الحلوة دي
معقول جايه تبركيلي بنفسك على الشقة……..”
قالت الهام بترفع وهي ترمقها بازدراء…
“حاجة زي كده…. بس حلوة الشقة طول عمر عاصم
ذوقه حلو ومش بيجيب غير الغالي…. بس مش عارفه المرادي استرخص ليه….”
اظلمت عينا شهد وقد سقط قناع الهزل عن وجهها
وهي تسالها بكراهية شديدة…”جاية ليه يالهام…..”
نظرت الهام للعمال الذين بدأو بالعمل حولهن
فقالت ببراءة…. “معقول هنتكلم هنا ؟!…”
انكمشت ملامح شهد بمقت وهي تشير على الشرفة
بنفاذ صبر…..
ابتسمت الهام ببرود وهي تتأمل البحر البعيد
من خلال شرفة الشقة الواقفة بها بصحبة
شهد……
“الفيو من هنا حلو أوي…..كان طول عمري نفسي
اعيش جمب البحر….. تعرفي شقتي القديمة كانت
قريبة من البحر….لما كنت انا وامك جيران..آه إزاي نسيت مانتوا لسه عايشين فيها لحد دلوقتي… ”
ثم استرسلت بلؤم….
“هو ازاي عثمان سيبكم عايشين فيها لحد دلوقتي..
غريبة انه مبعهاش…يكونش بيحن لايامنا… ”
ازدادت نظرات شهد برودة وهي تجيب
بهزل….
“ممكن برضو….وياترى انتي بقا بتحني لايامكم
سوا….”
هزت الهام راسها بترفع….
“مستحيل….في حد يحن للفقر والعوزة….”
برمت شهد شفتيها بامتعاض…فقالت إلهام
بعد ثانيتين……
“تعرفي ياشهد ان وجودك زمان كان مكسب كبير
ليا….”
رمشت شهد عدة مرات جافلة فأكدت إلهام
بابتسامة متشفية…..
“اه متستغربيش….مسافة ماانتي جيتي عثمان اتمسك من ايده اللي بتوجعه….رد كريمة لعصمته
من تاني عشان تتربي وسطهم…ساعتها جالي وركع تحت رجلي وطلبني للجواز…..”
اخرجت إلهام سجارة رفيعة من علبة سجائر فاخرة تحتفظ بها بحقيبتها الانيقة واشعلتها وهي
تتابع بصلف…
“ساعتها شرط عليه يكتبلي كل ما يملك باسمي..
طالما مش عايز يطلق كريمة اهو اضمن حقي وحق
عيالي اللي هيجوا منه….”
وكانها القت قذيفة فتاكة في أحشاء شهد
التي تصلب جسدها بأكمله مشتعلا….
“مرضاش…..خاف يكتبلي كل حاجة فاسيبه
بعدها..”
زفرت إلهام دخانها الرمادي للأعلى ليخرج متراقصا
امام عينا شهد القاتمة…..متابعة باسى زائف….
“وطالما شاكك في حبي ليه يبقا مكنش ينفع أكمل
وجودك بوظ كل حاجة خططت ليها وقتها…بس لما سبت عثمان واتجوزت مسعد اتاكدت ان وجودك
كان مكسب كبير ليا..”
اضافت إلهام وهي تشدد على الأحرف
بضراوة……
“بس تلف الدنيا وبعد سبعة وعشرين سنة تظهري تاني في حياتي بس عشان تاخدي مني كل حاجة
وترجعيني تاني لنقطة الصفر….”
أبتسمت شهد بسخرية مريرة….فقالت إلهام
بضغينة سوداء…
“خطفتي جوز اختي منها…واتجوزتيه بس عشان
تنتقمي مني وطلعيني من البيت وتبقي انتي الكل في الكل…..”
سالتها شهد بنظرات متبلدة….
“سيبك من ده دلوقتي… وقوليلي يزن ابن مسعد
ولا ابن عثمان ؟!….”
جحظت عينا إلهام بصدمة….
“اي اللي بتقولي ده انتي بتخرفي….”
اومات شهد بنظرة باردة وهي في أوج هدوءها
عندما استأنفت كلامها….
“مش عارفه اصلي مستغربة شوية انك بعد السنين
دي كلها مش معاكي غيره…كان ممكن تجيبي عيال اكتر تكوش على الثروة المهولة دي….اللي خايفه عليها اوي كده….”
“يزن جه بعد كذا عملية حقن مجهري…..”قالتها إلهام بوجها ممتقع ثم رمقتها بشراسة كـنمرة تدافع عن
صيدتها !!….
“انا عايزاكي تشيلي ابني من دماغك….ومدخلهوش
في قصة انتقامك دي….”
قالت شهد باقتضاب بارد…..
“مين قالك اني بفكر انتقم منك في إبنك…مش في
دماغي…بس اهتمامه ونظراته ليا غريبة عشان كده
سالتك هو ابن مين…..”
إبتسمت إلهام باحتقار….
“ولو فعلا كده هقوله يعني انه يبقا ابن عثمان…
اي التفكير ده….”
هتفت شهد بصلابة…..
“هو مش ابنه وانا متاكده لكن حبيت اتأكد أكتر…”
القت إلهام سجارتها أسفل حذاؤها ودعست
عليها ثم وقفت وجها لوجه امام شهد لتقول
بثقة….
“يزن ابن مسعد الصاوي….مفيش راجل لمسني
غيره…..ابوكي لو كان طال مني شعره مكنش طلق
امك عشان يتجوزني…. ”
اومات شهد براسها وهي تبصق في وجهها الكلمات بروحٍ باردة…..
“صح وده ذكاء منك….نرجع بقا لبداية الكلام انتي
قولتي اني سرقت جوز اختك…إزاي يعني انتي شيفاني زيك بريل على اي راجل متجوز…”
جزت إلهام على اسنانها وهي تمسك ذراع
شهد بغضب…..
“احترمي نفسك….انتي متفرقيش عني حاجة…انتي
كمان لفيتي على عاصم عشان يتجوزك طمع في
ماله..”
توهجت عينا شهد بومض متوحش وهي
تصفع بالكلمات…..
“ليه سحرتله زي ما سحرتي لعثمان الدسوقي..عشان
تلهفيه من مراته وعياله…انتي مش مكسوفه من نفسك دمرتي حياة عيلة بحالها عشان توصلي
للقرف اللي في دماغك… ”
سحبت ذراعها من بين يد إلهام وهي تضيف
بتقزز…..
“وجايه بعد دا كل تحاسبيني….وبتتهميني كمان اني سرقته من اختك…أختك اللي هي اصلا مطلقه منه من قبل حتى ما يقابلني…..”
صرخت إلهام كنمر جريح….
“كان هيرجعلها لولا انك ظهرتي في حياته…”
تخصرة شهد وهي تكيدها بالكلمات….
“طب مرجعلهاش ليه…اقولك انا عشان حبني وفضلني عليها….مش عشان هو استرخص زي ما بتقولي لا عشان أستنضف……”
ارتفعت وتيرة انفاس الهام بعصبية امام
عينا شهد المستفزتين….
فقالت إلهام بايجاز….
“تاخدي كام وتسبيه ياشهد…انا مستعدة ادفعلك المبلغ اللي تطلبيه…..”
ضحكت شهد باستخفاف…
“قديم اوي الفيلم ده…تاخدي كام !….مش عايزة
حاجة كفي نفسك….”
اخرجت الهام دفتر الشيكات ومسكت القلم
قائلة…..
“مليون تلاته…المبلغ اللي تطلبيه هحطه
قدامك.. ”
عقدت شهد ساعديها امام صدرها
بتململ…
“ريحي نفسك انا لا هبيع ولا هشتري….”
قالت الهام بتهديد
صريح…
“انتي كده بتلعبي بالنار….”
ارتفع حاجب شهد بشك…
“شكلك جاية لحد هنا عشان تهدديني…”
اومات الهام برأسها بجمود….
“ولو جدعه ابعدي عن نفسك الأذى و خدي قرشين واطلبي الطلاق منه….”
حلت شهد عقدة ساعديها متاففة بجزع…
“انا من رايي تاخدي بعضك وتمشي….الكلام ده
لا هيودي ولا هيجيب معايا….”
نظرت إلهام لها بكرهٍ شديد….
“مطلعتيش سهلة أبدًا ياشهد…..”
ضحكت شهد بتهكم مجيبة…..
“هو انتوا سبتوني انا واخواتي نعيش بساهل عشان
نبقا سهلين معاكم او مع غيركم…..”
برقة عينا إلهام بشرٍ…
“يعني ده اخر كلام عندك….”
اقتربت منها شهد خطوة واحده وقالت بالطف
ابتسامة لديها…..
“أول ما اطبع كروت الفرح هسلمك الكارت بنفسي..”
“للأسف ياعروسة مش هتلحقي…..”بملامح تنبأ بشر قالتها إلهام……
فقالت شهد بملامح مات التعبير عليها وبقى
الجمود يطوف فوقها…..
“هقولك الجملة اللي دايما بسمعها من حمزة
في المواقف اللي زي دي…العمر واحد والرب واحد…… وأعلى مافي خيلك اركبيه….”
رمقتها إلهام باشمئزاز وخرجت من الشرفة
بخطوات سريعة غاضبة….فقالت شهد
من خلفها ببرود…..
“ابقي زورينا بقا… اديكي عرفتي السكة…”
وقفت شهد تاخذ انفاسها بصعوبة وكانها عادت للتو
من معركة مميته….. نظرت للبعيد بملامح متبلدة ونظرات باردة….
لم تنكر انها خافت من تهديدها فهي قادرة على النتفيذ ايا كان مخططها ستقوم به بعد ان تضع
رزمة من المال في حوزة المنفذ……
نظرت للسماء لدقائق ثم تراجعت عن شعور الخوف بتدريج وهي تظن بالله الخير داعيه ان ينجيها من كيد الظالمين…….
وجدت من يعانق خصرها من الخلف طابع قبلة
طويلة على خدها… هامسًا بعاطفة جارفة…
“حبيبتي سرحانة في إيه….”
“اكيد فيك…..” خفق قلبها عائدا للحياة باقصى
سرعة وهي تبتسم برقة له مستديرة إليه
لتواجه عيناه ….
“اتأخرت كدا ليه….كل ده في السكة….”
داعب شعرها وشرد في جمالها وهو
يخبرها….
“فيه عطله على الطريق وقفت شوية على ما
المرور أدخل…..”
قالت شهد بحياء وهي تهرب من محور
عيناه…. “شوفت الشقة….”
هز راسه وهو يسالها باهتمام….
“يعني من برا كده…أول ما دخلت سألت عليكي
آلاء قالتلي انك هنا…وقفه ليه كده في حد من
العمال ضايقك….”
هزت راسها بنفي وهي تتحدث بثبات….
“لا…بس مرات عمك كانت هنا…..فوقفنا اتكلمنا هنا
شوية وبعدين مشيت….”
قطب عاصم حاجباه
باستغراب…
“ام يزن….اي اللي جابها….”
قالت بفطن… “جايه تشوف الشقة وتبركلنا…”
ضاقت عينا عاصم بشك وهو يتأملها
عن كثب…..
“شكلها قالتلك حاجة ضايقتك…مش كده باين عليكي..”
هزت شهد كتفيها مجيبة….
“محصلش بس باين انها مضايقه ومش حباني…
أكيد عشان أختها… ”
ثم بللت شفتيها وهي تنظر لعينا عاصم بعمق وكانها تحاول قراءة الاجابة قبل ان تلقي سؤالها…..
“عاصم هو انت ممكن ترجع لرفيدة تاني…..”
انكمشت ملامح عاصم باستهجان….
“اي السؤال الغبي ده…في واحده تسال جوزها انت
هترجع لطلقتك ولا لا…”
“خدني على قد عقلي وجاوبني….”
تاففت شهد بنفاذ صبر وصدرها يشتعل بالغضب والغيرة….فليس سهل عليها ان تكون زوجة لرجلا
سبق له الزواج من غيرها الأمر يزعحها بشدة…
ومع ذلك تحاول إلا تظهر بصورة المرأه الغيورة
الضعيفة امام مشاعرها ومن تحب !…
زم عاصم شفتيه مستهجنًا….
“اوقات بتبقا دماغك كبيرة وتوزن بلد… واوقات بتخيبي…..”
لمعة عينا شهد بالعنفوان فرفعت وجهها الابي..
ممتنعة…
“انا مبحبش الأسلوب ده في الكلام كان ممكن ترد
ببساطه على سؤالي…مش مستاهله كل الحمقه
دي…..”
زفر عاصم بنفاذ صبر انها لم تصنع من لوحة ثلج فقط بل راسها كالفولاذ الصلب يصعب إختراقه ولا يلين إلا اذا قبلها الآن وسحق شفتيها بقوة !!….
وللأسف لن يستطيع هنا…
“لا إله إلا الله…اي اللي هخليني ارجعلها يابنت
الناس وانتي على ذمتي ما كان من الأول…..”
بعسليتين متشككة سالته….
“يعني انت نسيتها….مبقتش فاكر لها اي حاجة..”
تحلى بالصبر قليلا وهو يجيبها….
“صفحة واتقفلت ياشهد….ومفيش حد في حياتي
وقلبي غيرك….هي إلهام قالتلك اي بظبط…”
أسبلت اهدابها وهي تقول مذعنة…
“خبطت شوية بالكلام بس انا وقفتها عند حدها…”
سالها باهتمام أكبر….. “كلام زي إيه يعني؟….”
هربت من السؤال بفطنة…..
“كلام خايب ملوش معنى….يعني تلقيح من تحت
لتحت…..”
مط عاصم شفتيه وهو ينظر إليها قليلا ثم قال
بعد لحظات من الصمت….
“انسي ياشهد الهام مش العقبة اللي هتبقا في حياتنا…..ولا رفضها هيأثر على حاجه بينا دي
حيالله مرات عمي….يعني قبولها من رفضها مش هيزدنا ولا هينقصنا…. ”
رات شهد الصدق مسطور في عيناه الحانية
في النظر إليها فبلعت ريقها وهي تراه يمسد
على وجنتها برفق قائلا بعاطفة جياشة امامها
تفقد اسلحتها وتقع جميع الاقنعة عن وجهها…
“اطمني ياشهد انا حاليا مش شايف ست غيرك..ولا
عايز من الدنيا غيرك….فارتاحي ياست الحُسن وطمني قلبك من ناحيتي….”
سحبها الى احضانه فوضعت راسها على صدره
القوي مغمضة عينيها بضعف وخوفًا من القادم….
فيبدو ان الحرب الشعواء ستبدأ مجددًا والماضي
المخبئ سيبدأ بالخروج من صندوقة الأسود !…
………………………………………………………….
وقفت في مطبخ المطعم بين الفتيات تعمل بهمة وبشغف عال كما دوما تفعل…. عندما تبدأ الطهي تنسى كل شيء إلا مقلاتها وبهارتها الزكية ، ووهج النيران عندما يبدأ بنضج الطعام امام عيناها….
كيف ستتوقف عن عملها وتغلق باب زرقها بيدها هل ستنسى حلمها وتنساق خلف الحب والزواج كالكثيرات فتقع في هوة الخذلان للمرة الثانية…..
لماذا تظن به السوء دومًا ؟!…
ربما لانها تخاف من روعة الحب معه ، تخشى ان تعتاد الأمر فتاخذ الصدمة الكبرى كما حدث
مع أمها
عنوة عنها تضع علاقتهما على المحك متوقعة السقوط في اي لحظة…..
لكنه يخيب ظنها بنظرة واحده من عيناه…فتجر اذيال الخيبة وهي سعيدة !….
وقفت خلود جوارها تسحبها من قوقعة الصمت بـ
“شهد…. بشير عايزك برا….في أوردر من الطلبات رجع.. بيقول ان صحبه رفض يستلمه لانه ناقص صنف….”
انعقد حاجباها بتساؤل..”ومين اللي نسى يحطه….”
ضحكت خلود مجيبة.. “تصوري انتي….”
ابتسمت شهد بصدمة… “معقولة….”
تنهدت خلود باستياء قائلة….
“دي تاني مرة تحصل منك ياعروسة..قولتلك خدي أجازة من دلوقتي عشان تفوقي كده وتركزي في حياتك الجاية بذمتك في عروسة قبل فرحها بكام يوم تيجي تشتغل وسط البصل والطبيخ….إيه ما بتزهقيش… ”
هزت شهد راسها بنفي وهي تقلب الطعام
بالمعلقة…..
“لو بزهق هدرس المجال دا ليه…وهشتغل فيه ليه بعد التخرج…..”
قالت خلود بفتور….
“حتى لو بتحبيه….أحيانًا الواحد بيفضل يحب
لحد ما يزهق……”
سالتها شهد بلؤم… “على كده زهقتي من بشير….”
“يالهوي هو انا اقدر دا عشرت عُمر…..”قالتها خلود
بعينين تلمع بالحب….
فتبسمت شهد بتفهم….
“اهو علاقتك ببشير كده عمله زي علاقتي بالمطبخ وشغلي فيه…..واخدين بعض عن حب وبقالنا سنين مع بعض زي المتجوزين بظبط…..”
لكزتها خلود بمناغشة…
“كده المعلم عاصم هيبدأ يغير من شغلك….”
مطت شهد شفتيها بسأم….
“هو بيغير فعلا مش لسه هيبدأ….سوي الاكل اللي على النار ده على ما اجي…..”
نزعت المريول عن خصرها وهي تنظر للفتيات
العاملات قائلة بأمر…..
“يلا يابنات شده حلكم كده…عندنا كذا اوردار مستعجل.. ”
خرجت شهد الى بشير الذي استقبلها بوجه مقلوب
قائلا بتذمر…..
“لما اروح مشوار بعيد زي دا ياست شهد…وفي
الاخر إرجع قفايه يقمر عيش والزبون ميرضاش يستلم الاوردر والاكل يرجع ويبرد كمان احاسب
مين انا بقا….”
قالت شهد بصوتٍ محتقن بالحرج…
“حسبني انا يابشير بصراحة انا اللي طلعت
الاوردر…. ونسيت احط الطاجن فيه..معلش
يابشير غصب عني…”
ترجع العبس عن وجه بشير بتدريج وتمالك
اعصابه بعد ان علم انها الفاعلة…فقال بحرج
يضاهيها….
“ولا يهمك ياست شهد… انا افتكرت واحده من البنات اللي جوا…متعتذريش دا انتي صاحبة
المكان وكلنا تحت أمرك وشاغلين عندك..”
انكمشت ملامح شهد بعدم رضا وقالت
باستنكار…..
“اي اللي بتقوله ده يابشير دا احنا عشرت سنين… وشغالين سوا مفيش حد شغال عند التاني…دخل الاوردر لحد من البنات يظبطه ويسخن الاكل من تاني…. وانا هكلم الزبون اعتذرله….الحمدلله انه
زبون قديم وعارف شغلنا كويس… ”
اوما بشير براسه ودلف الى الداخل فوقفت شهد خارج المطعم تجري اتصال بهذا الزبون وعيناها على الصاغة التي تفصلها عنها محل مغلق….
لم ياتي عاصم اليوم فضل العمل في ورشة البيت فهناك عدة طلبات يود ان ينتهي منها ويسلمها
للزبائن قبل ان يأخذ الإجازة……
انهت شهد المكالمة بعد جدال طال لمدة نصف ساعة مع زبون قديم لديهم ، ورغم ذلك لم يتوقف عن الثرثرة والتناقد برغم انها أول غلطة لهم لكنه لم
يكن رحيم أبدًا…
هكذآ هما الزبائن خصوصًا أصحاب الطبقة المخملية لا يوجد تهاون أبدًا في التعامل مع اي تقصير يتعرضا اليه ولو عن طريق الخطأ !…
لكنها بأسلوب سلسل لبق سيطرة على الموقف واغلقت بعد جدال اصابها بالصداع واستنزف
الكثير من قدرة تحملها أليوم…..
استدارت شهد تعود ادراجها حيث المطبخ فرأت احد الزبائن الجالس خلف أحد الطاولات وحيدًا يصرخ وهي يبصق الأكل من فمه….
توقفت شهد بصدمة غير مستوعبة بعد ما يحدث…
فكانت الخطوة الثانية صراخ الرجل قائلا بهلع امام
الزبائن والعاملات في المطعم….
“بطني بتتقطع انتوا حطين إيه في الأكل سم
اااااه…انتوا بتاكلونا ولا بتسممونا…..اااااااه بطني…حد يطلب ليا الاسعاف البوليس انا
هقفلكم المطعم ده حالا…”
تقدمت منه شهد وسط تجمهر الناس على صوته
وعويله قائلة بهدوء….
“اهدى يا أستاذ ملهوش لازمه اللي بتعملوا ده…المطعم بتاعنا معلهوش غبار احنا فاتحين
هنا بقالنا شهور والناس كلها بتحلف بنضافة
المكان والاكل فيه……”
تحدث الرجل بعصبية وهو يتألم…
“يعني انا بكدب بقولك بطني بتتقطع بموت…الاكل فيه حاجه….”
قالت شهد بغضب….
“مش معنى ان بطنك وجعاك يبقا من اكلنا….”
تقدم الرجل منها وهو ينوي
بطشها…..
“أمال منين من عند امي…..”
وقف بشير حائلا بينهما وهو يوجه حديثه
للرجل بحدة….
“انت هتضربها ولا إيه ما تقف معوج واتكلم عدل
ياجدع انت…”
صرخ الرجل مهللا والالم يفتك به…..
“اه انتوا عصابة بقا…مش عايزني اتكلم وقول…بطني
بتتقطع ياعالم ياهوو جبولي اسعاف دكتور….اطلبوا
البوليس ااااااااااااه……”
وقع الرجل أرضًا باعياء صارخًا من بطنه ولم يبدو عليه أبدًا انه يدعي ذلك فكان واضح انه يتلوى من شدة الوجع…
ما حدث بعدها كان كافلام الرسوم المتحركة خارج عن المنطق فقد اتت سيارة الاسعاف ومن بعدها بساعة اتت الشرطة وأخذت شهد باعتبارها صاحبة المكان والتي تديره
وقد أثبتت التحليلات بان الرجل تسمم فعلا في مطعمها….
وكان تحت هذا علامة استفهام كبرى ؟!…
رفعت خلود الهاتف قائلة بابتسامة واسعة…
“اللي طلبتيه حصل يامدام إلهام وبالملي اتنفذ…
فين بقا بقيت المبلغ اللي اتفقنا عليه….”
كبير أوي…بما انك صاحبتها وبير اسرارها….)
قالت خلود بطمع……
“اللي تؤمري بيه يامدام…..طالما في الآخر هتراضيني…”
ضحكة إلهام بميوعة…..
(من الناحية دي اطمني قوي هراضيكي..)
انزلت خلود الهاتف وهي تتنهد بارتياح…ثم
تبرمت بعد ان وخزها ضميرها جراء ما فعلته
في صديقة عمرها…. فبررت الوضع بوهن…
“غصب عني ياشهد…. الحوجه مُرة يا اختي….”
قالوا أحد الحكماء : إحذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة ، فإن انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة !….

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

ان تعتكف الظلام إجبارا واضطهاد وظلم لهو الشعور
الاسوء والأمر على الإطلاق....
25
مرارة لاذعة بطعم الصدى تقف في حلقها عيناها لا ترى إلا بصيص النور من بعيد من نافذة صغيرة عالية تغطي بالاسياج... غرفة مظلمة برائحة مقرفة النور المتسلل لها تكاد ترى وجوه من حولها....
من نساء لا تتمنى ان تقابلهن يومًا ولا حتى يطرقن خاطرتها ولو بالخطأ....
جالسة مكانها لا تتحرك صماء بكماء بينهن عيناها البائستان معلقتان على النافذة الصغيرة العالية وكانها تخشى ان يختفي النور فجاءه وينسحب الاكسجين من تلك الغرفة العفنة فيكن الصمود أصعب مما هي عليه الان....
2
مكتفه في مكانها لا تتحرك الشيء الذي يعمل داخلها الان هو قلبها المنهك وانفاسها المضطربة... اما ملامحها فكانت جامدة كالصخر و عيناها مأساوية النظرات تدل على الكثير مما يعتمل صدرها.....
جسدها يؤلمها ويزداد تعرقا كمن يحتضر الموت، اذنيها تؤلمها بشدة وتريد ان تاخذ بعض المسكنات التي اعتادت عليها في حدوث أوجاع مشابهة لهذا...
تشعر بالوجع يتضاعف داخلها شعور اليأس والخوف يموج في حلقها يخنقها وكانها في رقعة منبوذة مظلمة عن البشر والحياة مُسلسلة بسلاسل حديدية حادة باسنان مسننة جلدها ينزف دمًا كلما تحركت
ولو بالخطأ.....
كلمة سجن تعني للحُر مجرد كلمة اما لها الان تعني
جحيم تخشى ان تستمر به ولو لعدة أيام فماذا
ان وصلت القصة لقضية ومحكمة؟....
ماذا ان كان فعلا تسمم الرجل من اكلها ومات !...
اغمضت عيناها وهي تنظر لساعة معصمها لتجدها تشير للرابعة عصرا منذ العاشرة صباحًا وهي هنا !...
انهم أصعب ساعات مروا في حياتها وكانهم عمرًا
في هذا المكان العفن والمظلم المخيف..
ان الظلام يذكرها بأشياء تكره ان تتذكرها..
دومًا الظلام يرتبط بأسم شخصٍ واحد جعلها رغم الخوف تتقبل الظلام بمخاوفه وحتى صدمات الحياة ومصائبها المفجعة تتحملها جميعها ربما صبر أو يأسًا من تبدد حياتها للأفضل فهي صاحبة التعاسة الابدية منذ الصغر واي تغيير ينقلب ضدها لكوارث كحالها الآن....
من فرح وأحلام وردية رسمتها في مخيلتها اليتيمة الى سجن ومصيبة كبرى ربما توصلها لقضاء سنة او إثنين هنا بتهمة التسمم.. وستكون نقطة سوداء في ملفها المهني......
اسبلت اهدابها بضعف وصدرها يثقل بمشاعر عدة
جميعها تنبش في جراحها ويزداد تقرحٍ....
تتذكر يومًا القت في الظلام هكذا لأول مرة لعدة
ايام كانت صغيرة في الثانية عشر من عمرها
وقتها فعلت شيءٍ ازعج والدها بشدة وجعله
يغضب عليها..
لا تتذكر خطائها وقتها لكنها تتذكر العقاب ، الظلام الذي ألقاها به وكانت حينها تخاف الظلام وكانت
تنام على الاضاءة الخافتة أيضًا..
وقتها صرخت وهي تبكي بهيسترية وكانت ضئيلة الحجم والطول أمامه...
(بابا خلاص اخر مرة مش هكررها تاني....)
1
وقتها صرخ بوحشية دون ذرة رحمة....
(انا هعلمك الادب يابنت ال**اما ربيتك يابنت
كريمة مبقاش انا....)
2
كان جسدها يرتجف برعب أسفل كفه القوي
وتبكي برهبة وهي تتوسله الا يلقيها في تلك الغرفة....
(خلاص يابابا والله ما هكررها تاني ابوس ايدك...)
مالت لتقبل يده لكنه صفعها بقسوة وفتح باب
غرفته والقاها به فصرخت بتذلل وهي تشهق بالبكاء....
(بابا انا بخاف من الضلمة.....بالله عليك يابابا...متقفلش الباب......انا بخاف من الضلمة يابابا....)
11
صرخ عثمان بوحشية سادية....
(يبقا لازم تتعودي عشان تتعلمي متخفيش من حاجة..)
أغلق الباب عليها بقوة...فوقعت أرضا تبكي وهي تنادي على امها واخيها لكن لم يسمعها أحد وكانهُ قيدهم حتى لا ينقذوها من الظلام.....
مسحت دموعها والذاكرة تنشط الذهن بالاوجاع !!...
حينها قضت ليلتها في الغرفة تنام أرضا على الأرض
الباردة تبكي تارة وتنادي الله تارة أخرى تستنجد به
ان ياتي الصباح ويختفي الظلام.....
كانت ليلة حالكة بالدموع والخوف....كانت كل دقيقتين تنادي على امها لكنها لم ترد تسمع بكاؤها وعجزها على فراش المرض ولا ترد عليها فبماذا ستجيب او تفعل وهي بجسد كاهلًا اصابه عفن المرض والأحزان فاصبح بينه وبين القبر خطوة
واحدة !....
حينها غفت من شدة التعب فسمعت صوت ضجيج بالخارج كمطرقة حديدة تضرب بابها فانتفضت وهي تنهض بساقيها الصغيرة بالقرب من الباب لتسمع حمزة اخيها والذي كان في عمر الخامسة عشر ينادي عليها بخشونة الصبا..
(شهد ابعدي عن الباب عشان مفيش حاجة تيجي فيكي انا بكسر القفل.....)
ابتسمت بسعادة بريئة وهي ترى اخيها فارسها منقذها وعالمها الأمن قد آتى...
7
فقالت بخوف عليه....
(بلاش تعمل كده... بابا هيضربك... خلاص هو شوية وهيخرجني....)
صاح اخيها بكرهٍ....
(مش هيخرجك دا هيفضل مذنبك هنا... انا سمعته...)
ثم استرسل بصوت يرتعش....
(القفلة هيتكسر خليكي بعيد...)
ابتسمت بانكسار حزين رغم انه يضرب من الجهة المعاكسة الا انه كان يخشى ان يصيبها مكروه ولو بالخطأ...
4
ان اخيها الشخص الوحيد الذي يجعلها تثابر على حياتها هو الوحيد الذي جعل الحياة تتشكل لنصفين في عيناها نصف له والنصف الآخر للباقية !...
بعد لحظات كسر حمزة القفل وفتح الباب حينها وضعت يدها على عيناها شاهقة بصدمة.....
ثم اندفعت بعدها تلقي جسدها الصغير في احضان اخيها الصلبة فربت على ظهرها بحنان وهو يبادلها العناق هامسا وهو يأخذ انفاسه المتهدجه بصعوبة....
(انتي كويسة ياشهد.....)
اومات براسها وهي تخرج من احضان اخيها وتمسح
دموعها....
ولم يلبثا الاثنين إلا ثواني وفتح باب الشقة ودلف عثمان فوجدها خارج سجنها والقفل ملقي أرضا
جوار قدم اخيها...
جحظت عينا عثمان وهو يقترب منهما بشرٍ متطاير ..فتعانقا الإخوة وهما يروا والدهما على
هيئة سفاح مجنون وعيناه تقدحان بالوعيد
الخطر.....
(بتكسر كلامي يابن ال**....)
8
سحب شهد من احضان اخيها فوقعت أرضا امام باب الغرفة المظلمة المفتوح بابها على مصراعيه وكانه يدعوها الى الظلام كي تحمي نفسها من بطش السفاح.....
وكأن الظلام أشفق عليها وقتها !...
وضعت يداها على اذنيها بخوف وهي تراه يضرب اخيها ويهينه باقذع الكلمات ثم أخيرًا طرده برا الشقة كما هو العادي كلما غضب عليه، لذا كان دومًا الشارع بيته موطنه دائمًا وابدًا !.....
9
عندما انتهى من حمزة اقترب منها بخطوات بطيئة حريصة تدب الرعب في اوصالها ونظرة عيناه القاسية كانت تجعلها تتعرق من أسلوب الترهيب الذي يتبعه معها منذ ان فتحت عيناها على
الحياة.....
فبدات تتراجع للخلف زاحفه وهي تتمتم بنبرة واهية..
(خلاص يابابا هفضل في الأوضة... هفضل في الضلمة بس متضربنيش.... خلاص يابابا....)
7
وقتها كان الرد ظلام فقد دخلت الى الغرفة بنفسها واغلق هو الباب عليها دون كلمة واحده واستمر العقاب حتى اليوم الثاني.....
حينذاك أصبح الظلام يمثل لها الأمان فرغم انها تخشاه عندما يكون اجباري كحالها الآن....
ومع ذلك تحاول الاعتياد..ان تعتاد على كل ماهو سيىء ومؤلم فهذا درس عثمان الدسوقي لهم منذ الصغر....
فتح الباب وهتف العسكري باسمها...فنهضت من مكانها بجسد متخشب يتحرك باعجوبة..قال العسكري بأسلوب فظ...
"ارفعي ايدك....."
رفعت كفيها فوضع الاسوار الحديدية في كلتا يداها
وكانها مجرمة ؟!....
4
ان ينقلب الحال فجأة للاسواء لهو من فواجع الدنيا
التي كانت تخشى ان تتعرض لها سابقًا...
....................................................................
فتح الباب بعد ان استئذن العسكري...رفعت عسليتاها
الجامدة ككرتين من الجليد اليهم....
نهض عاصم تلقائيا عن مقعده عندما فتح الباب وعندما ابصرها تشنجة عضلات جسده وتسمر
مكانه ينظر اليها بعينين نافذتين تجري على وجهها وجسدها محاولا الاطمئنان عليها قبل الاقتراب او السؤال....لكن عندما وقعت عيناه على وثاق يداها
الحديدي توقفت نظراته عليه للحظات...وقد شحب
وجهه وتقلصت ملامحه المًا بعد رؤيتها بهذا الشكل
3
بدلًا من رؤيتها بثوب الأبيض يرى معصمها مقيد باساور حديدية اي حظٍ هذا يلقى بكِ في افواه المصائب دون ادنى تردد !!....
طالت النظرات بينهما لثواني ظن انهم كالدهر من
بشاعة المشاعر التي تعتري كلاهما في تلك
اللحظة....
انتبهت الى شقيقيها يقتربا منها بلهفة وخوف بعد
ان ذابت صدمتهما برؤيتها باساور السجناء....
قالت كيان وهي تبكي وتلقي نفسها في احضان أختها....
"شهد انتي كويسة ياحبيبتي...حد فيهم مد ايده
عليكي حد جه جمبك....."
قال سليم من خلف كيان والذي سيتولى الإجراء
القانوني في تلك المسألة.....
"اهدي ياكيان.....اختك كويسة مفيش حاجة
حصلت لها...."
هتف حمزة وهو يدير وجه اخته اليه برفق...
"هتخرجي من هنا ياشهد اطمني...انتي معملتيش
حاجة تستاهل حبسك....."
3
اومات شهد براسها وقد عجزت عن الرد اما عيناها
فكانت مأسورة بـعاصم الذي ينظر اليها من خلفهما بانطباع غريب حيرها اكثر من المصيبة التي
وقعت بها....
أشار الضابط الى العسكري بان يفك وثاقها ففعل
ثم استأذن الضابط ناهضًا بالباقة يخبرهم...
"هسبكم لوحدكم شوية....وبعدين نكمل الاجراءات "
اوما عاصم براسه وهو يشير للمحامي الذي اتى معه
ان ينتظره بالخارج ففعل المحامي وخرج..
ولم يبقى بالغرفة إلا شقيقيها وخطيب اختها و
وعاصم الذي مزال صامتًا ولم يقترب منها حتى
الان....
ماذا يعني هذا ، هل هو الخذلان التي تتوقع
حدوثه ؟!..
اندفع حمزة بسؤال....
"إزاي حصل ده ياشهد.... فهميني....."
هتف عاصم من خلفهما....
"خليها تستريح ياحمزة وبعدين تحكيلنا..."
قادتها كيان الى الاريكة قائلة
برفق...
"اقعدي ياحبيبتي ارتاحي...."
تحدث سليم وهو يتخذ مقعد بالقرب منهما بعد
ان جلس الاخوة الثلاثة على الاريكة معًا...وسند
عاصم على حافة المكتب في وقفته المتسمره
بعيدًا عنها.....
"احكلنا ياشهد اي اللي حصل بظبط...."
بللت شهد شفتيها ثم بدات تتحدث مطرقة
الرأس.....
"انا معرفش اي اللي حصل بظبط...يوم زي اي يوم عادي شاغلين زي كل يوم فجأة لقيت واحد بيصرخ
من بطنه وعمال يزقع ويقول انه اتسمم من الأكل.."
بلعت ريقها مضيفة....
"فجأه عربية الاسعاف جت..وبعدها بساعة
الحكومة...."
سالها سليم مستفسرًا....
"الاكل اللي كله كان هو العادي اللي بيتحط لأي
حد ولا كان اوردر مختلف وهو أول واحد يطلبه..."
قالت شهد بفتور....
"كان اوردر مختلف...كان أول واحد ينزل ليه لاننا
كنا الصبح ولسه بداين شغل...."
استأنف سليم بهدوء....
"التحاليل اثبتت ياشهد انه اتسمم من اكل المطعم.."
توسعت عيناها وهي تنظر اليه بعدم
تصديق.....
"مستحيل دا مستحيل يحصل انا براعي ضميري
في شغلي واكيد مش هتاجر في ارواح الناس واحط
حاجة بايظه او مسممه....."
قال سليم مفكرًا...
"مش يمكن تكون المنتجات صلاحيتها منتهيه...وفسدة.... "
قالت شهد بضيق من هذا الاتهام
الصريح...
"انا اللي بشتري الحاجات دي بنفسي يامتر..."
4
نظرت له كيان بحنق كي يخفف من كثافة تحقيقه
ان تكرم فأختها تعاني هنا.....
إلا ان سليم تابع بمهنية....
"بس لما الحكومة جت خدتك وفتشه لقوا فعلا في حاجات صلاحيتها منتهية وتكاد تكون فسدة ومميته...."
صاحت شهد بحدة... "لا طبعاً كدب.....افترى.. "
استلم حمزة دفة الحوار بتشكيك....
"يمكن حد من البنات اللي انتي مشغلاهم عمل
كده.."
"وليه هيعملوا كده اي مصلحتهم.." عقدة شهد حاجباها بتكذيب...
مط حمزة شفتاه وعيناه تلمع
باليقين... "حد زققهم مثلا ؟!!...."
هزت شهد راسها بنفي.....
"لا طبعاً ميعملهوش... انا اعرفهم كويس دول غلابة
ومفيش حد عاقل هيرضا بقطع عيشة..."
قالت كيان برجاحة عقل....
"مينفعش تثقي في حد ياشهد كل شيء وارد..."
هزت شهد راسها سائله بيأس....
"المفروض اي اللي هيحصل دلوقتي....هتسجن.."
تولى سليم الرد بهدوء....
"مش لدرجادي احنا هنراضي الراجل ده بقرشين
وهيتنازل عن المحضر اللي قدمه....بس في مشكلة"
وقع قلبها وهي تنظر اليه بتخوف...فاضاف
سليم....
"المطعم هيتشمع....ومش هينفع يتفتح تاني...دا إجراء قانوني... "
ازداد شحوب وجهها وبان الانهزام في نظراتها
المأساوية....فربتت كيان على كتفها وهي تبرم شفتيها
ناظرة الى سليم الذي اضاف بعملية
موضحًا...
"بصي ياشهد مش سهل خالص تخرجي من الموضوع ده وبعد كام ساعة بس من حجزك انتي محظوظة.....مكالمات عاصم والمستشار مصطفى نفعتنا...وكمان ان الراجل يتنازل عن الشكوى اللي مقدمها ضدك مكنش بساهل دا خد وقت ومناهده
مننا كبيرة....فكان لازم يكون في خسائر زي ان مطعمك يتقفل نهائي..... "
اتى صوت عاصم من خلفهما
قاطعًا...
"مش مهم المطعم المهم تخرج من هنا....."
نظرة اليه وتبادلا النظرات بصمتًا...فقال
سليم....
"الاجراءات هتاخد وقت مننا...بس ان شاءالله
هتخرجي النهاردة معانا...."
ربتت كيان على كتف اختها بشفقة فهي ادرى
الناس بحلم اختها وكانت بداية الحلم هذا
المطعم الصغير... "شهد ساكته ليه...."
مطت شهد شفتيها بقهر.....
"اي اللي المفروض اقوله بعد كل ده...كل حاجة ضاعت....انا خسرت ياكيان.. "
ربت اخيها على كتفها من الناحية الاخرى قائلا
بدعم.....
"بس كسبتي نفسك ياشهد...ومش مهم اي حاجة تانيه...."
دون ان تبكي او تنهار هتفت تبرأ نفسها
امامهم....
"اقسم بالله براعي ضميري في شغلي ومستحيل
اكون بطبخ بمنتجات نص عمر او فسده...الحاجات
دي انا اللي بجبها بنفسي ولو حد جبها غيري بشرف
عليها...."
قالت كيان بحرقة...
"دا ملعوب اكيد في حد مدبره ليكي....."
زفرة شهد وهي تسبل اهدابها.....
"الله أعلم....حسبي الله ونعم الوكيل....."
تحدث عاصم بعد ان صمت الجميع ويبدو ان الحديث انتهى هنا.....
"ممكن بعد اذنكم تسبوني خمس دقايق معاها..."
.....................................................................
عندما خرج حمزة صدح رنين هاتفه فتنحى
جانبا يرد عليها....
"ايوا ياقمر خير...."
قالت قمر بوجوم....
(انت فين ياحمزة....اتاخرت ليه حتى مفيش حد
من اخواتك البنات جه لحد دلوقتي....)
اجاب بفتور....
"هما معايا ياقمر...يمكن نتأخر شوية..."
خفق قلبها بخوف فسالته بقلق....
(في حاجه ياحمزة طمني صوتك متغير ليه..انت كويس اخواتك كويسين....)
اجابها بخفوت...
"بعدين ياقمر...لما ارجع هحكيلك...."
على صوتها قليلا والخوف يفترسها...
(وانا هفضل كده لحد ما ترجع...وبعدين هترجع إمتى...)
رد حمزة بجزع....
"يمكن بليل متأخر.....مش عارف لسه.. "
لمعة عيناها بدموع....
(لا يبقا كده في حاجه....حمزة قولي في إيه...)
زمجر حمزة بخشونة.....
"قولتلك لما ارجع هحكيلك...اسمعي الكلام بقا..."
فلتت شهقة بكاؤها من بين شفتيها...فوخزه
قلبه وهو يسالها......
"يابنتي بتعيطي ليه انا مش ناقص...."
اعترفت بقلب ولهان....
(انا خايفه عليك....احلف بالله انك كويس..)
1
أغمض عيناه وهو يبتسم رغم عبوس وجهه منذ
ان سمع الخبر المشئوم عن احتجاز اخته هنا...
الا انه اجابها بهدوء.....
"والله كويس ياقمر... ومفييش اي حاجة..."
ضربة قمر على صدرها وهي تتوقع الاسوء...
(استرها يا رب....طب واخواتك البنات....بالله عليك
طمني شهد وكيان كويسين....)
"والله كويسين...مشكلة بسيطة واتحلت خلاص
وهنروح شوية كده اطمني.... "سمع صوت بكاؤها
الصامت على الناحية الأخرى فقال بعطف....
"كفاية عياط ياقمراية انا مستوي خلقه..."
قالت بقلب اضنى من هوى معذبة...
(ربنا يحفظك من كل شر.....ويرجعك بالسلامة..)
ازدادت الابتسامه عمقًا على محياه....
"بس هي الدعوة دي اللي مستنيها منك....تعرفي
انا محتاج اي كمان...."
(إيه....)
اخبرها حمزة متافف بتعب...
"فنجان قهوة دماغي هتنفجر من كتر الصداع...."
قالت بعاطفة الامومة التي تستخدمها معه في
بعض الاحيان....(لم ترجع باذن هتلاقيها جاهزه....)
نداها حمزة بعد لحظة صمت.... "قمر..."
اختلج قلبها بالخفقات المتسارعة واكتفت
بهمهمات بسيطه...جعلته يتابع بشعورٍ صادق
"انتي أجدع واطيب بنت قبلتها في حياتي..."
1
على الناحية الأخرى عضت على شفتها ولفظت
انفاسها بصعوبة وهي تصرح بخجلا....
(وانت.....انت تستاهل كل حاجة حلوة ياميزو....)
اجابها بالغزل الصريح.....
"مانا خلاص خدت الحلوو....ومش هاخد أحلى
من كده....."
6
على الجانب الآخر نظر سليم الى كيان
بتساؤل...
"مالك ياكيان ساكته ليه.....اي اللي قولته جوا
ضايقك اوي كده...."
1
قالت بتبرم وحمائية....
"كل حاجة قولتها ضايقتني ياسليم..إزاي شاكك في
براءة شهد وشايفها مذنبة...انت كنت قاعد تستجوبها
وكانها مذنبة فعلا...."
عقب سليم متعجبًا....
"انا بوضحلها اللي حصل فين الغلط في
اللي عملته.."
لم تنظر اليه كيان بل انقلب وجهها
مائة وثمانون درجة بضجر....
فقال سليم مستنكرًا..
"ولا دي خناقة جديدة بتخترعيها بينا..."
إشارة كيان على نفسها بصدمة....
"انا بخترع خناقات....انت شايف كده...."
لوى شفته هاكمًا....
"دا اللي انا شايفه من ساعة ماحددنا معاد الفرح
وانتي بتخلقي اي حاجة تعكنني...."
امتقع وجهها فقالت بنزق....
"والله وبقيت مصدر العكننه ليك يا أستاذ سليم
واي كمان....."
زفر سليم بملل.... "مش هنتخانق هنا ياكيان...."
صمتا معًا للحظات جلدت بهم كيان نفسها وهي
تقف بجواره فكم كان شهم معها في الساعات
الماضية عندما اتاها الخبر من حمزة وهي تعمل
في المكتب علم سليم بالأمر منها واصطحبها
معه الى هنا واستلم الإجراءات كلها وبدا يعمل
عليها هو والمحامي الذي احضره عاصم...وبدأت وصلة المكالمات الهامة لاربع ساعات متواصلة
من عاصم ومن والد سليم وقد اتت المكالمات
بثمارها....
وسيتم الإفراج عن اختها اليوم دون ان تضطر
ان تبيت ليلتها في هذا المكان.....
لذا كان ردها بعد كل هذا امتنان يشوبة
الحرج......
"شكرا على كل اللي عملته معانا....لولاك انت وعاصم
كان زمان الموضوع اتعقد والله اعلم كان ممكن
يحصل اي تاني....."
نظر سليم لعيناها الفيروزية قائلا بصوتٍ
أجش......
"عاصم عمل كده عشان هي مراته...اما انا فعملت
كده عشانك....عشانك انتي ياكيان....فملوش
لازمه جو شكرًا والكلام الفاضي ده...الحمدلله
انها عدت على خير...."
.....................................................................
كانت تجلس على الاريكة مكانها وعندما خرج الجميع
ظلت بينهما حرب النظرات قائمة لدقيقتين او أكثر
والصمت يبتلعهما في هوة الظلام......
عيناه كانت ثاقبة نافذة تلقي اللوم الجارح في
مقلتاها.....وجزة عيناها منسحبة ومكتفية بهذا
القدر من النظرات الذابحة لروحها فهي بغنى
عن وصلة تقريع تنتظرها منه بسبب تحفظه
الشديد على عملها....
نهضت من مكانها تسأله بنظرة جامدة...
"افسر بايه نظرتك دي.....انت مصدق اني عملت
كده فعلا...."
اقترب منها بخطى مستقيمة وجسد ينتفض من هول
الغضب الذي يعتريه الان منها....
بلعت ريقها بارتياب بعد ان وقف امامها بقامة
طوله المهيبة ونظراته الثاقبة.....
"احنا اتفقنا على إيه...اليومين اللي فاتوا..."
"احنا مش هنتعاتب هنا ياعاصم...."قالتها مقتضبة
وهي تهرب من محور عيناه.....
"انا مش بعاتبك ردي على قد السؤال..."صاح في وجهها فانتفض جسدها بخطوة للخلف برهبة...
جزت شهد على اسنانها وهي تشعر بان الدماء تفور في عروقها والصبر يتضائل داخلها فهي تضغط على نفسها منذ الصباح وقد قاربت على الانفجار....
الرحمة فقط ارحموني فانا لستُ جماد...ليتني
كنت ماكان نخر الوجع في قلبي كنخر في
العظام حتى تتفتت !...
قالت شهد ببرودة أعصاب....
"عايز تسمع إيه.....اتفقنا ان انا اقفل المطعم الفترة
دي وبعد الجواز نشوف هرجع اكمل شغل فيه ولا
لا...."
سالها بنظرات غير متهاونة....
"وليه مسمعتيش الكلام ؟!..."
رفعت انفها الابي قائلة....
"كان في شغل مستلمه فلوسة وكان لازم اسلمه
في معاده....."
هتف عاصم بهجوم امام وجهها الشاحب....
"انتي بتشتغليني ولا بتشتغلي نفسك...شايفه نفسك
وصلتي لفين بسبب شغلك...."
قالت بنبرة ونظرة محتدة....
"شغلي معلهوش غبار ياعاصم...انا بقالي سنين بشتغل في المجال ده وعمر مافي غلطه زي دي حصلت....."
هتف عاصم بوجوم.....
"واهي حصلت وكانت هتوديكي ورا عين الشمس لولا ستر ربنا....الله اعلم كان اي اللي هيحصل تاني..."
اسبلت شهد عيناها وهي تاخذ انفاسها
بصدرٍ يتألم.....
"صدقني في حاجه غلط....انا براعي ضميري في شغلي....ومستحيل أاذي حد...لا بقصد ولا من غير
وبذات في الشغل......"
وجدت ملامحه تزداد صلابة وخشونة...فقالت
شهد بريبة بعد هذا الصمت.....
"عاصم انت مصدقني...ولا شاكك اني ممكن اعمل
كده...شاكك اني ممكن استرخص او أهمل في اكل عيشي واسبب الاذى لحد.."
اولاها عاصم ظهره وهو ياخذ انفاسه بعصبية ثم
عاد إليها قائلا..
"مش مصدق....ومش انا اللي تساليني سؤال زي
ده...لان مفيش حاجه في دماغي دلوقتي غير انك
تخرجي من الزفت ده..."
ثم رفع سبابته محذرًا....
"وصفحة شغلك تتقفل نهائي ياشهد...ومش
هنتناقش فيها....."
"يعني إيه...."قرع جرس الإنذار في اذنيها
بتساؤل...
فقال عاصم بقسوة....
"يعني تنسي.. والفلوس اللي محتجاها انا هدهالك
بس تنسي انا مش عايز اخسرك....عشان حلم تافه
زي ده......"
14
وكانه صفعها بقسوة...صفعه جعلتها ترتد للخلف
وهي تنظر اليه بصدمة وكانها تراه لأول مرة....
"تافه !!..تافه ازاي يعني...."
تقدم منها عاصم ومسك كتفيها بين
يداه قائلا بحزم...
"انتي ليه غاوية تعب وشقى...اي المشكلة لو
سعمتي كلامي لو مرة واحده هتخسري إيه ؟.."
تجمعة الدموع في مقلتاها وهي تنظر له بعينين
مجروحتين......
"انت بتكلم زيه هو كمان كان بيقلل مني ومن
الحلم اللي بسعى أوصله....."
قربها عاصم منه وهو مزال يحتجز كتفيها
بين راحتيه.....
"الحلم اللي المفروض تسعي ليه....هو علاقتنا ونجاحها بعد الجواز...."
10
انسابت الدموع من مقلتاها عنوة عنها وهي تنظر
اليه بخيبة أمل....وجد صداه في نفسه....
فقربها منه اكثر وهو يحاول اقناعها بملاطفة
وعيناها مأسورتين بعيناه رغم انكسار نفسها
منه.....
"ياست الحُسن افهميني لو مرة واحده...انا خايف
عليكي.....انتي متعرفيش انا لما سمعت الخبر اي
اللي حصلي.....كنت فاكر ان مليش نقطة ضعف
بس النهاردة اكتشفت ان انتي نقطة الضعف
الوحيدة عندي..."
اسبلت اهدابها وقلبها ينصهر بين يداه
ام عقلها فيزداد تصلبًا وتحدِ.....ترجاها عاصم
بصوتٍ أجش......
"لو غالي عندك انسي موضوع الشغل ده...وانا
مستعد اعوضك باللي تطلبيه......"
"مش عايزه حاجة....."ابعدت ذراعيه عنها وهي
تبتعد خطوتين للخلف بنفور......
11
حركة جعلته يقف مكانه متسمرًا بصدمة وكانها ردت
الصاع الصاعين له....
.......................................................................
وقفا معًا بانتظار الانتهاء من الاجراءات الأخيرة التي
تولاها سليم بحكم عمله.....
ربتت خلود على كتفها قائلة بشفقة وحزن...
"هوني على نفسك ياحبيبتي...مفيش حاجه مستهلة
الحزن دا كله المهم انك بخير.... "
30
اومات براسها قائلة بقوة
جبارة....
"انا كويسة وراضية بقضاء الله...."
ثم نظرت الى بشير قائلة....
"بشير خد خلود وروحوا.... سليم قال كلها نص
ساعة ونخرج كلنا....."
قالت خلود بتصميم.."لا وربنا لازم افضل معاكي."
8
نظرت لها شهد وقالت بوهن.....
"ملوش لازمه ياخلود انا لم أوصل البيت هطمنك..
روحي عشان ولادك.... الوقت اتأخر...."
نظرة خلود الى زوجها الذي امتنع
بحرج...
"بس ياست شهد....."
قاطعته شهد وهي تقول بارهاق....
"خلاص بقا ياجماعه مش قادرة اناهد كفاية عليكم كده انتوا من بدري معانا......"
ودعتها خلود بعناق طويل وهي تقول
بحزن.....
"من النجمة هتلاقيني عندكم في البيت... الحمدلله
انها جت على قد كده ياحبيبتي...."
10
عندما ابتعدت عنها قال بشير ايضا قبل
ان يبتعد.....
"قدر ولطف ياست شهد...مش عايزه اي حاجة.."
هزت شهد راسها بنفي وهي تكتفي بابتسامة
بسيطة تعلو وجه منهك من شدة التعب....
وعندما غادرا اتضحت الرؤية امام عسليتاها
فرأته واقفًا يسند ظهره على الحائط وهو ينظر
لها بصمت يكاد يبتلعها خوفًا عليها من كل ما
يحيط بهما......
فاطرقت براسها وهي تحاول ان تتمالك اعصابها وخفقاتها المتسارعة في حضورة....
حتى عند الخصام حبيبي !....
..................................................................
اخرجت خلود زرم الأموال ووضعتها على الفراش
وهي تنظر اليهم بنشوة الانتصار وبابتسامة واسعة....
6
دخل بشير الغرفة ووجدها جالسة هكذا وامامها
رزم الأموال فسالها بتعجب وهو يتقدم منها
جالسا على حافة الفراش....
"اي الفلوس دي كلها ياخلود...."
قالت بهدوء بما لا يدع مجالا للشك بها...
"دول فلوس كنت شيلاها معايا على حتتين الصيغة
اللي بعتهم جمعت المبلغ ده...."
2
سالها بشير.... "وليه بعتي صيغتك...."
قالت خلود بتبرم....
"امال عايزني بعد اللي حصل دا كله اعمل إيه... ادي
المطعم اتقفل واحنا اتقطع عيشنا منه...بعتهم عشان
افتح بيهم مشروع...."
2
خبط بشير على ركبته قائلا بتأثر....
"والله شهد صعبانه عليا....دا لو المطعم ده كان فضل
سنة بس شغال كانت عملت من وراه احلى شغل..."
2
لوحت خلود بكفها بحقد....
"ياخويا بلا نيلة هي كانت بترملنا غير الفتافيت..
وانا وانت اللي كنا اكتر ناس بتشقى وتتعب فيه..."
10
تعجب بشير من ردها فعقب....
"متنكريش انها كانت بتراضينا وبزيادة كمان
وطول عمرها جدعه معانا....مالك قبلتي عليها كدا ليه....هي مش دي صاحبة عمرك برضو؟!....."
2
قالت خلود بحسرة وهي تحرك شفتيها يمينا
ويسار بحقد.....
"الصحاب حاجة والشغل حاجة تانيه...على العموم هي مش هتغلب متزعلش عليها اوي كده ازعل علينا
احنا لولا الفلوس دي كنا احتسنا انا وانت والعيلين.."
4
ابعدت عيناها عنه متابعة بتكبد...
"هي مرات عاصم الصاوي باشارة واحده منه
يجبلها بدل المطعم اتنين وتلاته...."
2
سالها بشير بفتور....
"وناويه تعملي اي بالفلوس دي...هتأجري مطعم..."
قالت بنفور وعيناها تلمع بطمع.....
"مطعم إيه....انا تعبت من الطبخ والوقوف على كعوب رجليه....انا هفتح محل ملابس شغلانه رايقه وفلوسها حلوة قولت إيه....."
أومأ بشير براسه كالعادة يسلمها زمام امورهم
كما عودته !!...
"اللي تشوفيه....انا هستناكي برا لمي الدنيا دي
واعمللنا لقمة حلوة لحسان انا واقع من الجوع.. "
"من عنيا...." قالتها وهي تلم رزم الأموال وتضعها
في خزانة الملابس ثم أغلقت بابها بالمفتاح....
واستدارت تنظر للاشيء فوخزها ضميرها من
جديد فقالت وهي ترفع راسها بعناد....
"كان لازم اعمل كده ماهو لو مكنتش نفذت
كانت سلطت عليها اي حد من البنات اللي شغاله
معانا وزغللت عنيها بالفلوس... ساعتها كان زماني
بتحسر على المطعم اللي اتشمع وشغلنا اللي
راح....."
1
احتدت نظرات عيناها وهي تخدر ضميرها
بعدة كلمات واهية.....
"مش هتغلبي ياشهد انتي معاكي راجل يتقالك
بالدهب اما انا وجوزي محلتناش حاجة نتسند
عليها....وكان لازم ابيعك واشتري نفسي وعيالي...
انتي برضو اللي عندك ولي في إيدك مش
شوية..."
9
المغيب فقط من يقنع نفسه بان الذنب مغفرة
والاذى نجاة والخراب إصلاح والخيانة وفاء !!!..
..................................................................
بلعت غصة مؤلمة في حلقها وهي تجلس بجواره
بقلب سيارته عيناها معلقه على الطريق الممتد امامها...تتموج بين الاحزان والحسرة وأخيرًا
الانكسار....من بين ذلك تثاءبت بارهاق مضنٍ
4
فحانت منه نظرة عليها بملامح جامدة سالها
بصوتٍ أجوف... "عايزة تنامي؟...."
تصلبت شفتيها بوهن مجيبة....
"أكيد احنا بقينا الفجر...... أول ما أروح هنام...."
ادعى الملل وهو يأسر عينيها
عمدًا......
"هتفضلي قلبه وشك كتير...."
نظرت لها بملامح واجمة غير
متجاوبة....
"شايف ان في حاجه تفرح...."
تشنج فكه وهو يقول بجزع....
"فيه.... خروجك من المكان ده....انك هتباتي على سريرك بعد كل اللي حصل..."
3
اومات براسها بتحفظ..... "الحمدلله...."
اوقف السيارة امام البحر مباشرة....فنظرت عبر
النافذة بحيرة سائلة....
"ليه وقفت هنا...زمان حمزة وكيان وصله البيت.. مش عيزاهم يقلقوا عليا...خصوصا انك صممت توصلني بنفسك.."
3
نزع عاصم حزام الأمان قائلا
بأمر....
"لازم نتكلم ياشهد...انزلي...."
اومات براسها مذعنة وهي تترجل من السيارة
حيثُ الهواء الطلق والبحر المظلم مع انعكاس
السماء القاتمة.....
سحبت الى رئيتها اكبر قدر من هواء الليل البارد وهي ترجع خصلاتها للخلف سانده بظهرها على مقدمة السيارة بجواره.....
لفهما جوٍ من الصقيع القاسٍ جعلهما يصمتا للحظات امام عتمة الليل حتى قطع الصمت وهو ينظر لجانب وجهها الابي وبُرعم رقيها الأخذ يشع رغم انكسار احلامها !...
"اي اللي قولته ووجعك اوي كده...قولته لاني خايف
عليكي...مش عشان اوجعك او اقلل منك....كانت
لحظة عصبية وراحت لحالها مسافة ماربنا كتبلك
الخروج من النيابة.... "
رفعت وجهها وقالت بإباء....
"مين قالك ان كلامك وجعني.....بالعكس دا فوقني..."
ثم مطت شفتيها مضيفة بجمود.....
"كمان لما بنبقا متعصبين اوي بنكون صادقين في كل كلمة بنقولها يمكن عشان بتخرج من جوا قلبنا.. وانت قولت اللي حاسس بيه..."
عيل صبره فقال بعنفـًا....
"مش دا اللي حاسس بيه ياشهد.....انا لا بقلل منك ولا من شغلك...بس شوفي اخرتها وصلك لفين لقضية وسين وجيم لولا ستر ربنا....انتي ليه مش قادرة تفهمي ان خروجك منها كان من سابع المستحيلات."
ابتسمت بجفاء.... "شكرًا...."
هاجت مراجله فصاح....
"انا مش بقولك عشان تقوليلي زفت شكرًا...."
صاحت مثله وهي تقف امامه وجها
لوجه... "امال انت عايز إيه....."
مسكها من ذراعها واشتدت قبضة يده تعتصر
لحمها....
"عايزك تفوقي وتفهمي اني مش عدوك...ولا
نسخة من أبوكي....."
ابتسمت بعصبية....
"لا اطمن مستحيل يبقا في نسختين منه...."
وقف مبهوتا أمامها وهي تواجهه بالنظرات بنظرة فارغة كشخصٍ خالٍ من الحياة......فتافف عاصم
بعدم تصديق....
"مش مصدق..اي الجبروت دا كله..انتي إيه
مخلوقه من حجر...."
10
قالت بتبرم.....
"لو زهقت اوي كده...تقدر تـ......."
امرها بصوتٍ تردد صداه برعب.....
"اخرسي اياكي تكملي.....واضح ان الصدمة اللي حصلتلك دي اثرت على مخك...."
"كويس انك عارف انها صدمة....."وقع قناع الجمود عن وجهها وتناثر الغضب على ملامحها فور جملته.....
ساد الصمت من جديد وكلا منهما ينظر للاخر
بانفعال بعتاب قاسٍ تتولاه النظرات فقط.....
فقالت شهد والدموع تتجمع في مقلتاها...
"انت الوحيد اللي مكنتش مستنيه منه عتاب وقتها.."
5
نظر عاصم لها قليلا ثم قال بصلابة...
"على قد المحبة على قد العتاب....عايزاني اعمل
إيه افرح.. اصقفلك وانا شايف الكلبشات في إيدك...
والعسكري جايبك من الحجز.... "
"اللي حصل مليش دنب فيه...."قالتها والدموع الحارقة تلسع عينيها....
هز راسه وهو يأكد بعتاب....
"لا ليكي ذنب عشان كسرتي كلامي وبرضو
فضلتي فاتحه المطعم لحد ما حصل اللي حصل...
لا وزعلانه اني بعاتبك... مين اللي المفروض يزعل
من التاني.... "
4
مسحت دموعها بظهر يدها فقد طفح الكيل
داخلها وفاض.....فقال بصوتٍ أجش وهو يأسر
عيناها الباكية.....
"ليه مش قادره تفهمي انك اغلى مخلوقه في حياتي
واني بخاف عليكي من الهوا الطاير مش كلام ياشهد
بس عتابي كان خوف عليكي مش قسوة مني..."
ثم على صوته قليلا بهيمنة....
"وهتنفذي ياشهد حتى لو بالغصب...مفيش شغل ومفيش مرمطه ولا شقى تاني....اللي تطلبي هتلاقيه...وانسي بقا اي حاجة تانيه ممكن تاخدك مني.."
1
بعد هذا التسلط الذكوري العين أوغر صدرها
بالغيظ فهتفت بتمرد .....
"انت اناني....وعايز تلغي وجودي باي طريقه...."
6
"وجودك جوا قلبي كفاية....."أجابها بأسلوب شاعري يخجل ان يتدخل وسط هذه الحرب الشعواء...
"عاصم....."توسعت عيناها وهي ترمقه ببلاها....
فاشار على راسها في الهواء وكانه يريد ان
يمزقه إربا.....
"شهد...فوقي بقا وبطلي نشفية دماغ....."
اسبلت اهدابها واختلج قلبها بالخفقات...ففرد
كفه لها قائلا بصوتٍ حنون وحب العالم في
عيناه خلق لها وحدها يضوي.....
"تعالي في حضني...."نظرت لكفه المفرود بتردد
وهي في مناضلة شريفة مع عقلها....فقال عاصم
بأمر بعد ثانيتين من الانتظار.....
" هتقربي بالرضا ولا اخدك في حضني بالعافية.... "
11
وضعت يدها في كفه واستسلمت لمشاعرها فرغم
كل شيء تشتهي عناقًا منه يخمد أفكارها ويطمئن
قلبها بان كل شيءٍ على ما يرام....
عند تقدمها همس عاصم سرًا.....
(لحد امتى هتفضلي تعباني ياست الحُسن....قوليلي
لحد امتى......)
25
اغمضت عيناها وهي تعانق خصره بذراعيها النحيلتين بينما هو يخفيها داخل صدره
بذراعيه.....فيملأ رئتاه من عبيرها الناعم ولحنًا حزين يقرع من قلوبٍ اضناها الحب حزنًا والشوق لوعةٍ....
فقالت شهد بعد لحظة صمت كانت الأجمل
على الإطلاق.....
"انت مصدق اني بريئة صح....."
أومأ براسه وهو يقبل قمة شعرها الناعم...
"انتي بريئه من كل التُهم....إلا تهمة واحده....."
رفعت راسها دون ان تخرج من
احضانه... "اي هي....."
داعب انفها بانفه هامسا
بشقاوة....
"قلبي....مش ناويه ترجعيه ؟!..."
5
ابتسمت رغم شحوب وجهها والحزن البادي
عليها ابتسمت وكان ردها هزة رفض مراوغه ثم اعادت راسها لاحضانه كنسمة هواء ناعمة تلاقيه خلسة...
فتخلل شعرها باصابعه بحنو متأوهٍ بلوعة....
(ارتاحي ياشهد....ارتاحي واتعبيني انا راضي...)
......................................................................
كانت تدور حول نفسها في الغرفة ذهابا وايابا صدرها يشتعل كأتون حارق كلما تحركت عقارب الساعة متخطية دقائق وساعات دون وصولهم او خبرٍ
يطمئنها عنهم فقد انغلق هاتف حمزة فجأه ولا أحد
من الفتاتان يرد على اتصالاتها....
3
بما لا يدع مجالا للشك ان هناك شيء سيء حدث لهم.....وقفت مكانها وهي تأخذ انفاسها بصعوبة..
"يارب احفظهم.... ورجعهم بالسلامة...."
رفعت الهاتف على اذنها من جديد فاتاها الرد المتوقع
(الهاتف خارج نطاق التغطية..)
اغمضت عيناها وهي تلقي الهاتف على الاريكة
بتعب وقتها فتح الباب وطل منه ثلاثتهم
بملامح واجمه ونظرات غائرة....
فاقتربت منهما بسرعة وشعرها الغجري يطير
خلفها بجنون فتن عيناه التي تراقب تقدمها
منهم باللهفة....
"خضتوني عليكم... هو ليه مفيش حد فيكم بيرد على تلفونه... وليه قافل تلفونك ياحمزة...."
اغلق حمزة الباب قائلا....
"أصبري بس ناخد نفسنا وبعدين نتكلم...."
قالت شهد وهي تجر قدماها بصعوبة بملامح مضنية
بالارهاق والحزن.....
"انا مش قادره قعد ولا أتكلم... انا هدخل اوضتي
انام تصبحه على خير...."
قالت كيان كذلك وهي تلحق بها لكن في الغرفة المجاورة لها....
"خديني معاكي ياشهد انا كمان تعبانه وعايز انام
تصحبه على خير ياجماعه...."
4
وقفت قمر في منتصف الصالة بعد ان أغلقت
كل واحده منهن بابها عليها مكتفيه بهذا العذر...
"تصبحوا على خير ؟!..هما مالهم ياحمزة ما تفهمني
ولا انت كمان تعبان وعايز تنام...."
فرك بين عيناه قائلا بأرق....
"والله نفسي انام بس الصداع هيفرتك دماغي.."
قالت قمر بلهفة الأم....
"سلامتك.... الف سلامة اجبلك برشامة للصداع..."
نظر لبنيتاها قليلا ثم طلب.... "اعمليلي قهوة..."
قالت قمر بتقطع وقلبها يقرع بجنون
في حضوره....
"قهوة ؟!... انت كلت برا....انا قاعده مستنياكم..
اي رايك ناكل سوا... وبعد الاكل هعملك القهوة..بس
تحكيلي اي اللي حصل... شكلكم مش مطمني... "
اوما حمزة براسه بالموافقة متجها الى غرفته....
"على ما تسخني الأكل اكون خدت دش وغيرت
هدومي...."
توهجت وجنتيها بحياء... "تمام هستناك...."
انزلت قمر المعلقة عن فمها وقد فقدت شهيتها بعد
ما سمعته من حمزة وتلك الاحداث المتتالية التي
تلقتها شهد كلطمات العنيفة لطمة تلو الأخرى دون
رحمة او رافه بها....
"لا حول ولا قوة إلا بالله.. يعني كده خسرت
شغلها والمطعم...."
اوما حمزة براسه وهو يقلب في الطعام
بملامح رصينة....
"خسرت كل حاجه.....بس الحمدلله انها خرجت
منها لولا المكالمات اللي عملها عاصم وسليم
الله اعلم كان هيبقا وضعها اي دلوقتي قدام
النيابة....."
قالت قمر بعد تنهيدة ارتياح...
"الحمدلله انهما موجودين...."
اظلمت عينا حمزة وهو يقسو على نفسه
قائلا.....
"تصوري لو مكنوش موجودين كنت هعملها إيه
ولا الهوا...اللي زي هيجيب منين أرقام زي دي وصحاب الأرقام ياترى هيعرفوني ليه اي الفايدة اللي هقدمها ليهم.. هوصلهم بعربيتي على البحر مثلا ؟!!..."
وخزها قلبها بعد حديثه ونظراته الميته...فقالت
بعتاب....
"ليه بتعمل كده في نفسك.... ليه بتقلل من نفسك
وبتقهر نفسك بشكل ده..."
نظر لعيناها قليلا ثم اجابها ببؤس...
"احيانا بحس ان وجودي ملهوش لازمه في حيات
اي حد عرفني...."
ترقرق الدمع في عيناها فمسكت قبضة يده المرتاحة على سطح الطاولة وهي تقول بصلابة بينما روحها وقلبها يتمزقا حزنًا عليه وكان الآمه عدوى اصابتها قبل ان تصيبه !...
"غلط... انت وجودك في حياتي مهم...قيمتك مش بالفلوس والوسطه....قيمتك فيك انت جدعنتك وشهامتك وقلبك.. وحبك لاخواتك البنات ومساندتك ليهم حتى قدام أبوك....اللي الحمدلله مخدتش من قسوته وجبروته حاجة....بالعكس انت حنين وطيب وبتراعي ربنا في اخواتك وفيا... ولا ناسي أول يوم شوفتك فيه شجاعتك وشهامتك مع واحده غريبة عنك مكنتش تعرف حتى انها قريبتك...."
10
بللت شفتيها بحرج متابعة وهي ترى عيناه تجوبان
ملامحها باكتساح...
"انت غالي ياحمزة.... بس انت اللي مستهون
بنفسك.... الفلوس مش بتشتري راجل الراجل
هو اللي بيعمل الفلوس...."
حرك قبضته المضمومة وشبكها في اصابعها
قائلا بعمق.... "انتي كنتي فين من زمان ياقمر..."
تخضبة وجنتها خجلا....
"موجوده.... بس تقريبًا كنت مستنياك...."
بادلها الابتسامة بعمق....
"دا من حظي الحلو.... انك استنيتي...."
تبادلا النظرات للحظات خجلت بهم من نظراته الجريئة عليها فقفزت من مكانها قائلة بسرعة..
"انا شبعت هقوم اعملك القهوة بقا....."
عندما دخلت المطبخ وضعت يدها على صدرها وهي تتنفس الصعداء....تلعن قلبها الهائم في هوى معذبها
الى هذه الدرجة تعشقه ؟!..
لو يرى نفسه في عيناها لأقسم انها إمتلك العالم
بأسره....
تأوهت بتعب وهي تتمالك اعصابها متجهة الى الموقد لتعد له القهوة بيديها
احيانا تغار من تلك القهوة المُرة فمرارتها تروق
له بينما حبها ينفر منه مبتعدًا الاف الاميال ؟!...
(قهوة على الريحة)يفضلها برشة بسيطة من السُكر
تكاد لا تذكر في مذاقها المرير لكنها تكفيه فتوازن
بين مرارتها ومذاقها الغني....
بدأت تعدها له بصمت وقلب يقرع على طبول الهوى
وعذابه....فدلف حمزة الى المطبخ حامل الاطباق بين يداه وضعها في حوض المطبخ وفتح الصنبور وبدا
بغسلهم بصمت....
فتركت مابيدها واتجهت اليه قائلة بضيق...
"اي اللي بتعمله دا ياحمزة...سيب كل حاجه وانا هخلص القهوة واعملهم...."
ركز فيما يفعله وهو يجيبها....
"دول طبقين سهلة....شوفي بس القهوة لحسان
تفور....."
1
قالت بحنق وهي تاخذ منه الاطباق....
"موطيه عليها....وسع كده واسمع الكلام..."
"يابنتي....."حاول اخذ الطبق منها لكنها رفضت
بتزمر... "وسع بقا...."
2
ترك كل شيء وغسل يده ثم اتجه الى الركوة على
النار وصب القهوة في الفنجان ووضعه على الرخامة
بالقرب منها واحتساها وعيناه تتابع ما تفعله...
كم هي جميلة بهذا الشعر الغجري الأسود الطويل
والذي يتراقص بافتتان مع كل حركة تصدر منها....
تمتلك جسد كعارضات الازياء يافع الطول والانوثة.
ملامحها شامخة بلمحة شعبية اصيلة التراث..
وعيناها بُنية الون ساحرة النظرات....
مختال هو ان قال انه معجب باصابعها البيضاء الطويلة النحيلة كاصابع جنية لم يسمع عنها إلا
في الاساطير تلك التي تهوى أنسيًا حد الجنون
ولا تتركه إلا بعد ان يصبح عاشقًا لها !!...
"بتبصلي كدا ليه.....في حاجه...."
فاق من شرودها على صوتها وعيناه كانتا معلقه على اصابعها الطويلة الملطخة برغاوي الصابون ورائحة الليمون منه تزكم انفه......
"نسيت البسك الدبلة....."
توسعت ابتسامتها وبرقة عيناها فجأه
كالالعاب النارية.... "جبتها بجد....."
اوما براسه وهو يخرجها من جيب بنطالة البيتي
قائلا بهدوء....
"معايا من الصبح...بس اللي حصلي ده نساني كل حاجة...."
فتحت صنبور الماء وغسلت يدها سريعًا ثم
جففتها وهي تمد اصابعها البيضاء اليه قائلة
بجذل...
"خيرها في غيرها لبسهاني دلوقتي....."
اكتفى بايماءة بسيطة وهو يخرج الحلقة الذهبية
من علبتها الصغيرة ثم وضعها في بنصرها...
ولم تتوقع ان يرفع كفها الى فمه ويطبع قبلة
بداخله خفق قلبها فورًا مستشعرة بدفء يسري
في عروقها جراء هذا القرب الحسي بينهما
ازدردت ريقها وهي تراه يرفع عسليتاه عليها
قائلا بزهوٍ شقي....
"مبروك عليكي انا ياقمراية...ياهناكي بيا...."
13
ضحكت بخجل ويدها مزالت بين يداه...فقالت
بعد لحظة....
"فين دبلتك انت كمان عشان البسهالك...."
فتح كفه امام عيناها لتجد الحلقة الفضية بانتظارها
فاخذتها وهي تبتسم بحب ووضعتها في اصبعه
قائلة بدلال....
"كده احلى...إياك تشيلها من أيدك....."
1
تبرم حمزة قائلا.... "احنا بدأنا ولا إيه....."
هزت راسها بغيرة وهي تشير على الحلقة الفضية
في اصبعه....
"أيوا طبعًا طول ما دي في إيدك...مفيش واحده هتقربلك...."
لمعة عينا حمزة بوقاحة....
"بالعكس دا دي اللي بتشدهم وحياتك...."
تخصرت مستهجنة.... "يسلام...."
اشار على نفسه بغرور....
"اسال من مجرب ولا تسأل طبيب...."
تشرسة نظراتها وكلماتها بسطوة....
"طب ياللي مجرب لو شوفت جمبك واحده
هدبحك..."
ابتسم وهو ينظر لوجهها المحتقن غضبا والغيرة
التي تبرق بعيناها.... فقال بمداعبة...
"واهون عليكي ياقمرايه...."
اشاحت بوجهها ممتنعة.... "واشمعنا ان هونت...."
دللها قائلا باسلوب مبتذل...
"عمرك ماتهوني...وبعدين في حد يسيب القمر
ويبص للنجوم....."
ضحكت قمر وهي تطرق براسها...فقال حمزة
مبتسمًا.."غزل سبعينات قديم...."
اكدت وضحكاتها تزداد فغمز هو بشقاوة
مداعبا...
"خلينا في الغزل الحصري......كلهم فيك إلا
انت كاب كيك...."
14
رفعت حاجبها بدهشة فتابع وهو يميل على
وجهها الجميل قائلا بسفالة...
"انت جذاب لدرجة العذاب...."
2
اشتعلت وجنتاها فدفعته في صدره قائلة بخجلا صارخ... "حمزة.....روح نام كفاية كده...."
ضحك حمزة وهو يبتعد عنها مطلق صفيرة
عبث طال لحنها حتى دلف لغرفته واغلق بابها عليه....فهزت قمر راسها وهي تنظر للحلقة
الذهبية البراقة باعجاب صريح كالحب في
بُنيتاها.....
...........................................................
دلف الى الشقة بعد يومًا مرهق في العمل فأول شيءٍ
تخلل الى رئتاه كان عبيرها الجوري... فأبتسم بحنين
للاميرة المدللة أشتاق لها بشدة كما أشتاق لمذاق شفتيها تلك التي تحمل مذاق (الخوخ) الناضج
الطري بسكره الاذع..
5
اغلق الباب زافرا بلوعة وهو ينادي
عليها... "داليدا ..... دودا...."
خرجت من غرفة النوم..... "انت جيت ياسلطن..."
تاملها سلطان مليا من اول راسها حتى اخمص قدميها بشفاه فارغه وعين واسعة..... "اي ده....."
دارت حول نفسها بدلال وهي تقترب
منه..."اي رأيك يجنن صح...."
كانت تتألق باحد المنامات الحريرية القصيرة باللون العناب تكشف عن نصف ساقيها وجزءا من خصرها المنحوت..تاركه شعرها الاسود الكثيف بنعومة يتأرجح خلف ظهرها بدلال...
تزين عيناها بالكحل الاسود الصريح وتضع حمرة مغوية على شفتيها التي همست بهما بنعومة...
"مالك ساكت ليه مش عاجبك....البجامة دي من ضمن الحاجات اللي كنت هموت واجربها....تحفه صح....."
عندما وقفت امامه وضع كفيه على بشرة خصرها
وسحبها منه بقوة حتى باتت في احضانه جسدها
يلتصق بجسده الضخم بحميمة مفرطة....فشهقة
داليدا وهي تضربه في صدره..
"بطل غُشمية بقا....انت عنيف في كل حاجه كده..."
نظر لعيناها بوقاحة قائلا...
"تنكري انك بتحبي كده...."
بلعت ريقها وانفاسه الساخنة تتخلل
رئتيها فهمست بضعف... "بطل قلة آدب...."
خبط راسه في راسها بخفة قائلا....
"فين قلة الادب الكلام ده مباح بين اي اتنين متجوزين...."
قالت بعناد.... "بس انا مش بحب العافية...."
"كدابة يادودا..."التقط شفتيها فجاة وسحقها بين اسنانه وشفتيه متذوق السكر الاذع بهم....
شعرت بفرشات ترفرف في بطنها وجسدها ينهار امام طوفانه العاطفي فدعمت نفسها بالتعلق بعنقه بعد ان رفعها بين ذراعيه ويده الجريئتان تسير أسفل منامتها القصيرة.....
تعشق قوته وجسده الفتي الذي يضخ رجولة
عضلية وصلابة تحب قبلاته المتسلطه التي تنهمر على وجهها وشفتيها بنهم..لمساته الجريئة وهمساته
الغير بريئة أبدًا...
2
تحب تلك الحالة عندما يغرقا بها في لذة الحب باجساد تخضع للرغبات وقلوب تعزف على الاوتار الحان توحد كلاهما على درب الهوى......
اطلق سراح شفتيها بعد لحظات فاسبلت داليدا عيناها وهي تلهث بعنف من هول هجومه العاطفي الشرس والذي يروقها بشدة فكم تعشق القوة والتحكم الذي يفرضهم عليها في عز لحظاتهما الخاصة....
وكانها تهوى السيطرة عليها..فتذكرت ان المدللات لا يقعن إلا في حب رجلًا قوي فهو كالجام يسيطر على جموحها بذكاء....
فهو يراوضها بمهارة بحركة بنظرة بهمسة يسيطر عليها هو مراوضها الشجاع وهي فرسته الجامحة العنيدة...
مسح سلطان على شفتيها اثار قبلاته....قائلا
بصوتٍ اجش.....
"وحشتيني....."
تنهدت بتوله وهي بين ذراعيه تداعب شعره
باصابعها بحب....
"وانت كمان.....ليه مشيت الصبح من غير ما تصحيني...مش تستنا لحد ما نفطر سوا....."
خبط راسه براسها بخفة مداعبًا....
"صحيت متأخر.....كله منك ومن سهرة إمبارح...."
زمت شفتيها الشهيتين....
"مش بتحب السهر يعني...."
ابتسم وهو ينهال من مرآى عينيها..
"بدأت احبه أوي....."
"مم طب يلا بقا عشان نتغدى...."قالتها بعد ان تركها بخفة لتلامس الأرض بكاحلها....
فقال سلطان بهدوء.... "ماشي عملالنا أكل إيه...."
ابتسمت بمكر وهي تخبره...
"اكلت سمك....بس إيه هتاكل صوابعك وراها...."
تعجب قليلا وسالها بشك...
"دا بجد....انتي اللي عملاه بنفسك...."
برقة عيناها بشقاوة قائلة....
"ايوا...طبعًا....دا انت هتاكل صوابعك وراها.... "
زم سلطان شفتيه مستنكرًا...
"ربنا يستر....مانا ممكن اكل صوابعي من الندم...."
قالت داليدا بتزمر....
"بطل غلاسة بقا وروح غير هدومك...."
اتجه الى الحمام قائلا.....
"هاخد دش الأول....طلعيلي هدوم وفوطه...."
اومات براسها بمحبة..... "من عنيا ياسلطن....."
بعد لحظات اطرقت على باب الحمام ثم فتحته
وهي تمد له بالمنشفة والملابس....وطلت براسها إليه للحظة فقط ثم حجبت الرؤية عن عيناها بيدها بخجلا....
"الفوطة والهدوم ياسلطن....."
انتظرت ثانيتين فقط كانوا كافلين بان يسحبها هي والمنشفة لعنده اسفل صنبور الماء الذي انساب على
كلاهما بقوة...
حاولت فتح عيناها اسفل قطرات الماء المتسارعة اعلى رؤسهما وكانتا يداه تحتوي خصرها بتملك...هتفت بتذمر لذيذ....
"اي اللي عملته ده هدومي اتبلت...."
نظر للمنامة الحريرية التي تشف مفاتنها بعد
ان تبللت والتصقت بها.... "مش مهم اقلعيها...."
لكزته في صدره مزمجرة بنبضات متسارعة...
"بطل بقا....ليه عملت كده بلتني ياسلطان بلتني...."
قربها منه أكثر هامسا بعينان تفيضان
عشقًا......
"ومالوا انشفك ياقلب سلطان......"
تنهدت بعذاب وهي تجده يغلق الصنبور ويضمها اكثر لاحضانه مدللا اياها بالقبل واللمسات حتى خارت قوتها امام اكتساحة العاطفي وسلمت الرايا للمرة التي تعجز عن عدها......
20
فتركت العنان لمشاعرها ورغباتهما المتبادله فلفهما دفئا حميمي جارف اكتسح كل القيود وانصهرت اجسادهما المتأججة معًا على صبابة الهوى......
.............................
وقفت تنظر الى السفرة الممتلأه بالطعام بفخر... بعد ان اعدت وجبة بحرية مكتملة..تحتوي على الكثير من اصناف السمك الشهي.....
تقدم سلطان منها وهو يجفف وجهه بالمنشفة
وعندما راى السفرة تمتلئ بالطعام بهذا الشكل المشهي سحب كرسي وجلس امامها والقى المنشفة
في وجهها قائلا....
"اي دا يادودا.... انتي بجد اللي عمله الأكل ده...."
نزعت المنشفة بحنق وهي تعلقها في مكانها المخصص.....هتف سلطان بصدمة وهو يتلذذ
باكل هذا وذاك بنهم.....
"الله على الجمبري... ولا الاستاكوزة.... وسمك الصياديه... ولا الزر..... دا انتي حتى متوصيه بالسلطات اتشطرتي امتى كده...."
ملى فمه بالطعام الشهي...فأتخذت داليدا مقعدا
بجواره قائلة بجذل.....
"كل بالف هنا.... بعد الأكل هحكيلك عملت السفرة الهايلة دي إزاي...."
2
"مانا هاكل....خدي دي من ايدي... " قالها سلطان
وهو يمضغ الطعام وبيده يعطيها واحدة من القريدس.....
اكلتها منه بعينين سعيدتين.....فقال سلطان
بعد لحظات وهو متلذذ باصناف الاطعمة التي
تضرب في فمه بتحدٍ كالالعاب النارية....
"الله يادودا...دا انا اتريني واخد طباخة وانا
ولا داري.."
اومات براسها وهي تسبل جفنيها بمكر...
"اه طبعا امال إيه انت مستقل بيا....دا انا شاطرة
أوي...حتى البطه اللي طبختهالك تشهد بده..."
رفع سلطان معلقة الأرز على فمه قائلا
بصدق....
"هي مكانتش أحسن حاجه بس كانت تمام يعني..
بس في اكلة السمك دي انتي عديتي...."
هرشت داليدا في عنقها قائلة....
"اااها....أمال الجواز بيعلم.....الطبخ والصرف...."
"الصرف.....يعني إيه...."سالها بتعجب وهو ملهي
في وليمة السمك تلك....
1
بلعت ريقها ثم قالت بابتسامة متدلله اودعت
بها كل تأثيرها الانثوي عليه.....
"شغل دماغك ياسلطن...اكيد يعني الاكله دي متعملتش من الهوى.....اكيد اكلفة فلوس...."
اكتفى بايماءة بسيطة وهو يمضغ الطعام
سائلا...
"اه بس حلوة...وخدتي كام بقا من الدرج..."
ترقعت باصابعها قبل ان تلقي القنبلة فوق
رأسه...
"كل الفلوس اللي في الدرج...."
توقف عن الاكل وهو ينظر اليها كالمدفع
الرشاس... "نعم...."
رمشت بعيناها بتخوف لكنها سريعًا مدت له واحده من القريدس الشهي..... "كمل أكلك وقفت ليه....."
نزع القريدس من يدها ووضعه في الطبق
قائلا بغضب يتطاير من عيناه....
"لا ماهو انا مش هكمل غير لما افهم....صرفتي الفلوس كلها في الاكله دي....إزاي دا مبلغ كبير ياهانم...."
قالت بتذمر خارج حدود النص.....
"بدانا بقا بهانم ومدام ومش هنخلص....قولي يانسه انا بحب انسه اكتر....."
8
ضرب على سطح الطاولة بغضب...
"دا كان زمان.....دلوقتي بقيتي مدام وعلى اساسه
تصرفي...."
لوحت بيدها بضيق..... "الله بقا...."
ضاقت عينا سلطان بشك....
"انت بتوهي الكلام ليه....صرفتي الفلوس كلها إزاي في طبخة واحده دا مبلغ يكفي مصاريف شهرين...."
نهضت من مكانها تقول باحتقان....
"لا بقا ماهو مش لدرجة شهرين برضو ...دول اتصرفوا في يوم.....هو انت مش عايش في
الدنيا ولا إيه.... "
"اتصرفوا ازاي يعني......"تصلب فكه وهو يسالها
بنفاذ صبر....
قالت بابتسامة واسعة مستفزة...
"هو انا مقولتلكش....."
4
رد لها الإبتسامة بوحشية..... "لا مقولتليش....."
قالت ببراءة كالحمل الوديع....
"بصراحه انا نفسي هفتني على جمبري واستاكوزا
فقولت إيه....."
نهص سلطان عن مقعده قائلا بهدوء ما قبل
العاصفة.....
"تنزلي السوق تشتريهم وتطبخيهم زي اي ست بيت شاطرة وعاقلة بتعمل كدا.."
هزت داليدا راسها وهي ترفع راسها بفخر...
"لا غلط.....طلبت اوردر عن طريق النت...من حتة مطعم فاتح جديد يالهوي ياسلطان شايف الاكل وجماله..."
6
ضحك سلطان بهزل مشككا بهذا....
"انتي عايزة تشليني بطلي هزار بقا وقوليلي صرفتي الفلوس في إيه.....و لو شيلاهم روحي هاتيهم..."
اخبرته داليدا بهدوء استفزه بشدة وكانها تلقي
نشرة إذاعيّة معتادة......
"والله العظيم طلبت أوردر...وبصراحه متأخروش كتير مسافة السكة ولقتهم تحت.....خليت اسامة يحاسبهم.. وياخد منهم الأكل.... جدع اسامة مش
زي الجحش الصغير يحيى.... انا مش عارفه توأم ازاي دول... "
اشار سلطان على السفرة وكاد ان يصاب بأزمة
قلبية......
"يعني الأكل ده مش انتي اللي طبخاه...."
هزت راسها بنفي وهي تقول بلطف...
"لا دا جاي من المطعم....بس انا لسه مسخناه في المكرويف عبال ما انت خدت دش يعني.. ورصيت السفرة لوحدي.... يعني برضو مجهود يتحسبلي طبعًا....."
4
شمر سلطان عن ساعديه مؤكدا...
"طبعًا مجهود يتحسبلك... في اخر دقيقة في
عمرك..."
5
تحركت داليدا من امامه تدور حول طاولة
الطعام.....
"انت هتعمل إيه...متتهورش ياسلطن...هنخسر
بعض عشان ملمين...."
4
احتدت نظرات سلطان وهو يدور حول الطاولة
بغضب محاول الإمساك بها....
"ملمين ؟!...وبتقوليها في وشي مبلغ زي ده بقا ملاليم بنسبالك عجبت لك يازمن...ادي اخرت اللي يتجوز عيله..."
شهقة داليدا بصدمة فوقفت مكانها متخصرة وهي تهز جسدها بميوعة......
"مالها العيلة ماانت كنت من شوية دايب فيا دوب..
ولا خلاص خلصت حاجتي من جارتي...."
4
"انتي كمان بتبجحي.... تعالي هنا...."دار حول الطاولة بغضب لكنها كانت كالفأرة الصغيرة
تركض هنا وهناك بخفة دون ان يستطع
مواكبتها في الشقاوة والعفرته....
3
قالت داليدا وهي تئن كالاطفال....
"حرام عليك هتضربني عشان حبيت ابسطك واعملك اكله حلوة...."
تحدث سلطان من بين اسنانه بغضب...
"وانتي لازم تخربي بيتي عشان تعمليلي اكله
حلوة.. ما تشمللتيش ليه زي اي ست شاطرة
وعملتيها بنفسك...."
قالت بتبرم وهي تقف مكانها....
"يسلام هو دا كل اللي مضايقك معملتهاش ليه...
إزاي يعني انضف السمك واحشي بطنه ازاي بس
دي ريحته بتقلبلي معدتي..يرضيك معدتي
تتقلب.... "
3
اربد وجهه غاضبا من تلك المستفزة التي ابتلى
بها على كبر.....
"لا طبعًا إزاي البرنسيسة تتعب نفسها لازم نخاف على معدتها وضوفرها...."
رفعت اظافرها الطويلة البراقة اليه وهي تقول بتحسر.....
"ضوفري هي فين ضوفري دي...دي بقت زي الزفت من ساعة ماتجوزتك...."
امرها بملامح تنذر بالشر....
"تعالي ياداليدا عشان لو جبتك بنفسي هتزعلي...."
تاففت وهي تنظر اليه بعينين صافيتين
بريئتين كالقطط الصغيرة.....
"انا مش عارفه انت مضايق كدا ليه...تكونش بخيل..."
5
هز راسه وهو يقول بضراوة....
"لا... بس اللي متأكد منه انا بقا...انك بنادمه مستهتره..."
لوحت بيدها مستهجنة....
"كل ده عشان اوردر بكام ألف..يساتر عليك....اااه"
11
صرخت عندما هجم عليها ورفعها بين ذراعيه
بغضب فقالت بزعر....
"خلاص ياسلطان....غلطة ومش هتكرر اخر مرة
ومش هتصرف من دماغي تاني...."
صاح بحنق وهو يرفعها للأعلى وكانها لا تزن
شيءٍ.....
"بعد ايه...بعد ما ضايعتي مبلغ زي ده...حرام عليكي
ياداليدا انتي مش عارفه انا بشقى قد إيه...عشان
الفلوس دي تيجي...."
3
قالت ببراءة... "يعني خسارة فيا...."
5
انزلها على الأرض وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.....محاولا التحكم في اعصابة...
"مش خسارة فيكي كنوز الدنيا... أمال انا بشقى وبتعب عشان مين ماهو عشان اوفرلك احتياجاتك
بس مش عشان تبعزقيها بالشكل ده..."
إبتسمت داليدا وهي تقرصة من وجنته قائلة
بشقاوة....
"على فكرة انا مصرفتش الفلوس كلها...لانه فعلا
مبلغ كبير ومش معقول هصرفه في وجبة
واحده لفردين....ثانيا المطعم كان فاتح جديد وانا طلبت يوم الافتتاح وكان عامل خصم كويس...
يعني وفرتلك برضو....."
رفع حاجبه مشدوها..... "دا بجد ؟!..."
هزت براسها وهي تضحك....فسالها بتعجب...
"وسيباني الف وراكي كل ده ليه... ماكنتي تقولي
من الاول كده...."
برقة عيناها بانتشاء....
"حبيت نجري ورا بعض شوية تغيير...."
11
تافف وهو يخبط كتفها بيده
برفق...."انتي مجنونة...."
سالته داليدا بفضول.....
"قول الصراحه كنت هتضربني لما رفعتني كده.."
عاد سلطان الى مقعده واجما....
"لا هضرب ولا هنيل كنت هسمعك كلمتين
وهرجع أطفح....."
عندما جلست داليدا بجواره مجددًا....قال هو على
نحوٍ مفاجئ....
"دا مش بخل ياداليدا بس انا مش بحب الاستهتار..."
اومات براسها بتفهم وهي تنظر لعيناه الحانقة
وبشرته السمراء التي تدل على شقاء وتعب
مستمر كل يومًا....
"عارفه انت عمرك ما حرمتني من حاجة سواء قبل
الجواز او بعده.. طول عمرك كريم معايا... بس
انا حبيت استفزك شوية...."
مط شفتاه بعدم رضا بعد هذا المزاح
الثقيل...فمدت يدها اليه بواحدة من
القريدس..."خد دي من ايدي ياسلطن...."
فتح فمه امام عيناها الراجية وبعد ان بدا يمضغ
القريدس تحت اسنانه الحادة اخبرها بوقاحة....
"انتي هتتعقبي على اللي عملتي ده.. بس بعد ما اخلص أكل....."
"واي هو نوع العقاب..." سالته بلؤم وهي تأسره بالنظرات الشقية...
غمز بعيناه مؤكد بعبث.... "انتي عارفه...."
27
ضحكت داليدا تلك الضحكة الرقيعة التي تتميز
بها......فهز راسه وهو يعود الى طعامه متمتمًا..
(هبلة والله...... بس بحبها.....)
..............................................................
اختفت خلف أحد الأشجار بالقرب من المنزل الفخم
او (سراية الملوك) كما تطلق عليها منذ ان زارتها
لأول مرة....
1
بعينين عسليتين محتقنتين بالغضب والضغينة نظرت
للمبنى العلوي حيث الشرف المطلة على الحديقة لا تعلم باي غرفة تمكث الشيطانه....
عضت على باطن شفتيها والدقائق تمر كالدهر وهي تقف مكانها متسمرة باعصاب مشدودة غاضبة...
بدأت الحرب ياعشيقة ابي ، ياصديقة السوء وسبب بلايا الحياة التي نوجهها كل يوم انا واخواتي... انتِ والعزرائيل سبب شقاءًا وغلبنا في الحياة....
وبعد ما تعرضت له من تحت راسك العين سامضي في طريق الثأر حتى ان ضحيت بكل شيءٍ في
سبيل ان أرى نظرة القهر في عيناكِ بعد ان امتلك مقعدك الثمين في هذا البيت !...
8
لن ادعكِ تعيشين بالهناء والراحة بعد ان ضاع عملي
وحطمت احلامي على صخرة الواقع و بعد ان قضيت
يومًا باكمله بين المجرمات والساقطات بتهمة زور
من صنع يدكِ الدنسة.....
رفعت قلنسوة معطفها على راسها تخفي وجهها عندما رأت الباب يفتح وتخرج منه احد السيارات الفارهة والتي كان قائدها....(مسعد الصاوي...)
ولم تمر الدقائق امام وجهها الشاحب وعيناها الغائرتين الا ووجدت سيارة زرقاء تخرج بعدها وقائدتها امرأة شديدة الرقي والعصرية المنفرة اما جمالها فكان به طابع الغرور فهي سيدة هذه
السراية العتيقة......
إبتسمت ببرود وهي تتقدم في اللحظة المناسبة
من تحرك السيارة.....
في سيارة كانت تستمع الهام الى أحد الأغاني...
وهي تبتسم بمزاج عالٍ فقد علمت ان مطعم شهد
اغلق اجباري بأجراء قانوني حازم وقد زعزعت
صورتها امام عاصم بكل تأكيد بعد ان اكتشف
انها بدون ذمة !....وربما يفكر الان في كيفية
التخلص منها بعد ان انتشر خبر سجنها في( شارع الصاوي) بأكمله ووصل الى العائلة الكبرى...
لن يقبل احد من العائلة تلك الزيجة فهي اخبارت
نصرة بالامر بعد ان تكتم عاصم عنه وليس هذا
فقط بل اخبرت كبير العائلة الحاج (يونس..)وهو
في مقام جد عاصم فهو العم الاكبر لمسعد.....
ربما فكرت ان تخسر( شهد)عملها ليست فائدة كبيرة
بنسبة لها فالفائدة المنتظرة رفض العائلة لها بعد
ان دخلت قسم الشرطة بتهمة تسمم احد الزبائن
والتي اثبت صحة البلاغ بعد تفتيش الشرطة لمطعمها وأكد انها مذنبة.....
وحتى ان خرجت منها بالوسطة الشكوى لم تسقط بعد وستظل نقطة سوداء في تاريخها.....
اطرقت إلهام على عجلة القيادة باصابعها وهي تقول بترفع وزهوٍ من افكارها المحبوكة....
"لعبتيها صح يالهام....ياترى هيكون اي ردك ياعاصم على الحاج يونس لما يعرف ان الهانم اللي اختارتها رد سجون وجرجرتك في الاقسام..."
خرجت الهام بسيارتها من بوابة المنزل...ثم مالت
على هاتفها تنوي إجراء اتصال بصديقاتها كي يتقابلا
اليوم في النادي فهي تريد ممارسة بعض الطقوس المفضلة لديها فبداخلها طاقة عنيفه تريد ان تخرجها في اللهو والعب....
رفعت الهام عيناها على أطار السيارة لتتوسع عيناها
بزعر وهي تجد ظلا أسود يقف أمامها فجأه وكانه
خرج من اسفل الأرض يخفي وجهه بقلنسوة سوداء
بفرو أبيض !!
ماذا...
اوقفت السيارة في اللحظة المناسبة وازداد إتساع عيناها بوجل حتى قاربت ان تخرج من محجرها...
"شـ.... شهـد....."
هتفت اسمها بصدمة فقد رفعت شهد غطاء الرأس
وظهرت ملامحها في وضح النهار ثم ابتسمت
وهي تلوح لها بدعوة الفرح !!...
الكارت التي وعدتها ان تعطيها إياه عند استلام
المجموعة !....
بلعت إلهام ريقها بعدم تصديق ماهذه القوة الجبار
اصنعت تلك الفتاة من فولاذ غير قابل للانكسار....
اخر خبر اتاها عنها كان فجرًا عندما علمت انها
وصلت بيتها بعد يومًا طويلا ومذلًا في مقر
الشرطة.....
من المفترض ان تكون الان نائمة بعد ان بكت طويلا
على خسارتها الكبيرة لعملها في المطعم وعبر الانترنت ففي الحقيقه هي أيضًا نشرة الخبر على الملأ في مواقع التواصل الاجتماعي حتى تقطع
باب رزقها من كل الجوانب بمساعدة أحد الصفحات
الصفراء.....
اللواتي يسعنا لاطفاء اي شخصٍ يلمع بريقه...وقبل
ان تقوم بهذا المخطط علمت ان شهد معروفة نوعًا
ما في مجال الطهي ويرشح إسمها وسط الكثيرين
ممن يفوقوها خبرةٍ ونجاح !!....
مما جعل الفكرة تلمع اكثر في رأس إلهام عالمة ان الخسائر ستكون أكبر من مجرد مطعم أغلق بشمع
الأحمر...
بل هو حلم وشقاء سنوات سعت لتحقيقه...فكانت
تريد ان تتلذذ بخسارتها من كل الجوانب قدر المستطاع..
2
لكن ماهذا الهراء هي هنا بعد كل هذه الكوارث والخسائر التي وقعت فوق راسها خسائر لا
يتحملها شخص عاديا....اتت لتسلمها دعوة الفرح !
ماهذا الهراء اهي فعلا ابنة (كريمة)المرأة الضعيفة
المنكسرة ؟!!....
اقتربت شهد من السيارة وفتحت بابها المجاور
لالهام وجلست جوارها بمنتهى الهدوء والسيطرة وهي تشير بدعوة الفرح....
"وعدتك اسلمهولك بنفسي أول ما استلمه..."
"شوفتي انا قد وعدي إزاي...."
رفعت الهام راسها تقول بصفاقة.....
"غريبة مش المفروض تكوني دلوقتي على سريرك
بتبكي على اللي راح.....سواء على شغلك ولا سمعتك
على النت اللي بقت على كل لسان دا في خلال تلات
ساعات بس بقيتي ترند....."
بهت وجه شهد وهي تغفل عن تلك المعلومة...
فابتسمت الهام بمكر الثعالب متأوهه بحسرة....
"شكلك لسه ما فتحتيش النت...اه صحيح هتفتحيه إزاي وانتي في المصايب دي كلها....مبروك الإفراج
هو اينعم مطولتيش في القسم وده زعلني اوي بس مسافة ما دخلتي المكان ده متهمة اتلطيتي ولتطينا
معاكي....أوه معقول هتكملوا بعد كل اللي حصل؟!!..."
ضحكت مضيفة.....
"ياشيخة دا انتي بقت سيرتك على كل لسان...."
ابتسمت شهد ببرود....
"ليه بقا قتله قتيل....مش شايفه انك بتبلغي...."
قالت الهام بخبث شيطاني.....
"انا عارفه كويس انا بقول إيه...زي ما عارفه كويس
مين هما عيلة الصاوي....ومين بيقبلوا يبقا وسطهم
ومين لا....."
رفعت شهد حاجبيها مندهشة...
"غريبة وازاي قبلوكي وسطهم....."
مطت الهام شفتيها قائلة....
"انا مش عليا غبار لكن انتي....ممم....بكرة نشوف.."
هزت شهد راسها وهي تضم قبضتها بقوة
جوارها....
"فعلاً بكرة نشوف....تعرفي انا جيالك ليه...."
زمت الهام شفتيها بملل.....
فاسترسلت شهد بشر اسود.....
"عشان أقولك ان تمن حلمي اللي ضاع ومطعمي
اللي اتقفل هو تمن خروجك من البيت ده...."
توسعت عينا الهام بصدمة لكن سريعًا ضحكة
بقوة محتقرة حديثها....
"ودي هتعمليها إزاي بقا يابنت كريمة...دا امك بذات
نفسها مقدرتش تخرجني من قلب ابوكي....دا كان
وهو معاها على السرير بينطق اسمي بدلها....ومع
ذلك كانت بتعمل نفسها طرشة وعمية عشان متشوفنيش في عنيه وقتها...."
8
جزت شهد على اسنانها وعلى تنفسها بعصبية
ولم تتمالك اعصابها اكثر من ذلك فـقبضة على
عنق إلهام ودفعت رأسها للنافذة خلفها بشراسة
فتوسعت حدقتي الهام بتخوف وأصفر
وجهها برهبة بعد رد فعلها الشرس الغير
متوقع.....
صاحت شهد بوحشية كوحشًا ثائر.....
"ملكيش دعوة بأمي...امي اشرف منك يازبالة..
على الأقل مش جايبه ابنها في الحرام زيك..."
5
خفق قلب الهام برعب وهو تحاول ان تخلص
عنقها من بين قبضة شهد القوية.....
"انتي بتقولي إيه سيبي رقبتي....."ثم اضافت
بحرقة....
"يزن مش ابن عثمان فوقي من الوهم ده....."
قالت شهد بيقين...... "ولا ابن مسعد....."
هتفت إلهام بغباء...
"عرفتي إزاي......مين اللي قالك...."
6
لاحت علامات الصدمة عى وجه شهد وسريعا
تبددت ملامحها بنشوة الانتصار وهي تبتسم
بتشفي...ثم رفعت قبضتها عن عنق إلهام قائلة بشماته.....
"دا واضح ان تخميني طلع صح....يزن فعلا مش
ابن مسعد مش كده؟!....كنت حاسة ان وراكي حكاية
كبيرة... وان قصة الحقن المجهري ده مدخلتش عليا بصاغ...."
تحسست الهام عنقها وهي تهتف
بغضب....
"غصب عنك وعن الكل ابنه......ابنه وابني....."
1
التوى ثغر شهد بسخرية قائلة بتوعد.....
"هو أكيد ابنك بس مش من صلبه... ايامك في البيت ده بقت معدودة....واقسملك بالله لهكشف سرك للكل ساعتها زي ماكان وجودي مكسب كبير ليكي هيبقا خسارة كبيرة عليكي...."
صاحت الهام بوحشية كشيطان يحتضر.....
"مش هتقدري.....لان كل دا كدب....يزن الوريث
الشرعي لعيلة الصاوي.....ابعدي عني وعن ابني
وبلاش تدخليه في دايرة الانتقام دي..."
انحنت زاوية شفتي شهد بأسى زائف قائلة
بلؤم...
"انتي اللي دخلتيه من الأول مش انا.....بيقوله
كل كدبة وليها اخر وانتي اكيد وراكي كدبة كبيرة
أوي.... وانا هجيب آخرها......"
صاحت الهام بكراهية شديدة.....
"لو مفكرة اني هقف اتفرج عليكي وانا ساكته تبقي غلطانه.....اللي حصل كان قرصة ودن ليكي...لكن انا لو عايزة اوديكي ورا عين الشمس....هلبسك قضية
كبيرة مش قضية خايبة زي دي....."
هزت شهد كتفيها بتأثر.....
"غباء منك بصراحه...ضيعتي فرصة كبيرة من إيدك....."
ثم فتحت الباب ورفعت يدها في تحية عسكرية مستفزة...."نتقابل قريب في الفرح....سلام....."
عندما ابتعدت شهد عن مرأى ابصارها..تمتمت
الهام بيدين ترتعش بخوف......
"يزن ابن مسعد......ابن مسعد...."
11
وكانها تقنع عقلها بتلك المعلومة فمستحيل ان ينكشف السر بعد عشرون عام.....مستحيل !!..
.......................................................................
بعد عدة أيام....
5
دخلت المطعم مجددًا لكن بقلب مقبوض وانفاس
تختنق واعصاب تتماسك بصلابة موجعه....
دارت حدقتاها من حولها حيثُ المعدات التي ينقلها
العمال الى سيارة نصف نقل كبيرة فها هي تصل لنهاية المطاف معه تبيع احلامها والمعدات الغالية على قلبها لأشخاص آخرين...
تشعر بانها تفارق ابنائها !....
خطت بخطواتٍ هادئة الى المطبخ الذي كان مملكتها
الخاصة فقد علقت على كل ركنًا به احلامها....هنا حلمت وهنا تمنت وهنا دعت الله...وهنا انبثق شعاع الأمل في أول نجاح لها في جذب الزبائن ...
هنا كان حلمًا عظيم وانتهى نهاية ظالمة... لكنها مؤمنة بان الله يختار لنا الأفضل وحتى ان شعرنا
ببعض الظلم والهزيمة فعوض الله ياتي في لحظة
لم تنتظر بها بديلًا !...
6
بلعت غصة البكاء وهي تقاوم بشجاعة وصلابة اكتسبتها مع مرور الوقت....
خرجت من المطعم بخطى مستقيمة وعيناها تدور في المكان بنظرة منكسرة مودعه... فقد ضاع الحلم وضاع شقاء السنين وأصبح من المستحيل العمل في هذا المجال خصوصًا بعد الأخبار المنتشرة عبر الانترنت الذي كان مصدر كبير للرزق....
1
زفرة وهي تنوي الخروج والعودة الى المنزل فقد
انتهى العمال من افراغ المكان وأصبح كما كان عندما
دخلته أول مرة.....
تتذكر جيدًا أول مرة كان بداخلها طاقة عنيفة من العزم والنجاح أرادت الانتصار واثبات نفسها أمام والدها وجميع من حولها ونسيت ان النصر ياتي
بسلاح رادع لا دونه.....
"اتفضلي ياست شهد...دول تمن العدة...."
قالها بشير وهو يعطيها رزمة كبيرة من المال...
فاخذتها شهد منه بروح مضنية وبدات في عد
المبلغ والاخراج منه وكانت أول دفعة.....
"دول للبنات اللي كانوا شاغلين معانا.....رضيهم واعتذرلهم بنيابة عني....هما ملهمش ذنب في اللي حصل.... اتقطع عيشهم بسببي...."
أخذ بشير منها المبلغ وهو يصيح
بشفقة......
"متقوليش كده ياست شهد انتي بريئة...."
زمت شفتيها بملامح جامدة...
"دا في عينك انت بس يابشير لكن في نظر الكل...
انا مذنبة وعديمة الضمير...."
نظرة للاشيء مضيفة بصوتٍ مختنق....
"انت متعرفش بيقوله اي عليا على النت... دول بيلفقولي تهم... والناس اللي المفروض زباينا وتعمله معانا سنين وعارفنا كويس... ساعة الهوجه دي
طلعوا يزمه فيا وفي شغلي...."
هفت بشير بتأثر وغضب.....
"حسبي الله ونعم وكيل... ربنا قادر يرجعلك حقك من كل اللي ظلموكي...."
زفرة شهد تنهيدة مثقلة بالاوجاع....ثم اخرجت
دفعة أخرى من المبلغ.....
"المبلغ ده ليك انت وخلود....اهو نوايا تسند الزير..
وان شاء الله ربنا يعوضكم بشغل أحسن...."
1
رفض بشير وهو يبعد يدها برفق......
"مش هينفع ياست شهد... مستورة والحمدلله.."
صممت شهد وهي تفتح كفه وتضع فيه المال
اجباري.....
"دا حقك يابشير انت ومراتك مش بجبي عليك
يعني...."
نظر للمبلغ بين راحة يده للحظتين ثم قبض عليه
بعدها يومأ براسه بحرح......
"ماشي ياست شهد كتر خيرك...."
اتجهت شهد الى خارج المطعم تنظر اليه نظرة
أخيره فمرت من جوارها السيدة(احلام) صاحبة المكتبة المجاورة لها والتي عندما وقفت امامها
قالت بترفق.....
"ربنا يعوضك خير ياحبيبتي متزعليش نفسك
اوي كده.."
اومات شهد براسها بصبرٍ.....
"الحمدلله قدر ولطف.... كتر خيرك...."
قالت أحلام بعتاب وهي تبتسم في وجهها
بمحبة......
"على إيه... لو احتاجتي اي حاجة انا موجوده..اوعي
قفلة المطعم والجواز ينسوكي شارع الصاوي...ابقي
عدي..وابقي سلميلي على قمر والنبي.. اصلها وحشتني اوي....."
لسعة عيناها الدموع لكنها قاومتها بكبرياء...
قائلة بابتسامة صافية...."يوصل ياستهم....."
"ستهم ! طب والله طالعه منك زي العسل.... تعالي
في حضني تعالي.... والله هتوحشيني...."ضمتها
احلام الى صدرها بحنان مفرط فرغم صلابة وجه
شهد وصوتها المتزن إلا ان عيناها في الحزن مأساوية شفافة للمطلع......
نزلت دموع شهد وخرجت شهقة مكتومة من بين شفتيها...فربتت احلام على ظهرها قائلة بصلابة
ورجاحة عقل.....
"جرالك إيه.... دا انا بقول انك قوية وجامدة اوعي
تبيني ضعفك لحد خليكي قوية وراسك مرفوعة
لفوق... اوعي حاجة تهزك او تكسرك الدنيا مليانه الحلو والوحش وانتي يامه هتشوفي...والضربة اللي
مش بتموت بتقوي....اجمدي كده وخليكي جدعة
وقوية للآخر.... "
"عندك حق....."مسحت شهد دموعها وهي تخرج
من احضان أحلام......
ولم تلبث إلا وهتفت بالنداء..... "بشير....."
تقدم منها بشير قائلا باحترام....
"خير ياست شهد....."
إشارة الى الافته التي تحمل إسم(مطعم الشهد..)
وقالت بغصة مختنقة......
"انت نسيت تشيل اليافته اظن ملهاش لازمه تفضل متعلقة... شيلها لو سمحت...."
أومأ برأسه بايجاب وصعد على درج السلم الخشبي
امام عيناها الكسيرتين وهي تراه يقوم بنزع الافته
كما طلبت......
حانت منها نظرة على الصاغة المجاورة لها والتي تفصلها محلا شاغر مغلق....لتجده يقف امام الصاغة
يده في جيب بنطالة بهدوء شامخ.....يتابع ما يحدث بملامح متبلدة وعينين قاتمة.......
فبادلته النظرة دون تبسم او سلام بالعين حتى وكأنهما اغراب في تلك اللحظة تحديدًا...
1
وكان الزمان يعود مجددًا للخلف منذ أشهر طويلة
في أول يومًا لها في (شارع الصاوي)كانت تقف
في نفس المكان تتابع تعليق الافته بينما هو
يبادلها النظرة باستهانه....
والان أصبح كل شيءٍ مختلف قلوبهما ونظراتهما تفصح عن الكثير فبرغم كل شيءٍ يعارض مبادئه
ونظرته الراسخة عن المرأه العاملة الطامعة في منسب أعلى من رتبة زوجة وام ، إلا انه ومع ذلك حزينا لتلك الطمة القوية التي تلقتها في عملها
والتي أديت بمنتهى القسوة لبتر الحلم من جذورة !...
3
طالت النظرات بينهما ونظرات عاصم تأسرها وتهيمن على قلبها الذي يقرع الآن بلوعة في حضور سيدهُ بسرعة تفوق الوصف....
ربما لم تكن رحلة كفاح موفقة، لكنها في نهاية
الرحلة المضنية رست على شاطئ الهوى ووقع
قلبها في غرام مؤجرها الغليظ و انتهى الأمر هنا
ومؤكد ستاخذ قصتهما محطة اخرى بعيدًا عن
شارع الصاوي وناسُ....يتبع

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

وقف عاصم امام رجلًا كبير يدعى الحاج (يونس) انه العم الأكبر لمسعد وفي مقام الجد الأكبر لعاصم وقبل كل هذا هو كبير عائلة الصاوي لذا كانت هيئته تزداد هيبة بالحية البيضاء والشعر المماثل واتقاء وايمان بسبحة الزرقاء التي تتحرك بين اصابعه برتيبة متكررة هادئة ، اما الجلسة والنظرة الجادة والهدوء البادي عليه هي شكيمة تشع تعظم وشموخ الرجال……
“خير ياجدي طلبت تشوفني…..”
قالها عاصم وهو يجلس أمامه بهدوء بعينين منتظرتين……
تنحنح الحاج يونس ثم قال بخشونة….
“أكيد بلغك الخبر اللي عمال يتنقل بين التجار في شارع الصاوي وبرا حدوده…..”
هز عاصم راسه مستفهمًا….
“خبر اي بظبط ياجدي… كلام الناس مش بينتهي وكل يوم كدبة جديدة وتأليف…..”
ضرب الحاج يونس عصاه الغليظة ارضًا ينهيه
عن المناورة في الكلام فهذا لا يليق بسنه ومكانته
في عينا العائلة الكبرى……
“بس الحكاية اللي بتتنقل الاسبوعين اللي فاتوا دول لا كدبه ولا تأليف….حقيقه حصلت وانت كنت شاهد عليها…”
التزم عاصم الصمت بأحترام بينما الغضب كان متأجج في صدره……
فاضاف الحاج يونس بتقريع…..
” زي ان خطبتك مثلا اتمسكت في مطعمها بتهمة
التسمم… وانها باتت ليله كاملة في الحجز…. دا غير
المطعم اللي اتشمع وفضحيتنا وسط الناس….شمت
اعدائنا فينا يا ابن الحاج عبد الرحمن اللي كان طول
عمره راجل يشهد الناس باخلاقه وادبه…وأمك كانت ست كُمل وإختيار ابوك ليها.. ست من عيلة محترمة… عاشت طول عمرها مع ابوك عمرنا ما سمعنا عنها حاجة وحشة… ”
أوغر صدر عاصم بالغيظ والغضب إلا انه حافظ
على رابط الجأش متحدثا…..
“معنى ايه كلامك ياحاج يونس انا عمري ما خرجت عن طوعك و كنت مثال للابن البار ليك وللعيلة كلها… من يوم ما فتحت عيني على الدنيا وانا ماسك في طرف عباية جدي شربت منه الصنعه وتعلمتها وديرة املاكه من غير ما أطلب مساعده من حد وكبرت اسمه أكتر من الأول واسمكم معاه….كبرت بيكم ومعاكم…..”
تبرم الحاج يونس موضحًا…..
“انا مش بذم في اخلاقك ياعاصم انا عارف كويس انك امتداد لاسمنا انت واحفادي باذن الله لكن
البنت اللي خطبتها……”
“اسمها شهد وهي مراتي مش خطيبتي….”قاطعه عاصم ولم يعلو صوته عن الطبيعي….
تافف الحاج يونس وهو يقول برجاحة
عقل…..
“لا حول ولا قوة الا بالله…. المثل بيقول حاسب قبل ماتناسب… والرسول عليه افضل الصلاة والسلام وصانا لما قال ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)…انت قبل ما بتختار زوجة ليك بتختار
ام لاولادك عيلة تانيه بتدمجها بعيلتك….”
ثم استرد بعدم رضا……
“والبنت دي لا مناسبة ليك ولا مناسبة لعيلتك…وبعد اللي حصل اتضح انها مستحيل تكون زوجة وام صالحة… اللي تبيع ضميرها بشكل ده تتوقع منها
اي حاجة….”
فارة الدماء في عروق عاصم فأوقفه بصوتٍ
محتد……
“حاسب على كلامك ياحاج يونس دي مراتي..مرات
عاصم الصاوي….شرفي وعرضي..وان بعض الظن
اثم… مراتي بريئة وفي حد ملفق لها القضية دي..”
التوى ثغر الرجل بعدم اقتناع….
“حتى بعد ما الحكومة فتشت المطعم واثبتت انها مذنبة..”
عقد عاصم حاجباه جافلا لوهلة…..فاسترسل
الحاج يونس…..
“مستغرب ليه فكرك هاجي اكلم معاك كده من غير ما اتأكد من الموضوع بنفسي…تفتكر انا عايز ارميها بالباطل وخلاص انا بتكلم على حسب اللي وصلني وعرفته….”
صاح عاصم بصدرٍ يحترق….
“كل ده كدب اقسملك بالله شهد بريئة…..”
رمقه الحاج يونس مستنكرًا فالزيجة باكملها تشي
بالفشل الذريع الذي سيقع على عاتقه للمرة
الثانية….فأفصح عن شكوكه بأسلوب جلي…
“ياعاصم اهلها مش من مستوانا….اخوها شغال سواق على مكروباص في موقف (…..)وابوها لا ليه شغله ولا مشغله كل شوية يتجوز ويطلق واخر واحده اتجوزها كانت….”
استغفر الحاج يونس متافف بضيق بالغ…..
” انا مش فاهم اي اللي عجبك فيها….اذا كانت
جميلة ففي اجمل منها….وبنات عائلات يتمنوا نسبنا….اشمعنى دي ياعاصم… ”
اندفع بعاطفيه يخبره دون حرج…..
“بحبها…..بحبها وعايز اكمل الباقي من عمري معاها
دا مش سبب كافي….”
نظر له الحاج يونس لبرهة ثم اضاف بجزع…
“نفس عناد مسعد لما وقف قدام أبوه زمان
وصمم يتجوز إلهام….”
فابتسم الرجل ساخرًا مضيفا…
“على الأقل إلهام قدرت تتأقلم معانا ومسمعناش عنها غير كل خير لكن خطبتك في فترة قصيرة خلت سيرتنا على كل لسان…وشمتت الكل فينا…..”
سحب عاصم نفسًا طويلًا كاد ان يقتلع أزرار قميصه
وهو ينهي الجدال بـ……
“حادثه بسيطه وربنا سترها…وانا متأكد انها ملهاش دخل فيها….وبريئة من كل التهم دي…. ”
رمقه الحاج يونس بغضب…..
“معنى كلامك انك هتكمل في الجوازه دي وهتكسر
كلامي….وهتقف قصاد مصلحة العيلة…. ”
اربد وجه عاصم فقارعه بالحديث….
“واي مصلحة العيلة في اني اسيب مراتي…يعني
هو ده اللي اتربينا عليه ياحاج يونس… أول ما تتعرض لأزمة زي دي اقولها مع السلام متلزمنيش..
مصلحة العيلة فوق كل شيء….”
نظر له الرجل بغضب كسى وجهه المجعد….
فاضاف عاصم بتقهقر احترام للسن والمكانة
التي يمتلكها الحاج يونس امامه وامام عائلة
الصاوي الكبرى……
” انا مقدرش أكسر كلامك ياحاج يونس لكن دي حياتي..وانا اختارتها وهكمل معاها للآخر…واوعدك اللي حصل ده مش هيتكرر تاني لان شهد خلاص قفلة حوار الشغل بضبة والمفتاح وانتهى لحد كده…..”
ازدرد الحاج يونس ريقه وهو يخفف من
حدته….مستفسرا بشك…..
“متأكد انها مظلومة وبريئة من التهمة دي….”
اقسم عاصم وهو ينظر اليه برجاء….
“ورحمة ابويا وامي بريئة….وكل ده اتلفق لها ظلم…”
ساله بحيرة وتعجب….
“ومين اللي ليه مصلحة يلفق لها تهمة بشكل ده….”
نظر عاصم في اللاشي بملامح صخرية
مغمغما…
“مصيري اعرفه وساعتها مش هرحمه….”
……………………………………………………………
وقفت امام احد الجدران التي تم طلائها قريبًا باللون الاسود الفحمي تأملت بعسليتاها بدقة تلك الوردة البيضاء البراقة التي رُسمت في منتصف حائط
شديد السواد ، وأوراقها الجميلة تسقط ارضًا
بانكسار حزين…..
وكانها صورة مقتطفة من حلمٍ يتيم فارقها قسرًا !…
بلعت ريقها وهي تقاوم غصة البكاء القاسية لن تستسلم لمثل تلك المشاعر سترضا بمشيئة الرحمن وتقبل بتلك النهاية…..
فيبدو انه ما كتب عليها لا مفر منه… لكن ثأرها لن تتركه طالما في صدرها نفسًا يتردد… تلك المرأه لن تفلت من بين يداها ستعرف سرها وستكشفها امام الجميع….
“اي رأيك في الشغل البشاير بدات تبان مش كده…”
اتى صوت المهندسة( آلاء)بتودد….
فنظرت لها شهد بملامح فاترة ثم سالتها وهي
تشير للحائط الأسود…..
“مين طلب منك الرسمة دي يالاء…..”
قالت آلاء بهدوء متريث….
“المعلم عاصم شافها فعجبته…دا هيكون الركن الخاص بيه فحبيت استشيره بديكور اللي يحب يعمله..واختار الديكور ده…معجبش حضرتك؟…..”
“عجبني اوي بس كئيب…..معقول هو اللي اختاره….مش دي شخصيته…”قالتها شهد وهي
تطلع على الحائط بعينين منكسرتين…..
قالت الاء بابتسامة متزنة….
“احيانا اختيارتنا بتبقى مرتبطه بذكرى معينة….مش شرط يكون نابع من شخصنا…..”
اومات شهد براسها بتفهم….
“يمكن……ممكن اتكلم معاكي شوية يالاء….”
اكدت الاء بحبور….. “ايوا طبعا انتي تؤمري…..”
وقفا معانا في شرفة الشقة التي يتم تجهيزها الان على نطاق واسع……قالت الاء بعملية….
“مفيش اي ملاحظات عند حضرتك على الشغل اللي اتعمل…لو في اي حاجه حابه تضفيها أو تغيريها انا تحت أمرك… ”
سحبت شهد أكبر قدر من الهواء البارد ثم قالت بتريث….
“مش هو ده اللي جيالك عشانه انا جايه في
موضوع تاني خالص….”
قالت الاء….. “اؤمري….”
فتحت شهد سحابة حقيبتها واخرجت منهم
رزمةٍ مالية……
“الأمر لله وحده….خدي دول يالاء….”
نظرت الاء للأموال بعلامة استفهام….
“اي دول يانسة شهد…انا لسه واخده دفعه كبيرة تحت الحساب من الاستاذ عاصم…..”
قالت شهد بنبرة حاسمة….
“دا ملوش علاقة بالشغل دا ليه علاقة باتفاق هتفقه
معاكي….”
قالت الفتاة بتوجس… “مش فاهمه اتفاق إيه…..”
بللت شهد شفتيها وهي تقول بنظرة حازمة….
“انا عيزاكي تاخدي وقتك انتي والعمال في تجهيز الشقة هو المفروض فاضل قد إيه من المهلة المتحددة…”
قالت الاء….. “أقل من شهرين…..”
قالت شهد بأمر….. “خليهم سبع شهور…..”
انعقد حاجبي آلاء….. “مش فاهمه…..”
قالت شهد بعد ان سحبت نفسًا مضطرب…
“يعني خدي و قتك في توضيب الشقة…ولو عاصم سالك قوليلوا اني طلبت منك تعديل في كذا حاجة وغيرت في الديكور اكتر من مرة وده عجزك ومخلكيش تخلصي في الوقت اللي متفقين عليه…”
قالت آلاء بعفوية….
“طب وحضرتك ليه عايزة تعملي كده…”
توترت حدقتا الاء فور نظرة شهد المحذرة
فقالت بتلعثم….”مش قصدي أدخل بـ…..”
قالت شهد ببرودة أعصاب….
“مسألة شخصية…..اتمنى تلتزمي بالاتفاق
والفلوس دي اعتبريها عربون واكيد هيبقا في
زيهم لو استمريتي في اللي طلبته منك…..”
نظرت الاء للأوراق النقدية بين يدي شهد ثم لعينا شهد الجادة والمنتظرة….فمدت آلاء يدها مستسلمة
بعد لحظات من الصمت قالت بتردد….
“اللي تشوفيه طالما مسألة شخصية ومش هضر
حد اتفقنا… ”
فوضعت شهد يدها في كف آلاء دون تردد او
تراجع عن الأمر فمن الان وصاعدًا ستواجه دون خوف او حذر !!…..
………………………………………………………………
وقفت فوق الصخور وامام البحر الهائج بامواجه الثائرة.. عاقدة ساعديها تشاهد بعقلا شارد وقلبٍ عالق في دهاليز الماضي وظلامه…..
عندما داهم انفها عطره اغضمت عيناها بتأثر وهي تعد من واحد لعشرة لترتب افكارها للمرة المائة…..
شعرت بدفء يسري في كامل جسدها كسائل وردي دافئ براق عندما اهداها قبلة حانية على وجنتها
الشاحبة هامسا بتحية الصباح المعتادة التي
أدمنت عليها…..
“صباحك شهد…. ياست الحُسن….”
اكتفت بايماءة وهي تنظر لعيناه بشوقا اخفته
تحت قناع البرود…..
“صباح النور….. كويس انك جيت زي ماقولتلي…”
ضيق عيناه وهو يقف امامها والبحر جوارهما يثور
ويتناثر على الصخور بالاسفل بينما يقفا هم على الصخور العلوية……
“واي اللي هيخليني اتاخر عليكي ومجيش…”
زمت شفتيها بعتاب…..
“دا السؤال اللي المفروض تجوبني عليه….”
وضع يداه في جيب بنطالة…”اللي هوه…..”
رمشت باهدابها عدة مرات بانفعال واذنيها ووجهها يغطى بحمرة الغضب…
“فات قد إيه على معاد فرحنا ياعاصم….”
خفق قلبه متجوبا معها
بحب…
“اسبوعين…. وعشر ساعات….”
نظرت اليه مصعوقة من تلك الدقة وعندما بادلها النظر بقوة تتوغل لقلبها الملتاع انتابها انتفاضه
خفية….وهي تجلي صوتها باتزان….
“انت غيرت رأيك ياعاصم قولي بصراحه انا مش هضايق بس بلاش تفضل معلقني كده….”
“واضح انك ناسيه انك مراتي….”أخرج زفرة
مستاءة… مابال الجميع اليوم معه الكل يختبر
صبره وقوة تحمله ؟!!…
الصبر والرحمة يالله….
قالت شهد بصلابة….
“مش ناسيه انت اللي ناسي انه كتب كتاب واننا
في حكم المخطوبين…..”
سالها ببرود… “يعني إيه…..”
رفعت شهد وجهها الابي تواجه ظلام عيناه
المستعارة بالغضب….
“المفروض انا اللي اسألك السؤال ده معناه إيه ياعاصم.. انك تستنا كل ده بعد ما طبعنا كروت
الفرح وحجزنا القاعة…..”
نظر عاصم للبحر مجيبًا….
“انا اجلت الموضوع شوية بعد اللي حصلك….”
قالت بانفعال مكتوم…
“اجلته عشاني ولا عشان اهلك رافضين….”
أدار وجهه اليها بملامح عابسة فقالت
بقسوة….
“على العموم انا هوفر عليك اللف والدوران….
طلقني ياعاصم وكل واحد يروح لحاله….”
تبادلا النظرات لبرهة وكانت ملحمة عنيفة تلفهما
في درب محتدم حتى قطع عاصم الامر بجملة
باترة…..”تمام…. يلا بينا….”
تسمرت مكانها مبهوته شاعره بسهام سامة
تخترق صدرها….. “إيه….. على فين ؟!….”
هز عاصم كتفه ببرود… “هعملك اللي انتي عيزاه….”
سالته جافلة…… “هطلقني…..”
اوما براسه بعينين صقريتين…
“زي ما تحبي… غيرتي رأيك….”
هزت راسها بنفي وهي تنظر ارضا مقاومة
غصة البكاء الحادة…
“أكيد لا بس انت واقفت بسرعة دي معقولة….”
قلدها في اخر كلمتين بتشنج….
“زي مانتي بتطلبيها بالسرعة دي…معقوله برضو…”
ازدردت ريقها بحرج….
“انا بتكلم على حسب اللي شيفاه قدامي….”
هتف عاصم بتهكم…
“وانا رديت على حسب كلامك… يلا انفذلك اللي انتي عيزاه دي تاني مرة تطلبيها وانا مش هستنى التالته…”
شعرت بنغزة مؤلمة في قلبها فقالت
بتكتف….
“واضح انك حابب ترجع لمراتك الأولى….”
صاح في وجهها بعصبية
مفرطة….
“قصدك طلقتي…….طلقتي….”
تماسكت امام غضبه السائد….
“مش هتفرق كتير كده كدا انت عايز ترجعلها….”
هتف عاصم بسخرية سوداء محدث نفسه بصوتٍ واضح….
“غيرانه الهانم مع ان طلقني على لسانها زي البانه….”
رفعت شهد اصبع التحذير….
“اتكلم بطريقه احسن من كده….انا مش
بحب التجريح..”
انزل اصبعها من امام وجهه بنفاذ صبر
هازئًا….
“لكن انتي تجرحي عادي مش كده….”
قالت بصوتٍ متهدج بالمشاعر العنيفة….
“انا بتكلم على حسب اللي شوفته منك الاسبوعين اللي فاتوا….دا غير انك قللت مكالمتنا وانا النهاردة اللي طلبت أشوفك….”
تافف عاصم وهو ينظر للبحر بنفسٍ مليئة
بالهموم……
“عشان انا في مشاكل…. في مشاكل من ساعة اخر مرة كنت معاكي فيها مشاكل فوق راسي من كل ناحية وبحاول احلها..”
المها قلبها لأجله فقالت بترفق…..
“اكيد مشاكل بسبب اللي حصلي…بلاش تقاطع
اهلك عشاني ياعاصم…..خلينا ننفصل بهدوء….”
زمجر عاصم من بين اسنانه بنفاذ
صبر…
“دي تالت مرة تنطقيها ياشهد….”
“دا لمصلحتك صدقني…..”قالتها بثبات تحسد
عليه ، فعيل صبره بسأم…..
“عليكي برودة اعصاب هتشلني….”
تحاشت النظر اليه موضحة….
“دي مش برودة اعصاب دا المنطق….”
تضخم صدره بمشاعر سوداوية…فنظر لها بانفعالا متجهمًا……
“والمنطق بيقول اننا نطلق ونسيب بعض مع أول اختبار حقيقي لينا…..إزاي بتتخلي عني بسهولة
دي وانا ماسك فيكي ومتبت…..”
لمعة عيناها بدموع وهي تنظر اليه بضعف…
“عشان مترجعش تقول ياريتني…يارتني سبتك
من الأول..”
انعقد حاجباه بعدم فهم….
“وليه هقول كده إيه اللي هيخليني أندم ياشهد….”
اعتصر قلبها قبضة جليدية فقالت…
“معرفش محدش عارف بكرة مخبي إيه….”
أعشقك ياعاصم اقسم لك انني اصل معك لقمة العشق لكني اخدعك استغلك عن قصد لكن لي اسبابي التي ربما ان عرفتها تترفق بي أو لا !..
سالها عاصم بعد لحظات من
الصمت… “انتي عايزة تطلقي….”
انعقد لسانها وطالت النظرات بينهما كالحنًا
حزين يقطع نياط القلوب…..
“واضح ان السكوت علامة الرضا…اركبي العربية….”
قالها عاصم بجمود وهو يشير على السيارة خلفهما
لم تتحرك شهد بل سألته مصعوقة.. “على فين….”
رد بنظرة جامدة وكانه يضعها تحت
الاختبار…
“على المأذون….يلا ننفصل من غير شوشرة…”
خفق قلبها بقوة مؤلمة وبهت وجهها بشدة
والأحرف تتعرقل على لسانها…
“نـ ننفضل ما اا…. مانا لازم ابلغ أهلي….”
هز عاصم راسه بجدية شديدة….
“لا بعد ما نخلص نبلغهم عشان ميضغطوش عليكي..”
هل سيتركها فعلًا بهذه السهولة….تراجعت للخلف خطوة وهي تلملم شتاتها ففلتت من بين شفتيها
شهقة هلع…..”اااه…..”
مسكها من خصرها بقوة قبل ان تنزلق قدمها
أرضا…. “حاسبي…..”
اغمضت شهد عيناها لثواني وعندما شعرت بذراعيه القويتين تحتوي خصرها وتدعمها….حتى فتحت عيناها تنظر إليه…..
تأمل عاصم عسليتاها في تلك الميلة البسيطة
فكانا كشمسان يضويان في ساعة المغيب فوق
زرقة المياة….
سالها وعيناه تتشرب من جمال
حُسنها…”انتي كويسة ياشهد….”
همست بضياع خارج حدود النص…..
“انت هطلقني…..هطلقني بجد ياعاصم…..”
عدلها بحركة بسيطة ثم تكلم بحيرة من
فهم تلك المخلوقة غريبة الاطوار….
“حيرتيني معاكي وكان انا اللي طلبت مش انتي….انتي عايزة إيه بظبط…. ”
همست باعياء وهي ترجع خصلاتها
للخلف…
“مش عارفه…..مش عارفه….”
نظر عاصم لها طويلًا ثم قال دون
تبسم… “بس انا بقا عارف….”
……………………………………………
كانت طوال تلك الرحلة القصيرة بسيارته صامته واجمة الملامح باهتة النظرات وكانه يقودها للجحيم !..
عضت على باطن شفتيها وعقلها يتأرجح بين الندم
والغضب….
هل سينتهي الأمر بهذه السرعة، وكانه كان ينتظر قرارها حتى يلوذ بالفرار…..
رمشت باهدابها عدة مرات بعصبية واذنيها تزداد احمرار ووجنتاها تلتهب غضب وقهر….يحترق صدرها بأتون حارق من الغيرة فهي بغباء ستفرط بحقها به وتتركه لغيرها ؟!..
انها تعذب نفسها وتقحم قلبها في قصة حب بائسه فلو كان متمسك بها ولو قليل ما كان ابتعد عنها سابقًا لاسبوعين كاملين متحجج بمشاكله وهو في الواقع يحاول التأقلم على بعدها !…
وكانه انزعج من ضجيج افكارها فقرر
سؤالها…. “بتفكري في إيه….”
لم تنظر اليه بل قالت باقتضاب….
“ولا حاجة….. هو لسه بدري على مكتب الماذون….”
“قربنا… ياترى بعد ما نـطـ…..”جز على أسنانه وهو يركز على الطريق سائلا بفضول وتسلية…..
” بعد ما نسيب بعض هتعملي إيه…..”
نظرت ليدها التي تضغط عليها بحنق…
“هعمل إيه… هرجع لحياتي من أول وجديد….”
سالها بهدوء…. “إزاي بعد اللي حصلك…”
لوت شفتيها مجيبة بقلة حيلة….
“بسيطه هبدأ من الصفر تاني هعمل اسم مستعار وهبدأ اشتغل بيه على النت…..”
نظر لها بدهشة مزمجر بعدم رضا…
“مفيش فايدة فيكي…. بعد كل اللي حصلك ولسه بتفكري في الشغل…”
قالت بوجوم وهي تنظر اليه بعينان تقدحان شرارٍ
وغيرة…..
“والله معرفش شغل غيره…المهم انت بقا هتعملي إيه
لم ننفصل….”
ادعى التأثر وهو يطرق على عجلة القيادة
بحزن……
“هعمل إيه…. هرجع تاني اعيش حيات العزوبية وحيد بين أربع حيطان شوية في الورشة وشويه
في الصاغه..”
ازدردت ريقها بتساؤل…. “يعني مش هتجوز تاني….”
نظر لها بطرف عيناه بخبث ثم نظر للطريق وهو يمط
شفتيه مفكرًا……
“أكيد هتجوز تاني….الواحد برضو لازم يكون في حياته ست حلوة تدلعه وتاخد بالها من طلباته…..”
غلت الدماء في راسها فقالت باندفاع
فظ……
“مش شايف انك كبرت على الدلع….وقلة الأدب…”
ضحك عاصم باستمتاع مجيبًا بشقاوة…..
“بالعكس دا سنها ووقتها…وبتفرق اوي معايا الحاجات دي…ولا انتي اي رأيك ياست الحُسن…”
نظرت امامها مقتضبة…… “انا مليش دعوة…”
قلدها عاصم بغلاظة….. “انا ملييييش دعووووه…..”
نظرت له بغضب يتطاير من حدقتاها….فقال
عاصم ببرود وهو يصف السيارة جانبًا…..
“وصلنا ياهانم……”
اشاحت شهد بعيناها عنه الى النافذة المجاورة لتجد نفسها في شارع راقي ونظيف وكانه مقتطف من قطعة فنية منمقة وامام عيناها رأت دار أزياء لفساتين العرائس ، راقيًا شكلا ومرموق الهيئة والواجهة الزجاجية تعرض أفضل وأروع
التصاميم العصرية……
خفق قلبها بتوله وهي تنظر لعاصم
بشك..
“اي ده المأذون هنا….انت بتهزر…..”
رد عاصم بجدية وهو ينزع حزام الأمان
من عليه…
“بيكتب كتاب عرسان جوا…يلا بينا لحسان
اتاخرنا عليه..”
وكانه لطمها بقوة فتسمرت للحظات وقد قتل
الأمل داخلها….فسالته بتبرم وهي تترجل من
السياره… “مستعجل اوي…..”
“فوق ما تتصوري… “مسك يدها واتكأ عليها بتملك
دغدغ أوصالها ومن ثم دلفت معه لدار الأزياء يدٍ
بيد مشهد لا يوحي ابدا بزوجين على وشك الانفصال !…
بدأت تطلع على كل ركن بهذا (الاتيلية) الفخم والذي يوجد به أحدث تصاميم لفساتين العرائس بجميع اشكالها والوانها بأذواق مختلفة….
استقبلتهما احد العامِلات بحفاوة وتهذيب ومن ثم اشارة لهما على أحد الغرف الشاسعة والتي كانت باللون أبيض ناصع يلائم رقي المكان والموسيقى الكلاسيكيّة المنبعثة منه….
في منتصف أرضية الغرفة يوجد جزءًا علويًا رخامي مصقول على شكل دائرة كبيرة كمسرح استعراضي
وعلى اليمين واليسار مرآتين كبيرتين لترى العروس
ثوبها وتقيمه هي ومن يرافقها……
تركتهما العاملة لبضعة دقائق حتى تختار العروس ثوب الزفاف وتبدأ في مساعدتها في ارتدائه….
عندما انفرد بها… تحدث وهو يضع يداه في جيبه ناظرا لها بتسلية….
“احنا حجزنا القاعة وطبعنا الكروت بس نسينا الفستان والبدلة…..”
قالت شهد بتردد….
“معنى كلامك اننا جينا هنا نختار الفستان….”
أكد بنظرة جادة مسيطرة…..
“أكيد….ياست الحُسن.. ولا انتي ليكي رأي تاني….”
اشاحت بوجهها وهي تنظر لأحد الاثواب المعروضة
على تماثيل مجسمة….
“انا عجبني ده أوي….. اي رأيك….”
اشارت لأحد الاثواب بعشوائية من شدة التوتر….فنظر عاصم للتماثيل المجسمة المعروض عليها افخم اثواب الزفاف……فأشار الى تصميم
جذبة من الوهلة الأولى فتقدم منه…..
“دا أحلى….. هتبقي زي الملِكات فيه….”
اقتربت من التمثال قائلة بحيرة وقد اعجبها
الثوب كذلك وبشدة…..
“اي حكايتك مرة ست الحُسن ومرة ملِكة انت شايفني مين فيهم….”
اجاب وهو ينظر لعسليتاها البراقة…
“الإتنين ياشـهـد…..”
سالته….. “إزاي يعني…..”
سحبها من خصرها فجأه قشهقة ووضعت كلتا يداها
على صدره تمنعه من التهور فإنهما في مكان عام ولا
يصح هذا…تخلل عطرها الطيب انفه عطرٍ انثوي جامع بين نسيم البحر وعبير الزهور…..تلاقت
اعينهما في لحنًا مميز مابين الحب والكبرياء…..
فاضاف عاصم بتأني وعينيها مأسورتين بعيناه
القوية……
“أوقات بحس انك ملكة من عصر قديم…عصر فنى ومبقاش موجود غير في كُتب التاريخ….ملكة شديدة وقاسية في الحكم على نفسها قبل اللي حوليها..
لكنها جميلة لدرجة تحير….. روحها الحلوة بطل من عنيها…اذا قربت منها وسرقت مفتاح قلبها مع الوقت هتكتشف انها أضعف واحن ست ممكن تقبلها…وان كل حاجة وحشة عملِتها كان قناع بتحمي نفسها وراه…”
تخلل الصقيع جسدها وهي تقف امامه شاعرة بالعراء
مع نظرة عيناه الثاقبة المشعة بثقة وتحدٍ ان انكرت
حديثه الذي رسخ في راسها الآن كسيف الحاد….
تراجعت خطوتين للوراء بخوف وكانها تحمي نفسها من شعورًا ما… أغرب من الحب التي تكنه له ؟!…
مسك عاصم طرف ثوب الزفاف الحريري الذي
أعجبه واشار لها….
“انا شايف ان ده احلى اي رأيك….”
قالت بسرعة وهي تهرب من عيناه….
“هجربه…”
سحبت ثوبٍ مماثل له من على علاقة الملابس واتجهت سريعًا الى احد الزوايا حيث حجرة المقياس….
نظر عاصم الى المرآة بوجه صخري وعينين تضوي
بالحب و…..التحدي……
لن يلين قلبك إلا لي ، ولن تئنِ حبٍ وضعفٍ إلا في احضاني ، وسرك سأعرفه يومًا منكِ ستروي لي
التفاصيل بنفسٍ راضية وقلبٍ مطمئن..
أعدكِ بهذا….
بعد لحظات خرجت من حجرة المقاسات…. بثوب أبيض يلمع بقماشة الحريري الذي يلتف حول قدّها بجمالًا يسحر القلوب قبل العيون ، ينزل باتساع بسيط يصل طوله لأخر كاحلها ويتدلى جزءا منه خلفها كالعروس الملكية…..
صدق حينما رآها ملكة ، ملكة متوجه على قلبه الولهان…
كان رائع التصميم الملكيّ عليها مميز وعصري رقيق الطلة رفيع شكلا ومضمونًا وكأنه يثبت انه أفضل دون ان يمتزج بقماش التل بورد أو لمعة تشغله وتفسد جماله…
وقفت على الارضية المصقولة العلوية تستدير يمينا ويسارا وهي تنظر عبر المرآتين تقيم الثوب بتأني….
اما هو فوقف كالمسحور يتأمل حُسنها بقلب يخر أسفل قدميها عشقًا…عيناه تبرق كالالعاب النارية ولعابه يسيل في فمه مشتهي رشفة من حُسنها الغلاب…..
غلاب ياسيدتي هواكـِ ، وانا المغلوب على أمري
معك..
ماهو سرك ياجميلة ولماذا تبتعدي باحزانك عني
آلاف الاميال أريد ان اعالجك واعالج قلبي بشفاءك
فمتى يحين الوقت وترفعي راية السلام….
بوجنتين حمراون وعينين خلابتين
سألته….”اي رأيك…..حلو….”
وضع يداه بجيبه وهو على بعد مسافة
منها وعيناه مثبته عليها… “انتي شايفه إيه….”
استدارت يمينا ويسار بتأني….
“بصراحه عاجبني أوي…وكانه اتعمل عشاني….”
اوما عاصم برأسه مبتسما….
“انا كمان شايف كده….حلو اوي عليكي….بس لو
حبى تجربي حاجة تانيـ….”
رفضت بهدوء وهي تتشبث باطراف الثوب بسعادة
طفلة تشع من عسليتاها…..
“لا انا هاخده خلاص انا مقتنعة بيه..”
همست سرا بروح متوهجة….
(يجنن… إزاي قدرت تقنعني بذوقك !….)
قالت العاملة بحبور و التي ساعدتها على ارتداء الثوب….
“بجد هو جميل اوي عليكي ماشاء الله…ذوق حضرتك هايل….”
وجهت الحديث لعاصم فابتسم وعيناه تأسر الكهرمان
بحب وهي تبادله النظرة بكبرياء يليق بها…
………………………………………………………………
في صباح يومًا جديد دلف الى مكتبه الخاص بكامل
اناقته يرتدي حلة رسيمة انيقة مصفف شعرها للخلف
ويضع عطره القوي المميز….
انعقد حاجباه بحيرة عندما لم يراها على مكتبها ككل
صباح……فأتجه الى مكتبه وهو يجري اتصالا بها..
عندما فتح الخط سالها بلهفة…
“انتي فين ياعصفورتي….”
ضحكة برقة وهي تثرثر كالعادة ثرثرة تشبة زقزقة
العصافير مزعجة لكنها مقبولة لجمال مغردها….
(انا في السكة…تصور عزيزة بايظة…..الكاوتش
مريح حبتين….عايزه منفاخ….روحت اشتري منفاخ
قعدت نص ساعة افاصل مع الراجل افاصل مع الراجل لحد ما زهق مني وادهوني بنفس السعر
برضو…..وكاني بهاتي مع نفسي…..)
ضحك سليم وهو يستريح خلف مكتبه مستمتعا
بثرثرتها وخفة ظلها…..
فاضافت كيان باندماج عالي….
(الإسعار ولعت يا سليم….تصور الاندومي سعره
زاد الضعف…ولا شكولاته اللي بحبها لا بجد…
يالهوووي…إمبارح روحت اشتري حاجات لجهازي
عجبتني كذا حاجة….)اضافت بروح متوهجة
بفخر….
(جبت مقشرة على شكل برايه بس تجنن…وجبت سمكة كده سلكون بتفصل الصفار عن البياض
وجبت معلقة على شكل طماطماية…..شهد قعدت تقولي الحاجات دي ملهاش استعمال مش عمليه وانتي كده بضيعي فلوسك في حاجات تافهة….)
انتفخ صدرها بالفخر…..
(بس انا مسكتش قولتلها دول من اساسيات المطبخ….ولا انت اي رايك ياسولي…)
كان على وشك التحدث لكنها اوقفته مثرثرة
بسرعة تفوق الوصف…
(استنى قبل ما تقول رايك مش انا قررت افصل فستان فرحي….في حته مصممة هايلة بتصمم
فساتين الأفراح….انا هصمم من عندها الدريس
بتاع فرح شهد…..)
ثم استرسلت بضحكة شقية….
(صحيح عمو مصطفى كلمني امبارح…يالهوي رغينا مع بعض رغي وهو بيكلمني بقا طاجن البامية اتحرق وحلف انه هياكلهولك محروق…..)
ضحكة بصخب عالٍ استفزه…
(كلتوا محروق…..انا اللي قولتله….)
طرق سليم بالقلم على سطح المكتب
قائلاً… “جدعه…..واي كمان….”
سالته بدهشة….(معقول مزهقتش من الرغي…)
برم شفتاه معترفا…..
“حقيقي كنت قربت أزهق بس مع الوقت اتعودت..”
قالت على الناحية الاخرى بابتسامة
حلوة…..
(طب كويس اديني بسليك لحد ما أوصل عارف إمبارح اتفرجت على حتة مسلسل كوري….يجنن..)
تابع عنها بملل فمعظم مكلماتهما عن المسلسلات
الكورية واللغة الكورية بالمجمل لدرجة انه علق
معه بعض الكلمات من تكرارها عليه !…
“البطل خاين وقهر البطلة تلاتين حلقة وصلحها
في آخر حلقتين….”
اكدت وهي تصحح المعلومة….
(هو دا اللي حصل فعلا بس هما كانوا خمستاشر حلقه بس…..بس في أحداث جديدة….)
اجاب بوقاحة…..
“لو فيها بوس واحضان تمام احكي….”
تخضبة وجنتاها فقالت بحرج….
(اي ده مفيش الكلام دا طبعًا….)
سالها بحاجب مرفوع بشك….. “بجد….”
(هكدب ليه انا…)
تلعثمت بحرج ففي سهرة أمس وهي تتابع اخر حلقات مسلسلها المفضل شاهدت قبلة جبارة بين
الأبطال…لكنها لن تكون أشد حرارة من قبلته
مع ايتن التي رأتها على أرض الواقع….
عند تلك الخاطرة لجم لسانها وضاق صدرها بالغضب
والغيرة وشعرت برغبة بالتقيؤ…..فصمتت لدقائق……
فسالها سليم حين ذاك بفضول….
“ليه جبتي منفاخ لعزيزة مش كنتي ودتيها لحد
صلحها….”
قالت كيان بتبرم….
(عزيزة مش بتحب تكشف على حد غريب..)
سخر منها قائلا بغلاظة… “بتكسف ولا إيه….”
صمتا قليلا فقالت كيان باهتمام فطري
حاني….
(ااه حاجه زي كده….. سليم انت فطرت…)
اجاب بنفي وهو يبتسم بانتشاء….
“اكيد مستنيكي…. عملتيلي فطار معاكي…”
عادت لعهدها بتدريج وهي تقول بمشاكسة…
(بدانا استغلال… انا اشتكيت لعمو منك على فكرة
قولتلوا بياكل سندوتشاتي..)
ضحك سليم بقوة فضحكت معه بصخب انثوي
لذيذ…..فقال سليم بتذكر…..
“عشان كده كان مصمم يفطرني قبل ما انزل…”
سالته بضجر…..(ومفطرتش ليه….)
رد بتملق محبب لقلبها…..
“فطرت لقمتين كده وقولت اكمل معاكي…اي اخبار
فرح اختك حددوا المعاد أخيرا.. ”
اكدت وهي تخرج تنهيدة حمد….
(اه الحمد لله شوفت بعد اسبوعين من التاخير حددوا معاد..الخميس الجاي والحنة الأربع…
اشتريت ساري هندي يجنن لونه أخضر…)
لمعة عيناه على ذكر الزي الهندي….فقال
بخبث…..
“على كده انا معزوم في الحنة دي….”
قالت بجدية صارمة….
(دي للبنات بس يا أستاذ… نتقابل بقا يوم الخميس في القاعة….على فكرة انا عايزة أجازة النهاردة
الإتنين…)
“مفيش اجازات عندنا شغل يا استاذة….”رفض
رفضا قاطعا…..
فقالت بتزمر……
(لا يا أستاذ من حق اي مواطن ياخد اجازة في الظروف اللي زي دي….)
رفض سليم بايجاز….. “مقدرش…”
سالته بضيق……(ليه بس…)
“ابعد عنك يومين إزاي….مينفعش….”قالها بصدق نابع من قلب مغرم بعصفورته الشقية….
ابتسمت كيان ثم حاولت معه بأسلوب الابتزاز العاطفي….
(وان قولتلك عشان خاطري….)
هز راسه برفضا وكانها تراه…… “لا برضو….”
امتقع وجهها فقالت بعنفوان….
(كده.. طيب انا هاخد أجازة رسمية لمدة أسبوع
من عمو المستشار….)
هتف سليم بقوة باستنكار…..
“ياسلام من امتى والمستشار ليه علاقة بشغلي..”
هتفت كيان بتهكم…..
(انا هخليه ليه علاقة لو مسمعتش الكلام وادتني اجازة…..)
سالها بسخرية…… “بتهدديني يعني….”
أكدت بقوة…..(فعلا بهددك….)
هتف سليم بتوعد….. “لم اشوفك ياكيان….”
قالت بفتور…..
(انا تحت على فكرة هطلع بالاسانسير…سليم..)
اعطاها كامل تركيزه فسمعها تقول
برقة…..
(افتح الدرج اللي على إيدك اليمين…)
فعل كم طلبت فوجد علبة هدايا صغيرة سوداء بشريط أزرق….سمعها تقول بحب….
(كل سنة وانت طيب ياسولي…..)
سالها وهو يحرك العلبة بين يده دون ان
يفتحها… “عرفتي منين انه النهاردة….”
قالت بحرارة وهي تدلف من باب المكتب ثم
وضعت حقيبتها على سطح مكتبها الخاص….
(من عمو حبيبي مش بيخبي عليا حاجة ربنا يباركلي فيه يارب…..)
أغلق الخط معها وفتح العلبة برفق ليجدها ساعة
رجالية أنيقة من ماركة مشهورة…..ما يميز الساعة
ليس فقط فخامة التصميم والذوق الرفيع الدال
على منتقيها لكن الاسم الصغير الذي يلمع باللون
الفضة في دائرة الساعة (كـيـان..)
إلا يكفي حبك في قلبي ، تسعي بان تكوني مع كل ثانية تمر من عمري راسخة في ذهني…
آه ياعصفورة الكناري لو تعلمين مقدار عشقي لكِ
ما ظننتِ ان ساعة في معصم يدي ستمنع نسيانك
عن عقلي ولو لدقائق ، كيف تفكرين بهذا فأنا لن أنساكِ دونها او بها…
طلت براسها من خلف باب المكتب قائلة
بمرح…..
“اي رأيك حبيت احط اسمي عليها عشان لم
نتعارك اخد هديتي اللي عليها اسمي….”
ضحكت فضحك بعدها متشارك العدوى معها
العدوى الأجمل على الإطلاق….
“كل سنة وانت طيب….”قالتها وهي تقف امام
مكتبه….فاجابها ناهضا من خلف مكتبه يفصل
المسافات بينهما….
“وانتي طيبة ياعصفورتي…”
عندما وقف امامها بتلك الوسامة المدغدغة
لأوصالها نظرت اليه قائلة….
“اي رأيك نحتفل النهاردة ونخرج انا وانت…”
اجاب وعيناه تحتويها وتقبلها آلاف
القبل…
“اختاري المكان وانا موافق…..”
اومات براسها بوجنتين مشتعلتين…..فوجدته يمد
يده لها قائلا بالباقة…”تسمحيلي برقصة دي….”
اومات براسها بالموافقة وهي تضع يدها
بيده… “يبيوو….”……(جميل)
تحركا خطوتين للامام وللخلف دون موسيقى على
بساط المكتب…. وكان افضل ايقاع لهما في أول رقصة ، هو حفيف الهواء عند تحرك اقدامهما وصخب خفقات قلوبهما مع هدير انفاسها
المضطربة بقربه،وثقل انفاسه المنتشية
بقربها….
قال سليم بمجاملة…
“هون نيو….”…..(أمرأه جذابة…)
ابتسمت كيان بخجلا….. “كوماوو… بتتعلم بسرعة….”
(شكراً…)
برم شفتاه وعيناه تجوب في فضاء الفيروز….
“من كتر ما بتكلمي زيهم…..واضح ان كان طموحك
واحد كوري….”
اكدت بصراحة مطلقة….
“دي حقيقه بس طبعًا لما عرفتك غيرت رايي…”
سالها وهو يملأ رئتاه من عبيرها الياسميني..
“ازاي بقا…”
بللت شفتيها قائلة بتوله….
“اكتشفت ان مفيش احسن من ابن بلدي
سرانغي…”
انعقد حاجبا سليم بعدم فهم….
“معناها إيه الكلمة الاخيرة دي… مش فاهم….”
ضحكت وهي تنزع يداها عنه واقفه امامه بتهذيب معترفة بشجاعه….. “يعني بحبك بالكوري….”
تسمر مكانه للحظات غير مصدقا بعد….
فسالها بتأني….
“دا مش وقت كوري خالص…. قولتي إيه… ”
تنهدت كيان بعذاب معترفة
بحرارة…
“بحبك…..بحبك ياسليم…..”
لم يرد بل فصل المسافة بينهما مندفعًا نحوها يريد سحق تلك الشفاه الشهيه حتى يرسخ تلك الذكرى الجميلة للأبد بينهما…..
لكنها ابتعدت للخلف مزمجرة بسوقية….
“إيه…. إيه انت رايح فين هو فرح… الزم حدودك
وبطل قلة آدب…انا راحه احضر الفطار….”
قال سليم بتزمر كطفلا غاضب من عدم
نيل حلواه المفضلة…..
“النهاردة عيد ميلادي على فكرة….”
قالت متخصرة وهي تقاوم نظرت عيناه الجذابة….
“عايز ايه اكتر من هدية عليها اسمي واعترف بحبك بالكوري وبالمصري….مش شايف انك طماع حبتين..”
“كده طماع…..كيان تعالي هنا بقولك….”أمرها وهو يتقدم منها بنفاذ صبر….
فابتعدت لاخر المكتب عند باب الخروج مباشرةً….تضحك بشقاوة وهي تخبره بحزم…..
“لاه….انا راحه احضر الفطار…وهتقعد مؤدب زي كل
يوم…..لحسان اخصمك….”
زمجر بضجر….. “انتي بتكلمي ابن أختك…..”
رفعت يداها للسماء بتمني….
“يسمع من بؤك ربنا دا انا نفسي اشيل عيالها اوي..”
امتقع وجهه مقتضبا….
“عقبال ما تشيلي عيالك….فصلتيني….”
“ثواني ورجعالك….”قالتها وهي تخرج من
المكتب…..
عاد جالسا خلف مكتبه وهو يشتعل شوقا ورغبة
بها كمن يحترق على صفيح ساخن….
شقاوتكِ لذيذة.. وحبك حلوٍ.. وحديثك وضحكاتك
شهيا فأخبريني كيف اقاوم كل هذا بصبرٍ وتريث…
وانا لم اعتاد بعد على تلك الحدود التي تضعيها بصرامة وكانك تعاقبيني على ما مضى !…
الن تنسي ياكيان ؟!….
……………………………………………………….
ترجلت من السيارة برفقته وعندما استقلا المصعد
بدا يملي أوامره عليها وهي تصغي اليه بحنق شديد
وعندما زادت اوامره حدةٍ مطت شفتيها وهي تنظر
لمرآة المصعد الكبيرة حيثُ ثوب السهرة الانيق التي
اتباعته مع شقيقة زوجها كان رائع وانيق باللون الارجواني الفاتح عليه حجاب يلائمه وقد وضعت
زينة رقيقة وحمرة شفاه لامعة ترى بالعين المجردة
لان زوجها الغيور يرى ان الحمرة رمزٍ لقلة الحياء
وحتى ان كانت ذاهبة لحنة في بيتٍ بين النساء
سحبها من ذراعها لتقع على صدره العريض فورًا
بينما زمجر بخشونة….
“انا مش بكلمك بتعملي إيه….مش المفروض
لما ابقا بكلمك تقفي تسمعي وتردي على كلامي…
مش تبصي الناحيه التانيه وكاني بكلم نفسي….”
تنهدت بتعب وهي تنظر لعيناه الحانقة…كانت تظن إن اقتربا كاي زوجين ستتلاشى كل مشاكلهما وخلافاتهما للأبد لكن مع العكس احيانا تشعر
بالفجوة تزداد بينهما ربما لفرق السن ام انها المرحلة الأكثر توترًا بين اي زوجين في بداية عامهما الأول
من الزواج….
سالته بشفاه مقلوبة بتمرد…
“انت مضايق اوي كده ليه…. ممكن افهم….”
صاح في وجهها بعروق بارزة….
“اسمعي الكلام ياداليدا… مفيش رقص فوق..
مكان ما تقعدي متتحركيش سامعه…”
صاحت بتمرد في وجهه وكانت امامه تشبه الارنب
الصغير امام وحش عملاق…..
“واي فيها يعني لو رقصت… مفيش رجاله فوق كلهم
ستات….”
برقة عيناه بشكلا مخيف…..
“وانا مش عايزك ترقصي ولا حتى قدام الستات
سامعه….”
تاففت داليدا وهي تدب الارض بحذائها
العالي…..
“اوووف….خلاص مش هتزفت…دا انت نكد….”
ردد سلطان الكلمة بصدمة…. “انا نـكـد…”
عقدت ساعديها امام صدرها مكتفيه بايماءة
باردة….فمسكها سلطان بشكلا غير متحضر
حيث قبض على حجابها من الخلف مقربها
منه بهمجية عنيفة…..
لفح صفحة وجهها بانفاسه الساخنة الغاضبة
نظرت له بتخوف وهي تبلع ريقها محاولة
التخلص من قبضته…
“الطرحة هتكرمش بقالي ساعة بكويها….”
هسهس سلطان بنبرة خافته وهو يحركها
بين يده كمن قبض على لصٍ…
“انتي مبتعرفيش تقولي حاضر هيحصلك حاجة
لو قولتي حاضر ها….لا ولسانك مترين لقدام…”
قالت داليدا بضجر وهي بين يداه….
“انا لساني مش طويل وبسمع الكلام.. بس انت
اللي مفتري…حتى الرقص عايز تحرمني منه…”
“ليه واخدك رقاصة بروح امك…..ااه يابنت العضاضة… “صرخ وهو يبعد يده عنها بعد ان
سحقت جلده تحت اسنانها بعنفًا..
زأرت داليدا بوحشية….
“مالك ومال امي…فالح بس في التلفون تقولها عامله
اي ياحماتي اخبارك اي ياحماتي وحشتيني ياحماتي
تعالي اتغدي معانا ياحماتي….”
قال سلطان وهو يمسح يده اثار العضة…
“دا عشان بحبها وهي في غلاوة امي… لكن انتي…
مش عارف ليه مطلعتيش عاقلة وراسيه زيها…”
سالته بصدمة…. “قصدك اني مجنونه….”
اكد ببرود…. “مش قصدي دا أكيد….”
كانت ستنقض فوقه كالببغاء لكنه كبل
يداها مهددا…..
“متمديش ايدك هديكي بونيه اطيرك….”
فتح باب المصعد في تلك الأوقات وكان على وشك
دخوله حمزة الذي تفاجأ بوجودهما به يتشبكا بالايدي
وبعد ان ذابت الصدمه على محياه تنحنح حمزة حتى يجذب انتبهم له…
ابعد سلطان يداه عنها وفعلت هي ايضا وهي تعدل
حجابها بوجنتين حمراوان بحرج….
خرج سلطان من المصعد وهي تتبعه… صافح
سلطان صديقه قائلا….
“الف مبروك ياصاحبي عقبال ليلتك….”
رحب به حمزة بحبور….
“الله يبارك فيك عقبال مانشوف عوضك…”
ساله سلطان…. “انت كنت رايح فين كده…”
اجابه حمزة الذي كان يتأنق بطاقم شبابي أنيق
ويصفف شعره الناعم الغزير للخلف….
“الشقة اللي فوق أجرتها من صاحب العمارة النهاردة عشان قعدت الرجالة تكون فيها… والبنات يفضلوا في شقة عادي من غير ما حد يضايقهم…”
انشرح صدر سلطان معلقًا برضا
تام…
“يازين ما فكرت ياصاحبي….”
تدخلت داليدا قائلة
بحرج…
“مبروك لشهد ياحمزة….”
اجابها بجذل…
“الله يبارك فيكي نورتي المكان..” ثم أشار الى
أحد الزوايا…..
“الشقة بتاعتنا اللي في الوش دي بابها مفتوح البنات
جوا ادخللهم… وانا هاخد سلطان ونطلع نقعد مع الرجالة فوق….”
اومات داليدا براسها وهي تودع سلطان بنظرة
من عيناها الشقية وسارت باتجاه الباب كالحمل
الوديع فابتسم سلطان وهو يراقبها بحب وعندما اقتربت داليدا من عتبة الباب اطلقت الزغاريد العالية مما جعل سلطان يجفل ناظرًا لها بصدمة…..
تمتم سلطان مؤنبا نفسه…
(إزاي نسيت الزغاريط….)
اتجه مع حمزة الى المصعد حيث الشقة العلوية….
…………………………
تهللت اساريرها وهي تعانق صديقتها بسعادة…
“أخيرًا الحظر اتفك ياديدا جيتي…. دا انا كنت هقطعك لو مجتيش….”
قالت داليدا وهي تعانقها بحرار…
“مقدرش… الحمدلله انه رضي…”
نظرت داليدا الى كيان التي تتألق بزي هندي انيق ومحتشم من اللون الأخضر….ثم حانت منها نظرة
على شهد التي كانت تجلس على مقعدها بين المعازيم تتالق بزي هندي كذلك مماثلا لكنه يجمع
بين الأحمر والذهبي…..قالت بحفاوة وهي تميل
عليها لتبارك لها…..”مبروك ياشهد…”
اهدتها شهد إبتسامة رائعة….
“الله يبارك فيكي ياحبيبتي عقبال ماتشيلي عوضك….”
قالت كيان بصوتٍ عالٍ من بين صخب
الأغاني….
“دي بقا قمر خطيبة حمزة وبنت عمتنا…”
اشارت على قمر التي تقف جوار شهد والتي بدورها
انتبهت للحديث وبادلتهما الإبتسامة بلباقة….فتابعت
كيان مضيفة…..
“قمر دي داليدا صاحبتي وجوزها يبقا صاحب
حمزة اوي….”
مدت قمر يدها لداليدا قائلة
بتبسم… “نورتينا ياحبيبتي….”
بادلتها داليدا بروح حلوة….
“بنورك ياقلبي…ماشاء الله قمر وهي قمر….”
ضحكة قمر بود….. “حبيبتي انتي اللي قمر ١٤….”
مالت داليدا على شهد سائلة
بفضول….
“وريني كدا ياشهد رسمة الحنة….”
رفعت شهد ظهر يدها مبتسمة…فقد رسمت رودةٍ
رقيقة مماثلة في اليدين…..عقبت داليدا بجذل….
“الله حلوه اوي ورقيقه…”
ثم قالت داليدا بتودد….
“حلو الساري اوي…لايق عليكم انتوا الاتنين…”
ضحكت كيان وهي تنظر لاختها….
“اسكتي انا وشهد ندمنا ان احنا جبناه..”
سالتهم داليدا…… “ليه بقا..”
قالت بتبرم وهي تنظر للثوب وتطريز
المبالغ فيه…..
“تقيل اوي الواحد مش عارف يتحرك…”
تابعت شهد بضحكة مستاءة.. “وزن فوق الوزن….”
هزت كيان راسها….. “وحياتك اتقل…”ثم نظرت
الى قمر قائلة بغيرة….
“قمر انصح مننا اشترت دريس عادي…”
ابتسمت قمر والتي كانت تتانق بثوب سهرة رقيق وتطلق شعرها الغجري يتراقص بتموج مجنون خلفها…”انا قولتلكم بلاش…..مسمعتوش الكلام…”
“هو حلو بصراحه بس مكتفني….”قالتها شهد ثم صدح هاتفها في حجرها وعندما ابصرت اسمه
ينير الهاتف خفق قلبها قائلة بلهفة…..
“عاصم بيرن هرد عليه وجيلكم….”
عندما دخلت الغرفة واغلقت الباب خلفها خف صوت ضجيج الاغاني قليلاً ثم فتحت الخط ووضعت الهاتف على اذنها……
(الحلو بيعمل إيه….)
اغمضت عيناها متنهدة بتوله….
“يعني قعده مع الناس وكده….شوفت الصورة اللي
بعتهالك…اي رايك لايق عليا… ”
دللها بالغزل الصريح…..
(عيب تسالي السؤال دا ياست الحُسن انتي اي
حاجة تليق عليكي….انتي اللي بتحليها..)
بللت شفتيها بحياء….. “انت شايف كده…..”
دللها بالكلمات…..(انا مش شايف غيرك….)
ضحكت برقة سائلة… “اي اخبار الحنة عندكم…”
تكاد تقسم ان الضحكة تشمل وجهه الآن وهو يخبرها..
(زي الفل طبل وزمر وحاجه اخر حلاوة…كدا كده
كلها ساعة وماشي…)
انعقد حاجباها….. “رايح فين….”
اخبرها عاصم بلؤم….
(حكيم عامل سهرة كده…..لتوديع العزوبية….)
داهم صدرها فجأة شعور الغيرة فقالت
بتساؤل….
“وعبارة عن اي بقا السهرة دي….”
أجاب بإيجاز…
(خمرة وحريم… واحتمال نلعب قمار….)
هاجت بغيظ….. “انت بتهزر ياعاصم….”
ضحك بجاذبية ذاب قلبها معها بينما
أخبرها بهدوء…..
(هقولك اي طيب… سهرة عاديه مع ناس صُحابنا… اقصى حاجة في السهرة دي شيشه….)
سالته بفضول…
“انت أول مرة تروح يعني….”
اجابها عاصم مفكرًا….
(يااه عملتها قبل كده زمان….لم حكيم قرر يتجوز
لاول مرة….) فلته ضحكة من بين شفتاه فضحكت
معه وكانه اصابها بالعدوى…
كان يبدو سعيدًا جدًا ، سعادة تفوق الوصف وكانه
إمتلك العالم بزواجه منها….
عندما تلاشت ضحكاتهما بتدريج سالته شهد
بفضول….
“بتضحك على ايه… اي اللي حصل يومها….”
اجابها وهو ياخذ أنفاسه….
(يومها كان بيشرب وبيعيط… وكانه رايح ينتحر…
مع ان كررها مرتين بعد كده…)
همهمت بتهديد انثوي….”ويترى انت ناوي تكررها….”
اجابها دون تقهقر….
(اتجوزك بس وبعدين نشوف الموضوع ده…)
رفعت حاجبها…… “ياسلام…”
غير مجرى الحديث قائلا…..
(علا اختي وصلت النهاردة…. عشان تحضر فرحنا..)
خفق قلبها بتوتر….. “بجد….و سألتك عني….”
اجابها عاصم مبتسما بسخرية….
(سؤال بس دي خدت تقرير مفصل عنك… وصورك كلها بقت معاها….)
همست بارتياع…. “انت بتخوفني ليه ياعاصم….”
بث بها الطمأنينة قائلا بحنو….
(لا متقلقيش علا مش هتلاقي اطيب منها… بس هي
فضوليه شويه….المهم..)
ردت بهمهمات فاسترسل هو قائلا بعبث….
(انا ممكن اكنسل سهرة حكيم واجي اقضي معاكي اليوم اي رأيك…..)
رفضت بترفع…..
“مش هينفع…. عشان انا مش فاضيه….”
همهم قائلا بوعيد شقي….
(ماشي ياعم المهم كلها سواد الليل وتبقى في حضني ساعتها…قول على نفسك يارحمن يارحيم…)
امتقع وجهها بعنفوان… “المفروض اطمن كده ولا أخاف….”
أكد بوقاحة وهو يتأنى في نطق الكلمات…
(الإتنين ياست الحُسن…. انا عايزك تنامي كويس
وترتاحي عشان سهرتنا بكرة صباحي….)
احمر وجهها واذنيها بخجلا لذيذ فقالت
بضيق….. “عاصم….”
(يسلملي الخجلان…..) ضحك بنشوة وكانه يرى تخضب وجهها الشهي….
…………………………
دلف الى داخل المطبخ فوجدها تسكب (الشربات) في الاكوب الزجاجيه….
وقف قليلًا يتأملها رغم تعجله في احضر ما نزل إليه.. لكنه كالعادة حين يتصادف بها يتعرقل قلبه وانفاسه
وعيناه تتسمران عليها كالمسحور…..
قدها الممشوق جسدا وطولا كعارضات الازياء شعرها الغجري المتراقص بفتون….وجهها البهي المزين وبنيتاها الكحيلة باغواء…..بها لمحة شعبية شامخة وقلبا حنون مفرط في الحب والعطف على الجميع….
تنحنح بخشونة حتى يجذب انتباها….فادارت
رأسها اليه مبتسمة…..
“واقف كدا ليه عايز حاجة…..”
تقدم منها قائلا…. “بدور على صناديق الساقع..”
اشارت على احد الزوايا وهي تتابع ما
تفعله…..
“مانت ركنهم أهوه…..اللي واكل عقلك… ”
تقدم منها حمزة بتساؤل…..”بتعملي إيه….”
نظرت اليه بعينين عاشقة متأملة سيمات
الوسامة به…..
“بصب شربات للضيوف….شكلك حلو… ”
رد بمجاملة….. “اكيد مش أحلى منك ياقمرايه…”
سالها بفضول وهو يراقب ما تفعله بتلك الاصابع
الطويلة النحيلة…
“في وجوه جديده برا….انتي تعرفيهم….”
قالت بتبرم وهي ترمقه شزرًا…..
“تقريباً صحاب شهد من ايام الجامعة….وانت
مركز ليه.. ”
رد بفتورٍ وهو يتأمل جمالها عن كثف….
“قبلت واحده وانا داخل كانت طالعه تتكلم في التلفون..”
سالته بضجر… “والله…وقالتلك حاجة….”
اجاب ببراءة…. “سالتني على الساعة….”
مطت شفتيها متخصرة…..
“اي المياعه دي وهي مش معاها تلفون…”
رفع حمزة حاجبه وكانه انتبه للتو….
“تصدقي صح قلة النوم دي خلتني اتغاشم…اكيد بتلفت الانتباه بس انا غشيم… ”
زمت قمر شفتيها وهي تجز على اسنانها…
“ياحبيبي….ومالك مضايق اوي كدا ليه اجري…اجري الحقها…”
تسمر حمزة مكانه جافلا فقالت قمر بتبرم والغيرة
تنخر في قلبها…..
“ماهو مش جديد عليك…..فاكر فتون ولا الرقاصة…”
انعقد حاجباه متذكرًا……
“طب فتون دي انا تقريبًا فاكر شكلها تشاش…لكن مين الرقاصة دي….”
قالت من بين اسنانها بتهكم…..
“اللي كنت بترقص معاها في القاعة يوم الحادثة اللي حصلت لعاصم….”
إرجع راسه للخلف كدلالة عن تذكره فعقب
بفتور……
“اه افتكرت…يومها هي اللي طلبت ترقص معايا وحياتك فمرضتش اكسر بخاطرها…”
زاد علو تنفسها غضبا…
“انت بارد ومعندكش احساس…”
اجابها حمزة ببرودة اعصاب….
“وانتي مجنونه….وبتنخوري في القديم….مش فاهم انتي عايزة إيه…..تكونيش بتغيري يابت….”
رمقته بنظرة نارية…
“بت؟!…خلي البت بقا ترد عليك..”
فصل حمزة المسافة بينهما وحجزها بين رخامة المطبخ ساند بكلتا يداه جوارها من الجهتين….اختلج قلبها بالخفقات فقالت بتلعثم متأثرة بعد ان تخللت انفاسه المنكهة بالقهوة رئتاها……
“ابعد شوية عيب كده….”
همس بصوتٍ أجش بالقرب من وجهها المتخضب..
“قمراية….بيقوله الحضن في الخطوبة لي طعم تاني…انتي اي رأيك….”
تشنج جسد قمر بتوتر فنظرت الى صنية المشروبات
جوارها ثم قالت بتهديد شرسٍ….
“اعملها كده وانا هرمي الكاسات دي في وشك….”
“الكاسات دا انتي خدتي عليا أوي….”نظر حمزة لها بصدمة قليلا ثم تجرأ ولف يداها خلف ظهرها بيد واحده كبلها ناظرًا لعيناها بتحدي……
جن قلبها بين اضلعها وذاب جسدها بعد هذا القرب الحميمي…..فقالت بغضب مكتوم…..
“سيب ايدي ياحمزة…..”
“يخربيت حلاوتك….”همس بها حمزة بضياح وعيناه تسافر على ملامحها وعيناها بتأني كمن يكتشف موطنه بعد الهجر !…
بعد هذا الاطراء الغير متوقع منه….ازداد توترها
اكثر فوضعت يدها على صدره تبعده عنها
“أبعد عني ياحمزة…..”
مالى حمزة عليها طابع قبلة طويلة وبطيئة على وجنتها المشتعلة……فضعطت بكفها المفرود على صدره هامسة بضعف.. “حمزة….”
حل وثاقها ووضع يده على خصرها يستشعر نعومة هذا الخصر المنحوت اما اليد الاخرى فسارت باريحيه على شعرها الغجري يلامسه بفضول تلك الخصلات الزغبية الناعمة تسحره كلما تحركت صاحبتها يمينا ويسارا بحرية….
“بتعملواااااا إيه هـنـا….”
اتى صوتٍ من خلفهما يقطع أروع وأجمل لحظة تعيشها معه او ربما اتى لينقذها قبل ان يزداد الأمر سواء وتكن اكثر من قبلة على الخد !…
ابتعد حمزة للخلف خطوة واحد قائلًا
بحنق بالغ……
“شعرها شابك في زرار القميص فبسلكوا….”
تقدمت منهما كيان قائلة بشفاه مقلوبة وهي توزع
نظرات الاتهام عليهما بالتساوي…..
“واي اللي خلاه يشبك في الزرار ؟!!..”
“انا اعرف بقا….”قالها حمزة ثم غمز لقمر دون ان تلاحظ شقيقته ثم صاح بعدها مستهجنًا……
“ماتلمي شعرك ياست فضحتينا……كل شويه يشبك في القميص واقعد اسلك….انا طالع فوق…..”
ثم نظر لاخته التي تنظر اليهما بشك أكبر….
فقال لها مبتسما…..
“عايز حاجة ياكيموو…..سلام….”
عندما خرج حمزة نظرت كيان الى قمر باتهام صريح
فرمشت قمر عدة مرات بتوتر ثم حملت صنية
المشروبات قائلة بثبات…..
“هطلع الشربات للمعازيم…”
بعد لحظات دلف من جديد الى الداخل لاحضار بعض المياة الغازية للرجال في الأعلى فوجدها تقف في
المنتصف بين النساء تتمايل على أوتار اغنية شعبية
بجسد يلين مع الاوتار وكانه آلة موسيقيّة لا تخطئ
الإيقاع…..وقف للحظات يتأملها مشدوها بجمالها
ومفتون بميل جسدها في الرقص…..
لم يتوقع ان يقدم على فعلها مقتحم جلسة النساء
مشاركها الرقص بعصاه الغليظة…..
إبتسمت قمر بسعادة وسط دهشة الجميع واستنكارهما الممزوج بالغيرة والتقريع…..
لكنها لم تبالي بل رقصت أمامه بدلال وحرفنة وكانها
تتحداه ان يتوقف….وكان هو اشد حرارة وعناد منها
فرقص معها بالعصا لأكثر من ساعة وتصفيق يزداد حرارة كلما تبدلت الأغنية لاخرى أشد صخبٍ اما
هو فيزداد تتوقا للمزيد معها بينما عيناه تداعبها بالنظرات الصريحة والهمسات التي لم يسمعها سواهما…..
اما شقيقتاه فظلا يتابعا ما يحدث بابتسامة عريضة سعيدين ببوادر السعادة التي بدأت تعرف طريقها
على وجه اخيهما……
…………………………………………………………..
هذا اليوم مختلف عن كل ما سبق في عمرها… اليوم
هي عروس ستزف الى زوجها… اليوم ستبدأ حكايتها
تاخذ منحنى اخر مختلف..
ستكون كل خطوة وتفكير بحساب اما المشاركة فهي إجباري وليست اختياري؟!….
احيانا تضع عقلها في صندوق مظلم لا يفكر إلا في السلبيات لماذا ترى الزواج سجنًا مشدد بدلًا من رؤيته حياة زوجية متكاملة اقيمت على المودة والرحمة….. والحب…
ان اخترنا(الحب أولا)وتعايشنا على هذا النحو دون انانيه او تخاذل من الطرفين لاستطاعنا جميعًا المرور دون إسقاط….
انهت (الارتست)عملها فقالت لها بابتسامة عريضة…
“كده خلاص خلصنا….بسم الله ماشاءالله..زي القمر
والميكب عليكي يجنن…..”
رمشت شهد باهدابها الكثيفة المظللة عدة مرات وهي ترى صورتها المنعكسة في المرآة…
كان وجهها يشع جمالا ورقي كانت زينة وجهها مختلفة عن اي عروس ، غير مكلفة وتشع كبرياء راقي يليق بــسيدة الحُسن…
وقفت أمام المرآة تطلع الى ثوبها الأبيض ذو التصميم الملكي والى تسريحة شعرها التي ارتفعت للأعلى باناقة منسدل الوشاح الأبيض الشفاف من الخلف بانسيابية….
اقتربت منها كيان ووقفت جوارها قائلة
بابتسامة سعيدة
“قمر اربعتاشر ياشوشو…..الميكب والفستان يجنن عليكي….أحلى واجمل عروسة في دنيا…..”
مالت كيان وقبلت خد اختها بمحبة…وكذلك انشدت قمر بصدق وهي تطلع على شهد….
“دي حقيقه فعلا…..احلى عروس في الكون…مبروك ياشوشو ربنا يكملك على خير….”
قالت خلود التي تجلس خلفهما على الاريكة…
“شهد طول عمرها حلوه…ربنا يتمملك على خير ياقلبي…. ويعوضك…..”
ردت عليها شهد بمجاملة….
“حبيبتي ياخوخه عقبال ماتفرحي بولادك….”
ثم نظرت للفتيات قائلة….
“عقبالكم ياحبايبي واثقه انكم هتبقوا احلى عرايس….”
نظرا الفتاتان لبعضهما ثم تشاركا ثلاثتهن العناق
وهم يبتسما بحب….
رفعت كيان ذراعها قائلة بسرعة….
“تعالوا ناخد صورة حلوة بالمناسبة دي…تعالي ياخلود معانا….”
قالت خلود بامتناع ومزالت جالسة مكانها…
“لا انا بطلع وحشة في الصور اتصوره انتوا….”
ابتسما الفتيات الثلاثة معًا وكانت شهد تقف بينهن وقبل ان تاخذ كيان اللقطه اقتحمت داليدا الغرفة متأنقة بثوب سهرة انيق من قماش الستان الحريري باللون( الاوف وايت) يزين من عند الصدر بقطعة قماش طويلة من التل وتلف حجابٍ أنيق حول
وجهها يناسبه…
شهقت عندما رأت شهد بهذا الشكل…
“ااااااااالله…….تجنني…..اي الحلاااااوه دي….”
ضحك الجميع على ردة فعلها التلقائية…بينما اقتربت
داليدا من شهد قائلة بفرحة عارمة…..
“الف مبروك ياشهد عسولة اوي ماشاء الله….”
بادلتها شهد الابتسامه قائلة بمحبة….
“حبيبتي ياديدا عيونك هي اللي حلوة….”
قالت كيان بغمزة شقية….
“بس اي الحلاوة دي ياديدا معقول سلطان سابك تخرجي بعد الحلويات دي كلها… ”
قالت داليدا بجزع….
“الحمدلله ربنا هداه ورضي….دا عشان شاف الفستان قبل مالبسه يعني ملوش حجه….”
قالت قمر بتململ.. “الصورة ياكيان قبل ما شهد تنزل….”
خبطت كيان على راسها متقدمه منهن….وهي
تشير لصديقتها…..
“ايوا صح….تعالي ياديدا خدي سيلفي معانا للذكرى….”
إبتسمت داليدا بحماسية…
“ومالوا…انا بحب السيلفي أوي…..”
وقفت داليدا جوار شهد ومن الناحية الأخرى قمر
وامامهن كيان التي قالت مبتسمة..
“ضحكة حلوة بقا يابنات خالتي …”
ضحك الفتيات بقوة فور نطقها بهذه الجملة فاخذت اللقطة وقتها أجمل الضحكات لأروع وأنقى نساء راتهن العدسات يومًا…..
……………
مزيج من السخرية والرهبة تستشعر بهما الان وهي تتأبط ذراع والدها نازلة معه درجات السلم الطويل الممتد المزين بالزهور والاضواء والذي ينتهي عند القاعة بقلب افخم فندق في المدينة….
في هذه اللحظة يكون الشعور المسيطر على العروس هو الحزن لفراق حبيبها الأول (الأب..)وكذلك السعادة لكونها عروس ستسلم لزوجها بيد والدها الحبيب….
لكن كل هذا صورة زائفة تمثلها الان امام الحضور اما عن شعورها فهو للاسف ميتٍ…وكأنها بين يدي غريب ترافقه في تلك الرحلة القصيرة بمشاعر باردة وقلبًا لا يتقبل اللحظة باي شكلًا من الأشكال…
كمن يمثل مسرحية ساخرة يضحك على نفسه قبل
اضحاك الجميع عليه…..
حانت منها نظرة على والدها نظرة خاطفة ثم عادت تنظر امامها حتى لا تتعرقل تحت اطراف ثوبها….
حتى هو يبدو انه يتقن الدور على خشبة المسرح ببراعة فقد اخذها من الأعلى دون كلمة مباركة كل ما قاله عندما رآها بهيئة عروس…..
(يلا العريس والناس مستنين تحت….)
وقتها سألت نفسها لماذا لم يعقب على هيئتها ولو حتى برأي سلبي محبط حينها كان سيظهر بعضٍ من اهتمامه كأب ولو بمقدار بسيط !…..
لكنه لم يفعل صمته وبرود مشاعره معها في اكثر لحظة انتظرت بها بقلب طفلة يتيمة ان يراها والدها ولو بالخطأ لكن كالعادة الابوة مجردة من قلبه والانسانية منعدمة فوقع قلبها مهشمًا على صخرة الواقع الصلبة محتفظ بالخيبات الكبرى…..
اقتربت من موقع عاصم الذي ينتظرها عند اخر درجات السلم بنظرة عاشقة تحتويها بالدفئ توعدها بالحب والسعادة…..
وكانه اشرق في قلبها شمس الحب فابتسمت برقة ممزوجة بالحياء…..
اما هو فوقف يتأملها من أول راسها حتى حذائها الذي يظهر بصعوبة من تحت اطراف ثوبها الأبيض الملكي….
آه من جمالك ياسيدة الحُسن….ملكة انتِ على عرش المُلك تجلسين حُسنك سيفٍ رادع للحاقدين ، عيناكِ سهمٍ ذابح للكارهين صمتك سحرٍ يذعن له السواحر
وعندما تطلي ياغاليتي يقف الكل مشدوهًا مبهورًا فانتِ حكاية ملكية لا ترى إلا بين سطور الاساطير…
كان كل مابها يدل عليها يرمز لها جمالها المميز طلتها الملكية ابتسامتها الخجولة الرقيقة سحرها الطاغي على كل شيء بُرعم رقيها وصمتها المحبب وكانها مقتبسة من كل ماهو جميل وقريب من القلب…….
لذلك كل من راها وقف يتأملها باعجاب صريح
وقتها انتبه عاصم لهذا فتمتم بقلب ولهان……
“سبحان من صورك وابدع…اللهم ياحافظ ياخير الحافظين احفظها من شر الحاسدين…..”
خفق قلبها وهي تقترب منه وتضع يدها في يده
بعد ان تركها والدها له منهي الأمر بكلمات مقتضبة لعاصم…
استغربت جدًا تلك المعاملة لكنه لم يتركها كثير
لتفكر بل وجدته يطبع قبلة فوق راسها مهنئها امام الجميع….”مبروك ياحبيبتي….”
ازدادات الخفقات صخب بين اضلعها فنظرت اليه مردده بخفوت لا يسمعه سواها وابتسامة خجولة تزين محياها فتأبطت ذراعه بعدها جالسين في المكان المخصص لهما
وقتها بدات التهنئة من الجميع وبعض الصور التي
تم التقاطها لهما من قِبل الاصدقاء والأهل….
اقتربت منها (علا..)شقيقة عاصم الوحيدة والتي تعيش في الخارج مع زوجها واولادها واتت اليوم لحضور حفل زواج اخيها وستعود بعد عدة أيام مع عائلتها الصغيرة…
تصادفت بـعلا صباحا عندما بدات تجهز نفسها لحفل الزفاف تعرفت عليها وكانت شخصية عفوية ولطيفة لكنها فضولية قليلا وهذا تعاملت معه برحابة صدر وقد مر الأمر مرور الكرام وتلاشت تلك المخاوف بعدها بتدريج……
قالت علا وهي تبارك لهما….
“مبروك ياشهد….طالعه زي القمر ياحبيبتي…”
ردت شهد مبتسمة بمجاملة….
“الله يبارك فيكي ياعلا عيونك الحلوين…”
قالت علا بمشاكسة وهي تنظر الى اخيها….
“اي يا عصوم مفيش تعالي اقعدي جمبي ياعلا ريحي رجلك شويه ياعلا هو انا مش اختك ولا إيه ولا من لقى احبابه. ”
ضحك عاصم قائلا بغلاظة…
“وهو حبك يعني الكرسي اللي قاعد عليه مالقاعة مليانه كراسي قعدي في المكان اللي يعجبك….”
مطت علا شفتيها وهي تنظر
الى شهد….
“شوفتي اتغير من أول ربع ساعة جواز…”
ضحكت شهد بحرج…..
“بيهزر طبعًا ميقدرش يستغنى عنك….”
أكد عاصم وهو ينظر الى اخته بمحبة…..
“دي حقيقة انا ليا مين غيرها….دا هي اختي
وبنتي وامي الصغيرة……”
رق قلب علا فقالت بعينين تلمع بدموع
الفرح….
“ياحبيبي وانا ليا مين غيرك.. ربنا يسعدك ويفرح قلبك ويعوضك خير..”
ثم نظرت الى شهد قائلة بصفاءٍ…..
“شهد مش هوصيكي عاصم في عنيكي…زي ما اتفقنا…وانا رقمي معاكي لو حصل اي حاجة مش هتلاقي احسن مني يسمعك وينصحك……”
إجابة شهد عليها كانت ايماءة بسيطة….فقالت
علا كذلك لاخيها وهي تربت على كتفه بحنو…
“وانتي ياحبيبي حطها في عينك دي شكلها طيبة
وبنت حلال وبتحبك…..”
اقترب يزن منهم قائلا بتزمر…..
“اي ياست علا هتفضلي لزقلهم كتير….هو مفيش غيرك ولا ايه وسعي أبارك للكينج…..”
نهض عاصم بحفاوة ياخذ هذا الصغير في احضانه بمحبة فهو بمثابة طفله الذي لم ينجبه….قال يزن وهو يربت على ظهر ابن عمه الأكبر….
“مبروك ياكينج…الف مبروك… ”
فصل عاصم العناق قائلا بابتسامة واسعة…
“الله يبارك فيك عقبال التخرج يادكتور…وبعد كده
العروسة…”
“ان شاء الله….”ثم نظر نحو شهد تلك النظرة الغريبة التي تحتار في تصنيفها لاختلاط المشاعر المبهمة المنبعثة منها….
“مبروك ياشهد…..”
اكتفت بابتسامة مجاملة…. “الله يبارك فيك عقبالك….”
تدخلت علا قائلة بمناكفة…..
“والله زمان يادكتور يزن انا فكرة من سنتين بس كنت بتقولي يا أبلة علا…..”
عدل يزن ياقة قميصه قائلا بصفاقة…
“دا كان زمان دلوقتي علا بس… ”
لكزته علا في كتفه ضاحكة فمكانته في قلبها
خاصة وغالية منذ ان حملته وهو رضيع…..
اقتربت منهم الهام وقالت بابتسامة صفراء
مباركة….
“مبروك ياعاصم……مبروك ياشهد…..”
تبادلت هي وشهد النظرات لبرهة وكانت عينا الهام
تشتعل بالحقد والغضب ومع ذلك تمثل دورها بأتقان
كزوجة عم العريس…..
رد عاصم باسلوب فاتر…..
“الله يبارك فيكي يام يزن…عقبال ماتفرحي بيزن….”
اكتفت بابتسامة باردة ومسكت ذراع ابنها
قائلة….
“تعالى يايزن عيزاك…..”
ابتعد يزن مع امه وهو يلقي نظرة اخيرة عابرة على
شهد العروس التي خطفت عيناه وقلبه حين راها بثوب الابيض الملكي وتمنى في تلك اللحظة لو
كان هو !!….
قالت علا لاخيها بهدوء….
“عاصم هروح ابص على تيته والولاد…..”
عندما ابتعدت اخته مالى على شهد قائلا
بمداعبة….”اي حكايتك…..”
مالت عليه قليلا سائلة…. “حكاية إي مش فاهمه….”
غمزة لها بشقاوة…
“كُنتي مخبيه الحلاوة دي كلها فين….”
رفعت وجهها الابي تمنع ابتسامتها
بصعوبة….
“قصدك اني كنت وحشة قبل كده….”
هز راسه بنفي مغازلاً……
“مش صحيح… انا من يوم ما وقعت عيني عليكي وانا مش شايف غير شـهـد اسم ومضمون…..”
عضت على باطن شفتيها بخجلا… “بجد…”
اوما براسه وهو يميل عليها بالقرب من اذنها
هامسا…..
“في حاجه مهمة عايز اقولهالك لما نطلع فوق….”
سالته بفضول….. “اي هي….”
قبض على يدها برفق وامتلاك….. “لم نطلع بقا…..”
سالته بعد لحظتين من الصمت….
“هو احنا فعلا ياعاصم…. هنسافر برا مصر……”
اكد وهو يأسر عسليتاها…..
“هنسافر بلد حلوة اوي هتعجبك…..”
قالت شهد بحرج…..
“بصراحه انا أول مرة اسافر برا مصر……”
رد وعيناه تجوبان ملامحها الجميلة بتأني وتتوق….
“ودي احلى حاجة…. ان أول كل حاجة هتجربيها معايا…”
خفق قلبها ونظرت امامها شاعرة بسخونة في وجنتاها فور هذا الكلام الصريح الـ….الوقح…….
تتمنى ان تتخطى تلك المرحلة بعقلية ناضجة دون تراجع او زعر حتى لا يسخر منها ومن خوفها….
انها خائفة وكل ماتعرفه عن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة مجرد مقتطفات بسيطة جمعتها على مر سنوات عمرها السبعة والعشرون…..
فلم تكن مولعة بتلك الاشياء ولم يدفعها الفضول ابدا
للبحث عنها….كانت في عالم اخر أشد برودة وقسوة
عالم لا يقبل إلا بصلبة المشاعر وحجب الرغبات….
ولم تتوقع يومًا ان ياتي اليوم التي تنفجر فيه مشاعرها ورغباتها كأنثى على يد رجلا… وهذا ما حدث عندما ضمها لصدره لأول مرة واشبع شفتيها العذراء بالقبلات والهمسات وقتها هناك شيءٍ تغير داخلها فجأة !….
………………………………………………..
كانت تقف جانبا تاخذ لقطات للعروس من خلال عدسة هاتفها…. فوقف جوارها احد الشباب مدعي التصوير وهو ينظر اليها باعجاب…
فقد تألقت بثوب سهره جميلا من اللون (الافندر) الانيق من قماش الشفون المبطن…..وكانت ترفع شعرها الغجري للأعلى قليلاً وتزينه بمشابك للؤلؤية براقة….وتضع زينة رائعة تلائم ملامحها الشامخة بالجمال…..
قال الشاب بابتسامة جذابة…
“هاي…. نادر ابن خالة العريس…..”
ابتسمت قمر بمجاملة…. “تشرفنا….”
سالها الشاب بعد نظرة متفحصة…
“انتي تقربي للعريس ولا للعروسة….”
قالت قمر وعيناها معلقة على شاشة هاتفها تلتقط
الصور “انا بنت عمة العروسة….”
رفع حاجبه متفاجئا….. “بجد واسمك ايه بقا….”
“وانت عايز اي بقا من اسمها….” قالها حمزة بخشونة والذي وقف جوارهما حائل…..
رد الشاب بطيش مبتسم…. “عادي يامان بنتعرف….”
فارة الدماء في عروق حمزة فدفعه في كتفه
محذرًا…
“روح اتعرف في حته تانيه احسلك….”
رفع الشاب كفيه ببساطه مبتعدًا……
بينما مسكها حمزة من ذراعها
بغضب….
“انتي واقفه كدا ليه….”
سحبت ذراعها من بين قبضته
بضيق….
“بصور العروسة مالك….”
سالها من بين اسنانه بعصبية… “وصورتيها…..”
اومات قمر براسها بتخوف فمسك يدها قابضا عليها
وهي يسحبها معه بهدوء……
“تعالي معايا……”
سالته وهي تسير معه….. “وخدني على فين….”
اجابها وعسليتاه تقدحان شرار….
“هترجعي تقعدي على الطربيزة……مع كيان ومرات سلطان واياكي تتحركي من مكانك…..”
سالته بقلبًا متوهج بالسعادة….
“اي اللي حصل لده كله….”
صاح بغيرة مجنونة….
“انتي مش شايفه كان بيبصلك إزاي….”
رفعت راسها تستشف الاجابة من
عيناه….
“وحضرتك غيران بقا…..”
رد بجدية صارمة اطفأت الأمل داخلها….
“دا طبيعي انتي مش مرتبطه بسوسن….انا راجل دمي حامي وبغير اوي على اللي يخصني…..”
حتى الاعتراف بالغيرة تأبى ان تتركه يمر بصورة خاطئة توضحه بمنتهى البساطه بانه من البديهيات التي لا تحمل اي شعورٍ استثنائي لي !…..
أحرق قلبي اكثر في هواك فانا أستحق جحيمك ، تبًا
لك ولقلبٍ هواك……
ابتعدت قمر بوجها محمر بالغضب واتجهت الى مقعدها وجلست عليه وسط الفتيات باقتضاب….
انها تشعر بانها مفروضة عليه لكنها تنكر الإحساس وكانها تخشى ان ترى الحقيقة البشعة خلف هذا الارتباط ؟!!…..
……………………………
ابتسمت كيان وهي تتقدم من أحد الطاولات حاملة معها طبق كبير ممتلأ بالطعام….
وضعته امامه قائلة بإبتسامة حنونة…
“اول مالبوفية فتح عملتلك حتة طبق ياعموو.. هتدعيلي..”
نظر المستشار مصطفى للطبق بدهشة….
“بس ده كتير اوي ياكيان….”
لم تزول الإبتسامة وهي تخبره بمحبة….
“مش كتير ولا حاجة ياعموو… بالف هنا….”
نظر سليم لها بطرف عيناه قائلا بغيرة….
“وبنسبة ليا ياعصفورة مفتكرتنيش باي حاجة….”
قالت بنظرة شقية تحكي الكثير…..
“انا من رايي تيجي معايا بنفسك يا أستاذ
تشوف هتاكل إيه…”
نهض سليم مغلق زر السترة الفخمة التي يتأنق بها
اليوم برجولة فتية جذابة ومهلكة لقلبها الصغير…
“وانا موافق…. دا انا ميت من الجوع….”
عندما ابتعدا عن الطاولة في طريقهما للبوفية اخبرها
وهو يتأمل ثوبها الانيق الذي كان من قماش الشفون
المبطن باللون( الكناري)الرائع الذي كان يتناسق معها
ومع شعرها البندقي المنساب على كتفها باريحية….
“بس اي الحلاوة دي ياعصفورتي.. اللون الكناري هياكل منك حته….”
رفعت عيناها الفيروزية مبتسمة
اليه…
“انا بحب الون ده أوي…..”
“وانا بحبك أوي….”اجابها بحرارة وهو يأسرها بالكلمات والهمسات…..
خفق قلبها فنادت عليه بدلال…. “سلييييم….”
مسك يدها قائلا برجاء…..
“قوليها ياكيان عايز اسمعها تاني منك…..”
تنهدت بلوعة الحب فهو لا يمل من هذا الطلب
وهي لا تيأس من تكراره……
“بحبك…بحبك اوي ياسليم….”
قبلها بعيناه الاف القبل مجيبا بحرارة
العواطف…
“وانا دايب فيكي… ياروح سليم….”
ابتسمت وهي تشبك يدها بيده متجهين الى احد الزوايا حتى ينفردا قليلًا بعيدًا عن الضجيج والناس لبعضٍ من الوقت……
…………………………
على أوتار الموسيقى الناعمة احتوى خصرها بيداه وقربها منه فاحاطت هي عنقه برفق بيداه وساعدها الكعب العال بكسب طولا اضافيا لها…
كانا متعانقا بحب يتمايلا على اوتار الموسيقى بقلوب
متشابكة بالغرام وعيون تتحاور بالغة سرية مميزة…
“حاسة ان الناس كلها بتبص علينا….”
ابتسم عاصم وهو يضمها الى صدره متعانقا
بشكلا صريح…..
“ركزي معايا انا ياست الحُسن وسيبك من الناس…”
همست بحرج بالغ….. “عاصم…. الناس….”
همس جوار اذنها بصوتٍ أجش…..
“غمضي عينك وانسي كل حاجه….وافتكري بس
انك في حضني…..”
اه من جمال الاحساس وروعة شعوره انه الوطن الذي لم أكن ابحث عنه يومًا رغم غربة قلبي وشقائي لم أبحث عنه فاتى ليكن موطني واماني……
ضمها عاصم الى صدره بشوق يستشعر جسدها الغض بين يداه.. امتلاكه لها بعد معافرة وعذاب، جولة تلو الاخرى جميعها أشد قساوة ووطأة…آه من لذة السعادة والانتصار بعد ان تخطى كل هذا وفاز بها اخيرًا. وها هي أصبحت زوجته امام الله والجميع…..
سحب أكبر قدر من عبيرها الطيب وهو يضمها الى صدره اكثر حتى شعر ان عظامها اللينه ستنكسر بين يداه….
ابتسمت داليدا بحزن وهي تنظر الى هذا المشهد الشاعري الرائع فيبدو انهما عاشقان منذ الازل…..
بينهما كيميا رائعة وكانهما خلقا لبعضهما والحب مزيج دافئ وردي يشع من خلالهما…..
شعرت بنغزة في قلبها ماذا لو كانت ارتبطت بسلطان بعد قصة حب مولعة بالمشاعر المتبادلة بينهما هل كان الأمر اختلف عن الآن….
أكيد فالحياة الزوجية يجملها الحب ومن الاساسيات التفاهم والاحترام والثقة المتبادلة بين الطرفين حتى تكن علاقة متكاملة….
الثقة !…
شعرت به يعانق خصرها ويميل عليها هامسا بملل..
“مش يلا بينا بقا يادودا…. الوقت اتاخر وانا بكرة عندي شغلي بدري في الورشة….”
اومات براسها بتفهم وهي تبتعد معه الى باب الخروج من القاعة بعد ان ودعتهما مستأذنه بالمغادرة…..
…………………………………………………………….
نظرت بعيناها متأملة هذا الجناح الفخم الأنيق والمتكامل بقلب الفندق الذي اقيم به حفل
الزفاف…..
سمعت الباب يغلق خلفها وعاصم يتقدم منها بخطوات هادئة ازدردت ريقها وهي تراه يقف امامها
بتلك الجاذبية المميزة به والرجولة المدغدغة لأنوثتها…
“مبروك ياعروسه….”
ابتسمت وهي تسبل اهدابها
بحياء….
“الله يبارك فيك….”
مسك عاصم فكها الناعم ورفع وجهها اليه برفق
قائلا بصوتٍ مسحورٍ بجمالها….
“تعرفي اني بقالي فترة بحلم باليوم ده…”
سالته بخفقات مضطربة….. “لدرجادي….”
اكد وعيناه تأسرها بعاطفة جياشة…
“واكتر… انتي متعرفيش انتي اي بنسبالي ياشهد..”
مرر ابهامه على بشرة فكها مضيفًا بحرارة…
“اه لو تعرفي اللي جوا قلبي ناحيتك…”
اغمضت عيناها وكانها تستريح على مرسى
الهوى معه…فقال عاصم وهو يبعد يداه عنها…
“احنا لازم نصلي… تحبي اساعدك عشان تغيري الفستان….”
فتحت عيناها وهي ترقض
بخجلًا..
“لا انا هعرف اغيره….”
اوما براسه متفهمًا..
“تمام غيري انتي في الاوضه وانا هغير هدومي واتوضى… بس متتأخريش عليا…”
هزت راسها بانصياع وهي تبتعد… “حاضر….”
“شـهـد..”
نظرت اليه بحيرة فمد يده لها كي تتقدم منه ففعلت
على استحياء…. وعندما وصلت اليه سحبها الى
احضانه وضمها اليه بتوله وهي كذلك عانقت خصره
بكلتا يداها بحرارة وكانها تستريح بعد عناء….
“اه من حلاوة حضنك ياشـهـد….”
ذابت اعصابها مع كلماته وانهار قلبها بين اضلعها مسلم الرايا….
ابتعد عنها قليلاً وطبع قبله على
وجنتها….
“يلا عشان منتأخرش عن الصلاة….”
ثم نظر لعيناها قائلًا بمشاكسة…
“متاكده انك هتعرفي تقلعي الفستان لوحدك….”
اومات براسها بحياء وهي تنزع جسدها من بين
يداه مبتعدة الى غرفة النوم مغلقه الباب خلفها…
بعد لحظات وقفت خلفه بخطوتين باسدال الصلاة تقف بين يدي الله تسمع ترتيل القرآن بصوت عاصم الخاشع في وقفته امامها…..
شعورٍ جميلا احتواها جراء تلك الخطوة الروحانية
منه ، فلم تتوقع ان يكون أول شيء بينهما هو
الصلاة بنية المباركة في حياتهما الزوجية القادمة…
ظنت انه سيكون متلهفًا لاقامة علاقة حميمية
معها فور دخولهما الجناح…
لكنه كالعادة أثلج صدرها بافعاله الرائعة كشخصيته
فكان التلاقي الروحاني بينهما اقوى من الالتقاء الجسدي…..
ولانها الان بدت تشعر بالطمأنينة لكونها تقف على سجادة الصلاة معه تسمع الآيات الصغيرة بصوته
الخاشع الذي بث في أوصالها رجفة تميز جمال
اللحظة وقوة تأثيرها الروحاني عليهما….
بعد ان انتهت من فريضة الصلاة….اعتدل عاصم في جلسته ونظر اليها متاملا شكلها بالحجاب الذي زادها بهاءا وجمالا فقال مبتسما باعجاب…
“تعرفي ان شكلك حلو اوي بالحجاب….”
قالت بوجها متخضب
بالحياء…
“تعرف اني بفكر البسه….”
تمنى بحرارة…… “ياريت ياشـهـد….”
اسبلت اهدابها وقلبها يخفق بجنون…..
فمد عاصم يده وبدا ينزع حجابها من حول راسها
اغمضت عيناها عندما انساب شعرها خلف ظهرها
بانسيابية ناعمة….تخلل نعومته بين اصابعه ثم مالى
عليها وطبع قبلات رقيقة متفرقة على حنايا وجهها
كلمسات آلورد….
علت سرعة تنفسها وهي تشعر بالاسدال ينسحب
من فوق جسدها ومن ثم ينكشف قميص نومها الحريري الأبيض لعيناه ومعه تظهر مفاتنها
الانثويه الرقيقة….
وقف أمام هذا المشهد طويلا يتأملها بنهم فكم
كانت جميلة وشهية بهذا القميص القصير….
حملها على ذراعيه وهو ينال من شفتيها الشهية بمذاق العسل قبلها قبلة طويلة وعميقة اطاحت بمخاوفها وهواجس عقلها عرض الحائط…وبقت
معه كريشة في مهاب الريح……
وضعها على الفراش الكبير برفق ثم انضم لها بعد ان نزع ملابسه عنه وشفتاه مزالت تقضم شفتيها من كل زواية بنهم….ويداه الجريئتان تعرف مسارهما على مفاتن جسدها…
نزع القميص عنها ناظرا الى جسدها العاري بين
يداه والذي افتتن به من النظرة الاولى فتسمر
متأني في النظر اليه فهمست شهد مغمضة
العينين بخجلا صارخ…
“عـاصـم…..”
“افتحي عينك ياشـهـد…”
امرها بصوت محموم من شدة المشاعر الساخنة
بينهما….
فتحت عيناها بألق عاطفي مستجد بينهما….
داعب انفها بانفه هامسا بحب جارف….
فغرت شفتاها الحمراء المتورمة قليلا اثار
قبلاته القوية عليها بينما عسليتاها تتسعان
بصدمة جميلة….كبركتان من العسل الصافي…
أومأ براسه مؤكدًا وهو يقضم شفتها السفلى
باسنانه برقة هامسا….
“بـعـشـقـكـ ياست الحُسن….”
اغمضت عيناها شاعرة بدوامة وردية تسحبها اليه
ببطئ فتركت جسدها وقلبها يتذوقا لذات الحب
والرغبات لأول مرة بين يدي حبيبها الـ….الجريء جدًا….

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

بدأت تأخذ انفاسها وهي تلهث بسرعة قصوى…. وكانها عادت للتو من سباق، جبينها يضخ بقطرات العرق وجسدها العاري اسفل الغطاء متخدرًا من
شدة الذات….
كانت في حالة مزاجية جيدة لممارسة الحب عندما عادت للبيت فورًا تبادلا القبل والاحضان بلوعة واشتياق جعل كلاهما يكملا الباقي من الليلة على الفراش بأجساد ملتحمة منصهرة وقلوب ثملة بمشاعرٍ منتشية ويبدو ان مشهد رقص العرسان الشاعري دفعهما لتجربة الحب على طريقتهما الخاصة !….
لكم هو ممتع هذا الشعور ان تكون بين يدي من تحب يمارس الحب القوة والسيطرة عليك…أحاسيس غريبة جميلة متعبة تستشعرها بين يداه ومع ذلك التناغم بينهما يفوق الوصف وكانهما زوجين منذ
زمن بعيد…
تنهدت وهي تبتسم لترفع راسها وتضعها على صدره العاري تداعب باصابعها النحيلة الشعرات السوداء الصغيرة في صدره العريض…بينما يعانقها هو بذراعه وباصابعه يلامس كتفها العاري وبشرتها الناعمة ناظرا لسقف الغرفة شاردًا ينظم أنفاسه العالية بتدريج…
تسيل لعابه تلك المدلله من نظرة واحده تغوية ماذا ان بادلته العناق والقبلات بشوقًا وشراسة تضاهيه كاليوم مثلا…شهية المذاق هي بطعم (الخوخ..)حلوٍ ولاذع بجسد انثوي فاتن ناعم كالحرير….
“سلطن…..”
عند نداؤها ابتسم وكان رده همهمات خشنة
وعيناه معلقة على السقف…..
مطت شفتيها بدلال وهي تمسك ذقنه وتسحب وجهه
لعندها فنظر لها عاقدًا الحاجبين فقالت….
“انت ليه لحد دلوقتي مسألتنيش اذا كنت بحبك ولا لا…”
اجاب بثقة وهو يغمز لها….
“مش محتاج اسأل الجواب باين من عنوانه…”
رفعت حاجبها مستنكرة….
“ازاي بقا….”
اخبرها بثقة دون النظر لعيناها…..
“قولتي قبل كده ان مينفعش المسك إلا لو كنتي
بتحبيني….وأكيد اللي حصل الأيام اللي فاتت
بينا والنهاردة بذات أكد انك بتموتي فيا….”
ضحكت ضحكة خجولة وهي ترفع راسها عن صدره سانده على كفها المرفوع….ناظرة اليه بشقاوة….
“وليه النهاردة بذات اتأكدت…..”
“كان باين عليكي اني وحشك أوي…”سحبها من عنقها بكفه قاضمًا شفتيها بشراسة…فضحكت داليدا وهي تبعده عنها…
“مش حقيقي مكنتش وحشني….”
نظر لها بوقاحة قائلا ببال رائق….
“كدابة كل حته فيكي وقتها كانت بتنادي عليا….تبقي بتموتي فيا ولا لا…..”
تنهدت معترفة وهي تميل عليه وتطبع قبلة سطحية
على شفتيه الغليظة…
“بموت فيك اوي….ياسلطان…..”
ارجع شعرها الناعم خلف اذنها وعيناه تاسرها
بالحب سائلا بلهفة… “واي تاني يادودا…..”
طبعت قبلة أخرى قائلة بلوعة….
“بحبك ياحبيبي….بحبك أوي ياسلـطـ……”
ماتت حروف اسمه على شفتيها بعدما طل عليها بهيئته الرجولية يشبعها قبلات وهمسات جعلها تئن بين يداه بضعف مطالبة بالمزيد ، وكل جزءًا بجسدها يذوب معترف بالهوى بالانتماء لهذا الحبيب يسلم حصونه من لمسة واحدة…..
يرتوي من سقاء الحب ، فزهرة الحب تحتاج للروي باستمرار !..
دخلت بعد لحظات تسير بتغنج حافية القدمين بقميصها الأزرق القصير وبين يداها طبق زجاجي كبير به معلقتين…..جلست على حافة الفراش لتجده جالسا على الفراش عاري الصدر ببنطال قطني ينفث من سجارته بشراهة….
سحبت منه السجارة والقتها في المرمدة قائلة
بضيق بالغ..
“امتى تخف السجاير دي…. بتخنقني….”
ابتسم لعيناها الحانقة ثم مد يده وتحسس وجنتها
بحنو قائلا بصوتٍ أجش…
“طالما بتخنقك مش هشربها قدامك….”
زمت شفتيها الشهية مستهجنة…
“ولا من ورايا….عشان صحتك ياحبيبي….”
خفق قلبه بشدة جراء هذا اللحن المتناغم المنساب
من كلمة واحده (حبيبي)!….لذا عقب بمرح
غامزا…..
“حبيبي؟!…انا كده قلبي هيدخل الانعاش…انتي
ناويه على إيه ياداليدا….”
قالت بتنغج وهي تعانق كفه بيدها….
“ولا حاجة بدلعك وبحب فيك مش انت حبيبي وجوزي… وبلاش انعاش والكلام ده بعد الشر عليك….ربنا يخليك ليا…..”
“ويخليكي ليا يادودا…..اي اللي جيباه ده.. “سالها
مشيرًا بعيناه على الطبق التي وضعته جانبًا….
تناولته بين يداها قائلة بابتسامه
حلوة….
“سلطة فواكه….عملتهالك بايدي…..”
سالها وهو ينظر في الطبق….. “فيها خوخ….”
اومات براسها ضاحكة…فاسترسل هو
بلؤم…. “طب ماتجيبي حته ولا انتي بخيلة….”
ابتسمت وهي تاخذ الطبق وتبدأ باطعامه بالمعلقة بيدها قائلة بحماس…..
“انا عملاه عشانك… قولي اي رايك….”
عندما أكل ما في المعلقة تضاربة الاطعمة في
فمه و بين الحلو ولاذع أخبرها بعبث…
“حلوة اوي بس نقصها حاجة مهمة…..”
ابتسمت داليدا عندما قبلها فجأة ثم عاد يمضغ الطعام…مبتعدًا عنها مضيفا بتلذذ….
“كده بقا أحلى….”
ضحكت وهي تتشارك معه من نفس الطبق
وتسامره قائلة…
“سلطان انت نفسك في ولد ولا بنت….”
“انتي نفسك في إيه….”سالها وهو ياكل باستمتاع…
فبرقت عينا داليدا كالنجوم وقالت بحماسية…
“نفسي اجيب توأم بنتين…. وتوأم ولدين… وتوأم تاني ولد وبنت…..”
فغر شفتاه معقبا باستنكار….
“انتي دخله جمعيه بروحين أهدي مالك…..”
ضحكت داليدا قائلة بحرارة….
“مش عارفه هو انا نفسي اجيب توائم ورا بعض…”
لوى شفتيه بتهكم قائلا بسخرية….
“فكرتيني بواحده جارتنا ربنا كرمها بتوأم من هنا…راحت
العباسية من هنا…..”
انعقد حاجبا داليدا بفضول…
“ليه يعني هما كانوا اشقيه….”
اخبرها سلطان بطرافة….
“هما ملحقوش يبقوا اشقيه….قلة النوم جننتها ياولداه..”
قالت داليدا باستهانة وهي تنظر إليه…
“عادي على فكرة انا بحب السهر وبعدين مانت هتساعدني ياسلطن انا واحد وانت واحد…..”
نظر اليها قليلا ثم استبعد الفكرة قائلا
بتملك….
“بس انا مش عايز عيال دلوقتي انا لسه
مشبعتش منك..”
قالت داليدا بانتشاء وعيناها تضوي
بلهفة…
“انا نفسي اجيبهم شبهك كلهم…حلوين كده
واقوية..”
ابتسم وهو يرسم معها الاحلام…..
“والبنات تطلع حلوة زيك وصغننة…..”
قالت بتورد…. “يعني انت شايفني حلوة….”
وضعت داليدا طبق الفواكه جانبا بعض ان انتهيا منه…
فاخبرها سلطان بعيون تلمع بالحب….
“امتى شوفتك وحشة يادودا…طول عمرك حلوة من أول يوم شلتك فيه على ايدي……وانا متنبأ انك هتبقي عفريته صغيرة وهتتعبي الكل معاكي…بس مكنتش اعرف اني من ضمن اللي هيتعبوا معاكي…”
انحنى حاجبيها بحزن قائلة باندفاع….
“تعرف أوقات بتمنى لو كنت حبيتك من زمان
ساعتها مكنتش هتردد لحظة واحده اطلب ايدك
من أبوك..”
عبس وجه سلطان فقال بتجهم….
“إزاي تطالبي ايدي من أبويا ؟!….انا في ناس
متكلمه عليا…. ”
لكزته داليدا قائلة بتبرم…..
“بتكلم بجد ياسلطان….يارتنا كنا مع بعض من
الأول.. ”
سالها باستفهام وهو ينظر لعيناها السوداء المموجة
بالكثير من المشاعر…..
“ليه بتفتحي في القديم ياداليدا مش المهم النتيجة وان احنا في الاخر بقينا مع بعض….”
تاففت بنزق قائلة بغيرة شديدة……
“بصراحه انا غيرة اوي لما شوفت شهد وعريسها في الفرح مش غيرانه منها طبعا بس يعني اتمنيت اوي لو كنا في فرحنا كده….انا فكرة اوي انا احنا مكناش طايقين بعض وقتها…..”
أكد وهو يضرب على ركبته مستعيد الذكريات
الغير مرحب بها هنا والان !…..
“حصل انا كان نفسي اطبق في ذمارة رقبتك….”
هتفت داليدا بشراسة وهي ترفع قبضتاها الاثنين
امامها…..
“وانا كان نفسي اطلع مصارينك بسناني….”
جفل سلطان وأرجع راسه للخلف
هازئا…
“ياسلام على الرقه والحب…..”
فور جملته جزت على اسنانها قائلة بتذمر…
“مش بقولك غيرانه…كان نفسي نحب في بعض
كده ونرقص سوا على اغنية حلوة…”
اقترح سلطان بلؤم…..
“انا مستعد اتجوزك من تاني واعملك فرح محصلش….بس انا مش مسئول عن الكلام اللي هيتقال علينا… ”
قالت داليدا بلا مبالاة….
“هيقولوا اي يعني….مجانين مثلا…..”
ابتسم بسخرية معقبًا…..
“انتي بنسبالك طبعا دي مش شتيمه دا أسلوب حياة….”
هتفت مستهجنة وهي تلكزة في
صدره….
“اي الرخامة دي انت شايفني مجنونه….”
رفع احد حاجباه ثم رد غامزًا بخبث….
“دا انتي ست العاقلين…سيبك من الفرح اللي عدى
عدى احنا نعمل دخله جديده وعوضك عن الأولى.”
عندما اقترب منها حاولت ابعاده قائلة
بخجلا…. “بس بقا…..”
اصر وهو يميل عليها اكثر مسيطرا عليها يمنعها
من الفرار…. “والله ابدا لازم اعوضك…..”
مالى عليها وبد يدغدغ عنقها باسنانه واصابعه
من عند الخصر واسفل ذراعيها حتى بدأت تضحك بهيسترية وهي تحاول ان توقفه…لكن دون جدوى فظلت تضحك بقوة وهو معها يشاركها الصخب والمرح بقلب يهوى ويذوب عشقا في الأميرة المدللة…..
…………………………………………………………….
بد المطبخ وكانه مهجور دون رفيقته ينقصه شيء
مهم ، فلو كانت الحوائط تنطق لقامت بالنداء عليها
(شـهـد..)
اين هي؟!.. مقلاتها المفضلة بانتظارها معلقتها الخشبية تنتظر مسكت يدها…كل ركنا هنا يفتقد سيدته الطاهية البارعة…..
ليس المطبخ فقط من يفتقد روحها العطرة وبارعتها
في الطاهي بل هناك أشخاص لم يعتادُ بعض على هذا الهجر…
فهي لم تبتعد يومًا…. كما ابتعدت الآن
مسحت كيان دمعه فارة من عيناها وهي تقطع الخيار
على القطاعه لاعداد السلطه بينما قمر تطهو الطعام
على الموقد…..
يقفا الإثنين صامتين محدقين فيما يفعلوا لكن عقولهن شاردة في مكانا اخر وكلتاهما يحملا نفس
الإحساس…
الفقد ؟!..
أشتاقا لها جدًا رغم انه لم يمر على زواجها إلا ليله
واحده، لكنهما اعتادا وجودها ان يروها صباحًا هنا
في المطبخ تعد الفطور مبتسمة بصفاء روحٍ و برقة
وحنان تحتويهم جميعًا…..
أُمًا هي رغم صغر سنها ، رقيقة هي وحانية رغم قسوة الحياة عليها….تأسر الجميع بحبها من عدة كلمات متبادلة ماذا عن اخوة عاشا حياتهما معًا ومرا بظروف عدة اغلبها صعبةٍ ولا تحتمل…..
العائلة مثل تروس الساعة لكلا منهم اهمية في
بقاءه مع الأخرى وان اختلى ترسٍ واحد تتوقف الباقية عن المتابعة ؟!…..
فلتة شهقة بكاء من بين شفتي كيان.. فنظرت لها
قمر بهلع واقتربت منها سريعًا بعطف تسالها…
“مالك ياحبيبتي…. السكينة عورتك….”
مسحت كيان دموعها وهي تترك السكين جانبا قائلة
بصوتٍ باكٍ…..
“انا عايزه اكلم شهد…..شهد وحشتني اوي… انا خايفه
تسافر من غير ما أشوفها….”
ربتت قمر على كتفها قائلة بهدوء….
“اهدي ياكيان…. زمانها دلوقتي نايمه…احنا كدا كده
هنروح لها على المطار عشان نسلم عليها… كلها ساعتين اصبري…..”
قالت بنشيج متهدج….
“انا مش عارفه ليه اتجوزت ماكانت فضلت قاعده
معانا….”
ابتسمت قمر وهي تضيق عينيها بلؤم…
“ياسلام ما انتي كمان كلها كام شهر وتجوزي…وكنتي
هتسبيها برضو لوحدها….”
اسبلت كيان اهدابها ولم ترد…فمسكت قمر
كتفها قائلة بحنو….
“دي سنة الحياة ياكيان مفيش حد بيختار يسيب أهله…. وبعدين هي مش مهاجره.. هتقضي شهر عسل
مع جوزها وهترجع تاني على اسكندريه ابقي روحي
زوريها في شقتها لم ترجع بالسلامة….”
قالت كيان بشجن…
“انا مش متعوده اصحى من النوم ملقهاش…”
لم تزول ابتسامة قمر بل قرصة وجنة كيان
قائلة بمودة….
“انا كمان اتعودت على وجودها أوي… بس هنعمل إيه
ادعيلها ان ربنا يسعدها ويهدي سرها مع جوزها…
ويعوضها خير…. هي شافت كتير وتستحق تعيش
زي اي بنت في سنها تحب وتجوز وتجيب ولاد
حلوين يقولولك ياخالتو….”
ابتسمت كيان عند تلك الخاطرة فقالت
بمرح طفيف….
“انا مبحبش خالتو دي.. هخليهم يقولولي ياكوكي..”
سالتها قمر بمناغشة…
“هتبقي خالة فرفوشة يعني….”
أكدت كيان بغمزة شقية…
“وهبقا عمة فرفوشة برضو….”
احمرت وجنتا قمر بخجلا إلا انها قالت
بمحبة….
“هتبقي أحلى خالة وعمة ولا تزعلي….”
بللت كيان شفتيها وهي تسالها بتردد…
“قمر انتي لسه شايله مني من ساعة طقم
الالماظ…”
نظرت لها قمر بقنوط….
“بلاش تفتحي السيرة دي احنا خلاص قفلناها…”
سحبت كيان نفسًا طويلًا تشجع نفسها على تلك الخطوة ثم قالت معتذرة….
“سامحيني ياقمر انا ظنيت فيكي ظن وحش… بس
انا مكنتش قربت منك اوي زي دلوقتي… انا لما عرفتك اكتر حبيتك وبقيتي عندي من غلاوة شهد
وحمزة…فبلاش تزعلي وسمحيني على الموقف البايخ ده انا كنت رخمه اوي وقتها….”
هزت قمر راسها قائلة بصفاء…
“حصل خير والله انا مش زعلانه…. انتي برضو
اختي الصغيرة…..”
ابتسمت كيان وهي تفتح ذراعيها لتعانقها فبدلتها
قمر العناق بمحبة وهي تربت على ظهرها بحنو فرفعت عيناها عند باب المطبخ لتراه يقف عنده
يتابع ما يحدث منذ البداية بابتسامة رغم نقاءها
حزينة جدًا……
هو ايضًا اشتاق لتؤامه،تعلم دون ان يعبر عن هذا
ولو بنظرة…تعلم فهي على دراية بان علاقته باخته تخطت الأخوة والصداقة بل هي شيءٍ اخر اكثر
عمقًا وصلابة ترابط امتن وأكبر من صلة الدم…
انهما كالحياة لبعضهما !…
“هنقضيها اعتذرات واحضان…فين الغدا انا
جعان….”
قالها حمزة وهو يمط شفتيه بملل…ففصل الفتاتان
العناق وقالت قمر وهي تمسح عيناها….
“هغرف الأكل خلاص…حضري السفرة ياكيان…”
اومات كيان براسها وهي تحضر الاطباق….
بعد لحظات قليلة تجمع ثلاثتهم على السفرة
ومقعد شهد فارغ والذي يجاور حمزة…
بدا حمزة في الاكل والجميع بصمت..وعندما اعجبه
مذاق الصنف الذي ياكله قال وهو شارد في الاكل…
“شهد بتحب الاكل دي اوي…. ابقوا شلولها منها…”
توقفا الفتاتان عن الأكل لبرهة وهم ينظروا اليه
فتوقف عن الاكل وهو ينظر اليهن وقد انتبه
للتو بما نطق به….لذا كان رده ابتسامة بسيطه
قائلا…..
“واضح اني مخدتش كفيتي في النوم…بقالنا
اسبوع بنام متاخر ونصحى بدري….”
جارته كيان في الحديث في سهوةٍ….
“بس كانت ليلتها حلوة…والقاعة جميلة…سليم
قرر يعمل الفرح فيها…”
اوما حمزة براسه وهو ياكل….
“ومالوا عرفيه اني هدفع معاه بالنص طالما ليلتنا
هتبقا سوا….”
قالت كيان بتردد….
“وهتجيب الفلوس منين ياحمزة….دا مبلغ برضو..”
لوى شفتيه بسخرية….
“البركة في ابوكي…..هيساعدني….”
نغزها قلبها بعد حديثه الذي يقطر مرارة…فانكمشت
تحني راسها وهي تتابع مضغ الطعام بصعوبة وكانها
تمضغ حصى….
لكم هو مؤلم ان تدعي العمى رغم انك بصيرًا؟!…
علقت كيان متعجبة….. “معقولة…”
اكد حمزة دون دخول في التفاصيل….
“معقولة اوي…..امال انتي كنتي عايزة خطيبك
يجبي عليا ولا إيه….”
رمشت كيان باهدابها
بحرج…
“مش قصدي بس….”
قاطعها حمزة بصرامة…..
“مفيش بس.. يوم مايجي يحجز هبقا معاه…وهدفع
زي زيه…..اتفقنا.. ”
هزت كيان كتفها بانصياع…. “زي ما تحب…..”
اوما حمزة براسه ناهضًا وهو يقول
بفتور…
“انا شبعت تسلم ايديكم….”
بعد ان غسل يداه اتجه الى الشرفة يشعل سجارته
وهو ينظر الى المارة بالاسفل وتتخلل رئتاه عبير
البحر المنعش البارد…..
مع عبير البحر ابتسم وعقله تنشط بذكرةٍ بعيدة
في طفولته مع الغالية رفيقة دربه في الأوجاع
فبل الأفراح…….
ضحكت بصخب عالٍ وهي تركض على الشاطئ
وهو خلفها وكانت حينها في عمر الثالثة عشر
وهو يكبرها بعامين فقط…..
(تعالي ياشهد بقولك والله ما اسيبك….)
صاح بها حمزة بغضب وهو يركض خلفها بسرعة قصوى……
ادارة وجهها لها واخرجت لسانها بعناد…لتجد نفسها
فجاه تتعرقل وتقع على وجهها…..
صرخة من كاحلها قائلة بوجع….
(آآآآي رجلي…رجلي…..)
انحنى حمزة بخوفًا جوارها يسالها بلهفة وهو يتفحص كاحلها…..
(مالها رجلك…وريني…)
راها تنزف دم ويبدو انها داست على شيءٍ حاد…
جففه لها بمنديلا ورقي على عجله قائلا…
(خلينا نروح نعالج رجلك في البيت….هي تعويره
بسيطه عايزة مطهر وشاش تتلف بيه…..تقدري تدوسي عليها؟..)
اومات براسها وهي تتحمل لكنها صرخة عندما حاولت وضعها على الرمال الباردة…..
أولاها حمزة ظهره قائلا باستياء…
“أمري لله اطلعي ياسنجابه ياصغيرة خلينا نوصل
البيت قبل مالدنيا تليل…..”
ضحكت شهد وهي تقفز على ظهره برشاقة لتعناق
عنقه من الخلف بكلتا يداها وساقيها على خصره
يدعمهما هو بيداه….
سار بها على الشاطئ وقد بدا المغيب يسدل
ستائره الذهبيه على سطح المياة في مشهد
رائع… قالت شهد بدلال…..
(حمزة غنيلي….)
زمجر حمزة بحنق شديد….
(كمان انتي خدتي عليا اوي يابت انتي….)
قرصته شهد من وجنته قائلة….
(غني بقا ياحمزة….بالله عليك…حاجة لمنير…)
صمت قليلا يبحث عن اغنية يحبا سماعها
معا لهذا المغني المفضل عند اخته…
يغني بصوتٍ خشن قليلا لكنه مرهف
الإحساس….
(ساعات احب حاجات مايحبهاش غيري…)
تابعت شهد مبتسمة….
(في الريحة والجاية… بغني مع طيري…)
تابع حمزة وهو يتابع السير وهي على
كاهله….
(طمني اطمن…. في القلب راح أسكن… وطول
هواكي معايا ادفى واطمن…..)
قالت شهد بتزمر…..
(الاغنية حلوة من الاول قولها من الأول….)
قال بغلاظة…..(انا بحب الحته دي بس….)
شدته من اذنه قائلة بتحكم…..
(اسمع الكلام بقا لحسان اعضك….تعالي نغني
سوا….)
اوما براسه بنفاذ صبر وبدأت اصواتهما تمتزج مع
كلمات الاغنية……
(ياما في زمانا قلوب راسماها أعمارنا زي النجوم حواديت على ضل شباكنا..دي مركبة فضة وفرحي لو قضى حبيبتي تبقى معايا من غيرها مش هرضى….)
سكتت شهد تبتلع ريقها فتابع بحمزة مستمرًا
بنفسًا طويل…..
(ساعات أتوه مرات ألقى القمر هدى يسقي النسيم شربات في ليل طويل عدى…لصعب راح ولا الحب
ده أحلى لو وقفت الساعات صوتي أكيد أعلى…)
هتفت شهد تغني معه بلهفة…..
(والحلم ويايا والذكرى جوايا من بين كتير حكايات حكايتنا دي حكاية…)
ضحكا سويا وهما يتابعا طريقهما على الشاطئ
يرددُ كلمات الاغنية من جديد بروح طفولية
متوهجة بالحياة بالحب بالأمل رغم كل شيءٍ
يتعرضا اليه من تعنيف وترهيب وقسوة…
“عملتلك شاي بدل القهوة…شاي بالقرنفل هيعجبك…”
قالتها قمر بهدوء والتي اقتحمت خلوته دون سابق
إنذار…..
اخذه حمزة منها قائلا
بفتور….”تسلم ايدك….”
وقفت قمر جواره تساله
باهتمام….
“انت كويس ياحمزة….”
نظر لبنيتاها قائلا….. “انتي شايفه إيه…..”
اشاحت بوجهها وهي تقول
بحرج…
“حاسه انك مش مبسوط…..”
أكد وهو يشيح وجهه للامام كذلك…..
“مش متعود ملقهاش في البيت….مش متعود تبعد
عني أصلا….شهد بنسبالي بنتي مش بس اختي….”
ترقرق الدمع في عينا قمر فابتسمت وهي تنظر
إليه….
“عارفه بس دي سنة الحياة وكان مسيرها
تجوز وتبعد….”
لكم يأسرها حبه لشقيقتاه وانتماؤه لهن…..
هز راسه وهو يقول بصوتٍ اجوف….
“عارف ربنا يسعدها….أكيد هتعود…بس كل حاجه
في وقتها بتبقى صعبه….”
ثم استرسل وهو ينظر إليها….
“صحيح بكرة باذن الله هنروح نشوف شقتنا…حضري
نفسك زي النهاردة كده هنبقا هناك….عايزك تشوفيها
قبل مالصنايعيه يشتغلوا فيها….”
هذا الفتور يقتلني…..يقلع الامل من الجدور….يالهي
أشفق علي رجاءا….هذا الفتور يقتلني….
اومات براسها منسحبة… “ان شاء الله….”
مسك يدها قبل ان تبتعد…
“راحه فين خليكي معايا شوية….خدي.. ”
راتجف قلبها بين اضلعها وهي تنظر للكوب الذي
يقدمه لها فـبتلقائية سألته..”إيه مش عجبك….”
اخبرها بابتسامة جذابة غامزًا….
“لا عجبني طبعا…بس اشربي معايا اهو نخمس
فيه سوا…..ولا انتي بتقرفي….”
هزت راسها بنفي وهي تاخذ منه الكوب على استحياء…. “لا عادي…..”
وقفا معا عند سور الشرفة يتبادلا اطراف الحديث
وهم يتشارك معًا نفس كوب الشاي……
……………………………………………………..
كيف للانسان ان يحيا في الجنة قبل الموت !…
ان يتلذذ في النعيم الأبدي دون حساب مسبق !…
أيهما اقرب للقلب نعيم أبدي ام لذة مؤقته ؟!…
لم تكن لذة مؤقته كل ماحدث بينهما أمس يؤكد انه
النعيم الأبدي ، الجنة التي رزقه الله بها في الدنيا
لكم هو رائع هذا الشعور الذي يتوغل للاعماقه الآن
مذيج دافئا حلو بألوان براقة ، انهُ امتلكها أصبحت
(سيدة الحُسن والجمال..)بين يداه دون حواجز
او قيود بين ذراعيه مسالمة مرحبة بالعاطفة
الجارفة التي اغرقها بها أمس…
وكانها كانت ترتوي بقدر ظمأها لتلك المشاعر الدافئه
والاحتواء منه…..
كانت خجولة ترتجف بين يداه عذراء في شدة حياؤها تئن بتعب من شدة اللذة والوجع…سالها
اكثر من مرة وهو يلهث مقبلا وجنتاها وصولا الى شفتيها الحمراوان المنفرجتان بالآهات…..
“تحبي ابعد……لو تعبتي خلاص….”
وقتها أخفت وجهها الأحمر في عنقه النافر بالعروق
والمتعرق كذلك وهي تئن برفضٍ….غير قادرة على قولها صريحة لكن تشبثها به كان دلالة صريحة بانها تستمتع أيضًا معه رغم الوجع……
حاول كثيرًا ان يكون اكثر تعقلا معها في تلك اللحظة لكن احيانا يذوب من شدة اللذة متنعما في اللحظة اكثر من المستطاع بجموح ، فتئن هي متوجعه فتجد المقابل قبلات حانية على حنايا وجهها وهمسات معتذرة تداعب اذنها…
حينها تبتسم محاولة ان تستجمع أكبر قدر من
تحملها وصبرها معه….حتى يرضا وتروي هي
ظمىء مشاعرها معه !…
وعندما إنتهى الأمر وقتها كانت انفاسه العالية المتحشرجة وتأوها الخافت هما العزف المأسور في تلك اللحظة….وقتها سحبها الى احضانه مقبل وجهها الأحمر بنهم معتذرًا و معترفًا بعشقه لها للمرة المائة…
فهو لم يتوقف عن قولها في لحظاتهما الخاصة ابدًا….وكانه كان يسيطر على خوفها ورجفتها العذراء بهذا الاعتراف الذي بمثابة معزوفة متناغمة مقتبسة من لحنًا جميل لن يشبه في جماله أحد…..
حينها ساعدها في الاغتسال وتبديل ملابسها بل وتناولا معًا وجبة العشاء كذلك ثم استلقى الاثنين على الفراش متعانقا متحدثا عن احداث حفل الزفاف وبعض الاقارب الذين حضروا الحفل… وترتيبات التي كانت قبل هذا اليوم حتى تسلل شعاع الشمس عبر ستائر الشرفة وقتها قد غطا في نومًا عميق بعد ليلة حافلة بالكثير من الأحداث والمشاعر المستجدة بينهما……
ركز عيناه العاشقة على وجهها الجميل الملائكي وهي ترتاح على الوسادة وشعرها الناعم جوارها منسدل بانسيابية ويداها تضعهما على بطنها اسفل الغطاء في نومه مهذبة راقية كانت في تلك اللحظة تحديدًا تشبه الأميرة النائمة التي تنتظر قبلة الامير حتى تستيقظ من غفوتها التي طالت عن حدها ، ونفذ صبره في انتظارها ؟!…
فهو منذ ساعة ونصف يجلس هكذا منتظر استيقاظها تارة يشرد في ليلة أمس ومشاعرهما الحميمية وقتها.. وتارة يتأمل سيدة الحُسن في نومتها العميقة فكم كانت جميلة شهيه في نومها وكانها لوحة أثرية خلقت لتأمل تفاصيلها وخطوطها العريقة الفنية……
مالى عاصم عليها يداعب وجنتها باصابعه بحنان…انكمشت ملامح شهد في نومها وابدت ازعاجها وهي تميل براسها للناحية الأخرى دون ان تحرك جسدها…..فابتسم عاصم بوسامة وهو يميل عليها طابع القبل على شفتيها واحده تلو الاخرى…
ظنها ستزمجر وتبعده حانقها….لكن كان ردها جميلًا شجعه على اخذ قبلة عميقة من بين شفتيها الشهية….
فقط عندما ابتسمت دون ان تفتح عينيها اغرقها
في قبلة عميقة مليئة بالمشاعر جياشة…..
عندما ابتعد عنها فتحت عيناها اليه وها هي شمسه تشرق أخيرًا تضوي بالكهرمان الناصع…قالت بهمسًا رقيق…
“صباح الخير…..”
طبع قبل على جبينها ثم ظهر كفها قائلا بحب…
“صباح الشهد….والورود والياسمين…..على احلى
عروسة في الدنيا…..”
تلك القصيدة تختلف عن كل ما سبق فنظرت عيناه صريحة تضوي بشيء جديد هل هي السعادة….
هي أيضًا سعيدة جدًا ولم تتوقع ان تلامس النجوم بيداها ويزورها الفرح والحب بعد كل تلك السنوات المؤلمة من حياتها….والتي قضتها بين الضرب والاهانة والكره الى العمل والاجتهاد والسعي خلف الحلم…..
لم تتوقع ان تعيش تلك المشاعر الدافئة في احضان رجلا تكن له حبًا تعجز عن التعبير عنه حتى بينها وبين نفسها وكانه احد المعضلات الصعبة التي كانت ترسب بها في الصغر لعدم استيعابها رغم ان الحل بسيط !….
والان أيضًا الامر بسيط في التعبير عن ما يعتمل صدرها من مشاعر تخص رجلا واحد اجتاح حياتها ومشاعرها في فترة قصيرة وأصبح يمثل لها شيءٍ كبير…..الأمر يحتاج فقط الى عفوية الحب وستنطلق الكلمات عابرة سجنها المشدد المظلم……
لكن هيهات عاجزة عن فعلها…وترى ان الوقت مزال مبكرًا على قولها…
لكن عاصم لم ينتظر كثيرًا بل كان اكثر كرما وروعة منها كعادته امطرها بالحب قولًا وفعلًا حتى ظنت
انه حلمًا جميل سيفارقها عندما تستيقظ في اليوم الثاني….
والان استيقظت صباحًا والحلم واقع ملموس ينام بجوارها الان يجتاح شفتيها بقبلة صباحية عميقة ملقي بعدها تحية الصباح المعتادة وعيناه تحتويها بقصائد غرامية…
لم يكن حلمًا ياشهد….انه الواقع…الواقع الأجمل على الإطلاق…..
ليت الواقع كله يمتثل في صباحًا غرامي مزدهر بالقبل همسات حانية من الغزل…
“روحتي فين ياست الحُسن….”
توردت وجنتيها وهي تنظر لعيناه الحبيبتان لقلبها فظلام عيناه ينير عتمة قلبها !…..
“ولا حاجة…..انت صاحي من امتى…..”
اخبرها وهو مزال يميل عليها واصابعه تداعب خصلاتها الناعمة…. “يعني من ساعة ونص كده….”
سالته بنبضات متسرعة…
“وليه مصحتنيش وقتها…..”
زم شفتاه وهو ينظر لعيناها….
“قولت يمكن تصحي لوحدك…بس فقدت الامل في ده فصحيتك….”
عضت على شفتيها السفلى قائلة بتورد…
“عشان بس نمنا متأخر….المفروض ان احنا هنسافر
النهاردة؟….”
أومأ براسه مؤكدًا…..
“كمان ساعتين….انا اتصلت بيهم تحت يطلعولنا الفطار زمانهم طالعين…..”
حرر شفتها السفلى من تحت اسنانها باصبع
الإبهام وهو يسالها بحنو… “انتي كويسة ولا لسه تعبانه….”
ازازد خجلها فقالت بتلعثم هاربة من محور
عيناه…..
“الحمدلله أحسن….تعرف اني جعانه اوي… ”
لمعة عينا عاصم ببريق أخذ وهو ينظر لشفتيها ومفاتنها من خلال هذا القميص الحريري….
“انا كمان جعان أوي….متاكدة انك كويسة… ”
اومات براسها بحياءٍ وهي تعلم أبعاد هذا
السؤال….فاقترب من شفتيها على بعد شعرة
سائلاً……”يعني ممكن ا……”
قطع اللحظة رنين جرس باب الجناح واتى صوت العامل من خلفه بعملية وتهذيب يعرف عن حالة وبوصول وجبة الإفطار الذي أمر بها عاصم…
ابتعد عاصم عنها متاففا وقال
بضيق..
“كان المفروض أأخر الفطار شوية….”
القى نظرة أخيرة عليها ثم ابتعد عنها على مضض…فنهضت شهد فورًا متجهة الى الحمام كي تغتسل وعلى محياها اجمل إبتسامة صباحية مشرقة……
………………………………
بعد ساعة تقريبًا جلست امام مقعد الزينة تضع اللمسات الاخيرة على وجهها الناضر دون اي إضافة ومع ذلك وضعت زينة بسيطه تليق بها كعروس ذاهبه خارج البلاد لقضاء شهر عسل مع زوجها….
كانت تتأنق بطاقم كلاسيكي انيق من ضمن الاشياء التي اتباعتها في اشياؤها كاي عروس….رفعت شعرها على شكل ذيل حصان يتناثر منه بعض الخصل قاصدة إخفاء سماعة اذنيها بقدر المستطاع….
قد اعتادت ان تخفي اعاقتها حتى امام نفسها في المرآة.. تعرف ان ثقتها مهزوزه في تلك النقطة تحديدًا لكن الاوجاع الناتجة خلف هذا الحادث
كانت اشد بشاعة من تحملها….
حانت منها نظرة على العلبة القطيفة المتواجدة جوارها…فمدت يدها لتاخذها وتفتحها من جديد..
طاقم من الالماس الحُر مصمم بريشة فنان به من الدقة والبراعة ما يجعل المرء يقف امامه مبهورًا متأملًا كل جزءًا به بتأني واعجاب…..
انه يشبه الطقم الذي سرقه والدها منها لكنه عدل في تصميمه قليلا مضيفًا بعض التفاصيل الرائعة التي اعطات لكل قطعة ماسية رونق اخر يختلف…..قدمه لها أمس حتى ترتديه على ثوب الزفاف الملكي وكان يلائمها بشدة لرقة التصميم والفخامة المتحدثة عنه..
تتذكر ان بعض المدعوات في الحفل انبهارا بطاقم وتصميم وبداوا يتسائلون عن المصمم المبدع الذي صممه لها…وعندما علموا انه(عاصم) بدأت تاوهات الدهشة والغيرة تتناثر من حولها مسببه صدع
مؤلم داخلها…..
لانه يفعل المستحيل حتى ينال رضاها ويسعدها بكل الطرق الممكنة وماذا تقدم هي له ؟!….في الحقيقة
لا شيء…عتمة قلبها شديدة السواد والظلم تخشى
ان تؤذيه في غمرة الانتقام…ويكن انتقامها أداة حادة تذبح بها نفسها قبله !…
انه لا يستحق انه شخصٍ رائع ويستحق كل ماهو
رائع…..
“اي حكايتك كل شوية تسافري بعيد…بتروحي
فين وانا هنا…..”
هذا كان صوته الحنون بسؤالاً عفوي يشع عتابا وغيرة فلو كان بيده لاخترق هذا الحاجز الصلب وعلم بكل شيءٍ تخفيه عنه بعناد……
ابتسمت وهي تنظر اليه عبر المرآة فقد تأنق بحلة انيق دون ربطة عنق حتى يكون أقل رسمية….
وسيمًا هو وسامة تخطف انفاسها بطوله الفارع وجسده الصلب الرجولي وملامحه الخشنة الجذابة لحيته السوداء الدالة على الشكيمة.. وشعره الاسود الناعم الذي يصففه للخلف بجاذبية مهلكة….
انه الوسامة المهلكة لاية أمرأه تقع عيناها عليه ماذا عن زوجة كل هذا ملكا لها وحدها ؟!….
توردت وجنتاها وهي تنهض من مكانها بكامل اناقتها
كذلك لتضع علبة المجوهرات في حقيبة السفر حتى
لا تنساها ثم اقتربت منه وكاي زوجة اصيلة حنونة
بدأت تهندم سترة الحلة عليه وعيناها مركزة على
عيناه……
“انتي حطى حاجة تفتح وشك….”
هزت راسها بنفي وظللت عيناها البراءة….فاضاف
بلؤم….
“عشان كده بيقوله الجواز بينور الوش….عشان تعرفي بس….”
زمت شفتيها وهي تسحب يدها بعيدًا
عنه… “مش متأكده اوي….”
أخبرها بشقاوة بعد ان اولته ظهرها….
“بكرة أأكدلك احنا قدمنا شهر عسل طويل…والايام بينا ياست الحُسن…..”
عقد حاجباه عندما رآها ترفع الهاتف على
اذنها فسألها… “بتعملي إيه….”
استدارت اليه قائلة بهدوء…
“بتصل بكيان عشان اقولهم يسبقونا على المطار….عايزه اسلم عليهم قبل مانسافر….”
“اصبري شوية نبقا نكلمهم واحنا نزلين…تعالي.. ”
اشار لها بان تتقدم منه بعد ان جلس على حافة
الفراش….ففعلت وجلست بجواره….فرفع عاصم
الورقة امام مرأى عيناها….
سالته وهي تاخذها منه…. “اي ده……”
اخذ نفسًا عميق ثم اخبرها بجدية شديدة…
“دا مهرك ياشـهـد…..الشقة بتاعتنا كتبتها بأسمك…..”
قطبة جبينها وهي تنزل الورقة الى حجرها
ناظرة إليه باستنكار….
“وليه عملت كده…وبعدين انت دفعت مهري لبابا…
وكان مبلغ كبير و…..”
قاطعها عاصم قائلا بحزم….
“اللي ادفع لابوكي حاجة ومهرك اللي بتاخديه ده حاجة تانيه….”
خفق قلبها بوجع فقالت بوهن….
“بس ده كتير ياعاصم…… كتير اوي…..”
مسك يدها وقبض عليها بكفه بتملك قائلا
بصدق العالم….
“مفيش حاجه كتيرة عليكي ياشهد انتي مراتي…”
رفعت عيناها الحزينة إليه مستفسرة
بحيرة…..
“ليه اختارت الشقة بتاعتنا تكون مهري….”
نظر لعيناها قليلا ثم اجاب بصيغة
العاشق….
“عشان ده اللي انتي محتجاه شقة باسمك…تبقا بتاعتك و لو حصل اي خلاف بينا لا قدر الله مضطرتيش تسيبي البيت وتفضلي فيه وانا
اللي أخرج…..”
انها في قصة خيالية فان كان هذا ليس حلما فانه خيالا فمن سيحبها بهذا القدر ويقدم لها كل هذا
إلا اذا كان خيالًا !…..
اتكأت على يده التي تمسك يدها بتملك محاولة التأكد انهُ ليس حلمًا….فترقرق الدمع في عيناها
عندما تاكدت بانه حقيقة ملموسة واقع تحياه
الآن فازداد الصدع داخلها وجعًا…..
هذا كثير….والله كثير……
قطع صراعها الداخلي صوت عاصم الحاني
وهو يعطيها القلم….
“امضي ياشهد عشان الاورق دي تروح للمحامي ويسجلها رسمي في شهر العقاري……”
رفضت وهي تنظر للقلم ثم لعيناه
المنتظرة…
“مش هقدر اقبل حاجة زي دي….مش هينفع…”
انكمشت ملامح عاصم بعدم رضا….
“بس دا مهرك حقك عليا…ولازم تاخديه….”
رفضت شهد بكبرياء والدموع تتجع في مقلتاها
تحرقها كقلبها الان…..
“مش عايزة انا مسامحه فيه…أرجوك بلاش نبدأها كده…..انا قبلت اخد طقم الالماظ إمبارح عشان متضايقش في يوم زي ده…..بس صدقني الحاجات
دي كلها مش في دماغي ولا بسعى اخدها عن طريقك….”
عقب على جملتها مستهجنًا…
“لو ماخدتهاش عن طريقي انا هتاخديها عن
طريق مين ؟!….. ”
هزت راسها متنهدة بأسى….
“انت مش فاهمني ياعاصم انـ…..”
قاطعها وهو يجيبها بمنتهى الثبات وعيناه كانت
مهيمنة على عسليتاها الغارقة في الدموع…
“فاهمك…اطمني انتي مش بتفرضي نفسك عليا ولا دي حاجات فوق طاقتي…الطقم هدية فرحنا.. والشقة مهرك اللي من حقك تاخديه مني وكل ده في استطاعتي اعمله وفي النهاية انتي مراتي وبقيتي مسئوله مني فملهاش لازمه خالص الحساسية الزيادة دي….”
رمشت باهدابها المبللة بدموع وقد ماتت الكلمات
على شفتيها بعد حديثه….
مد عاصم يده ومسح دموعها بيده ثم قبل وجنتها
قائلاً بترفق…..
“ليه الدموع دي ياست الحُسن….دا كل اللي بعمله عشان اشوف ضحكتك الحلوة مش دموعك….”
نظرت اليه وعقلها يصرخ
بجنون….
(انت ازاي كده….إزاي….)
قرص وجنتها بخفة وهو يحتوي كتفيها بكلتا
يداه قائلا بصبرٍ…..
“يا حبيبتي يانور عيني دا حقك… وانا بدهولك وانا في كامل قوايه العقلية…. فبلاش تأزميها وامضي على الورق خلينا نلاحق الطيارة وتلحقي تسلمي
على اخواتك في المطار…”
مسكت القلم ومضت على الورق وهي تجفف دموعها
وبعد ان انتهت اخذ منها الورق مقبلا جبينها بحنان اذاب مفاصلها من جمال مشاعره ونقاءها.. ابتعد عنها قليلا ناظرًا لعسليتاها للحظات…ثم نهضا معًا فاخبرها وهو يحتوي خصرها بذراعه….
“يلا بينا عشان نلحق الطيارة….”
اومات براسها برقة ثم أتجها معًا للخارج تاركين الحقائب يأتوا خلفهما مع المخصصين لهذا العمل
في الفندق….
بعد ان جلسا معا في المقعد الخلفي بقلب السيارة التي ستوصلهما للمطار…..انزلت شهد الهاتف قائلة وهي تنظر إليه….
“بيقولوا انهم مستنينا في المطار…..”
“كلها عشر دقايق ونوصل…..”قالها عاصم وهو يسحبها لاحضانه لترتاح براسها على صدره وذراعه تلفها باحتواء هامسا بتوله…
” ازاي بتوحشيني وانتي جمبي كده…اي سرك؟…”
ردت ردها المعتاد مبتسمة وهي تضع يدها على صدره النابض بقوة في قربها….
“لو عرفته مش هيبقا سر….”
ظلا متعانقا طوال تلك الرحلة القصيرة مستمتعين برعونة مشاعرهما والحب الذي يضوي في اعينهما..
…………………………………………………………..
كانت تسير في قلب المطار وجوارها عاصم الذي يدفع عربة الحقائب للأمام وهما يبحثا باعينهما
عن شقيقيها…
وعندما ابصرتهما شهد من بعيد اشارت اليه فأخبرها عاصم وهو يتقدم لأحد الزوايا عند سير الحقائب لفحصها….
“روحي طيب سلمي عليهم وانا هحط الشنط
وهاجي وراكي…لسه قدامنا وقت…..”
اومات براسها مبتسمة وهي تتقدم منهما بخطوت سريعة متلهفة وكانها غابت عنهما لسنوات وليس ليوم واحد !..
أول واحده تقدمت منها كانت كيان التي القت نفسها في احضانها وهي تئن بشوقًا….
“شهد وحشتيني…..”
“وكانها غايبه بقالها سنة بطلي أفورة يأوفر…”قالها حمزة بجمود وهو ينظر اليهن محاولا إلا يتأثر ببكاء كيان….
زمت كيان شفتيها وهي في أحضان أختها….
“على اساس انك مش متأثر يعني…بيقاوح كالعادة….”
خرجت من احضان شهد قائلة بتبرم…
“النهاردة على الغدا واحنا بناكل كنا عملين سمك
صياديه ورز تعرفي قال إيه…شيلوا لشهد منه دي
بتحب الاكلة دي أوي…..”
تافف حمزة بوجوم وهو ينظر لها…
“اه بدانا بقا وصلت الأخبار….اي حاجة هتحصل هتجري تقوليها مش كده….”
أكدت كيان بنظرة شرسة….
“طبعا انت مفكر انها عشان اتجوزت مش هتعرف حاجة عننا دا انا هبلغها بكل جديد…..”
امتقع وجه حمزة بسأم.. “ماشي يافتانة……”
ثم نظر الى شهد قائلا بابتسامة واسعة
مشاكسة…
“المهم العروسه عامله إيه عيني عليكي باردة
بدر منور….”
تدخلت قمر قائلة بقنوط….
“قول بسم الله ماشاء….هتحسدها….”ثم ابتسمت لشهد بمحبة قائلة….
” عاملة إيه ياشهد وحشتيني اكتر منهم كلهم…. ”
بادلتها شهد البسمة بصفاء…
“انتي كمان ياقمر… عقبالك…..”
سألتها كيام باهتمام…. “هتغيبي كتير ياشهد….”
قالت بوجنتي متوردة…. “عاصم بيقول شهر……”
امتقع وجه حمزة متبرمًا….
“شوية المفروض شهرين تلاته عشان توحشينا حتى..”
ضاقت عسليتاها وهي تنظر اليه
بتشكيك…
“مانا وحشاك من أول يوم يابكاش…”
اتى عليهم عاصم قائلا
بحبور…..
“ازيكم ياجماعة…..”
رحب به حمزة بحفاوة وهو يمد يده
مصافحًا… “مبروك ياعريس….”
بادله عاصم المصافحة بتودد….
“الله يبارك فيك ياحمزة عقبالك…عقبالكم كلكم
مش فرحكم سوا…..”
اكتفى الفتيات بالتبسم ورد حمزة مؤكدًا
بفتور…. “آه…. ان شاء الله…..”ثم اضاف بنحنحة
خشنة…..”عاصم ثواني عايزك….”
اوما عاصم براسه وتنحى جانبا هو وحمزة وظل الفتيات مكانهن يتحدثون…..
نظر حمزة الى عاصم قليلا ثم وصاه
بحنان أخوي…
“عايزك تاخد بالك من شهد…..حطها في عينك…..”
وضع عاصم يده على كتف حمزة قائلا
بتفهم….
“بلاش الرسميات دي ياحمزة…شهد مراتي وهي كل حاجة ليا دلوقتي…وكل اللي هقدر اطمنك بيه اني هراعي ربنا فيها…. أختك في عنيا أطمن…..”
ابتسم حمزة قائلا بلين….
“دا العشم ياعاصم….وده اللي مستنيه منك….شهد جدعة وبنت حلال ومش هتلاقي اطيب من قلبها… ”
شرد عاصم قليلا وهو ينظر اليها وهي على بعد
خطواتٍ منه مندمجة بعيدًا عنه وابتسامتها
السعيدة تزين وجهها المتورد….
“عارف ودا اللي خلاني أحبها شوفت في عنيها حاجة مقدرتش اشوفها في عين اي واحده قبلتها…عشان كده اتشديتلها من أول يوم
وتقدمتلها علطول…. ”
تنهد حمزة بارتياح بعد هذا الحديث المرهف وتلك
النظرة المعبرة عن الكثير والذي يفهم معناها جيدًا
كرجلا مثله وقع في الحب سابقًا…
“ربنا يسعدكم…..ويعوضكم ببعض…..”
“عقبالك يابو نسب……”ربت على كتفه ثم
ابتعد عنه متقدم من شهد قائلا بهدوء….
“مش يلا بينا بقا ياشهد كده هنتأخر على الطيارة…”
اومات شهد براسها مبتعدة عن احضان قمر وهي تجفف دموعها….
فزم عاصم شفتيه بقنوط مؤنبًا…
“والله ماخطفك هرجعك ليهم تاني.. اطمني….”
ضحكت وهي تمسح دموعها بالمنديل… فحانت منها نظرة على اخيها قبل ان ترحل وبعد ان ودعت شقيقتها وابنة عمتها…..
وقفت أمام هذا الشقي الذي يدعي اللامبالة ببراعة
وحتى الان لم يقترب منها او يعانقها وكانه لم يشتاق
لها ؟!…..
نظرت لعيناه وعاصم خلفها ينتظرها…فقالت لاخيها بعينين تلمع بدموع…..
“هتوحشني ياميزو…..”
ابتسم حمزة بغلاظة….
“انتي بقا مش هتوحشيني خالص…..”
لكزته في صدره… ” ياغلس….. “ثم القت نفسها في احضانه….فبادلها حمزة العناق بقوة معبرًا عن مدى افتقاده لها بعد يومًا واحد من زواجها…..
قبل قمة راسها قائلا بمداعبة اخوية….
“كبرتي ياسنجابة…. واتجوزتي وبعدتي عني…”
قالت بقنوط وهي بين احضانه تأبى
الإبتعاد…
“مانت كمان بكرة تجوز وتنساني…..”
ابعدها عنه وهو يقرصها من انفها…
“مقدرش في حد ينسى توأمه انتي توأمي ياشوشه..”
قالت بلوعة وهي تنظر اليهم….
“هتوحشوني اوي…ابقوا اتصلوا بيا بلاش ندالة…”
اكتفى حمزة بايماءة بسيطة وهو يوصيها
بمحبة….
“انبسطي ياحبيبتي….على قد ماتقدري افرحي وعوضي اللي فاتك..وخدي بالك من جوزك
واسمعي الكلام ….”
هزت راسها بخجلا وهي تلوح لهما بيدها
مبتعدة…..
فصاحت كيان من خلفها بلهفة….
“هكلمك على النت اول ماتوصلي…..”
ابتعدت شهد عنهما برفقة عاصم الذي أحاط كتفها بذراعه متجهين الى الطائرة التي على وشك الاقلاع….
…………………………………………..
اغمضت عيناها بقوة وهي جالسة على المقعد بجواره
بقلب الطائرة التي بدأت بالاقلاع وعند تحركها شعرت بان جسدها يرتفع معها رغم ثبوتها في مقعدها….
مسك عاصم يدها يطمئنها دون كلاما…ففتحت
عيناها ونظرت لعيناه قائلة بحرج….
“أول مرة أركب طيارة….”
“خايفه…”سالها وهو يستشف الاجابة منها فقالت بوجهٍ شاحب قليلا….”شوية….وانت….”
رد بهدوء وهو يأسر عيناها…..
“انا متعود سفرت اكتر من مرة بيها عشان الشغل.. ”
عند صمتها استرسل بحنو…..
“غمضي عينك ونسي كل حاجة…وافتكري بس
ان احنا كمان كام ساعة هنبقا مع بعض…بعيد
عن الناس كلها….”
ابتسمت فطبع قبلة على وجنتها
قائلا بشغف… “بحبك ياشـهـد…….”
اغمضت عيناها وهي ترتاح على كتفه بنعومة
متنهدة بارتياح….
بعد ساعات كانا يجلسا معًا في المقعد الخلفي في
سيارة أجرة تتولى وصولهما الى حيثُ المنزل الذي
استأجرة عاصم لقضاء شهر العسل به….
كانت بلد اوربية رائعة تتميز بالجبال الشامخة التي
تكسوها خضرة الطبيعة الرائعة…..ظلت تتأمل المدينة
من خلال نافذة السيارة بانبهار…..
تعرف تلك البلد جيدًا ودرست مطبخها العريق واكلاتها المميزة وكان من ضمن خطط الأحلام المستقبلية في فترة المراهقة ان تسافر اليها في زيارة سياحية….
وقد فعلت اليوم بعد ان تناست هذا الحلم المرفه
لطالما كان لديها احلامًا كثيرة وردية مرفهة الى
ان سقطة واحدة تلو الأخرى في كل سنة ومرحلة
صعبة وجادة تمر من عمرها….
حتى تمسكت بحلمًا واحد كان اكثرهم واقعية ونسبة
نجاحه مضمونة لكن في لحظة ثقة خذلها وهوى من بين يداها على أرض الواقع الصلبة القاسية منكسرًا..
فمن غباؤها نست بانه يظل حلمًا يلوح في الافاق !….
توقفت السيارة وترجلا منها معًا…مسكت بيد عاصم
وهي تطلع الى هذا المكان الخرافي…وكانه مقتبسًا
من حكاية خيالية تروى قبل النوم….
للوهلة الأول وهم بسيارة ظنت انهما سيذهبا الى فندق او الى شقة في قلب المدينة لم تتوقع أبدًا
ان تاتي الى هنا….
في كوخ خشبي عصري الشكل ورغم البساطه الظاهره به يبدو عليه الفخامة ….
كان موقع الكوخ في أرضٍ ساحرة حيثُ الريف الأوربيّ الرائع… والطبيعة الخلابة بحيرة بعيدة
نسيبًا متوسطة الحجم اعلاها شلال صغير
تخرج من بين ثناياه المياة باللون الزمرد البراق
ينساب جاريا صادرًا صوت خرير المياة المنعش كسبائك فضية عند الهبوط تتجمع في تلك البحيرة العذبة بلونها الزمردي المميز…..
يحيط هذا المكان الرائع الجبال ولاشجار العالية الخضراء والحشائش التي تغطي الأرض وكذلك الشلال الصغير وكانها قطعًا من الجنة….
“سبحان الله…..ولا حول ولا قوة إلا بالله….”
قالتها شهد بتلقائية وهي تتأمل المكان بعينين
مبهورتين…..سعيدتين……
إبتسم عاصم بظفر عندما راى سعادتها تطل من عيناها فقال وهو يحيط كتفها متأملا روعة المكان الواقفين فيه والخاص جدًا كما أمر مؤجره….
“اي رأيك عجبك المكان…..”
قالت بعفوية قريبة من القلب
“مينفعش تسأل السؤال ده المكان يجنن…معقول
هنقضي هنا شهر…. ”
غمز لها قائلا بنشوة…..
“لو تحبي نفضل هنا العمر كله.. انا معنديش اعتراض…..”
ضحكت بحرج وهي تتأمل المكان بعينين
عاشقة لكل ماينتمي للطبيعة…
“مش لدرجادي بس بجد المكان حلو اوي…تفتكر
هزهق منه….حتى لو قعدت فيه العمر كله…”
“تعالي نشوف الكوخ من جوه…هيعجبك أوي…”
دلفا معًا يدٍ بيد الى داخل الكوخ الذي لا يقل روعة
عن موقعه المميز كان رائع وعصري مصمم ومنسق
بريشة فنان…. كل شيء موجود لا ينقصه شيء
إلا عاشقان يقضيان به وقتا خاص ومميز بعيدًا
عن البشر والزحام….
وكم هي بحاجة لهذا معه جدًا…
احتوى عاصم خصرها عندما وصلا لغرفة النوم
والتي بدور العلوي وتطل نافذتها على هذا المنظر
الساحري حيثُ البحيرة والشلال الزمردي
وطبيعة الخلابة…..
ابتسمت شهد وهي تنظر لعيناه بظفرٍ
جميلا….
“مش مصدقة انك عملت ده كل عشاني…”
صحح المعلومة وهو يقربها منه أكثر….
“عشانا.. عشان نبقا مع بعض…ومتعرفيش
تهربي مني ابدًا….”
سالته ببراءة….. “امتى هربت منك….”
اخبرها وهو يداعب انفها بانفه بعد ان التصقت
بجسده…..
“من يوم ماعرفتك وانتي بتهربي….بس خلاص
فات وقت الهروب…..”
تسارع نبض قلبها وهي تنظر اليه بضعف متأثره بهذا القرب الحميمي وحديثه المتملك…فتابع بجرأة..
“الجاي كله بتاعي ياست الحُسن….وكله اللي عملتيه
هيطلع عليكي من دلوقتي….”
حملها على ذراعيه فجأه فشهقة بخجلا وهي
تخبره بتمنع ..
“عاصم احنا لسه راجعين من سفر…..انا لسه متفرجتش على الكوخ كويس….”
لم يعقب على حديثها بل وضعها على الفراش وانضم إليها ثم مالى عليها يسحب السماعة من اذنها برفق ثم نزع السترة عنها وبدا يعبث في ازرار بلوزتها فقالت شهد بوجنتين متوردتين…
“عـ…..عـاصـم….”
“هشش ساعديني بسوكات…..”
امرها بانفاسٍ متحشرجة وعيناه على شفتيها الشهية بينما اصابعه تشير على ازرار قميصه المغلق..فمدت شهد يدها بخجلا تساعده في التخلص منه كم أمرها….
وعند تلك النقطة لم يقاوم اكثر فمالى عليها يأخذ شفتيها في قبلة عميقة مشتعلة بالمشاعر المتقدة
بينهما……
فلفتهما عاصفة الحميمية وسلما الحصون للهوى
مستمتعين بهذا الاجتياح العاطفي الناتج عنه لذة
ليس لها مثيل…..
……………………………………………………….
زمت شفتيها بحنق وهي تحاول ربط الصمولة الحديديّة بالمفك لكن دون جدوى…
آتى عليها البواب واضعًا صندوق العدة قائلا…
“العدة اهي ياستاذة كيان فيها كل المفاتيح اللي هتحتاجيها…تحبي اساعد سيادتك… ”
رفضت كيان وعيناها مركزة على ما تفعله…
“لا.. لا خليك ياعم عوض كتر خيرك انا متعوده
على كده…..”
زم الرجل شفتاه معقبًا باستهجان وهو يراها منحنية قليلاً في جلستها على المقعد تحاول إصلاح جزءا
معين في دراجتها الهوائية…
“انا من رايي تبيعي العجلة دي يا أستاذة…وتجبليك
موتسيكل اشيك…..”
رمقته كيان بعدائية مجيبة….
“بلاش تفتح السيرة دي تاني عشان منخسرش بعض ياعم عوض…”
تراجع عوض عن حديثه موضحًا بتململ..
“انا مش قصدي حاجة والله انا بس شايفك شقيانه
وتعبانه بيها وكل شوية تصليح وهات العدة ياعوض وودي العدة ياعوض…وخد بالك من عزيزة ياعوض
يعني كده كتير والله يا أستاذة امال لو كانت موديل
السنة كنتي عملتي إيه….”
رفعت كيان حاجبها واشارت له باصبع التحذير…
“فرمل مكانك انت زودتها أوي….الا عزيزة…مالها
مش عجباك بصلها كويس شايف إيه…”
رد الرجلا ببلادة…… “عجلة….”
برقة بعيناها تشير على الدراجة مجددًا
مُصرة….. “لا…. بص كويس…..”
أكد الرجل جافلًا وهو ينظر الى الدراجة
بقوة… “والله العظيم عجلة يا أستاذة…..”
مطت كيان شفتيها بتبرمًا قائلة…
” غلط دي مرسيدس أحدث موديل تعرف ليه انا شيفاها مرسيدس ياعم عوض….”
نظر لها الرجل بارتياع كمن ينظر الى مختلة
عقليًا….. “ليه….”
اضافت كيان بابتسامة واسعة وهي تنظر الى
دراجتها الحبيبة بفخر….
“عشان انا ببص على الجوهر الداخلي… وعزيزة اللي مش عجباك دي تلف العالم في نص ساعة…”
عقب الرجل ببلادة وهو ينظر اليها…
“ماشاءالله يأستاذة.. دي على كده اسرع من الكوتكوت.. ”
رددت كيان الكلمة باستفهام..
“كوتكوت ؟!….دا نزل امتى دا كمان…..”
إتساعت حدقتا عوض متفاجئا وهو ينظر
خلفها….قائلا بحفاوة….
“اهاه الأستاذ سليم وصل…أهلا ياستاذنا….”
صف سليم سيارته الفارهة امامهما وترجل منها
بكامل اناقته المعتادة بحلة رسمية أنيقة مصفف شعره الغزير للخلف..يظلل عيناه بنظارة سوداء
فخمة…واخيرا يضع عطره الرائع القوي الذي زكم
انفها فور اقتربه منهما مردد التحية للبواب امرًا…
“ازيك ياعوض….. طلع الشنطة دي فوق وافتح
المكتب…..”
“من عنيا يا أستاذنا… “اخذ منه عوض حقيبة العمل وهرول الى الداخل….
بينما نظر سليم لعيناها الفيروزية قائلا بتحية
صباحية فاترة…..
“صباح الخير…اي اللي موقفك كده.. مطلعتيش ليه…
عندنا اجتماع مهم النهاردة….”
“صباح النور الأول…..”قالتها كيان بابتسامة
صافية ثم اشارة على الدرجة…..
“عزيزة تقيلة حبتين في المشي…فكنت بربط الصوميل….وبشحمها… ”
رمق سليم ما تقوم به بعدم رضا….فقالت
هي بهدوء….
“اطلع انت وانا خمس دقايق وهاجي وراك…. ”
امتقع وجه سليم معترضًا بقنوط….
“مينفعش ياكيان سبيها ونبقا نوديها عند اي حد
يصلحها…”
رفضت بتعنت كالعادة….
“لا طبعًا هي فاضل فيها حاجات بسيطه وهخلصها اطلع انت…..”
عندما ابتعدت عنه جلست مكانها على المقعد الخشبي وامامها الدراجة تقف أرضا منقلبة على رأسها..
عند مراقبته لها بدأت له وكانها تعافر لربط الصمولة الحديدية بالمفك الصلب بيداها الصغيرة….
نظر سليم للسماء بنفاذ صبر ثم تنهد بضيق
وهو يتجه إليها…..قائلا بغلاظة…
“اي رأيك تبيعي عزيزة بتاعتك دي…واجبلك
عربية هدية مكانها….”
اشرف عليها بطوله الفارع واقفا جوارها مما جعلها ترفع عيناها الى مستوى عيناه الحانقة منها…لتقول
بعدها بالامبالاة….
“والله دي هدية محدش يرفضها…بس انا ليه ابيع
عزيزة…”
أوغر صدره بالغيظ فقال بهيجان مكتوم….
“عشان اخلص من الفرشة اللي انتي فرشاهالي كل
يومين تحت المكتب…ماهو ده مش منظر محامية
مثقفة ودماغها توزن بلد…لا وبتشتغل معايا في المكتب كمان….”
رفعت كيان راسها بكبرياء…
“اي اللي يقلل مني يامتر لما أصلح عجلتي بأيدي..”
رفعت يداها اليه بفخرٍ ليرى يداها المتسخة
بالشحم الأسود اثار التصليح لذا لوى شفتيه
ممعتضًا مشيح بعيناه عنها ففعلت المثل وهي
تغلق كفيها بضجر….
خلع سليم السترة عنه بحنق شديد ووضعها في نافذة السيارة المفتوحة ثم عكف كم ساعديه
قائلا…
“فاضل ايه في تصلحيها يافيلسوفه هانم..”
ردت باقتضاب… “الصمولة بس وزيت الجنزير….”
نظر للسماء بجزع…..”الصبر…..”ثم اقترب منها
واخذ المفك من بين يدها وقام هو باكمال تلك
المهمة بسهولة….
نظرت له كيان بطرف عيناها….
“انت مضايق اوي كدا ليه….اي اللي حصل لده كله..”
اخبرها بوجه محتقن بالغضب وهو يتابع التصليح دون توقف…
“ولا حاجة… ولا اي حاجة عندنا اجتماع بس مهم وفي اي لحظة ممكن يوصلوا الوكلا وانا وانتي سايبين المكتب وبنزيت جنزير عزيزة تحت المكتب…..هو في حاجة هتحصل اكتر من كدة…”
زفرت كيان منزعجة….
“على فكرة بقا انا قولتلك اطلع وانا جايه وراك…”
زأر كالاسد وهو ينظر لعيناها بسطوة خطرة…..
“واسيبك في الشارع بالمنظر ده تبقي فرجه للرايح والجاي…ااه منك ياكيان….اااه…..”
قالت كيان بتململا…
“يووو بقا اللي حصل..كنت هزيت الجنزير واطلع علطول..”
رمقها سليم بطرف عيناه بسخط وهو يمسح جبينه بظهر يده مزيح قطرة العرق التي تجمعة فوقة…..
فلتة ضحكة من بين شفتي كيان كتمتها سريعًا بعد
ان نظر لها سليم بقوة مستفسرًا….
“بتضحكي على إيه….”
بللت شفتيها وهي تشير على
جبهته بتردد… “وشك عليه شحم….”
عض على شفتيه بغضب وهو ينظر اليها شزرًا….فازدردت كيان ريقها بخوف….
“عادي بيطلع بالمايه والصابون مالك…ما انا ايدي
زيك…وبعدين انت اللي عرضت المساعدة…مترجعش
تبص وتكلم….”
سالها سليم بتجهم….
“انتي ليه متمسكة بالعجل دي اوي كده….”
لمعة عيناها فجأة وهي تخبره بظفر…
“دي اول حاجة اشترتها من مرتبي….فعشان كده
غالية عليا بينا ذكريات حلوة….اصلي من النوع اللي بيقدس وبيحترم كل حاجه حلوه في حياته…حتى
لو كانت عجلة….”
أشاح سليم بوجهه عنها قائلا بفظاظة…
“سامحيني حاولت اتأثر بس مش عارف….لسه عند وعدي بعيها واجبلك مكانها عربية هدية مني ليكي…”
انكمشت ملامحها بضجر…
“طول مانت بتحسبها كده…عمرك ما هتحب
عزيزة….”
اجابها سليم بوجوم…
“كفاية انتي بتحبيها ومطلعه عيني معاكي
عشانها….”
“اي دا بقا…مش وقته خالص… “اتى صوت كيان مصعوقًا خارج حدود النص….
مما جعله ينظر اليها بعدم فهم….
“في إيه…..”سالها سليم وهو ينظر الى السيارة الفارهة التي وقفت امام باب البنية وقد ترجل
منها الوكلاء المهمين الذين اتخذوا معاد منذ أيام قليلة للحضور واقامة اجتماع مهم معهم يحدد
مسار القضية الكبيرة التي يترافع عنها….
جز سليم على اسنانه وهو ينظر لها بغضب من مظهره الآن فكانت يداه ملطخة بالشحم وكذلك جبهته وجالسًا امام دراجة هوائية مقلوبة وبيده مفكا
حديدي….مظهرٍ لا يوحي أبدًا بانه (سليم الجندي.)
رجل القانون والمحامي المعروف في مجالة والذي
لديه وكلاء اثرياء من كافة المجالات المهمة ولا
يثقوا إلا به….
هذا الموقف الآن كارثي بكل المقاييس وكل هذا
من خلف راسها هي وتلك الدرجة العجيبة…سحبها سليم سريعًا وفي لحظة خاطفة خلف سيارته حتى
لا يراهما رجال الأعمال بهذا الشكل المخزي…فيكملا طريقهما الى المكتب للأعلى وهما يلحقا بهما دون ان يتعرضا لموقف سخيف يقلل من شأنهما…
قالت كيان بضيق وهي تخفي رأسها خلف
السيارة….
“اي اللي بتعمله ده….يقول علينا إيه…عيال…”
زمجر سليم من بين اسنانه دون النظر
إليها….
“احسن ما يقوله متسولين…اسكتي لحد ما
يطلعوا….”
قالت كيان باستخفاف….
“انا مش عارفه انت مكبر الموضوع ليه..مفهاش
حاجة تحرج على فكره…..اكيد لم عربيتهم بتعطل
في نص الطريق بيضطره يصلحوها…. ”
اخبرها بتشنج مكتوم…
“بس دي مش عربية دي عجلة….”
رفعت حاجباها باستنكار…..
“ومالك بتقولها بقرف كده ليه ما تشبهش يعني
عربيتكم….”
أكد ببرود… “لا والله… ماتشبهش…..”
قالت بتحذلق وانفها يعلو في السماء….
“دا عشان مش بتبص للجوهر الداخلي…”
“إتنيلي ووطي صوتك….”تافف سليم وهو يتأكد من دخولهما الى البنية المنشودة…..
بينما قالت كيان بترفع…..
“لا عندك مش دي الطريقه خالص اللي تسكتني
بيها….”
نظر لها سليم ثم أبتسم بعصبية
قائلا…
“ممكن تسكتي يانسة كيان….”
اومات براسها بغرور…. “اذا كان كده ماشي…”
فخرجا معًا من خلف السيارة متجهين الى الداخل
بمظهرٍ مزري….
“استاذ سليم…..”
توقف سليم مكانه وهو يعلم صاحب الصوت جيدًا
انه السكرتير الخاص لأحد الوكلاء الذين سبقوهما
للأعلى….
يجب ان يستدير فلن يقلل من نفسه مرتين
يكفي هذا….
ادار وجهه الى الرجل مدعي الدهشة وهو
يبتسم بترحيب….
“اهلا ازي حضرتك يافريد بيه….”
لم يمد الرجل يده بعد ان راى يد سليم الملطخة
بالشحم ومظهره الغير مهندم اطلاقًا وهذه أول
مرة يراهُ هكذا…
“هو حضرتك مش في المكتب ليه دا البهوات
لسه طالعين لحضرتك…”
ابتسم سليم بحرج معتذرًا….
“اه اصلي لسه جاي والعربية كانت عطلانه فكنت
بشوفها….”
اوما الرجل براسه بتفهم وبدأت بوادر الارتياح
تظهر على محياه…..
“اه…..تمام طب يلا بينا….لان انت عارف وقت البهوات ضيق وعندهم اجتماع في الشركة كمان ساعة..”
اخبره سليم بنفس الإبتسامة الدبلوماسية…
“تمام اتفضل هجيب چاكت البدلة واطالع وراك… ”
عندما ابتعد الرجل عنهما أخبرها سليم
بجدية…..
“اعملي حسابك الاجتماع ده انتي هتحضريه معايا وهتقدمي المُذكرة اللي بقالك اكتر من شهر بتكتبيها…وهتشرحي كل حاجة فوق بتفاصيل… ”
خفق قلب كيان بتخوف…
“ما بلاش المرادي ياسليم….انا مش جاهزة….”
نظر لها بجدية وهم يستقلا المصعد معًا..
“دي فرصتك…أمال الشهادة اللي خدتيها لزمتها
إيه….وشغلك معايا أكتر من سنة بحالها فين ثمارة
يااستاذة…”
صمتت بتردد وهي تنظر الى الأرقام المضيئة امامها…فوجدته يمسك كفها بين يده قائلا
بنظرة ونبرة مشجعة….
“انا واثق فيكي ياكيان….وعارف انك قدها….”
……………..
تنوعها خطير وكانه يقف امام عدة شخصيات نسائية الشيء الوحيد الذي يجمع بينهن اسمٍ مشترك (كـيـان…)
احيانا يراها شابة جميلة رقيقة مفعمة بالحب والحياة شقية مرحة….واحيانا يراها في بعض الأوقات شابة شرسة حادة مزاجها متعكر طوال الوقت تمقت على جميع من حولها دون سبب مقنع….واحيانا ايضًا يراها طفلة بائسة مسكينة تحتاج بعد التدليل والعطف حتى ترضى….
ومن بين كل التناقضات اليوم يراها أمرأه قوية تقف
على ارضًا صلب وامام كبار رجال الأعمال تتحدث
ببلاغة وثقة جذبت الانظار اليها….
كان يراقبها من خلف مكتبه يسمع كل شيءٍ تقوم
بشرحة من ملابسات القضية وكيفية تقديم مرافعة
ودلائل قوية تخضع لها النيابة والقضاء……
بد الجميع مرتاح بعد هذا الاجتماع والنتائج المثمرة
من خلفه…..
فقال أحد رجال الأعمال معبرًا عن امتنانه لمجهودهما الجبار في تلك القضية الكبيرة…..
“انا مش عارف اشكرك ازاي يامتر…بس بعد الاجتماع ده انا بقيت ضامن اني هكسب القضية….خصوصًا ان الاستاذة عملت مجهود جبار عشان توصل لحلول قانونية مدهشة…”
ثم استرسل وهو يصافح كيان
بحرارة….
“حقيقي انا ممتن لحضرِتك…..”
بادلته كيان المصافحة بابتسامة عملية….
“انا معملتش غير شغلي ان شاء الله نتقابل في المحكمة ونسمع اخبار حلوة….”
اكد الرجل بحبور….. “باذن الله يأستاذة….”
اخبره سليم بتذكر…..
“بس بلاش تنسى الاوراق اللي اتفقنا عليها دي هتفيدنا اوي في المرفعة…..”
اوما الرجل وهو يشير الى السكرتير الخاص بتلك
الشؤون….
“طبعا يامتر….فريد هيتواصل معاكم وكل اللي تطلبوه هو هينفذة….وان شاء الله نتقابل في المحكمة..وزي ما الاستاذة قالت نسمع الاخبار
الحلوة هناك…”
“باذن الله شرفتونا…..”
اصطحبهما سليم للخارج تارك كيان خلفه تقفز بسعادة طفولية بعد ان قدمت مرافعة قوية
أمامهم…
عندما عاد سليم اليها نظر لها مبتسمًا معقبا
بحنان…
“برافو ياعصفورة….واضح ان التلميذة اتفوقت
على أستاذها….”
قالت كيان بابتسامة واسعة….
“طبعًا مقدرش هتفضل انت الاستاذ ورئيس
القسم كمان…”
اوما براسه مستأنف بحزم…
“عايزين نشتغل كويس اوي على القضية دي….”
قالت كيان بتفاني….
“انا معاك شوف انت عايز إيه…وانا اعمله….”
نظر لشفتيها الشهية قليلا معقبًا
بنبرة وقحة…
“ياريت هترضي ياعصفورة….”
تخضبة وجنتيها فقالت بحزم….
“بلاش تخرج عن النص احنا بنتكلم في الشغل….”
“طب هاتي الكرسي بتاعك ويلا عشان نبدأ نشتغل….”
اومات براسها وهي تجلب مقعدها لتضعه بجواره
فسحبها سليم فجأه لتقع جالسة على ساقيه ثم قيدها بذراعيه قائلا بوقاحة…
“فيها اي لو نختصر المسافات وتقعدي هنا….”
حاولت التملص منه بعنفًا وهي تصيح بتشنج…
“فيها سفالة وقلة آدب ابعد ايدك ياسليم لو سمحت….”
حل سليم ذراعيه عنها سريعًا عندما وجدها تعافر بين
يداه بتلك القوة الجادة…
“هو انتي ليه مش قادره تنسي…..”
“انت اللي بتتعمد تفكرني بحركاتك دي….”كانت صريحة جدًا في اجابتها فقد نطقت بها بعصبية
وهي تنهض من على ساقيه….
صرح سليم بعصبية…..
“كيان انا زهقت……انا هكلم والدك نقدم معاد فراحنا….”
رفضت بعناد وهي تنظر اليه…
“لا طبعا…. احنا اتفقنا ان فرحي هيبقا مع أخويا…..”
احتدم الأمر اكثر بينهما عندما قال بوجه
مكفهر…..
“إتفاق جاي على هواكي مش كده…. ”
امتنعت عن الرد وهي تشيح بعيناها عنه….فأمرها بقوة جبارة……
“ارجعي على مكتبك….. سبيني لوحدي….”
نظرت اليه بدهشة وعندما امتنع عن النظر اليها وبدأت بوادر الغضب والجدية الشديدة تظهر بخطوط عريضة على وجهه انسحبت فورًا
بخطوات متسرعة بعصبية وكبرياء…
وهي عاجزة عن فهم تلك العلاقة ومدى تأثيرها على مشاعرها وافكارها….
……………………………………………………………..
سحبت نفسًا مضطرب الى صدرها الذي يموج الان
بمشاعر عديدة مابين قمة السعادة و…الرهبة من الانزلاق من اعلاها…
وقفت امام باب شقتها (العش الزوجي..)المقدر الإقامة بها بعد الزواج…..
كانت بصحبة حمزة حينما وضع المفتاح في الباب
ودفعه للدخول….
ارتجف قلبها بين اضلعها وهي تأنب نفسها للمرة المائة على الذهاب الى هنا بمفردهما…كان من المفترض ان ترافقهما (كيان)لكنها اعتذرت
بسبب العمل المتراكم عليها….
“ادخلي ياقمراية وقفه كدا ليه….”
اوقف سيل الأفكار وصخب المشاعر صوته العابث
بعدما دلف الى الشقة قبلها منتظرها على عتبة
الباب من الداخل…..
نظرت اليه قليلًا بتردد….فغمز هو لها قائلًا بشقاوة..
“اوعي تكوني خايفه مني…انا مش بعض…انا باكل
علطول….”
مزحة سخيفة جعلتها تبرم شفتيها بتقزز…. فضحك
هو مشيرًا لها بان تدخل بقلة صبر…..
بلعت ريقها وهي تسمي الله متخطيه عتبة الباب بقدمها اليمنى….. قائلة بعد ذلك بهدوء….
“بلاش تقفل الباب.. سيبه مفتوح….”
اوما حمزة براسه بانصياع وعندما خطت خطوتين للداخل وجدت الباب يغلق من خلفها بصوتٍ عالٍ
مما جعلها تنتفض في وقفتها ناظرة اليه بغضب
رفع حاجباه ببراءة قائلا…
“الهوا قفله….”
زمت شفتيها وهي تدور بحدقتاها حول زوايا الشقة
التي كانت عبارة عن جدران بيضاء….
تقدم حمزة منها وسار جوارها قائلا…
“اي رايك في الشقة واسعة وحلو….وبطل على البحر…”
قالها وهو يتجه لأحد النوافذ وفتحها امام عيناها لتجد البحر أمامها مباشرةٍ في منظر ساحري افتنها
فتلونت شفتيها في ابتسامة حلوة كجمال بنيتاها
الان…..
اقتربت من النافذة وتأملت الشارع الرئيسي والسيارات السريعة التي تمر من عليه يليه البحر
مباشرةٍ وزرقة المياة الصافية والنسيم البارد
المعطر بالمياة المالحة…..
“المكان حلو أوي..كفاية انها بطل على البحر فعلاً.. ”
اخبرها بغرورٍ ذكوري لعين….
“قوام كده وقعتي في غرام بحرنا… انا فاكر انك عندك حساسية من البحر أصلا….”
قالت بجدية ووجهها يشع براءةٍ….
“ولسه عندي حساسية…. بشرتي حساسة على
فكرة وبتتاثر من اقل حاجة…انت مش مصدقني..”
شملها بنظرة وقحة معقبًا بلؤم…..
“مش محتاج اصدقك او اكدبك….بكرة أتأكد
بنفسي….”
توهجة وجنتاها كشعلتين صغيريتين من اللهب فور
التعبير الصريح في عسليتاه الوقحة….
مما جعلها تشير بعشوائية مضطربة الى جدار ساقط
نصفه ارضًا تتناثر منه اجزاء صغيرة من الحجار…
“هي الحيطه دي وقعه ليه….”
اجابها بهدوء وهو يقترب من الجدار الواقع
نصفه…..
“ماهم دول شقتين مفتوحين على بعض….”
وكانه لطمها بقوة على وجهها فوقفت للحظات متسمرة مكانها مبهوتة تسمعه وهو يتابع بفتورٍ
“ان شاء الله العمال هيبداو يشتغلوا فيها من اول
بكرة… عشان كده جبتك النهارده تشوفيها عشان
لو في اي حاجة عايزة تغيريها..دي شقتك
برضو قبل ما تكون شقتي….و…. ”
كانت تراقبه بصمتٍ واهتمام لكن عقلها كان بعيدًا
اذنيها كانت تسمع صوتٍ آخر صوت شهد عندما
كانا يتبادلا أطراف الحديث حول علاقته بــ(نجلاء)
اخبرتها شهد يومها ان الشرط الذي عجز حمزة
عن اتمام الزواج قبل ان تخونه مع المدعو سامح
زوجها الحالي… ان امها طلبت شقتين من عمارة
ابيه يضمهم حمزة الى بعض ويتم تسجيلهم بأسم
ابنتها….
فعلمت ايضًا ان ابيه لم يوافق حتى على استئجار شقة واحده من أحد العمارتين بل امتنع ووقف امامه بالمرصاد فخسر الفتاة واختارت هي بدورها من يدفع اكثر ويوفر لها احتياجاتها هي وامها…..
لماذا كل شيءٍ موجع ومتعب في هذه العلاقة وكانها
المرأة الوحيدة التي ترتبط برجلًا سبق له الارتباط
الرسمي بغيرها ؟!..
لماذا تتعرقل في سيرها كلما اقتربت منه خطوة تجد
نفسها تقع بقسوة على ارضًا صلبة ذو اسلاك شائكة !…
اشار لها حمزة بان تتبعه من خلال فتحت هذا الجدار
الواقع حتى ترى الجزء الاخر من الشقة…..
فأومات براسها بمنتهى الصلابة دون ان تكشف
عن الحرب الشعواء التي تقام داخلها الآن…بينما
الأسئلة تقفز في عقلها كالناقوس بالحاح مزمن…
(لماذا…..لماذا تحقق هذا الشرط الآن رغم انكم انفصلتما ولم يعد هناك شيءٍ يجمعكما؟….ماذا تريد
ان تثبت؟…..وماذا عني انا؟!….انا لا افهم شيءٍ ؟….)
تعرقلت في أحد الأحجار الصغير وهي تتخطى
هذا الجدار وكادت ان تسقط على وجهها لولا
ذراع حمزة التي امتدت امامها تمنع سقوطها
ومنه لامس صدرها الذي ارتطم في ذراعه.
تشبثت في سور الجدار بيدها وهي تنظر اليه
بصدمة فسحب هو ذراعه بحرج قائلا
بغلاظة…
“حاسبي…مش عارفه تقعي ولا إيه….”
لم تبتسم بل مزالت تحت تاثير الصدمتين الأولى مفاجأة الشقتين المفتوحين على بعضهما والثانية
تعرقلها وذراعه على……
اغضمت عيناها بحرج شديد بينما سرى في جسد
حمزة نشوة غريبة فور ملامسة هذا الجزء الانثوي
الطري جدًا…..
ارجعت قمر خصلة من شعرها خلف اذنيها
قائلة….
“مخدتش بالي…..”
اخبرها حمزة بنظرة عابثة…..
“ولا يهمك انا موجود….اقعي انتي بس وملكيش دعوة بالباقي….”
اختلج قلبها فرمشت بعيناها عدة مرات وهي تتخطاه داخله الى الشقة الثانية والتي كانت ايضًا تحتاج الى الكثير من العمل حتى تجهز كشقة عريس…..
أشار لها حمزة على أحد الغرف قائلا….
“دي بقى هتبقا اوضة أطفال…اي رايك مساحتها كويسة…”
رق قلبها وعيناها وهي تدلف الى تلك الغرفة ذات
الحوائط البيضاء….قالت وهي تطلع على كل ركنا
بها…..
“تعرف ان دي هتكون أحلى اوضة في الشقة
كلها…. ”
سالها حمزة بحاجب معقود وهو يقف
خلفها…”واشمعنا بقا…..”
قالت بصوتٍ دافئ وهي تتأملها ببنيتان لامعة….
“إحساسي بيقول كده….انا بحب الاطفال أوي..وطول
عمري نفسي لما أتجوز اجيب اكتر من طفل عشان
ميبقاش وحيد زيي….”
نظرت لعيناه مصرحة….
“تعرف اني اتخيلت شكلهم وصوتهم وملامحهم…”
سالها حمزة وهو يستند على الجدار خلفه ناظرا
اليها باستمتاع…..
“دا عشان احنا اتخطبنا ولا الكلام ده من قبل ما تشوفيني أصلا……”
قالت بتورد ممزوج بالحياء… “الإتنين بصراحة….”
“هما أهلك كان عندهم مشكلة في الخلفة بعد ما جبوكي…..”
سالها حمزة وهو يتأمل تفاصيلها المليحة من أول
شعرها الغجري المتأرجح خلف ظهرها بدلال حتى
ثوبها الصيفي الطويل بألوانُ الداكنة…
شردت قمر في تلك الذكرى الجميلة والمؤلمة
لكونها باتت مجرد ذكرى تحفظها على ظهر
قلبها المشتاق…..
فقالت بحنين وهي تنظر للبعيد مستعيدة
الذكريات….
“من قبل كمان ما اجي الدنيا….كانت ماما عندها مشكلة في الخلفة ومع ذلك بابا فضل معاها ومسبهاش ورضي بقضاء ربنا…فجيت الدنيا في لحظة يأس زي ما بابا كان بيقولي دايما…..جيتي
في لحظة يأس ياقمري نورتي حياتنا…عشان
كده سمناكي قمر…. ”
ردد حمزة الكلمة وهو يمط زواية شفتيه
الجانبية…. “قمري ؟!….”
لسعة الدموع عينيها وهي تتبسم قائلة
بصوتٍ متحشرج…..
“بابا مكنش بيناديلي غير بيها….”
“واضح انكم كنتوا قريبين اوي من بعض..”سألها حمزة بصعوبة وكانه يمضغ حصى قاسٍ ..
فاي شيءٍ له علاقة بمشاعر الابوة يهتز معها قلبه
رغمًا عنه وكانه مزال صغيرٍ ينتظر عطفٍ او نظرة
اهتمام من أبيه ؟!…
انسابت دمعة حزينة على وجنتاها وهي
تخبره بحرارة….
“جدًا….كنا صحاب اوي كانت ماما احيانا بتغير
مني على بابا……مع ان علاقتهم مع بعض كانت
جميلة أوي…كنت تشوفهم كده نفسك تتفتح
على الجواز والحب….كان حبهم احلى من
اي رواية حب قراتها……كنت بشوف كل واحد
في عين التاني…..بنظرة حب عمري ما شوفتها
في عيون حد بعضهم…..”
أبتسم حمزة بسخرية وهو يقارن هذا بطفولته
المأساوية وعلاقة والديه الكارثية المليئة
بالكره والبغض……والاهانة والضرب…
فقالت قمر بنبرة حزينة وعينين مليئتان
بالدموع….
“من كتر ماهم متعلقين ببعض ماتوا ورا بعض ماما
قعدت سنين عايشة على الذكريات وبعد كده سبتني
ومشت بعيد……”
إضافة قمر وهي تنظر اليه….
“عشان كده نفسي اوي اجيب اكتر من طفل عشان يبقوا مع بعض سند وضهر….زيك انت واخواتك
كده…..”
لم يعقب حمزة فقالت قمر بحرج….
“مش بحسد طبعًا بس انا بحب اشوفكم مع بعض
بحس بدف العيلة واللمه اللي اتحرمت منها
سنين….”
ابتعد حمزة عن الجدار متقدمًا منها…
“بتكلمي كده على أساس إنك مش فرد مهم في العيلة دي….”
سالته بتيه…… “تفتكر ياحمزة…”
رق قلبه لها فمسك يدها قائلا بعطف…
“ولسه بتسألي انتي بنت عمتنا ياهبلة…وقريب
قوي هتبقي مراتي…..مراتي ياقمراية…..”
تبادلا النظر قليلًا فمد حمزة يده يمسح الدموع من على وجنتاها وهو يأسر بُنيتاها بنظرات….
تخللت انفاسه الرجولية المنكهة بالقهوة المُرة رئتاها لقربه الشديد منها فاغمضت عيناها لثانية ضائعة في جمال اللحظة تاركة كل شيءٍ خلف ظهرها يصرخ بان تتوخى الحذر فتلك العلاقة سامة بكل المقاييس..
تأمل قسمات وجهها المليحة بيده وكانه يرسم تفاصيلها بابهامة…..وعندما وصل كفه لشفتيها وفي غمرة النشوة طبعت هي قبلة حانية بداخل كفه….
من خلالها اهتز قلبه معها من رقة التعبير عن حبها
له….حب عاجز ان يبادلها إياه…حبٍ بحث عنه داخل قلبه ولم يجده فهو ممحى مع أخرى اتت قبلها مدمرة
كل شيءٍ حلوٍ متبقي داخله وتركت خلفها ركام رجلًا يحيا على الهامش ؟!…
وكانه أصأب بماس كهربائيّ نزع يده عنها فجأة محاولًا ان يفيق من تلك الحالة الغريبة….
رجعت قمر خطوة للخلف بحرج وهي ترجع خصلة
زغبية من شعرها خلف اذنها….فاخذ حمزة نفسًا متهدج اثار حرارة المشاعر المتقدة بينهما الآن….
“يلا بينا ياقمر….لو قعدنا اكتر من كده سوا
متلومنيش على اللي هيحصلك….”
قالها بنبرة شقية مصرحًا عن ضعفة امام جمالها لكن في قرارة نفسه هو يهرب من الحب…وهي صورة متكاملة للحب النقي الذي اتى بعد فوات الأوان….
اخبرها والدها انها اتت الى الدنيا في أكثر لحظاتهما يئسٍ وأنارة الدنيا بوجودها…..وها هي الان تاتي
اليه بالحب بعد ان مات قلبه من شدة اليأس !…
فكيف لكِ ان تنعشي قلبًا مات من قسوة الحيآة ؟!..
……………………………………………………
صعدا على السلالم معًا في رحلة قصيرة الى الدور
السابع فقد اخبرهما البواب بان المصعد في الصيانة
اثناء صعودهما معًا كانت تمسك قمر علبة ورقية
تحتوي على ثمار اشبه بالطمام بحجم حبة العنب من اللون البرتقالي تقبع داخل قشرة ورقية جافة يسهل
إزالتها….فاكهة استوائيّة تدعى (حرنكش..)…
تلذذت في طعمه الاذع القوي وهي تنظر الى
حمزة قائلة….
“برضو مش عايز تاخد واحده…..”
مط حمزة شفتيه وهو ينظر الى الحبة البرتقالية
بين اصابعها بامتناع…..”قولتلك مش عايز…..”
مضغتها بتلذذ قائلة…. “على فكرة طعمها حلو…..”
رفض حمزة مجددًا…. “مززه مش عايز….”
مطت قمر شفتيها بسخرية….
“بتكلم على المزازة وانت مدمن قهوة سادة…”
اخبرها بصلف…. “على الريحة مش سادة….”
قالت بجدال….
“رشت السكر اللي بتحطها دي ولا بتعمل اي
حاجة…”
رد بغلاظة وهو ينظر الى الحبات البرتقالية…
“بنسبالي انا بتعمل كتير….وخليكي في الحرنكش بتاعك….”
بعد ان تخطى معًا ثلاثة طوابق كاملين قالت قمر بتافف وهي تبدي ازعجها من الأمر….
“انا مش عارف اي حكاية الاسانسير اللي كل شوية
يعطل ده…على اساس ان احنا ساكنين في دور الاول
يعني….”
نظر لها حمزة بوقاحة قائلا…
“لو تعبتي انا ممكن اشيلك ”
امتقع وجه قمر فقالت بحزم…. “احترم نفسك….”
رفع حاجبٍ بريء….. “انا غرضي شريف….”
رمقته بطرف عيناها قائلة….
“اوي بصراحة باين عليك….”
“اي ده…..”قالها حمزة وهو يتوقف عند أحد الأدوار
مشدوهًا بعد ان رأى امرأة واقعه أرضا في منتصف
الطريق ويبدو انها في حالة اغماء…..
اقتربت منها قمر مهرولة بهلع وكذلك حمزة وبعد ان جثى على ركبته اتضح ان تلك المرأه هي….نجلاء
نهضت قمر من مكانها بصدمة وهي تنظر اليها ثم
الى علامات الضرب على وجهها والى حمزة الان
الذي مزال مكانه لم يبتعد مثلها بل كان يحاول افاقته بتعابير وجه غير مقروءة..
اهو شعور انسانيًا يخص به اي شخصًا في هذا الموقف ام انه شعورٍ خاص يحمله لكونها
الحبيبة السابقة له ؟!….
تخبطت بين السؤالين بقسوة وكانها اللطمة الثانية
لها على التوالي…..
نظر لها حمزة قائلا بخشونة….
“مش بتفوق…..بس في نبض….انا هطلعها شقتها
مش هينفع نسبها كده….”
وقبل ان ينتظر ردها حمل نجلاء على ذراعيه بخفة
وكانها لا تزن شيءٍ ثم أكمل طريقة وهو يأمرها
بخشونة….”تعالي ورايا…..”
مكانها مصعوقة من هذا المشهد وقلبها يئن
وجعًا وكانه يعتصر بين يداه الآن وهي تراه حاملا
على ذراعيه أخرى يتخطى بها الدرج بينما يأمرها
بان تلحق به بمنتهى التجبر….
تركت العلبة الورقية تقع ارضًا وتناثرت الحبات البرتقالية في كل مكان حول حذاؤها وهي تراه
بعيناها الجاحظة يتابع طريقه للأعلى دون
الالتفات إليها ولو بنظرة عابرة !….
فلسعة الدموع عيناها بقسوة وهي تأخذ اللطمة الثالثة بروح مهشمة……
عندما فتح الباب نظرت والدة نجلاء الى ابنتها المحمولة على ذراع حمزة فاقدة الوعي صرخت
فورًا وهي تصيح بولولة….
“يالهوي يالهوووي بنتي….عملت اي في بنتي…”
صاح حمزة مزمجر بوجهًا محتقن…
“وسعي ياولية خلينا احطهالك في اي حته دراع
امي اتخلع…..”
ابتعدت المرأة عن الطريق وهي تتابع بولولة…
“عملت اي في بنتي ياحمزة مالك ومالها..احنا مش فضناها سيره وكل واحد راح لحاله وبنتي اتجوزت وانت خطبة غيرها مالك ومالها…..”
وضع حمزة نجلاء على اقرب اريكة قابلته فأستقام
واقفًا وهو يدلك ذراعيه فقد صعد بها ثلاثة ادوار
كاملة……
بينما صرخة والدة نجلاء بعد ان رأت وجه ابنتها مليء بكدمات ارجوانية اللون وكان من عنفها
بتلك القسوة يتدرب على وجهها كـكيس ملاكمة..
مما جعل والدتها تشهق عدة مرات وهي تضرب
على صدرها بقوة…..
“ياضنايا يابنتي….مين اللي عمل فيكي كده…”
فرفعت عيناها سريعًا الى حمزة وانقضت
عليه تمسكه من ياقة قميصة صائحة باتهام…
“انت مديت ايدك عليها….دا انا هوديك في ستين داهيه….انت اتهبلت ياواد..”
نزع حمزة يداها عنه بقرف وهو يزم شفتيه
بازدراء….
“انتوا هترموا بلاويكم عليا بقا ولا إيه…بنتك اهيه فوقيها واساليها اذا كنت انا اللي ضربتها ولا النطع اللي متجوزاه….”
“سامح ميعملهاش…..” قالتها وهي تذهب الى غرفتها
في لحظة ثم عادت وبين يداها زجاجة عطر فتحتها ورشت القليل على يدها وقربته من انف ابنتها….
بينما يقف حمزة يتابع الأمر ببرود وتشفي واضعًا يداه في جيب بنطالة بملامح جافية….
انتفضت نجلاء وهي تفتح عيناها بصعوبة وأول
شيءٍ راته كانتا عينا حمزة المتوهجة بنيران
الضيق والمقت…..
بلعت ريقها وهي تنظر الى امها بعدم فهم… فقالت
امها بغضب….
“اكلمي يانجلاء ياحبيبتي متخفيش… هو اللي مد
ايده عليكي كده.. صح وجاي وعملي فيها شهم وشايلك على دراعه…”قالت اخر جملة وهي ترمقه
باحتقار….
انفجرت نجلاء في البكاء وهي تهز راسها
بنفي…
“حمزة معملش حاجة ياماما…انا وقعت من
طولي وانا طلعالك….”
قالت امها بصدمة وهي تنظر الى كدمة
وجهها…
“امال مين اللي عمل في وشك كده….”
ازداد بكاؤها حرقة مما جعل حمزة يمط شفتيه
بملل قائلا ببرود….
“اسيبكم انا بقا تحلو اموركم العائلية…طالما اتاكدتي
ان مش انا اللي ضربتها….”
“ماهو كتر خيري فعلا بس بعيد عنكم….”
أغلق الباب خلفه بقوة وغضب وهو يتمتم عدة
سبات بذيئة نافضًا قميصة بيده وكانه يتخلص
من اي آثر لها بعد ان حملها بين ذراعيه ثلاثة
طوابق كاملة….
فتوقف بصدمة وهو ينظر الى الفراغ أمامه…اين
هي….لماذا لم تصعد خلفه كما أمرها….
ضرب على مقدمة رأسه بكف يده متافف بجزع
فهذا الأمر لن يمر مرور الكرام بينهما ؟!…

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

تحسست بيدها الفراغ بجوارها على الفراش، فتحت
عينيها بصعوبة لترى نفسها تستلقي على الفراش
وحدها….
استدارت ونظرة للسقف عدة مرات محاولة الاستيقاظ من احلامها الوردية…
كل ليلة تمر هنا هو بمثابة حلم جميل تحياه معه..أربعة أيام مروا على تواجدهما في هذا الكوخ الرائع وسط الطبيعة الخلابة والتي تراها مقتبسة
من الجنة لشدة جمالها البديع…..
كل يومًا تنام بين ذراعيه يغمرها بالحب بالحنان بالكلمات والافعال تغرق في بحر الغرام ، سخيا هو في حبه عطاء لدرجة تجعلها تتراجع عن أشياء
كثيرة خططت لها سابقًا ؟!…
أربعة أيام سعادتها فيهما تخطت نسبة السعادة الضئيلة التي عاشتها خلال فترة عمرها السبعة والعشرون ؟!…
معترفة هي بهذا ولا تنكر سعادتها وحبها لكنها كالعادة الخوف يجعلها فريسة سهلة للصيد…
فدومًا البدايات رائعة لكن ماذا بعد البدايات ؟!…
نهضت عن الفراش ببطئ وهي تحاول ان تطرد افكارها السوداء وتستعد لصباح يومًا جديد بالحب
والحياة….
خطت على الأرض الخشبية حافية بقميصها الوردي
الناعم القصير الى حيث النافذة المطلة على المنظر
الساحر….
سحبت لرئتاها أكبر قدر من العبير المنعش والمختلف عن ارضها…..
لكل وطن رائحة زكية يتميز بها والغريب فقط عن وطنه من يعرف الفرق…..ورغم انها احبت جدًا البلد
السياحية والمكان المتواجدين به إلا ان عبير الوطن
في الخاطره مهما رأت من مغريات…. الوطن يظل وطنًا بالعيوب قبل المميزات هو الموطن……
ابتسمت بحبٍ بعد ان راته بعسليتاها يجلس قرب حافة البحيرة يمسك بين يده صنارة الصيد جالسا
بمنتهى الهدوء والصبر يستمتع بتلك الجلسة بمزاج رائق بعد ليلة حميمية رائعة على الشموع……
توردت وجنتيها بخجلا كلما استعاد عقلها ذكرى
ليلة أمس…
حينها خرجت متألقة ليلًا في ثوب سهره انيق يلائم
رقيها الملكي وجمالها المميز…..جامعة شعرها في تسريحة جميلة وتضع لمسات من الزينة الذي زادتها
توهجًا وحلاوة في عينا عاشقها الذي ظل واقفًا
مكانه بانتظارها بحرارة الأشواق….
عندما رأته ابصرت الاختلاف الذي اضحى في المكان
من حوله أنوارًا خافته وشموع ساهرة وبلونات حمراء وبيضاء تملء الارض وجزءًا من البحيرة….
واميرها يقف أمامها متأنق بطاقم كلاسيكي عبارة
عن بنطال وقميص انيقًا متناسقا عليه كان وسيمًا
لدرجة مهلكة وكانه يتنافس مع روعة المفاجاة الذي اعدها لها….
تقدمت منه بخجلا وهي تشعر بان العالم يدور من حولها فكل شيءٍ يحدث الان لم يطرق على مخيلتها
يومًا فكيف لها ان تستوعب سريعًا ان كل هذا لأجلها
وملكًا لها وحدها…..
وضعت يدها في يده عندما اقتربت واصبحت أمامه
لم تجد كلمة تعبر عن سعادتها او امتنانها لكل ما يفعله لأجلها لم تجد إلا ابتسامة خاصة تحمل اكثر من تعبير وعينين تلمعان بدموع فرح تأبى تركها وكانها جزءا من زينتها أليوم…..
رفع عاصم كفها الى فمه وطبع قبلة حانية طويلة عليه ومن ثم رفع عيناه اليه قائلا بوسامة…
(جاهزة ياست الحُسن…..)
عقدت حاجبيها وهي لا تفهم شيءٍ…حتى راته يشير
الى هذا الفرس الأسود الواقف جانبًا والتي لم تلاحظه إلا الان…اتسعت عيناها جراء هذا
وقالت بتخوف….
(انا بخاف من الخيل ياعاصم…..)
(مش وانا معاكي…تعالي…)قالها بمنتهى الثقة والهدوء وهو يمسك يدها متجه بها الى الفرس
الشامخ امامهما والذي يلمع جلدها الأسود تحت الاضاءه بشكلا ساحرٍ…..
صعد هو أولا على ظهر الخيل بمنتهى الشموخ والثبات ومن ثم مد يده لها ترددت كثيرًا في
الصعود إليه فتلك أول تجربة لها في ركوب
الخيل !…
لكنها بعد ثواني حسمت الأمر ووضعت يدها في
يده ثم رفعت قدمها اليسرى على سير ركاب السرج واندفع جسدها للأعلى وكانها تحلق ثم استقلت أخيرًا خلفه على جانبها بسبب الثوب الذي قيد حركتها قليلاً….فتشبثت بخصره الصلب بكلتا يداها بتلقائية وهي تغمض عينيها بخوف وتأخذ انفاسها بصعوبة ناظرة كل ثانيةٍ للأسفل…
(بصي قدمك….كده هدوخي….)
قالها عاصم ضاحكا وهو يمسك باللجام بكلتا يداه
متحركًا بالفرس بخطوات هادئة مراعيًا تجربتها
الأولى في ركوب الخيل….
في البداية كان الأمر صعب لكن بعض لحظات بدأت
تعتاد على الجو مع نسيم الهواء وصوت خرير المياة
الاتي من بحيرة الشلال….
وسط الارض الخضراء والاشجار الشامخة وعبير الطبيعة المنعش الممزوج بعطره الرجولي..
تسلل الأمان والدفء الى قلبها رويدًا رويدًا فاقتربت أكثر منه وتشبثت أكثر في خصره الصلبة مرتاحة براسها على ظهره…..سائلة بصوتها الموسيقي بعد لحظات….
(امتى ياعاصم اتعلمت ركوب الخيل….)
رد عاصم بصوتٍ أجش….
(من زمان اكتر حاجتين بحبهم الخيل والصيد…)
ابتسمت ولم تجيب بل ظلت على وضعها تضمه من الخلف برقة ونعومة يذوب هو معها وتزيد مضخة
قلبه قوة أسفل كفها غافلة هي عن مدى تأثرها
القوي عليه…
سالها وهو مزال يقودها بالفرس
للمجهول…..
(انتي بقا ليه بتخافي منهم….)
زمت شفتيها قائلة وهي ترفع رأسها….
(وقعت زمان وانا صغيرة من على الحصان….ورجلي اتكسرت….فبقيت بخاف منهم….)
تحدث عاصم وهو ينظر أمامه….
(أكيد كنتي ركبة غلط او مش مسكه في الجام كويس……بس اي رأيك دلوقتي لسه خايفه منهم..)
قالت بنبرة مرتاحة…
(لو معاك ماشي.. لو لوحدي لا…)
رفع حاجبه وهو ينظر إليها….(انا كده هتغر…..)
قالت بنبرة شهية وهي تضحك
برقة….
(انت مغرور من يومك مش محتاج….)
ذاب قلبه وعيناه فتمتم وهو ينظر للأمام مستقبل أكبر قدر من هواء الليل البارد…..
(آآه يا ست الحُسن عايزة تتكلي أكل….)
ضحكت فبدأ يسرع قليلاً بالفرس فأصبحت المتعة
مكثفة داخلها فبدأ الهواء يطير خصلاتها شعرها
حول وجهها……
تشبثت فيه بقوة صارخة…
(عاصم هانقع….)
أمرها مبتسمًا…..(هشش غمضي عينك….)
فعلت وهي تكاد تمزق قميصه باظافرها المعلقة
به….فوقف فجأة الفرس وتوقف كل شيءٍ جميل
رغم الخوف الضئيل داخلها إلا ان كل شيء
كان ممتعًا وتجربة ركوب الخيل كانت مبهجة
ورائعة لقلبها…..
فتحت عيناها فراته يمد لها اللجام كي تمسكه وعندما فعلت نزل عن الفرس برشاقة ثم احتوى
خصرها بكلتا يداه برقة منزلها على الأرض وكل
شيء حدث في غضون ثوان..
فوجدت نفسها تقف امام شجرة كبيرة مزينة بفروع من الأنوار الصغيرة المضيئة بشكلا ساحرٍ أسفل ظل الشجرة المنير تقبع طاولة مستديرة حولها مقعدان
مقابلين لبعصهما يقبع فوقهما طعام العشاء يتوسطهما شمعة على شكل قلب تنصهر ببطء….
ابتسمت شهد ولمعة عيناها بالفرح وهي تنظر اليه
بدهشة فوجدت عيناه تتلاقى بعيناها بحبٍ ثم تقدم
منها وطبع قبلة على وجنتها قائلا…
(اي رايك عجبك المكان…..)
نظرت الى عيناه وقالت بحيرة وهي تنظر
حولها….
(السؤال ده اتكرر اكتر من مرة…وكل مرة مش بلاقي
رد يوفي اللي بتعمله عشاني…..عاصم انت بجد بتحبني لدرجادي…..)
لم تزول الإبتسامة عن محياه لكن انعقد
حاجباه قائلا…..
(سؤالك ملوش مكان هنا…..مينفعش تشك في
ده ياشـهـد…..)
بللت شفتيها قائلة بحرج….
(مش شك بس مش مستوعبه ان ممكن حد
يحبني الحب دا كله…ويسعى السعي دا كله
عشان يسعدني…)
تلونت نظرة عيناه بشقاوة فغمز
لها…
(طب ما انتي لماحة اهوه امال اي بقا…)
(قولي إزاي ممكن أسعدك…..)انطلق هذا السؤال
دون تخطيط مسبق….مما جعلها تجفل وهي تنظر
اليه..
لمعة عيناه أكثر وكان رده عليها رغم البساطة
معبرًا عن مشاعره الخاصة لها وحدها…..
(مش محتاج السؤال ده…..انا لو مش مبسوط
معاكي ليه هكمل….انا بقيت أسعد راجل في دنيا
ياشـهـد بعد ما بقيتي مراتي….انتي اللي قلبي
اختارها وعايز أكمل عمري كله معاها….)
احتوى وجهها بيداه وقربها منه طابع قبلة حنونه
على جبينها…..مضيفًا وهو يأسر عينيها وقلبها..
(سعادتي معاكي انتي ياحبيبتي…..انتي ياست
الحُسن…..)
مزيج من الضعف والحب والاشتياق والخوف مزيج
مؤلم افترس قلبها الهش فجعلها تطلب بلوعة….
(احضني ياعـاصـم….)
قالتها باستحياء وعيناها تلمع بدموع فهز راسه
بنفي وهو يضم جسدها إليه قاضم شفتيها بتاني وتريث حتى ذأبت بين ذراعه كالهلام وهي تتأوه بتعب ومذاق قبلاته المطعمه بانفاسه الرجولية الدافئة تتخلل لرئتاها فـتفقد معها المتبقي من صوابها بينما صدره العريض يضغط عليها بقوة
تكاد تشعر بمضخة قلبه القوية تضرب صدرها
فتشعر بالهيمنة الذكورية عليها….
بعد لحظات من مزيج من الدفء والجموح اطلق سراح شفتيها وهو يلهث وهي معه مسلوبة الانفاس
تلهث بشفتين منفرجتين شديدتا الاحمرار….
مسح عاصم على شفتيها بابهامة ببطء وتروي
هامسا وهو ينهال من مرآى عسليتاها….
(بحبك ياشـهـد….)ثم طبع قبلة على وجنتها
مكررًا بخفوت..(بحبك…)
اخيرًا ضمها الى صدره فتعلقت به متنهدة بلوعة وضعف وهي تستمد منه كل ماهو جميل ورائع
مثله…
لا تعرف كم مر من الوقت كل ماتعرفه انها هي من ابتعدت بعد وقتًا طويل ونظرت لعيناه قليلا ثم رفعت جسدها الى مستواه وطبعت قبلة على خده معبرة عن الكثير من الشكر والامتنان لوجوده في حياتها ثم اكتفت !…
وبعد لحظات كانا يتشاركا وجبة العشاء على الشموع
الساهرة يتبادلا أطراف الحديث عن أشياء عدة يضحكا يتحدثا….. يداعبها بالكلمات والنظرات تبادله
باستحياء لذيذ ورجفتها مزالت تفعل به العجب….
وبعد ليلة رائعة…. عادا معًا الى الكوخ على ظهر الفرس الأسود بسرعة قصوى وقد تلاشى حينها
خوفها وبقى فقط الاستمتاع بلحظة معه….
عندما وصلا الى غرفة نومهما لم تجد كلمات من عاصم إلا عن الحب والدلال فقط…دللها لدرجة
تفوق الوصف فكانت في احضانه تنصهر بضعف
وجسدها يستجيب لمدللهُ فتئن تارة بوجع وتارةٍ
أخرى منادية باسمه وكل مرة يلتقط تاوهها من بين
شفتيها المنفرجة بنهم مستمتع بتلك الحالة التي تخلق بينهما مشاعر متاججة بالحميمية المشتعلة
كانت ليلة مختلفة جميلة على شموع الحب انصهرت
اجسادهما ببعضها وأنين المتعة كان سيمفونية ليلتهما الخاصة……
لفح وجهها نسيم الهواء المنكه بالطبيعة الخلابة
فعادت من ذكرى ليلة أمس ومازالت واقفه مكانها
امام نافذة الغرفة تنظر إلى عاصم الذي يوليها
ظهره ممسكًا بصنارة الصيد التي اشتدت بين يداه في لحظة فبدأ يسحب الصنارة للأمام بقوة…
وقد انتبهت كل حواسها لهذا المشهد لتجده بعد لحظات يرفع صنارة الصيد بسمكة كبيرة نسبيًا
وعلى هذا اطلقت شهد صفيرة عالية مشجعة من
بين شفتيها التي ضمتهما باصابعها….
التفت عاصم ناظرًا الى نافذة الغرفة مباشرةً بملامح جافلة فوجدها تقف هناك تبتسم برقة وتلوح له بيدها بسعادة مطلقة صفيرة أخرى امام عيناه لحنها صاخب
يختلف عن رقتها التي يذوب بها كل ليلة….
أشار لها بان تتقدم فاشارت على قميص نومها الوردي التي ترتديه ومن ثم رفعت كلتا يداها كعلامة على….
(انتظرني عشر دقائق فقط….)
جلس عاصم مجددًا امام البحيرة بانتظارها على احر
من الجمر وهو يضع الصنارة من جديد متأملا المكان بعينين حانيتين ومزاج رائق…
لم يتوقع يومًا ان يعيش كل تلك السعادة عن طريق
أمرأه يشتهي قربها دائمًا ويستلذ صحبتها والحديث معها فـتغني قلبه وقناعته بإبتسامة بلمسة بكلمة….
انها سيدة الحُسن التي اختارها قلبه واسماها…
بعد بضعة دقائق خرجت اليه بثوب ربيعي جميلا
بحمالات رفيعة عند الكتف ويصل طوله لفوق
الركبة مطلقة شعرها حرًا طليق وغرتها الناعمة
تداعب جبهتها….
ممسكه في يدها سلة التنزة بها الفطور الذي اعدته
له… عندما اقتربت منه قالت برقة…
“صباح الخير….”
رد بتحية الصباح الخاصة بهما…
“صباحك زي الشهد…..اتاخرتي عليا….”
“كنت بحضر الفطار….” قالتها وهي تفرش البساط
الصغير ومن ثم أفرغت محتويات السلة بترتيب
سائلة….
“أوعى تقول انك فطرت….”
أجاب بنبرة معبرة ونظرة مداعبة….
“اكيد مستنيكي هفطر من غيرك دي تيجي برضو..”
ثم طرح سؤال وهو يحك في ذقنة…
“اي اللي عملتيه وانتي واقفه في الشباك ده….”
توهجة وجنتيها وضحكت مع النظر الى
عيناه المنتظرة توضيح….
“الصفارة وحشة كنت بشجعك….”
سالها مجددًا بفضولا…
“مش وحشة بس اتعلمتيها منين….”
قالت مبتسمة وهي تدعوه للأكل….
“من حمزة كنا بنتنافس واحنا صغيرين عن مين
أحسن واحد بيصفر… وصفارة بتاعته أعلى…”
ساله وهو يمضغ الطعام… “ومين كان بيكسب….”
قالت بتوهج متلذذة في الطعام او ربما
الحديث لا تعرف…..
“أكيد حمزة…..انت ملعبتش اللعبة دي قبل كده…”
غمز عاصم قائلا بوقاحة….
“احنا لعبنا حاجات تانيه اصيع من كده…”
سالته وهي تضع شريحة من الخيار
بفمها…
“كنت بتتحدى صحابك بايه….”
“ما بلاش…..” ضاقت عيناه بلؤم…
فدفعها الفضول تسأله……
“لا أحكي عادي دي طفولة بريئة…..”
“هي مكنتش بريئة خالص….” فلتة ضحكة مشاغبة منه… مما جعلها تسأله بفضول أكبر
“إزاي يعني…قولي….”
اندمج في الحديث وهو يتناول طعام الفطور
باستمتاع…..
“يعني كنا اشقيا شوية واحنا صغيرين فكنا لم بنحط
حد في دماغنا ربنا يتولى برحمته صواريخ تحت رجلة تعابين في البنطلون……”
سالته شهد بفضول انثوي…
“واي اكتر حاجة كنت بتتحدوا بعض بيها…”
رد مختصرًا…… “البنات….”
القت عليه نظرة نارية فقال عاصم بتراجع
وهو يضحك… “دي طفولة بريئة ياشهد…..”
مطت شفتيها ممتعضة….. “غلس….”
فتابع هو بحرارة وهو يستعيد معها ذكريات
الصبى الكارثية…
“اي بنت كانت بتعجبنا كنا بنكلمها سوا من على نفس
التلفون بتقعد ياعيني تلف حولين نفسها…مش عارفه
إحنا اتنين ولا اكتر بنجنن امها….”
غيرت شهد مجرى الحديث
سائلة…
“عمرك عملت مقلب في حد…..”
لمعة عيناه بمشاغبة وهو يخبرها بتذكر…
“مرة في مدرس الفيزيا….كان معايا واحد صاحبي
ابن لذينه بيعرف يقلد حلو أوي المهم كلم المدرس
ده على اساس انا واحده معجبة بيه وكده ومكالمة ورا مكالمة الموضوع كبر مننا والمدرس طلق مراته وطلب أيده في التلفون وبقت مسخرة……”
انفجرت الضحكات من افوههم بصدمة معقبة
شهد بذهول…..
“انت كنت شقي اوي كده وانت صغير…”
رد عاصم بمراوغة…
“كنت لسه صغير بقا وبتسلى…بس دلوقتي كبرت
وبقت الشقاوة على تقيل… ولا انتي شايفه إيه…..”
قالت شهد بحزم كناظرة مدرسة شديدة التعامل
مع المشاغبين امثاله….
“شايفه تسيب وانحلال اخلاقي…..”
أكد عاصم بهزة بسيطة من رأسه….
“ومالوا كملي الانحلال وهاتي بوسة ياحلوة…”
“عـاصـم…..”همست بتمنع….فلم يابى برفضها بل
سحبها من ذراعها حتى اقتربت منه والتهم شفتيها
في قبلة ملتهبة بالمشاعر….
ثم اطلق سراح شفتيها قائلا بتلذذ وهو ينهال
من مرآى عيناها….
“كده وجبة الفطار كملت….تسلم ايدك ياست
الحُسن….امسكي.. ”
اعطاها الصنارة تمسكها ففعلت وهي تنظر إليه بعدم
فهم لتجده يضع راسه في حجرها وجسده يمتد مستلقي على البساط المفروش اسفلهما….قائلاً
وهو ينظر لعيناها….
“احكيلي بقا انتي مصايبك وانتي صغيرة….”
ضحكت بخجلا وهي تنظر للبحيرة بلونها الزمردي الرائع….مفكرة قليلاً قبل ان تقول….
“مكنش فيه مصايب للدرجة عادي كنت بس دايما
بعمل مشاكل مع البنات اللي بتقرب من حمزة..كنت
بغير عليه اوي وانا صغيرة عيزاه ليا لوحدي…فكنت
بضربهم وبيضربوني…..وفي مرة اتعركت مع بنت
تخينة بس مش بسبب حمزة بصراحه بسبب انها خدت مني سندوتشاتي….فضربتها بالقلم…ولك ان تتخيل عملت اي فيا….”
قال عاصم متاففٍ بشفقة… “أوف ضربتك جامد….”
تاوهت شهد قائلة وهي تضحك على ذكريات
كانت تظنها اسواء ما قد يمر في حياتها !…
“ضربتني دي قعدت عليا….دا انا كانت روحي بتروح
الكلام ده كان في ابتدائي وقتها الوحيد اللي شلها
من عليا ولد معايا في نفس الصف كان إسمه طارق
طارق ده كان ولد جميل اوي حنين وطيب كنا صحاب أوي في فترة ابتدائي وبعد الاعدادي اختفى
وعرفت من مامته انه سافر لاني كنت باخد دروس
مع والده الأستاذ عياد……”
اظلمت عينا عاصم وانطفأت ملامحه فجأة
سائلا على نحوٍ مفاجئ….
“ويترى لسه بتسألي عليه….”
هزت راسها بنفي قائلة بفتور….
“لا بصراحه الدنيا خدتني و بعدها اتلهيت في دراستي وحياتي ومشاكلي مع بابا….انا حتى
نسيت العنوان..”
قال بنبرة غريبة وصدرٍ يشتعل على نحوٍ
غريب… “بس منستيش اسمه ياشـهـد….”
انعقد حاجباها وبدى عليها الإزعاج من تعقيبة
على هذا الأمر التافه…..
“عادي على فكرة في حاجات بتفضل معلقه معانا
غصب عننا بنفضل فاكرنها…ليه قبلت كده ياعـاصم
انا معلقتش زيك كده وقلبتها نكد….انت بتغير.. ”
مط شفتيه قائلا بتهكم….
“سؤال في منتهى الغباء لو مغرتش عليكي انتي هغير على مين….”
ضحكت على تصريحة قائلة بظفرٍ مغوي….
“بتغير من طفل دا اخر مرة شوفته كان عنده
حداشر سنة انت بتهزر !….”
تلقت نظرة قوية من عيناه الصقريتين جعلتها تبتلع
الباقي من حديثها قائلة بتقهقر ومزاح…
“خلاص خلاص احنا نقفل الكلام في الموضوع
ده وكفاية كلام في طفولتنا البريئة…..”
رد بوجوم….. “يبقا أحسن….”
قالت فجأه والصنارة تنسحب
منها…
“اي ده الصنارة غمزت…….شد معايا….”
رفع عاصم راسه عن حجرها مساعدها على
سحب الصنارة وعندما فعلت خرجت الصنارة
فارغة…..فلاح الاحباط على وجهها قائلة…
“اي ده بقا دي كلت الطعم وهربت… ياخسارة….”
رد عاصم برجاحة عقل وهو يعود مرتاح براسه
فوق حجرها…..
“الصيد عبارة عن صبر لو ركزتي في المكسب
الجاي يبقا عمرك ما هتصبري……”
قالت بشفاه مقلوبة….
“ولو خسرت زي دلوقتي….”
رد بحكمة وهو يغمض عيناه….
“حاولي تاني السمك كتير….مش يمكن الصيدة اللي خسرتيها مش مكتوبالك من الأول….”
قالت بمناغشة…. “بتقول حكم يامعلم عاصم…..”
رد باسلوب مماثل….
“يارب تكون وصلت بس يامعلمة شهد…..”
ضحكت قائلة بصبرٍ…. “ومالوا أحاول تاني….”
القت الصنارة متنهدة وهي تنظر للبحيرة مستعيدة
ذكريات الطفولة بشرود بينما هو يرتاح براسه فوق حجرها واسم صديق الطفولة التي تذكرته على
حين غرة يعكر صفوه….من هو (طارق عياد ؟!..)
…………………………………………………………..
دلفت الى المكتب بخطى ثابته مرتديه طاقم كلاسيكي انيق من اللون الكحلي تترك شعرها البندقي حرًا طليق خلف كتفها تضع القليل من
الزينة التي لا تخفي جمال ملامحها الرقيقة..
دارت حول المكتب ووضعت أحد ملفات القضايا المهمة التي يعملا عليها…ناظره لعيناه وهي تقول بعملية…..
“دي الملفات اللي طلبتها يا أستاذ سليم….”
قال بوجهًا متجهم دون ان ينظر
لعيناها….
“تمام….روحي على مكتبك….”
سالته بحيرة وهي تنظر الى جانب وجهه
الجاف….
“احنا مش قولنا اننا هنشتغل على القضايا دي
سوا….”
اجابها سليم بجفاءٍ…
“محتاج ادرسها الأول لوحدي….اتفضلي على
مكتبك يا آنسه….”
رددت الكلمة بذهولا وهي ترفع حاجبٍ
مستنكرًا….
“آنسه… انت زعلان بجد بقا اي اللي حصل لده
كله…. يعني ياما اتساهل معاك وترضا عني ياما
تتقمص زي العيال……”
جفل من جملتها فرمقها بنظرة
نارية….
“اتقمص زي العيال ؟!…”
لوت شفتيها قائلة بتهكم…
“دا اللي انا شيفاه بصراحة….”
صاح سليم بنفاذ صبر…. “على مكتبك ياكيان….”
صاحت بقوة جبارة مثله…
“مش هروح على مكتبي غير لما افهم اي الغلط
في اللي عملته..اللي يخليك تخصمني المدة
دي كلها….”
احتدت عيناه القاتمه… “انتي بجد مش عارفه….”
خفق قلبها بخوف لكنها ردت باستنكار…
“انا بسألك….”
رد مثلها وعيناه تبتلعها في ظلامها…
“وانا كمان بسألك لي وافقتي على ارتبطنا…”
قالت وهي مأسورة بعيناه….
“بسيطه يامتر…….لاني بحبك…..”
اهتزت حدقتاه بتأثر لكن سريعًا لوى شفتيه
هاكمًا مزمجرًا بها…
“اللي بيحب حد بيبقا واثق فيه مش خايف منه
ومستني غدره في اي لحظة….وانا مش بتكلم
غير عن اعتراضك على اني اقدم معاد الفرح
قبل أخوكي….اللي لسه قدامه اكتر من خمس
شهور على ما يجهز شقته….”
قالت كيان بجدية حاسمة….
“اتفقنا كان على اساس كده مدينا المدة شوية عشان
نعرف بعض اكتر…..”
صمت سليم قليلًا ناظرًا لعيناها بقوة قبل
ان يقول بحزم….
“انا مش عايزاك تعرفيني قد ما عايزك تثقي فيا
وتصدقي اني بحبك…..واني مش شايف حد غيرك
وان اي حاجة حصلت قبلك ملكيش انك تعترضي
عليها او تفكريني بيها كل شوية لمجرد اني قربت
منك ؟!….”
قالت بصوتٍ متهدج مختنق….
“وانا مش عيزاك تقرب مني بالطريقة دي لان
مفيش حاجة بينا شرعي حاليًا….”
كم المه اعتراضها وكانها تنفر منه بصورة او بأخرى
لذا كان جادًا وهو يخبرها بصرامة وكبرياء…
“تمام وانا مش هقربلك تاني ياكيان….ولا باي شكل
من الأشكال لو ده اللي هيرضيكي وهيشيل الوساوس من دماغك…..اتفضلي على مكتبك…”
وجدته يتجاهلها عمدًا مثبتًا عيناه بين الأوراق.. زمت
شفتيها بغضب وهي تتجه الى الخارج بخطوات عصبية وقلبٍ يرجف بغضب ولوعة…..
القت جسدها على المقعد وهي تفتح الملفات امامها
بعينين مليئتان بالدموع….
ماذا يحدث لها… من منذ متى وهي حساسة وغبية
ومتهورة هكذا…. ان الحب يدفعها للجنون….والغيرة
تفترسها كلما فكرت بعلاقته السابقة مع خطيبته
ومشهد القبلات التي راته حينها ، يقتلها الشعور وتفترسها الغيرة والظنون…وتسأل نفسها
الى اي مدى وصلت علاقتهما هل كانت مختصرة
على القبلات ام انها أعمق مما تتوقع !!….
اعتصر الألم قلبها بقبضة جليدية قوية..فاغمضت
عينيها زافرة وهي تنحني براسها سانده على يدها
فوجدت صوتٍ مألوف لها يقول بقلق…
“مساء الخير…..موكا انتي كويسه…”
رفعت راسها فوجدت نائل يقف امامها بكامل اناقته
وبنظرة مهذبة كاسلوبه البق….
نهضت بدهشة عن مقعدها لتمد يدها
مرحبة…
“نائل….مساء النور….اي المفاجأة الحلوى دي…”
بادلها نائل المصافحة ثم جلسا معًا حول
المكتب…فبدا نائل يسالها بتعجب
“كنت قريب من هنا فقولت اعدي عليكي…عامله ايه
في الشغل…اي السبب اللي خلاكي ترجعي تاني
لمكتب سليم الجندي…. وليه سبتي خليل الصواح
انا فاكر انك هنا مؤقتا…. ”
نكست كيان راسها عاجزة عن الرد عليه فحتى الان
لم تعلن خطبتها على سليم الجندي اليهما خوفًا من ان تجرح شعور نائل فقررت الإبتعاد دون اخبارهما
عن السبب…..
“يعني لقيت ان الشغل هنا احسن من مكتب خليل
الصواح…فاستقريت هنا….”
رد نائل بابتسامة صافية….
“طبعًا المكان اللي يريحك…المهم تكوني مبسوطه..”
أشرق وجهها سريعًا فنائل دومًا مريح في الحديث ويحترم خصوصية الغير…..
“طبعا مبسوطه…وانبسط اكتر لما شوفتك…قولي
بقا عامل إيه واي أخبار الشغل…بس قبل دا كله تشرب إيه…..”
لمعة عينا نائل وهو يرفض بالباقة….
“ولا حاجة ياموكا….انا كنت عايز افتحك في
موضوع مهم……”
هزت كيان راسها برصانة دون ان تمحي
ابتسامتها… “خير… قول انا سمعاك….”
تعرق جبين نائل قليلًا وهو يزدرد ريقه قائلًا
دفعة واحده…. “انا قررت اتجوز….”
خفق قلبها بخوف لكنها ادعت اللا مبالاة
مستفسرة…. “بجد الف مبروك….حد أعرفه…..”
رمش نائل عدة مرات قبل ان يقول
بخفوت….
“مش هلف ودور عليكي انا برتب للكلام ده بقالي
فترة واخيرا اتشجعت وقررت ابلغك بيه…انا بحبك
ياكيان من أيام الجامعة عيني وقلبي مش شايفين
حد غيرك….انا عايز اتجوزك…. ”
اتسعت عينا كيان رغم توقعها بحدوث هذا إلا
انا الأمر على أرض الواقع مربك….جعلها تجفل
للحظات معقودة اللسان امام عينا نائل المنتظرة
جوابها….
“وياترى السكوت علامة الرضا…ولا الهانم بتفكر
تقبل…..”
اخترق الصمت صوتٍ رجولي خشن يقف عند باب
المكتب المفتوح بطوله الشامخ وجسده العضلي
وحلتها الامعة ككل شيءٍ به…هادئا باردًا لكن عيناه
القاتمة المسيطرة على مشاعرها أوضحت الكثير
مما يشعر به الان في هذا الموقف الذي لا تحسد
عليه….
نهضت كيان عن مقعدها بوجهًا شاحب وهي تنظر
لسليم بصدمة…وفعل نائل وقف احترامًا له قائلًا
بحرج يعافيها هي عن مواجهة رب عملها….
“انا آسف جدا يا استاذ سليم واضح اني اختارت
المكان الغلط اللي أفتح فيه مسألة شخصية زي
دي…..”
اقترب سليم منه وعيناه القاتمة لا تحيد عن وجهها الشاحب وعينيها المذعورتين….وضع يده على كتف نائل قائلًا بخشونة….
“لا انت اختارت المكان الصح….ولازم الانسة كيان
تديك الرد على طلبك…..”
رمقها شزرًا قائلا بوعيد….
“ماتردي….. ولا تحبي ارد انا مكانك….”
بللت كيان شفتيها وهي تقول بتخوف
متلعثمه…
“أا…. أصـ….. اصل انا يانائل مخطوبة… وخطيبي
هو….”اشارت على سليم باصبع السبابة وهي تبلع
ريقها بوجل…
احمر وجه نائل بحرج وهو ينظر الى وجه سليم
الحجري ونظراته الغير متهاونة معه…تعرق جبين
نائل اكثر من ذي قبل وهو يقول بتلعثم….
“انا اسف مكنتش أعرف….”
سأله سليم بنظرة نمرٍ شرس….
“ليه هي مقلتلكش قبل كده انها مخطوبة…”
هز نائل راسه بنفي قائلًا بصدق….
“والله أبدًا…انا لسه عارف من حضرتك…لو اعرف
ليه هاخد الخطوة دي واحرج نفسي….”
وضعت كيان يدها على خدها مغمغمة سرًا وهي
ترمق نائل شزرًا….
(الله يخرب بيتك يانائل بتسلمني تسليم أهالي…)
ربت سليم على كتف الشاب بقوة وهو يحاول تمالك
اعصابها قائلًا بفظاظة وقلبه يشتعل بنيران
الغيرة…..
“على العموم اديك خدت الرد على طلبك…شرفتنا..”
اوما نائل براسه بوجوم وهو يغادر دون ان يلقي
نظرة وداع عليها….فـعلمت وقتها ان صداقتهما
انتهت هنا ولن تعود…..
غامت عيناها بالحزن والشفقة وهي تنظر الى رحيله بقلب مكسور….ثم رفعت عيناها الى سليم الذي
أمرها بنظرة سوداوية….
“ورايا على المكتب…..”
وقفت في مواجهة عاصفة الغضب التي ستندلع الان
بعد لحظات من الصمت المهيب…..
كان يقف امامها في منتصف المكتب ينظر اليها بغضب وصدره يتضخم بمشاعر سوداوية عنيفه في
تلك اللحظة تحديدًا كلما فكر في عرض زواجها
من هذا الأحمق واعترفه بالحب لها…وعدم قدرتها على الرد..بل وامتناعها عن اخباره بأمر الخطبة….
يجن جنونه وتنتابه رغبة شيطانية في تمزيقها
إربًا…..
ظل يلاحق ملامحها بنظراتٍ كالسهام الحادة لبضعة
ثواني الى ان قال أخيرًا بصوتٍ غريب….
“انا عايز افهم اي السبب اللي خلاكي متعرفهوش انك مخطوبة….”
قالت بخفوت تحت سطوة عيناه
الحادة…
“مجتش مناسبة….”
قطب حاجبيه هاتفًا بعنف….
“مش هو ده الرد اللي مستنيه قولتي قبل كده انه
بيحبك وانك عارفه ده…ليه مقلتلهوش…تكونيش
خوفتي تجرحي مشاعره…”
همست بملامح مرتابة….. “بظبط….”
جاشت مراجله فصاح زائرًا كالنمر
الجريح….
“ومشاعري انا وكرامتي… وانا شايفه بيصرحك
بحبه وبيطلب ايدك للجواز.. مفكرتيش فيها…”
قالت كيان بتردد وهي ترجع خطوة
للخلف…..
“وانا كنت أعرف منين انه هيعمل كده….”
هتف سليم بصوتٍ قاسٍ مزدري وهو يبتسم
بعصبية….
“ليه كان هيفضل يحبك في السر كتير ما مصيره يقولك على كل حاجة…. لو الهانم بس فكرت ولو شوية هتعرف ان خبر الخطوبة هيقطع لسانه وهيبعده عنها… ولا تكونش الهانم جاي على
هواها اللي بيحصل…”
القى اتهام صريح فوقفت امام
بالمرصاد تخرسه…
“انت اخر واحد تتهمني اتهام زي ده….”
صرخ سليم في وجهها مؤنبًا إياها….
“دا مش اتهام دي حقيقه…لو كنتي واخده علاقتنا
على محمل الجد كنتي عرفتيه انك مخطوبة.. لكن
واضح انك بتتسلي….”
رفعت راسها بكبرياء تواجهه بنظرة
محتقرة…..
“زي ما انت كنت بتتسلى بيها…. وبيا….”
إرجع راسه للخلف جافلا عن قدرتها الجبارة في
تدوير الاحاديث والقاء التهم……قال سليم بعد
لحظة صمت كئيبة…..
“وطالما انا وحش اوي كده في عينك..وافقتي
ليه من الأول ؟!….”
عضت على باطن شفتيها شاعره بالعراء
أمامه…. “اللي حصل….”
سالها بنظرة مشتعلة… “يعني إيه….”
على تنفسها بعصبية فقالت بهجوم بالغ عما يعتريها نحوه وغير قادرة على البوح به لحساسية الموقف
“يعني انا شيفاك نسخة منه زي ما سبتها عشاني
هتسبني عشان غيري…..”
أغمض سليم عيناه واولاه ظهره محاول تمالك
اعصابه وهو ياخذ انفاسه بتشنج…قائلا دون
ان ينظر لعيناها المتالمة..
“لحد إمتى… لحد امتى هيفضل تفكيرك كده… قولتلك قبل كده اني اكتشفت ان احنا مش
مناسبين لبعض مش شبه بعض….”
بنظرة نافرة قالت بتهكم….
“وده اكتشفته قبل فرحكم بكام يوم….”
استدار لها سليم صارخًا في وجهها بعنف……
“عيزاني اكتشفه امتى لما نتجوز ونجيب عيال..
انتي بتفكري إزاي..ليه بتعذبيني وبتكويني بنفس النار اللي كويتها بيها…. ليه ياكيان ليه….”
التوى ثغرها بتهكم وقالت باستهجان….
“ياحنين وكمان صعبانه عليك طب ما تروحلها..
روحلها واقف ليه صلح غلطتك واتجوزها وطلعني
من القصة دي كلها….”
“انتي عايزه إيه… عايزة اي فهميني….”
اندفع نحوها بجسد متشنج فرجعت للخلف بخوف حتى اصطدم ظهرها بالحائط خلفها وعندما لم تجد مفرًا بعد ان حاصرها هنا….. قالت بعذاب وهو تواجه نظراته المتجهمة….
“عايزة اعرف اللي بينكم وصل لحد فين….”
علت ملامحه الصدمة وهو يسمعها تتابع
بلوعة…..
“كام مرة لمستها وخدتها في حضنك كام مرة بوستها وقولتلها بحبك…. كام مرة….. وحبتها إزاي وياترى اللي بتحسه معايا نفس الاحساس اللي كنت بتحسه
معاها…..”
تبادلا النظرات قليلًا بصدمة يقف هو مبهوتا متصلب
مكانه وتقف هي ترتجف باكية بضعف…..
قال سليم بعد لحظات وهو يبتعد عنها للخلف خطوتين واضع يده في خصره رافعًا وجهه للأعلى محاولًا كبت غضبه وعصبيته بعيدًا عنها قدر المستطاع…..
“مفيش حد ملوش تجارب في الحب….بذات لو
راجل زيي ومفيش حد بيعمل اللي انتي بتعمليه.”
بصوت خفيض متعب أردف….
” علشان كل اللي حصل ده كان قبل ما أشوفك وحتى بعد ماظهرتي في حياتي كنتي مجرد محامية
تحت التدريب ومساعده خاصة ليا… وأول مامشاعري اتحركت ناحيتك سبتها…. يمكن متأخر ويمكن بدري بس في الآخر سبتها…انا مش عارف اي الجريمة اللي عملتها تخليني أستحق كل الكره ده منك….”
ثم واجه عيناها بالنظرات قائلا باتزان….
“ومش عارف ليه شيفاني نسخة منه….انا مش
خاين ياكيان الحكاية كلها اني انسحبت من
علاقة فشلة وحبيت ابدأ من جديد مع حد مرتاح
ليه اكتر وشايف نفسي معاه…..”
مسحت دموعها بظهر يدها….فقال سليم
وهو يقسو على نفسه قبلها….
” انا مش ندمان اني سبتها ياكيان…بس انا بدأت
أندم اني فكرت ارتبط بيكي….”
هوى قلبها ارضًا منكسر تكاد تسمع صوت حطامه فتصلب جسدها في مكانه يابسًا وقد على تعبير الدهشة وجهها…..فاضاف سليم باترًا …..
“خدي أجازة ياكيان وابعدي…وهستنا قرارك الأخير
يانكمل يانبعد خالص….انا مش هقدر اكمل بطريقه
دي حتى لو كانت روحي فيكي…..”
خفق قلبها المحطم بوجع…ورغم ذلك قالت
بكبرياء وهي تمنع دموعها من الهبوط امام
عيناه…
“انا خدت قراري خلاص وشايفه ان احنا مش
هننفع نكمل سوا….”
بنظرة نافذة توغلت لأوصالها عقب بصلابة
“انا مش هاخد قرار في علاقتنا غير لما تهدي…”
صاحت بانفعال ومعه هبطت دموعها على
خدها…..
“شايفني بشد في شعري….قولتلك خلاص
مش عايزه….”
حاولت الهروب من هذا المكتب اللعين…لكنها شعرت بقبضة يده تعجزها عن الهرب فواجهت عيناه الحانية
رغم ظلامها القاسي…فقالت بتشنج…..
“سبني ياسليم…..سبني…..”
فلتت شهقات بكاؤها بضعف عندما ضمها الى
صدره محتوي جسدها وقلبها في احضانه
مربتًا على كتفها بحنان وهو يهمس باختناق…
“أهدي ياحبيبتي…..هعمل اللي يريحك حتى لو
كان اللي هيريحك ده اننا نسيب بعض….”
ازداد نحيبها حدة وهي تستقبل العناق دون ان
تبادله إياه فهي تخشى ان تظهر له مدى احتياجها
لعناقه مدى احتياجها له…مدى عذابها ولوعتها ان
تركها بعد ان اخبرها منذ دقائق انه ندم على هذا
الارتباط ؟!….
……………………………………………………………
دلف الى البيت عصرًا فوجدهن يجلسن على الاريكة
يشاهدا التلفاز وكل واحده منهن شاردة في عالمها..
شعر بنغزة قوية في صدره لعدم وجود شهد بينهن
كما اعتاد عند دخوله….البيت ينقصه روحها الطيبة
صوتها الموسيقي الناعم… رقيها الملكي المشع عند
نظرة من عينيها…..
عندما راته قمر امتقع وجهها بقرف وتكتفت ذراعيها
بصرامة مشيحة بوجهها وعيناها بعيدًا عنه….بينما
قلبها ملتهب بالشوق….
أنتبه حمزة الى حركاتها الطفولية مزالت مصممة على
موقفها في خصامه حتى بعد كل هذه المدة….
أسبوعين كاملين ترفض التحدث اليه مصممة على الخصام كلما حاول الحديث تصده وتتركه وتعتكف غرفتها التي كانت غرفة شهد سابقًا…
تجلس بها معظم الأوقات احيانا وحدها واحيانا مع
كيان التي لم تجد رفيق بعد شهد سواها ، تقارب الفتاتان من بعضهن كثيرًا في تلك الفترة القصيرة
لم ينكر انهن مزالا ناقر ونقير مع بعضهن لكنه المزيج المميز في صداقتهن حديثة العهد ؟!….
وضع حمزة علبة الحلويات امامهن على الطاولة وانضم الى تلك الجلسة الكئيبة وهو يستريح
على مقعده سائلًا وهو يوزع النظرات عليهن
بتدقيق…..
“مالكم شايلين طاجن ستكم كدا ليه…”
زمت قمر شفتيها وهي ترمقه بطرف عينيها دون ان
تعيره ردًا او حتى ذرة اهتمام كما اعتاد منها..
فأحمر وجه حمزة بحرج وغضب فهو لم يعتاد هذا البعد والخصام خصوصًا منها يحترق صدره كبركان
ثائر يشعر برغبة غبية بصفعها بقوة ثم تقبيلها بشدة
ساحق تلك الشفاه الحمراء المستفزة باسنانه متلذذ
بتأوها في احضانه….
ازدرد ريقه متأثرًا واظلمت عيناه بالرغبة بينما قلبه
اختلج بين اضلع بضطرم من مجرد التخيل…. منذ متى يفكر بها بتلك الطريقه الـ….. الغير بريئة ابدًا..
ان مشاعره تتحرك نحوها بسرعة تفوق الوصف كقطار سريع متهور يسير الى اللا نهاية فاقد
مكابح التحكم والسيطرة !….
تنحنح حمزة بحرج وهو ينظر الى وجه اخته الباهت
وعلامات الأسى المرسومة على وجهها بالخط العريض….
“مالك ياكيمو…… شايل طاجن ستك ليه…. انتي
زعلانه مع خطيبك….”
خمن حمزة وهو يضيق حدقتاه فاومات براسها
وهي تبتسم بسخرية…. فلمعة عينا حمزة سائلا
اخته بحمائية….
“غلط فيكي….. رفع ايده عليكي كدا ولا كده…”
هزت كيان راسها بنفي هاربة من عيناه البراقتين بخجلا خوفًا من ان يقراء المسطور في عينيها عن هذا العناق الذي جمعها بـسليم لثواني قليلة قبل ان
تدفعه خارجة من المكتب بل ومن البنية بأكملها
بعينين مليئتان بالدموع وقلب مكسور….
قالت بصوتٍ متهدج…..
“ميقدرش…..انا مش بسكت وانت عارف كده كويس
مشاكل بايخه….لو في حاجه كبيرة هقولك.. بس هي
مشكلة تافهه….”
رمق حمزة اخته بشك سائلا….
“ويترى المشكله التافهة دي مين فيكم اللي غلطان فيها…”
بللت شفتيها وهي تحني راسها
بتيه…
“تقريبًا انا….. انا اللي بدأت…..”
اوما حمزة براسه ناصحًا اياها بحكمة…
“يبقا تراجعي حساباتك ولو فعلا انتي اللي غلطانه يبقا لازم تعتذري…..” ثم نظر نحو قمر قائلًا..
بسأم….
“على الله بس ميطلعش زعله وحش زي ناس…”
رمقته قمر بطرف عينيها بقرف وظلت مكتفة الذراعين تأبى الرد عليه ولو بكلمة واحده فهي
تعلم انه يستفزها حتى تنفجر في وجهه….
نظرت كيان اليهما بحيرة وسالتهما بشك
وفضول….
“انتوا شكلكم زعلانين سوا… بقالكم كام يوم
متغيرين مع بعض ومش بشوفكم قعدين مع
بعض زي الأول….هو انتوا زعلانين فعلاً… ”
إرجع حمزة ظهره للخلف قائلًا وهو ينظر نحو
قمر بشقاوة…..
“ولا اي حاجة دا انا وقمراية زي السمنه على العسل
دا انا حتى جيبالها لقمة القاضي… وعامل حسابك
معاها….”
امتعنت كيان وهو تنهد عن الاريكة
قائلة بكآبة…..
“لا انا مليش نفس انا هدخل اريح في اوضتي
شويه… زهقت من القعده هنا….”
بعد ان أغلقت كيان باب غرفتها عليها…
اتجه حمزة الى قمر جالسًا جوارها على الاريكة رمقته قمر بتحذير لكنه ابتسم بسماجة وهو يرفع ذراعه واضعها على حافة ظهر الاريكة خلف راسها
مباشرةً..
لوهلة ظنت قمر انه سيمد يده على جسدها بوقاحة لذا انكمشت بخوف وارتجف قلبها في لحظة
بوجل….
فابتسم حمزة باستمتاع سادي وهو ينظر لعيناها
قائلاً بابتسامة سمجة….
“مساؤؤ عناب…ياقمراية……”
(مساء الزفت على دماغك…..)
كانت تتمنى ان تنطق بها لكنها للأسف اخلاقها منعتها
في اللحظة الاخيرة….فعضت على باطن شفتيها بغضب دون رد….
“انا جيبلك لقمة القاضي…..”
قالت قمر بنظرات محتقنة بالغضب….
“شكرًا بطلت اكلها….أصلي عاملة رچيم….والسكريات غلط عليا…. ”
“على كده انا لازم ابعد مانا من ضمن السكريات
برضو…..”ضحك حمزة بقوة مدعي المرح..
فرمقته قمر رافعه شفتيها بتقزز كمن تنظر لفأر ميت…فتوقف حمزة عن الضحك بتدريج متنحنحًا بحرج….
“وحشه صح……مكانتش عجباني اصلا….”
عضت على باطن شفتيها حتى لا تبتبسم…فما حدث
لا يغتفر مهما حاول هو التلطيف فالامر أصعب من
ان يمر مرور الكرام هكذا دون حاكم أو رٱبط…
قال حمزة بضيق وهو يرمق جسدها بنظرة شاملة
مدققة بوقاحة قبل ان يقول….
“وبعدين انتي بتعملي رچيم ليه…انتي عجباني كده
وبعدين انا بقا عايزك بطاية…ياريت تزيدي عن كده
اهو كله لمصلحتك…”انتهى بغمزة وقحة مشاكسة..
فزمت شفتيها فكل هذا حجة حتى تمتنع عن اكل حلواه….لكنه يفتح مجال للحديث بعد خصام دام لاسبوعين دون تبادل كلمة واحده بينهما…..
اظلمت عينا قمر وهي تعصر ذاكرتها متذكرة جسد
نجلاء رغم قصر قامتها التي تتخطاها هي بعدة
سنتيمتر الى ان جسد نجلاء كان ممتلئ عنها
نوعًا ما خصوصًا في اماكن مفترقة من انوثتها البارزة……
جزت على اسنانها وهي تنهض بغضب قائلة بعصبية
بالغة….
“وانا مش فارق معايا انت بتكره اي وبتحب إيه
لاني هفضل اعمل رچيم لحد ما بقا شبه خلة السنان
وبقا دور بقى على البطاية اللي تملى عنيك..يابو
عين فارغة ياطفس….”
قالت اخر كلمة باتهام صريح قبل ان تتحرك بسرعة
من امامه داخله الغرفة كثور الهائج…..
فغر حمزة شفتيه مصعوقًا مكانه لبرهة وعندما ذابت الصدمه على محياه إرجع خصلاته الناعمة المتساقطه على جبينه للخلف متمتمًا
ببلادة…..
“هو انا عكيت الدنيا تاني ولا إيه ؟!…”
عندما اتى الليل بدات تتمايل في نومتها على الفراش بعدم ارتياح وقلبها يشتعل كأتون حارق كلما تذكرت
حديثه عن ذوقه اللعين…
مسكت الدمية الناعمة التي على شكل بقرة والتي كانت أول هدية يهديها لها…. مسكت الدمية وعضتها
باسنانها بشراسة وهي تنفث عن غضبها داخلها بصرخة مجنونة مكتومه….
ثم بعد ان انتهت من وصلة الجنون تلك القت
الدمية عرض الحائط بسادية….وهي تقلد صوته
بعصبية مفرطة….
“عايزك بطاية… عايزك بطاية اهو كله لمصلحتك….”
على صوت تنفسها ومعه بدأ صدرها يعلو ويهبط
بتشنج قائلة بتكبد….
“عديم الذوق والإحساس…اه ياني منك نفسي
اكلك باسناني…. ليه نفس يتكلم ويهزر بعد اللي
عمله… بجح….. بجح ااااه…..”
صرخت صرخة مكتومة وهي تنهض عن الفراش متجه الى الحمام بخطوات عصبية….
وبعد لحظات خرجت من الحمام متجهة الى
الغرفة فانتبهت الى الشرفة المفتوح ابوابها
وهو واقفًا عندها ينفث عن غضبه بتدخين
وشرب القهوة المُرة…..
وجدت ساقاها تقودها إليه…انتبه حمزة لوجودها بجواره فالتزم الصمت بملامح متصلبة قاسية …
ظنت قمر للوهلة الاولى انه غاضب منها لكنها بعد
لحظات انتبهت انه يمسك هاتفه بين يداه ويتابع
احد مبارات كرة القدم لفريقة المفضل….
ويبدو من قسمات وجهه المشدودة وعروق عنقه النافرة بعصبية ان فريقة يغرق في الخسائر كالعادة ؟!….
ارتسم على وجهها علامات التعجب والحيرة لماذا
الإنسان يراهن على الاشياء الخاسرة ويتعلق بكل
ماهو خاسر مستنزف طاقته ومعكر مزاجه مع
كل هذا الضغط !….
أغلق حمزة الهاتف بعد ربع ساعة تقريبًا قضتها
بجواره واقفه صامته خانعة امام غضبه…
رمقها حمزة بطرف عيناه متأمل وجودها بجواره
بعد كل هذه الأيام بدونها تحرمه لذة صحبتها
واهتمامها به….كأم تعطف على صغيرها….
نظر امامه زافرًا بصدرٍ مثقل بالهموم والحزن انها اتت
في أشد لحظاته غضب وتأزم….وحتى الحديث الان
سيخرج على هيئة رشاش ناري يصيب وجهها الجميل..
فهو غاضب غاضب بشدة، فريقه المفضل خسر..
ماهذا الحظ السيئ….
انتبه الى ما ترتديه في معصمها هذا الاسوار الأحمر
اللعين بخرزه البراق المستفز…..
“انا مش فاهم انتي لبسه الزفت دا ليه…”
نظرت الى السوار ثم لعيناه الحانقة فابتسمت باستفزاز قائلة بإيجاز….”بتجيب الحظ…..”
بلع ريقه بتجهم قائلًا بوجهٍ مكفهر….
“قصدك بتجيب النحس….اللون ده مستفز وانتي بتتعمدي تظهري بيه قدامي…المفروض الحاجة
اللي مبحبهاش متعملهاش….”
لوت ثغرها هازئة..
“وياترى انت بتعمل كده معايا…..”
هتف حمزة بعينين تقدحان شررًا….
“واضح انك جايه عشان تستفزيني وتكملي عليا….”
رفعت قمر حاجبها ببلادة….
“انت مضايق اوي كدا ليه هما لو كسبه يعني
هيدوك الكاس !…..”
اقترب حمزة منها خطوة خطرة وعيناه تبرق
بالإجرام فخفق قلبها بخوف فيبدو انها تلعب
في عداد عمرها حيال ما نطقت به …
“تعرفي اي عن الكورة ؟!…..”
قالت بتلعثم وهي تهرب من جحيم عيناه
المتقدة…
“قولتلك اني مليش في الكورة… ولو ليه في
الكوره هطلع اهلاوية زي بابا…. ”
جز على اسنانه وتطاير الشرر والوعيد على
وجهه….
“الأحسن ان ميبقاش ليكي في الكورة خالص
عشان منخسرش بعض…..”
زفرة وهي ترجع خطوة للخلف تاخذ انفاسها المسلوبة بعصبية هاتفه بقلق….
“انا كدا كده مليش في تعب الاعصاب ووجع
القلب…..دا انت متعصب اوي… اعصابك أهدى
هطق.. ”
ضرب حمزة على سور الشرفة بيده بتشنج فحديثها
يزيده اشتعالًا اكثر من الخسارة الفادحة التي تلقاها فريقه أليوم….
“وانتي مالك يابنتي متعصب ولا متنيل على دماغي……قمر انتي جيالي في وقت الشياطين
كلها بتتنطط في وشي…..”
عقدت ذراعيها امام صدرها مشيحة بعينيها
عنه…..
“مين قالك اني جيالك انا واقفه اشم شوية هوا..
ولا ناسي اننا متخاصمين…”
نفخ حمزة بعصبية بالغة وهو يقول بصفاقة…
“مش ناسي….اقولك اشبعي بالبلكونه انا داخل اوضتي..”
غادر من امامها بمنتهى العصبية مما جعلها تجفل
متسمرة مكانها بصدمة ولم تقوِ على الاستدارة
اليه بل ظلت تنظر للشارع المظلم والمباني
الشاهقة امامها بعينين غائرتين بالدموع وقلب متجمد في قبضةٍ جليدية فتاكة يئن داخلها بالاستسلام وتعب…
فلتة شهقة من بين شفتيها المرتجفة عندما شعرت
بيده الحانيه تضع على كتفها شال من الصوف
الناعم ثم لفه حول منكبيها بحزم قائلاً بوجوم من خلفها…
“خلي الشال ده عليكي عشان متبرديش….ومطوليش عن كده… شوية وادخلي نامي… تصبحي على خير ”
ثم ابتعد ومعه هاجر قلبها اليه يقبله آلاف القبل ويركله بعدها بغضب فهذه المشاعر المتناقضة
باتت عدوى اصابتها من بعد معاشرتها له !…
…………………………………..
بعد مرور أسبوع وتحديدًا ليلا كانت تجلس على الاريكة امام التلفاز تقضم في اظافرها وهي
بانتظاره قد تخطى منتصف الليل ولم يعود حتى الآن…..
زفرت بتعب وهي تنظر للسقف اشتاقت اليه بجنون
الى حديثه للسانه السليط مزاحه الثقيل الى نظرة عيناه الشقية وابتسامته الساخرة اشتاقت لكل
شيءٍ به….اشتاقت لنفسها معه….
اضناني العشق اضناني يامعذبي فأشفق على قلبي
ولو قليل……
سمعت رنة المفاتيح في الباب ومن ثم دخوله إليها
بهالة مشعة مجنونة رجلا مجرمًا بمعنى الكلمة…
اجرام بريئًا منه لكن هالته الفجة تدينه بالاجرام
والشر والعبث….وكانه اهلًا لكل ماهو سيء
وخطير رغم صفحته البيضاء !…
خفق قلبها بلوعة وهي تنهض من مكانها متسمرة
بثوب داكن يلتف حول جسدها المنحوت بدلال
تاركه شعرها الغجري ذو الخصلات المتراقصة
حرًا طليق حتى اخر ظهرها…..والبنيتان الكحيلة
تبرق بالحب كنجمتين لامعتين في سماء قاتمة…
بللت شفتيها وهي تسأل نفسها للمرة المائة هل بالغت
في ارتداء هذا الثوب….
خصوصًا انه توقف مكانه يشملها بنظرة قوية مدققه
غير بريئة ابدًا من عسليتاه الوقحة….
“ليه صاحيه لحد دلوقتي…..”
برمت شفتيها وهي ترفع كوب النسكافية من عن الطاولة الى فمها مباشرة قائلة ببرود….
“كنت بشرب النسكافية وداخله انام…..”
قال ببرود وهو ينظر اليها بشك..
“اللي بيشرب نسكافية…بيبقا مربط على سهر..
مش بيشربه وبيدخل ينام ؟!…”
انزلت الكوب عن فمها وهي تبتلع ما بفمها بصعوبة
فقد برد المشروب بعد ان تناست وجوده غارقة في قلقها على السيد المبجل الذي عاد الى البيت للتو وعوضًا عن سؤاله أين كان كل هذا الوقت يبدأ هو بثرثرة مستفزة عن مايصح شربه ليلا وما لا….
قالت قمر بضيق بالغ….
“انت كنت فين؟…..”
كان سيرد ردًا مستفز كالعادة لكنه لم يفعل فكان
متعب ومرهق بشدة…..
“العربية عطلت فكنت بصلحها….”
اشفق قلبها عليها فقالت بتهكم….
“وطالما هي بايظه اوي كده وكل يومين عند الميكانيكي….ما تبعها وريح نفسك….”
“ان شاء الله قريب…..” رد ردًا مختصرًا هادئًا…
جعلها تجعد جبينها بحيرة وهي تطلع اليه من أول
راسه حتى اخمص قدميه.. هناك شيءٍ متغير به
أحيانا تشعر بانه يهرب من عيناها بحرج وكانه
يخفي شيءٍ يسعى ان لا تعرف عنه الان على
الأقل….
لكن ماهو ؟!…..
نظر لعيناها كطفلا مشتت بائس ثم قال بعد لحظات…..
“انا جعان ياقمر…. ينفع تسخنيلي الأكل….”
اومات براسها سريعًا بحنان متناسية لوهلة خصامهما
الذي دام لثلاثة أسابيع….
“غير هدومك على ما سخن الأكل….”
أومأ براسه وهو يبتعد الى غرفته….
وبعد فترة بدأت تلملم الاطباق التي تناول مابها
قد افترس الطعام وكانه لم يأكل منذ أشهر !…
قد جلست معه على الطاولة لكنها لم تأكل وكانت
حجتها حينذاك انها تتبع أحد الحميات الغذائيّة
فقلب شفتيه وقتها ممتعضًا وهو يتابع الاكل
بنهم…
حينها سالته متعجبه بعد ان قارب على
الشبع…
(انت كنت جعان اوي كده….)
توقف عن الاكل وهو ينظر لبنيتاها
بشوق…
(بقالك تلات أسابيع حرماني اكل معاكي وكانك
بتعاقبيني….)
بد في تلك اللحظة كصغير يعاتب امه على خصامها له وامتناعها عن فعل أشياء اعتادها معها…وقتها بلعت غصه مختنقة وهي تحاول التحدث بهدوء….
(انت اللي بترجع وقت الغدا متاخر… بنبقا اتغدينا انا وكيان…. وبعدين في أيام كنا بنفطر فيها سوا…)
صرح بصدقًا وعيناه تفيضان شيءٍ من
الاحتياج لها…..
(بس كنتي بتبقي قلبه وشك اللقمة مكنتش بتبلع..)
خفق قلبها متجاوبًا مع حديث طفله بلوعة….
هذا الرجل اتى من رحم قلبها ولا مجال لتغير
هذا الشعور داخلها انه الشعور الاستثنائي التي
تكنه له من يوم ان وقعت في حبه ؟!…
(عايز تقول انك مهتم…..)
أكد حمزة دون مراوغه…..
( لو مش متهم ليه هقول كده…. تعرفي إيه اكتر حاجة وحشاني…)
خفق قلبها باشتياق حار….فهزت راسها بكبرياء
فتابع هو بابتسامة جذابة…
(فنجان قهوة على الريحة..من ايديكي الحلوين.)
زمت شفتيها بضجر فتلك لم تكن الاجابة المنتظرة مع خفقات قلبها الحافلة…. لكنها حافظت على ابتسامته الرصينة قائلة ببرود….
(ومالوا يابن خالي هعملك فنجان القهوة اللي
وحشك….)
انتهت من غسيل الاطباق وبدأت في إعداد
فنجان القهوة له قبل ان تدلف الى غرفتها لتكمل
ليلة حافلة بوجع القلب على سريرها…..
شعرت به يدلف الى المطبخ جالسًا على المقعد
امام الطاولة المستديرة القابعة في منتصف
المطبخ….
استدارت له بعد ان وضعت الركوة على النار…فاشار
بعيناه لها ان تتقدم منه ففعلت وجلست بالقرب منه واضعه كفها على سطح الطاولة مثله….
مسك حمزة كفها مغطيها بكفه الكبير ملامسًا اصابعها الطويلة النحيلة البيضاء واحده تلو الأخرى وكانه يرسمهما بلمساته….اصبع الجنية التي تفتنه..
“انا آسف…..انا عارف اللي عملته ضايقك….”
سحبت يدها من بين قبضته الحانية…
“اللي عملته وجعني…وجعني اوي ياحمزة.. ”
قالتها وهي تنهض من امامه تخفي ضعفها وغيرتها
الواضحه وضوح الشمس لعيناه…..
“قمراية بصيلي….”قالها حمزة بعد ان اندفع خلفها
وادارها اليه بمسكة من يده….فتابع بجدية وهو
يأسر بُنيتاها…
“اي حد…اي حد في مكانها كنت هعمل معاه كده…. اقسم بالله ما بكدب عليكي…..”
اومات قمر براسها وهي تبلع غصة بكاء تهدد بالافصاح عنها…..
“في دي عندك حق اي حد مكانها كنت هتعمل معاه كده….بس الخوف اللي شوفته في عنيك ولهفتك عليها بيقوله عكس كده…”
انفعل حمزة في لحظة بتجهم..
“انتي بتقولي إيه…مفيش حاجة من دي…انا نسيتها
كل اللي جوايا ناحيتها وجع….وجع وبس…”
امتقع وجهها والتوى ثغرها بوهن قائلة
امام عيناه…
“لو نستها بجد مش هيبقا جواك ناحيتها اي حاجة
حتى لو وجع ياحمزة…حتى لو وجع… ”
جاب حمزة على ملامحها بنظرة قاتمة قبل
ان يلفظ بصوتٍ غريب…”انتي متعرفيش حاجة…..”
قالت بنبرة صقيعية هادئة….
“لا عارفه شهد حكتلي على كل حاجة عنك وعنها…”
جفلت حواسه للحظات وهو يتمعن بالنظر الى الاسى والقهر في حدقتاها الامعة بالدموع…..فاسترسلت
قمر بلوعة….
“عارفه انك كنت بتحبها أوي….وانها شرطت عليك
تكتبلها شقه من شقق أبوك ولما أبوك رفض..سابتك
وارتبطت بغيرك…”
اتى صوته ساخر متناقض مع مشاعره
الآن…
“لا وانتي الصدقه ارتبطت بغيري وهي لسه لبسه دبلتي….انا كنت *……في الحكاية كلها وعرفت
تديني الضربه اللي توقعني متقومنيش….”
صرح حمزة بضعف استثنائي وهو ينهت بتعب
بينما قلبه يعتصر بقسوة بين أضلعه…..
“انا موجوع ياقمر… الوجع اللي جوايا صعب اوصفهولك….”
رمشت بعينيها متنازلة عن عبارات حارقة سقطت
من حدقتاها باستسلام…..
فتابع حمزة بقهر الرجال..
“وجع راجل اتخان من اكتر انسانه حبها..وعدته كتير انها هتفضل جمبه وان الفلوس والمنظرة اخر حاجة تفكر فيها معاه وانا وجودي اهم من اي حاجة في الدنيا….وان عمر قلبها ما هيحب حد ولا هيشوف غيري..”
ابتسم هازئا وعيناه تتلون بالحزن
والخذلان…
“وعدتني كتير ياقمر….وكان كل ده كدب…فجأه صحيت لقتها بيعاني مع أول محطة نزلت وسبتني أكمل لوحدي لا عارف رايح فين ولا هعمل
إيه من غيرها…..”
اضاف بغصة مختنقة….
“انا بطلت احبها…يمكن الحب قلب كره وقرف
من نفسي ومن قلبي اللي استرخص ونقى اقل
حاجة ومسك فيها بايده وسنانه…”
راها حمزة تتعذب حرفيًا امام عيناه كلما تحدث
عن أخرى امامها…وكانه يجلدها بالكلمات…..
فصل الخطوة الوحيدة بينهما وعانق وجهها بين
يداه ثم مسح دموعها برفق قائلا باعتذار حاني
بصوتٍ يحمل حنان العالم بأسره…..
“والله ما اقصد اوجعك…..انا بحكيلك على اللي جوايا لازم تفهمي اللي عملته ده ملوش علاقه بيها هي… والله اي حد مكانها كنت هعمل معاه كده….”
حاولت قمر نزع نفسها من بين يداه….
“ممكن تسبني عايزه أروح اوضتي سبني ياحمزة..”
ترك حمزة وجهها واحتوى خصرها بين يداه مقربها
من جسده حتى التصقت به فقال بضعف بعد ان تخللت انفاسها الطيبة رئتاه خلسة…..
“بالله عليكي لا….كفاية خصام وبعد انا استويت
بلاش تبعدي عني ياقمر…..حقك عليا والله ما أصدق
اجرحك أو اوجعك بكلامي……”
نظرت لعسليتاه القريبة جدًا منها وانفاسه التي تتوغل الى رئتاها بانسيابية ساحرة..
“حمزة…..”
همست بها وهي تغمض عيناها بتأثر…بعد ان تحسس
هو خصرها المنحوت اللين بوقاحة هامسا وهو يميل
على اذنها بضعف أجش……
“عايز المسك ياقمري….عايز اخدك في حضني..”
ذابت مفاصل اعصابها ولم تقوِ إلا على نداءه
بصوتها المحموم….. “حـمـزة…..”
اسمه من بين شفتيها هكذا يزيده جنونًا…..
“انا تعبان ياقمر….عايز أرتاح جوا حضنك….”
كان صوته اشد حرارة منها وهو يضمها الى احضانه
مستمتعًا بقربها وبهذا الدفء الذي سرى في جسده
وهذا الاجتياح الذي نبع من قلبٍ مجروح….
تأوه بضعف وهو يزيد من ضمها الى صدره وكانه
يحاول وشمها عليه ليظل هذا الدفء دائمًا وللابد
معه……
“حمزة…..”همست باسمه ليس تمنع بل تمتع بهذا
القرب المحرم بل كانت يداها تسير على ظهره
الصلب صعودًا الى عنقه من الخلف ثم شعره الناعم وتظل هناك كثيرًا سابحة باصابعها الطويلة بخصلاته الناعمة….
لم يكن اقل منها شوقًا وضعفًا هو أيضًا كانت يداه
تسبح على ظهرها الانثوي الغض صعودًا الى عنقها
الشامخ اما شعرها الغجري المتدلى على ظهرها
بدلال فكان يلفه حول اصابعه خصلة خصلة
مستمتع بالتموج المنفرد به….
همس وهو يطبع قبلة على عنقها كانت كتأثير
الخمر الذي اثملها للحظات بين يداه العابثة…
“قوليها ياقمر…..عينيك وقلبك قالوها اكتر من مرة
عايز اسمعها منك…..”
طبع قبله اخرى على عنقها أطول من السابقة
اطاحت بالاخرى عرض الحائط وظلت لذة هذه
أقوى وأجمل وأكثر تأثيرًا….
“حـمـزة……”
ضمها اليه أكثر وهو يترجاها بحرارة….
“عشان خاطري قوليها….قوليها وانتي في حضني..”
تتشبث به وهي تزيد من ضمه اليها ويزيد هو من تعلقه بها…معترفه بعينين وقلبٍ يفيضان بالعاطفة
الجياشة لطفلها الشقي…
“بحبك….بحبك اوي ياحمزة……”
تأوه حمزة وهو يطبع قبله على خدها منتشيًا من جمال اللحظة..
“عارف….ودا اللي معذبني…..”
توسعت عينا قمر بصدمة وهي مزالت بين ذراعيه
اذ بها تفوق اخيرًا من غيبوبة الأحلام واقعه
بقسوة على أرض الواقع……
“حمزة أبعد….اللي بيحصل ده غلط اكبر غلط…
أبعد….”
حل وثاقها ببطئ وهو يعلم انها محقه في هذا
الأمر…وعندما تلاقت اعينهما بعد هذا العناق
الملتحم بالكثير من المشاعر الثائرة المشتعلة…
“انا…..”
لم تقف لتنتظر حرفٍ واحد بل ركضت بسرعة
من امامه بقلب مزعور…..لحق بها حمزة قائلا
بلهفة……”قمر…..قمر…..”
قبل ان يصل اليها وجد الباب يغلق في وجهه..فطرق عليه عدة مرات قائلا بصوتٍ خفيض…..
“قمر افتحي الباب…”
من الجهة الأخرى هزت راسها بنفي وهي تضع يدها على صدرها النابض بقوة….قائلة بثبات جبار…
“تصبح على خير…..”
طرق حمزة مرة اخرى على الباب بتصميم وهو ياخذ
انفاسه المتهدجة بعنف…..
“طب افتحي نتكلم….في حاجة مهمة عايز اقولك عليها….”
“لا.. مش عايزة اسمع حاجة…”رفضت بحدة وهي تضرب على وجنتها نادمة على كل تجاوز لعين حدث بينهما بالخارج….
………………………………………………………..
“ماشي ياحبيبتي هكلمك تاني سلميلي على حمزة
وقمر….” اغلقت الهاتف وهي تحمل صنية من المشروبات الدافئة وجوارها اطباق من المكسرات….
خرجت من المطبخ متجهة الى أحد الأركان الدافئة حيثُ المدفأة المشتعلة الان بألواح الخشب جالس امامها عاصم ببنطال بيتي عاري الصدر يستريح بظهره على أحد الوسائد العريضة ويشاهد عبر شاشة التلفاز الكبيرة احد المبارات الاوربية القديمة….
“مكنتش اعرف ان ليك في الكورة كمان….”
قالتها شهد وهي تجلس جواره….فرد وهو ينظر لوجهها بتمعن…..
“يعني مش قوي…بس مش لاقي حاجه عدله غيرها…”
عقدت حاجباها سائلة…. “شكلك زهقت….”
هز راسه بنفي وهو يسحبها الى احضانه واجلسها على ساقيه الممدده…..
“حد يزهق وهو معاكي برضو…..”
وضعت كفها على صدره العريض المفتول بالعضلات…
قائلة بتنهيدة حارة….
“مش مصدقة ان فات شهر على جوازنا….معقول هنسيب المكان الحلو ده ونمشي…..”
لامس خصلات شعرها الناعمة
بحب… “تحبي نمد الإجازة….”
زمت شفتيها بأسى وعيناها تموج بالكثير من
المشاعر…..
“احب أوي…بس بصراحة اخواتي وحشوني…وبحر اسكندرية وحشني أوي… وعايزة ارجع بلدي…”
أومأ براسه وهو يلامس وجنتها الناعمة….
“زي ما تحبي….وبرضو مفيش مشكلة لو حبين
نرجع هنا تاني في الاجازات…..”
قالت بنبرة مبتهجة… “بجد في نفس الكوخ….”
أكد مبتسمًا باتساع…..
“في نفس الكوخ ياست الحُسن…”
ابتسمت بدلال وهي ترتاح براسها على صدره العاري النابض بعشقها فتلقى هو جسدها بين ذراعيه باحتواء متأملا المدفأه وألسنة النيران المتوهجة كعيناه وقلبه في حبها….
سالها عاصم بعد لحظات بعد ان لامس بيده سماعة اذنها بالخطأ فقال بفضولا….
“انتي مولودة كده…..”
هزت راسها بنفي وهي تمرّغ وجهها في صدره بدلال كقطة تبحث عن بعض الراحة والحب في حضن صاحبها….
“قولتلك قبل كده انها حادثة…”
أغمض عيناه بضعف وهو يتكأ على جسدها اكثر
بين يداه متنعما بهذا القرب الحميمي بينهما….
“بس مقولتيش مين السبب….”
توقفت عن التمرغ بوجهها وسكنت قليلا في احضانه
وكان الذكرى السوداء غادرت صندوقها المظلم
لتداهمها بقوة وتجلدها بشدة…ولم تتوقع ان تصرح
بالامر ببرود وكانها لم تتألم يومًا من تلك الحادثة…
“عثمان الدسوقي….”
تشنج فك عاصم وضاقت عيناه بالألم وكانه توقع الإجابة قبل ان تنطق بها….لذا لم يكن هناك وجود للصدمة بل بقى فقط الألم والشفقة عليها فسالها بتحشرج….
“من امتى…..”
قالت بملامح جامدة واجمة…
“وانا عندي خمستاشر سنة تقريبًا….”
أعتصر عيناه وكان وجعها وما عشته وليد اللحظة
وليس شيءٍ مر عليه اكثر من اثنا عشر عامٍ…فسالها
بعد لحظة صمت مرهقة لكلاهما وهما على وضعهما
يتشبثا في أحضان بعضهما وكانهما يخافا طوفان
الماضي ان يفرقهما في لحظة ضعف !…..
“واي السبب اللي يخليه يعمل فيكي كده…”
بللت شفتيها والدمع يتجمع في مقلتاها عنوة عنها بشفقة على نفسها وما مرت به على يد اقرب الناس لها…
“عثمان كان بيحب واحده زمان كانت صاحبة ماما جارتها في نفس العمارة….كانت الست دي جميلة وصغيرة حبها عثمان وبدأت من هنا المشاكل….الست اللي حبها طلبت منه يطلق ماما عشان ترضى تجوزه وتبقا معاه…”
هبطت أول دمعة مع قصتها المأساوية المليئة
بالكثير من الوجع والخذلان دمعة نزلت على بشرة
صدره فزاد وجعه وعذابه وكانه يتشارك معها جزءًا
من تلك القصة بقلبه….
بينما تابعت شهد بوهن….
“بصراحه هو مترددش وطلق ماما وقتها كان حمزة عنده سنتين وماما كانت على وش ولاده حامل فيا…بعد الطلاق ولدت وجيت الدنيا وسط المشاكل دي كلها فحصلت قعده بين الرجالة مع بابا..بانه يعني لازم يرد ماما ومينفعش خالص يرمي عياله خصوصا انها لسه مخلفة بنت هترمي عرضك ولحمك في الشارع…..”
زفرة نفسًا ثقيلًا على صدرها وهي تتابع بقلب
مليء بالهموم والقهر……
“شرطوا عليه يرد ماما ويتجوز الست التانية طالما الشرع محلل بده وطالما هيعدل بينهم…..راح للست دي وحكالها اللي حصل فرفضت وقولتلوا انا مدخلش على ضرة…وقفلت الباب في وشه…وهو عجز انه يعمل حاجة خصوصًا انه مدي للناس كلمة وخلاص رد ماما لعصمته….”
انهارت مقاومتها فبدا الدمع يتساقط من مقلتاها
الحمراء بكثرة متابعة…..
“من هنا بدا الجحيم شتيمه وضرب وبهدلة…وماتت ماما بعد معاناة مع المرض والفقر رغم انه كان ممكن يعالجها وقتها بس هو حب ينتقم منها ومننا على سبب محدش عارفه لحد دلوقتي…..”
استرسلت شهد بروح باردة وكان شريط حياتها يمر
امام عينيها بالتفاصيل المؤلمة…..
“في يوم دخلت اوضته وكان عندي فضول أعرف اي حاجة تخص الست دي….يومها لقيت صوره ليها وساعتها وجهته… قولت كلام يحرك الحجر من مكانه…كان رده بسيط الرد اللي متعوده عليه منه
من يوم ما وعيت على الدنيا…”
“ضرب وشتيمه واهانه لحد….”بلعت غصة بكاء حادة
تكاد تقسم انه تشطر حلقها لنصفين الان…
“لحد ما صحيت لقيت نفسي في المستشفى والوجع
ميتحملوش حد جسمي كلها كانه مشلول تحت ايد الدكاترة وداني مش حاسه بيها مش سامعه غير صفير عالي أوي وبيوجع أوي…..مش عارفه اسمع حد….ولو سمعت كان بيبقا الصوت واطي اوي ومزعج لدرجة اني كنت بقعد أصرخ لأني مش سماعه ومش فاهمة…..”
انتفض قلب عاصم نفضة الموجوع وترقرق الدمع في
عيناه وهو ينظر للفراغ متخيلًا مدى المعاناة التي
عاشتها في هذا السن الصغير والذي سببه لها رجلا من المفترض انه الأب الحامي الساند لها…..قالت
شهد بغصة مسننة….
“رحلة العلاج كانت صعبة خدت من عمري سنين…عملت كذا عملية في ودني مقدروش يعالجة غير الودن الشمال واليمين ملهاش حل غير السماعة….هي دي كل الحكاية….”
انتهت من السرد المختصر في حكاية مزالت تعاني
داخلها…..ثم رفعت عيناها المبللة بالدموع الى عينا
عاصم بعد ان رفعت راسها عن صدره….
فصدمها بتقلص ملامحه المًا وغضبًا وعيناه المليئة بالدموع وخطٍ من الدمع منساب على خده منتهيا عند لحيته الكثة شهقت سائلة بصدمة وهي تمسح دموعه بحنان….
“عـاصـم…..انت بتعيط؟… ”
مسح مقلتاه بعنفًا ولم يعي إلا الآن انه بكى
لأجلها ! وجدته يمسح دموعها أيضا مؤنبًا اياها بغضب…
“ازاي قدرتي تكملي معاه كل السنين دي….ليه مشوفتيش مكان تاني تعيشي فيه انتي واخواتك..”
ابتسمت بسخرية ممزوجة بصدمة وكانه يتحدث
عن رجلا غريب !…قالت بتهدج….
“مفيش حد بيقدر يهرب من بيته واهله ياعـاصـم حتى لو كانوا بيأذوه…”
اربد وجهه متحدثا بتهكم وهو يصب جام غضبه
على ماضٍ لعين…..
“انتي مش ضعيفه ياشـهـد عشان تقولي الكلام دا..كان ممكن تبدأي بعيد عنه…انتي واخواتك سوا..إزاي سكتي وصبرتي كل ده….عشان إيه…..”
قالت بنشيج متقطع بالاوجاع…
“عشان ده أبويا….كان عندي أمل انه يرجع عن كل حاجه بيعملها معانا ويعرف اننا ولاده اللي هنبقا ليه لو كل الناس اتخلت عنه…..إحنا استنينا ياعاصم..احنا التلاته استنناه من غير ما نقول ده لبعض…..خوفنا نقول لبعض انه هيرجع وهيلمنا في حضنه ويعرف غلطه خوفنا نوعد بعض بده فاستنينا وصبرنا…
تعرف اي اللي حصل بعد كل السنين دي…”
غامت عيناها بالحزن والخذلان مسترسلة بابتسامة مريرة ونبرة ساخطة…..
“كرهناه لدرجة ان وصف الكره ميجيش نقطة من احساسنا ناحيته….احنا اتدمرت حياتنا بسببه وبسببها
قتلت امي وضيعت مستقبل حمزة…..حولتني لحد ميت مش قارد يعيش ويحس زي بقيت الناس مستني الغدر في اي لحظة….حتى كيان رغم انها ماعشتش معظم اللي عشناه بس هي برضو بتعاني
من اليتم و الحرمان احنا التلاته ادمرنا وكل بسبب ان ماما قبلت تكمل مع واحد خانها…..”
ضمها عاصم الى احضانه وقلبه يقشعر بالوجع
معها ولأجلها .. “أهدي ياشهد أهدي……”
ارتاحت على صدره وهي تنتفض بين احضانه باكية
بهيسترية مريرة…..فقال وهو يربت على كتفها محتويها بذراعه بقوة هامسا بالقرب من اذنها….
“هشش كفاية كده ارتاحي…..ارتاحي ياحبيبتي وكفاية كلام….”
قالت وهي تاخذ انفاسها بصعوبة…..
“مكنش نفسي اكرهه…كان نفسي يفهم اني كنت بحبه أوي….وكان نفسي نكون زي اي اب وبنت…كان نفسي نكون زي اي عيلة…مكنش نفسي اكرهه….والله ما كان نفسي اكرهه….. ”
لسع الدمع مقلتاه من جديد فضمها أكثر الى
احضانه ثم بلع غصة مختنقة هامسا لها وهو
يمسد على شعرها….
“هشش كفاية….كفاية ياقلب ياعاصم……”
استكانت في احضانه بعد فترة طويلة من البكاء والبوح بما يعتمل في صدرها….استكان جسدها بتعب وبقلبٍ منهك ذهبت في نومًا عميق بين ذراعيه…
……………………….
كانت تتلوى على الفراش بلوعة فقد اتتها تلك النوبة اللعينه عندما يجلدها الماضي بسياطُ القوي ، تتكور بضعف منكمشة الجسد تئن كل دقيقة بعذاب وكانها تحتضر للموت….
قد داهمتها تلك النوبة قبل أشهر طويلة عندما رأت الهام في بيت عاصم واكتشفت هوايتها.. واليوم كذلك تحضرها نفس النوبة بعد ان كشفت اوراقها لعاصم وعاد الماضي يحاربها من جديد…
في حربٍ شعواء بين النفس والماضي حربٍ تستنزف داخلها قوة صبرها وتحملها وتسقط معها الاقنعة الزائفة…
فتكن عارية في ارضٍ مشتعلة بالحروب…وألسنة النيران تجلدها كلما حاولت ولو قليل الانسحاب !…
هكذا عادت النوبة بقوة عندما اوقعت قناع الجمود وحكت كل شيءٍ محاولة الانسحاب،لكن كيف يكون الانسحاب والحرب الداخلية لم تخمد بعد ، لا تزال ثائرة داخلها والذكرى تزيدها جنون….
في جوف الظلام ترى نفسها فريسة سهلة للاصطياد اضاءة حمراء مريعة تنير وجوههما اللعينة الجميع يطعنها بخناجر سامة مميته ، وجوه تعرفها واخرى تجهلها يطعنوها بقوة دون شفقة او رحمة….
لم تكن تصرخ بل كانت ترتجف برعب الوجع يداهم جسدها من كل الانحاء مع كل طعنة تتلقاها منهم لكنها لم تصرخ ابدًا بل كانت تتحمل حتى فاض كيلها وحاولت التملص منهم لكن هذا لم يزيدهم الا اصرارًا على طعنها بقوة مما جعلها تقع ارضًا في جوف الظلام صارخة بقوة تكاد تفتك احبالها الصوتية……
شعرت بذراع حانيه تتلقاها بقوة تحميها وتدعمها وهمسًا حاني يقشع من حولها الخوف والظلام مما جعلها تشهق باكية بضعف وهي تتشبث به بقوة…..
مسد عاصم على شعرها وبدأ يقرأ الايات القرانية محصنًا إياها من وساوس الشيطان….وهو يضم جسدها المنتفض بين ذراعيه بخوف….
ليته قادر على ان يمنحها ولو قليلا من الراحه والأمان فمنذ ان حكت له كل شيءٍ خلف معاملة والدها وحادثة اذنيها وهي ولمدة اربعة أيام تعاني بين يداه هكذا….
تتلوى بوجع وتئن كمن اصابها مسٍ لعين…كلما نامت تستيقظ على كابوس ابشع من سابقة وان استيقظت
تكن في عالمًا بعيدًا عنه….لا تأكل إلا القليل…ولا
تتحدث إلا للضرورة….
يقلق عليها بشدة ومع ذلك ترفض الذهاب الى الدكتور لفحصها فقد اخبرته بصعوبة انها تعاني من نوبة إكتئاب شديدة…ومع الوقت ستتحسن عندما تريد ذلك !…..
أسبوع كامل مر واليوم تحديدًا سيغادرا من الكوخ والمكان الذي احبته جدًا…..
بعد ان تحسنت بتدريج واستعادت روحها المهاجرة
وعادت بفضل ﷲ ومن بعد وجود عاصم الدائم جوارها فقد كان بمثابة علاج مكسنًا للكثير من الألم……
“خلصتي ياشـهد….”
قالها عاصم وهو يقترب منها بعد ان رآها قد تأنقت بثوب كلاسيكي أنيق من اللون الأبيض وقد ربطة شعرها للخلف على شكل ذيل حصان….
اومات براسها مبتسمة بعينين قد انطفئ بريق السعادة بهما….ضمها الى صدره دون حديث وطبع قبلة على وجنتها….
فابتسمت وهي تبادلة العناق فهذا الحضن كان علاجها في سبعة أيام الماضية….ولم تتوقع ان يتحملها كل هذا الوقت بل ويظل جوارها ليلًا
ونهارًا دون ان يكل او يمل…
وهذا أحد الاسباب التي جعلتها تحارب بقوة
حتى تنفض غبار الماضي والضعف عن جسدها…
“اه خلصت والشنط كمان جهزت….”
قالتها وهي تعدل ياقة قميصه فطبع قبلة على شفتيها قائلا بحنو…..
“طب يلا بينا ياحبيبتي…عشان نلحق الطيارة….”
هزت راسه بانصياع وخرجت برفقته تتأمل الكوخ للمرة الأخيرة…. سيظل هذا المكان نقطة تحول
كبيرة في حياتهما….
ولم تندم على ماحدث قبل سبعة أيام فقد كانت بحاجة لان تشاركه جزءًا من اوجاعها ومعاناتها
حتى وان لم تكشف عن هواية إلهام بعد ؟!……
بعد ساعات طويلة وصلا الى سراية الملوك كما
تلقبها قد اخبارها عاصم انهما سيقيما هنا لبعض الوقت حتى تنتهي تجهزات الشقة…..
قد وافقت دون جدال فهي كانت بانتظار هذا القرار منذ بداية اتفاقها مع المهندسة آلاء !..
ترجلت من السيارة الفارهة برفقة عاصم الذي عانق كتفها بذراعه داخلًا معها للمنزل الكبير وعندما فتحت لهما الخادمة اطلقت الزغاريد العالية فابتسمت شهد بحرج وهي تقف جوار عاصم رافعه عيناها على السلم الممتد التي نزلت من عليه الهام اثار تلك البلبلة….
وعندما رأت شهد احتقن وجهها بالغضب ولجم لسانها
ولم تبقى الى نظرات الكره المتبادلة بينها وبين غريمتها التي قالت بابتسامة مستفزة….
“مفيش حمدالله على السلامة…ولا حتى مبروك
مكنش العشم يا ام يزن…..”
ابتسمت الهام بصعوبة وكادت ان ترد…لكن سبقها صوت ابنها الذي خرج من العدم قائلا بابتسامة واسعة ونظرة غريبة…..
“لا إزاي الف مبروك ياعروسة… نورتي المكان….”
رمشت شهد عدة مرات جافلة من ظهوره المفاجئ ونظراته التي تشتت عقلها لعدم قدرتها على قراءة المعنى الخفي بها…
كل ما تعرفه انها لا ترتاح لهذا الصبي كأمه تمامًا….
رفعت عيناها للأعلى تتأمل البيت العريق وهي تسأل
نفسها بوجل….
ماذا ينتظرها في سراية الملوك ؟!….
……………………………………………………………..
حول السفرة ولأول مرة تجلس بصحبة ناس لا يجمعها بهم سواء رابط عائلي بينهم وبين زوجها..
كانت غريبة بينهم تشعر بالغربة بالحرج بعدم الارتياح خصوصًا انها تتشارك وجبة الغداء مع إلهام وابنها صاحب النظرات الغريبة…..
من كان يظن ان الأيام ستدور وتشارك غريمتها
نفس وجبة الطعام وسط جو عائلي زائف….
تحدث مسعد بود وهو يمضغ الطعام
بهدوء….
“نورتينا ياشهد…ان شاء الله ترتاحي وسطنا
وتحبي بيتك الجديد….”
ابتسمت في وجهه قائلة وهي تقلب في طبقها
بشهية مفقودة….
“اكيد يامسعد بيه… انتوا خلاص بقيتو عيلتي التانيه…”
التوى ثغر الهام بقرف من اسلوبها المتملق….بينما
ابتسم عاصم وهو ينظر إليها….
فقال مسعد برفق….
“بما اننا عيلتك التانيه بلاش مسعد بيه دي وناديني
بعمي زي عاصم هتكون أحسن….”
“اللي تشوفه ياعمي….” اومات شهد براسها دون ان تزول ابتسامتها…
سالتها الجدة نصرة بابتسامة صافية….
“وانبسطه في سفريتكم على كده… عجبتك البلد اللي روحتيها هي اسمها ايه ياواد يا يزن….”
قال يزن وهو يمضغ الطعام
بتلذذ…
“سويسرا يانصرة قلبي…. سويسرا…..”
قالت نصرة بحرج… “ايوا…. حلوه البلد دي ياشهد….”
قالت شهد بحرارة….
“تجنن بجد كانها حته من الجنة…. لازم في مرة نروح
تاني وتبقي معانا طبعًا…”
“ان شاء الله ياحبيبتي المهم انكم انبسطوا….ولا اي
ياعاصم…..” قالتها نصرة وهي تنظر الى حفيدها
بلؤم العجائز….
فابتسم عاصم بحرج قائلًا بوقار….
“الحمد لله ياحاجة بفضل ربنا ودعواتك كانت
سفرية حلوة…..”
قالت الجدة بمحبة….
“لازم تكون حلوة مش مع شهد… ربنا يسعدكم ياولاد..”
سالها يزن بتمعن…
“ولفيتي بقا فين في سويسرا ياشهد…..”
نظرت له شهد بسخط واضح فتدخل عاصم
قائلًا بسخرية….
“بتسأل على أساس انك روحتها قبل كده….”
تحدث يزن وهو يوزع النظرات عليه وعلى شهد…
“لا مرحتهاش ياكينج بس دارس المناطق السياحية اللي فيها وقريب اوي هعمل ويك اند هناك…مع حبيبتي….”
هلل عاصم متعجبًا….
“الله اكبر…. وفين حبيبتك دي….”
ضحك يزن قائلاً بمرح….
“ربنا يبعت ياكينج… هتكون أول واحد اعرفك عليها…”
فهز عاصم راسه وهو يعود الى طعامه….فقال يزن
بإلحاحٍ…..
“برضو مقولتيش ياشهد لفيتوا فين في سويسرا…”
رمقته شهد بضيق….فتدخل عاصم مجددًا
بجدية…..
“مالك مركز مع شهد ليه اسالني انا….”
رفع يزن حاجبه ببلادة…
“انت بتغير ولا إيه ياكينج….”
رد عاصم بصدقًا وهو ينظر إليه بحنو….
“انا ممكن اغير من اي حد إلا انت…. انت ابني ياعبيط.. حد يغير من ابنه دا انا اللي مربيك…”
شعر يزن بالحرج فوجه الحديث لها….
“عايز يكبر نفسه على الفاضي….على العموم انا
مش هتقل عليكي انتي برضو لسه جديده وسطنا ومتعرفناش كويس أكيد لما تعرفينا هتحبينا…. ”
ردت شهد عليه اخيرًا بابتسامة فاترة….
“أكيد….كفاية محبة عاصم ليك هي اللي هتحببني فيك وهتخليني اخد على الكلام معاك أكتر…”
“ان شاء الله…..عن اذنكم عندي معاد في النادي….”
انسحب يزن بهدوء دون ان يلاحظ احد وجوم ملامحه عدا امه التي لاحظت تغيرات ابنها ونكست راسها تفكر في شيءٍ يبعد النيران قبل ان تندلع في هذا البيت من تحت رأس تلك الوضيعة الجالسة امامها ترتدي ثوب البراءة امام الجميع ولا أحد
يعرف الخطه الاساسية من خلف تلك الزيجة…
لو كان بيدها لفشت السر للجميع واولهم عاصم لكن
سرها مرتبط بماضيها هي وان انكشفت الاوراق
ستكون أول المذنبون !…
………….
دخلت الغرفة الخاصة به والتي تحمل عبق عطره الرجولي المميز ابتسمت بحب وهي تتأمل كل جزءًا بها بتأني
كانت غرفة شاسعة بذوق رجولي واضح في كل زاوية بها..تحتوي على سرير كبير مكتب وطاولة زينة…
كذلك بها بابان الاول للحمام والثاني غرفة خاصة صغيرة لتبديل الملابس…كانت خاصة ومستقلة وجميلة تحتاج فقط للمسات أنثوية تحليها قليلاً…
عانق عاصم خصرها من الخلف وهو يدفن شفتيه
في عنقها مقبلها بحرارة وهو يهمس بصوتٍ اجش متعب… “هلكان وتعبان… وعايز أنام تعالي نامي
في حضني….وابقي كملي فرجة عليها لما نصحى
من النوم…. ”
اغمضت عيناها بضعف بعد ان حملها على ذراعيه
ثم وضعها على الفراش الكبير منضم اليها بعد ان
نزع ملابسه وساعدها بيداه العابثة كذلك على نزع
المتبقي من ملابسها قائلا بحرارة….
“وحشاني ياست الحُسن….وحشاني اوي……”
ابتسمت بحياءٍ وهي تسأله
بدهشة….
“انا مسبتكش لحظة ياعاصم…..”
“مش لازم تسبيني عشان توحشيني ياقلب عاصم…”
قالها وهو ينزع اخر قطعة من ملابسها….
ثم غمرها بعدها بالقبلات واللمسات الجريئة في هجوم عاطفي كاسح جعلها تستكين في احضانه وهي تئن باسمه بضعف…
…………………………………………………………
دلف الى داخل الشقة يجر قدميه جرًا بعد يومًا متعب وشاق من العمل في الورشة….
حمد الله ان غدًا عطلة رسمية وسياخذ قسطا من الراحة وربما ينام طول النهار….
اغلق باب الشقة وهو يتافف بتعب فاتح حدقتاه بصعوبة فقد تخطت الساعة الثانية فجرًا ربما
داليدا نائمة الان وهذا أفضل فهو ليس بمزاج يسمح
له بالتحدث ولو بحرف فهو منهك ومتعب جدًا وقد
استيقظ البارحة في الخامسة صباحًا ونزل الورشة مكتنف العمل الشاق حتى صباح اليوم الثاني…..
“وأخيرًا جيت ياسلطن….”
يبدو انه نسى ان المدلله من المستئذبين الذين يأخذون الليل نهارًا ونهار ليلا دون واجهة مقنعة !..
التفت لها سلطان وهو يرمقها بنظرة شاملة كانت
قد فعلت شيءٍ في شعرها جعلته شديد التموج
رغم انسيباية خصلاتُ…ترتدي مئزر حريري هناك شيء اسفله يلمع بشدة…تضع زينة وجهٍ مبالغة قليلا لكنها جميلة وصريحة اعطاتها طابع مختلف متجدد في عيناه….
رمشت داليدا باهدابها الصناعية وقالت بابتسامة
شقية….
“كنت متأكده انك هتتأخر عشان كده جهزت نفسي
على أقل من مهلي….”
اتجه سلطان الى غرفة النوم بارهاق وهو يبدأ
في نزع أزرار قميصه…
“اجلي اي كلام لبكره ياداليدا انا تعبان…وقرفان
وعايز انام….”
عبست ملامح داليدا بغضب فاتجهت اليه كالمهر الجامح ودفعته بخفة على حافة الفراش فسقط
باستسلام…
“تنام إيه مفيش نوم….اقعد دا انا بقالي أسبوع
بجهز للمفاجأة دي….”
تثاءب سلطان وهو ينظر إليها بملل….
“يادودا سبيني انام وبكرة افوقلك انتي والمفاجاه..”
“المفاجأت مش بتتأجل ياسلطان…..”قالتها وهي تخلع المئزار عنها برشاقة….
“ها اي رأيك….بذمتك انا ولا النوم….”
نظر اليها بنظرة شاملة وبعينين ناعستين مجهدتين
رآها ترتدي حلة رقص بيضاء براقة بلمعة تتناثر عليها تبرز مفاتنها الشهية وبياض بشرتها الناعمة وتعطيها طابع استثنائي من الجمال مابين الانوثة الطاغية والطفولة الشقية تجتمعا في أمرأه واحده تانقت بحلة رقص مغرية لتبهر زوجها الذي رد
بجفاءًا لم تتوقعه…..”النوم….”
فغرت داليدا شفتيها وهي ترمقه بصدمة
معقبة….
“اي ده فين الانبهار….هي بدلة الرقص مش عجباك
ولا إيه معقول مش مغريه…..”
لمعة نظراته الناعسة بومضٍ وقح
مجاوبًا بطلاقة…..
“من غيرها هتكوني مغرية أكتر….”حاول التحرك للنهوض من مكانه لكنها اوقفت محاولة الابتعاد
تلك بحزم قائلة بتسلط انثوي…..
“رايح فين خليك قاعد مكانك انا لسه مخلصتش
المفاجأه……انا هرقصلك….”
نظر لها سلطان بشك رافع احد
حاجباه….
“انتي بتعرفي ترقصي….”
انتفخ صدرها بفخرًا فقالت بانف
مرفوع….
“ياسلام….امال إيه دا انا رقاصة العيلة….”
لوى سلطان شفتيه متشدقًا بسخرية…..
“واي الفخر دا كله ولا كانك واخده الدكتوراه….”
جزت داليدا على اسنانها وهي تنظر إليه في
وقفتها شديدة الاغراء وحلتها البيضاء ذي الترتر
المتناثر عليها….فتابع زوجها الجلف يقول…
“عمتا ياداليدا انتي مش بترقصي انتي بتهبلي…”
اشتدت نظراتها وهي تقول بحنق
طفولي….
“حاسب انا برقص شرقي…”
رد هازئا…..
“قصدك بترقصي مهرجانات….”
حركت كتفيها ببراءة دون إنكار….
“ومالوا ماهو رقص برضو….وكله اغراء….”
أكد سلطان بتحذلق….
“انا مش بشوف غير واحده عندها مغص عماله تتلوى يمين وشمال….”
زفرة داليدا وهي تحاول ان تستمتع مع هذا الكائن
النكدي….
“ممكن تتفرج وانت ساكت….تحب ارقصلك
على اي مهرجان….”
تافف سلطان وهو يستسلم لهذا الجنان قائلًا
بمهادوة….
“انا مليش في العك ده…شغلي حاجة لحسن
الأسمر….. كتاب حياتي ياعين مثلا..”
جحظت عينا داليدا بصدمة وكادت ان تصيب
بأزمة قلبية وهي تعقب بزهول….
“عايزني أرقص على كتاب حياتي ياعين ياعديم
الرومانسية….”
مط شفتيه ممتعضًا…..
“خلاص متسألنيش شغلي اللي يجي في بالك وانا
هصقف…..”
عقدة حاجباها باستنكار….
“تصقف بس….المفروض تقوم ترقص معايا عشان
نولعها….”
تافف سلطان بكآبة قائلًا….
“نولعها !…داليدا خلصي فقرة الجنان دي عشان
نوصل للمرحلة الأهم….”
تلونت نظراتها بالسعادة والحياء فشهقة بميوعة مدعية الصدمة….”يالهووي بطل قلة آدب بقا….”
هز سلطان رأسه قائلًا بغلاظة….
“مقصدش اللي جه في بالك…انا قصدي اتخمد عشان
تعبان وهلكان….”
انفجرت غيظًا فقالت بغضب….
“انت بتكلم كدا ليه ولا كاني غصبه عليك…”
أكد بايجاز…. “دي حقيقه…..”
رمقته بضجر ثم قالت بكبرياء…
“والله طب روح نام ياسلطان…”
نظر لها سلطان قليلًا ورغم اشتياقه للسرير
وللنوم لم يهون عليه كسرة فرحتها فهز راسه
بنفي قائلًا بمناغشة…
“مش قبل ما اشوفك وانتي بترقصي يلا بقا ياشحرورة…..”
هزت داليدا راسها ممتعضة وهي تتحلى
بالصبر معه معقبة بجزع…..
“شحرورة؟!…قصدك سامية جمال…ماشي هعديها
عشان انت جاهل وملكش في الفن العريق…”
أكد بفتور حتى تهب الرياح وتبحر
السفن….”ماشي يلا ارقصي….”
فقالت داليدا بتملك وقح….
“قبل ما أرقص عايزك تبتسم كده وتحسسني انك منشكح على الآخر…..”
نظر سلطان حوله جافلًا… “ليه انتي بتصوري؟…..”
صكت على اسنانها ببغضًا وهي ترمقه…
“هو لازم اصور عشان تبين انك مبسوط…سلطان انا بقالي فترة بجهز للمفاجاة دي متبوظهاش بالكأبة
بتاعتك….”
رق قلبه لها فاوما براسه مبتسمًا بصدق لنظراتها
التي ظللت بالكحل لتعطي لعينيها السود حسنًا
يفوق الوصف..بهية وشقية ومحتالة وان سألوه
عن الهوى لن يذكر إلا أميرته المدللة من سرقة
قلبه بين ليلة وضحاها ومن احتالت على عقله
وتفكيره يومًا بعد يومًا حتى بات وجودها
أمر مفروغ منه….
تمايلي وتدللي كما تشائين فأنا المائل الى هواكـِ
منذ نعومة أظفارك…..
كانت تتمايل على الأغاني الصاخبة بجسد متشرب من المرونة والعفرته مما يجعلها ترقص على الاوتار وماهي براقصة تقفز مع الطبول ببهجة لاهيه عقلها
وعيناها عن العالم بأسره….تقتحم الكلمات عقلها فتطرب اذنيها وتدلل انوثتها بغزلا صريح يلفظ
باسلوب شعبي رديء يروقها !….
هذا عالمها الذي تعرف الطريق إليه وحتى ان كانت
لا تجيد الرقص كما أخبرها يكفي ان تجيد أسعاد
نفسها المتمردة وتدلل شقاوتها بالميل على الاوتار
وان راقني صخب الغناء فأعلم ان صخبِ الداخلي
أشد وطأة وتمرد مما تراه !..
عندما إنتهت الأغنية توسعت ابتسامتها بجذل وهي تنظر اليه بعينين متلألأه كالالعاب النارية…
أخذت انفاسها المتهدجة بصدمة وهي تنظر اليه شزرًا….قد نام مكانه وهي تقوم بفقرة الرقص…
زمت شفتيها وهي تتقدم منه وتساعده بصعوبة
على النوم بشكلًا صحيح على الفراش نزعت
حذاؤه عن قدمه ودثرته بالاغطية وهي تتبرم
قائلة….
“اديك وصلت للمرحلة الأهم….. اتخمد….”
لكزته في كتفه وهي تبتعد تجر ازيال الحسرة
الى الغرفة الاخرى لتبدل ثيابها وتندب حظها
المنكود مع هذا الكائن النكدي الفظ….

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

 في صباح اليوم الثاني شعر بقطرات باردة من الماء
تسقط على وجهه فمسح على ملامحه متافف فازدادت القطرات حده ففتح عيناه بصعوبة
ينظر إليها وهي تتأنق بعبائة خروج جميلة وتلف
حجابها حول وجهها فتزداد بهاءًا وحشمة… ولم
تضع نقطة من الزينة فمزالت زينة أمس تترك
آثر…
أمس؟!…. ماذا حدث أمس…
قفز في عقله نومه على الفراش مكانه وهو يشاهدها
ترقص بحلة الرقص البيضاء… خفق قلبه وازدرد
ريقه مالذي دهاه أمس كانت فتنة متحركة امامه تغوي قديس !…
لماذا نام وتركها…يعلم عندما يتعب ويريد النوم مهما قدم له من لذات يظل النوم اللذة الأبدية التي يريد
الوصول إليها…
ربما غاضبة الان…. فمن العاقلة التي لا تغضب بعد
هذا التجاهل المتعمد من زوجها…. وان كانت مجنونه مثلها فسيكون شعورها الان تخطى ذروة الغضب..
راها تضع كوب الماء جانبًا قائلة بوجه مكفهر
معبر عن غيظها ومقتها…. “أبوك عايزك تحت….”
سالها سلطان وهو يمسح
عيناه…
“ليه في حاجة ولا إيه…..”
قالت ببرود…. “انزل شوف بنفسك معرفش….”
سالها سلطان وهو يطلع على
هيئتها…
“وانتي راحه فين بلبس ده….”
قالت بنظرة نارية…
“هنزل أقعد تحت….اي عندك مشكلة.. ”
ضاقت عيناه بعدم فهم….
“وانتي من امتى بتنزلي عند امي بعباية خروج
زي دي…انتي راحه خارجة مع أميرة ؟!!… ”
قالت متجهمة بنفاذ صبر وهي تبتعد خارجة من الغرفة….
“لا نازله اقعد تحت…وخلص عشان أبوك مستنيك..”
“داليدا…. داليدا…”ناداها سلطان ولكنها تجاهلته عن عمد خارجة من الشقة بأكملها….فقال وهو ينظر الى ساعة الحائط متافف بنزق….
“دي قلبه قلبا سوده..وابويا عايز اي دلوقتي…الساعة لسه عاشرة… هو الواحد ميعرفش يرتاح ولا ينام زي البنادمين…. ”
بعد ساعة ونصف كان يقف امام والده قد اغتسل مرتدي طاقم رياضي أنيق وصفف شعره للخلف
مضيف عطره القوي كان وسيم بجسد يضخ
رجولة مهلكة…
عضت على شفتيها بغيظٍ منه وهي تبعد عن مخيلتها وسامته الفجة متركزة أمامها على شاشة الهاتف التي تمسكه جنة وتشير لها على أحد المنشورات الخاصة
بالتسوق……
وقف امام والده باحترام وهو يرى بلبلة غريبة
في صالة البيت….
“خير ياحاج كنت عايزني في إيه…..”
نظر عبد القادر لزوجته التي خرجت من المطبخ
للتو…..ووجه لها الحديث
“أهم حاجة عملتي السلطة وحطيتي المخلل…”
أكدت حنان بابتسامة ونظرة دافئة تخص
زوجها الغالي…
“طبعًا ياعبدو هو انا اقدر انسى السلطة والمخلل
وكمان عملتلك عصير المانجة اللي بتحبه….”
مسك عبد القادر يدها وقبلها على مرآى عينا
الجميع قائلًا بحنو… “تسلم ايدك ياحنون….”
نظر سلطان نحو داليدا بحرج والتي القت عليه
نظرة جمدت سائر حواسه للحظة وهو يرى والديه عصفوران الحب يتغازلا في بعضهما بهيام امام
الاحفاد… بينما هو نام ليلة أمس تارك زوجته
تتمايل بخصرها للأشباح…
“خير ياحاج عايزني في إيه….”
نظر والده اليه ويبدو انه نساه للحظة ثم عاد
قائلًا بنصح……
“يابني أفرد وشك شويه… دا احنا لسه على الصبح
حتى….. هو ماله ياداليدا….”
رفعت داليدا عيناها للأعلى متشدقة…
“هو علطول كده ياعمي شايل طاجن سته…”
هتف سلطان محذرًا….. “داليدا…..”
لكزه والده في صدره بخشونة…
“اي ولد هتبرق لبنت أخويا قدامي… طب والله عندها حق دي خلقة تطفش بلد….”
كتمت داليدا ضحكتها بشماته بينما احنى سلطان
راسه بأدب…..
“كتر خيرك ياحاج…. كنت عايزني في ايه بقا…”
“ياجدو…. ياجدو… احنا خدنا الكورة معانا…”
كان على وشك اخباره لكنه توقف عند حفيداه
الذين اصبحوا على مشارف المراهقة أسامة
ويحيى التوأمان المشاغبان…..
ابتسم لهم عبد القادر قائلًا بحزم حاني….
“خدوها ومالوا عشان تلعبوا بيها ومتزهقوش…بس خدوا في بالكم احنا خارجين نشم شوية هوا مش عايزين تلفونات تتفتح في الخروجة وصداع….”
اتى صوت أميرة التي خرجت من الغرفة بطاقم
محتشم وحجاب يماثله حشمه واناقة…
“ايوا يابابا ونبي قولهم لحسان دول تعبني
ومغلبني في المذكرة…..”
نظر لهم الجد بضيق….
“مش بتسعموا كلام امكم ليه ياعفاريت….”
هتف يحيى بوجه مكفهر كخاله تمامًا…
“مش انا ياجدو دا أسامة…. اللي بيقعد يلعب على التلفون زي العيال….لكن انا بذاكر… ”
نظر له أسامة بغضب هذا الصبي الحالم
اللطيف…فالقى عليه اللوم كذلك….
“كداب ياجدو انا بذاكر هو اللي بيفضل واقف في البلكونه وبيعاكس البنات….”
تحدث يحيى بخشونة ومقت…
“انا مش بحب البنات أصلا… دول كائنات مايعة ولزجه….”
اتسعت عينا داليدا وجنة معًا فتلك اهانة كبيرة
لهن من هذا الفظ كخالة…..
فقال أسامة بابتسامة رقيقة….
“دول كائنات سُكر شربات مورد… ياعديم المفهوميه…”
ابتسمت داليدا وجنة معًا وهن يعطون أسامة
قُبل في الهواء فاتبسم هذا الصبي اللطيف لهن
بحرج شديد….استغل يحيى الأمر صائحًا…
“عرفت ياجدو هو اللي بيقف في البلكونه ياعاكس البنات اقولهم على نورا…”
نظر له أسامة بغيظ….
“مانا ممكن اقولهم على آسيا وافضحك…”
قال يحيى بجرج….
“دي بنت صغيره وكنت بساعدها…”
تبرم اسامة ساخرًا…. “يعني مش لازجه ومايعه….”
تافف يحيى بمقت مشير على أخته الكبرى….
“كلهم مايعين وميطقوش.. وعندك جنة أقرب
مثال لده….”
شهقت جنة معقبة بعينان تنفثان نارًا….
“والله وكبرت يا أستاذ يحيى دا انا من سنتين بس كنت بغيرلك البامبرز…. ومكنتش بتسبني متعلق برقبتي ليل ونهار….”
رمقها الصبي بطرف عيناه فشاطت غضبًا وهي تنهض من مكانها على وشك الهجوم عليه…
“انا تبصلي البصة دي…تعالى هنا يبتاع كائنات
مايعه عملي فيها الغامض بسلامته…”
ركض يحيى ضاحكًا عليها وهي خلفه….فصاح الجد
بوجوم…..
“خلاص انتوا الاتنين….خلينا نشوف اللي ناقص..”
تدخل سلطان بملل واضح…
“هو انتوا رايحين فين بظبط….”
اجابته الأم بمحبة…..
“خارجين للجنينة ياحبيبي النهاردة شم النسيم فقولنا فرصة نشم شوية هوا نضيف برا….يلا دور عربيتك عشان توصلنا….”
رفع حاجباه بصدمة….. “اوصلكم….”
قالت الأم بترفق وهي تنظر له ثم لزوجته…
“ايوا انت جاي معانا انت ومراتك اهو تفكوا عن نفسكم شوية معانا… ولو حابب تخرجها في مكان
تاني لوحدكم براحتكم…”
نهضت داليدا معترضة وهي تنظر اليه
بعتاب….
“لا يامرات عمي انا عايزه اجي معاكم….”
قالت أميرة بحبور وهي تتقدم منها…..
“ومالوا ياديدا هننبسط كلنا والله… يلا ياسلطان
دور العربية….عمتك وجيدة وبنتها هيحصلونا على هناك…” قالت اميرة اخر جملة وهي تتأوه بحسرة
ناظرة الى داليدا التي ضحكت تلقائيًا فالعمة وجيدة في طلعة عائلية هذه من عجائب الدنيا السبعة….
بعد مدة…..
افترشا البساط ورصا الاطعمة الشهية المالحة بمذاقها الفريد والمميز في تلك المناسبات بدأت
داليدا تفتح اكياس البطاطس المقرمشة وجنة
تفتح العلب مع أمها….
والجميع يجلس منتظرًا عدا التوأمان الذين استغلا
الفرصة وذهبا يمرحا على الحشائش الخضراء بين
الاشجار المرتفعة والمساحة الشاسعة…..
نادت أميرة عليهم….
“يلا يا يحيى انت واخوك تعالوا افطروا الأول وبعدين العبوا زي مانتوا عايزين….”
بدا الجميع بالاكل وداليدا وسلطان يجلسا بجوار بعضهما…..فشم سلطان رائحة عفنة بجواره فنظر
الى داليدا بريبة قائلًا….
“اوعي يكون اللي في بالي…”
قالت بابتسامة شيطانية… “هوه…فسيخ بالبصل….”
برم شفتيه بقرف كمن ينظر الى حيوان ميت
عفن……
“سيبي البتاع ده وكلي اي حاجة تانيه متقرفناش..”
قالت داليدا بوجه مكفهر حانق….
“خليك في حالك انت هتشاركني في اللقمة كمان
دا اي ده…كل واحد ياكل اللي على مزاجة… ”
على وجهه التقزز….. “الريحة قرفتني….”
رفعت شفتها بتمرد…..”متقعدش جمبي….”
تدخلت وجيدة بحقد….
“بطل رغي ياسلطان وكل هي مراتك هطير..اش
حال علطول جمبك….”
همست داليدا سرًا بارتياع….
“قل أعوذ برب الفلق….ماهو قرك ده اللي
بوظ الليله….”
قالت وجيدة بابتسامة واسعة…
“خدي ياواد ياسلطان مني دي….”قدمت له بيدها لقمة صغيرة فقال سلطان بحرج….
“مانا باكل اهو ياعمتي….”
قطبة وجيدة جبينها مصرة…
“لا ونبي لا تاخدها مني….تعدمني لو مخدتهاش.. ”
همست داليدا اليه بلؤم…. “ماتخُدهاش احسن…”
“هاتي ياعمتي تسلم إيدك….”نظر لها بعناد ووضع
اللقمة في فمه امام عيناها الحانقة….ثم لم يلبث
إلا ونظر للعمة وجيدة سائلا وهو يمضغ اللقمة
“دا اي دا ياعمتي بيلسع سردين دا ولا رنجة…”
قالت وجيدة بجزع….
“اي ياواد ياسلطان حد ميعرفش طعم الفسيخ…”
اتسعت عيناه ناهضًا من مكانه….. “إيه….”
انفجر الجميع ضاحكًا عليه واكثرهم صخب داليدا التي كركرة بصوتٍ عالٍ تلك الضحكة الرقيعة التي انتبه لها فورًا بعض العائلات المجاورة من حولهم…
بينما همس سلطان بغضب بعد ان تمضمض
بالماء…..”صوتك يامؤدبة…..”
زمت داليدا شفتيها وهي تتابع الأكل دون ان تعيره
ذرة إهتمام…..
نهض اسامة قائلًا بحماسًا….
“انا هروح اغسل ايدي والعب بالكورة…يلا بينا يا يحيى…..”
قفز يحيى برشاقة وهو ينظر
لسلطان…
“يلا بينا… تعال العب معانا ياخالو….”
أومأ سلطان براسه وهو يبتعد معهم الى المساحة
الخضراء يشاركهما اللعب بالكرة ويلهو معهم كما
يفضلا التوأم…..
قالت وجيدة بنتهيدة متحسرة….
“ربنا يحمي لشبابه حنين اوي سلطان ربنا يباركلك فيه ياحنان…..”
ردت حنان الابتسامة بصدقًا أكبر…..
“تعيشي ياوجيدة عقبال ما تفرحي ببنتك وتشيلي
عوضها…..”
رفعت وجيدة عيناها للسماء بحرارة…
“يسمع من بؤك ربنا…ادعيلها ونبي ياحنان…بذات في صلاة الفجر…الدعوة مستجابة…..”ثم استرسلت
وهي ترمق داليدا….
“الله صحيح ياداليدا مفيش حاجة جايه في السكة….”
كانت داليدا مزالت تأكل باستمتاع لا تبالي بالحديث القائم حولها ولكن عند سؤال العمة وجيدة وقف الطعام في حلقها فاخذت رشفة من الماء بعد ان تخضب وجهها بحمرة الفزع……
“لا لسه ياعمتي….”قالتها داليدا بعد ان وجدت صوتها بين طيات الصدمة بعد ان طرح هذا السؤال الخاص والحساس جدًا……
قالت وجيدة بلؤم ومكر…..
“طولتي اوي ياداليدا دا انتوا بقالكوا اكتر من
سنة متجوزين….لا لازم تكشفي وتطمني على
نفسك لحسان يكون في حاجة مانعه….”
تدخلت أميرة مدافعة…..
“اي ياعمتي الكلام ده….داليدا واخويا صاغ سليم لسه بدري على الكلام ده مش أقل من سنتين…..”
شهقة وجيدة ناظرة الى زوجة
اخيها….
“سنتين وانتي هتستني ياحنان سنتين….”
قالت حنان بنظرة معاتبة…..
“ومالوا ياوجيدة ياختي ربنا يرزقهم يارب النهارده
قبل بكرة ويسعدهم…يعني دي حاجة بأيد ربنا واحنا ملناش دخل بيها…..”
نظرت لها وجيدة بطرف عيناها وهي تضع
اللقمة في فمها….
“شكل حملك عزيز…زي امك طولت برضو على ماخلفت….وابوكي كان ملهوف على العيال وانا كنت
اقعد اقوله أصبر عليها دي غلبانه وبتحبك…اهو مطمرش في امك في الأخر بس انا برضو بعمل
الخير وارمي للبحر…..”
غمغمت داليدا بنزق…
“ياريت متعمليش خير تاني بقا…”
رفعت وجيدة حاجبها…. “بتقولي اي يابت…..”
ابتسمت داليدا بصفار قائلة بصعوبة…
“ربنا يكتر من خيرك ياعمتي طول عمرك قلبك كبير
وبتحبي امي أوي أوي….اوي.. ”
أكدت وجيدة….
“امال يابت دا امك دي عشرت عمر….طب هحكيلك
على حاجه تثبتلك قد إيه انا جدعة مع امك وبحبها…”
ظلت الابتسامة على محياها وهي تستمع بصعوبة
للعمة وجيدة…..التي إضافة بضغينة….
“في مرة ابوكي وامك كانوا متعاركين سوا…وكان
على اخره منها.. وبصراحة امك ست نكديه وما تتعاشرش……”
احتدت نظرات داليدا بتحذير…. “عمتي….”
قالت وجيدة بابتسامة لئيمه وهي تتابع
سرد الموقف….
“يابت مش بقل منها دا انا بوصفها…اي الظلم ده….المهم فانا جيت بقا اهدي الأمور بينهم
قولت كلمتين كده شعللوا أمك…فطلعت أمك تطلب
من ابوكي الطلاق…..ابوكي مرضاش يطلقها روحت
انا مدخله قولتله فين كرامتك يناصف ياخويا…سخن هو كمان ورمى اليمين عليها…..”
اتسعت عينا داليدا بصدمة وخفق قلبها بخوف اما الباقية فكانوا يكتمون ضحكاتهما…..
فإضافة وجيدة بطيبة قلب…
“بس انا مسكتش فضلت وراه لحد ما ردها
لعصمته…وياريت امك قدرت…يلا زي بعضه..
مش مستنيه شكرًا من حد…. ”
ثم لمعة عيناها فقالت بثرثرة….
“تيجي احكيلك على خروجة المصيف اللي خرجتها
مع ابوكي وامك في أول جوازهم…”
رفضت داليدا ممتنعه فمازلات تحت تأثير
الصدمة الأولى…. “لا ياعمتي شكرًا….”
قالت وجيدة بحرارة…..
“يابت هحكيلك دا انا عملت جمايل في أمك لا تعد
ولا تحصد….لازم أحكيلك لازم…..”
تدخلت حنان بنبرة لطيفة….
“خلاص ياوجيدة ياحبيبتي…البت مصدقة دا انتي
عمتها اللي بتتمني الخير للكل….”
ترقرق الدمع في عينا وجيده فبدأت تنبد
حظها المتعثر قائلة….
“أيوا والله ياحنان…بس مفيش حد بيتمنالي
الخير….آه في الأيام اللي زي دي كان المرحوم ابو
هدى معايا كتف في كتف…الله يرحمك ياغالي كان
راجل صعيدي وجدع……وفرفوش ويموت في الفرح….حسدوني عليه لحد ماراح في غمضة
عين اه ياني على حظي المنيل… ”
تاففت أميرة قائلة بحنق…..
“خلاص بقا ياعمتي بلاش نكد…دا احنا خرجين نتفسح وننبسط….”
اتسعت عينا وجيدة بالشر….
“قصدك اي يا اميرة اني نكدية…شايف بنتك ياعبد
القادر….”
عقب عبد القادر بملاطفة وهو ينظر الى
ابنته البكرية بعتاب….
“متقصدش ياختي هي عامله عليكي عايزاكي
تفرحي وتنبسطي وتنسي اللي فات..”
مصمصت وجيدة بشفتيها بحسرة….
“ومنين يجي الفرح دا كان ابو هدى بــ….”
نهضت جنة هاربة من تلك الجلسة
الكئيبة….
“ماما انا هروح اتمشى شوية…..”وضعت السماعات
في اذنيها فمسكت يدها داليدا قائلة برجاء….
“خديني معاكي ياجنة….”
هربت أيضًا اميرة قائلة بحجة مقنعة…
“وانا كمان هروح ابص على حاجة في صف
المحلات اللي في الوش ده…..”
عندما أبتعد الجميع وبقا فقط العجائز على البساط
لكزة وجيده ابنتها بقسوة….
“وانتي هتفضلي قعده جمبي كده انطلقي شوية يمكن النحس يتفك….”
اطرقت هدى براسها بتخاذل قائلة وهي
تنهض… “هروح اتمشى شوية عن اذنكم….”
قالت حنان بعتاب….
“ياوجيدة خفي على البت شوية مش كده…”
لوت وجيدة شفتيها بقهر متمتمة…
“ياختي هي في حاجة مقصرة فيها مش شايفه البنات حوليها…. الناس كلت وشي ياحنان ياختي واهل أبوها في الصعيد كل شوية يسألوني عنها
وعن نحسها اللي مش عايز يتفك…حسرة عليكي
يابنتي وعلى حظك المنيل…”
هزت حنان راسها بسأم فوجيدة ستظل وجيدة
ولن تتغير ابدًا….لذا فضلت هي وزوجها الصمت
مستمعين الى عويلها عن الموت والحظ العاثر
المرافق خطاها…..
عيناه بدأت تفتشان عنها بلهفة فبعد ان رأى جنة
تسير بمفردها تضع السماعات في اذنيها ولا تبالي
بمن حولها سالها عن داليدا… فاخبرته انها أرادت
ان تنفرد بنفسها قليلًا في السير……
وبعد بحث دام لدقائق رآها تجلس تحت ظل شجرة
جالسة بهدوء شاردة في البعيد….
اقترب منها وجلس بجوارها بصمتٍ فزمت شفتيها
بتمرد طفولي قائلة….
“ممكن تبعد عني انا زعلانه منك…”
احتضن يدها المرتاحة على العشب بكف يده
هامسًا بخفوت معتذرًا…
“كنت تعبان وعايز انام يادودا غصب عني والله..”
خفق قلبها لكنها تماسكت وهي تزم شفتيها
بنزق… “عديم الاحساس و الرومانسيه….”
عقد حاجباه مؤنبًا إياها بخشونة….
“في ست محترمة تقول لجوزها كده….”
ادارة وجهها اليه بنظرة كرصاصة طائشة
هاتفه بقهر يتوارى خلف الغضب…
“ايوا اقلب الطربيزة عليا كالعادة وطلعني غلطانه..
بعد كل اللي عملته تنام وتسبني اقلع البدله
لوحدي….”
تاوه سلطان بحسرة….
“ياخسارة دي كانت اهم مرحلة بنسبالي…”
لكزت كتفه بانزعاج….
“ياكداب…. يامنافق…. يانكدي….”
ضحك سلطان وهو يمسك يدها قائلًا بعبث…
“بلاش ظلم يادودا.. دانا فرفوش اوي واعجبك..
طب جربي المرادي….”
رفعت راسها برفضًا قاطع…
“لا مستحيل.. خلاص قفلتني….”
اصر سلطان بغمزة شقية….
“البسيها تاني وتعالي نعيد من الأول…”
“لا مفيش…انا مخصماك.. “نهضت من مكانها مبتعده
عنه في لمح البصر….
فنهض خلفها سلطان قائلًا
بلهفة….
“داليدا…… ياداليدا….”
توقف مكانه عندما عرقل طريقه أمرأه تقترب منه
قائلة بدلال…..
“اي ده سي سلطان هنا… وانا اقول الجو قلب ربيع
كدا ليه… اتاري سي سلطان هنا… طب ما كنتوا
تقولوا انكم رايحن تقضوا اليوم في الجنينة كنت
جيت معاكم اصلي جايه مع اختي وجوزها قولت
اشم شوية هوا انا وبنتي دنيا…”
“كل سنة وانتي طيبة يام دنيا….” تنحنح سلطان بحرج وهو يرى داليدا تتقدم منه بشراسة بعد
رؤيتها لامال…
ردت أمال بفحيح ناعم وهي تقف وقفة مائلة
مائعة…
“وانت طيب ياغالي….”
جزت داليدا على اسنانها بنفاذ
صبر…
“اهلا بخالتي ام دنيا….”
تصنعت امال الود قائلة….
“اهلا ياحبيبتي…. مالك شكلك زعلانه…”
وقبل ان ترد داليدا نظرة امال لسلطان قائلة
بقلة حياء تقتحم خصوصية الغير…
“انت مزعلها ولا إيه ياسي سلطان….معقول ولا تكونش هي اللي مزعلاك…احكيلي احنا ستر
وغطا على بعض…. ”
عيل صبر داليدا فزمجرت بعنفًا شديد
اجفل كلاهما…..
“ماتتلمي ياولية يأم صورم انتي…..”
نظر لها سلطان جافلا متسع الأعين..فمسك
ذراعها سريعً يكبح جنونها قائلًا…..
“داليدا…. انت اتهبلتي اي اللي بتقولي ده….”
هتفت أمال بغضب وهي ترمق داليدا
بازدراء…..
“اخص عليكي وعلى اللي رباكي..دا كلام يطلع
من واحده عاقلة ومحترمة…..”
حاولت داليدا الهجوم عليها حتى تمزق وجهها
الحقير باظافرها لكن سلطان قيد خصرها سريعًا لتجد نفسها مكبله بقوة في الهواء مما جعلها تطيل لسانها قائلة بشراسة..
“انا محترمة و متربية غصب عن عينك…الدور والباقي عليكي انتي عينك بتزوغ على حاجة
غيرك. ”
“داليدا اخرسي….”صاح بها سلطان من خلفها فقد
بدا ينتبه لهم بعض العائلات القريبة من مكانهم…
لاحت الغرابة والحيرة على وجه امال الغاضب
وجهة الحديث لسلطان بتقريع….
“حقيقي انا مستغربة ياسلطان انت إزاي وافقت تربط نفسك و تجوز عيله صغيره تقل منك بشكل
ده قدام الناس…اخص بجد….”
رمقها سلطان بنظرة جمدتها في مكانها ولم يلبث
إلا وامرها بحدة ونفاذ صبر….
“ام دنيا كفاية كده…..روحي لحال سبيلك…”
ازداد غضبها وحقدها على داليدا التي تحاول الوصول اليها لولا ذراع سلطان المحكمة على
خصرها بالقيد….
“كده ماشي ياسلطان….لينا كلام تاني لما تهدي
الشعنونه بتاعتك…..”
صرخة داليدا بسوقية وهي تراها تبتعد عنهما
دون ان تاخذ نصيبها من الضرب…
“مين دي اللي شعنونه يام اربعة واربعين..ياخطافة
الرجالة….”
تركها سلطان وصاح بخشونة مهيبة
لعيناها….
“اهدي اهدي بقا….. الناس بتبص علينا…”
توقفت داليدا وهي تاخذ انفاسها المتهدجة بصعوبة ومزالت بعض العيون من حولهما تراقبهما بفضول
فزمجر سلطان من بين اسنانه بقسوة معاتبًا…
“انتي إيه مجنونة مفيش مخ خالص…في حد
يقول اللي قولتي ده ….”
نظرت داليدا له بغضب وهي تعدل حجابها بعصبية
تخفي خصلاتها اسفله…..
“عايزني اعمل إيه وانا شيفاها بتتمسح فيك بطريقة
دي…اسكت لها ليه ماسكه عليا ذلة ولا مليش لسان
أرد بيه…..”
اعتصر سلطان عيناه لثانيه ثم فتح عيناه واجما
قائلًا بحشرجة انفاسٍ غاضبة…..
“مفيش واحده عاقلة بتتصرف كده وعلى الملء..دي
مش قوة دي قلة عقل…وجنانك هيخلي الكل يغلطك
وهي اللي يبقا معاها الحق…..”
اقتربت منه وشدته من ياقة السترة الرياضة بتملك هاتفه وهي تأسره بنظرة عاشقة مجنونة…..
“انا اللي معايا كل الحق…انت جوزي حبيبي انا…وهي
ملهاش حق انها حتى تبصلك…مش تكلم معاك وتدلع
عليك….”
نظر سلطان حوله بحرج وهو ينزع
يداها عنه…
“وطي صوتك كفاية فضايح…..”
انعقد حاجبيها وبنظرة جريحة
معلقة….
“فضايح ؟!…شايف حبي ليك فضايح….”
هتف سلطان بخشونة….
“انا محبش حبك ليا يكون على الملء…”
تراجعت للخلف بتشنج….. “اي التفكير ده….”
تحدث سلطان بصرامة….
“دا الصح انا كده وده طبعي..حاولي تطبعي بطبعي وتفهميني….اعملي مابدالك واحنا مع بعض بس قدام الناس اتصرفي زي اي ست عاقلة ومسئولة….”
قالت بتمرد امام عيناه المفترسة….
“انا معرفش اكون زي مانت عايز انا كده وانت حبتني كده….”
اكد سلطان وهو ياخذ خطوة نحوها..
“ولسه بحبك ياداليدا…..بس تهورك غلط اكبر غلط…..”
ترقرق الدمع في عيناها فقالت بانكسار…
“انت مش حاسس بيا…..انت واقف قصادي بتعاتبني
عشان واحده زي دي….وكمان مضايق اني وقفتها
عند حدها……”
ابتعدت داليدا عنه بخطى سريعة فوقف مكانه عاجزًا عن الحاق بها…..
لماذا لا تفهم انه يحبها بكل حالتها لكنه يريدها أكثر
نضجًا وتعقلًا….
سارت بعيدة عنه وهي تمسح دموعها المنهمرة على خدها والغيظ والغيرة نيران تحرق صدرها…وقفت
مكانها فجأه بعينين متسعتين وجلتين…..
لم تتوقع أبدًا ان ترى ما راته الان ولا حتى في احلامها…..
من بعيد رأت هُدى برفقة شاب تقف معه خلف أحد الأشجار البعيدة عن الأنظار تضحك وتسايره بحرارة ونظرات عينيها البراقة تشي بالكثير بان هذا الشاب استحوذ على عقلها وقلبها ببساطه !…
الذي ارعبها بشدة وجعلها تتراجع برهبة كمن اصابها
ماس كهربائي عندما استدار الشاب لها ناظرًا اليها مباشرةٍ وعلى محياه ابتسامة ماكرة خصها بها وكانه رآها قبل ان تدرك حقيقة وجوده ؟!….انه هو
هو دون إنكار….عادل….. عاد لحياتها من جديد
لكن بصورة أخرى بصورة ارعبتها بشدة….
عادل برفقة ابنة عمتها؟! متى حدث هذا !..
وكيف حدث !…
……………………………………………………………..
دلفت الى قاعة المكتبة الكبيرة تجول بعيناها
الفيروزية الامعة بالحزن المكان من حولها حيث
خزائن الكُتب الشامخة جانبًا والمكتزة بالكثير من أنواع الكُتب التي صُنفة بعناية مختلفة الاشكال والمواضيع تجمع كل ذوقًا منفرد بصاحبه في هذا المكان الرائع….
عليها ان تعترف ان عبق الكُتب أفضل من ألف
عطرًا يستدل عليه ، وان الكُتب تظل مجهولة
بعناوين ملثمة الى ان ياتي المغامر الذي يصل
للنهاية فاكك طلاسمها مبحر في عالمها !…
رأته من بعيد على أحد الطاولات الخشبية جالسًا
يضع نظارة الطبية مشغول بقراءة أحد الكتب هو
من دعاها لهذا المكان الراقي الهادئ والذي جمع
بين الفكر والاخلاق والثقافة التي باتت طراز قديم غير مستحب للكثير من الجيل الحالي التي هي واحده منهم !….
كانت متأنقة بطاقم كلاسيكي عبارة عن بنطال
واسع الساقين ومحكوم عند الخصر تعلوه سترة مناسبة عليها رافعه شعرها للخلف وتسقط على
غرتها جانبًا خصلة بندقية ناعمة تلامس فكها
بدلال….
جلست بجواره وهي تبتسم برقة قائلة
بمحبة..”مساء الخير ياعمو….”
انتبه المستشار الى وجودها فنزع نظارة القراءة
ببطئ ناظرًا اليها بابتسامة بشوشة…
“مساء الخير ياحبيبة عمو…متاخرة عشر دقايق
بحالهم….فين الانضباط يا استاذة يامحامية…”
عضت على باطن شفتيها
قائلة…
“اصل الطريق كان زحمة و…..”
قاطعها المستشار بحزم حاني….
“قديمة اوي الحجة دي….فين الابتكار و التجديد…”
زمت كيان شفتيها معترفة بحرج…
“بصراحه كنت بكوي البليزر وده اللي اخرني عليك….”
نظر المستشار الى أطراف السترة بدقة
ثم قال….
“مم….مش مكوي كويس….شكلك كنتي
مستعجلة كده انا اقتنعت….”
ضحكت كيان بحياء قائلة…
“هو حضرتك جايبني هنا ليه….”
ضاقت عينا المستشار مجاوبًا…
“عشان تمتعي عينك ومخك…مش عاجبك المكان
ولا انتي من جيل الترندات الهبطه….”
قالت كيان معترفة بحرج….
“بصراحه…مش أوي عادي …يعني على حسب
لو في كتاب عجبني بدوس فيه بقلب….”
اوما المستشار براسه وهو يعطيها الكتاب الذي
كان يقراه للتو…..
“يبقا لازم تبدأي خدي الكتاب ده عن التنمية
البشرية وتطوير الذات…اغلبية الكتب او اكترها
بتتعمق في نفس الإنسان علميًا وعمليًا…هتلاقي
هنا نفسك ويمكن تلاقي حلول لحاجات محيراكي..”
نظرت كيان للكتاب ثم لعينا المستشار ولم تلبث الا وقالت بحرج… “هو سليم قالك حاجة ياعمو….”
بصوتٍ متزن اجابها المستشار باختصار….
“سليم مقالش لكن باين انكم زعلانين..وانا مش حابب أرهق نفسي في مشاكل بين إتنين لسه في مرحلة التعارف لان دي مش مشاكل ده دلع سواء منك او منه….”
قالت كيان باندفاع…
“هو طبعا مش انا…..انا جد جدًا…”
“أهلا يابابا…..طلبت تشوفني هنا خير….”اتى صوت
سليم من خلفها والذي وصل للتو وكأن متانق كالعادة
بحلة رسمية زاد بها وسامة وكانها خصصت له..
خصه المستشار بابتسامة دافئة حانية…
“اهلا ياسليم في معادك مظبوط……اقعد واقف
ليه…”
جلس سليم على الجانب الآخر من والده…فقال
المستشار بلؤم وهو ينظر نحو كيان….
“هو مش من الذوق يامتر لما تلاقي آنسه جميلة قعده جمبي تسلم عليها ولو بكلمة ترحيب بسيطه. ”
تجهم سليم وهو ينظر اليها بطرف
عيناه…
“انا مش فاهم يابابا انت جايبني هنا ليه….”
قالت كيان بحده تبرأ نفسها….
“ولا انا ياعمو…هو كل ده عشان تديني كتاب
أقرأه…”
رد المستشار ببرود وهو يرتدي نظارته
الطبية….
“لا طبعا في سبب ورا اني اجمعكم هنا..من غير ما
اعرفكم….وده لأني عايزكم تحلوا مشاكلكم وتتراضوا في المكان اللطيف الهادي ده لحد ما أخلص قراءة الكتاب مفضلش فيه كتير….”
تشنج فك سليم وهو يرمق والده بصدمة….
“انت بتقول اي يابابا….هنحل مشاكلنا ونتراضى هنا….”
“بظبط وبمنتهى التحضر ومن غير ما صوتكم يعلى
لحسان يطردوكم برا المكان….”أكد المستشار بنظرة خبيثة خص بها ابنه الذي فهم اخيرًا مقصد والده….
قالت كيان بحنق بالغ….. “عمو…انا اعترض….”
تململ سليم رغم قراءة المعنى الخفي خلف
حضورهما لهنا….
“على أساس ان انا اللي موافق…”
اتسعت عينا كيان وكانه ضرب كبرياؤها…هتف
المستشار بملل…..
“كفاية صداع…مش عارف اقرأ….خد خطبتك ياسليم دور انت وهي على كتاب على ذوقكم.. ”
بانين متوسل اعترضت….. “بس ياعمو…..”
نهض سليم ووقف بالقرب من مقعدها
قائلا…. “تعالي معايا…”
سارت معه بين خزائن الكتب بوجهًا مكفهر تنظر للكتب تاره ثم لوجهه العابس تارةٍ أخرى…
فسحب سليم أحد الكتب بعشوائية وبدا يتفحصها محاولًا فتح حديث معها وهو يقول ..
“حلو الكتاب ده….بيحكي عن عصر الملوك والجواري….اي رأيك….”
ازداد تجهم وجهها وراى في عيناها المعنى الخفي بعد كلمة (جوراي)…فترك الكتاب واخذ واحدًا اخر بعشوائية وغباء قائلًا….
“ودا بيحكي عن تعدد الزوجات…”
اشتعلت حدقتاها أكثر وكانها تنفثان اللهب…فقال سليم وهو يضع الكتاب باستياء…
“بلاش كتب أحسن تعالي نقعد…”
سارا معًا الى احد الطاولات للجلوس…واثناء السير
خبط سليم في كتف شابة جميلة تمر بجواره..
وقع كتابها فانحنى امام عينا كيان يجلبه لها بالباقة
فابتسمت الشابة بحرج فقال سليم بذوق….
“انا اسف مخدتش بالي…”
قالت الشابة برقة. “لا ولا يهمك….شكرًا…..”
ثم ابتعدت فعادت عينا سليم تلقائيًا لكيان التي
قلدت صوت الفتاة قائلة بشراسة…..
“شكرًا ولا يهمك…. عجباك… لو عجباك قول اندهالك…..”
نظر سليم للسقف بقلة صبر لثانية ثم عادت عيناه المشتاقة والغاضبة بشدة اليها قائلًا بجزع..
“تعالي نقعد ياعصفورة ربنا يهديكي……”
عندما جلسا ، على صوت سليم قليلًا هاتفًا
باندفاع….
“اي حكايتك بظبط….انتي عيزاني ولا مش عيزاني”
“هششش…اي يا أستاذ مش عارف اقرأ الصوت شوية مش كده…” اتى هذا الصوت من خلفهما لرجلا عجوز يستمتع بقراءة أحد الكتب في صمت وهدوء فاتوا
ليعكروا صفوه…
“آسف مخدتش بالي…..”اغتصب سليم الابتسامة معتذرًا بينما كانت كيان تعقد ساعديها بتبرم….
من بين اسنانه كرر السؤال وهو يبتلعها بنظراته الغاضبة…. “ردي عيزاني ولا لا…..”
بنفس عقدة الساعدين قالت مستهجنة…
“والله المفروض تكون عارف اجابة السؤال ده..”
صاح فيها بجزع….. “انا مبقتش عارف حاجة….”
قالت بغلاظة يتوراى خلفها قلبا
هشًا في حبه…
“طالما كده يبقا متسألش….”
التفت لهما العجوز بنفاذ صبر مزمجرًا….
“يا اساتذة كفاية صداع وتوتر….اطلعوا حلوا مشاكلكم برا…جاين تحلوها في المكتبة دا اي قلة العقل دي…..”
شعر سليم بالحرج اكثر فقام من مكانه
قائلًا وهو ينظر اليها….
“عنده حق قومي بينا نروح مكان تاني نتكلم
فيه براحتنا…”
نهضت كيان قائلة بتردد….
“طب وباباك…..هيزعل أكيد…”
هز سليم راسه بنفي كاشف عن خطة أبيه
منذ البداية…..
“مش هيزعل…هو هدفه من البداية انه يجمعنا
وساب الباقي لينا….”
………………………………
اثناء تلك الرحلة القصيرة في سيارته التزمت الصمت
بنفس الوجه المكفهر والشفاه المقلوبة وكانها تضغط
على نفسها لتكن معه بمفردهما…
لكم يحرقه حيًا هذا الشعور…المرأه الوحيدة القادرة
على لطم كبرياؤه بأقل نظرة تصدر منها هي…هي
فقط التي في ابتعادها ينهار كليًا ويخر قلبه تحت اقدامها ذليلا بأسم الهوى ، وان لانت معه ورضت ينشرح صدرهُ بالسعادة والسرور ويقيم قلبه الافراح حتى الدهور ؟!…
هي العصفورة التي ألقت عليه السحر وحلقت بعيدًا حُرة في سماء الهوى أحيانًا تقترب وأحيانًا كثيرة تلوذ بالفرار ومعها يظل في حيرة من أمره اهي بين قبضة يده ام يُهيأ له هذا !!…
نظرت كيان بطرف عيناها إليه….تتعمد بكبرياء ان تظهر حنقها بالقرب منه مع ان حصونها تنهار الان
لمجرد انهُ معها في نفس المكان يتشاركا نفس الهواء
وحتى ان كان الصمت بينهما قاتل يكفي انه معها
بعد أيام طويلة من الخصام ؟!…
تسأل نفسها باستمرار لماذا تقتل الحب بافعالها… لماذا
لا تؤمن بالحب بعد ان اعترفت به ؟!..
من لا يؤمن بالحب لا يعترف به أبدًا، لكنها كالعادة
مختلة في حبها و ردود افعالها تخالف المألوف والمتوقع…
كيف توفق بين حبها الشديد له وعقدة الطفولة التي
لم تتخطاها حتى الآن ومزالت تقف عندها عاجزة
عن التحرك للأمام….
أهو نسخة من عثمان الدسوقي ام انها كالعادة تطلق الأحكام لمجرد ان البداية لم تكن معها هي؟!!…
وما العيب هنا اين كانت عندما بدأ الحب، تدرس
وتلهو مع الرفقة واخر اليوم تكن في معمعة من الخلافات والاشتباكات اللا نهائية بين والدها وشقيقيها….
لماذا تقتلي الحب ياكيان…الن تنسي وتريحي قلبك
وحياتك في أحضان هذا الرجل ام ان الأسود سيظل
دوما ملازمك ولن تري اطياف الحب ياتعيسة الحظ
إبتسمت بحزن أحيانًا صوت النفس أكثر واقعية
وحكمة وتمرد على كل مفاهيمنا الخاطئة ؟!….
توقفت السيارة امام البحر في مكانًا هادئ بعيدًا
عن الناس والزحام…..
نظرت من خلال نافذة السيارة لثانية ثم عادت
إليه فتلاقت بعيناه المنتظرة نظرتها بلهفة منذ
ان استقلّت بجواره السيارة…..
رغم ملامحه الصخرية الحانقة إلا ان نظرة اللهفة
في عيناه لا تمحى مهما حدث بينهما….
“اي اللي جبنا هنا؟!!….”
“هنتكلم شوية….”
لم يخرج من السيارة بل فضل التواجد بها ثم فتح
نوافذ السيارة الى اخرها فهب النسيم المعطر بالبحر
المالح ضارب وجهيهما….
فظلا على صمتهما بعناد وكانهما يتحدى بعضهما في الخفاء…..لفت نظرها تلك الميدالية المعلقة في أطار
السيارة امامها والتي على شكل عصفورة صغيره
صفراء…..
مسكتها بفضول بين اصابعها لترى الاسم المحفور
عليها (كيان..)
لانت شفتيها وملامحها في ابتسامة رقيقة امام
عيناه المتفحصة لأقل حركة تصدر منها…فعقب
بخشونة…..”عجبتك….”
زينة البسمة محياها برقة…..
“حلوة اوي ورقيقه…عملتها امتى دي…..”
رد سليم بتذكر…… “تقريبًا من شهرين….”
قالت متعجبة… “ازاي ماخدتش بالي منها….”
التوى ثغر سليم في بسمة متهكمة…..
“انتي بتاخذي بالك بس من الحاجات اللي انتي عايزه تشوفيها….”
ابعدت اصابعها تاركة الميدالية تتأرجح امام
عيناها الحزينة…..
فسحب سليم نفسًا عميقًا كاد ان يقلع ازرار
قميصه وهو يسألها….
“كيان انتي فكرتي الايام اللي فاتت دي..ولا لا….”
ضمت شفتيها بقوة تحاول منع تهورها بالرد
المتوقع…تافف سليم بخشونة مكرر سؤاله…
“هتفضلي ساكته طب خليني اسألك للمرة الأخيرة
انتي عيزاني في حياتك ولا لا…..”
رمشت باهدابها قائلة بكبرياء
مجروح….
“انا مقولتش اني ندمانه زي مانت قولت….”
عيل صبره فقال بغضب مكتوم…..
“متغيريش الموضوع وردي عليا…..انا مش قادر استحمل نظرة عينك دي…قوليلي ازاي الإنسان
يقدر يكمل مع حد شاكك فيه طول الوقت ومستني
غدرة…..إزاي دي تبقا حياة وهو شايفه مسخ من حد
أذاها زمان…..ازاي ياكيان… ”
هتفت بشراسة وعيناها تلمع بدموع…
“وكمان انت قولي إزاي هكمل وانا قلبي ودمي بيتحرقوا كل يوم كل ما بتخيل اللي كان بينكم
اللي شوفته في المكتب ومكالماتك ليها…حبكم وحبك انت بذات ليها…. ”
هز راسه زافرًا بوجه ممتقع….
“انا مش فاهم انتي بتلوميني على إيه….انتي لسه قايله اللي كان بينا…وليه تتخيلي أصلا الموضوع انتهى ماضي وعدى…ليه تعذبيني وتعذبي نفسك….ليه بتلوميني اي السبب….”
انهارت كليًا فنزلت دموعها وهي تعترف
بضعف هاربة من عيناه…..
“عشان بحبك هو ده السبب…”
خفق قلبه وود لو ضمها الى صدره لربما محى كل
هذه التراهات من عقلها اليابس…لكنه تراجع في اللحظة الاخيرة عالمًا بردة فعلها المهاجمة ان
حاول لمسها ولو عن طريق الخطأ !…
إرجع سليم راسه للخلف ساندًا على ظهر المقعد
وهو ينظر امامه قائلًا بابتسامة باهته معترف
لنفسه قبلها….
“اه ياكيان… انتي اللي يتقال عليها شوكة في الضهر….لا قادر استغنى عنك ولا قادر اتحمل
وجعك..”
عقبت بانهزام…
“يبقا الحل اننا نسيب بعض عشان كل واحد
يرتاح….”
برقة عيناه بالغضب متمسك بها….
“وليه ميبقاش الحل اننا ننسى ونبدا من تاني…”
قالت بسلبية….. “يبقا هنفشل تاني….”
حاول معها سليم بقدر الحب الذي يحمله
لها…..
“ومالوا نحاول تاني وتالت….انتي مش بتحبيني…
اللي بيحب حد مش بيتنازل عنه بسهوله دي…”
خفق قلبها بوجع عالمة بانه محق فأسبلت
عيناها قائلة باعتذار….
“اسفه على الكلام اللي قولته…انا… ”
قاطعها سليم مسيطرًا على اعصابه وهو يحاول
نزعها من تلك الدائرة السوداء…..
“انسي اللي فات…وتعالي نبدا من الأول بصفحة جديدة بيضة مفهاش ولا نقطة من الحبر القديم..
قولتي إيه…”
رفعت عيناها اليه بدهشة برية…
“متاكد ياسليم ؟!…..”
مط شفتيه بجزع قائلًا بعاطفه جياشة ضمة
قلبها المرتاع من الحب وناسه…..
“ولسه بتسألي.. كيان انا مستحيل اتخيل حياتي
مع حد غيرك…انا مش عايز منك بس غير وعد
اننا هنرجع احسن من الاول وهنصلح من نفسنا عشان يعيش الحب اللي بينا ومنقتلوش بتصرفتنا
وخوفنا…..اوعديني ياعصفورتي… ”
بللت كيان شفتيها هاربه من عيناه لفترة حتى شق الصمت الذي طال بينهما صوتها المرتجف والذي انهزم امام الحب ونظرات الحبيب الراجية…
“هحاول أوعدك هحاول….لاني مش عايزة اخسرك ولا اخسر الحب اللي بينا….أوعدك ياسليم….”
أسر عيناها الفيروزية قائلا بصوتٍ أجش…..
“ووعد على وعدك ياعصفورتي هتفضلي في قلبي
وعنيا لأخر يوم في عمري…..”
شهقة بخوف قائلة وهي تمسك كفه بتلقائية
فتلقاه هو بشوق……
“بعد الشر عليك…..متقولش كده.. ”
تلألأت عيناه كالالعاب النارية غامزًا بانتشاء….
“انا في حلم ولا في علم…..كيان خايفه عليا…
وماسكه أيدي كمان….”
سحبت يدها بحياء وتخضبة وجنتاها بحمرة
الخجل…فقال سليم وهو يدير محرك السيارة
بمشاعر وليدة اللحظة …
“في حاجة عايز اورهالك… واخد رأيك فيها…”
سالته بفضول وهو تنظر اليه بحب
العالم… “حاجة إيه؟!….”
قال سليم بنظرة شقية ازداد بها وسامة
في عيناها المشتاقة إليه…..
“لما نوصل هقولك…”
وقفت بقلب هذا المكتب الأنيق تدور حدقتاها
في زوايا المكان متأملة بدقة كل شبر به ثم لم
تلبث إلا ونظرت الى سليم بعدم فهم….
“دا مكتب مين دا ياسليم؟…”
اقترب منها وابعد تلك الخصلة الناعمة الملامسة
فكها قائلًا بابتسامة مرحة…
“دا مكتبنا…. ان شاء الله هيكون المكتب الجديد
اللي ناوي انقل فيه….”
فغرت شفتيها وهي تستدير تطلع على المكان
من جديد بانبهار وحيرة أكبر….
“ناوي تنقل عن مكتبك إزاي طب وليه….”
تحدث سليم بجدية….
“أولا المكتب هنا في مكان احسن وافضل…وواسع
ومنظم وهحتاج لده الفترة الجايه مع الموظفين
الجداد…..”
انعقد حاجباها وهي ترمقه باستفهام…
“موظفين ؟!..”
وضح سليم مستأنف…..
“سكرتير يتولى شغلك ومحامي تاني هيدير
معايا المكتب باذن الله…”
على وجهها علامات الإزعاج
وهي تسأله…”طب وانا ياسليم….”
وضع يد واحده في جيبه قائلًا بجاذبية
مهلكة…..
“انتي مكانك هنا جمبي… مكتبك هيبقا جمب مكتبي
وهنشتغل سوا… تصوري بعد الجواز هشوفك في البيت والشغل…. تفتكري هزهق؟!….”
رفرف قلبها بسعادة لكنها قالت
بغلاظة…
“أكيد طبعًا….. انا كمان هزهق…..”
زم شفتاه وهو يرفع عيناه
للسقف..مغمغمًا
“دبش من يومك ياحياتي….”
قالت بابتسامة سمجة…
“دا اقل حاجه عندي ياسولي….”
نظر لعيناها قليلًا ثم جلى صوته بخشونة
حانية…..
“خلينا في المهم ياستاذة….زي مانتي شايفه المكتب
جاهز مش محتاج بس غير الفرش والاثاث وده هننزل نختاروا سوا قدري نفسك بتشتري فرش
شقتنا… مش حرمك من حاجة…”
ضحكت وهي ترفع كفها في تحية
عسكرية…
“علم وينفذ يامتر…… بس انا لحد دلوقتي برضو
مفهمتش ليه هتسيب مكتبك القديم….”
لم تمحو البسمة وهو يخبرها بحب….
“مش قولتلك اني عايز أبدا معاكي صفحة جديدة.. ودي هتكون أول خطوة مكتب جديد بينا…”
“تفتكر الموضوع بالاماكن….” تلاشت ضحكتها ولم يبق إلا الأثر لبسمة صغيرة..
اجابها سليم بصبرٍ……
“اكيد ليها تأثير والتجديد حلو…. ها قوليلي لما نجيب المكتبة هنحطها فين والمكتب الجديد
في الزاوية دي أحسن ولا دي….”
“لا طبعًا دي كده افضل خصوصا انه هـ….
تركها تتحدث وهي تحرك كفيها بعشوائية هنا
وهناك بعنفوان وعيناه العاشقة تتبع حركاتها بهيام
تأبى تركها كما يأبى قلبه نزعها مهما اساءة في حقه
يظل التعلق بها مرضي….
مرضًا يقع على كاهل كل عاشق وهو ان الحب
أولًا والباقية تاتي مع الوقت و الصبر !…
………………………………………………………….
في المساء…
ضحكت شهد بقوة وهي تضع يدها على بطنها
ناظرة اليهن وهي تقول….
“دا الطبيعي ناقر ونقير… مش هتعقلوا ابدا….”
ضحكت قمر كذلك وهي تقرص وجنة كيان
قائلة باستفزاز….
“ومالوا اختي الصغيرة لازم استحملها….”
ضربت كيان يد قمر قائلة ببرود…
“صغيرة في سن اه لكن كبيرة في المقام….بلاش تنسي اني في مقام حماتك….”
كتمت شهد ضحكتها تشاهد العرض الجبار
باستمتاع بينما قالت قمر باستنكار…..
“حماتي؟!… حماتي الله يرحمها….”
قالت كيان بتسلط وهي تضيق حاجبيها بعقدة
مزعجة…
“وانا مكانها ياماما… ولا خيالك صورلك انك هتاخدي اخويا ليكي لوحدك لا انسي انا قعدالك على قلبك…”
قالت شهد بلؤم….
“طب وبنسبة لسليم انتوا مش فرحكم هيبقا سوا…”
أكدت قمر وهي ترمق كيان بازدراء…
“اه والله…. المفروض كل واحد يركز في حياته.. ونبطل صفار شوية…..”
أحمر وجه كيان غضبًا مع اتساع عيناها
بالحنق….
“مين دي اللي صفرة…. لا هتلبخي هلبخ….انـ….”
اوقفتهن شهد متبرمة…
“بس انتوا الإتنين انا جايه اقعد معاكم شوية هتقلبوها عراك وصداع…..”
صمتا الفتاتان وهم يرمقا بعضهن بعدائية مؤقته
ثم اقتربت كيان من اختها على نفس الاريكة المتجمعين عليها…..
“صحيح اي اخبار الجواز ياشوشو… حلو….”
تخضب وجه شهد بحمرة الحياء فاجابت
باستحياء… “اه الحمدلله….”
لمعة عينا كيان بوقاحة…
“واي اللي حصل بقا…. احكيلي…..”
رمقتها شهد بحزم….
“ماقولتلك الحمدلله… مش لازم تفاصيل يعني..”
قالت كيان بتبرير والبريق يزداد نشوةٍ…
“انا اختك على فكرة وبعدين انا مخطوبة المفروض
تنصحيني…..”
قطبة شهد جبينها عابسة….
“يعني إيه اختي ومخطوبة… رخصة دي عشان نتكلم
في الحاجات دي… ”
لكزتها كيان مصممة بغمزة
شقية…
“يعني شوية نصايح كده…..”
ابتسمت شهد وهي تهز راسها باستياء…قائلة بجذل
مازال يتوغل اليها كلما تذكرت مشهد الصلاة الذي
جمعها بين زوجها….
“النصيحة اللي لازم تعمليها أول ماتبقوا سوا انكم
تصلوا ركعتين شكر بنية ان ربنا يصلح حالكم ويبارك
في حياتكم الجاية…. الموضوع بيفرق اوي ياكيان
حتة انه يقيم بيكي الصلاة وتسمعي القرآن بصوته
راحه نفسية حقيقي…..”
اتسعت بسمة الفتاتان معًا فقالت كيان
بفضول… “وعاصم عمل كده….”
أكدت شهد بحياء…
“أكيد دي الحاجه اللي خلتني ارتاح أكتر واطمن
في اليوم ده…”
قالت قمر بحبور….
“ربنا يسعدك ياشهد ويخليكم لبعض….”
بينما قالت كيان بفصولا….
“اقوليلي صحيح اي اخبار سفرية سويسرا… كانت
حلوة…..”
قالت شهد وهي تبحث عن الهاتف في حقيبتها…
“حلوة اوي انبسطنا بجد….. وصورنا كذا صورة هناك وعملت فيديو في المكان اللي كنا فيه…خدي شوفيها على التلفون….”
اخذت كيان منها الهاتف وبدات تتفحصه وقمر معها
تشاهد بصمت….
بينما سالت شهد باشتياق…
“صحيح حمزة فين هو لسه نايم…دا وحشني اوي.. ”
تسارعت نبضات قلب قمر وارتجف جسدها بلذة
الإشتياق كلما تذكرت ما حدث بينهما منذ أيام
وهي تتوتر على نحوٍ ملحوظ…
كيف ضمها الى صدره بقوة وطبع قبلات متفرقة على
عنقها ووجنتاها كيف لامس خصلات شعرها وهام
بها عشقًا رغم عدم اعترافه بهذا لكنها استشعرت هذا
العشق من مضخة قلبه القوية فوق صدرها والحاحه على سماع اعترافها وهو ينصهر في احضانها من فرط العشق واحساسه….
ردت كيان وعيناها معلقة على شاشة الهاتف…
“حمزة برا زمانه جاي انا اتصلت بيه قولتله ان انتي
جايه النهاردة وهتقضي اليوم معانا وهتمشي اخر
النهار…..”
ابتسمت شهد وهي تنظر نحو قمر موجها لها
الحديث….
“وعامل اي حمزة معاكي ياقمر…. اموركم تمام…”
اشتعلت وجنتاها بغباء قائلة بحياء
أكبر…..
“اه الحمدلله…. بخير….”
ربتت شهد على كتف قمر قائلة بمحبة…
“ربنا يهدي سركم… لو في اي حاجة حصلت لا قدر
الله بينكم فيما بعد.. اوعي تترددي تيجي تحكيلي.. احنا اخوات وأكيد انا مرضاش ليكي حاجة وحشة
…اتفقنا…”
اومات قمر براسها بابتسامة صافية…بينما قالت
كيان بغيرة مستفزة…..
“ومتجيش تحكيلي انا ليه بقا… هو انا مش في
مقام حماتها….”
ضحكت شهد قائلة بلؤم…
“ما معروف انتي هدفعي عن مين حتى لو غلطان..”
قالت كيان بجدية مفرطة….
“لا على فكرة انا حقنيا اوي… بس طبعا معروفه
ميزو مش بيغلط….”
ابتسمت قمر بسخرية….
“خالص….خالص دا ملاك بجناحين طالع لك
ياحبيبتي….”
هتفت كيان بضجر….
“شايفه ياشهد اهي علطول كده بتجر شكلي..”
نظرت شهد لقمر بضيق زائف…
“متجريش شكل اختي ياقمر الله….هي فعلا
ملاك بجناحين دول دخلوا في عيني عموني..”
ضحكت قمر بقوة وكذلك شهد وضربوا كفوفهم ببعضها…. فزمت كيان شفتيها بحزن..
“كده ياشهد….”
تبدلت ملامح شهد الى الحمل وديع وهي تاخذ
اختها في احضانها تدللها كما كانت تفعل معها
وهي صغيره…
“بنهزر معاكي ياحلوة ياقطة ياملونه انتي…”
ابتعدت عنها كيان ضاحكة
بحرج…
“بس يارخمة سبيني….”
ثم عادت تنظر الى الصور قائلة
بمناغشة…
“بس باين ان عاصم بيحبك ورومانسي اوي…”
تنهدت شهد بهيام لم تقدر على اخفائه…
“اوي اوي أوي….وكاني متجوزه شاعر مرهف الإحساس…..”
سألت كيان بتعجب….
“معقول اللي يشوفه ميقولش كده…”
بصوتٍ ناعم شاعري اجابتها شهد وعيناها تحلق
في سماء الحب…
“هو مش بشكل الانسان لما بيحب بجد بيدي انطباعات حلوة لشريك حياته بيحببه فيه اكتر
وبيحب الدنيا معاه أكتر وأكتر….”
هللت كيان بمناغشة حلوة….
“الله ياست يافنانه…وبقيتي بتقولي حكم واشعار
واضح ان ابو نسب عمل مجهود جبار عشان يحولك
التحويله دي….”
ضحكت شهد بخفة…… “عقبالك ياكوكي…”
لانت شفتي كيان بابتسامة خاصة…
“يمكن مفيش حاجه مستحيلة في الحب….”
سمعا بعد دقائق رنة مفاتيح حمزة يليها دخوله
بعدها من باب الشقة….
اختلج قلب قمر بين اضلعها بجنون وهي تنظر إليه
من أسفل اهدابها الكثيفة…آه من هذا الشعور الغير قابل للترويض داخلها انه الشوق التي تعجز عن اخفائه…..
ارتجف جسدها بضعف وعقلها يذكرها بالعناق والقبلات وهمسها
ارتجف جسدها بضعف وعقلها يذكرها بالعناق والقبلات وهمسها المعترف بالحب بين ذراعي
حبيبها…
كيف اتتها الشجاعة بان تعترف بهذا قبل ان يفعل
هو….ولماذا لم يبادلها حينها انه ايضًا يحمل لها
نفس المشاعر وأكثر…..
كما تظن وكما يخبرها قلبها…..
حاولت عصر مخها كي تتذكر ماقاله حينها لكنها تفشل في تذكر رده…هو رد بشيءٍ اشبه بغمغمة
غير مفهومة… لم تتعرف عليها فكانت تتأرجح مشاعرها بين الحب والضعف….
نهضت شهد من مكانها فور رؤية اخيها وخطت باتجاه تلقي نفسها في احضانه هاتفه بحرارة.
“وحشتني… وحشتني اوي ياميزو..”
ضمها حمزة الى احضانه وهو يقبل كتفها قائلا
بمحبة….
” وانتي اكتر ياسنجابة ياصغننه…..عاملة إيه….”
ابعدها عنه وهو ينظر لوجهها المتورد ولمعة عيناها
البراقة فضاقت عسليتاه بخبث…
“اي الحلاوة دي ياشوشو….دا احنا احلوينا أوي
بعد الجواز….”
زادت ابتسامتها خجلًا..
“انا طول عمري حلوة يابابا…تعالى اقعد….”
جلسا بجوار بعضهما هي على الاريكة وهو في المقعد المجاور لها وعلى الجانب الاخر من الاريكة قمر وكيان المنشغله في هاتف اختها….
“اي أخبارك…. واي اخبار الشغل….”
رد عليها حمزة وعيناه تسرق النظر الى صاحبة
الشعر الغجري والتي تنظر الى الهاتف مع
اخته..
“الحمدلله قريب اوي هفتح مشروع مع سلطان..”
رفعت قمر عيناها اليه متفاجئة بالأمر فالتقط هو نظرتها بقوة وبعينين شاخصة مربكة اجفلها
فاسبلت اهدابها بحرج وقلبها يخفق بجنون……
ابتسمت شهد بدهشة…
“بجد مشروع إيه…احكيلي….”
اخبرها حمزة وهو يعطيها كامل
تركيزة…
“مصنع صغير… خشب اثاث موبيليا…..”
سالته كيان دون ان تنظر اليه….
“يعني هترجع تشتغل تاني في الموبيليا ياميزو….”
أكد حمزة بهدوء…
“ان شاءالله….بس على تقيل….”
سالته شهد باستفهام…
“بس المشروع ده هيكلف اكيد…جبت الفلوس
منين….”
رد حمزة بسلاسة….
“قرض…بضمان المشروع كده يعني….”
لانت ملامح شهد وقالت بابتسامة صافية
محبة….
“ربنا يوفقك ياحبيبي.. انت شاطر اوي في الصنعة دي وايدك تتلف بالحرير مش عارفه ليه بطلت تشتغل
فيها واتجهت للسواقة….بس كويس انك رجعت تاني وبدأت تفكر في مصلحتك…وانا واثقه انها هتكون فتحت خير ليك…”
ثم نظرت الى قمر بطرف عيناها مناغشة
إياها…..
“واضح ان العروسة ليها تأثير كبير في خطوة
مهمة زي دي….”
نظرت قمر الى حمزة بعتاب فبادلها النظرة
بعينين شاخصة مبهمة المعاني بومضٍ
اجرامي أخذ ، يدفعها الى هوة الحب !..
خفق قلبها اكثر فوجزة عيناها منسحبة من حرب النظرات القوية تلك ممتنعة عن الرد….
قال حمزة على نحوٍ مفاجئ….
“العروسة مزعلاني وانا عايز اشتكيلك منها…”
رفعت قمر بنيتاها اليه مصعوقة..فضحك بشقاوة
فقالت شهد تدعي الحزم…..
“عملتلك إيه بظبط…..احكيلي.. ”
قال بوداعة طفلاً بريء…… كاذب
“مش بترضا تعملي القهوة اللي بحبها…”
شهقة شهد برقة تجاريه في
كذبته…
“اخص عليكي ياقمر….كده ينفع….”
ازداد اتساع عينا قمر…”والله….ما حصل ياشهد.. ”
كتمت شهد ضحكتها وهي تنظر الى اخيها الذي
برق عيناه بصدمة هاتفا بخشونة….
“يعني انا كداب…..إزاي تكدبي جوزك…..”
غمغمة بارتباك وقلبها يضرب صدرها بقوة
مؤلمة… “جوزي ؟!….”
أكد حمزة بنظرة مرحة ونبرة لعوبة….
“اه جوزك….مش هبقا جوزك انا وابوا العيال…وبكرة
تبقي انتي الجماعة…..واقولك تعالي يابابا و روحي يابابا… ”
انعقد حاجبا قمر بغباء..”بابا ؟!..”
ضحكت شهد قائلة برفق….
“دا مسمى عاطفي بين اي اتنين متجوزين….”
سالتها قمر بتعجب….
“هو عاصم بيقولك كده….”
“لا الحمدلله لسه موصلناش للمرحلة دي…بس
اكيد هنوصل… “قالتها شهد وهي تنهض غامزة
لاخيها….
“انا من رأيي اقوم اعمل انا القهوة وانتوا حله مشاكلكم…..تعالي معايا ياكيان…”
نهضت كيان قائلة بتذمر….
“انا كده كدا قايمة عشان التلزيق ده خطر
على صحتي…..”
عندما ابتعدا شقيقتاه عنهما…اقترب منها جالسًا
على الاريكة جوارها….المها خفقان قلبها المتسرع في حضور الحبيب ورغم هذا سيطرت على مشاعرها
مكتفه ذراعيها امام صدرها بضيق قائلة….
“ليه مقولتليش عن موضوع المشروع ده…لازم
اكون اخر من يعلم…..”
ابتسم حمزة وعيناه تاسرها…
“وليه بقا بتحسبيها كده….”
ازداد تكتفها قائلة بغيرة…
“والله ده اللي ظاهر قدامي….”
نظر لها حمزة قليلًا والى انكماش ملامحها العابسة
ثم لم يلبث إلا وبدا يتحدث بسلاسة….
“عمتا المشروع ده لسه قدامه يامه على مانبدا فيه
مجرد ربط كلام مع سلطان صاحبي ولسه هنجيب مهندس يعملنا جدوى للمشروع عشان ندرسه اكتر
من كده…ونفهم هنعمل إيه الفترة الجاية…..”
ثم خبط كتفه بكتفها قائلًا بمشاكسة…
“وبعدين انتي اللي بقالك يومين بتهربي مني..لولا شهد انا كنت واثق اني هرجع الاقيكي في اوضتك قفله بابك عليكي…وكاني بعبع….”
حلت عقدت ذراعيها قائلة بوجه محمر…
“انا بحاول اتجنبك عشان منقعش في الغلط
تاني..وجودنا في نفس البيت أكبر غلط…. ”
اقترح حمزة وهو ينظر الى جانب وجهها
المتخضب….
“تحبي اسيب البيت الكام شهر اللي فضلين
قبل جوزنا….”
فغرت قمر شفتيها ناظرة اليه بصدمة وعندما راته
جاد في اقتراحه رفضت بقلب ولهان….
“لا طبعا انا مقدرش يعدي يوم عليا من غير ما أشوفك…..”
انتفض قلبه من موضعه متجاوبًا بكل ذرة به مع
تلك الجنية المغوية….مسك كفها ورفعه لشفتاه
طابع قبلة عميقة دافئة عليه ثم أعترف بصوتٍ
أجش…..
“ولا انا ياقمراية…اليومين اللي سبتيني فيهم دول
كانوا هيجننوني…..”
سالته بضعف….. “بجد ياحمزة….”
طبع قبلة أخرى على ظهر كفها
مؤكدًا…
“بجد ياقمري….وحشتيني يابت.. ”
سحبت يدها عنه قائلة
بضيق…
“متقوليش يا بت…..”
ابتسم بمراوغة… “امال انتي واد….مانتي بت… ”
رمقته بتحذير…. “حمزة….”
مالى عليها قائلا بوقاحة وهو يقفد السيطرة
امام تلك العيون البنية التي تسيل لعابه كقهوة
يشتهي تذوقها….
“عيون حمزة وقلب حمزة…مفيش حاجة تحت الحساب لحد مانكتب الكتاب ونعلي الجواب… ”
“احترم نفسك بقا احنا قولنا إيه….”ضربته في صدره فرجع مكانه متذمرًا….
ولم تمر ثانيتين إلا ومسك خصلة طويلة من شعرها المموج وقربها من أنفه شامم عبيرها المميز…الذي
أدمنه منذ ان تعانقا بقوة والتصقت اجسادهما
ببعضها بجنون حينها كانت رائحة جسدها الطري زكية تثير رغباتُ بجموح….
“يخربيت شعرك….مجنني….”
سحبت قمر الخصلة الطويلة من بين يده
قائلة بفتور…. “تعرف اني بفكر اقصه….”
احتدت نظرات حمزة وهو يأمرها
بسطوة…
“لو المقص قرب منه هزعلك جامد….”
تمردت عليه…. “وانت مالك أصلا….”
تأتأ حمزة بشفتاه مجيبًا بتملك غليظ….
“هو اي الي انا مالي..دا مالي واملاكي…دا انا بحلم باليوم اللي يتفرد فيه على مخدتي وفي حضني..
ولا انتي شايفه إيه…. ”
ارتبكت بشكلًا ملحوظ قائلة بحنق
بالغ…
“انا شايفه انك كل مادى بتزيد جرعة السفالة
عندك…”
اوما حمزة براسه بحذق….
“دي حاجة حلوة على فكرة….كل مازد شريك حياتك
سفالة كل مابقت حياتك احلى..”
سالته قمر بشك… “ودي نظرية مين بقا ؟….”
اشار على نفسه بغرور…
“العبد لله لسه مألفها دلوقتي…..”
هزت راسها ضاحكة…. “مفيش فايدة فيك….”
ثم نظرت اليه وكأنها تذكرت للتو سبب جلوسهما
بمفردهما هكذا..
“صحيح إزاي تقول لشهد اني مزعلاك….”
سلب عقلها وقلبها بنظرة من عسليتاه وهو
يجيبها بشقاوة….
“لقيتك مش عايزة تبصي ناحيتي وتقلانه فقولت
انكشك شوية….يمكن تحني علينا ببصه ولا بكلمة..”
فابتسم بجاذبية قاتلة مضيفًا…
“وبعدين شوشو عارفه اني بهزر….عشان كده خدت
بعضها وسابتنا لوحدنا….”
نفضت قمر هذا التأثر العاطفي القوي بينهما وقالت
بجدية وهي تنهض من مكانها….
“انا هقوم اشوفها وانت قوم غير هدومك عشان نتغدى سوا شهد قالت انها هتقضي اليوم معانا
وهتروح بليل..”
أومأ حمزة براسه لتبتعد هي عنه بخطوات سريعة
شبه هاربه….وعندما اختفت عن دائرة عيناه ارجع
شعره الناعم باصابعه للخلف قائلا بضعف ومضخة
قلبه تزداد جنونًا يومًا بعد يوم بقرب هذه الجنية
الفاتنة….
“والله ووقعت تاني ياحمزة ولا حد سمى عليك….”
جفلته رسالة جديدة من هاتفه على نفس الرقم
الذي يرفض حظره رغم معرفته بهواية صاحبة
من أول رسالة تلقاها منه…..
فتح الرسالة ونظر اليها بملامح متبلدة…
(حمزة….أرجوك اديني فرصة انا لسه بحبك….)
اغلق الهاتف بقرف وهو يرجع راسه للخلف معلق عسليتاه على السقف…مغمغم سرًا بعينين
باردتين….قاسيتين…..
“راجعه بعد اي يانجلاء….بعد إيه…..”
…………………………………………………………..
توقفت السيارة امام سرايا الملوك كما تدعوها
فنظرت الى اخيها مكرره بالحاح….
“برضو مش عايز تدخل تعالى طيب اشربك
حاجة…. وترتاح من السكة… ”
لوى حمزة شفتاه قائلًا بفظاظة…
“ارتاح من اي بس… إحنا جايين على جمل…
يلا روحي على بيتك بقا… انا زهقت منك… ”
لكزة شهد كتفه وهي تزم فمها كـفم
بطه بائسه….
“اخص عليك…. انا يتزهق مني برضو…”
اكد بغلاظة…. “أيوا عادي….”
ضحكت شهد وهي تلكزة بمناغشة….
“بطل رخامة…. اليوم كان حلو اوي… كنت
وحشني بشكل….”
نظر حمزة لها بحزم أمرًا….
“كل يومين تيجي بلاش الغيبة تطول…لحسان
اجي اجيبك من بيتك غصب….انتي عرفاني
مجنون…..”
ابتسمت شهد مؤكدة….
“اه طبعًا عرفاك أطمن هاجي وهزهقك اكتر…..”
قرص حمزة وجنتها قائلًا بملاطفة….
“انا ازهق من الدنيا كلها إلا انتي ياسنجابتي…”
نظرت شهد الى عينا اخيها قليلًا ثم
قالت….
“حاسة انك مخبي عليا حاجة….”
انعقد حاجباه بمناكفة…
“ساحرة انتي بقا ولا إيه..هخبي اي يعني ما
كله تمام..”
قالت شهد بريبة….
“ماعشان كله تمام متاكده انك مخبي عليا حاجة..”
سالها وهو يهرب من عيناها…”حاجة زي إيه….”
قالت شهد بجدية شديد وبعينين شاخصتين
عليه…..
“زي الشقتين اللي خدتهم من عمارة أبوك… وكتبتهم
بأسمك…. زي المشروع اللي عايز تفتحه واللي هتموله
عن طريق أبوك…..ولا تكنش فاكرني صدقت حوار القرض…..”
نظر حمزة لها بدهشة احيانا يعجز عن فهم تلك المخلوقة الماثلة أمامه بهيئتها الوديعة ورقة
الملِكات…..أخطر الأشخاص من وجهة نظره من يدعونا السذاجة وهم ليسوا اهلًا لها !….
هز راسه زافرًا بسخرية….
“ساعات بحس اني معرفكيش ياشهد… انا صدقت
فعلا انك صدقتي حوار القرض…..”
اجابته بفتور….
“عملت نفسي مصدقاه عشان قمر…”
ادعى الغباء…. “ومالها قمر بالموضوع ده…”
انعقد حاجبا شهد مستنكرة كذبة…..
“المفروض ان انا اللي اسأل السؤال ده… أبوك عمل
كده عشان ورث قمر مش كده..”
هرب من عيناها القوية وهو يخرج علبة سجائرة وياخذ واحده ليدخن..
“اي اللي بتقولي ده لا طبعا….وحتى لو دا حقيقي
إزاي تصدقي اني ممكن اخدعها بطريقه دي…”
هزت شهد راسها قائلة بحيرة….
“مش عارفه اكيد مش بنجم ومعرفش تفاصيل بس متاكده ان ابوك مش هيساعدك بقرش واحد غير لما
يكون واثق انه هياخد قصاده الف….”
مسكت يده والدخان يتراقص امام اعينهما التي
ورثا لونها المميز عن والدتهما…..
“احكيلي ياحمزة اي اللي مخبي عليا… دا انا
أختك توأمك واقرب حد ليك….”
تبادل النظرات قليلًا ولم يجد مفر من الكذب
عليها فقال…..
“هحكيلك بس بعدين عشان دا لا وقته ولا مكانه….”
ابتسمت شهد وهي تربت على كفه قائلة
بحنو….
“مش هضغط عليك… بس اكيد هنتكلم تاني ومش هسيبك غير لما اعرف كل حاجة….”
اجابها مبتسمًا… “ان شاء الله… تصبحي على خير….”
“برضو مش هتدخل….”نظرت اليه برجاء فهز
راسه برفضًا قاطع….فزفرت متنهده وهي تضع
يدها على مقبض الباب…..
“براحتك…. وانت من اهل الخير… هتوحشني
ياميزو لحد ما اشوفك تاني…”
أخبرها قبل ان تغلق الباب
خلفها…
“هكلمك الصبح ارغي معاكي شوية…”
أكدت بتحية عسكرية رقيقة….
“وانا هستنا مكلمتك…. في حفظ الله ياحبيبي…”
عندما دخلت من بوابة السراية… اتجهت الى نافورة
المياة المتواجدة في الحديقة والتي يحيطها الزهور
الجميلة بالوانها المختلفة… جلست على الحافة بتعب وعقلها يدور في زوبعات من الأفكار وعيناها شاردة في شلالات المياة المتدفقة من النافورة….
الخبر التي سمعته صباحًا لم تتوقع حدوثه بتلك
السرعة فقد نزل على مسامعها كالصاعقة أسعد
قلبها بشدة…ومن ناحيةٍ أخرى هزم عقلها شر هزيمة ؟!..
خبر كسر شوكة الانتقام داخلها !…
فاقت من شرودها على صوت خطوات أقدام من بعيد يليها همهمات خشنة خافضة تاتي من خلف
أحد الأشجار…..
نهضت شهد بفضول تتبع الصوت ووقفت بالقرب
من تلك الشجرة لتسترق السمع….
“جيهان ياحبيبتي مش هنتكلم في الموضوع ده تاني
انتي عارفه ظروفي….”
توقف هذا الشخص عن التحدث ثم تابع بصوت
ارق من اللازم…
“ياحبيبتي يانور عيني… عارف ومقدر كل اللي بتعمليه عشاني… بس انا زي ما قولتلك مش عايز
أعرفها دلوقتي بموضوع جوزنا….”
صمت قليلا يستمع للطرف الاخر ثم فجرها في
عقل شهد قائلًا بمهاودة……
“ايوا انتي مراتي وهي كمان مراتي… بس انا
لازم امهد الموضوع ليها الأول….”
اتسعت عسليتاها بصدمة وهي تضع يدها على فمها
مصعوقة مما اكتشفت للتو….فتابع الشخص برفق
وكانه يحاكي طفلًا ويراضيه….
“مش خايف منها بس بلاش تنسي ان إحنا بينا عشرة طويلة دا كفاية ابني يزن…اخاف تقويه عليا بعد
ما تعرف بجوازي منك….”
احنى راسه يستمع للطرف الاخر بقلة صبر وعندما
انتهت أوضح برجاء عاطفي…..
“عارف انتي مين وبنت مين…انتي چيهان الكيلاني
بنت الحسب والنسب….مش ناسي ياچيچي وعمري
ما هانسى… وده مش تقليل منك ياقلبي.. بس انا بفكر معاكي بالعقل مش هنحط النار جمب البنزين ونقول هو اللي ولع لوحده… استحمليني شوية ياچيچي…. إحنا مبقلناش شهرين متجوزين….”
ثم استرسل مسعد بحرارة……
“خلاص ياحبيبتي مسافة السكة وهكون عندك..
اديني خلعت منها قولتلها اني عندي شغل برا وهتعشه مع رجال أعمال مهمين هيكون بينا بزنس قريب….وطبعًا ما صدقت طالما الموضوع وراه
فلوس ومكسب أكتر….اسمعي عايزك تلبسـ.. ”
ابتعد مسعد وهو يتابع التحدث عبر الهاتف بابتسامة
عريضة وبال رائق…..
بينما مزالت شهد تقف خلف الشجرة بعينين متسعتين كاتمه شهقة الصدمة بيدها متسمرة
بجسد متصلب…
مسعد تزوج على إلهام هل عليها ان تزف الخبر لها
بشماته ام تتحل بالصبر وتشاهد القادم بصمت فما من أمرأه لا تشعر بهذا التغيير في حياتها إلا ان
كانت مغيبة منذ البداية !….
شعرت بمن يضع يده على كتفها فجأه فصرخة منتفضة وهي تستدير إليه….
قابلها يزن بضحكة سمجة قائلًا….
“دا انتي طلع قلبك ضعيف أوي…. اي مالك وكانك شوفتي عفريت….”
رمشت بعيناها بعصبية قائلة
بخشونة…
“ازاي تحط ايدك عليا كده….”
رد يزن ببراءة…
“عادي… كنت بلفت انتباهك بس…”
قالت شهد بحزم…. “كان ممكن تنادي اسهلك….”
سالها يزن وهو يسير معها بالقرب من باب الدخول
للبيت…..
“هو انتي ليه واخده مني موقف جامد اوي كده…
من أول يوم شوفتك فيه….وانا حاسس انك مش طيقاني… ”
برمت شفتاها بعدائية…
“ورغم احساسك بتحاول تضايقني…”
توقف يزن عن السير وهو ينظر اليها
بحزن…
“يعني حقيقي انتي مش طيقاني؟!!…”
توقفت شهد فور هذا السؤال ثم حانت منها نظرة اليه ولم يطاوعها قلبها لرد الأذى والكره في نفس هذا الشاب وحتى ان كانت تحمل نحوه مشاعر سلبية !..فبررت الأمر…
“لا طبعًا… الموضوع وما فيه اني لسه مش واخده
عليك….”
اوما يزن براسه بتهكم سائلا وهو ينظر الى
الشجرة خلفه….
“هو انتي ليه كنتي واقفه ورا الشجرة كده…”
انكمشت ملامحها بانزعاج….
“ابدا كنت بعمل مكالمة…اي اسئلة تانيه.. ”
بلل يزن شفتاه بحرج…
“دا مش تطفل مجرد سؤال بطمن عليكي…”
اغتصبت الإبتسامة بصعوبة….
“شكرًا على المشاعر النبيلة يادكتور يزن…”
ابتسم يزن ببشاشة…
“يسمع من بؤك ربنا ادعيلي اتخرج على خير…”
“ربنا يوفقك….”قالتها وهي تتحرك مبتعده….
“راحه فين….” كاد ان يمسك يدها لكنه توقف فورًا
بعد ان نظرت اليه بحزم…..فسحب يده بحرج….
فقالت من بين اسنانها…
“ابدا….. هطلع اوضتي فيه مشكلة…”
حك في شعره الاشقر وهو يقترح عليها…
“لا يعني… هتلاقي عاصم نام دلوقتي…فلو تحبي نقعد سوا في الجنينة ندردش شوية هـ..”
تابعت شهد سيرها وهي تقول بتبلد…
“خليها مرة تانيه لاني جايه تعبانه من برا ومحتاجة انام….. تصبح على خير… ”
كلما زادت بعدًا عنه يزداد هو تعلقًا بها..أهو سحر القى من عسليتاها الجميلة ام ان الشيطان يغوي عيناه الهائمة بها….
كيف وقع في حبها…انها زوجة ابن عمه….والده
الثاني…..كيف يتخلص من هذا الشعور ويتوقف
عن العبث انه يقود نفسه الى الجحيم…
وربما لن يذهب وحده سيأخذها معه ؟!…
إرجع يزن خصلاته للخلف متاففًا بارق…
………………………………………………………
دلفت من باب غرفتها واغلقت الباب خلفها وهي تنزع
السترة وحذاؤها باحثه بعيناها عنه في أرجاء الغرفة
وعندما سمعت خرير الماء الاتي من الحمام ابتسمت
وهي تدلف الى غرفة الملابسه الصغيرة… لتبدل ملابسها حتى ينتهي من الاستحمام…
في خلال هذا الشهر اقتربت منه أكثر وحفظت بعض العادات الخاصة به…. كنظافة بشكلًا دائم ومبالغ فيه
تبديل ثيابه أكثر من مرة في اليوم عدم قدرته
على رؤية فوضى من حوله ولو كانت علبة
مقلوبة على جانبها !..
يحب كل شيء مرتب بدقة وعناية والاهتمام بتفاصيل الاشياء من حوله والتي هي اهم أسباب نجاحه وصبره في العمل من حيثُ رسم الحلي او
تصنيعها….
بدلت ملابسها الى قميص نوم قصير حريري من اللون الأزرق الفاتح….ثم مسكت الفرشاة وبدأت تمشط شعرها الذي يتدلى على كتفها بنعومة
وجدت ذراع قوية تحيط خصرها اللين من الخلف
مائلا عليها طابع قبل مبعثرة على جيدها وكتفها
العاري وقطرات من الماء البارد تسقط من شعره
على بشرتها الدافئة والرائحة المنعشة من غسولة الرجالي تتخلل الى رئتاها بقوة فتنهار اعصابها
وينصهر قلبها مضطرم بالعواطف….
“وحشتيني ياست الحُسن..ليه اتاخرتي عليا كل ده….”
همس بتلك الكلمات بحرارة وشفتاه تعزف على جيدها اللحن المميز الذي لا يعرف ايقاع إلا على جسدها الذائب بين يداه….
ادارها إليه فرفعت عسليتاها البراقة اليه بألق الحب
الذي تأبى الاعتراف به حتى الان….
سارت عيناه عليها بشوق حار وكأنها غابت لأيام
وليس لساعات فقال وهو يأسر عيناها الجميلة….
“وحشتيني ياحبيبتي….”
ثرثرت شهد بعتاب والبسمة الرقيقة تزين
ثغرها…
“وانت كمان وحشتني الوقت خدني مع أخواتي شوية كانوا وحشني أوي…..وبعدين انا رنيت عليك العصر قفلت معايا علطول…..مين كان معاك في الصاغة…”
رد عاصم باختصار….
“واحده حلوة اوي….كنت خايف تطير مني..”
زمت شفتيها ولم تنساق خلف تلك
الترهات… “شكلك قلعت الدبلة….”
رفع كف يده حتى ترى الحلقة الفضية البراقة
في بنصرة… “حاولت بس لازقة بغرة…”
ضحكت وهي تشبك يدها بيده
باستياء…
“انا بتكلم بجد ليه قفلة بسرعة….”
رد بجدية مختصرًا…
“كنت قاعد مع تجار بنتكلم في شغل مهم…”
ضاقت عينيها بجزع…
“يعني مش واحده حلوة….”
غمز لها عاصم قائلا بشقاوة…
“حلو اي بس والشهد كله معايا وفي حضني…”
رفرف قلبها بفرشات الحب فقالت بضحكة
خجولة…..
“لا كنسل النكد بقا…. المعلم عاصم بيقول كلام
حلو وبيثبتني كالعادة….”
اجاب عاصم بعذوبة….
“دا مش كلام حلو دا اللي خارج من قلبي ياشهد.. ”
قالت بعفوية….. “يسلملي قلبك ياحبيبي….”
رفع حاجب مشدوهًا سائلًا… “يعني انا حبيبك…”
خطى خطوة نحوها فحاصر جسدها خلف أحد الاركان الضيقة في تلك الحجرة الصغيرة….
فقالت بحياء….
“اكيد مش انت جوزي تبقا حبيبي……”
مد عاصم يده ولامس وجنتها الناعمة وخطوط شفتيها الشهية بابهامه ملح بعدها بصوتٍ أجش…
“قوليها تاني ياشـهـد…..”
نظرت لعيناه المتوهجة بالحب لبرهة ثم قالت
بقلب يرجف بين ضلوعها….. “حـبـيـبـي…..”
“روح قلب حبـيـبـك……”
اغمضت عينيها وهي تجد فمه الدافئ يعانق شفتيها بقوة ولسانه العابث يفعل العجب في فمها حاولت ان تبادله القبلة بحياء وهي تغرز اصابعها في شعره
الاسود الغزير والمبلل…..
اما هو فيده العابثة كانتا تجريا على مفاتنها من أعلى قميصها الحريري وشفتاه المتسلطه حانية تسير على حنايا وجهها هبوطًا الى جيدها وصدرها صعودًا الى شفتيها الشهية كقطعة ثمر ناضجة حلوة كالشهد الذائب….
بعد دقيقتين حملها بين ذراعيه ووضعها على
الفراش منضم اليها بعد ان خلع مئزر الاستحمام عنه…..
اكتسحها بالقبلات واللمسات الجريئة والهمسات الحارة حتى أصبح جسدها بين يداه كالهلام
الذائب…..
وباتت مشاعرهما واجسادهما معًا تطفو فوق
سطح نهرٍ دافئ عذب….
بعد لحظات…
بدأ يلهثا بسرعة وهما يتشابكا في عناق حميمي
طويل ظل وقتها عاصم يطبع القبل على وجنتها
وشفتيها برقة ويضم جسدها بحنان يغمره
في عاطفة جياشة هي كل ما تحتاج اليه الآن….
“بـحـبكـ ياشهد…بحبكـ… ”
ابتسمت بحياء وهي تبادله القبل بمشاعر مضطرمة
بالعواطف….بينما عقلها ضاع مجددًا في زوبعات من الأفكار ولم تجد مفر من اخباره بما يعتمل صدرها
منذ ان علمت صباح اليوم بهذا الامر الذي لم تتوقع
ان يحدث بتلك السرعة……فهمست بعد لحظات بارتجاف…
“عاصم……انا…..انا حامل…..”
توقف عن تقبيلها وهو يرفع عيناه عليها بصدمة
وعندما وجد الجدية مرتسمة على محياها…
تراجع جالسًا على الفراش وساعدها هي ايضًا
على الجلوس باعتدال فاخفت نهديها أسفل الغطاء بحياء وهي تبعد خصلات شعرها الملتصقة في جبينها المتعرق…
نظر لها عاصم بعدم تصديق سائلا مجددًا
وهو يبتسم بدهشة….
“انتي بتهزري ياشـهـد صح….”
قالت شهد بوجنتين حمراوان بتوتر…
“انا كمان لحد دلوقتي مش مصدقة…الموضوع جه بسرعة اوي و…..”
قاطعها عاصم وهو يعطيها كامل تركيزه مشدوه النظرات…”عرفتي إزاي….وامتى….”
بللت شهد شفتيها أمام عيناه المراقبة ثم اخبرته
بصوتٍ خافض…
“الصبح قبل ما روح عند أخواتي…روحت كشفت عند دكتورة أمراض نسا لان البريود اتأخرت عن معادها بقالها حوالي أسبوعين….فالدكتورة طلبت تحاليل وقالت احتمال تكون دي بداية أعراض الحمل وعملت التحاليل وفعلا وتاكدت اني حامل
في الاسابيع الأولى….”
سألها عاصم بذهول وعيناه تلمع
بالسعادة…
“يعني دا بجد مش هزار…. انتي حامل؟!!…”
قالت بضحكة مندهشة….
“هكدب عليك ليه ياعاصم…التحاليل بتقول
اني حامل… وانا متاكده اني حامل..”
وضعت يدها على بطنها وعيناها تترقرق بالدموع قائلة بتوهج….
“تصور ياعاصم ان في حته منك جوايا هنا…”
مسكت يده ووضعتها على بطنها وعيناها معلقه
بعيناه التي لم تستوعب بعد الخبر….قالت بعد
ان سالت دمعتين حارتين على وجنتيها…
“ساكت ليه اوعى تكون مش مبسـ….”
عجزت عن المتابعة بعد ان هاجم شفتيها بقبلة
قوية اطاحت بكل شيءٍ عرض الحائط ولم يبقا
إلا لذة الشعور بقبلاته المتناثرة على وجهها
وشفتيها بلهفة وسعادة تعبر عن مايعتمل
بصدره الان…
قالت بدلال حتى توقف سيل القبلات الحارة
التي يغمرها بها…..
“عاصم….عاصم…براحة كده هتأذي البيبي….”
توقف عاصم فجأه وهو ينظر لعيناها قائلًا بغضب
على نحوٍ مفاجئ…
“ليه مقولتيش أول ما دخلتي على الاقل كنت
خدت بالي اكتر من كده…..ممكن أكون أذتكم…”
القى على جسدها نظرة متفحصة تشع
خوفًا واهتمام….
صفة الجمع تلك جعلت قلبها ينبض بجنون…
فابتسمت بحب وهي تحيط عنقه بيداها برقة
أذأبت غضبه في لحظة وعلق عيناه العاشقة
عليها….فقالت هي تطمئنه بحب….
“انا كويسة ياحبيبي….وبعدين انا سألت الدكتورة
في الموضوع ده….قالت ان مفيش مشكلة طالما
الحمل في بدايته طبيعي ومش مقصر عليا…”
“مش مصدق انك حامل…معقول عبد الرحمن جاي في السكة…”ابتسم عاصم بمحبة وهو يرفع جسدها بخفة ويجلسها فوق ساقيه ثم احاط خصرها
بذراعه برفق….فقالت بتغنج وهي ترتاح على صدره
العاري سامعه خفقاته القوية….
“مش عارفه بصراحه ممكن تكون بنت…”
داعب شعرها بمحبة…..
“ومالوا هتبقا شهد الصغيرة….اللي اسمها هيفضل
متعلق باسمي لاخر يوم في عمري….”
تمرغت بوجهها في صدره ضاحكة برقة…
“اه من رومانسياتك…..تعبت قلبي يامعلم عاصم..”
ضمها اليه بقوة وهو يطبع قبلة فوق قمة
رأسها….هامسًا بصوتٍ عذب متأثر….
“مبروك ياحبيبتي….مبروك….الحمدلله…دا فضل
ونعمة كبيرة من عند ربنا….ربنا يعدي شهور الحمل دي على خير وتقومي بالسلامة انتي وعبدو
الصغير…”
ابتسمت شهد مرددة باشتياق…
“يارب ياحبيبي…يعدوا التسع شهور دول
على خير ونفرح كلنا….”
اغمضت عيناها على صدره وظل عاصم يداعب شعرها متحدثا معها وهي ترد عليه بصوتٍ ناعس حتى غفت في احضانه وهو من بعدها…والمشاعر
تتوحد بينهما في حلمًا جميل يخص هذا الضيف الصغير المتطفل والذي اتى أسرع مما توقعا….
في صباح اليوم الثاني….
رفع يده متحسسًا الفارغ بجواره ففتح عيناه بانزعاج
وهو ينظر الى باب الحمام المفتوح المظلم….
نهض عن الفراش وهو يفرك في عيناه مناديًا عليها
وهو يتجه الى جحرة تبديل الملابس….
“شـهـد……شـهـد…..”
لم يجدها هناك فزم شفتيه وهو يتوعد لها بحنق
ارتدى ملابسه على عجلة وهو ينظر نظرة أخيرة
من خلال شرفة غرفتهما….
فازداد انزعاجه وكما توقع راها تقف من بعيد بثوبٍ ربيعي انيق محتشم تسقي الاشجار والزهور كعادتها
منذ ان عادا الى البيت الكبير،. معظم اوقاتها الصباحية تكون هنا في حديقة البيت التي تزدهر يومًا بعد يوم بمجهودها الملحوظ هي والجنايني العجوز الذي يعمل هنا منذ زمن….
تشبع الزهور حبًا واهتمامًا بدلًا منه !….صك على أسنانه وهو لا يصدق كيف انساق تفكيره بمشاعر
غريبة تتأجج بالغيرة نحو اهتمامها بالزهور عنه ؟!..
سارت عيناه بتأني على جسدها الانثوي الناعم هذا
الجسد الرقيق يحمل بذرة منه سيرعاها مع مرور
الايام والاشهر حتى تترعرع وتكبر داخله ثم يحصدها بعد تسعة أشهر بطفلا جميل ورائع كأمه
يربط بينهما للأبد…..
لانت شفتيه في ابتسامة حانية دافئة تعبر عن مدى عشقه لتلك المرأة وسعادته لكونها ستكون أم
لأولاده….
انه الحلم الذي تمناه منذ ان وقع في حبها…كيف يوصف شعوره الان انه يشعر بغمرة من الفرح
تجتاح قلبه العاشق….
اتجه الى الداخل وتناول الهاتف بيده ثم رفعه
على اذنه وانتظر قليلًا وعندما فتح الخط أمر
بخشونة….
“عايزك تدبح عجلين وتوزعهم بمعرفتك للي محتاج
ومتنساش الناس الغلابة اللي في شارع الصاوي…”
صمت قليلًا ثم أجاب المتصل….
“مفيش مناسبة…..اهي حاجة كنت نذرها
وجه وقتها….”
اغلق الهاتف وهو يتجه الى الحمام لياخذ حماما دافئ ثم يلحق بزوجته النشيطه والتي يجب
ان تلازم فراشها في تلك الأشهر الأولى بدلًا
من ان تقضي اوقاتها تتنقل بين الزهور بحيوية مفرطه….
………………………………………………………….
دلفت شهد الى الداخل وهي تحمل باقة من الزهور
التي جمعتها من الحديقة بعناية…
مالت عليها تستنشق عبيرها للمرة المائة وهي تبتسم
بسعادة لصباح يومًا جديد مشرق بضيف صغير ينمو
داخل احشاؤها…..
بدأت توزع الزهور في المزهريات المذهبة وهي تدندن بأحد الالحان القديمة….
“صباح الخير يازهرة سرايا الملوك…”
زمت شفتيها وانكمشت ملامحها بضجر… فهذا الصباح الرائق سيفسد بسبب هذا الشاب المتطفل
الذي يربكها بنظراته الغريبة….
“صباح النور….”
قالتها بهدوء دون ان تستدير اليه منشغله في وضع الزهور بتأني ودقة حتى تبرز الألوان الزاهيه بكل واحده منهم…
اقترب منها يزن ووقف جوارها ومسك زهرة
حمراء رقيقة من على سطح الطاولة الواقفين
أمامها….رفع يزن الزهرة الى أنفه يستنشقها
وعيناه معلقه على جانب وجه شهد المركزة
عيناها على الأزهار متجنبه الحديث معه…
حرك أورق الزهرة الناعمة على جانب وجهها المتورد ملامسًا النعومة فيهما فرمشت شهد بعيناها هامسة بخجلا..
(اي اللي بتعمله ده….)
ابتسم يزن هائم العينين بتلك الجميلة الساحرة
وبدا يحرك الزهرة الناعمة بأوراقها الرقيقة على خطوط شفتيها الحمراء الشهية…
فاق يزن من هذا الحلم المحرم على وخزة قوية في اصبع يده سببت له جرح صغير نزف فورًا بدم أحمر
ينافس لون الزهرة التي شاركت خياله لثواني !…
أخرج تأوه خافت فرفعت شهد عيناها اليه عاقدة
حاجبيها وقد انتبهت للتو بانه مزال موجود
هنا ولم يغادر بعد تحية الصباح !!…..
“خير مالك في حاجه….”
فرك في اصبعه قائلا بضيق….
“لا الورده بس عورت أيدي…مكنتش أعرف ان
الورد فيه شوك….. ”
ابتسمت شهد بفتور وهي تنظر الى اصبعه…
“دا شيء طبيعي معظم النبات كده..عشان
تقدر تحمي نفسها…”
سالها يزن بتعجب…. “من إيه…..”
قالت بأختصار…. “من اي حد بيحاول يضرها….”
قالت شهد بوعي وهي تبتعد عنه….
“خد بالك بعد كده….مش عشان شكلها حلو ورقيق تبقا مش مؤذية…..استنى هجبلك لزق طبي…”
نظر يزن الى الزاوية التي اختفت داخلها ثم عاد ينظر الى الوخزة الصغيرة التي مزالت تنزف….
(بتحمي نفسها…. من اي حد بيحاول يضرها !….)
اتت شهد بعد لحظات ووقفت امامه قائلة
باهتمام فطري….
“هات ايدك يادكتور يزن…..”
ابتسم يزن وهو يمد يده لها فبدات تضع اللاصقة الطبية حول اصبعه واثناء ذلك كان هو شاردًا في تلك المخلوقة الجميلة المتجهمة دومًا عند رؤيته
ولا يعرف سببًا مقنع خلف هذا الهجوم !…
بينما من أعلى السلم كانت تنزل إلهام متأنقة بشكلًا
ملحوظ وتطلق شعرها الاشقر للخلف بعنجهية
مبالغة بوضع كل ماهو فخم وثمين عليها لتظهر
امام صديقات النادي بأفضل صورة لها….
توقفت فجاه وكانها ضربتها صاعقة قوية وهي ترى شهد بالقرب من ابنها تضع حول اصبعه شيءٍ وابنها هائم العينين بها وكانها اخر نساء العالم !…
جزت على اسنانها بغضب وهي تنادي بصوتٍ
جهوري وكانها مسكت بهما بالجرم المشهود….
“يــزن…..”
انتفض يزن بخوف وهو ينظر الى امه..بينما بقت شهد مكانها حتى إنتهت من وضع اللاصقة حول اصبعه ثم رفعت عسليتاها الهادئة عليها فتبادلا النظرات بقوة كانت الهام مشتعلة غاضبة وعيناها تشع بالضغنية بينما شهد متبلدة الملامح نظراتها فاترة مجردة من اي انفعال….قالت شهد ببرود
“صباح الخير يا إلهام…..”
اتسعت عينا الهام بغضب بعد ان نطقت شهد اسمها
مجردًا….ثم لم تلبث إلا واغتصبت الابتسامة
الصفراء امام ابنها الذي يراقبها بفضول محاول
فك الشفرات المبهمة في نظراتها….
“صباح النور ياشهد… اي اخبار شغلك مع الجنايني
بصراحه مجهود عظيم في الكام يوم اللي قعدتيهم
هنا…. الجنينة بقت حاجة تانيه….”
ابتسمت شهد قائلة بلؤم…
“دا عشان حطيت ايدي فيها بس.. ماهي اقدام بقا…”
احتقن وجه إلهام بالغضب فتابعت نزولها على
السلم بخيلاء وهي تسأل ابنها بوجوم….
“انت رايح فين كده يايزن….”
اجابها يزن ببعضًا من الارتباك….
“الكلية عندي محاضرات…. انتي راحه النادي…”
اجابة إلهام مبتسمة بصلف…..
“ايوا عندي بارتي هناك…..چيهان الكيلاني صاحبتي.. مانت عارفها عيد ميلادها النهاردة….”
وقع الإسم كسياط على مسامع شهد فظلت تحدق
في الهام دون تعبير مقروء….
أومأ يزن براسه ثم استئذن مغادرًا حتى يلحق بالمحاضرة… اما إلهام فوقفت امام مرآة كبيرة جوار باب الخروج وظلت تهندم من مظهرها الباهظ…
وكانت صورة شهد منعكسة خلفها وهي متسمرة
مكانها تنظر اليها بعينين تحولت فجأه لجذوتين من
اللهب…وهي تلقي القنبلة فوق راسها قبل ان تحمل المتبقي من الزهور وتغادر بها صاعدة درجات
السلم…
“على كده لازم تفكري جوزك بعيد ميلادها…عشان
يلحق يجبلها هدية لحسان تزعل…..ولا يكونش
سبقك وجبهالها في سهرة امبارح…..”
توقف جسد إلهام فجأه عن الحركة وكانها تلقت
فوق رأسها دلوٍ من الماء البارد فوقفت للحظات
مبهوتة الملامح جاحظة العينين وعندما ذابت الصدمة قليلا من عليها ادارة وجهها الى شهد
التي كانت قد تبخرت من أمامها…..
بعد ان تلقت منها الضربة القاضية ؟!….
………………………………………………………….
طرقت على الباب برفق ثم انتظرت بأدب ان تسمح لها السيدة بالدخول….
“أدخل….”
دلفت بعد تلك الكلمة وبين يداها باقة من الزهور قالت شهد بابتسامة مشرقة..”صباح الخير ياماما….”
خفق قلب نصرة وذابت عيناها بالمحبة كلما نادتها زوجة حفيدها بـ(ماما) بنبرة صادقة ونظرة تؤكد مكانتها في قلبها….
اغلقت نصرة المصحف وهي تشير لها بان تتقدم وتغلق الباب خلفها قائلة بحفاوة…
“صباح النور ياحبيبتي…. رجعتي امتى من
بيت أهلك..”
مالت شهد على الجدة نصرة وقبلة يدها وهي ترفع
عيناها الى الجدة حيث عبائتها البيضاء الناصعة ورائحة المسك الطيبة التي تفوح منها ثم للحجاب المماثل الملتف حول وجهها المبتسم واخيرًا السبحة بين اصابعها تحركها بتأني وهي ترتاح على مقعدها
المتحرك…. قالت شهد وهي تجلس جوارها
على المقعد…
“امبارح بليل… كنت ناويه اعدي عليكي بس لقيت نور اوضتك مطفي فقولت انك اكيد نمتي…”
أكدت الجدة بابتسامة نقية…
“انتي عارفه اني بنام بدري عشان الحق صلاة الفجر… تعرفي ان البيت كان وحش اوي من غيرك إمبارح…بقيتي فرد مهم بينا….والسفرة إمبارح كانت نقصاكي انتي وعاصم…. ”
انعقد حاجبا شهد بتساؤل…
“هو متغداش معاكم إمبارح….”
“مجاش قال انه عنده شغل كتير في صاغه…”ثم
استرسلت الجدة بمودة….
“قوليلي قضيتي يوم حلو معاهم….وانبسطي…”
اكدت شهد بنبرة متوهجة….
“طبعًا ياماما نصرة…دول كانوا وحشني اوي…أول مرة نبعد عن بعض كده….”
قالت الجدة بنبرة معطرة بالمسك…
“ربنا يخليكم لبعض ياحبيبتي ويديم لمتكم….”
رفعت شهد الازهار بين يداها قائلة….
“يارب….جبت الورد ده احطه في اوضتك…اي
رايك شكله وريحته تجنن….”
قالت الجدة وهي تشم عبيرة….
“رحته الحلوة وصلتني أول ما دخلتي حطيه عندك…”
نهضت شهد تضعه في المزهرية المزخرفة بشكلا أثري ككل شيء في تلك الغرفة الشاسعة المقتبسة من جناح ملكي محافظ على رونقه على مر العصور
الغرفة الوحيدة التي تثبت انها من عصر الملوك
هي وردهة البيت والصالون ام باقي أجزاء البيت
فهي تمتزج مابين الذوق الملكي الرفيع والعصرية
الحديثة…
“عندي خبر حلو…..ان شاء الله يفرحك….”
قالت نصرة بضحكة خبيثة….
“اهم حاجة تكوني قولتي لعاصم….”
استدارت اليها شهد بعد ان انتهت من وضع
الأزهار…..
“أيوا…انتي عارفه ولا إيه….هو قالك حاجة….”
ضحكة الجدة ببشاشة قائلة….
“لا لسه بس انا شوفت رؤية النهاردة الفجر..وفيها
البشارة….”
اتسعت عينا شهد وخفق قلبها بسعادة ليس
لها مثيل….
“اللهم صلي على النبي…طب ما تحكيلي ياماما نصرة…”
لمعة عينا الجدة نصرة بالفرح قائلة
بصوتٍ خافت….
“عليه أفضل الصلاة والسلام…. خير اللهم اجعله خير شوفتك جايه عليا من بعيد وشك مبتسم وبين إيدك ولدين زي القمر خدتهم منك وحطتهم في حجري…كانوا حلوين اوي وبيلعبوا وبيضحكوا سوا…فقولتلك هتسميهم إيه….وقبل ما سمع ردك صحيت على اذان الفجر…. ”
وضعت شهد يدها على بطنها بتلقائية…
“بسم الله ماشاء الله…يعني ممكن اكون حامل
في توأم ياماما…..”
قالت الجدة بابتسامة متزنة…
“العلم عند الله دي البشارة واللي كتبه ربنا هيكون…المهم ان الرؤية اتحققت وانك
حامل فعلًا…”
أكدت شهد وهي تندفع لاحضانها باكية
بسعادة… “ايوا ياماما نصرة…..انا حامل…..”
ربتت نصرة على كتف شهد قائلة بجذل…
“الف مبروك ياحبيبتي ربنا يكملك على خير
ويجعله من الذرية الصالحة باذن الله……”
ثم تنهدت الجدة قائلة…..
“واخيرًا هشوف ولاد عاصم قبل ما قابل وجه كريم..”
فتح الباب وطل منه عاصم قائلا بوجه
عابس…..
“اي الكلام دا ياحاجة….كده هتزعليني منك….”
تهلل وجه الجدة اكثر وهي تدعوه للدخول
قائلة بمحبة….
“مبروك ياحبيبي…. ربنا يكمل فرحتكم على خير…ويجي بسلامة يتربى في عزك وفي خيرك….”
خرجت شهد من احضانها تجفف دموعها….
بينما اتجه عاصم الى الجدة وقبل جبينها
قائلا… “يارب ياحبيبتي نفرح بيه كلنا… ”
جلسا الزوجين جوار بعضهما على حافة الفراش
بينما ظلت الجدة في مقعدها سائلة إياهم
“عرفتوا حد…..”
تولت شهد الرد قائلة بتورد…
“لا لسه..انا لسه قايله لعاصم امبارح بليل وحضرتك النهاردة النهاردة الصبح… انا حتى لسه معرفتش اخواتي…..”
قالت نصرة برفق موضحة تلك العادات التي تربى
عليها…..
“عرفيهم ياحبيبتي وفرحيهم دول اخواتك….بس بلاش يعني تقولي للي في البيت….لحد ما تعدي شهورك الأولى والحمل يثبت… انتي عارفه الحسد مذكور في القرآن…..”
اومات شهد براسها بانصياع…..فصدح هاتف الجدة
فقالت قبل ان تتجه به الى الشرفة بمقعدها المتحرك….
“دي علا أختك هرد عليها….مش هقولها حاجه انتي وعاصم ابقوا بلغوها بطريقتكم عشان متزعلش لو عرفت مني…”
أومأ الزوجين براسهما بالموافقة…وعندما ابتعدت
الجدة قال عاصم بحمائية….
“اي اللي خلاكي تطلعي من الاوضة وان نايم….”
اجابته شهد بحاجب مرفوع…
“اي المشكلة حبيت اشم شوية هوا في الجنينة..واقطف كام وردة احطهم في الفازات…”
لوى شفتيه بغيرة مصرحًا…..
“اهتمامك بالورد زاد عن اهتمامك بصحتك وبيا…”
هزت شهد راسها بصدمة…
“أول مرة اشوف حد بيغير على مراته من الورد !…”
“انا بغير عليكي من الهوا…..”اجابها دون تردد
ثم أحاط كتفها بذراعه بهيمنة وتملك هز
معه كيانها كله….متشدق بأمر…
“أوعي تتكرر تاني بذات الفترة الجاية….الراحة ثم الراحة اتفقنا….مش عايز اهمال يا شهد صحتك وسلامتك عندي فوق كل شيء اتفقنا…… ”
اهدته أجمل ابتسامة لديها قائلة
برقة… “اتفقنا ياحبيبي….”
“قلب حبيبك ياست الحُسن…..”سحبها عاصم لاحضانه ومسد على شعرها الناعم بيده بحنو فهمست شهد وهي على صدره بحرج…
“عاصم….”
اسكتها عاصم بهمسًا عذب…..
“هشش…..انا حاسس اني طاير من الفرحة….لحد دلوقتي مش مصدق انك حامل…..”
قالت بمناغشة….. “وامتى بقا هتصدق…..”
رسم الصورة في خيالة وهو يخبرها
بجذل…..
“لما الاقي بطنك قدام منك ساعتها هصدق…..”
ضحكت شهد وهو ترسم صور متباعده للمرحلة
المقبلة عليها….
“شكلي هيبقا مسخرة وانا ماشيه مشيت الحوامل وعماله اتوجع…..”
سالها عاصم بخبث وهو يشبك يده
بيدها…..
“يترى هتتوحمي على إيه ياشهد….”
قالت بحياء صارخ معترفة….. “عليك….”
ازدادت الابتسامة عمقًا وهو يحترم صراحتها
مؤكدًا…..
“دا خدت بالي منه إمبارح بليل واضح ان هرمونات الحمل في صالحي وهتخليكي متجاوبة معايا اكتر من كده…”
خرجت من احضانه بوجنتين مشتعلتين
بالحرج… “وطي صوتك….وبطل قلة آدب….”
غمز لها بوقاحة…
“مش دي الحقيقه….بكدب يعني….”
عضت على باطن شفتيها وهي تئن
بحياء…
“خلاص بقا بلاش تحرجني….”
اوقف الرد عليها ظهور الجدة نصرة
التي قالت بود…
“بتسلم عليكم ياولاد وشوية كده وهترن عليكم…”
ثم اضافة بتذكر وهي تنظر اليهما….
“صحيح ياشهد….انا كلمت مسعد امبارح وطلبت
منه انه يعزم ابوكي واخواتك عندنا بكرة يتغدوا معانا ونتعرف اكتر على بعد….وبالمرة يشوفوا البيت اللي قاعده فيه يطمنه اكتر عليكي اي رأيك ياعاصم في الكلام ده….”
قابل عاصم الأمر برحابة صدر رغم غضبه المتأجج وكرهه لوالدها…
“اللي تشوفي ياحاجة….ينوره طبعًا وانا هأجز بكرة وهستناهم……”
هزت نصرة راسها برضا….
“ان شاء الله… هبقا اكلم مسعد بعد الفطار واشوفه اتصل بيهم عزمهم ولا لسه….”ثم أكدت على شهد
مجددًا…..
“زي ماتفقنا ياشهد…بلاش حد في البيت يعرف بموضوع الحمل لحد ما تعدي الشهور الأولى
على خير….”
اومات شهد براسها بالموافقة وهي تنظر الى عاصم الذي بادلها نفس النظرة الدافئة المشعة بعشقًا
يغمرها به كلما سنحت الفرصة…

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

بعد تلك النزهة العائلية الرائعه عاد الجميع الى بيته
ليلًا…..
دخلت داليدا الى الحمام فور وصولها وظلت بداخله
لساعات بدل سلطان ملابسه وتمدد على الفراش بانتظارها….
خرجت داليدا تلف جسدها بمئزر الحمام الوردي
وتجفف شعرها بمنشفة صغيرة عندما ابصرته
جالسًا على الفراش يحدق بها بصمت بدأت تغمغم بكلمات عصبية غاضبة…ميز القليل منها بانها
تلعن الزواج والحب بالمجمل !…
يالها من ليلة طويلة مع المجنونة الثائرة…
نظر سلطان الى صورتها المنعكسة في المرآة بعد
ان وقفت أمامها تمشط شعرها رأى احمرار عيناها
السوداء وانفها من كثرة البكاء….
انكمشت ملامحه بحنق متمتمًا في جلسته
الممددة..
“انتي كمان اللي زعلانه وبتعيطي بعد الفضيحه
اللي عملتيها واحنا في الجنينة…”
جزت داليدا على اسنانها وهي تفتح كريم الترطيب
برائحة الورد المميزة وبدأت تدهن منه بهدوء ثم اجابت باقتضاب وهي ترمقه شزرًا..
“معلش واضح اني جرحت شعور ام اربعه وأربعين
بتاعتك….روح راضيها زمانها خدت على خاطرها جامد… ”
تشدق سلطان بجزع….
“انتي عارفه ان الكلام اللي قولتي مينفعش يتقال
حتى لو صح… ”
رفعت حاجبها للأعلى مدمدة بغضب….
“يعني انت عارف انها بترسم عليك…ومع ذلك سايبها
عجباك حركاتها الرخيصه…”
اعتدل سلطان جالسًا على حافة الفراش ثم استأنف بمنتهى العنجهة الذكورية…
“عارف وواخد بالي ومن زمان أوي….ولو كانت عجباني كنت اتجوزتها ياداليدا…..قبلك او حتى بعدك…”
نهضت داليدا من مكانها بنظرة شرسة صاحت
بتهكم مهاجمة…..
“بعدي !!!….اه انت بتحلم تكونش فاكر اني عشان
بحبك هبقا مكسورة الجناح بقا وهقبل باي وضع تختاره معاليك لا فوق انا زي الفريك يابابا مليش شريك ولو فكرت بس تجبلي ضرة هقتلك وهقتل نفسي بعدك..سامع ياخاين يابتاع الخوخ انت….”
“اعصابك يادودا… اعصابك….”مسك يدها يسحبها لعنده بعد ان وصلت اليه بخطوات عصبية مهددة
اثناء حديثها…
“ملكش دعوة باعصابي سبني…أنا تقول عليا شعنونه….أنا… وقال إيه وقعت نفسك ليه الوقعة
دي تجوز عيلة….انا عيلة يام صورم….”
ابتعدت عنه وسحبت منامة من الدولاب امام عيناه المراقبة لها ثم في منتصف الغرفة نزعت مئزر الاستحمام وبدأت ترتدي ملابسها دون حياء او تردد….
ام انها اعتادت ان يراها هكذا عارية تمام ام ان
غضبها الان عماها عن تلك النقطة…لا يعرف لكنه أحب الوضع جدًا وظل يحدق في تفاصيلها الانثوية بتأني واعجاب…
ورغم انها تمتلك جسد نحيف كعارضات الازياء الا
ان مفاتنها بارزة بصورة مغوية فاتنة…منتفخة
بصورة طبيعية تزيد من ابتلاع ريقه كل ثانية بتعب
وحرارة جسده ترتفع وهو يراقب انحناءها واهتزازها وهي تتابع بعصبية أكبر….
“هتموت وتبقا زيي..غيرانه مني….تعرفي تبقي
ضوفري حتى ياصفرة…..”
تاوه سلطان بعد ان انتهت داليدا من ارتداء اخر قطعة على جسدها….فور هذا التأوه اقتربت منه
بقلق…..
“مالك ياسلطان……انت تعبان…..”
نظر لها سلطان وشذايا عطر الورد الجوري تغزو
أنفه بقوة مهلكة فؤاده..اما عينيها السوداء فهي
الأفق الواسعة التي يجوب داخلها دون كلل
او ملل……
عندما طال صمته وضعت يدها على جبينه
بتلقائية وقلق أكبر…
“انت سُخن…..شكلك بردت ولا إيه….”
مسك سلطان يدها فجأه قائلا بحرارة..
“انا سُخن فعلا ماتيجي ننسى اللي فات ونفكر
في اليلادي….”
سحبت يدها بغضب بعد ان فهمت مقصده..فقالت
بهيجان متبرمة….
“دا بعدك….انت فاكرني هعديلك عملتك السوده
دي…دا انت خوفت عليها مني ومسكتني عشان مضربهاش….اااه ياناري لو كنت مسكتها كنت كلتها
باسناني قدامك…”
تافف سلطان وهو يشير على الفراش
بغلاظة….
“ماخلاص بقا ياداليدا مش هنفضل نتكلم في الموضوع ده طول اليل…..تعالي ننام انا حيلي
اتهدى النهاردة…. ”
قالت بضيق وهي توليه ظهرها…
“نام انت انا دمي محروق…. هروح أطفح…”
اتسعت عيناه وهو يوقفها سائلًا…
“وهو اللي دمه محروق بيروح يطفح…”
زفرت وهو ترد بتهكم…
“انا…..إيه هتعد عليا اللقمة كمان……”
تحدث سلطان بخشونة محذرًا بنفاذ صبر…
“اتظبطي ياداليدا واتكلمي عدل…وعدي يومك..انا عديت صوتك العالي والجنان اللي عملتيه برا بالعافية فبلاش تختبري صبري اكتر من كده عشان
انا على اخري منك….”
كان ردها مختصر وباهت….
“انا هنام في أوضة الأطفال تصبح على خير..”
خرجت من الغرفة وهي تتنفس بعصبية واعصابها مشدودة منتفضة بغضب…يتحدث بمنتهى الغطرسة والتملك وكان الحق معه…غليظ وجلف ومزعج…لم يعتذر بكلمة ولم يراضيها بنظرة كان قاسٍ كالحجر الصلب…..
كانت على وشك الدخول الى المطبخ لكنها توقفت
بعد ان صدح رنين الهاتف المنزلي اتجهت اليه ورفعت السماعة على اذنها بهدوء ثم قالت
بتلقائية…”الو…..”
وقع قلبها في قدمها وهي تستمع لانفاسٍ خشنة
غاضبة أنفاس علمت بهواية صاحبها فور سماعها..
نحن لا ننسى تفاصيل الحب الأول مهما صادفنا
من بعده، تظل التفاصيل التي اوقعت بنا هي بداية تكوين كل شيءٍ ناضج بداخلنا مهما انكرنا أو ازداد شعورنا نفورًا تظل أول ندبة غليظة تتلقاها قلوبنا ذكرى لا تنسى كما لا تغتفر ؟!…
ظلت واقفه مكانها متسمرة كتمثال رخامي بارد ومشاعرها هائجة بالغضب والنفور فصورته مع ابنة
عمتها تثير قرفها عما وصل تفكيره الحقير بالعبث والهو بقلب( هدى) البائسة المضغوطة من مجتمع يقهر الفتاة ويحملها الذنب لمجرد انها
تخطت الثلاثون دون زواج أو أولاد…
ومن ناحية أخرى امها كنفها الامن هي في الحقيقه مصدر شقاؤها وانطوائها بعيدًا عن جميع بنات العائلة بسبب حقدها على الجميع الحقد التي تحقن به ابنتها بمنتهى القسوة…..فجعلت منها مسخ ربما هي أطيب من ان تكون(وجيدة) الثانية لكنها تدفعها لتكن نسخة مصغره منها !..
طأطأت داليدا براسها تنتظر بملامح ممتقعه وعينين
باردتين…..فاتى صوته مهددًا بحقارة…
(خليكي عارفه ان تمن القلم اللي خدته منك هيدفع غالي أوي….وقريب اوي كمان هتجيلي مذلوله تحت
رجلي….)
ادارة داليدا راسها لغرفة النوم المغلقة حيث يقبع زوجها خلف بابها ثم عادت عينيها للأمام واحتدت نظراتها وهي تهسهس بشراسة….
“ابعد عن هدى ياعادل احسلك…..انـ”
اوقفها عادل بصوتٍ بذيء…
(هتعملي إيه…..بنت عمتك بقت زي الخاتم في صباعي اللي بقولها عليه بتعمله وهي مغمضة..)
انتفضت بقوة تساله بهلع….
“تقصد إيه….اللي بينكم وصل لفين بظبط….”
ضحك باستمتاع معقبًا….
(ياه…. مكنتش اعرف انك لسه بتغيري عليا…)
زمت شفتيها بقرف وكره شديد وهي تعيد
السؤال من بين اسنانها….
“انسى الهبل اللي في دماغك ده….ورد عليا…
تقصد إيه…..”
ابتسم بتسلية وهو يمط الكلمات باهانة…
(افهمي انتي بقا….واضح ان بنات عيلتكم ناقصين
ربايه….بتخافوا تقوله لا لحسان تتسابوا…)
صاحت بغضب مكتوم…. “اخرس….”
(اعصابك يادواللي مش كده….تعرفي اي الفرق اللي بينك وبين هدى..)صمت قليلًا يلاعبها بالكلمات
ثم أردف بصفاقة وهو يضحك بسادية….
(بصراحه مفيش فرق انتوا الاتنين أرخص من
بعض….)
أغلقت الهاتف في وجهه بعصبية وهي تذرف الدمع
وقلبها ينتفض بخوف وكره….
ماذا تفعل اتخبر سلطان بكل شيء وتفضح هدى امام الجميع… ام تتحدث مع هدى أولًا وتفهم منها ماذا حدث بينهما والى اي مدى وصلت تلك العلاقة وعلى
اساسها ستبدأ بالتحرك…..
علقت عيناها على الباب المغلق مجددًا بعجز وحسرة علاقتها مع زوجها متوترة دون اي شيء إضافي
يعكرها أكثر…وان علم سلطان بهذا الأمر ستكون العواقب وخيمة….
ماذا تفعل…وما الخطوة القادمة مع هذا الحقير…
وبين الماضي والحاضر أحاصر في عنق زجاجة
ضيق ومحكم الغلق !….
……………………………………………………..
في الصباح رفعت الهاتف على اذنها منتظرة بقلب مضطرب الخفقات وعينين متورمة حمراء من قلة
النوم فقد ظلت طوال الليل تتقلب على صفيح ساخن بعد تلك المكالمة المريعة والتي هشمت سلامها النفسي بعدة كلمات بذيئة من لسان من
كانت تهيم به عشقًا ، مستعدة للموت لأجله !…
تتغير مشاعرنا تغير جذريًا حينما نرى الصورة واضحة
نسخر من تصرفاتنا وافكارًا حيال ذاك بصورة تثير
السخرية والحرج كشعورين ملتصقين ببعضهما….
زفرت وهي تدب بالارض بقدمها بحنق شديد..
فهذا الاتصال الثاني الذي يذهب هباءا دون رد
من زوجها المبجل…..
هل هو منشغل بين ألواح الخشب ام منشغل بين
أحداهن اللواتي يترددنا دومًا عليه بحجة ساق
طاولة مكسور او درفة دولاب مخلوع او نافذة
غرفة يصعب غلقها ؟!….
هل هو معهن الان…ام ان غيرتها تقودها للجنون
اغمضت عيناها بضيق زافرة بقوة حين ذاك فتح
سلطان الخط وسمع نفخها فاتى صوته المتاففًا
قبل السلام…
(اصطبحنا وصبح الملك لله…بتنفخي ليه على
الصبح خير…..)
تجزم داخلها انه لا يجرؤ على هذا الرد الغليظ مع الزبائن المحترمات أصحاب العباءات السوداء الضيقة والأساور الذهبية المغطية أذرعهن ببهرجة.. والوشاح الحريري الساقط على رؤوسهن بعشوائية وكانه وقع دون دراية منهن ؟!….
ومن بين دهاليز غضبها وافكارها السامة لروحها
نطقت بصعوبة….
“مبتردش على تلفونك ليه…دي تالت مرة أرن
عليك…. ”
رد بفتورٍ زاد مقتها عليه….
(كنت بقطع الخشب ومش سامع….في حاجة…)
عضت على باطن شفتيها للحظة محاولة التخلص
من هذا الثقل على صدرها…فقالت على نحوٍ
مفاجئ…
“أيوا….كنت عايزة اروح عند عمتك وجيدة….”
اتى الرد المتعجب على الفور…
(اشمعنا يعني….ومن امتى بتطلبي تزوري عمتك
وجيدة وبنتها ؟!…)على الناحية الاخرى رفع سلطان حاجبٍ للاعلى بوجهٍ يعلو علامات الاستفهام من هذا الطلب الغريب..
وكان السؤال الذي ألقى به الان متوقع منه وقد
رتبت داليدا الرد عشرات المرات قبل الإتصال به..
فالطلب بنسبة لسلطان من عجائب الدنيا السبعة فعلاقتها مع العمة وابنتها مختصرة على الكلمات
المجاملة الباردة والابتسامات الفاترة فهم ليسوا
على وفاق ، والقبول والمحبة هبة من الرحمن
وللأسف ليست بينهن ولا باي شكل من الأشكال…
قالت داليدا بعد لحظات بثبات عظيم…
“عادي يعني اصلي حاسة انها زعلت مني إمبارح
لما بدات تتكلم عن ماما وتحكيلي عنها وانا صدتها
بالكلام وقمت من جمبها…فـ…فضميري انبني بعدها وقولت أروح لها النهاردة…واخدلها حاجة حلوة معايا…من عمايل ايديا…..”
كان سيعقب على شيء لكنه توقف جافلا وهو
يسالها بارتياع….
(حاجة من عمايل ايدك؟!…. عملتلها اي بظبط ياداليدا…. اوعي تكون بسبوسة….)
طيف ابتسامة زار شفتيها الحزينة فقالت
ببراءة…..
“لا كيكة بالبرتقان….. لسه مخلصاها دلوقتي…شلتلك
منابك لما ترجع من الشغل هدوقها وتقولي رأيك
اتفقنا….”
لانت ملامحه بحنان لكنه عاد يقول
بريبة مرجح…..
(وليه التعب دا كله ماتخليها ونجبلها اي حاجة
من برا…..)
قالت بصوتٍ مصقلا بالغرور…
“لا طبعا لازم تعرف اني بقيت استاذة في المطبخ..”
اتى صوته مستاءًا ناصحًا….
(استاذة !….براحتك مترجعيش تعيطي لما تديكي كلمتين في جنابك انتي عارفه عمتك…مش بيعجبها
العجب…..)عندما لم يسمع ردها زفر بكأبة قائلًا…
(البسي واجهزي كده… وانزلي كمان ساعة بظبط
اكون خلصت اللي في ايدي…عشان اجي اوصلك…)
(تمام….)اغلقت الهاتف واتجهت فورًا للداخل لتبدل ملابسها باخرى عبارة عن فستان انيق محتشم
ومعه حجاب يماثلة اناقة ورقة…..
بعد ساعة تقريبًا…
كانت جالسة بجواره بقلب سيارة النصف نقل التي يمتلكها والتي يعتمد عليها في نقل الاخشاب واثاث الموبيليا بصورة دائمة ويسافر بها كذلك…
لفهما جوٍ من الصمت البارد فكانت تشيح بوجهها
وعينيها السوداء الحزينة الى نافذة السيارة تشاهد
الطريق الراكض امامها بروح باهته…
كان سلطان ينظر اليها كل ثانية تقريبًا شاعرًا بشيءٍ
غريب بها لكنه يعجز عن معرفته….وكأنها تبتعد عنه
اميالًا بعقلها وقلبها مجددًا…..
هل هذا الخلاف التافه سيسبب حاجز منيع بينهما
وهل سيتركها لهواها تمتنع عنه وتقيم في غرفة اخرى مجددًا…..
قال سلطان بمناكفة وهو يرمقه بطرف
عيناه….
“إمبارح الواحد نام براحته في هدوء….وبرطع
في السرير من غير رفس ولا شخير…..”
ضاقت عينا داليدا مدمدة بشراسة…
“قصدك ايه…انا لا برفس ولا بشخر….”
لوى شفتيه باستفزاز وعيناه مركزة على
الطريق…..
“معذورة….مفيش حد بيحس بنفسه وهو نايم…”
على الانزعاج وجهها أكثر فقالت بتجهم بالغ…
“الكلام ده مفهوش هزار ياسلطان….انا مش بشخر
وانا نايمه… وبعدين من امتى وانت مش واخد راحتك في سريرك…. دانا بنام في حته قد كده… وانت اللي مستولي على المكان…. بجسمك ده….”
اشارة على جسده الضخم العضلي الصلب مقارنة بجسدها النحيف الانثوي اللين كالهلام…..
فزم سلطان شفتاه باستفزاز أكبر….
“دا واضح انك شايلة ومعبيه…..واي كمان يادودا..
اشجيني….”
عقدت ذراعيها امام صدرها متذمرة بعد ان وجدت نفسها تتحدث اليه بمنتهى السذاجة ناسية الأمس
وقبل أمس….
“ممكن تسكت ومتكلمش معايا تاني…واشبع بالسرير
بتاعك وبرطع فيه براحتك….كده كدا سيبهولك..”
توهجت عينا سلطان بتملك ذكوري لعين…
“معناه ايه الكلام ده…لو مفكرة اني عشان سبتك امبارح تباتي في أوضة تانيه يبقا كل يوم هيبقا
على مزاجك….مفيش الكلام ده انسي….”
قالت بضجر….. “يعني ايه….”
تحدث بتملك اجفل قلبها الملتاع بحبه…
“يعني هترجعي اوضتنا تاني وهتنامي جمبي..جمبي
إيه…في حضني من اليلادي….”
توهجت وجنتيها وتسارعت خفقات قلبها
بحماقة فقالت بتلعثم…. “مش بمزاجك هو….”
اتكأ سلطان على اسنانه بتجهم هاتفًا بقلة
صبر….
“امال بمزاج مين يامدام…اتعدلي ياداليدا..وبلاش
العوجة دي انتي عرفاني لما بقلب…”
صاحت ثائرة وهي ترمقه بقرف….
“انت عايزني ابات في نفس الأوضة ليه..مش انا بشخر وبرفس…”
اكد بهزة من راسه يليها ردًا غليظ….
“حصل… ومضطرة استحملك…مفيش قدامي حل تاني….”
قالت ممتعضة بانفاس متهدجة….
“لا فيه كل واحد يبات في اوضة وبلاش نقرف
بعض….”
رفض سلطان بحدة….
“لا هنقرف بعض بمزاجك أو غصب عنك…”
تمتمت تجلي صوتها بين ركام غضبها منه الأيام السابقة….. “استغفر الله العظيم….انت… انت.. ”
قاطعها سلطان بأسلوب همجي رديء….
“انا إيه…..كلمة كمان وهرجع امسمرك في السرير
عشان اوريكي القرف اللي بحق وحقيقي…”
رفعت داليدا حاجباها مصعوقة ثم تشدقت
بنزق…..
“تمسمرني ؟!….انت مفكر نفسك كده رومانسي…”
هز راسه بعدم اهتمام قائلًا بأمر خشن….
“والله كل واحد ومصطلحاته…بليل إرجع القيكي مستنياني في اوضتنا ولو لقيتك في حته تانيه غير السرير قولي على نفسك يارحمن يارحيم.. ”
رفعت شفتها العلوية بتمرد….
“بلاش تهددني عشان انا مش بخاف ولا بكش…”
التوى فمه بسخرية…
“تموتي لو قولتي حاضر ونعم….”
مد يده نحو حجرها فتجمد جسدها جافلًا وبعينين
واسعتين واجلتين نظرت له لتجده يفتح العلبة الموضوعة على حجرها والتي تحوي على كعكة البرتقال التي غزت رائحتها الشهية انفه فور دخولها السيارة…
اخذ منها قطعة وتذوقها وبدا بمضغها بجوع..فحتى الان لم يضع لقمة في معدته الفارغة عدا السجائر والشاي.. كالعادة المدللة تنام حتى الظهر ولا تكلف نفسها عناء الاستيقاظ حتى تعد الإفطار له فنادرًا ما تستيقظ قبله لتعد الفطور….
وهذا يحدث عندما تكون الأميرة في مزاج رائق يسمح بفعل شيءٍ رفاهي بنسبة لها ؟!..
أعجبه مذاق الكعك جدًا وشك في فكرة ان تكون
من تحت يدي داليدا التي لا تعرف في الطهي
إلا المكرونة…عنصر مبهر وشهي في عينيها فقط
اما عنه فهو يراها وجبة للأطفال مشبعة لكن
غير مغذيه…..
“متاكده انك انتي اللي عملاها….”
هزت داليدا راسها في الفور بنعم مصرحة…
“ايوا طبعًا… انا بقالي شهر بتدرب عليها….وكل مرة
بكتشف غلطه جديدة بتعلم منها لحد ما اتظبطت معايا ودي النتيجة….مالها هي وحشة….”
“ما لو وحشة مش هسألك السؤال ده….تسلم
إيدك…..”قالها وهو يمد يده وياخذ قطعة أخرى
ويضعها في فمه في قضمة واحده…
ابتسمت داليدا بحب وشعورٍ دافئًا عانق قلبها المتيم وهي تراه ياكل من صنع يدها بل وينشد بمنتهى الصراحة والعفوية بانها اعجبته الى الحد الذي
جعله ياخد القطعة الخامسة على التوالي !….
جفلت داليدا وهي تنظر الى العلبة التي لم يبقى
بها إلا ثلاث قطع من الكيك فقط لا غير…
“سلطان…..”
نظر اليها ببلادة وهو ياخذ القطعة السادسة وياكلها
غير مبالي باتساع حدقتاها بالذعر….
“انت كلت الكيكة اللي جيباها لـعمتك….”
رد غير مبالي يلقي اللوم عليها…
“كنت جعان….ماهو لو بفطر في بيتي زي الناس
مش هبقا جعان بالشكل ده….”
نظرت للعلبة الفارغة عدا من قطعتين فقالت
بحرج….
“دا مش مبرر يخليك تاكل الكيكة على فكرة
هروح للناس بالعلبة فاضيه…”
سحب العلبة من فوق حجرها واضعها امامه
قائلًا بايجاز….
“لا هتسبيها في العربية اتسلى انا في الوحدتين
دول لحد ما نوصل…وجمب عمتك في حلواني
نبقا نشترلها اي حاجة تدخلي بيها….”
سالته داليدا بهدوء…
“هو انت مش هتطلع معايا ولا إيه….”
هز راسه بنفي قائلا….
“لا عندي شغل قريب منك….قرب ما تخلصي قعدتك
رني عليا اطلع اخدك واسلم عليها….”
ثم استرسل بنظرة ثاقبة عليها…
“لحد دلوقتي مش فاهم اي سر الزيارة المفاجاة
دي….”
ازدردت داليدا ريقها وهي تقول بخفوت..
“ما قولتلك في التلفون…انت مش مصدقني.. ”
هز راسه بنفي قائلا بمنتهى الصراحة..
“بصراحة لا… بس انا مش همنعك اهي برضو
عمتك وصلة الرحم واجب علينا احنا الإتنين..”
……………………………………………………….
بدأت تتبادل النظرات بينهن بتوجس فالعمة وابنتها
غير مصدقين مجيئها اليهن في زيارة ودودة حاملة
قالب حلوى اليهن….
ضيقت وجيدة عينيها وهي تنظر الى ابنتها واشارت
اليها بحركة مدروسة بان تتركها مع ابنة اخيها وحدها قليلًا… ففعلت هدى على عجلة قائلة بود…
“هروح اجبلك حاجه تشربيها ياداليدا نورتينا..”
“لا مش عايزة خلـ…..”وقفت داليدا فجأه محاولة الحاق بابنة عمتها لكن وجيدة لم تعطيها الفرصة
فقد سحبتها من يدها بقوة لتقع جانبها على الاريكة
بلعت داليدا ريقها بخوف وهي تنظر لعمتها كمن ينظر
لقاتل متسلسل بعدة جرائم شنيعة….ابتسمت بصعوبة
قائلة بحرارة الخوف لا الشوق…
“وحشاني والله ياعمتي….”
رفعت العمة حاجبٍ واحد متغطرس قائلة
بشك أكبر..
“وحشتك إزاي…مانا لسه سيباكي إمبارح في الجنينة..”
ضحكت داليدا قائلة بمرح….
“ها… اه…مانتي علطول وحشاني ياجوجو….”
توسعت عينا وجيدة كمن قرصتها
حيه…
“جوجو ؟!…اي قلة الأدب دي يابت….”
بلعت داليدا ريقها بارتياع… “بدلعك ياعمتي….”
هتفت وجيدة بعدائية وهي ترمقها شزرًا…
“ليه احنا صحاب….تكونيش من سني عشان تاخدي
عليا اوي كده….انا اخت ابوكي اكبر منك مقام وسن
قال جوجو قال…دا انا جوزي مقالهالش ليا…تقوليها
انتي يامقصوفة الرقبة…. ”
بدأت داليدا وصلة النفاق بكلام منمق
مدروس..
“خلاص ياعمتي غلطة ومش هتكرر….مع ان الدلع لايق عليكي اوي على فكرة… واللي يشوفك ميقولش
خالص انك متجوزه ومعاكي عروسة على وش جواز..دا اللي يشوفك يقول انك اصغر واحده فينا
لا بجد عيني عليكي باردة….احلى جوجو في الدنيا…”
“برضو هتقول جوجو….”لكزتها وجيدة فتحسست
داليدا ذراعها متأوهه لتبدأ وجيدة برفع راسها قائلة
بغرور…..
“بس تعرفي انتي صح…. انا طول عمري حلوة بالك انا لو سبت شعري ودهنته جاز بالخروع… وحطيت
مسك البنجر على وشي هيورد كد ويفتح وبقا عسل… بس انا اللي مش بهتم…بعد المرحوم الدنيا اتقفلت في وشي….. مبقاش ليا نفس لاي حاجة…”
توهج صوت داليدا بالمكر قائلة…
“لا انا مش عجبني كلامك ده خالص ياعمتي ليه الحزن دا كله هو الحزن بيرجع اللي راح يعني…فين جوجو القمر بتاعتنا…. دا انتي كان عليكي حتة ضحكة تبهج الدنيا وناسها…”
ضحكت وجيدة وغز الخجل وجنتاها كفتاة في السابعة عشر من عمرها….
“اه مانا عارفه ابو هدى كان علطول بيقولي كده..”
ضحكت داليدا بارتياح قائلة…
“طب والله راجل عسل وبيفهم….”
ضحكا معًا بخجلا ومرح طفيف حتى تلاشت ضحكة وجيدة فجأة وضربت ركبة داليدا صائحة بتهكم..
“اخرسي يابت ماتخدنيش في دوكه… اي اللي جابك
الزيارة دي وراها حاجة ادخلي في الموضوع وبلاش
تلفي ودوري عليا… دا انا وجيدة برضو وافهمها وهي طايرة…. انا عارفه انتي جايه هنا ليه….”
تراجعت داليدا في مقعدها جراء قول
العمة فقالت بتخوف..
“عارفه ؟!.. عارفه إيه بظبط ياعمتي..”
سارت عينا وجيدة على ملامح الفتاة المرتابة
وبعد لحظات قاتلة من الصمت والتراقب..
قالت بدهاء..
“السبب اللي جابك لحد هنا…زعلانه انتي وجوزك
وجايه تغضبي عندي بدل ماتروحي لأمك اللي هتسمعك من المنقي خيار….وهترجعك ليه
غصب عنك.. ”
كان واقع وضع لذلك لم تطلب التأكيد…لذا ظلت داليدا مبهوته الملامح لبرهة حتى قالت بصوتٍ متحشرج وهي تقرأ المعوذتين سرًا…..
“غضبانه؟!…. لا ياعمتي مفيش حاجة من دي…
احنا كويسين اوي…الحمدلله.. ”
على وجه وجيدة الاحباط فقالت بنزق…
“كويسين….. امال جايه ليه طالما مش غضبانه..”
لكزتها داليدا بمرح….
“جايه اقعد معاكي شوية…. ونتساير وحشتني
قعدتك الحلوة ياجوجو….”
لم تتبسم وجيدة بل نظرت الى عبلة الحلوى مشيرة بهلع…. “اي اللي في العلبة دا يابت….”
نظرت داليدا الى العلبة ثم لها… مجيبة بفتور
“دا جاتوه ياعمتي…”
ارجعت وجيده راسها للخلف قائلة بفطنة…
“اه….. المرادي امك رشه العمل في الجاتوه.. عشان
ابلعه انا وبنتي وتبقا الشيله واحده…مش كده.. ”
قالت داليدا بعينين غير مستوعبتين….
“عمل ايه اللي في الجاتوه… وبعدين حرام تظلمي
امي…. ماما مش بتاعت اعمال ومتعرفش اني
جيالك اصلا..”
ثم اضافة بقنوط بعد صمت العمة المشككه
في الامر برمته….
“انا جايه اتكلم مع هدى شوية في موضوع….”
لمعة عيناه العمة فجاة بنشوة… “جيبالها عريس….”
هزت داليدا رأسها….”لا جيبالها شغل….”
ارتسم على وجه العمة القنوط والقسوة فقالت
باقتضاب..
“اتنيلي ماهي راحت خمستالاف شغلانه قبل كده وفي الاخر بترجع بايدها فاضية… لا عريس ولا
مرتب عدل..”
ظهرت هدى فور كلمات امها المقتضبة…فقالت داليدا
سريعًا تشهدها….
“احضرينا ياهدى….. عمتي بتضيع من ايدك شغلانه
حلوه اوي…. وفي شركة كبيرة كمان محتاجة موظفين بنفس الشهادة اللي معاكي قوللها حاجة…”
وضعت هدى صنية المشروبات ثم استقامت
متنهدة بأسى…
“ياريت والله ياداليدا… انا زهقت من قعدت البيت
ونفسي اطلع من اللي انا فيه…”
عقبت العمة بقسوة…..
“اللي هيطلعك من اللي انتي فيه الجواز اتشمللي
شوية….”
اسبلت هدى جفنيها في وقفتها الخانعة للقسوة
الموجهه لها دومًا مع حديث امها المحقن بالسموم….
نهضت داليدا قائلة وهي تسحب هدى من ذراعها
الى غرفتها بسرعة قصوى….
“هدى تعالي نتكلم في اوضتك… واحكيلك أكتر..
بعد اذنك ياعمتي…”
عندما دخلت الغرفة اغلقت داليدا الباب جيدًا..
فراقبت هدى تصرفها متعجبة سائلة….
“في اي ياداليدا…. بتشديني كدا ليه….”
دخلت داليدا في صلب الموضوع قائلة…
“بصراحه بقا انا لا جايه عشان شغل ولا نيلة انا
جايه عشان اسألك على حاجة مهمة…”
“اسألي قلقتيني في إيه.. “قالتها هدى وهي تجلس
على حافة الفراش ترمقها بتراقب وانتظار…..
اخذت داليدا نفسا متهدج ثم جلست على اقرب
مقعد مقابل لهدى وقالت بمقدمة لا بأس بها….
“احنا مش صحاب ياهدى ولا عمرنا كنا قريبين من بعض مش عشان فرق السن بالعكس أميرة اكبر منك
ومني ومع ذلك انا وهي صحاب أوي ومش بنخبي حاجة على بعض…..احنا مش قريبين عشان انتي اللي عايزة كده… وانا عذراكي لانك مضغوطة من زمان بسبب الجواز والسن والكلام العبيط ده…اللي
دفنا نفسك جواه لحد دلوقتي… ”
ظهر الازعاج على ملامح هدى فقالت
بتململ…
“انا مش فاهمه حاجة ادخلي في الموضوع
علطول…”
نظرت داليدا للبساط أسفل اقدامهن لثانيتين ترتب أعلاه الافكار والكلمات قبل النطق بها ثم عادت
الى هدى قائلة بنبرة حادة بعض الشيء….
“إمبارح واحنا في الجنينة شوفتك واقفه مع شاب
الشاب ده انا عرفاه…يعني كان بينه وبين صاحبتي
علاقة حب….بس هو طلع ندل وكان عايز يتجوزها
من ورا أهلها….وهي رفضت وسابوا بعض بعد
كده….اسمه عادل وساكن في الساحة في شارع
تسعة صح ولا انا غلطانه….”
ردت هدى بهدوء وبملامح متبلدة….
“صح…..بس عادل مستحيل يعمل كده…وبعدين
عادل ملوش علاقات نسائية….هو حكالي بصراحه
ان مشكلته انه بيشرب بس هو بطل من فترة قصيرة
لما قبلني وحبني…”
نفس الحديث الذي ألقاه على مسامعها يومًا انقلبت
معدتها وشعرت برغبة فالتقيؤ…فقالت بصعوبة
تفكر بصوتٍ عالٍ أمامها….
“حبك ازاي….وفرق السن اللي بينكم دا انتي اكبر منه بحاولي سبع سنين مش شايفه انه مينفعش… ”
بهتت ملامح هدى وبنظرة بائسه رمقتها…فعضت
داليدا على شفتيها شاتمه نفسها فالعفوية بالتحدث
في أدق الأمور حساسية من شيم الغباء وعدم المسؤولية……
“انا مش قصدي حاجة والله…انا بس بحاول اوضحلك ان لو العلاقة دي استمرت كلام الناس
هـ…”
قالت هدى بنبرة مهمومة يائسه…
“كلام الناس مش بيخلص ياداليدا…يقوله اتجوزت
واحد أصغر منها أحسن مايقوله عانس ومش لاقيه حد يبص في وشها….”
علت الصدمة ملامح داليدا التي عقبت
بدهشة…
“انتي سامعه نفسك ياهدى…انتي مش بتحبيه…انتي
عايزة تتجوزي وخلاص اي حد وده ممكن تدفعي تمنه غالي أوي….”
زمت هدى شفتيها قانطة….
“الكلام سهل…بس انتي لو مكاني هتقبلي باي وضع
واي حد عشان تخلصي من نظرات الناس وكلامهم وتخلصي من كلام أمك وتلقحها عليكي في الراحة
والجايه…قدام الغريب قبل القريب… ”
ثم اضافة هدى بعينين تلمع بدموع الحسرة…
“تعرفي ليه احنا مش قريبين من بعض ياداليدا
عشان انا بحقد عليكي وبغير منك عشان اتجوزتي قبل حتى من قبل ما تتمي العشرين…..تعرفي الكلام
اللي سمعته من امي الشهر اللي قبل فرحك ويوم فرحك..لسه حفظاه من وقتها.. كلمة كلمة وحرف حرف…”
اشاحت داليدا بوجهها شاعرة بقبضة جليدية فوق قلبها وعقلها يردد المعوذتين بخوف….
بينما تابعت هدى بوهن والوجع يشتبك بين
الاحراف بعذاب…..
” تحبي تعرفي قالتلي ايه ووجعتني إزاي…حتى لو عرفتي هتحسي بيا مثلا..ابدا اللي برا الدايرة عمره ما هيحس باي بنت بتعيش اللي بعيشه….بروح افراح
صحابي وبحضر سبوع ولادهم…وكل اللي يشوفني
يسمعني نفس الكلمة…عقبالك ياهدى…هنفرح بيكي
امتى ياهدى….”
“في اللي بيقولها شماته وفيه اللي بيقولها شفقة
وفي اللي بيقولها علشان مفيش غيرها يقولهالي..”
سقطت دمعتين من عينيها مضيفة بابتسامة باردة كروحها التي تجري في حلقة مغلقة….
“صحابي كلهم اتجوزوا ومع ذلك كل واحده فيهم
كانت بتبلغني بفرحها قبلها بيومين خوف من
الحسد…..وكنت بروح والبس حلو واتذوق زي
ما امي بتطلب مني…على امل أوقع واحد في
شباكي واتجوزه واخلصها من همي التقيل….”
“بس للاسف مكنتش بلفت الانتباه…كنت عادية
عادية لدرجة اني مش بتشاف وسط البنات الحلوة…”
حاولت داليدا المواساة بشفقة قائلة…
“انتي مش وحشة ياهدى…انتي جميلة وروحك حلوة
وطيبة وتستاهلي احسن حاجه في الدنيا… ومش معنى ان نصيبك اتأخر يبقا مش جاي….بس صدقيني
اكبر غلط انك ترتبطي بواحد زي ده…مش كويس
وبتاع بنات وبيشرب…. وحاجه اخر قرف… حرام تدفني نفسك بالطريقة دي…ابعدي عنه… ”
عليها ان تضحك الان ساخرة فقد اتى اليوم
التي تنصح فيه فتاة غيرها بألا تقع في الإثم
باسم الحب……فالثمن غالي وعظيم !!….
بينما قالت هدى بعدم تصديق…
“ابعد عنه ؟!… دا الانسان الوحيد اللي حسسني
اني مرغوب فيا…اني حلوة واستاهل اتحب….دا
اللي اداني قمتي…..”
قالت داليدا برجاحة عقل….
“قمتك مش في عيون الناس ياهدى…قمتك في عنيكي انتي…البنت اللي تحترم نفسها وتحافظ
على شرفها وتصون قلبها هي اللي قمتها فيها..
مش العكس…..”
بلعت مذاق كالصدى بحلقها وهي تضيف
بقلق…..
“هدى….الشخص ده مش كويس…صدقيني
بيتسلى بيكي….بلاش تغلطي غلطتي انا كنت
عامية ومشفتش الصورة كاملة فوقعت وربنا
برحمته وفضلة أراد ينجدني وينور بصرتي….”
انعقد حاجبي هدى مستفسرة….
“انا مش فاهمه حاجة….تقصدي إيه بكلامك
ده…”
قالت داليدا بوهن…..
“مش لازم تستفسري….اسمعي الكلام ياهدى…
انا خايفه عليكي… ”
نهضت هدى قائلة بتعنت…
“وانا ادرى بمصلحتي شكرًا على النصيحة يابنت خالي…..واطمني مش هجيب سيرة لعادل عن الكلام
اللي قولتيه عن صاحبتك…كاني مسمعتش حاجة..”
نهضت داليدا ايضا تمنعها قائلة…
“ياهدى افهـ…..”
قاطعتها وجيدة من الخارج قائلة بتذمر…
“بت ياداليدا….تعالي هنا كفياكي رغي من امتى الحب دا كله…..كل ده بتكلموا في الشغل…اطلعي
يابت منك ليها مش هفضل قعده مع نفسي…”
زفرة داليدا وهي تنظر الى هدى التي سبقتها
للخارج هاربة من الغرفة مغلقة خلفها الحوار نهائيًا
تاركها قلب داليدا يحترق بالخوف من القادم…
………………………………………………………..
عندما اتى المساء ظلت تتقلب على الفراش بعدم ارتياح الساعة تشير لمنتصف الليل حان معاد
وصول زوجها..
وبمنتهى العناد وتحدي اعتكفت في الغرفة الثانية تاركه غرفتهما الكبرى تسكنها اشباح الوحدة حتى ياتي سلطان ويقيم بها كحال أمس… وحده عقابًا له على دفاعة عن امرأه أخرى امامها… بل ويكبلها
خوفًا على العقربة من بطشها….. بطش تستحقه اضعاف مضاعفة منه….
مزال حديث هدى يتردد في اذانها بقسوة… مزال صدرها يحترق خوفًا من القادم فهي على دراية بان عادل اتخذ هدى وسيلة للانتقام منها ومعاقبتها على صفعة تلقاها منها يومًا…..
كيف تخبر الغبية البائسة انها بين يدي شاب مخادع.. يريد اغتيال قلبها وشرفها واسم عائلتها ليحقق اهدافه الدنيئة بضربها هي……
وكيف ستجرأ على أخبار سلطان بالأمر.. ستفضح هدى وتكسرها امام الجميع.. ماهو الحل الانسب للخروج من هذا المأزق وكسر شوكة هذا الحقير للأبد…
وكيف تشهر السلاح للأمام والحرب تأتي من الخلف بطرق غير شريفة ، ومنذ متى كانت الحروب تقام على الشرف !..
سمعت باب الشقة يفتح ومن ثم يغلق…فاغمضت عينيها بقوة وهي تسمع زر الاضاءة بالخارج ومن
ثم اغلاقه بعد لحظات من الصمت….
مطت شفتيها شاتمه سرًا..رغم عنادها وتكبرها امامه إلا انها اشتاقت بشدة اليه الى احضانه الدافئة وقبلاته المولعه بحبها وهمساته الوقحة المداعبة لانوثتها بين يداه….مفاتن تذوب له وحده
تعرفه قبل ان تدرك هي تأثيره عليها ؟!…
سمعت صوت باب الغرفة المجاورة تغلق فزفرت بضيق وهي تفتح عينيها في الظلام..قائلة بتذمر
“مجاش صحاني ليه زي ما قال…..هو مش قال همسمرك في السرير….رجع في كلامه ولا إيه…..”
عضت على شفتيها بقنوط وهي تضع الوسادة فوق راسها محاولة النوم…..لتمر الدقائق وتشعر بمن يتدثر خلفها مشاركها الفراش الصغير وهو يضم جسدها اللين بكلتا ذراعيه الصلبة….
اغمضت عينيها بدلال وحب فاقدة النطق او حتى الامتناع مما شجعه على تحريك يداه على جسدها يرسمه بصورة وقحة…حتى فلت تاوهها بضعف فوق ذراعه فزفر سلطان وهو يديرها اليه بنفاذ صبر هامسًا بصوتٍ عميق بث طوفان من الرغبة والشوق داخلها….”وحشتيني يادودا…..”
استنشقت انفاسه الساخنة المعطرة برائحته الرجولية
المميزة فـفغرت شفتيها وهي تعترف بضعف…
“وانت كمان وحشتني اوي ياسلطان….”
قربت شفتيها منه وهي تحيط عنقه بكلتا يداها مداعبة شعره بحب وعيناها تتلألأ في الظلام…
ذابت الكلمات على الشفاه بينما الانفاس والاجساد
ملتحمة في عناق حار شديد مشبع بالنشوة
والحب….
الأمر يبدأ بشجار حاد وخصام لأيام وربما أشهر
ثم ينتهي بأربع كلمات أولها(أشتقت إليكِ) واخرها(وانا أيضًا…)ومع أول عناق بعد ليالي
البُعد تمحى الكلمات ويبقى آثر الحب خفقاتٍ
تمجدهُ….
……………………………………………………..
دلف عاصم بكامل اناقته الى صالون البيت يبحث
بعيناه عنها بلهفة فقد استيقظ اليوم ظهرًا على غير
العادة ولم يجدها جواره رغم تنبهاته الصرامة عليها بالأ تتعب نفسها خلال تلك الفترة وتلتزم فراشها
في الشهور الأولى على الأقل….
لم يرى سوى الجدة نصرة في الصالون تمسح أحد
الفازات المذهبة بالزخرف برفق مركزة عيناها باهتمام
شديد عليها…..
تقدم منها عاصم ملقي تحية الصباح
ببشاشة…
“صباح الخير ياست الكل..” طبع قبلة على
جبينها…..فردت الجدة مبتسمة بمحبة..
“صباح النور ياحبيبي…أول مرة تقوم متأخر…”
حك في لحيته قائلا بلهفة…
“يمكن عشان مأجز النهارده…. هي شهد فين..”
قالت الجدة….”في المطبخ من الصبح……”
انعقد حاجباه متعجبًا… “في المطبخ بتعمل إيه….”
قالت الجدة بعد تنهيدة….
“مصممة تطبخ النهاردة بنفسها… لما عرفت ان اهلها
جايين…..”
ازداد وجوم ملامحه فقال بتجهم…
“دا كلام من الصبح في المطبخ… وازاي تسبيها ياحاجة….”
قالت الجدة برفق….
“حاولت والله ياعاصم بس مفيش فايدة فيها.. دماغها ناشفة بس اطمن ياحبيبي الخادمين معاها
وبيساعدوها وانا منبها عليها متقفش كتير…”
انتصب واقفًا وهو يزمجر بخشونة…
“منبها عليها… ودي هيفرق معاها تنبيه….”
“رايح فين ياعاصم….عاصم….” نادت عليه الجدة
لكنه قد اختفى عن مرمى ابصارها متجه الى المطبخ
بغضب ممزوج بالقلق على زوجته….
مما جعل نصرة تضحك وهي تحرك السبحة بين اصابعها داعيه بمحبة لهما…..
“ربنا يسعدكم ياولاد…ويكملك على خير ياشهد..”
عندما وصل للمطبخ داهم انفه عدة اصناف منوعة
جميعها تميز الطاهية التي اتقنت وابدعت فيهما
لتصنع من عدة مكونات اكلات شهية تسيل لعاب ممتلئي البطون من مجرد رائحة البهار الذيذة
فماذا عن الشكل والمذاق…..
ماهو سرك ياسيدة الحُسن؟!…
لطالما تساءل بينه وبين نفسه مررًا وتكررًا
عن سر تلك المرأه، التي استحوذت عليه سابقًا
بنظرة واحدة من عسليتاها ومالى للهوى بعد
كلمتين معها ، بل واغرم بما تصنعه يداها ويجيد
تمييز اطباقها الفريدة مذاقًا وشكلًا من بين
آلاف الطهاة…..
ويبقى السؤال واحدًا ماهو سرك ؟!..
ابصرها تقف امام الموقد الكهربائي تقلب في القِدر
وترش القليل من البهار في المقلاة المجاورة والتي
تحمر بها شيءٍ ذي رائحة شهية، ربما لحم لكنه يختلف عن رائحة اللحم التي عرفها طوال
عمره…..
كل شيءٍ من صنع يدها مختلف ومميز وكانها
تتحدى نفسها بموهبة فريدة تمتلكها….
موهبة كان يظن انها عادية كغيرها حتى تذوق طعامها حينها ظن ان الطعام رش عليه السحر
ليكن الأروع والالذ في فمه ويدمنه مع الوقت
كما أدمن سيدة الحُسن والجمال !…
أبصر الخدمتان يساعداها بجد مستمرين في العمل معها على قدم وساق كما امرتهما بل ومستمتعين بصحبتها جدًا حيثُ كانت تتحدث معهن بين الحين والاخر عن الطهي وبعض الوصفات الشهية التي يمكن اعددها بأقل التكاليف لعائلتهن الصغيرة
وايضًا بعض الاشياء التي تثير اهتمام النساء
عن كيفية تخزين الخضروات والفواكه بطرق
صحيحة وصحية…..
كانت ثرثارة بشكلا راقي ولطيف كحالها دومًا ملكة
تضوي في عيناه تمتلك من الرقي والتواضع
والخلق ما يسلب قلبه فيكن كالهلام في عشقها
ذائب في الشهد…..
توقف مكانه يتابع هذا المشهد البسيط العفوي
ويربط بينه وبين مشهد بعيد (لرُفيدة) عندما كانت
تقرف من مجرد المرور على المطبخ عن طريق
الصدفة بل وتصرخ على الخدم بتذمر وغرور
لمجرد ان احدهن تاخرت في جلب القهوة الصباحية لها….
أشياء لم تثير اشمئزازه يومًا بل لم يفكر بها ابدًا
لكن اليوم يسخر من نفسه للمثابرة على علاقة
لم تكن موفقة منذ البداية !…
سارت عيناه بشوق عليها ومضخة قلبه تزداد قوة
بين اضلعه….كانت ترتدي بنطال جينز ثلجي تعلوه
كنزة صيفية صفراء فوقها مريول المطبخ تلف شعرها
في ربطة راسخة للخلف وتترك الغرة متناثرة تخفي الجبهة وسماعة اذنها عمدًا…غرة يعشقها كعيناها العسلية البراقة وككل شيءٍ جميل ومميز بها….
هذا الجسد النحيف الانثوي يحمل طفله متى تظهر
علامات الحمل عليها ويرى بذرتهما تكبر يومًا بعد
يوم في تلك البطن المسطحة الناعمة…..
ازدرد ريقه وهو يتذكر ليلة أمس عندما ضمها الى احضانه بشدة وغمرها بالقبل الحارة في كل جزء بجسدها الغض خصوصًا بطنها المسطحة انهمر
عليها بالقبلات الحارة…يقبلها ويقبل طفلًا تمناه
يومًا بشدة ولم يتوقع ان يعوضه الله به سريعًا
من رحم أمرأه يعشقها بجنون…
أشار للخدمتان بيده بان ينصرفا من المطبخ فلبى
الطلب برؤوس منحنية بأحترام له….تاركين إياه مع زوجته التي لم تلاحظ وجوده حتى الآن فمزالت منشغلة على الموقد بين الاناء والمقلاة….
“هنية هاتي الملح….”قالتها شهد وهي تحرك المقلاة
عدة مرات منهمكة فيما بين يداها…
أبتسم عاصم وهو يبحث بعيناه عن الملح حتى وجد
علبة كبيرة بيضاء اعطاها لها دون تردد….
اخذتها شهد منه وقبل ان تفتحها عقدة
حاجبيها قائلة….
“جيبالي الدقيق؟!…بقولك الملح….”
زم عاصم شفتيه يبحث بعيناه مجددًا حتى رأى
علبة صغيرة بيضاء اعطاها لها….فزفرت شهد
بضجر بعد ان اخذتها….
“دا توم بودر….انتي اي حكايتك ياهنية بظبـ…”
بلعت الكلمة فور رؤيتها له يقف امامها بكامل اناقته
والهالة النظيفة الامعة التي تحيط به فقد ارتدى طاقم رياضي انيق يبرز جسده الرجولي الصلب
بقامة طول شديدة الهيبة ، كما صفف شعره
الأسود الغزير للخلف وشذب اللحية السوداء الامعة بشعيرات فضية بسيطه ترى عن قرب ويزداد
بها وسامة مهلكة لعيناها العاشقة……
كان يضع يده في جيبه وكما تنظر له بتراقب وعن
كثب ينظر لها كذلك…..وعندما فاقت من سحر طلته
المهلكة…..بللت شفتيها متلعثمة بحرج….
“مرضتش اصحيك قولت اسيبك نايم….”
لم تلين ملامح عاصم الصخرية بل انه عقب
بعتاب حاد….
“والله؟!…واحنا قولنا إيه إمبارح بليل ياهانم…”
تخضبة وجنتيها بغباء مع احمرار بسيط في اذنيها
وانفها….احمرار فطري يحدث عند الغضب والحرج.
ماحدث أمس لا يمت للكلمات بصلة..انهما كانا يعزفا
على أوتار الحب بلمسات الجريئة والقبلات الحارة
تطلق قلوبهما المشتعلة بالعواطف ترنيمة عن الهوى
وجمال الشعور به في أحضان بعضهما…..
لماذا يذكرها بليلة أمس وهي مزالت غارقة في تفاصيلها حتى الان….قالت بلا تفكير…
“هو احنا اتكلمنا إمبارح بليل أصلًا….”
لانت شفتيه في ابتسامة صغيرة او انها تتوهم
فقد اختفت سريعًا عن محياه وبقى الصمت
والجمود…..
“بتعملي اي بظبط….احنا مش اتفقنا ترتاحي
الفترة دي…ليه مش بتسمعي الكلام ياشهد….”
قالت شهد بتذمر وهي تتقدم منه وعيناه مأسورتين في نهر عسليتاها……
“ببساطه لاني مش متعودة على الراحة…يكفي اني
قعده في البيت اربعة وعشرين ساعة…كمان هلزق
في السرير كده كتير ياعاصم…..”
خفق قلبه متجاوب معها لكنه سيطر
على مشاعره بقوة مستنكرًا بخشونة….
“أول مرة اسمع حد بيقول مش بحب الراحة…”
قالت بهدوء وهي امامه وجهًا بوجه…
“انا مش بحبها ابدًا…..وبعدين ياعاصم انا حبيت ادخل النهارده المطبخ أعمل الغدى بنفسي بما انك اجازة واهلي جايين يزرونا أول مرة بعد الجواز…”
أحاط كتفها بكلتا يداه يهزها بخفه قائلًا
بقلق..
“ياشهد انا خايف عليكي…الموضوع لسه في
الأول….و…..”
ضاقت عيناها بتشكيك لئيم…
“قول بصراحه خايف عليا ولا على اللي في
بطني….”
انحنى حاجبه مندهشًا من تفسيرها للأمر…
“اي السؤال الغريب ده هو انا حبيته ليه مش
علشان ابننا احنا الإتنين….”
مدت يدها بنعومة تلامس ياقة السترة….
“السؤال مش غريب بس لهفتك عليه واضحة
أوي….”
ابعد غرتها عن عيناها قليلًا ثم تنهد امام وجهها الجميل قائلا بصدق….اختلج معه قلبها المتيم
به…..
“انا زي زي اي راجل ياشـهـد بتمنى يبقا ليا ولاد
عيلة وعزوه يشيله اسمي واسم أبويا ويبقوا سندي
لما أكبر….دا ربنا سبحانه وتعالى قال المال والبنون
زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات….”
قالت بابتسامة جميلة…
“صدق الله العظيم….يعني هو ده اللي انت
بتتمناه…”
هز راسه بنفي مصححًا وعيناه تلتهم تفاصيل
حُسنها بعواطف مشتعلة بشوقًا لا ينضب داخله
مهما ارتشف من رحيق الشهد…
“انا خدت اللي اتمنيته من ربنا.. والباقي كرم
كبير من عنده…لازم تعرفي اني بحبك اكتر
من اي حاجة في الدنيا دي …وحابب نفسي
معاكي وحابب يكون ليا ولاد منك انتي….انتي
وبس ياشـهـد…”
اغمضت عيناها بانسيابية الحب بعدما بدأ يقبل
حنايا وجهها بعاطفة جياشة….فهمست بعد
لحظتين تئن بالضعف…..
“عاصم….احنا في المطبخ….”
رفع راسه ناظرًا لعيناها مقترحًا بحرارة…
“تعالي نطلع الاوضة احنا مكملناش كلمنا إمبارح..”
ابتعدت هي عنه الى طاولة مستديرة فاخرة
الشكل تقبع في منتصف المطبخ الذي لا يقل
فخامة وعصرية كذلك…
“لا تعالى انت لف ورق العنب معايا….”
انكمشت ملامحه عابسًا وهو يراها تتخذ مقعد
امام الطاولة وتبدأ بلف (ورق العنب)….
فامتنع عاصم بتكبر….
“ورق عنب…..عاصم الصاوي يلف ورق عنب..انتي
بتفكري إزاي….عايزة تضيعي الهيبة ولا إيه…..”
ضحكت شهد بمرح قائلة بايجاز….
“الهيبة ملهاش علاقة بورق العنب اقعد وهعلمك..”
زمجر قائلا بحرارة…
“شـهـد….سيبي كل حاجة وتعالي معايا…”
رفعت حاجب التحدي قائلة بتعنت…..
“أسفة ورايا طواجن مستعجلة…وكلها ساعتين واخواتي يجوا ولازم استقبلهم بنفسي..وقبلها
اكون غيرت هدومي دي من ريحة الطبيخ…”
أمعن عاصم النظر الى هيئتها النظيفة المرتبة
غير مصدق انها تطهو منذ الصباح بنفس الهيئة
الصباحية المنعشة…..
فعقب بصدقًا منشد باعجاب..
“ريحة الطبيخ ؟!… لازم أعترف انك الست الوحيدة اللي شوفتها بتطبخ والمكان من حوليها نضيف وشكلها حلو وكانها لسه رجعه من خروجة حلوة وملحقتش تغير هدومها…..”
ابتسمت بظفر انثوي قائلة….
“دا انا على كده خارقة للطبيعة….بس انا ليا طقوس
كده قبل ما بطبخ….”
لمعة عيناه كشهاب خاطف قائلا بخبث….
“يمكن هو دا السر….واي هي طقوسك بقا
ياست الحُسن…..”
قالت بتلاعب…. “اقعد عشان احكيلك….”
جلس أمامها…. فقالت وهي تضع ورقة خضراء أمامه… “تعرف تلفه….”
اردف عاصم بشقاوة….
“أحاول….ادينا بنكسب خبرات جديدة….”
ضحكت بخفة فـتنة قلبه بها….ثم قالت بهدوء
“اقلب الورقه على الناحية الخشنة وخلي الناعمة برا
حط الحشوة حبات بسيطة… لف كده….”
فعل كما امرت مقلدها بمنتهى الدقة والخفة
وبعد ان إنتهى اخذت منه لفة (ورق العنب)
وهي تنشد باعجاب.. “طب مانت شاطر اهوه….”
سالها عاصم وهو يلف ورقة
أخرى…..
“مقولتيش برضو اي سرك…”
هزت رأسها باستياء وهي منشغلة في اللف على سطح الطاولة بخفة وسرعة عكسه تمامًا….
قالت بتململ طريف….
“نفس السؤال ونفس الإجابة….مش بتزهق يامعلم عاصم…”
رفع عيناه الصقريتين عليها مجيبًا دون
تقهقر..
“ابدًا ياشـهـد وراكي لحد ما أعرفه….”
اكتفت شهد بتبسم دون النظر اليه….وعندما لاحظت
انه نهض عن مقعده رفعت عينيها سائلة…
“رايح فين…..”
“هجيب الشغالين يساعدوكي…واروح انا أكمل شغلي
في الورشة….لحد ما الجماعة يجوا…”ثم لف حول
الطاولة واقفًا خلفها ومالى عليها طابع قبلة طويلة وبطيئة وحارة جدًا على وجنتها قائلا برفق….
“شوية واطلعي على اوضتك ارتاحي.. كفاية كده
ياشـهـد….”
اومات براسها بانصياع قائلة بصوتها
الموسيقي… “حاضر ياحبيبي…انت تؤمر.. ”
“قلب حبيبك ياست الحُسن….”مالى مجددًا
يمتص الرحيق من بين شفتيها الناعمة الحلوة…
“عـاصـم.. “همست بها شهد بخوف وعيناها
معلقة على باب المطبخ محاولة التملص منه لكنه
لم يعطي لها فرصة الهروب إلا حين أراد ذلك…
آه من الهوى ياحبيبي ، وآهات من هواك…
……………………………………………………….
ترجل الجميع من السيارة الفارهة السوداء التي يمتلكها (عثمان الدسوقي)والتي لأول مرة يستقلوا
بها….
خفق قلب قمر باضطراب وهي تنظر الى البيت الكبير
الفخم والحديقة الرائعة التي تحيط به والسيارات
خفق قلب قمر باضطراب وهي تنظر الى البيت الكبير
الفخم والحديقة الرائعة التي تحيط به والسيارات الفارهة المصفوفه خلف بعضها في المرأب…
وكانها في تلك اللحظة تحديدًا وقعت في صفحة من رواية كانت تقرأها منذ زمن عن البطل الثري البشع والقصر الفخم المظلم الذي لا ينير العتمة به إلا
أميرة جميلة اتت هنا عن طريق الخطأ….
ارجع حمزة شعره للخلف وهو ينظر للمكان بفتور
دون انبهار او تعليق بينما قالت كيان بعفوية
والتي تأنقت في ثوب نهاري رائع تاركه شعرها البندقي حرًا طليق على ظهرها…..
“واوو….شهد قعده هنا….دا شبه قصر شوفت زيه
في مسلسل السهرة إمبارح….بصراحه يجنن… ”
احتقن وجه عثمان وهو ينظر للبيت من الخارج بنظرة سوداوية حاقدة ثم لم يلبث إلا وأمر
الجميع بغلاظة….
“يلا منك ليها هتفضلوا واقفين ولا إيه…..”
جز حمزة على أسنانه وهو يسير خلف والده بجزع بينما الفتيات خلفه تشاهد الحديقة الخضراء والزهور
المتفتحة والنافورة الرخامية الرائعة والتي تهبط عليها الطيور مغردة بجمالًا….
عند رؤية الطيور ابتسمت كيان وهي تبعث رسالة
لسليم قائلة بشقاوة….(بوقو شيبويو…)
اتت الرسالة مع وجهًا مكفهر…
(اللهم ان كان سحرًا فابطله…نفسي في مرة نتكلم
زي الناس…معناها إيه الكلمة المكلكعة دي….)
ضحكت كيان وهي تكتب
بسرعة…
(معناها انك وحشتني….)
بعث وجه متهكم مرسلا….
(وكنتي هتخسري حاجة لو كنتي بعتيها كده… وصلتي ياعصفورة….)
ارسلت بحرارة….
(آه هندخل أهوه….مش كنت جيت معانا..)
بعث الرسالة بوجهًا متزمر….
(مش معزوم للأسف….انا لو عليا هستغل الفرصة
طالما هشوفك بعد ما صممتي سيادتك على الإجازة….)
ارسلت كيان وجهًا باكٍ معبر….
(كنت محتاجاها أوي…انت بقيت صعب أوي ياسليم
بذات لو عايزة اجازة منك… امال لو مش مخطوبين
هتعمل إيه….)
لم تتلقى منه رد فلم يرى الرسالة بعد…فارسلت
سريعًا قبل ان تغلق الهاتف….
(عمتا لازم اقفل الباب اتفتح وبدأت وصلة السلامات
باي…. هكلمك لما إرجع….)
وضعت الهاتف سريعًا في حقيبتها وهي تبتسم للخادمة التي فتحت الباب ليدلف الجميع للداخل ويكن في استقبالهم جميع أفراد العائلة الواقفين باحترام ورقي يرحبا بهم بحفاوة….
عدا تلك المرأة الشقراء الجميلة التي بدأت توزع
النظرات عليهم بتكبر وضغينة….
مما جعل كيان تمط شفتيها وهي تميل على قمر
قائلة بهمسًا حانق….
“مالها الولية دي عامله نفسها لمونه في بلد قرفانه
كدا ليه..”
القت قمر نظرة متمعنه على المرأة بطرف عينيها
ثم عادت الى كيان هامسة بخفوت…..
“سيبك منها انا ملحظة انها كده علطول من أيام
قراية الفاتحة فاكرة…”
لوت كيان شفتيها مستهجنة والقت اللوم
عليها قائلة….
“ماكله منك قعدتي تزغرطي وتهللي يومها لحد ما
افتكرتنا ناس بلدي….ودون المستوى.. ”
توسعت عينا قمر بصدمة بعد هذا الهجوم… فاشارت على نفسها وهي تسألها من بين اسنانها….
“يعني انا اللي غلطانه ياعقربة…..”
أكدت كيان بشيطنة….
“ايوا ياحرباية انتي اللي غلطانه ….”
اتكات قمر على اسنانها أكثر من اللازم قائلة
بنفاذ صبر…..
“طب احترمي نفسك عشان مقلش منك قدامها.. وتشوف دون المستوى على حق…”
غمغمت كيان بقرف…”بيئة…”
رفعت قمر شفتها العلوية مرددة…. “صفرة…”
تدخل حمزة الواقف جوارهن منذ البداية ويسمع
الهمهمات الحادة المنتقلة بينهن بسرعة البرق…
وبأسلوب فظ سوقي هتف بصوت خفيض…
“في إيه انتوا الاتنين وطوا صوت امكم شوية احنا عند الناس… ماحبكش ناقر ونقير هنا كمان…”
قالت كيان بمسكنة….. “هي اللي….”
اوقفها حمزة بنظرة ثاقبة….
“هششش… كيمو اتعدل عشان معدلكش بطرقتي..”
بلعت لسانها مطرقة براسها بضيق بينما مالى
حمزة على قمر محدثها بنفس الأسلوب حتى
يكون عادلًا بين الضرتان !…
“وانتي ياقمر زمانك….نقطيني بسكاتك شوية..”
عضت قمر على باطن شفتيها ملتزمة الصمت على
مضض…..
اتت شهد عليهم مرحبة بثلاثتهم بحفاوة وهي
تعانق كل واحد منهم باشتياق….
“وحشتني ياميزو… وانتي كمان ياقمر… عاملة اي
ياكوكي….”
ردت كيان بمحبة وهي تخرج من أحضان
اختها…
“الحمدلله ياشوشو… اي الحلاوة دي…”
ابتسمت شهد بحياء وهي تنظر الى ثوبها الربيعي
الرائع بعد ان اغتسلت وبدلت ملابسها متأنقة
حتى تستقبلهم كما يقول الكتاب….
آتى الدور على والدها في الترحيب فاقتربت
منه بابتسامة فاترة وامام الجميع قالت…
“عامل اي يابابا….”
اكتفى عثمان بهزة بسيطة باردة من راسه قائلًا
بصوتٍ مجرد من المشاعر….
“بقيت أحسن لما شوفتك…”
ابتسم حمزة بسخرية فوالده فاشل حتى في اتقان دور الأب الحنون على أولاده امام الناس اما عن
باقي الأدوار فهو بصراحة يبدع فيها دون مجهود..
اظلمت عينا عاصم وهو يرحب بحماه على
مضض….
“نورت المكان يا…. ياعمي….”
اكتفى عثمان بابتسامة صغيرة بينما ضاقت عينا
الهام وهي تتابع مايحدث بفضول…
تحدثت الجدة نصرة قائلة…
“نورتوا المكان ياجماعة دا احنا زارنا النبي…”
فأكد مسعد بابتسامة مرحبة وهو يشير على غرفة
الجلوس المفتوحة امامهم والتي تبرق بفرشها المذهب والتحف والانتيكات التي تزينها…
“والله عندك حق يا امي… اتفضلوا ياجماعة
واقفين كدا ليه…..نورتونا.. ”
امتلات غرفة الجلوس بهم جميعًا… جلسا الفتاتان
وحمزة على أريكة واحدة وشهد يجاورها عاصم
ثم يزن على أريكة أخرى اما الكبار فجلسا على
مقاعد وثيرة مجاورة…
دخلت الخادمة حاملة صنية عليها كؤوس من
الكريستال الفخم التي تحوي على عصير طازج
قدم لهم جميعًا..
بدا الجميع يرتشف العصير بصمت فتحدثت الجدة
نصرة تقتل الصمت بالقول الطيب….
“حقيقي كان نفسي اتعرف عليك أكتر يابو حمزة…بعد ماعرفت شهد وشوفت جمالها واخلاقها كان عندي فضول اشوفك واشوف أمها….اللي عرفت انها اتوفت من وهما صغيرين وده زاد احترامي ليك…انك قدرت تحتويهم بعد موت امهم….”
كبح حمزة ضحكة مقهورة واثناء كتمها سعل بشدة
مما جعل قمر تمسح على ظهره بعفوية هامسة بقلق وهي تمد له كوب من الماء الموضوع امامهم..
“بسم الله الرحمن الرحيم….خد اشرب ماية..”
نظر لبنيتاها الكحيلة وهو ياخذ منها الكوب ثم الى يدها التي تسير على ظهره ترسل موجات كهربائية
غير قابلة للترويض…..
بحسها الانثوي قرأت المعنى الخفي في عيناه.. فرفعت يدها كمن تم لدغها للتو….مشيحه بوجهها
عنه بحرج شديد…..
فرفع هو الكوب على فمه مرتشف منه القليل..
بينما قالت شهد بقلق….
“انت كويس ياحمزة….”
نظر لعينا اخته والتي فهمت سريعًا ما حل به فكانت
هي ايضًا تعلو ملامحها السخرية الممزوجة بالقهر بعد
كلمات السيدة الطيبة التي تتحدث بعفوية صافية كقلبها وثيابها البيضاء…..
“الحمدلله…. شرقه بسيطه…”
حافظ عثمان على ماء وجهه قائلًا بتأثر..
“انا طول عمري كنت ليهم الاب والام ياهانم…حتى
لما عرفتني شهد انها هتفتح مطعم في شارع الصاوي وهتشتغل فيه..رفضت ووقفت قصادها لاننا مش محتاجين احنا عندنا اللي يكفينا وزيادة ليه المرمطة ووجع القلب ده… لكن مع اصرارها وافقت مقدرتش اقف قصاد رغبتها…. انا معاهم كلهم كده…..”
كان مشهد ساخر….كما يُقال كوميديا سوداء فقد
التزم الجميع المشاهدة بصمت مريع تاركين
الممثل ياخذ فرصة اتقان الدور…
قالت الجدة نصرة باعجاب صريح….
“الشغل مش عيب وهي ماشاء الله عليها موهوبة
بجد…..ونفسها في الأكل لا يعلى عليه…”
تحدث عثمان ضاحكًا بفخر زائف…..
“طالعه لأمها…وجدها ابو أمها…كان طباخ شاطر وكان
فاتح مطعم كبير في اسكندرية اسمه (…..)…”
لمعة عينا الجدة بدهشة قائلة….
“دا بجد….انا كلت في المطعم ده زمان مع جدك ياعاصم…..”
ابتسم عاصم معقبًا بمحبة وهو ينظر
الى شهد..
“اي الصدف الحلوة دي…..”
شردت الجدة متذكرة تفاصيل صغيرة جميلة
جمعت بينها وبين زوجها الراحل في هذا المكان…
“المطعم كان حلو اوي وانا فاكرة وقتها ان مكنش بيدخلوه غير المقتدرين…والاكل كان حاجة تانية
وصاحب المطعم كان راجل محترم و ذوق….مش تقولي انه جدك ياشهد….”
ابتسمت شهد بحرج بعد هذا الاطراء….
“مجتش فرصة ياماما….ومكنتش اعرف انك تعرفيه……”
ازداد عمق الإبتسامة على محياها قائلة…
“لينا ذكريات حلوة انا وصابر في المطعم ده..هبقا
احكيلك بعدين….”
قال يزن بنبرة خاصة….
“يعني دي مش بس موهبة دي وراثه….”
ردت شهد بفتور وهي تنظر الى عاصم وحده
وكانها تخصه هو فقط بالحديث….
“مش عارفه بصراحة انا موعتش عليه لكن ماما حكتلي كتير عنه…”
غمغم عثمان بلؤم وهو ينظر نحو إلهام يخصها بالحديث على نحوٍ فاجئ البعض….
“الدنيا ضيقة والله ياهانم…..تفوت الأيام والسنين
في الاخر بنتقابل صدفه….ولا اي رايك يام يزن..”
تحدثت إلهام بنفور وهي ترمقه بكرهٍ أسود
هو وابناؤه……
“مش كل الصدف حلوة… في صدف بتبقى نهايتها
خراب على دماغ الكل….”
اكد عثمان بابتسامه بشعة….
“عندك حق بذات لو لسه مصفوش حسابتهم
القديمة….”
انعقد حاجب عاصم وهو يوزع النظرات بينهما بشك
كما فعل مسعد شاعرًا بشيءٍ مريب بين هذا الرجل وزوجته وكأنه يعرفها منذ زمن وبينهما سرًا يابى
كشفه امام الجميع فـيبقى الكلام مبطن لدرجة
تثير الريبة والشك نحوهما….
“السفرة جاهزة ياهانم…..”
اتت الخادمة تقطع الجلسة المريبة….وتنقذ إلهام
من العيون المتربصة عليها…
قالت الجدة بحفاوة….
“طب يلا ياجماعة نتغدى وبعد كده كملوا كلام
براحتكم… اتفضلوا… ”
……………………………………………
كانت السفرة مستطيلة وكبيرة تحتوي على كل مالذ وطاب من اكلات مصرية دسمة وشهية..اعدتها شهد
جميعها والخدم قاموا بتساوية الطعام كما امرتهم..
ترأس معقد السفرة مسعد وجواره على الناحية اليمنى والدته ثم زوجته وجوارها ابنها يزن ثم
حمزة وعلى الناحية اليسرى يجلس عاصم تجاوره
شهد ثم الفتاتان واخيرًا عثمان…..
شرع الجميع في الأكل بصمت وبعد لحظات قالت
الجدة نصرة باعجاب شديد…
“تسلم إيدك ياشهد….الواحد حاسس انا أول مرة يستطعم الأكل من سنين…..”
ردت شهد ببسمة صافية..
“بالف هنا ياماما نصرة…..”
تحدث حمزة بمناغشة قائلًا….
“شهد طول عمرها نفسها في الأكل لا يعلى عليه…الواحد اتشرد من بعدها….”
ابتسم البعض بينما قالت شهد وهي تنظر
بطرف عيناها الى قمر الجالسة جوارها….
“امسك لسانك ياميزو….كده الجو هيزعل منك.”
هتفت قمر بعفوية….
“بياكل وبينكر على فكرة….والله ياشهد بعملهم
أحلى أكل…هو وكيان ياكلوا ياكلوا وفي الاخر يقولولي بس مكنش قد كده..”
أبتسم حمزة وهو ينظر الى شفتيها الشهية المضمومة للأمام باستياء…..فأسبل عسليتاه وهو يتابع الأكل
بصمت…..
قالت شهد بمحبة….
“لا دا العادي بتاعهم…كانوا بيعملوا معايا نفس الكلام
وده معناه ان الاكل عاجبهم اوي بس بيغلسوا عليكي مش اكتر…..”
تنهدت قمر بجذل…
“طيب كويس طمنتيني…”
همست كيان بغيظًا شديد لقمر الجالسة
بجوارها…
“هو ده وقته ياهبلة…تحكيلها على اللي بيحصل في البيت على الملأ وقدام الولية الحيزبونه دي…”
قالت قمر ببلادة…
“طب مانتي بتحكيلها كل حاجة بتحصل…جت
عليا…”
هتفت كيان بضجر…
“مش بحكي قدام حد…بيني وبينها…دا انتي نيلة خالص ربنا يقوي أخويا عليكي….”
عيل صبر قمر فقالت بحدة تخرسها….
“اخوكي اللي فتح الكلام أصلا…بطلي غِل وصفار
شوية….”
مسحت الهام فمها بالمنديل بغرور قائلة
بضغينة…
“والله انا شايفه ان الأكل مش قد كده….عادي
يعني…. دي هنية بتطبخ احسن من كده…”
توقف الجميع عن الأكل ونظروا الى الهام
عدا حمزة الذي رماها بتعليق لاذع….
“واضح…. عشان كده خلصتي طبقك بسرعة….”
ضحكت الفتاتان بقوة بينما ضاق صدر الهام
وامتقع وجهها بالحرج الشديد جراء تعليق هذا السخيف شبيه أبيه عدا العيون التي ورثها
عن امه !…
مسك عاصم يد شهد وعلى مراى من الجميع
قبل كفها قائلا بصوتٍ حاني عميق…
“تسلم إيدك ياحبيبتي…الأكل طعمه حلو اوي
مفهوش غلطه…”
ابتسم بعض الجالسين برضا تام وهم ينظروا
لهما بمحبة….
بينما قالت قمر بمودة…..
“تسلم إيدك ياشوشو الأكل فعلاً يجنن..”
بادلتها شهد الإبتسامة…. “بالف هنا ياقمر….”
“قمر ؟!…أسمك قمر…حلو اوي أسمك…..”هتف بها يزن الصامت منذ بداية الجلسة يتابع الحوار بصمت حتى اخترق هذا الاسم المميز اذنه فعبر عنه بهذه المجاملة اللطيفة…
كان رد قمر عليه ابتسامة فاترة مجاملة…رآها حمزة الجالس جوار يزن والذي شعر بان هناك قرون
تنبت فوق راسه جراء هذه الملاطفات المتبادلة
بينهما….
بدفعة واحدة بسيطة من يده أوقع طبق يزن
على ساقه مما جعل يزن ينظر اليه بضيق
ناهضًا عن مقعده….
“اي ده….مش تحاسب…”
“مش لما تحاسب انت الأول….”قالها حمزة وهو
ينظر الى قمر بتملك…..
خفق قلب قمر بشدة وهي تسبل اهدابها بعيدًا
عن سطوة عيناه القوية…..
قالت الجدة برفق لحفيدها…
“حصل خير ياولاد….أطلع غير هدومك يايزن..
وأرجع عشان تكمل أكلك.. ”
“لا انا شبعت…عن اذنكم….”قالها يزن بتجهم
وهو يبتعد خارجًا من الغرفة…..
نهضت الهام بملامح مظلمة….
“انا كمان شبعت عن اذنكم….”ثم نادت على
الخادمة وهي تقرع الارض المصقولة بكعب حذاءها….
“هنية هتيلي الكوفي بتاعي على الجنينة….”
نهض عثمان على نحوٍ مفاجئ
قائلا… “سفرة دايمه ياهانم…..”
نظرت اليه الجدة مبتسمة بينما كان عاصم على وشك النهوض حتى يصطحبه لغرفة الصالون
لكن عثمان اوقفه قائلًا بابتسامة مدروسة…
“خليك ياعاصم انا مش غريب…انا هستناكم في الجنينة….”
اظلمت عينا مسعد وهو يتابع انصرافهما خلف بعضهما بملامح صخرية….
خرج عثمان الى حديقة البيت فوجدها تجلس على
المقعد امام طاولة مستديرة ومن حولها الطبيعة الخضراء والازهار المتفتحة متانقة بطاقم كلاسيكي فخم تطلق شعرها الاشقر للخلف وتخفي زُرقة عيناها بالنظارة الشمسية….
جلس عثمان على المقعد المقابل لها متنهدًا بخشونة وهو ينظر لنفسه من خلال انعكاس عدسات
نظارتها السوداء..
“والله زمان يا الهام…..”
مطت إلهام شفتيها وهي تلهي عيناها عنه في صفحات المجلة التي بين يداها….
نظر حوله ثم اليها مغمغمًا بازدراء لئيم….
“زمان مكنش يهدالك بالك غير واحنا مقضين
أليوم كله مع بعض….دلوقتي بتتهربي مني….
عجايب…هي الفلوس بتغير اوي كده…”
ضحكت الهام بسخرية وهي ترفع النظارة على
راسها لتواجه عيناه المحترقة في حبها….
“انت اللي بتكلم عن الفلوس !…دا انت مجوز بنتك
لعاصم الصاوي عشان تزودهم….”
ابتسم بخبث مضيفًا باستفزاز….
“مش بس كده وعشان اقهرك كمان…واجبلك اللي يشاركك في الهيلمان دا كله….ماهو اللي بياكل
لوحده بيزور يالومي…فاكرة الدلع ده…”
اتسعت إبتسامة عثمان بسماجة امام عيناها
الزرقاء المشتعلتان بالكراهية…فقالت ببرود
تخفي انفعالاتها….
“شايب وعايب بصحيح….انت بتفكر إزاي…تفتكر انا
ممكن احن لأيام زمان…للفقر وللقرف….دا انت غلبان
اوي ومفكر انا جوازة بنتك من عاصم هتهز شعره مني..لا فوق ياحبيبي…. انا برضو لسه هانم ومرات مسعد كبير العيلة وعم جوز بنتك وجايبه منه الواد
اللي هيكون بعد عمرًا طويل يعني مكان أبوه
في كل حاجه…..”
اخرجت نفسًا متهدج مسترسلة بتعالٍ…
“جوازة بنتك مسألة وقت وهتنتهي ياعثمان وعلى أيدي انا… وبكرة عاصم يرجع لرفيدة اختي ويطلق
بنتك بتلاته…..”
ضحك عثمان منتشيًا فالغضب التي تحاول اخفائه يظهر بوضوح بين ثنايا كلماتها…أردف بعد ان خفف
من ضحكاته العالية…
“مظنش يا لومي….شكله واقع لشوشته اوي..البت
برضو طالعة لابوها….من نظرة واحده جبته لحد عندها زي مانا جبتك زمان…. ولا ناسية…”
احتقن وجه الهام فمالت للأمام هامسة بحذر…
“وطي صوتك…. واقفل الحوار ده….الكلام ده فات
أوانه…. دا من عمر بنتك….”
استأنف وهو ينظر لها بوقاحة وكانها عارية
في عيناه…
“ما ده اللي مجنني…تفوت السنين وانتي زي ما
انتي يالومي….”
رن جرس الانذار في اذنيها وهي ترى مسعد ياتي
عليهما من الخلف…فجزت على اسنانها متصنعة
التبسم…..
“أخرس ياعثمان…واحترم نفسك وسنك… والمكان اللي واقف فيه….”
عندما وصل اليهما مسعد قال ببشاشة وهو
يتخذ مقعدًا بجوار زوجته….
“نورتنا والله ياعثمان بيه…..”
رد الاخر يتصنع الود وهو يرمق الهام بلؤم…
“بنورك يامسعد بيه…. اتفضل.. اتفضل… كنت لسه
مع الهانم في سيرتك….”
شحب وجه الهام بخوف بينما سال مسعد
بفتور…”خير ان شاء الله….”
بسادية نظر عثمان لوجهها الشاحب والهلع الساكن
في زُرقة عيناها فقال بخفوت شديد….
“خير طبعًا بشكر فيك…. حقيقي محظوظة بيك
الهانم ولايقين اوي على بعض….”
أحاط مسعد كتفها بذراع واحده قائلًا بسطوة
وهو ينظر الى عثمان….
“الهام دي حب عمري…. ربنا يخليها ليا….”
زفرت الهام بارتياح وهي تنظر الى
زوجها….”ويخليك ليا ياحبيبي….”
أشاح عثمان وجهه عنهما بإزدراء واضح…
…………………………………………………………..
جلست شهد بصحبة ثلاثتهم أسفل ظل شجرة
ضخمة كانا يتشاركا الجلسة ببال رائق بعد ان
اعدت شهد لهم نوعين من الحلوى المفضلة لديهم الأول نوعًا من الحلوى الفرنسية اكلير محشو
بالكريمة مغطى بصوص الشوكلاته…..والثانيه
(مهلبية..)اعدتها بطريقتها الخاصة التي تفضلها
كيان عن اي نوع حلوى أخرى….
أخذ حمزة واحدة من الاكلير ووضعه في فمه
معلقًا بهمهمات….
“بس البتاع ده جامد….قبل كده كنت عملاه بطريقة
تانيه….”
قالت شهد وهي تضع واحده في فمها…
“المرة اللي قبل كده كان حادق محشي جبنة…”
راقبت قمر استمتاع حمزة بهذا الطبق الحلو
فقالت لـشهد على نحو مفاجئ…
“ابقي علميني الطريقة ياشـهـد…اصله عاجبني
أوي….”
قالت شهد بابتسامة صافية…
“من عنيا ياقمر….لم اجلكم المرة الجايه هبقا اعمله
قدامك… “ثم نظرت الى اختها المنشغلة في طبق
(المهلبية)الكبير تاكل منه بنهم وبشكلًا مضحك
فسالتها وهي تضحك…
“عجبتك المهلبية ياكوكي….”
اكدت كيان وهي تضع الطبق جانبًا بعد ان انهت
نصفه…..
“دا سؤال الجواب باين من عنوانه.. انتي استاذة
في المهلبية ياشوشو عليكي إضافات كده بتوديها
في حته تانية….بتعليها… ”
بنظرة حنونة قالت لهما…. “بالف هنا ياحبايبي…”
ثم قالت بوجنتين حمراوان محاولة اخبارهما
بالخبر بطريقة مبسطه ولطيفة….
“بقولكم إيه…ماتيجوا نلعب لعبة الأفلام….”
لمعة عينا حمزة بخبث وهو ينظر الى
قمر…
“طب والله فكرة وقمر اللي فيها…”
هزت قمر راسها برفضًا تام…
“اي ده لا طبعا…..انا مش هعرف امثل…”
اصر حمزة بسماجة…. “لا حاولي ملناش دعوة….”
هزت قمر راسها بحرج فهي فاشلة في تلك
اللعبة….
“لا مفيش حاجة في دماغي…العبي انتي ياكيان مكاني….”
اومات كيان براسها ببساطه…
“ماشي امري لله…..”
حركت كيان يدها على شكل عجلة الافلام
السينمائية….فقال الجميع….
“فيلم…..”
هزت كيان راسها بتأكيد…ثم رفعت اصبعين
من يدها…فقال الجميع معًا…..
“من كلمتين…”
هزت كتفيها بدلال…فقال حمزة بغمزة
شقية…. “رقاصة…”
ضحكت كيان وهي تطبل بيدها في
الهواء…فقالت الفتاتان بعدم فهم…..
“بطبل…”
هزت كيان راسها بنفي فصاح حمزة بضحكة
منتصرة….
“الراقصة والطبال…”
ضحكت كيان قائلة وهي تصافح اخيها باسلوب
صبياني…
“لماح ياميزو….مع اني كان نفسي العبها على حاجة
كوري بس احترمت جهلكم….”
صفعها حمزة بخفة على مؤخرة عنقها فضحكت
كيان متأوهه متحسسه الضربة….
ثم استرسل حمزة…. “يلا انا هلعب….ركزوا ها….”
حرك يده على شكل عجلة الافلام
السينمائية….فقال الجميع….
“فيلم….”
أومأ براسه مؤكدا ثم رفع اصبعين من يده
فقال الجميع معًا..
“من كلمتين…..”
رفع ابهامه….فقالت كيان بتفكير…..
“تمام….”
هز راسه بنفي…فقالت شهد مفكرة بدقة…
“معلش…..”
زم شفتيه باستياء فتحدث قائلًا
بصبر….
“خلينا في التانيه….وركزوا….”
قبل كف يده من الناحيتين بنظرة راضية…
فقالت قمر سريعًا….
“الرضا….”
هز راسه بتأكيد…فاضافة بابتسامة واسعة….
“كده رضا….”
“جدعة ياقمراية….في امل منك…..”أكد حمزة وهو يضرب يده بكفها كما فعل مع كيان فضحكت قمر بسعادة وانتصار….
قالت شهد بحياء….”الدور عليا انا بقى….”
ركز معها الجميع….فحركت يدها بعشوائية…قال
حمزة باستفهام…
“فيلم يعني….”
هزت راسها بنفي… فقالت قمر بتفكير…”مسلسل….”
هزت راسها بنفي….فسالها حمزة بحيرة…
“أمال إيه…”
قالت شهد بابتسامة مهتزة…
“خبر….خبر حلو ركزوا….”
رفعت أصبعين….. فقال الجميع معًا…
“خبر….. من كلمتين….”
اشارت شهد على نفسها فقال الجميع بنفسًا
واحد بخفوت… “انتي….”
اشارت على بطنها مع رسم ارتفاع اعلى من مستواها…. فقالوا معًا بصدمة….”حااااامل……”
اكدت بابتسامة خجولة….
فتسمر ثلاثتهم بملامح مصدومة ينظروا اليها بأعين
شاخصة….وأول من تحدث كان حمزة الذي سالها
بابتسامة مشدوهة….
“انتي حامل ياشهد ؟!….”
اكدت بوجه متخضب باستحياء….
“ايوا ياحمزة حامل….هتبقا احلى خال في الدنيا..”
ضمها حمزة الى صدره مبارك لها…بينما قالت
قمر وهي تعانقها بعد اخيها….
“مش مصدقة ياشهد…..الف مبروك ياحبيبتي ربنا
يكملك على خير…”
بادلتها شهد العناق قائلة بمحبة
صادقة…
“الله يبارك فيكي ياقمر….عقبال فرحكم…”
قالت كيان بصخب السعادة وهي تعانق اختها
كذلك بحرارة…..
“يعني انا هبقا خالة قريب…دا اي الأخبار الحلوة
دي مبروك ياشوشو…..مبروك ياحلى شهد في الدنيا..”
عانقتها شهد بقوة وهي تشاكسها قائلة…
“الله يبارك فيكي ياكوكي….الخالة إللي هتفسد
أخلاق النونه بدلعها….”
خرجت كيان من احضانها مؤكدة بجذل…
“يجي بس وانا وهو هنخربها….دا هيبقا أول فرحتنا.. الله على الأخبار الحلوة مش مصدقة انك هتبقي
ام ياشوشو .. ”
اسبلت شهد عيناها قائلة بحرج….
“ولا انا ولا حتى عاصم…. بس الحمدلله سعادتنا بالخبر ده متتوصفش….”
قالت كيان بحماسية محببة للقلب….
“طبعًا ياشوشو…ربنا يكملك على خير ويشرف الأستاذ او الأستاذة وينوره البيت….”
ثم القت شروط الخالة الصغرى عن أول مولود
في العائلة….
“بس انا بقا ياشـهـد عايز اسميه في شوية
اسامي كوري انما ايه جامدين…..اي رايك لو بنت
تبقا يون دا معناه الموسيقى الناعمة…او اماي
وده معناه الحب…او هيسو وده معناه الجمال
او اونـ….”
قاطعتها شهد بابتسامة معتذرة….
“كيان مش هتنفع خالص الأسامي دي مع عاصم..
دا عايز يسمي عبد الرحمن على اسم ابوه..ولو
بنت هيسميها شهد على اسمي…..”
زمت كيان شفتيها بعدم رضا…فقالت شهد بعدم
اقتناع…..
“مش معقول هروح أقوله يون…واماي…و اسمها
ايه التانية….”
هتفت كيان بسرعة تحاول اقنعها….
“هيسو…وفيه اونمي وده معناه السرور..”
استلم حمزة دفة الحوار قائلًا بتهكم ساخر…
“والله دي اسامي تجيب اكتئاب مش سرور…الواحد
هيقعد ساعة على مايفتكر الإسم وفي الاخر لما
يجيب آخره خالص هيقولها تعالي يابت وروحي يابت….”
قالت قمر بلؤم وهي تكتم ضحكاتها….
“تصور تتوه منك في الشارع… وتيجي تسال عليها
الناس… هيسو… مشوفتوش هيسو…. تعالوا هيصو
معانا…..”
انفجر حمزة وشهد ضاحكين بقوة بينما كيان ترمق
قمر بعدائية فان تركت نفسها لشيطانها لمزقتها إربًا
الان…..
عقب حمزة وهو يمسح عيناه من الدموع
من شدة الضحك…. “جامدة ياقمراية…..”
قلدته كيان بفم معوج ناظرة لهما بقرف
شديد….”كااامدة ياقميااية…”
ثم اضافة لاخيها بتجهم شرس….
“خليك في حالك انت… اما نشوف هتسمي بنتك إيه..”
رفع حمزة كفه بكبرياء قائلًا…
“لا حاسبي انا متفق مع قمراية… هنسمي بنتنا
ان شاء الله نبوية…”
ضحكت الشقيقتان معًا….فقالت قمر بحنق
شديد…..
“اي اللي بتقوله دا ياحمزة…..احنا اتفقنا هنسمي البنت نجمة….”
عقبت كيان بسخرية لاذعة…..
“نجمة وقمر… يامحاسن الصدف ونعمة الاختيارات
المنيلة…..”
مطت قمر شفتيها باستفزاز….
“خليكي في حالك يابتاعت هيصو….”
قالت كيان بجمود…. “اسمها هيسو…. ياجاهلة….”
كانت شهد مستمرة بالضحك عليهم ويدها على بطنها وحين المتها معدتها من كثرة الضحك قالت بانين
متوسل…..
“خلاص بقا مش قادرة همووت….”
اسكتهم حمزة بتعليق فكاهي….
“اخرسه بقا… هتولدوها قبل معادها….”
ازدادت ضحكات شهد صخب فاصابت الجميع
بالعدوى وضحكوا معها فقالت وهي تنهض من جوارهم…..
“احيه بجد انا قايمة اشوف عاصم بالطريقة دي
البيبي هيفطس من الضحك….”
ابتعدت عنهما شهد وهي تضع يدها على بطنها بتلقائية والابتسامه تشمل وجهها المنير فرحًا
راتها إلهام هكذا من بعيد فغلت الدماء في عروقها
بحقد ودفعها الفضول لتاخذ الخطوة الثانية رفعت الهاتف على اذنها طالبة أقرب شخص بامكانه ان يغذي فضولها وتعرف عن طريقة مالذي تخفيه
تلك الحية….
“ايوا ياخلود…”
…………………………………………………………….
وضعت شهد صنية الحلوى وكاس من العصير امام
صديقتها بقلب شرفة غرفتها المكان الانسب لهن بعيدًا عن الجميع حتى يدردشا كما كانا يفعلا سابقًا..
“وحشاني والله ياخوخه… عامله إيه وبشير وولادك
اي اخبارهم….”
ردت خلود وهي ترتشف من كاس العصير
بتلذذ….
“الحمدلله ماشي الحال… انتي اي أخبارك في
الجواز مبسوطه….”
قالت شهد بتورد….
“اه الحمدلله كله تمام… سمعت انك فتحتي محل ملابس… مبروك….”
هتفت خلود بمسكنة وهي تضع الكوب بعد
انهاءها…..
“إيجار والله ياشهد قاطم وسطي وحياتك… الرزق مش قد كده ومعظم اللي بياخدوا مني هدوم بيشككو… وانتي عارفه الشكك بقا….”
هزت شهد راسها بتفهم مسترسلة بحنو…
“عارفه… معلش واحده.. واحده كل حاجة في أولها
بتبقا صعبة….وحشاني والله ياخوخه… وحشتيني
ووحشتني ايام وقفتنا في المطبخ ومطعم شارع الصاوي… كانت أيام حلوة… ”
وضعت خوخة قطعة من الشوكلاته في فمها
ومضعتها بحسرة….
“برغم انها كانت متعبه بس ايام زي العسل مش هتتكرر….يلا كل واحد بياخد نصيبة واهوه ربنا عوضك هتاخدي من الشغل إيه… ”
غامت عينا شهد بتيه وهي تنظر من خلال سور
الشرفة الى الساحة الخضراء المزدهرة…
“مش عارفه ياخلود… ان جيتي للحق انا هنا
مرتاحة اربعة وعشرين قيراط….بتعامل زي الهوانم
بس برضو حاسه اني فاضية من جوه…”
برمت خلود شفتيها بحقد دون ان تراها
شهد وعندما نظرت اليها شهد ارتدت خلود
الوجه الملائكي المتفهم للتقلبات النفسية التي
تعاني منها صديقة عمرها….
فتابعت شهد موضحة….
“مش بعمل اي حاجة غير اني اكل واشرب اتنقل
من الاوضة دي للجنينة للصالون…. مش بعمل حاجة
مهمة…. حاسه اني مليش لازمه….”
زجرتها خلود بغلاظة…..
“هو في اهم من انك تكوني مرات عاصم الصاوي..
انتي فقرية اوي بجد… مش عارفه انتي عايزة إيه..”
وكانها لم تسمعها شهد فاضافت…
“عايزه اعمل حاجة مفيدة غير قعدت البيت
اللي تجيب أمراض الدنيا دي.. ”
قالت خلود بتبرم….
“والله الشارع بيجيب الامراض الخبيثة… دا انتي كده مرتاحة بلا شغل وقرف وقلة قيمة…”
ثم لمعة عينا خلود فجأه بطمع فقالت
مقترحة…
“بس ممكن تسلي نفسك ونفكر انا وانتي نعمل مشروع صغير سوا انا بالفكرة وبالشغل وانتي براس المال والبركة في عاصم الصاوي….. اي رأيك….”
نظرت لها شهد قليلا ولم تكن ساذجة لدرجة ان
يقوم اي شخص باستغلالها هكذا دون موافقة
مسبقة منها ؟!….
تدعي السذاجة لكنها ليست بسذاجة فمن عرفها
عن قرب وصفها بالئيمة ولا يعرفوا ان اللؤم احيانًا
ينجي من سخافة متصنع الذكاء !….
قالت شهد بهدوء….
“بعدين نبقا نشوف الموضوع ده… الفترة الجايه
صعب اني اتنطط من مكان للتاني بحجة الشغل
عاصم مش هيرضا….”
ضاقت عينا خلود بشك…
“واشمعنى بقا الفترة الجاية في حاجة ولا إيه…”
إبتسمت شهد قائلة بفرحة عارمة….
“انتي مش غريبة ياخوخه.. انتي زي اختي.. اصلي
عرفت اني حامل من كام يوم….”
اتسعت عينا خلود بدهشة ممزوجة بالفرحة فهذا
الخبر حصري ….
“بجاااااد… لا لا… الف مبروك ياشوشو… فرحتلك
اوي… تعالي في حضني تعالي….”
نهضت من مكانها تعانق شهد بقوة والتي استقبلت
المباركة بحرارة……هتفت خلود في غمرة
الفرح الزائف…..
“يالف نهار أبيض مبروك…. مبروك ياحبيبتي…”
بعد ساعتين تقريبًا كانا يخرجا من الشرفة متجهين
الى باب الغرفة قالت شهد بحزن….
“برضو مصممة تمشي ملحقناش نقعد…”
ربتت على كتفها خلود قائلة بتملق….
“الجايات اكتر من الريحات ياشوشو واديني عرفت البيت هبقا اعدي عليكي علطول….”
“دا بيتك ياخلود…استني…” ابتعدت شهد قليلًا الى
طاولة الزينة فتحت الجارور واخرجت عدة أوراق
مالية ثم تقدمت من خلود وهي تمد المال لها قائلة
برفق….
“خدي دول ياخلود….”
ابعدت خلود الأموال ممتنعة وعيناها تكاد تخرج
من محجرها خلفهم….
“اي دا ياشهد انتي بتشتميني… ونعمة مانا واخده
حاجة….”
قالت شهد وهي تضع المال في يدها غصبًا…
“دول مش ليكي دول للكتاكيت الصغيرين جبلهم
حاجة حلوة وانتي مروحه….”
وضعتهم خلود في حقيبتها قائلة بحرج
زائف…..
“كتر خيرك ياشهد… مانتحرمش منك….”
صدح هاتف شهد فنظرت اليه ثم الى خلود
قائلة….
“دا عاصم استني أرد عليه… وانزل اوصلك….”
قالت خلود بسرعة وهي تتجه الى الباب…
“لا والله كلميه وانا هنزل لوحدي هو انا هتوه يعني
سلام عليكم….”
لم تعطي فرصة لشهد للرد بل خرجت سريعًا هابطة
درجات السلم وهي تلتفت حولها….
وعندما وصلت لردهة البيت الفخم رأت الهام تنتظرها
في الصالون المغلق…..
اتجهت اليها سريعًا…. وعندما راتها الهام سالتها
بعجلة وهي تقترب منها بسرعة…
“ها عرفتي حاجة…..”
فردت خلود كفها بدهاء.. “حلوتي فين الأول….”
صاحت الهام بنفاذ صبر فهي تجلس على
شوك منذ ساعتين كاملين…..
“اخلصي ياخلود… على حسب الخبر اللي هسمعه
منك…”
قالت خلود بنظرة منتصرة… “شهد حامل……”
وقع الخبر كسياط على وجه الهام التي وقعت
على المقعد جالسة عليه بصدمة…
“إيه…..انتي متأكده ؟!..”
أكدت خلود بنفس البسمة الماكرة…
“طبعا دا هي اللي قيلالي كده بعضمة لسانها…”
نظرت لها الهام بعجز شاعره بان الأرض تدور
بها في حلقة سوداء….
“بسرعة دي دي مبقالهاش شهرين….”
قالت خلود بحذقًا…
“عادي ياهانم في ناس بتحمل من ليلة الدخلة….”
سالتها الهام بتيه…. “وليه مقلتش لحد….”
قالت خلود بنظرة ماكرة…
“كله عارف… معاد انتي…. اصلها مقلقه منك حبتين
بتقول انها مش مرتحالك….”
ضاقت حاجبي الهام بتساؤل.. “وهي قالتلك كده….”
هزت الاخرى راسها بتكهن…
“مش بظبط…. يعني كلامها بيقول كده…”
انفعلت الهام قليلًا من هول الخبر التي
سمعته لتوها….
“يعني إيه مش بظبط هو انتوا مش صحاب… مش المفروض تحكيلك….”
ارجعت خلود راسها للخلف قائلة…
“لا يبقا انتي متعرفيش شهد… شهد بتقول اللي عايزه تقوله…لو اي بالذي حاصل معاها متقولش
غير بمزاجها حتى لو في ايديكي نجاتها متقولش..”
احتدت نظرات الهام بالكره فتلك الصفة من طباع
عثمان الدسوقي !…بينما تابعت خلود بحذق…
“وبعدين شهد طول عمرها حويطه على حياتها واسرارها بير غويط ملوش قرار…”
نهضت إلهام بعصبية…
“وطالما هي كده هزيتي طولك وجيتي ليه من الاول…”
رفعت خلود حاجبها بتجهم…
“الله…قولت اعمل محاولة..واديها نفعت اهيه
وجبتلك خبر حملها…اللي لسه عرفاه مبقلهاش
يومين…غلط انا….”
هتفت الهام بقرف…
“شكرا طريقك اخضر يلا من غير مطرود…”
صاحت خلود بشراسة….
“لا ياهانم بلاش معاملة مرات الاب دي…انا مش همشي بلوشي…..انا سيبه حالي ومالي وجيت
هنا عشان خاطرك فـ……”
قاطعتها الهام وهي تلقي حزمة من الأموال في وجهها بمنتهى الإهانة وقالت بازدراء…..
“خلاص انتي هتردحيلي….خودي مش عايزة اشوف
وشك هنا تاني….”
انحنت خلود تجلب الاموال من الأرض وهي تسب الهام سرًا التي كانت تقف خلفها تغمغم باستهجان..
“واضح ان وجودك زي عدمه…وكارتك اتحرق من
بعد المطعم اللي اتشمع…..”
بعد ان لملمت خلود الأوراق تبقى ورقتين فقط مدت
يدها لتاخذهم لتجد حذاء أسود يضغط عليهم قبل
ان تطلهم يداها….
رفعت عيناها الى صاحبة الحذاء لتجد عينين عسليتين مشتعلتان بصدمة والغضب…واخيرًا
النفور…..
وقفت خلود سريعًا في مواجهة صديقتها بينما جلست الهام على مقعدها تتابع المشهد الجبار
بعينين شامته…..
رفعت شهد الهاتف امام أعينهن قائلة بهدوء..
“نسيتي تلفونك…. ولما سالت هنية قالت انك
هنا….”
أخذت خلود منها الهاتف وهي تزدرد ريقها بخوف
فنظرات شهد القوية الشاخصة ترعبها…. والاموال التي تركتها تسقط مجددا أسفل اقدامهن صنعت مشهد خسيس بعنوان الصديقة الخائنة……
“شهد انا….”
لم تتوقع ان تنالها منها لكنها تستحقها بجدارة..
صفعة قوية قاسية كانت اشبه بسيف حاد اخترق صدرها فجعلها تشهق باكية منحنية الرأس كمن
يدفن رأسه في الوحل من شدة الخزي والعار……
إبتسمت الهام بتشفي وهي ترى المشهد يزداد
متعة في عيناها…
تلاقت عينا خلود بعينين صديقتها المشتعلة بالغضب
والاحتقار….والتي قالت بوهن
“مش مصدقة انك السبب ورا تشميع المطعم
وسجني يوم بليله في التخشيبة…وضياع تعب السنين….. ”
نزلت دموع خلود بغزارة فلم تلجأ الا للبكاء
في هذا الموقف المريع….فسالتها شهد بحرقة
قلب….
“ليه عملتي كده ياخلود…عشان قرشين زيادة..”
مسحت خلود عينيها قائلة
بصعوبة… “الحوجه وحشة و…”
صاحت شهد وهي توقفها بغضب سائد….
“بس.. بس بلاش الأسطوانة المشروخة اللي بنسمعها
في الافلام الهابطه….انتي لا كنتي محتاجة ولا كنتي في حوجة….ببساطه طماعة وخسيسة…ومطمرش
فيكي العيش والملح ولا الصحوبية اللي كانت
بينا…”
لم تجد شهد رد منها إلا دموع منهمرة على وجنتاها بخزي لم تهزها ابدًا بل كانت تشكك في مصدقيتها فربما هي نادمة على انكشافها لسبب واحد انها
لن تستفيد مجددًا من خلفها..وليس لأنها نادمة على الأذى التي تسببت به لها سابقًا والان !……
مسكت شهد ذراعها قائلة بانفعال….
“اطلعي برا ياخلود…مش عايزة اشوف وشك هنا
تاني….”
كانت سترحل خلود لكن شهد لم تحل وثاقها
بل اضافة بعنفًا قاسٍ….
“بس قبل ماتمشي وطي خدي الفلوس اللي بعتيني عشانها وطي جبيهم زي ماوطيتي راسك قدامها عشان تجيبي فلوس رمتها في وشك….”
هزت خلود راسها ترفض دون كلمة…فقالت
شهد بنظرة مزدرية…..
“بلاش تمثلي ان عندك الكرامة قدامي..وطي
جبيهم….”
بالفعل امتثلت خلود لامرها وانحنت تجلب الاوراق النقدية المتناثره أرضًا امام عينا شهد الشاخصة التي
وقفت جانبًا بساعدين معقودين امام صدرها شاعرة بالمهانة والذل اكثر منها…
وكيف لا ينتابها هذا الشعور المشترك وهم اصدقاء منذ سنوات طويلة وكانوا الأقرب دومًا لبعضهن..
اغمضت شهد عيناها وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها وغصة البكاء التي تهدد بالافصاح عنها
نهضت خلود ونظرت الى شهد نظرة أخيرة
قبل ان ترحل فبادلتها شهد النظرة بعينين
جامدتين ككرتين من الجليد ثم قالت بهدوء
الصقيع…
“ياخسارة ياخلود…. ياخسارة….”
غادرت خلود بعينين تذرفان الدمع تجر خلفها اذيال
الخيبة والحقارة على ما جنى طمعها، خسارة فادحة
صديقة لن تعوضها الأيام ولا السنين….
فكم بقى من العمر لنصنع أصدقاء أوفياء جدد
نختبرهم على مر سنوات طويلة لا نضمن ان
نعيشها كاملة !….
نظرت شهد الى رحيلها بقلب ملتاع بالحزن والفقد
فكل من عرفتهم سبلهم متشابهة اما الهجر او الغدر بها ؟!…
“عرض جبار…”
انتبهت الى هذا التعليق الساخر من فم أمرأه تود
تمزيقها باسنانها…او ربما احرقها في قبو مظلم حتى
لا تلطخ البساط الغالي….
اقتربت منها الهام ترمقها بتشفي متابعة..
“مشهد عن غدر الصحاب…. صعب برضو غدر الصحاب ده قلبي عندك….”
رمقتها شهد بملامح صخرية شديدة البرودة وببراعة اخفت كل مايعمتل في صدرها…
بينما الهام تتابع باسلوب حقير كياد…..
“بس بصراحه تستاهل مش عشان غدرت بيكي
عشان طماعه خدت مبلغ كبير ميستحقش الخبر
اللي سمعته… بس انا قولت اهو نقطة النونه..”
“مبروك ياشهد….”اقتربت منها لكي تعانقها
ابتعدت شهد خطوتين للخلف بنفور واضح
وبنظرة حادة اوقفتها….
فمطت الهام شفتيها باستمتاع لئيم…
“تؤ تؤ تؤ…كده أزعل دا انا عايزه ابركلك… اصلي فرحانه اوي بالخبر ده….”
بلعت شهد غصة حادة تشعر انها تشطر حلقها
لنصفين الان ثم تماسكت قائلة بجمود….
“الفرحة باينه في عينكي يالهام مش محتاجة
تقوليها بلسانك…”
عبس وجه الهام بضيق…فتلونت نظرة شهد
بالخبث قائلة بصوتٍ مبهمًا….
“بس المفروض انا اللي ابركلك… وعشان المشهد يكمل في عينك ويحلو لازم تعرفي آخر الاخبار
اللي انتي بعتي خلود تعرفها مني…. مع انك
لو كنتي سألتيني كنت قولتلك ووفرت عليكي
اللفه دي كلها…”
بلعت الهام ريقها بخوف…..فاقتربت منها شهد الخطوتين الفاصلتين بينهن وقالت بفحيح
مفجع في نفس إلهام….
“جيهان الكيلاني….”
تبادلا النظرات العدائية قليلًا حتى سالتها إلهام
بعدم فهم…. “مالها ؟!.. وانتي تعرفيها منين…”
“انا معرفهاش معرفة شخصية بس عرفت خبر
حصري يخصك أوي….” توقفت شهد عن الحديث
تلاعبها بمنتهى السادية ثم تشدقت بنظرة
متشفية…..
“جيهان دي تبقا ضرتك…. متجوزها جوزك عليكي من
شهرين فاتوا… وانتي ولا هنا مستغفلينك هما الاتنين وملبسينك العمة…
اتسعت عينا الهام بصدمة وجفلت حواسها
مصعوقة… وبدأت تاخذ انفسها بصعوبة…
وهي تسمع شهد تتابع بتبرم مستفز….
“اخيه على غدر الصحاب… هي مش دي برضو نفس جيهان اللي كنتي حضره البارتي بتاعها من كام يوم….وجيبالها هدية… ”
شحب وجه إلهام بشدة وارتجفت شفتيها بانفعال
واضح…فمطت شهد شفتيها باسى..
“تؤ تؤ تؤ…..وجعتك….ياترى الوجع دا كله حب في جوزك ولا حب في ماله اللي هتشاركك فيه واحده
تانيه….”
كادت ان تجلط الهام في وقفتها المتصلبة كتمثال
بلا روح او حياة يرمز لحالة الإنسان عندما يقع
فوق راسه مصيبة كبرى بلا حول منه ولا قوة…..
فاسترسلت شهد ببسمة واسعة ثائرة بالغضب
المكتوم…
“ولا تكونيش خايفه تجيب منه اخ ولا اتنين لابنك
اهو يونسه اخوهم ويشاركوا في الهيلمان معاه..
اي رأيك…انا من ناحية وجيهان من ناحية دي العيلة
هتكبر وتحلو….”
ضحكت شهد بقوة لاغاظتها فجزت الهام على
اسنانها وهي ترمقها بحقد اسود…..فقالت شهد بأسلوب كياد…
“اي ده انتي وشك أصفر وعنيكي احمرت كدا ليه…. تكونش دي أعراض السكتة القلبية….لا حول ولا قوة إلا بالله اسيبك انا بقا تكملي المشهد مع أحزانك…”
استدارت شهد مبتعدة بخطى هادئة ثابته..فانفجر
غضب الهام خلفها بصرخة مكذبة….
“كداااابه….انتي كدااابة…مسعد مستحيل يتجوز
عليا….”
توقفت شهد مكانها ودون ان تلتفت اليها قالت
ببرود….
“مش هتخسري حاجه لو اتأكدتي وطلعتيني
كدابة فعلا…
ولا انتي خايفه تتاكدي واطلع صدقه….”
ابتعدت شهد عنها في لمح البصر تاركه اياها تقف
في منتصف الغرفة بعينين جاحظة ووجه شاحب
قارب على اللون الرمادي من مجرد التخيل بانها
تذق اليوم من نفس الكأس التي تذوقت منه
كريمة سابقًا….كريمة صديقتها….
والتي كان كل ذنبها في الحياة انها وثقت بها وسلمتها مفاتيح كل شيء بمنتهى السذاجة
من أول بيتها حتى قلب زوجها !..
لكنها ليست ساذجة كـكريمة ولن تترك زوجها
لاخرى حتى لو اضطرّت ان تحاربه هو شخصيًا
لن تتردد في فعلها….
دفعت شهد باب الحمام الملحق بغرفتها… ومالت
سريعًا على حوض الاغتسال تتقيأ بقوة بانفاسًا مسلوبة وعينين شديدتا الاحمرار من شدة
الكتمان والضغط…..
بعد ان انتهت فتحت صنبور المياة وبدأت تلطم
وجهها بقوة بقطراتُ الباردة وهي تبكي وتشهق بهيسترية بين خرير الماء العالٍ….
لم تشعر باضعاف هذا القهر كله عندما شمع المطعم وسقط حلمها امام عينيها….
هذا القهر شديد الوطأة ، ببساطه لانها من الاشخاص
الذين يقدسوا الصداقة أكثر من أي شيء آخر لذلك
كانت خسارة خلود فادحة موجعة ومعذبة…
والاصعب من ذاك وذلك انها لن تقدر على العفو أبدًا مهما دارة الأيام…..لن تقدر على العفو !….
………………
بعد مرور( أربعة أشهر) على تلك الأحداث…

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

 كانت تقف في المطبخ بصحبة أميرة وحماتها حنان
التي قالت بفرح وهي تقلب في الإناء….
“الف مبروك يا أميرة…عقبال الشهادة الكبيرة….”
تنهدت أميرة بارتياح والسعادة تشع من عينيها فها هي ابنتها الكبرى تنهي الثانوية العامة ملتحقه بالجامعة… قالت بجذل…
“الحمدلله ياماما… كانت أيام صعبة اوي كنت خايفة
متجبش المجموع اللي بتحلم بيه… الحمدلله كده
تقدر تدخل الجامعة اللي هي عيزاها…الف حمد وشكر
ليك يارب…”
ابتسمت داليدا كذلك وهي تمسح دموعها من اثار تقشير البصل…
“الف مبروك ياميرو عقبال التخرج….تبقى الشهادة في ايدها الشمال والعريس في الايد اليمين….”
ثم استدارت داليدا تتابع ما تفعله فاليوم الجمعة
وقد تجمع أفراد العائلة لقضاء يومًا عائلي معًا….
مسحت داليدا دموعها بعد ان انتهت من تقطيع البصل وخرجت قليلًا لردهة البيت تشم بعض الهواء فرائحة الطعام تقلب معدتها فتشعر بالغثيان كلما استطال وقوفها بالقرب منه…
جلست على أقرب أريكة قابلتها وهي تشعر بالدوار فور جلوسها….ثم فلت تاوه صادم من بين شفتيها بعض ان اصطدمت راسها بشيء صلب كالحجر….
أقترب منها أسامة على عجل قائلًا باعتذار…
“انا آسف ياداليدا مخدتش بالي…. انتي كويسه…”
نظرت داليدا الى الكرة الواقعة ارضًا ثم لعينا
الصبي الوسيم….فقالت وهي تحك جبهتها
“احمرت صح؟…”
اكتفى الصبي بايماءة صادقة فمسكته من ياقة قميصة بغضب مكتوم…..
“اعمل اي فيك… مية مرة اقولك ياتلعب فوق السطح
يافي مدخل البيت… احنا لسه مروقين يا أسامة…”
رد أسامة وهو ينزع يدها عنه…
“تيته مش بترضى تخليني اطلع فوق السطح عشان
عشش البط والفراخ… ومدخل البيت ضيق… خلاص بقا المسامح كريم…”
برمت شفتيها غافرة…..
“عفوت عنك.. فين توامك يحيى… حمبوزو لوي بوزو…”
جلس جوارها قائلًا بهمسًا….
“نايم….داليدا كنت عايز احكيلك سر….”
رفعت راسها للأعلى بملل لعلها تتخلص من
شعور الدوار…..
“بتحب بنت جديدة…سجى ولا نوران….”
قال الصبي بابتسامة واسعة… “اسمها جميلة….”
زمت شفتيها بملل أكبر…. “هممم وبعدين…..”
هتف أسامة بحرارة…
“حلوة اوي ياداليدا…دي بتنور في الضلمة…”
نظرت اليه بطرف عيناها مستفسرة…
“انت عندك كام سنة ياوس اوس.”
رد الصبي بعد ان نفخ صدره
بفخر…
“هكمل الاربعتاشر كمان شهرين…..”
تاففت داليدا متحسرة وهي تخبره…
“اربعتاشر ؟! وكل يومين بتحب واحده جديدة
وبرضو حلوة وبتنور في الضلمة….هي لمض بيتكم بايظة وعايز بديل ولا اي حكايتك…دا احنا مكناش عيال بقااا…”
ثم استرسلت بعد ان انكمشت ملامح
الصبي بعبس…
“تعرف انا كنت بكرش على مين وانا قدك يا
أسامة…على يوچين…ومزال فتى أحلامي
يوچين….”
“فتى أحلامك مين يامدام….”
قصف صوتٍ خشن من أحد الزوايا بهذا السؤال
البارد…
فنظرت داليدا اليه بارتياع بينما ضحك اسامة
بتشفي….
“البس عشان تتريقي عليا حلوو… ”
عندما أقترب سلطان منها بقامة طوله الشامخة
وجسده الضخم العضلي ارتدت للخلف في جلستها
قائلة بدفاع….
“دا دا…..دا كرتون….بطل في فيلم كرتون والله….”
جلس سلطان جوارها بعد ان نهض أسامة…
فقال سريعًا بعد ان لاحظ الكدمة الحمراء في جبينها… “اي اللي في وشك ده….”
“أسامة خبطني بالكورة….”اشارة على اسامة كطفلة تشكو لوالدها….فنظر سلطان للصبي شزرًا….
بينما اتسعت عينا أسامة مبررًا بسرعة…
“اي ده….في إيه يامرات خالي اكيد مش قاصد غصب عني والله….”
انحنى سلطان يجلب الكرة والقاها في وجه
اسامة بخشونة….
“اخر مرة تلعب في الصالة خد كورتك وامشي….”
التقط أسامة الكرة بمهارة قبل ان تصطدم
في وجهه….ثم مالى على خاله قائلا بخبث…
“ماشي…أوعى تنسى تحاسبها على يوچين ده لحسان انا سامع كلام مش كويس عنه بيقولوا
والله اعلم مسجل خطر… فخد بالك بقا منها….”
بعد ان غادر أسامة امام أعينهما ألتفت لها سلطان
قائلا بغيرة….”مين دا بقا فتى أحلامك….”
لوحت داليدا براسها تخفي حماقتها….
“ماقولنا كرتون بطل على ورق….عادي يعني دا الكلام
ده وانا صغيرة انا دلوقتي عقلت وبقيت بحب ناس حقيقيه…”
ضاقت عينا سلطان اكثر…فقالت برهبة….
“برضو ممثلين وميعرفوش اني اتخلقت أصلا….”
ثم تلونت نظراتها بلمعة مغرية مضيفة ببطئ شديد وهي تاسره بشقاوة….
“انت برضو اللي في القلب ياسلطن..هحب مين قدك انت…”
ابتسم سلطان مشيح بعيناه
عنها…
“وبقينا بنثبت كمان….”
قالت بدلال…. “من بعض ما عندكم….”
عاد لعينيها فاصطدم بالكدمة مجددًا فلمسها بيده
قائلا باهتمام….
“احمرت اوي…. خبطك جامد ولا إيه….”
قالت بهدوء…
“عشان الكورة ناشفة شويه علمت….”
“استني اجبلك حتة تلج تحطيها….”ابتعد امام
عيناها ثم عاد بمكعب ثلج…..وضعه على الكدمة
باهتمام يسلب به قلبها وعيناها معه….نظر سلطان
لوجهها مستفسرًا بقلق أكبر……
“بقالك كام يوم مش عجباني….مالك يادودا….”
خفق قلبها مع السؤال فانحنت عيناها بارق
قائلة….
“مش عارفه والله ياسلطان تعبانه اوي…حاسه ان رصيد الصحة بقا زيرو… والنفسية بقت تحت الصفر…”
اقترح عليها….
“تحبي نخرج شوية نتمشى على البحر….”
هزت راسها بنفي قائلة بكآبة…
“لو في يوم تاني هقولك يلا بينا بس حقيقي
مليش نفس لاي حاجة…..”
تافف سلطان قائلا بقلق…
“يبقا نروح نكشف ونطمن ونشوف اي اللي وجعك…”
رفضت داليدا قائلة بتذكر…
“بكرة مش هينفع هروح مع جنة اشتري فستان لفرح
كيان….خلاص مفضلش غير كام يوم عايزة أجهز عشان اروح أقف معاها….”
اوما سلطان براسه قائلا….
“حمزة كمان هيتجوز معاها في نفس اليوم…..وقفنا شغل في المصنع لحد مايرجع……”
سالته باهتمام زوجة….. “فاضل كتير في المصنع…”
رد عليها بفتور….
“فاضل المكن وهنبدا شغل بإذن الله….”
سالت داليدا…
“يعني خلاص خلصتوا الأوراق وجبتوا التصريحات….”
أكد سلطان بتنهيدة متعبة….
“اه الحمدلله كل حاجة بقت قانوني وهنبدا الشغل قريب بعد الفرح باذن الله…..”
وضعت يدها على كتف سلطان قائلة
بمحبة….
“ربنا يوفقكم ياحبيبي… انتوا تستاهلوا كل خير ..”
مسك يدها وقبلها قائلا بارتياح…
“ادعيلنا يادودا نحط رجلينا على أول الطريق وربنا
يكرمنا…انا مبسوط ان حمزة خد الخطوة دي…
وبدا يفكر في مستقبلة وحياته….”
قالت داليدا بابتسامة متزنة….
“واضح انه بيحب خطيبته دي أوي… عشان كده عايز
يبدا حياته صح…. ربنا يسعده….”
هتف سلطان مؤكدًا بشفقة….
“التلات اخوات يستاهلوا كل خير ياما تعبوا وقسو…ربنا يهدي ابوهم……”
رفعت داليدا عيناها للأمام لترى (امال)تدلف الى
ردهة البيت برفقة اسامة وابنتها دنيا في يدها
والتي تتخطى الست سنوات….
قالت بعدائية….
“اي اللي جاب الوليه دي هنا….”
انتبه سلطان لوجود امال فنهض فورًا قائلًا
بحزم…
“داليدا اهدي…الست مش جيالك دي جايه لامي واميرة تبركلهم على نجاح جنة…. مفهاش حاجة يعني….”
تعلقت بيده قائلة بغيرة….
“انت رايح فين….. وسيبني….”
نزع سلطان ذراعه بصعوبة عنها قائلا من
بين أسنانه….
“هضايف الست على ما أسامة ينادي امه…”
عندما اقترب سلطان منهن امام عيناها المشدوهة
اتجهت الصغيرة دنيا اليه قائلة بسعادة….
“بابا سلطان عامل إيه…..”
جحظت عينا داليدا بصدمة
مرددة بذهول… “بابا سلطان إزاي ؟!…”
“اهلا يادنيا ياحبيبتي…..”حملها سلطان وقبلها
بحنان فتعلقت الصغيرة في عنقه فرحب
سلطان بامها قائلا من باب الذوق…
“أهلا يام دنيا إتفضلي…..”
رمقته أمال بعتاب قائلة….
“لولا معزتي للحاجة انا مكنتش دخلت البيت ده تاني..” ثم مسحت عيناها من دموع لم تذرفها…
“انا واخده على خاطري منك اوي ياسي سلطان… دا انت حتى مفكرتش تراضيني بعد اللي عملته مراتك فيا…”
انزل سلطان ابنتها ارضًا معتذًرا….
“حقك عليا…. داليدا كانت اعصابها تعبانه شوية…
تعالي ياداليدا….”
اشار لداليدا بان تتقدم فاقتربت منهما بتلك المشية
المائعة ونظرة الباردة حتى وقفت جوار زوجها الضخم الذي كبلها من كتفها خوفًا من ان تتهور
في اي لحظة…
“تصوري… ام دنيا لسه واخده على خاطرها منك..
مش مصدقة انك مكنتيش تقصديها.. وانك كنتي مضايقه شوية وطلعتي عصبيتك عليها غصب
عنك يعني…. ”
لفهما الصمت قليلًا كانت داليدا ترمق المرأه من أول راسها حتى اخمص قدميها بتعالٍ فقالت بعدها بصفاقة…..
“بصراحة انا كنت قصدة….”
عصر سلطان لحم كتفها بين قبضة يده..
فتأوهت داليدا بتمرد….
“الله براحة…. مانا جيالها في الكلام اهوه…”
اغتصب سلطان الإبتسامة لامال التي لوت شفتيها بعدم رضا…
بينما قالت داليدا بإبتسامة انكمشت معها
ملامحها كمن يمضغ ليمون لاذع…
“بس مش انتي طبعًا ياخالتي ام دنيا…دي واحده حربوءة..بتحاول تخرب عليا اما انتي….انتي اكيد بتتمني ليا الخير باين على وشك السمح….”
اكدت أمال باسلوب مائع مستفز….
“اه طبعًا ياحبيبتي حصل خير…. المسامح كريم
وانا قلبي كبير…..”
نظرت داليدا لجسد أمال الممتلئ ومفاتنها
المكتنزة بصورة مستفزة….فغمغمت بحقد
“مش قلبك بس…. دا كل حاجة كبيرة ماشاء الله….”
ثم نظرت داليدا الى صدرها متبرمة سرٍ..
“انا شكلي هحتاج فتامينات الفترة الجاية….”
خرجت أميرة من المطبخ مهللة
بحفاوة…
“اهلا اهلا باموله عامله إيه….”
سلمت عليها امال بحرارة….
“الف مبروك ياميرو لجنة عقبال الشهادة الكبيرة….”
قالت اميرة بمودة وهي تبتعد عنها…
“تسلمي ياحبيبتي…عقبال ما تفرحي بدنيا…تعالي
تعالي ادخلي نورتينا….”
دخلا معًا الى غرفة الجلوس بينما سحبت داليدا
سلطان من ذراعه هاتفه بغيرة….
“سلطان تعالى هنا عيزاك….”
سار معها الى ان دخلا احد الغرف الفارغة
ثم اغلقت الباب بعصبية فسالها سلطان….
“في اي ياداليدا جيبانا هنا ليه…..مالك…”
سالته على نحوٍ مفاجئ…
“انت اي رايك في الست الكيرفي…..”
انعقد حاجباه باستفهام…. “اللي هي….”
قالت بجنون وبانفاسا عالية….
“اللي هي مليانه وكلها امكانيات في اي ركز….”
اجاب سلطان ببديهية… “اه حلوة دي أوي….”
اشتعلت عينا داليدا فجاة فقال مصححًا الخطأ
“ورفيعة جامدة برضو….كل نعم ربنا حلوة..
بس اي سر الاسئلة الهبلة دي..”
دفعته داليدا في صدره بغيرة مجنونة….
“كل نعم ربنا حلوة ؟!…اي الايمان والتقوى دي..انت بتلغوش على الحوار…..انت بتحب مين اكتر….”
رد وهو يكتم الضحكة…”السمبتيك طبعًا…..”
تشدقت بحرقة….
“كداب… انت كنت بتبص عليها من تحت لتحت….”
تشدق بصدمة… “اي الظلم ده محصلش….”
دبت الأرض بقدمها مصممة…”حصل….”
ضحك سلطان ولف عنقها بذراع واحده مقربها
منه وهو يقول برومانسيه….
“انتي هبلة ابص لمين يابت وانتي جمبي….دا
انتي مغطيه عليها…”
زمجرت بتعنت…. “كداب….”
اتكا على عنقها بخشونة فسعلت وهي تحاول نزع ذراعه القوية بينما يقول سلطان بعذوبة…
“اسمعي يام مخ قد كده….انا بحبك واللي بيحب
بجد لو مين بالذي واقف قصادة.. عينه وقلبه مش هيشوفوا غير حبيبه….وانت حبيبي…..”
حل وثاقها بسهولة..فبدأ قلبها يخفق بسرعة
جراء الكلمات والنظرات في عيناه….فسحبها
سلطان من خصرها قائلا بوقاحة…
“بما انك شدتيني من ايدي ودخلتيني الاوضة وقفلتي الباب علينا….يبقا أكيد بتفكري في
اللي بفكر فيه…”
“سلطان….حد يشوفنا…..”
حاولت التملص منه بدلال لكنه لم يعطيها الفرصة
بل مالى على شفتيها كي يقبلها بقوة ويثبت لها
انها المرأه الوحيدة القادرة على اثارة مشاعره
واشعال جسده بنظرة واحدة…..
انكمشت ملامح داليدا فجأه واضعه يدها على فمها
تمنعه من الاقتراب فشعور الغثيان داهمها مجددًا
بعد ان تخلل عطره رئتيها….
خرجت سريعًا راكضة ويدها على فمها….
“داليدا….داليدا……”
لحق بها سلطان والقلق يفتك به فهذا الأمر تكرر
على مدار أسبوع كامل ومزالت ترفض الذهاب
للطبيب متحججة باي شيءٍ تافه…
وجدها تنحني برأسها بتعب على الحوض بعد
ان إنتهت اقترب منها فقالت داليدا بحرج…
“أخرج ياسلطان بالله عليك….”
“انتي هبلة هقرف منك يعني تعالي…”قالها وهو يدعمها لتستند عليه ثم بدا يغسل وجهها وفمها
وهو يأمرها بصرامة….
“احنا هنروح للدكتورة النهادرة….”
هتفت بخوف… “بس…..”
هتف سلطان بجدية صارمة….
“والله لو اعترضتي زي كل مرة هتدخلي العيادة
متشاله على كتفي…”
اسبلت عينيها خانعة….فقال هو بحنو
“خليكي هنا على ما اخلي أميرة تجبلك عباية تلبسيها…”
…………………………………………….
سائل لزج كالهلام سار على بطنها المكشوفة وهي تستريح بظهرها على سرير الكشف بينما سلطان
يقف خلف الطبيبة التي تجلس على مقعد امام
شاشة سوداء….
بدأت تحرك الجهاز على بطن داليدا برفق وهي
تسالها بعملية…
“اخر مرة جتلك الدورة الشهرية كانت امتى
ياداليدا…..”
قالت داليدا بعد تفكير…. “تقريبًا…من شهرين….”
انعقد حاجب الطبيبة…
“شهرين بحالهم ؟!….اي اللي اخرك عن الكشف
كل ده….”
بللت داليدا شفتيها بحرج مجيبة…
“هي أوقات مش بتبقى مظبوطه ساعات بتتأخر..
عشان كده مشكتش في حاجة هو انا عندي اي يادكتورة….”
قالت الطبيبة بمرح طفيف….
“عندك نونه….زعلان ان مامته لحد دلوقتي مش واخده بالها انه بيكبر جواها ومحتاج رعاية
واهتمام اكتر من كده….”
جفلت ملامحهما معًا وهم ينظرا لبعضهما بغباء
منقطع النظير…فنظر سلطان للطبيبة بعدم
فهم… “يعني إيه الكلام ده يادكتورة…”
قالت الطبيبة بابتسامة مدروسة….
“يعني مبروك مراتك حامل في شهرين كمان…كان
المفروض تبدأ متابعة بدري عن كده…بس مفيش
مشكلة هبقا اكتبلها دلوقتي على علاج وحقن
تخفف الترجيع والدوخة شوية… ”
اقترب سلطان من داليدا وانحنى على ركبته ارضًا يمسك يدها سائلا بعينين تشتعل فجاة كالعاب نارية في سماء قاتمة….”يعني داليدا حامل فعلا….”
اكدت الطبيبة وهي تحرك الجهاز على بطن
داليدا….مشيرة برفق…
“هكدب عليك ليه…دا الجنين أهوه النقطة
الصغيرة دي ..وده نبضه عشان تتاكدوا أكتر.. ”
دوى صوت نبضات صغيرة جدًا ومتسارعة كمن يدب
على الأرض بقدمه بتذمر !..
انهمرت العبارات على وجه داليدا حتى غطت وجهها
وهي تطلق شهقة مصدومة ممزوجة بفرحة عارمة والحنين يضوي في عيناها الباكية لهذا الصغير التي لم تعرف بوجوده إلا الان….
نظرت داليدا الى سلطان و رأت في عيناه نظرة
جديدة عنيفة المشاعر دافئة المعاني ممتلئة
بالعشق لها وللصغير القادم…..
“مبروك ياداليدا…. ربنا يكملك على خير….”قالتها الطبيبة وهي تبتعد الى مكتبها….
ساعدها سلطان على النهوض وعندما وقفت امامه
وتقابلت اعينهما لم تمنع نفسها من البكاء في
احضانه….
راتهما الطبيبة هكذا فانسحبت لبضعة دقائق بصمت
مغلقة الباب خلفها….
ضمها سلطان لاحضانه بقوة هامسًا بصوتٍ متحشرج
في غمرة السعادة والحب…..
” مش مصدق ياداليدا….. انتي حامل… اللي سمعناه
ده نبض قلبه…. حامل في شهرين واحنا…. ”
وبخها وهو يبعدها عن احضانه
قليلًا….
“وإزاي مش واخده بالك كل ده…”
مسحت عيناها وانفها بظهر يدها كطفلة
مذنبة….
“ايش عرفني ان دي أعراض الحمل…”
لانت ملامح سلطان مع نظرة عيناها
البريئة وهي تقول….
“نبضه حلو اوي ياسلطان…سمعته…”
هز راسه بتأكيد وعلى محياه ابتسامة رائعة…
تغضنت زوايتي عيناها بارتياع متابعة ….
“انا هبقا مامي..طب إزاي…انا مش هعرف ابقى
مامي ياسلطان…”
طمئنها سلطان بعطف وتفهم….
“بكرة تتعلمي وتبقي أحلى واحن مامي في
الدنيا كلها… مبروك يادودا….”
ضحكة وهي تدفن راسها في صدره بدلال…
“الله يبارك فيك….خدني في حضنك ياسلطان
انا بردانه أوي من ساعة ماسمعت الخبر…”
ازدادت الإبتسامة عمق على محياه فضمها لصدره
يبث بها الحب والطمأنينة…ولسانه يتمم الحمد
والشكر لله…
……………………………………………………………
ابعدت الغطاء عن جسدها ببطئ وهي تنظر الى
ذراع زوجها الذي يكبلها من خصرها وهو نائم.
وكأنها ستهرب منه….
ابتسمت شهد بقنوط وهي تنزع ذراعه ببطئ…عنها ناهضة عن الفراش….
ارتدت مئزرها الحريري الطويل على المنامة المماثلة
له….ثم خرجت من الغرفة تسير على اطراف اصابعها
كالصوص…..
سحبت مقبض الباب خلفها واغلقت إياه بحرصٍ شديد…..تنفسة الصعداء وهي تضع يدها على صدرها
كمن يفعل جريمة شنيعة……
هبطت على السلالم بنفس الحرص حتى لا تصنع
بلبلة في المكان فالجميع نائم والساعة تشير لمنتصف
الليل…..
اثناء ذلك وضعت يدها على بطنها هامسة الى
طفلها المشاغب الذي يدفعها لاختراق القوانين…
“عجبك كده يا أستاذ….أبوك لو صحي دلوقتي
وملقنيش جمبه هيقول علينا إيه بس….”
دلفت الى المطبخ وهي تتحدث اليه دون ملل
او كلل تشاركه الحديث والجريمة كذلك….
“وبعدين….اي الوحم ده…مش فاهمة فين الشوكلاته
والفاكهة اللي المفروض تتوحم عليهم….”
اخذت العلب وبدأت ترصها على الطاولة مغمغمة
بحسرة….
“بتتوحم على مخلل…..مخلل ؟!…”
اخذت طبق ووضعت فيه انواع المخلل التي
وجدتها واكثر نوعين كانت تشتهي تذوقهم الخيار
والجزر….
بدأت تاكل بنهم وكأنها لم تاكل منذ الدهر…كانت
تاكل بشكلا مريع متلذذه بطعم الخضروات المنقوعة بالملح مذاقها شهي ورائحتها ذكية تروقها بشدة…
لم تكن من محبي الاكلات المالحة ولا المخللات
بانواعها لكن منذ ان بدأ الوحم وهي تشتهي كل
ماهو ممزوج بالملح بشكلا مبالغ وخطر… احيانا
ايضًا تزيد في وجباتها العادية الملح حتى تتمكن
من الأكل…..
هذا الأمر أصبح خطر عليها ونصحتها الطبيبة بالابتعاد عن تلك الوجبات المالحة…وحذرها
عاصم خوفًا عليها وعلى الجنين..
وها هي تخترق القوانين بعد يومين من الامتناع
وتعود للمخلات اللذيذة مالحة المذاق التي تلمع
في مائها ذائبة وكانها تذوب في العسل….
رفعت خيارة مخللة على فمها وقضمتها باشتهاء
وهي تئن باستمتاع فمذاقها شهي لدرجة تجعلها
مهما أكلت لا تكتفي وتطالب بالمزيد….
ان علم عاصم سيغضب منها بشدة….
وضعت يدها على بطنها تتحسسها برفق قائلة
بدافع الامومة….
“كله يهون ياقلبي المهم ننبسط انا وانت….”
سمعت صوت خطوات بالخارج تتقدم من
المطبخ فاتسعت عيناها بخوف وهي تحمل طبق المخلل وتجلس أسفل الطاولة تختبئ وفي فمها تتعلق قطعة من جزر المخلل….
بدأت تقضمها ببطئ وعسليتاها متعلقة على باب
المطبخ بارتياب….
دلف عاصم وهو يبحث عنها بعينين ناعستين فانتبه
لعلب المخلل المفتوحة على سطح الطاولة…
تركت خلفها آثر… اين هي ياترى….
اغمضت شهد عينيها بخوف وهي تعض أصابع الندم
ما كان عليها الخروج من الغرفة ماذا ستفعل الان ستكون امامه كطفلة مشاغبة لا تسمع الكلمة !..
راها عاصم أسفل الطاولة تجلس مربعة الساقين تضع امامها طبق المخلل وتاكل منه وهي شاردة العينين تفكر في الخروج من تلك الورطة…
رفع عاصم راسه للاعلى مبتسما فمنذ ان بدا الوحم
وهو يعاني معها بصورة مضحكة….
أنقلبت بشدة هرموناتها في الأربعة أشهر الماضية أصبحت شديدة التذمر سريعة الخصام… وليس البكاء بل الخصام دون حتى ان يفهم مالذي
ازعجها تتركه وتنام وتضع الوسادة بينهما
كحاجز مانع عنه…..
ولكنه في كل مرة يخترق حاجزها وعقلها الصلب ويشبع خديها وشفتيها بالقبل حتى تلين في احضانه مسيطرًا هو على تقلباتها السخيفة التي تخلقها من اللاشي…
حتى انها أصبحت اكثر حرارة في علاقتهما الحميمية
اكثر تجاوبًا واشتياقًا له عن السابق….وكان للوحم تأثير قوي عليها فقد فجر انوثتها المتطلبه للكثير
من الحميمية والتدلل منه….
وهذا كان يرضيه بشدة كرجلا يعشقها بجنون…
اما عن وحم الطعام فهي تشتهي كل ماهو ممزوج
او منقوع بالملح تاكله دون ذرة تردد واحده…
وقد أخذت اكثر من إنذار منه ومن الطبيبة ان المبالغة في الاكل المالح بهذا الشكل خطر على صحتها هي والجنين…..
لكن يبدو انها لا تبالي وكسرت القوانين من جديد
دون مراعية لاي أحد….
هل الوحم يلغي عقلها ويفقدها صوابها لهذا
الحد؟!…
مالى أسفل الطاولة ببساطه وسحب طبق المخلل
من أمامها كمن يعاقب قطة مشاكسة كي تخرج من حجرها وتعتذر…..
“اخرجي من عندك…..”
جملة واحده صارمة جعلتها تجفل في مكانها فانحنت
بخنوع تسير على ركبتها حتى خرجت امامه واقفة
كالمذنبون….
“احنا قولنا اي على المخلل ؟!!….”
قالت وعيناها مثبته ارضًا….
“كنت جعانه…. ولقيتوا قدامي…”
نهض عاصم ووقف امامها قائلًا بعتاب
حاني…..
“مفيش حد بياكل مخلل بطريقة دي.. والتلاجه
مش فاضية وانتي عارفة كده كويس….”
نظرت لعيناه بمسكنة قائلة بحزن…
“ياعاصم انا مش قادرة ابعد عنه… مينفعش يعدي
عليا يوم من غير ما اكل حاجة مالحة… بالله
عليك….”
زمجر عاصم بصرامة…
“بالله عليكي انتي اسمعي الكلام..الدكتورة قالت
كتره غلط….”
قالت شهد بدفاع….
“اديك قولت كتره غلط انا مكترتش انا كلت
وحدتين بس…..”
نظر عاصم للعلب المفتوحة على سطح الطاولة ثم للطبق الممتلئ نصفه بعد ان انهت النصف الآخر
“كل ده وحدتين وكمان كدابة….”
“خلاص بقا هاكل اللي في الطبق ومش هاكل
تاني خالص….”انحنت تاخذ الطبق لكنه ابعده
عنها رافضًا بحزم…..
“لا كتير…. كفاية عليكي دي….”
اعطاها عاصم شريحة من الخيار المخلل…فاخذتها
شهد وقلبتها بين يدها بعدم رضا….
“دي مش هتعمل حاجة ….”
حرك عاصم حاجباه بذهول….
“يعني اي مش هتعمل حاجة ياشهد…انتي ليه
محسساني اني بديكي ممنوعات….”
قالت شهد باشتهاء….
“دي احلى من الممنوعات هات واحده كمان
خليك جدع بقا ياعصوم….”
نظر لها بارتياب….
“عصوم ؟!….”ثم زم شفتيه وهو يعطيها قطعة
اخرى بعطف…..
“اتنين اهم مرضية كده….”
أكدت شهد وهي تمضغ بلذة
كبيرة..
“اه طعمه حلو أوي هات زتونة بقا…..”
رفض عاصم بحزم…. “ولا الهوا تعالي….”
وجدت نفسها ترتفع عن الأرض بين ذراعيه
القويتين…فقالت بخجلا وهي تنظر حولها
“عاصم بتعمل إيه حد يشوفنا….”
سار بها لخارج المطبخ صاعدًا درجات السلم…
واجابها بلا مبالاة….
“مايشوفونا هو انا خطفك… دا انتي مراتي…”
ابتسمت وهي تتعلق في عنقه بسعادة فمالى
هو عليها في لحظة خاطفة متشرب من رحيق
شفتيها الامعة اثار الأكل…
ابتعد عنها معلق وهو يداعب انفها بانفه
بحب….
“طعمها بقا مالح كده ليه…. فين الشهد ياشهد…”
قالت بابتسامة جميلة… “مش عجباك ولا إيه….”
قال بمراوغة جميلة أمام عيناها…
“وهي مسكرة طعم….وهي مالحة طعم تاني
مسكر برضو….”
مالى يقطف قبلة اخرى أشد حرارة من السابقة
وهو يدلف بها الى غرفتهما….
وضعها على الفراش وسحبها لاحضانه وشفتاه
مزالت ترتشف من عسلها المالح…..
ثم بعد لحظات اطلق سراح شفتيها لياخذا انفاسهما المسلوبة معًا همست شهد بضعف وهي تغرز اصابعها في شعره الغزير بمداعبه لطيفة…..
“عاصم…..”
قربها منه اكثر وهو يزمجر بتملك….
“أول واخر مرة تقومي من جمبي ياست الحُسن..
خضتيني عليكي….”
قالت بحرج وهي تدفن جسدها الصغير بين ذراعيه
وصدره العريض…..
“غصب عني ابنك صحاني من احلاها نومه.. ونفسي
راحت على المخلل….”
سالها وهو يأسر عيناها بالحب….
“وافرضي ملقتيش مخلل كنتي هتعملي إيه…”
قالت بعفوية وهي تنظم انفاسها بعد
هجومه العاطفي….
“كنت هاخد اي حاجة تقابلني ازودها بالملح واكلها..”
فلته منه ضحكة صغيرة يائسه فانحنى حاجبي
شهد بحزن…..
“ياعاصم اعمل إيه… غصب عني الوحم جاي
كده…. مش ذنبي والله….”
اوما براسه وهو يتحسس وجنتها بابهامه بتفهم
حاني….
“عارف والله.. وانا غصب عني برضو اني احرمك من حاجة عيزاها بس خلينا نسمع كلام الدكتورة ونخف شوية حوادق هي قالت كلي بس في المعقول….”
قالت بشفاه مقلوبة….. “هحاول….”
سارت يداه على مفاتنها بوقاحة
قائلًا…
“بما اننا صحينا سوا… تعالي احكيلك حدوته…”
حركت اهدابها بخجلا….. “حدوته قليلة الادب؟!….”
اكد وهو يطبع قبلة على انفها
الأحمر…
“بظبط…. تحبي تسمعيها….”
هزت راسها بحرارة قائلة
بجرأه… “احب أوي قول…..”
طالت نظراته العاشقة على عيناها العسلية اسفل الاضاءة الخافته فكانا يشعان بجملًا كشهب
ذهبية…..همس بصوتٍ عذب….
“بحبك اوي ياست الحُسن….”
اختلج قلبها بين اضلعها بعاطفة جياشة..
فقالت بابتسامة مشاغبة….
“دي حدوته رومانسية كده….”
هتف بخبث….
“ما قلة الادب جايه أصبري….”
تخضبة وجنتيها سريعًا فقال هو بضحكة
صغيرة جذابة…
“بموت فيكي وانتي بتحمري كده بتبقي شبه الطماطم الحمرة… عايزة تتكلي أكل…”
رمشت شهد باهدابها للحظة شاردة لبرهة عنه
ثم عادت اليه قائلة….
“تعرف نفسي اكل طماطم عليها ملح ورشة بهارات
بس هنحط ملح كتير عشان تتاكل وتبقا طـ….”
اسكتها عاصم بملامح واجمه….
“شهد ركزي معايا وسيبك من الملح اللي نقعه مخك
فيه من ساعة مالوحم اشتغل….”
انكمشت ملامحها بعدم رضا وقالت
بحدة..
“اي نقعه مخك في ملح دي… قصدك إيه…
لو سمحت انا مسمحلكش وسع كده….”
انتفضت فجأه من مكانها وسحبت وسادة
مربعة ووضعتها بينهما وهي تشن الحرب عليه
بنظرة باردة…فسالها عاصم وهو يكتم ضحكاته
بصعوبة….”بتعملي إيه؟…”
غمغمت بخصام…. “هنام عندك مانع…”
سالها بعبث…. “طب والحدوته….”
قالت بتهكم وهي توليه ظهرها….
“انا كبرت على الحواديت يامعلم عاصم…”
“بس انا بقا مكبرتش يامعلمة شهد….”ادارها اليه
عنوة عنها نازع الوسادة بينهما وملقيها ارضًا…
هتفت بدهشة….”عـاصـم….”
كان آخر شيءٍ تقوله فمن بعدها اغرقها في
طوفان عاطفي عنيف استسلمت داخله مع
أول همسة حب وقبلة حانية….
……………………………………………………..
في صباح يومًا جديد هبطت شهد على السلالم
بحرص وعلى اذنها الهاتف قالت بابتسامة رقيقه..
“ياكيان ساعة بظبط وهتلاقيني عندك…مش هتأخر”
صمتت تستمع لها وبعد ان انتهت ردت شهد
عليها….
“اه هبات الكام يوم دول…اه هقوله اكيد وهأكد
عليه كمان….ماشي سلام ياحبيبتي…سلميلي
على قمر..”
اغلقت الهاتف وهي تزفر بتعب متجهة الى الخارج حيث ورشة عاصم القابعه بجوار السرايا الكبيرة
اثناء سيرها وجدت من يعرقل طريقها بالوقوف
أمامها فرفعت شهد عيناها إليه من باب الذوق
القت التحية….
“صباح الخير….ازيك يا يزن….”
ابتسم يزن وعيناه تتلون بتلك النظرة الغريبة
والمعة المريبة….قال يزن بصوتٍ عذب….
“صباح النور ياشهد…اي أخبارك….مبروك على الحمل…”
وضعت يدها على بطنها بتلقائية…
“الله يبارك فيك….”
ازداد توهج عيناه فقال…..
“لو احتاجتي اي حاجة…انا موجود….”
قالت شهد بمناغشة….
“بس دا مش تخصصك يادكتور….”
وضع يده في جيب بنطالة بزهو…
“اديكي قولتي دكتور اكيد هيبقا مني فايدة…”
قالت شهد بابتسامة متزنة…
“اكيد لو وقفت عند حاجة هبقا استشيرك..واهوه نختبرك بالمرة عشان نطمن بعد كده على المرضى معك..”
ثم استرسلت بفتور…..
“صحيح عرفت من عاصم انك نجحت مبروك
عقبال شهادة التخرج….”
ضاقت عيناه بشقاوة قائلا…
“مبروك كده حاف…مفيش هدية كدا ولا كده….”
عضت على باطن شفتيها بحرج ثم بعد ثانيتين
قالت حتى تحفظ ماء وجهها….
“لا ازاي انا ناوية اجبلك هدية طبعا بس مش النهارده….”
سالها مستمتع برفقتها جدًا…. “لي كده؟!..”
اجابت شهد بهدوء….
“يعني الكام يوم دول هبقا عند اهلي عشان فرح اخواتي وكده…بس وعد هجبلك هدية في اقرب وقت….”
همس يزن بصوتٍ خافض…..
“اديني مستني….انتي الوحيدة اللي هستنا هديتها
على نار…..مع إنك لوحدك أحلى هدية ممكن الواحد
ياخدها….”
رفعت شهد حاجبها بوجل وقد رجعت خطوتين للخلف بصدمة فـتعثرت وكادت ان تسقط على ظهرها…..
تعجل يزن في لمح البصر ومسك ذراعها بقوة قبل
ان تسقط ولفظ بخوف….”حاسبي….”
نظرت شهد الى يده القابضة على ذراعها ثم لزرقة
عيناه واللهفة البادية على وجهه فوقعت في هوة
مظلمة مخيفة وتشوشت الرؤية وتضاربة الافكار
داخلها… ثائرة رافضة تصديق هذا الاستنتاج الـ
المتدني……
“يـزن…..اي اللي بيحصل هنا….”صاحت بها إلهام من أعلى السلم بعد ان رأت هذا التقارب الغير بريء ابدًا بينهما للمرة الثانية….
سحبت شهد يدها بملامح واجمة وعينين جامد
على هذا الشاب غير مصدقة انه ممكن ان يكون
هزت راسها ترفض التصديق فهي لم تكن متهاونة معه ابدًا في التعامل ليفكر بها بتلك الطريقة التي
راتها في عيناه….
انه الأقرب الى عاصم وعلاقتهم رائعة كالاب
والابن ؟!…
رد يزن على امه
ببرود….
“كانت هتقع فـبسندها….”
انسحبت شهد سريعًا عنهما كمن قرصتها
حية…”عن اذنكم….”
بعد ان ابتعدت شهد بخطوات سريعة مسكت
الهام ذراع ابنها وسحبته معها الى غرفة المكتب
الخاصة بوالده……اغلقت الباب ونظرت اليه شزرًا..
“اللي بتعمل دا غلط…”
رد يزن بعناد متهكمًا….
“اي اللي بعمله ياماما….ماقولتلك كانت هتقع…”
هتفت الهام من بين اسنانها بغضب….
“بص لعينك في المراية وانت بتبصلها…انت
مفضوح يابن مسعد…..أوعى تكون….”
هتف يزن بعصبية…. “ايوا بحبها…..ارتاحتي….”
اتسعت عينا الهام ووقع قلبها بين اقدامها
برعب…..وهي تشعر بانه لطمها بقوة….
“انت اتجننت دي مرات عاصم…ابن عمك…”
أردف يزن بنزق……
“اديكي قولتي ابن عمي يعني مش متحرمه عليا
لما تطلق منه….”
شهقة الهام وهي تنظر الى ابنها بعجز وكأنه حالة
ميئوس منها…
“فووق يايزن…انت واعي لنفسك….البت دي عملت
فيك إيه…..”
ابتسم يزن بهوس وهو يتذكر صورتها وهي
تبتسم له…..فقال بجنون….
“قولي معملتش إيه…بقولك بحبها….ومستعد أعمل
اي حاجة عشان تبقا معايا….”
ظلت الهام واقفه مكانها مصعوقة وهي تسمع
هذا الجنون على لسان ابنها الوحيد….فصاحت
بقسوة…..
“انت اكيد جرا لمخك حاجة….انت كده بتضيع
مستقبلك… بضيع كل اللي عملته عشانك… ”
رمقها يزن بنظرة باردة وكاد ان يرحل لكن الهام
تعلقت بذراعه قائلة بغضب أسود…
“رايح فين وسيبني….فوق ياما والله اطربقها
فوق دماغك ودماغها….”
بنظرة ونبرة غير مبالية اجابها….
“ياريت تعملي كده هتقصري عليا المسافة…”
نشبت في ذراعه بقوة وهزت جسده بعنف…
“انت اتجننت لو عاصم عرف… دا يقتلك ويقتلها…”
نزع ابنها يداها عنه قائلا
ببلادة…
“لم يبقا يعرف بقا….سلام…..”
خرج يزن امام عيناها الجاحظة بشكلًا مريع
فوقعت على أقرب معقد متمتمة بكراهية…
“البيت بيتهد فوق دماغي……كل حاجة بتضيع…”
رفعت الهاتف على اذنها صائحة بهيجان…
“عملت اي يازفت بقالك أربع شهور بترقبه مجبتش خبر عدل….”
رد الشاب على الناحية الآخر….
(الله ياهانم مش كنت بتأكد وبجبلك الاخبار السقع..)
مطت شفتيها بازدراء.. “واي هي الأخبار السقع….”
أخبرها الشاب بهدوء…
(الباشا بيتردد كل كام يوم كده على شقة في الـ***
لما استفسرت عليها عرفت انها باسم وحدة ست اسمها چهيان الكيلاني…..)
تلقت صفعة اخرى أشد قسوة من السابقة…
فقالت بصعوبة…. “انت متأكد….”
أكد الشاب بثقة أكبر…..
(الا متأكد دول ساعات بيطلعوا مع بعض منها قدام
عيني يقضوا اليوم سوا….)
“ابعتلي العنوان في رسالة…..”قالتها الهام ثم اغلقت
الهاتف وهي تنظر الى الفراغ بنفسًا سوداء وصدر
مختنق هاتفه بتوعد……
“ماشي يامسعد…..يانا يابنت الكيلاني….”
………………………………………………………..
دلفت شهد الى غرفة الورشة فوجدت عاصم يجلس
على مقعده في فمه مبسم الارجيله وفي يده قطعة
من حجر الزمرد البراق يقلبها بين يده بعينين ثاقبة
زارت الابتسامة وجهها الحزين فاقتربت منه
قائلة بغضب طفيف….
“احنا قولنا إيه على الشيشة يا معلم عاصم….”
رد مبتسمًا وهو يشير لها بان تقترب.
“دا مزاج يامعلمة شهد ومينفعش ابعد عنه…هي
عندي زي المخللات عندك كده…”
ضحكت بحرج وهي تقف جواره…
“طب الوحم ده حاجة مؤقته ومصيرها تنتهي
مش مزاج زي مانت لسه قايل….”
ترك مبسم الارجيله وركنها
جانبًا….
“اتعودت عليها هي والسجاير….”
هتفت شهد بقلق….
“غلط ياعاصم….صحتك ياحبيبي….”سحبها الى
احضانه واجلسها على ساقه قائلا وعيناه تتشرب
من حُسنها…..
“هحاول اخف منها عشان خاطر حبيبي دي بس..”
ثم مالى عليها طابع قبلة الصباح على وجنتها المتوردة….. “صباحك زي الشهد….نمتي
كويس امبارح….”
قالت بعينين جميلتين وهي تعبث في زر
قميصه …..
“اه كويس أوي…انت اللي قومت من جمبي
المرادي أهوه….”
اشار لها على الطاولة القابعة امامهم…
“طلبيه مستعجلة وكان لازم اشتغل عليها…”
اومات شهد برأسها بتفهم…فمسح هو على
وجنتها بابهامه وعيناه تاسرها بالحب…..
“مالك ياشهد شكلك زعلانه…”
“مفيش حاجه ياحبيبي…..”ثم نهضت فجأه ودارت
حدقتاها في المكان قائلة بجذل….
“المكان شكله حلو أوي….وكان الواحد دخل منجم
دهب….”
كانت الورشة رغم صغرها إلا انها تحتوي على كل
ماهو ثمين وباهظ الثمن….تفوح منها رائحة غريبة
ومقبولة كذلك….منظمة بشكلًا رائع كل شيءٍ في صناديق خشبية مخصصه لها….
مسكت شهد احد سبائك الذهب الصغيرة الموجوده في صندوق خشبي متوسط الحجم….سالت بعفوية
“بتصنع من دول الخواتم والسلاسل….”
اردف عاصم بمزاح…..
“اه…..تحبي تاخدي واحده….”
ضحكت بدهشة وهي تنظر الى سبيكة الذهب اللمعة بشدة بين يدها….
“اي ده ؟!! وكانك بتديني شوكلاته…”
“تساوي كام دي….”
ضيق عيناه لبرهة وهو يخبرها بعملية….
” على حسب الوزن…دي سبيكة دهب عشرة جرام
دهب صافي…حاليًا سعرها.*….”
رفعت حاجبها بذهول بعد ان نطق السعر…فقالت وهي تدور بعيناها في المكان…
“يااه….دا انت مش لازم تسيب الورشة كده…”
رد عاصم بهدوء…..
“مقفولة اكتروني مش بتفتح غير ببصمة الايد..
وبكلمة السر….”
سألته بنظرة شقية… “واي هي بقا كلمة السر…..”
سحبها مجددا لاحضانه واجلسها على ساقه
قائلا…..
“تاريخ أول يوم شوفتك فيه زي اللي محفور
على الدبلة…”
اشار على الحلقة الفضية في اصبعه…فقالت
شهد بدلال….
“اي الرومانسية دي كلها….بتحبني اوي كده.. ”
“بموت فيكي….”قالها وهو يدفن وجهه في عنقها
طابع القبل على جيدها…..
قالت شهد بضعف وهي تداعب شعره
باصابعها…”عاصم….”
اكتفى بهمهمات خشنة…فقالت شهد بخفوت…
“انا كلها ساعة وهروح عند اهلي زي ماتفقنا هبات
الكام يوم دول معاهم…انت عارف بقا الفرح والتجهيزات….”
رفع راسه اليها قائلا بوجها عابس….
“مع اني مش بالع حتة مبياتك بعيد عني الكام
يوم دول بس هعمل إيه ظروف وحكمت…”
مررت يدها على لحيته السوداء
المشذبة…
“انا كمان مش حبه ابعد عنك…”
هز رأسه بنفي قائلا وعيناه تسافر فوق ملامحها
الجميلة المتوردة بسعادة الحب….
“كدابة ياست الحُسن انتي ما صدقتي تبعدي عني
وترجعي تقعدي مع اخواتك…. هو انا مش بشوفك
وانتي قاعده معاهم بتبقي عاملة إزاي… ”
سالته بحيرة…. “ببقا عاملة إزاي؟!….”
رد بصوتٍ غلبه الحزن….
“بتبقي حد تاني ياشهد….ببقا نفسي تبقي معايا
كده..”
هتفت شهد مستنكرة هذا الاتهام…
“اي الكلام ده ياعاصم…وانا ببقا معاك ازاي يعني..”
اخبرها بصدق احساسه نحوها….
“بحسك بعيد ياشهد حتى وانتي في حضني..وكأن
في حاجه بتشدك بعيد عني….”
تسمرت مكانها تنظر اليه بتيه…..فابتسم عاصم
مغير الموضوع قائلا بمزاح…..
“مجرد احساس…واضح ان المعسل ده في حاجة..”
ساعدها على الوقوف قائلا بهدوء…
“يلا اطلعي اجهزي عشان اوصلك في سكتي
وبعدها اطلع على الصاغة أكمل اليوم هناك….”
…………………………………………………………….
وصل الى الصاغة منذ ساعة ونصف تقريبًا بعد ان اوصلها وسلم على اهلها مبارك لهما…
كان يجلس خلف مكتبه يقلب في ملفات
الحسابات…فدلف اليه صديقه حكيم الذي هلل
قائلا باسلوب فكاهي….
“اي ياحولم اي أخبارك….”
رد عاصم بترحيب…
“بخير ياحكيم….انت عامل إيه.. قعد….”
هتف حكيم بعتاب بعد ان جلس…
“اي ياعم هو الجواز هيفضل لحد إمتى واخدك
مننا..من ساعة ما اتجوزت من البيت للصاغة ومن الصاغة للبيت اي حكايتك هي المدام حالفه عليك
ولا إيه….”
ضحك عاصم يشاكسه بالقول….
“مش كده ياحكيم بس تقدر تقول لسه عريس
جديد….وفي شهر عسل… ”
فغر حكيم شفتيه قائلا باستنكار….
“فين شهر العسل ده دا كلها كام شهر وتشيل حولم
الصغير….وبعدين مانا عملت شهر عسل اكتر من تلات
مرات مخدتش جمب منكم ليه…كنت بخرج وبروح
وباجي…..في اي ياعصوم دا احنا لينا حق عليك
برضو ياجدع…..”
أغلق عاصم الملف قائلا باستسلام…
“خلاص ياحكيم انت هتاكلني…كده كدا المدام عند اهلها الكام يوم دول عشان فرح اخواتها….رتب انت السهرة وانا هاجي….”
قال حكيم بهدوء…
“سهرتنا على البحر… مش وحشك الصيد ولا إيه…”
ارجع عاصم ظهره للخلف قائلا بايجاز…
“لا إزاي وحشني الصيد وقرك عليا طبعًا كلم
مينا….نقضي اليوم هناك بعد ما نخلص شغل…”
ساله حكيم باهتمام….
“ماشي الكلام….بس انت مالك كده مش عاجبني..”
أطلق عاصم زفرة ثقيلة ثم أخبره بتجهم…
“مش عارف ياجدع الشقة لحد دلوقتي مجهزتش
وكل ما كلم المهندسة اللي مسكه التشطيب تقعد
تتحجج بألف حجة….”
قال حكيم بسرعة…
“غيرها… انت بقالك قد إيه مستني؟!….”
لوى عاصم فمه قائلا بجزع….
“من قبل الفرح بقالي ست شهور مستني…المفروض
كنت استلمها من تلات شهور فاتوا….”
عقب حكيم متعجبًا..”طب غيرها مستني إيه….”
تنهد عاصم قائلا بخشونة….
“مش عايز اقطع عيشها المهندسة دي انا عارفها كويسة ومسكتها شغل قبل كده ليا و لناس حبايبي وكانت بترفع راسي قدامهم والكل بيحلف بذمتها
وشطارتها في الشغل….بس مش عارف خابت لي
كده…. ”
هتف حكيم باستهجان….
“غيرها خليك تخلص….شكلك مش مرتاح في بيت
العيلة….”
قال عاصم بصوت اجوف….
“بيني وبينك ياحكيم انا عايز اعيش انا ومراتي في مكان لوحدنا….انت عارف اللمه بتخلق مشاكل ووجع دماغ وانا كل اللي يفرق معايا في البيت ده الحاجة نصرة ويزن من بعدها….”
ساله حكيم…. “وناوي تعمل إيه….”
عزم عاصم الامر قائلا…..
“اخرها معايا الأسبوع ده….لو فضلت على كده
هديها بقيت حسابها وهجيب مهندس تاني يكمل
الشقة مكانها….”
…………………………………………………………..
وقفت امام المرآة بثوب الزفاف الأبيض تتمايل
يمينًا ويسارًا وعلى شفتيها إبتسامة واسعة وعينيها
الفيروزية تشع ببريق أخذ….
فتحت شهد الباب ودخلت إليها
سريعًا…. “كيان اسمعـ…..”
توقفت شهد عن الحديث وهي تنظر الى اختها الصغرى التي أصبحت عروس جميلة ترتدي ثوب زفاف رائع من تصميم قديم الطراز يبحث عنه
بعض العرائس في العصر الحالي فهو يحمل
الرقة والحشمة والاناقة.. به العروس تكون
كالفراشة البيضاء شديدة الجمال والجاذبية….
“لما حكتيلي في التلفون….جه في دماغي حاجة
تانيه خالص مصدقتش ان الفستان بالجمال ده..”
قالتها شهد وهي تجلس على حافة الفراش تتأمل
اختها بمحبة….
عادت كيان للمرآة تتأمل الثوب بتأني
وهي تقول بهيام….
“كانت مفاجأة حلوة اوي ياشـهـد….”
قالت شهد بتوله… “طب احكيلي من الأول…..”
قالت كيان بعينين متبسمتين….
“ياشـهـد دي تالت مرة احكيلك….”
قالت شهد بمناغشة….
“احكي المرة الرابعة….نظرتي اتغيرت خالص عنه
بعد اللي عمله واللي بيعملوا عشانك…”
اقتربت منها كيان وجلست جوارها قائلة
بوله….
“انتي بتقولي فيها الأربعة شهور اللي فاتوا دول
سليم حرفيا كان بيعمل كل حاجة عشان يسعدني
ويكسب ثقتي….”
سالتها شهد بلؤم…
“وياترى بقا كسبها ولا لسه شوية….”
انحنت نظراتها ارضًا بحزن ….
“كسبها طبعا… بقيت بحبه اوي ياشهد و مش متخليه
اصلا نفسي غير معاه… ساعات بقول لنفسي ازاي بعدت من الأول وعذبته بشكل ده….”
ربتت شهد على كتف اختها بعطف…فاسترسلت
كيان وهي تنظر لعينا اختها….
“سليم جدع وطيب…. وكويس اوي وبيحبني بجد… بس سوء التفاهم وعلاقته القديمة خلتني احطه في مكانه وحشه أوي مكانه ميستحقهاش….”
قالت شهد برفق….
“كل حاجة في وقتها بتبقا احسن…يمكن كل اللي حصل ده ساعدك انك تخفي بجد يا كيان….وان
الاوان إنك تنسي اللي فات وتبداي من أول
وجديد…..”
ترقرق الدمع في عينا كيان وهي تقول
بعزم…..
“دا اللي بدأت اعمله فعلا..انا محتاجه اعيش زي
اي بنت في سني…افرح واحب واعمل عيلة
حلوة….”
بابتسامة صافية أكدت شهد بجذل…
“هيحصل ياكوكي….وقريب كمان انتي تستاهلي
كل حاجة حلوة…..”
مسحت كيان عيناها وهي تقول بضحكة
صغيرة….
“انا من رايي احكيلك عشان منقلبهاش نكد….”
………………………
قبل شهر تقريبًا….
خرجت كيان من بوابة العمارة التي تقطن بها…فوجدت سليم ينتظرها ومعه دراجتها الهوائية…
اقتربت منه بتلك الابتسامة الخاصة والنظرة العاشقة
التي باتت تسكن عينيها وتزدهر يومًا بعد يوم….
“معقول صلحتها…”
قالتها كيان وهي تقف جوار سليم الذي صافحها
بيده وقبلها بعيناه….
وضع يده على الدراجة قائلا
بمرح…
“اي رايك بقت عروسة….”
نظرت كيان الى الدراجة بانبهار والتي عادت
افضل من السابق…..
“مش عارفه اقولك إيه…دا انا كنت مكتئبة بسبب
انها بايظه…”
ثم عادت لعيناه سائلة…..”صلحتها بكام….”
نظر لها سليم ببلادة….”بفلوس….”
هتفت بتصميم…..”ايوا… كام يعني…”
زمجر سليم بخشونة….
“انتي مالك بقا بكام….يلا اركبي…”
“فين عربيتك….”سالته كيان وهي تنظر حولها…
اشار على الدراجة قائلا بايجاز….
“هنركب عجلتك…مشوار خمس دقايق وهنوصل..”
ثم ضاقت عيناه بمناغشة…..
“ولا خايفة عزيزة تقلبنا في السكة….”
قالت كيان بلؤم…
“على حسب اللي بيسوقها على فكرة…”
ابتسم سليم وهو يستقل الدراجة مشيرًا على
المقعد الصغير خلفه….
“طب اركبي وانتي هتشوفي السواقة اللي على حق….”
سالته بتردد… “متأكد….”اوما سليم براسه بابتسامة
تشع ثقة فاستقلت خلفه قائلة بقلق….
“ربنا يستر….”
تحرك بالدراجة بسهولة…فعانق كلاهما هواء الليل
البارد المعطر برياح البحر القريب من موقع بيتها…
سالته كيان ويدها تتشبث في قميصه
برفق….
“اتعلمت منين ركوب العجل…”
رد سليم باختصار….
“مفيش حد مركبش عجل وهو صغير…”
عقبت كيان بتشكيك….
“عايز تقولي ان سليم الجندي وهو صغير كان
بيأجر عجل….”
هز رأسه بنفي وهو مركز على الطريق امامه…
“مش بظبط بس كنت بشارك وانا صغير في نشاطات تبع النادي اللي بروحه وكان من ضمنها Cycling…”
تاوهت كيان وهي تقول بعطف…
“أوه بحس اني اللي بيمارس الرياضة دي بيتفرم
حرفيًا….انا رغم اني بحب ركوب العجل بس مقدرش
أروح بيه مكان بعيد مش اتسابق بيه….تعب رغم
خفتها في الحركة….”
اجابها سليم عن تجربة….
“هو تعود والعضلات مع الوقت بتعتاد على ده..
وبرضو الموضوع مش بيجي من يوم وليله دي تمارين زيها زي اي رياضه في الدنيا…والمسابقات
دي ليها نجومها وجمهورها……”
كان الجو رائع ليلا ساحر وهي معه هكذا خلف الدراجة السماء الامعة بالنجوم فوق رؤوسهما
والرصيف الممتد باعمدة الانارة..
شعرها البندقي يرفرف بفعل الهواء الرطب
وتتوغل الى رئتاها رائحة عطره المميزة بينما
يداها مزالت تتشبث في جانبي قميصه بحرج
شديد ولسانها يثرثر بكل ما يخطر على عقلها
دون حذر…..
فكان سليم دوما معها يتمتع بحسن الاستماع لها والتفهم دون إطلاق احكام سابقة…..
كان حاني ومرعيًا لكل تقلباتها وكان خير مستمع
ومهون عندما تحكي عن ماضيها معه
قالت كيان باسلوب فكاهي….
“بس انت رايق اوي وانت سايق عزيزة انا باكل المطبات أكل…. تحسني بتعارك مع الاسفلت…”
ضحك سليم وهو يصف الدراجة
جانبًا… “وصلنا ياعصفورة….”
ترجلت كيان من الدراجة وهو خلفها…نظرت الى
دار الأزياء الفخم المنير امامها بشكلا ساحر…
دلفت معه للمكان وهي تتأبط ذراعه بحياء…
رحبت بهم أحد العاملات فور وصولهما قائلة
بحفاوة…
“اهلا ياسليم بيه نورتنا..نورتينا ياعروسة.. ”
ابتسمت كيان بمجاملة وبعدها اشارت لهم العاملة
على احد الغرف….
سالته كيان وعيناها تدور في المكان
بعدم فهم….
“هو المكان فاضي كدا ليه…..”
رد سليم مختصرًا….
“انا مأجره الساعتين دول….”
انعقد حاجبا كيان بتساؤل….”وليه بقا…”
“عايز اوريكي حاجة….”قالها سليم وهم يدخلا تلك الغرفة الشاسعة…
التي كانت مظلمة وفور دخولهما انارة فجأة….
نظرت كيان بتردد لزوايا الغرفة لتجد مجسم يقبع
في المنتصف عليه ثوب زفاف أبيض أنيق من طراز
قديم ورغم ذلك خطف قلبها وعيناها فور رؤيته فكان راقي وانيق بشدة…..
محتشم باكمام طويل تزين بالتل يمتزج به الحرير
والتل بذوق فنان رفيع ينزل باتساع بسيط ومقبول
وجدت جوار الثوب صندوق خشبي قديم مزخرف
بالذهب…
نظرت الى سليم بعدم فهم….
“انا مش فاهمه حاجة ياسليم…. اي ده ؟!.”
اجابها سليم بنبرة حزينة متأثرة…
“دي حاجة هالة…. أمي……”
على تعبير الغباء وجهها وهي تساله بتكهن..
“وليه جايبها هنا…..اوعى تقول اني هلبس الفستان
ده….”
شحب وجه سليم وسالها بتردد..
“مش عاجبك….”
اقتربت كيان اكثر من المجسم وبدات تتفحص
الثوب بالمس….
“بالعكس دا تحفه..انا كنت بدور على حاجة كده..”
اخبارها سليم بصوتٍ رخيم…
“انا حابب اشوفك بيه يوم فراحنا..لو حتى أول ساعتين وبعد كده غيري للفستان اللي هتختاريه
النهاردة من هنا….”
جعدت جبينها معقبة….
“وليه فستانين يوم الفرح هي ناقصه فرهده…”
نظر لها سليم بتمعن فقالت كيان وهي تدير
وجهها اليه…..
“اطمن ياسولي الفستان عجبني أوي…..”
ثم استرسلت بتذكر…..
“بس باباك مش هيضايق كده… انت قولتلي قبل كده
انه محتفظ بكل حاجة مامتك ومش بيحب يطلعها
لحد….”
رد سليم ردًا اثلج صدرها….
“انتي مش حد ياكيان انتي مرات ابنه وبنته التانيه… وكمان هو اللي طلبها مني…..من تلات شهور فاتوا وانا اللي اترددت شوية أقولك….”
“وليه اترددت….”استفسرت بفيروزيتاها البراقة
وهي تقف أمامه…..
رد سليم باسلوب لبق….
“خوفت ترفضي…. بس زي ما اتفقنا برضو هجبلك فستان فرحك من هنا….”
رفضت كيان بشدة…
“لا طبعا…. هي مصاريف وخلاص….”
عقب سليم بهدوء حاني….
“مش حتة مصاريف ياكيان…. دي رغبة بابا انه يشوفك بالفستان ده وانا مقدرش أرفض حاجة
ممكن تفرحه أكتر في يوم فرحنا…”
قالت كيان بقناعة….
“وانا الفستان عاجبني اوي ومش عايزة حاجة
تانية….”
اصر سليم بحزم….
“يبقا تاخدي تمن الفستان الجديد و تصرفي
في فلوسه زي مانتي عايزة….”
تشدقت بدهشة….. “برضو ياسليم…”
أكد بثبات…. “دا حقك ياكيان….”
“طب ايه اللي في الصندوق ده….” اتجهت اليه كيان
وفتحت اياه بحرصٍ شديد….
فاخبرها سليم اثناء تأملها لمحتوى
الصندوق…
“دي هدية بابا ليكي… مجوهرات أمي….”
رات مجموعة من المجوهرات الثمينة القيمة ذات
طراز قديم وذوق رفيع كل قطعة منهم تحمل
ذكرى خاصة ومميزة باصحابها……..قالت كيان
وهي تغلق الصندوق وتضعه مكانه برفق….
“مش شايف انهم كتير اوي عليا…”
اخبرها سليم بصوتٍ تمكن منه العشق…
“مفيش حاجه تكتر عليكي ياعصفورة…بس اسمعي شرط بابا انك متفرطيش فيهم….وان لما ربنا يكرمنا بـبنت تديهم لها في يوم زي ده….وتوصيها نفس الوصية انها متفرتش فيهم…. اتفقنا… ”
بابتسامة متفهمة قالت….
“طبعا اتفقنا..الهدية مش بتتباع دي بتتهادى
للحبايب بس….”
ثم نظرت كيان للمكان من حولها ثم له
وقالت… “مش عارفه اقولك إيه…..”
مسكها سليم من ذراعيها بكلتا يداه قائلا وهو يأسر
عيناها بالنظرات وقلبها بالكلمات….
“على إيه ياعصفورتي….دا انا اللي مش عارف اقولك
إيه بعد موافقتك دي حبك زاد في قلبي الضعف
قناعتك وطيبة قلبك وحبك ليا و لبابا…كلها حاجات كلمة شكرا مش هتوفي حقك…”
تسارعت نبضات قلبها فقالت بابتسامة رغم
جمالها حزينة….
“انا اللي لازم اقولك شكرا وجودك انت وباباك مالي
عليا حياتي….عمو طيب وحنين اوي وغالي على قلبي جدا ووجوده بيعوضني عن حاجات كتير
حلوة فاتتني…..وانت كمان ياسليم قلبي بيتعلق
بيك يوم بعد يوم….وحياتي بقت عبارة عنك
انت….ومش متخيلها من غيـ….”
اوقفها سليم بعينان تفيضان عشقًا…..
“بس لحد هنا واستوب….انا مش عايز افتكر اي حاجة تانيه غير الكلمتين الحلوين دول…..”
تبادلا النظرات وتبسما معًا….فصدح هاتف سليم
فجأه معلن عن اتصالا….
أخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم وضعه على اذنه
بعد ان علم بهواية المتصل….
ضاقت عينا سليم فورًا بمشاكسة وهو ينظر الى
كيان ثم تافف قائلا للمتصل…..
“ايوا يابابا…وافقت طبعًا بالعافية كانت رفضة تلبسه…..”
اتسعت عينا كيان لبرهة بصدمة ثم على
صوتها وهي تحاول خطف الهاتف منه….
“لا ياعمو بيكدب عليك….انا أول ما اشوفت
الفستان عاجبني اوي والله…..”
ابتعد سليم عنها متابعًا بغلاظة….
“كدابة يابابا دي قالتلي شكله مش قد كده….”
اوشكت كيان على البكاء وهي تضربه في
كتفه بقبضتاها الصغيرة..
“ياسليم بطل هزار….هات التلفون….”
اعطاها سليم الهاتف ضاحكًا…فقالت سريعًا
وهي تضع الهاتف على اذنها….
“اوعى ياعمو تصدقه والله عجبني أوي….”
رد والده بصوتٍ يشع دفئا…
(انا متأكد انه عجبك….مبروك ياكيان…)
انزلت الهاتف عن اذنها فسالها
سليم…. “إيه قفل معاكي؟!..”
رفعت عيناها عليه بقوة والشرر يتطاير
منها……
“في حد يهزر الهزار ده…افرض صدقك…”
ركضت خلفه بجنون فقال سليم بتريث وهو
يكبح الضحك…
“اعقلي ياعصفورة….هو عارف اني بهزر….”
………………..
اطلقت شهد ضحكة عالية فور ان انتهت
كيان من سردها للموقف…..
“طب والله عسل وباباه طيب أوي…..”
نهضت كيان من مكانها وهي تعطي لاختها
هاتفها قائلة بسعادة….
“صوريني ياشهد كام صورة…..”
سألتها شهد وهي تنهض وفي يداها
الهاتف….
“اوعي تكوني هتنزليها على النت….”
“لا اطمني للذكرى بس….”ثم اردفت كيان وهي
تقف بزاوية مختلفة…..
“حاولي تبيني الفستان على قد ما تقدري….”
التقطت شهد عدة صور لاختها بزاوية مختلفة مظهره
جمال الفستان عليها بقدر الإمكان…
ثم اخذت كيان منها الهاتف وارسلته لشخصٍ بعينه..
وفي المكان المرسل اليه.. التقط المستشار هاتفه
بعد ان أعلن عن وصول رسالة صوتية…فتحها وهو
يحتسي القهوة وفي يداه كتاب يقراءة بتأني….
(عمو صباح الخير….عامل إيه يارب تكون بخير..
انا بعتلك صوري بالفستان بعد مظبط المقاسات
وقسته….قولي رأيك…..شهد بتقول انه حلو أوي
عليا وانا شايفه كده… بس رأيك برضو مهم….)
ابتسم المستشار وترك الكتاب من يده ثم
أمسك الهاتف وشرع يقلب في الصور التي
ارسلتها كيان….
ابتسم مصطفى بحزن وهو يكبر الصورة اكثر متأمل
الثوب الملائكي عليها….تنهد وهو يسترجع الذكريات مع هذا الثوب الذي هاجره كصاحبته…..
أرسل لها المستشار بحنان أبوي….
(زي القمر ياكيان لايق عليكي أوي وكأن هالة اشترته ليكي مخصوص…تتهني بيه يابنتي….)
…عطية
………………………………………………
وقفت على أطراف اصابع قدميها تجلب شيءٍ من أعلى الرف فوجدت ذراع رجوليه تمتد اعلاها وتجلب العلبة لها…..
ابتسمت وهي تعطي له الفرصة كي يبتعد عنها لكنه بوقاحة لم يبتعد بل ظل خلفها مباشرة دون ان يلمسها…
“وبعدين معاك ياحمزة….”
همس بالقرب من اذنها بشوق…
“كنت مستني حضن بعد الغيبة دي… خيبتي أملي…”
ابتعد خطوتين عنها فاستدارت هي باشتياق تنظر
لجسده الفتي الصلب وقامة طوله بهذا الطاقم الشبابي الأنيق….فـتلاقت بعسليتاه بعد لمحة
سريعة على هيئته الجذابة…فقالت بحزم…
“مفيش بينا حاجة رسمي عشان اخدك بالحضن…”
قال حمزة بوقاحة وهو يقترب منها
خطوة…. “وقبل كده…”
خفق قلبها بشدة وسارت بُنيتاها بنهم على ملامح وجهه الوسيمة ثم لشعره الناعم وللخصل القصيرة المتناثرة على جبينه بهمجية محببة للعين ، معذبة للقلب كلما تلقفها بشوق…..كل مابه يعذب قلبها ويهفو اليه دون حياء…..
وبعد لحظة تامل كانت الاقصر والاجمل بين
كلاهما.. تداركت نفسها فسحبت نفسًا متهدج
قائلة…
“تقدر تقول لحظة ضعف وراحة لحالها…وعهدت نفسي بعدها اني مقعش في الذنب دا تاني….”
برم شفتيه قائلًا بانتصار…
“كلها ساعتين وتبقي حلالي….”
تخضبة وجنتاها قائلة….
“انت برضو مصمم تكتب الكتاب يوم الحنة….”
اجاب بايجاز…”احنا متفقين من شهر فات….”
قالت قمر بتعجب….
“ايوا بس اي المشكلة يعني لو كتبنا الكتاب يوم الفرح مع كيان وخطيبها…”
رد حمزة بفتور…. “الاتفاق كان كده….”
عقدة حاجبيها باستفهام….. “اي اتفاق ؟!….”
رد حمزة بمنتهى الثبات….
“اتفاقي مع خالك….اني اكتب عليكي قبل الفرح بيوم..”
ثم رفع حاجبه الايسر سائلا….
“وبعدين النهاردة من بكرة مفرقتش كتير هو انتي مش فرحانة ولا اي ياقمراية….”
قالت بعفوية الحب كـماءًا يجري في منابعة….
“أكيد فرحانة دا اليوم اللي حلمت بيه من أول ما حبيتك..”
ثم عضت على شفتيها بعد ان ازداد توهج عيناه
خطرًا….فقال حمزة بعد لحظات من ضبط النفس..
“على سيرة حبك ليا امتى اتاكدتي انك بتحبيني….”
لانت شفتيها في بسمة حزينة….
“مش عارفه…..يمكن من قبل انت ماتاخد بالك أصلا
اني عايشة معاك في نفس البيت…”
قال بندم…. “انا كنت أعمى على كده….”
قالت مصححة…. “أعمى وغبي….”
فغر شفتيه فاسبلت قمر اهدابها بحرج وهي تكبح
ضحكاتها….فابتسم حمزة وهو يهز راسه معترفًا…
“في دي عندك حق انا غبي اني ضيعت الوقت ده كله
من عمري من غيرك….بس بكرة اعوض كل ده وانتي
في حضني….”
شهقة قمر وهي توبخه بنظرة حازمة….كأم غضبت على ابنها فجاة بعد ان القى لفظ بذيء….
“حمزة احترم نفسك…”
زفر حمزة نفسًا هادرًا قائلًا بخفوت…
“معقول فرحنا بكرة…انا بحلم باليوم ده من ست شهور فاته….”
قالت قمر بغيرة…..
“ست شهور بس وقبل كده كانت فين احلامك يا استاذ؟!….”
اجابها بصوتٍ خافت عميق….
“كنت تايه…..تايه ياقمري وملقتش نفسي غير في
حضنك….”
اختلج قلبها بين اضلعها وعيناها تنظر اليه..فمسك
حمزة يدها وعيناه تأسرها قسرًا في عالمه…
“فاكرة لما زورتك في شقتك أول مرة وقولتلك اني لسه بدور على الوطن اللي احبه…..”
اومات براسها متبسمة…
“فاكرة طبعا…..ويترى لقيت الوطن ده ؟!…”
اتكأ على كفها بينما عسليتاه تعرف مجال عيناها…
واخبرها بهمسًا….
“هو اللي لقاني….وانا ما صدقت الاقي وطن بعد
الغربة وتوه اللي كنت فيها قبلك….”
رفع كفها الى فمه وطبع قبلة عليه…فشعرت بضعف
يسري في جسدها فدعمت نفسها وسندت على الرخامة خلفها…فقال حمزة بهمسًا اجش…
“نظرت عينك بتجنني ياقمري… بيهم بحس اني
اخر راجل في الكون….”
فتحت عيناها وتلاقت بعسليتاه والنظرة القوية
بهم دغدغت قلبها اكثر من الكلمات المعسولة…
فقالت دون تفكير….
“ودي حقيقه انت في عيني وفي قلبي الاول
والأخير ياحمزة…..”
عم صمت مجنون بعد جملتها المؤكدة…فسحبت
يدها فجأه وابتعدت جالسة على مقعد امام الطاولة القابعة في منتصف المطبخ…..وبعد نحنحة قالت…
“مقولتش برضو غايب ليه الفترة دي كلها…أربع شهور
بحالهم بشوفك بالعافية بالخطف….”
وقف بالقرب منها ساند على حافة الطاولة وهي جواره على المقعد جالسة….
“ما على يدك ياقمر…..المصنع وتجهيزات الشقة…انتي ذات نفسك مكنتيش فاضية وانتي بتفرشيها….”
قالت قمر بملامح منبسطه…
“بس اي رأيك اتفرشت حلو اوي والديكور يهبل ياحمزة..”
اكد حمزة بجذل… “شوفتها…. ذوقك حلوو…..”
ارجعت خصلة هاربة خلف اذنها قائلة بتأثر….
“مش ذوقي لواحدي…بصراحة شهد وكيان ساعدوني
أوي….وكيان اكتر واحده تعبت معايا…دي كأنها بتعمل
شقتها….اهتمت بحاجات كتير وفرشنا سوا والحاجات
اللي بتبقى ناقصة تقعد تكتبها وبعدين تنزل تجبها
واحنا فوق…وتطلع بيها… اكتر من مرة عملت كده.. ”
مسحت عبارة تجمعة في عينيها فجاة…فعقبت
بتعجب….
“مكنتش اعرف انها بتحبني اوي كده….او يمكن عملت كده عشان بتحبك…..”
اردف حمزة بدفاع حاني….
“عملت كده عشان بتحبنا احنا الاتنين….كيان مش وحشة ياقمر…..”
رفعت قمر عيناها اليه قائلة…
“عمري ماقولت انها وحشة ياحمزة…..انا عارفه انها فالأول مكنتش مستلطفاني عشان ان غريبة وسطكم….بس بعد كده يعني بقينا صحاب…..”
فابتسمت باستياء مضيفة…
“رغم ان لسانها لسه متبري منها…بس يلا كله
يهون علشان بحبها…”
مالى حمزة فجاة عليها محاول لثم تلك الشفاة الشهية فتداركت قمر الوضع وقفزت عن مقعدها
مزمجرة….
“بس ياحمزة… احترم نفسك…..”
تافف حمزة وهز ينظر الى ساعة معصمه..
“هي عقارب الساعة واقفه ولا إيه…كل ده لسه أربعة…..”
سالته بقلب مذعور…. “المأذون معاده سته….”
اكتفى بايماءة بسيطه….دخلت شهد اليهما قائلة
بسرعة….
“انت فين ياحمزة….سلطان برا هو ومراته….”
عدل حمزة ياقة قميصة قائلا….
“طب خدي مراته دخليها جوا وانا هطلع معاه
الشقة اللي فوق…..”
قالت شهد بتنهيدة ارتياح….
“انا مش عارفه لولا الشقة اللي فوق دي احنا كنا عملنا إيه…..”
“جت نجدة المكان هنا مش مستحمل…”قالها حمزة
وهو يميل على خد قمر فجأه طابع قبله عليه امام
عينا اخته دون حياءًا هامسا بالقرب من اذنها….
‘”اشوفك كمان ساعتين ياقمراية….ساعتها البوسة
مش هتبقا هنا خالص…. ”
ابتعد عنهن بخطى هادئة…فقالت شهد بلؤم…
“انتي سايبه الدنيا كلها.. وجايه تقفي معاه في المطبخ…”
قالت قمر بوجنتين حمراوان كدم الغزال…
“كنت بحضر الشربات والله… ولقيته في وشي….”
قالت شهد برفق وهي تشير لها بالخروج…
“طب يلا يدوبك قدامنا ساعتين على ما تجهزي
قبل ما المأذون يجي.. والناس تهل….”
………………………………………………………
كانت تجلس على حافة الفراش ترتدي ثوب الحنة الرقيق كان من اللون البنفسجي الفاتح يلائم جسدها ويبرز جمال قدها ترفع خصلات شعرها الغجري الأسود للأعلى بمشابك لؤلؤية أنيقة ويتدلى الباقي على ظهرها حرًا يتراقص بجنون….تضع زينة رقيقة متقنة زادت وجهها اشراقًا…. اما بُنيتاها الكحيلة أصبحت وجهةٍ للجمال مع ظلال اهدابها الكثيفة أشبه بسهام حارسة….
قالت داليدا وهي تطلع على قمر بعد
ان إنتهت…
“بسم الله ماشاء الله زي القمر فعلا….”
قالت كيان بغيرة على صديقتها….
“انا عروسة انا كمان ياولية انتي…ولا الحمل
عملك حول…”
ضحكت داليدا وهي تجلس بالقرب من صديقتها الغالية طبعت قبلة على وجنتها قائلة….
“وانتي قمر اربعتاشر ياموكا….مين يقدر يغطي عليكي..”
ضحكت قمر بعد ان غمزت داليدا لها سرًا…
فوقفت كيان امام المرآة تتأمل نفسها بثوبها الأبيض
المغطى بالترتر الامع حتى اخر الخصر ثم ينزل باتساع الى الكاحل بقليل ترفع شعرها للاعلى في
لفة انيفة تزينها بطوق من الياسمين الابيض.
وتضع زينة تلائم جمالها وسحر اطلاتها اليوم….
التقطت كيان صورة لها وارسلتها اليه وكتبت
عليها…(اي رأيك في لوك الحنة….حلو….)
اتت رسالته مع قلب أحمر….
(حلو اوي ياعصفورتي…بس اي اللي بيلمع جمب
عينك ده….)
ارسلت والابتسامة تزين ثغرها….
(دا استرس…اي رأيك مخلي شكل عيوني حلوة…)
رد سليم بصيغة أمر…
(لا عيونك أحلى من غيره…شيليه…..)
نظرت للمرآة مجددا…..(انت شايف كده…..)
بعث رسالة حارة بالاشواق….
(انا شايف اني لازم اكتب الكتاب مع حمزة النهاردة…)
ضحكت بدلع مرسلة…..(كلها سواد الليل يامتر….)
نظر الفتاتان لبعضهما بخبث وهم يتابعا ملامحها المنبسطه وضحكاتها الرنانه وهي تقرع باصابعها
على شاشة الهاتف بخفة وسرعة….
(كتير عليا برضو….)خفق قلبها بجنون وهي
ترسل…(انت لسه في المكتب….)
رد برسالة مختصرة…
(بخلص شوية شغل عشان الاجازة اللي هاخدها…)
تنهدت كيان ترسل ببراءة….
(تصور ان ده اخر يوم هبات فيه على سريري…)
اكمل لها برسالة وقحة….
(ومن بكرة هيبقا سريرك هو حضني….)
تخضبة وجنتاها بشدة…فارسلت
(انا مضطرة اقفل شكل الماذون جه برا…)
أرسل سليم بلهفة….
(ابقي كلميني بليل بعد ما تخلصي سهرتك…)
ضحكت دون صوت….(حاضر….سرانغي….)
ارسل له بجزع…(وانا سرانغي اكتر والله….)
اغلقت الهاتف ثم نظرت للمرآة وبدات تنزع النجمتين
الامعتان بجوار عينيها….
فقالت قمر بمناغشة وهي تغمز لداليدا….
“اي دا اي ده والله وبقينا بنغير رأينا في كلمة..
هو اللي قالك شليه صح….”
ضحكت داليدا وهي تتابع مشاكستهن باستمتاع..
بينما قالت كيان بحرج..
“قالي اني احلى من غيرها…”
قالت قمر بلؤم…. “ما قولنا كده من الأول…حكم….”
جزت كيان على اسنانها وهي تنظر لقمر بحنق….
“خليكي في حالك… انا و خطيبي مع بعض ايش حشرك بينا..”
اجابتها قمر ببلادة….
“طب مانتي بتحشري نفسك بيني وبين حمزة…
حد اعترض….”
تاففت كيان بوجوم….
“خلاص ياستي اديني سيبالك الجمل بما حمل ارتاحتي…”
قالت قمر بابتسامة خبيثة…
“طب والله هتقطعي بيا يابت ياكيان….”
اثارة حفيظتها اكثر فقالت
بمقت….
“انتي بقا لا…. هرتاح منكم كلكم…..”
اشارت داليدا على نفسها
بمسكنة… “حتى انا ياكيان….”
تخصرت كيان قائلة بتكبد…..
“انتي اولهم ياداليدا عشان تشكري في خصمي قدامي…”
رفعت قمر حاجبها بغيظ…
“يابت بطلي صفار…..حرباية ملونة ياساتر…”
هزت كيان راسها بانصياع…
“حاضر ياعقربة هبطل صفار….”
وزعت داليدا النظرات بينهما بتخوف….
“ماشاء الله عليكم…دا انتوا بتموتوا في بعض…..”
وقبل ان تعلق أحدهما برد لاذع تستفز به الأخرى سمعا معًا صوت الماذون في الخارج….
نهضت قمر بخوف وهي تنظر الى كيان تلقائيًا
تطلب العون…..
“الماذون جه ياكيان..هو…..هو انا المفروض
اطلع….”
اكدت كيان بنظرة حانية….
“ايوا هنطلع سوا…شهد في المطبخ بضايف الناس
هطلع معاكي وبعدين اقف مكانها عشان ترتاح شويه…”
سالتها قمر قبل ان يخرجا….”كيان الميكب باظ…..”
قالت كيان بتلقائية وهي تمسك يد
قمر…. “زي القمر والله يلا بينا بلاش توترينا…”
ثم نظرت الى صديقتها قائلة قبل ان تفتح الباب…
“يلا يادليدا….جوزك هتلاقيه برا بيشهد على الجواز….”
اومات داليدا براسها وهي تخرج معهن بابتسامة جميلة تشع فرحة بالخير لهن…..
…………………………………………………………
اثناء اجراءات عقد القرآن كانت( قمر) تجلس بالقرب
منه على بعد خطوات على مقعدها يقف حولها شقيقتاه وزوجة صديقة المقرب بوجوهن تشع بالفرح والخير لها يشاركوها جزءًا من السعادة وكأنها شقيقتهن الرابعة…..
الوحيدة التي كانت تمسك قمر بيدها بقوة والاجراءت تتم كانت (كيان..) !!!
وكم طبع هذا في نفسه شعورًا جميلًا ممتنًا لاخته
الصغرى التي جرحها يومًا باقسى الكلمات….
زفر حمزة نفسًا حار وهو يعود ملتقف بعيناه ملامح وجهها الجميل وعيناها الكحيلة المظللة.. ثوبها
البنفسجيّ الرائع وشعرها الغجري المرفوع للأعلى بمشابك براقة ثم يتدلى خلف ظهرها متراقصًا
بجنون يفتنه كي يقترب ويلامس موجاته….
هيئتها كـعروس تفتح شهيته أكثر يود لو….لو نال
منها بتأني ، مستمتع بالآه من بين شفتيها الفاغرة
بضعف في احضانه…
يالهو من شعور يود تجربته مع الجنية المغوية…
تلاقت عيناه بعيناها الجميلة المتلألأة بالحب أثناء
ترديده خلف المأذون ويده بيد والده الوكيل عنها
مزالت نظرتها الخاصة تروقه بشدة نظرة تشعره بانه محور حياتها وبان حياتها بأسرها تسير في فلكه هو ، ملك له وحده !…
وكم ترضية بشدة تلك النظرة الخاصة وهذا
الشعور الحصري…
انطلقت الزغاريد من داليدا بعد ان مضت قمر على قسيمة الزواج وحمزة كذلك ثم الشهود والذي كان من ضمنهم سلطان الذي اخرسها بنظرة صارمة…
جعلها تبتلع ريقها مغلقه فمها على الفور….
تبادلا الاثنين التهنئة من الجميع ثم أقترب حمزة
بعدها منها ووقف امامها… فعضت قمر على باطن شفتيها بخجلا والسعادة تعلو وجهها المتخضب
غير مصدقة انه أصبح زوجها الآن….
احاط حمزة خصرها بيداه بتملك ثم ألصق شفتاه
في جبينها طابع قبلة طويلة وحانية عليه مما
اثار داخلها مشاعر عدة فجعل الدموع تتجمع في مقلتاها وتسيل على وجنتيها….
فلم تتوقع ان يستجيب الله دعاؤها ويلين قلبه
العاصي لها متشبع من حبها….
اخذها حمزة فجأه في احضانه ودار بها على مراى من الجميع فتعلقت قمر في عنقه بكلتا يداها
واخفت وجهها في كتفه بحياء…..
صفقت داليدا وكيان لهما بسعادة وتشجيع وابتسمت شهد بمحبة وهي تردد سورة الفلق سرًا…
انزلها حمزة برفق فلمست الأرض بحذاؤها ثم رفعت عيناها الى عسليتاه بحرج شديد….فطبع حمزة قبلة على وجنتاها الاثنين مهنئًا بعدها بصوتٍ عذب
“مبروك ياقمري….والله وبقيتي حلالي يابت…”
ضحكت بخجلا مسبلة العينين…..
“مبروك لينا احنا الاتنين… ”
أبتسم عثمان بسماجة وهو يرى ابنه يتقن الدور
بصورة جيدة جدًا فنظر الى المحامي (زاهر) والذي كان شاهدًا على عقد القران واخبره…..
“حضرت كل حاجة يا زاهر….”
اوما زاهر براسه قائلا بخفوت…
“كله تمام.. شوفلنا انت بس مكان رايق بقا نتكلم
فيه بعيد عن الدوشة دي….”
“وهو كذلك….”ثم نظر عثمان لابنه واشار له
بان يقترب……
…………………………………………………..
بعد خمس ساعات من الطبل والرقص والزغاريد انتهت ليلة الحنة بسلام وخرج المدعوات من الشقة بعد التهنئة والمباركة الطيبة للعروسين واللتين كانتا نجمتين الحفل خطفا الانظار فور ظهورهن واشعلا الليلة بالرقص واللهو والمزاح
حتى حمزة لم يفوت الرقص مع العروس بالعصا امام الجميع كما فعل في حنة شقيقته سابقًا…لكن الفرحة
في رقصتهما والمشاعر حينها كانت تختلف…
كانا يرقصا معًا واعينهما مشتبكة كقلوبهما يدورا معًا
في دائرة مغلقة يحرك هو العصا بحرفنه من حولها
وتميل هي بخصرها بدلال على الاوتار الصاخبة….
حتى حاصر خصرها وقتها بعصاه بخبث غامزًا لها فلم يتوقع ان تجاريه بجرأة وتعلق يداها بعنقه مائلة معه غير مبالية بالعصا التي تقيدها بالقرب من احضانه…..
رقصا معًا لساعات اغنية تلو الأخرى مرة معها ومرة مع شقيقتاه ومرة مع اخته العروس فقط واحيانا الجميع معًا…..
كانت ليلة رائعة صاخبة بالحب وسط مشاعر
عائلية وفرحة عارمة تشارك بها الجميع….
قالت كيان وهي تجلس على الاريكة بتعب….
“كان يوم متعب اوي…تصوري بعد الفرهدة دي
الفرح لسه بكرة….”
ثم مسكت الهاتف وبدأت تبحث عن الصور والفيديوهات التي صورتها داليدا لهم جميعًا..
فقالت وهي تشاهدهم..
“الله علينا ولا نجوم السيما….تعالي شوفي الصور تجنن..”
قالت قمر بارهاق وهي تتجه الى الحمام….
“لا مش قادرة…انا هدخل الحمام اخد دش وغير هدومي..”
نهضت كيان متجه بتكاسل الى غرفتها….
“تمام…كده كدا هبعتهم على تلفون حمزة يختار منهم
صور يحطها في الالبوم للذكرى….”
تصادفت قمر مع شهد التي خرجت من المطبخ للتو
تحمل صنية من المشروبات….
“راحه فين ياشهد….ارحمي نفسك انتي تعبتي معانا اوي النهاردة….”
قالت شهد بابتسامة صافية….
“تعبكم راحه… هتعب لمين غيركم… ربنا يسعدكم وتمملكم على خير… ”
ابتسمت لها قمر بمحبة….
“يارب ياحبيبتي…طب هاتي الصنية دي عنك انتي هتوديها فين…..”
قالت شهد بايجاز….
“حمزة معاه ناس فوق…..فقولت اطلع لهم حاجه يشربوها..”
سالتها قمر….. “ناس مين….”
مطت شهد شفتيها….. “مش عارفه مقالش….”
قالت قمر بهدوء.. “طب خليكي هطلعه انا….”
رفضت شهد….
“مينفعش ياقمر…دا انتي العروسة….”
قالت قمر بتصميم وهي تاخذ منها الصنية بحرس..
“واي فيها يعني هديها لحمزة من على الباب وهنزل
مش معقول هتطلعي السلالم دي وتنزلي….حمزة دا بيهزر هو مش شايف انك حامل…..”
“طب على مهلك……”قالتها شهد وهي تراها تتجه الى الخارج بها….
وصلت بعد لحظات الى باب الشقة التي اجرها حمزة لمقابلة الرجال بها للمباركة كما فعل في حنة شهد….
رفعت قمر قدمها وكادت ان تطرق على الباب لكن الحوار بداخل جمدها فجعلها تقف مكانها مبهوتة…
هتف زاهر من الداخل بصرامة…
“متفضلش تلف ودور ياحمزة احنا بقالنا ساعة بنتكلم… زي ما ضمنت حقك بشقتين اللي اتكتبه باسمك بيع وشيرى وورث امك اللي بقا كله في حسابك احنا كمان عايزين نضمن حقنا ولا مفكرنا مغفلين هتعرف تاخد كل ده من غير مقابل..”
قال حمزة بتهكم….
“المقابل امضتها…. تنازل منها على ورث امها مش
ده اللي اشترتُني بيه…”
سالت دموع قمر وهي تسترق السمع من خلف الباب المغلق ويدها تتشبث بصنية بقوة جبارة….
تحدث المحامي بخشونة….
“حلو لحد ما يجي التنازل وصل الامانة اللي هتمضي عليه على بياض هيفضل معانا ضمان لحقنا….ماهو احنا برضو مش ضمنين انك تنفذ الاتفاق للاخر…..”
هتف حمزة بملامح وحشية….
“انا لحد دلوقتي ماشي على الاتفاق بالحرف الواحد ولا مش واخدين بالكم….”
انتفضت انتفاضة قوية على اثرها انسكب بعض من
العصير على الأرض…..وكأن قلبها المجروح اصابه
فجأه سهم مسمم بالغدر…..
تحدث عثمان بمهاودة…..
“واخدين بالنا وشايفين انك مش مقصر… بس عايزين النتيجة امضتها ولا كل الفلوس اللي ادفعتلك دي هتبقا على فشوش…..”
نظر حمزة لوالده بكره شديد فقال المحامي بحزم…
“امضي ياحمزة لو مفيش في نيتك الغدر من ناحيتنا
هتمضي على الوصل من غير مناهدة….قولت إيه…..”
تافف حمزة قائلا بجزع…
“قولت لا إله إلا الله…. هات القلم خلينا نخلص….”
بعد ان مضى حمزة على الايصال…اخذه المحامي
قائلا بمكرٍ….
“برافو عليك الوصل هيفضل معانا لحد ما تجيب تنازل رسمي منها على الورث ساعتها هديلك الوصل تصرف فيه بمعرفتك…. ولو خلفت الاتفاق بينا…..انت عارف انا اقدر اعمل إيه بالوصل ده…. ”
نهض حمزة قائلا بسأم…
“من غير تهديد ونبي…عشان بخاف أوي…..”
انتفض حمزة بقلق وهو يتجه الى الباب بعد ان سمع
صوت زجاج يهشم….
فتح حمزة الباب فوجدها تنحني على ركبتها بهيئة العروس الجميلة كما هي لكنها تختلف الان فقد تلاقت عيناه بعينيها المجروحتين الحمراوان كالدم تنظران اليه بصمتٍ وجد صداه في نفسه….كانت هناك قطرات دم على قطع الزجاج….أمعن النظر ليجد يدها تنزف قطرات من الدم بعد ان مسكت قطعة حادة من الزجاج في محاولة منها للملمت الفوضى التي سببتها….
انحنى جوارها يمنعها من المتابعة فهي تجرح يدها
أكثر..
“بتعملي إيه ايدك اتعورت…اي اللي وقعها كده…”
بنفس النظرة الجريحة التي جمدت الدموع في حدقتاها قالت بصعوبة من بين طيات الوجع….
“القطة خضتني وانا طالعه السلم فوقعت الصنية مني غصب عني…..”
دعمها حمزة بيداه كي تنهض عن الأرض….
“حصل خير تعالي معايا جوا…اغسلك إيدك….”
“لا انا هنزل اغسلها تحت…..”رفضت وهي تسحب نفسها بقوة من بين يداه وبها انسحبت روحه بخوف
وشحب وجهه مع النظر الى وجهها المبهوت والنظرة
المنكسرة الحزينة في عينيها الحمراء…..
هبطت قمر على السلالم بسرعة وعيناها تسيل بالدمع وكل عصب في جسدها ينتفض بالغضب والكراهية…
“قمر…..قمر…..”لحق بها حمزة درجتين فقط ثم
سمع زاهر يعلق على الامر مع والده….
“تفتكر سمعتنا ؟!….”
تجمد حمزة مكانه ودار العالم من حوله فجاة بصورة قاتمة مرعبة…وهو يهز راسه يرفض تصديق انها اكتشفت الأمر بتلك الطريقة القاسية المؤلمة….كان على وشك ان يخبرها ، ان يخبرها بكل شيءٍ اخفاه الأشهر الماضية عنها لكن القدر سبقه ووشى السر بابشع الطرق ايذاءا……
دخلت قمر الحمام فورًا واغلقت الباب عليها ثم فتحت صنبور الماء ومع الخرير الهادر تركت العنان لشهقاتها الموجوعه ولدموعها الحبيسة تعبر عن الانتكاسة الكبرى معه….
قلبها مزال في دوامة بين الحقيقة والكذب بين الحب والخداع….. بين الحبيب والعدو…كل شيءٍ
كان عبارة عن كذبة كبيرة مجرد اتفاق استغلها
ليصل لاهدافه اغتال قلبها بأسم الحب……
اللعنة على قلبها فهو حب من لا يرحم….
وضعت يداها على اذنيها بقوة مغمضة عيناها بوجع
والدموع تغرق وجهها بغزارة.. تتمنى ان تستيقظ من هذا الكابوس وتعود من حيث اتت الى امها وابيها وعالمها الصغير….
انها تتجرع مرارة الندم الان على هذا الحب المؤذي
الذي أعتنقه قلبها يومًا بغباء !…
…………………………………………………………….
ترجلت من سيارتها أسفل عمارة شاهقة تقبع في منطقة سكنية مرموقة المستوى….
استقلت المصعد بعد ان علمت من حارس العقار رقم الشقة التي تقطن بها (چيهان الكيلاني..)حديثًا وسرًا….
وصلت امام الشقة وببرودة أعصاب اتكأت على جرس الباب ثم انتظرت بوجهًا مترفع ظهور غريمتها على اسم رجلا واحد….
فتحت الباب وظهرت امامها غريمتها….چيهان الكيلاني التي كانت تصغرها بسنوات عدة وتتميز عنها بجمالًا خاص يجذب الجميع لها من النظرة
الأولى….
بشرتها قمحية صافية ناضرة وعيناها بنية متوهجة كالجمر واهدابها كثيفة… شعرها أسود حريري يلمع بشدة مرتاح على كتفها كشعر فرسة جامحة تسر العين ملامحها شديدة الانوثة جسدها يعزف كمنجة نحيف لين ذي مفاتن بارزة بسخاء مقبول……
ظلت الهام تنظر اليها وتقيمها بنظرة باردة….فمالت چيهان على حرف الباب بيدها قائلة بميوعة….
وعهر في عينا الهام التي انتظرت ذرة خوف او
ندم من وجودها هنا…
“اهلا يالومي….اي المفاجأة الحلوة دي….”
قالت الهام بابتسامة محتقرة…. “متأكد انها حلوة….”
اكدت الاخرى بضحكة لئيمة…
“تجنن كنت مستنياها من بدري…اتأخرتي اوي عليا…”
تناثر الغضب على وجه الهام فجاة فسالتها
بعنف…. “مين معاكي جوا…..”
ردت چيهان بسهولة…
“جوزي ادخلي أعرفك عليه… تعالي….”سحبتها چيهان بقوة للداخل مرحبة بها بحفاوة…
لدرجة ان الهام شكت في كل المعلومات التي اخذتها
سابقًا عن زوجها…..فبدأت بوادر الارتياح تظهر على وجهها حتى
حتى رأت مسعد يرتاح على الاريكة عاري الصدر يرتدي سروال قصير فقط وبين يداه ثمرة موز يقشرها وهو يدندن بنشوة منادي على
زوجته…..
“مين ياچيچي…..”
صاحت الهام من خلفه بقسوة…..
“انا…..انا يامسعد….”
“الهام…..”انتفض مسعد ناهضًا من مكانه بقوة كمن لدغته حيه فوضعت چيهان يدها بخصرها تنظر لهما بوجهٍ عابس متابعة العرض بملل واضح…..

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

 وقفت إلهام بكل جبروت أمام كلاهما توزع النظرات
عليهما بقسوة واحتقار ثم اشارت بسبابتها بعينين
نارية غاضبة….
“اي اللي جابك هنا يامسعد بتعمل ايه في شقة…”
بترت الجملة وهي تنظر الى جيهان بكراهية وعداء نظرة أمرأه غدر بها للتو على يد اقرب الناس !!…
“صاحبتي…بتخوني معاها يامسعد ؟!… ”
لم يكن سؤال بل كان واقع خطت اياه بيدها فاجابتها
جيهان بصيحة مستنكرة…..
“عندك بيخونك دا إيه…..انا مراته ياحبيبتي وليا فيه
زي ماليكي بظبط….اتكلم يامسعودي ساكت ليه…”
رفعت الهام حاجبها بشرٍ هاتفه بضراوة…
“مسعودك ؟!…ما تكلم ياسبع البرمبة اتجوزتها…”
صاح مسعد يوقفها بأمر….
“احترمي نفسك يالهام واتكلمي عدل… ايوا اتجوزتها…..”
لم تهتز في وقفتها بل قالت بسخرية
لاذعة…”عرفي؟!….”
ردت عليها ضرتها تكيدها وهي تهز خصرها
بغيظ..
“عرفي مين ياماما انتي شيفاني واحده من اياهم
وقعه وعايزة اي راجل وسلام حتى لو هيتجوزها
في سر من ورا أهلها….. انا چيهان الكيلاني اسمي
لوحده يوزنك ويفيض….قال عرفي قال اتكلم
يامسعد ياما والله مـ..”
اوقفها مسعد بنظرة صارمة ثم عاد الى إلهام قائلا
بحزم… “مراتي يا الهام… على سنة الله ورسوله
مراتي…”
اشارت الهام على نفسها وهي تذرف دمعة
مقهورة…
“مراتك….طب وانا….انا يامسعد مراتك ام إبنك الوحيد..”
قالت جيهان بميوعه…
“مش هيبقا وحيد هيبقا ليه اخوات باذن الله
قولي آمين….”
جراء هذه الجملة شحب وجه الهام فجأه بخوف وأرتاع قلبها بين اضلعها !..
سالها مسعد باعصاب باردة….
“انتي عرفتي منين يا إلهام….”
هدرت الهام بحسرة….
“هو ده كل اللي همك عرفت منين….ليه عملت فيا كده بتجوز عليا بعد السنين دي كلها…”
سحب مسعد قميصه من على الاريكة ثم بدا
يرتديه وهو يقول بنفاذ صبر….
“مش هنحل مشاكلنا هنا تعالي معايا…”
عندما مسك يدها نزعتها منه بقسوة قائلة
بشراسة…
“سبني مش هنزل من هنا غير لما تكون رامي
عليها يمين الطلاق….”
هتفت جيهان باستنكار شديد مهين….
“انتي بتقولي إيه… انتي جرا لمخك حاجة….. انتي عيزاه يطلقني انا عشان خاطر عيونك انتي…. روحي
ياحبيبتي بصي لنفسك في المراية…. وهتعرفي
كويس هو ليه اتجوزني عليكي واختارني انا…”
لم تعرها الهام اهتمام بل نظرت لزوجها بقوة جبارة
تأمره بعنف…
“طلقها يامسعد… طلقها وانا هسامحك وهنسى اللي فات ومش هعرف يزن حاجة طلقها وبلاش تكسب
عدوتي انا وابنك الوحيد طلقها….”
وكانها تشهر السلاح الرادع في وجهه ألا وهو ابنه الوحيد !…
رفض مسعد بنظرة قاتمة…..
“مش هيحصل يالهام…انا بحبها وعايز اكمل اللي باقي من عمري معاها…. وبعدين الشرع محلل
أربعة… وانا هعدل مابينكم….. انا مش أول
واحد اعمل كده….”
هدرت الهام بنظرة متقدة غضبًا….
“انت بتحلم لو مفكر اني ممكن اوافق أكون مع
نص راجل….كنت قبلت بيها زمان….”
ثم استرسلت بتهديد صريح…..
“وطالما اختارتها تبقا خسرتني انا وابنك….”
لفهما الصمت لبرهة حينها قصف صوت مسعد
حازمًا صارمًا….
“لو عايزة تطلقي يا الهام انا موافق…. بس طلعي يزن
من الحسابات دي لانه هيفضل ابني من صلبي وشايل اسمي ليوم الدين….”
وكأنها تلقت الصفعة الاقوى والاشد قسوة على الاطلاق فسالت دموعها وهي تشير على نفسها بكبرياء مهشم…..
“لدرجادي؟!… رفضت تطلقها بس وفقت تطلقني
عادي من غير حتى ما اطلبها ؟!..”
رد مسعد بجمود…
“هي موافقه على الوضع ومعندهاش مشكلة
تفضل مراتي بس انتي…..”
هتفت الهام بجنون…
“هطلقها يامسعد ودلوقتي حالا…”
اربد وجه مسعد وانتفخت اوداجه وهو يوقفها
بصرامة….
“انا مسعد الصاوي يا الهام مش عيل صغير شبط في لعبة فهتأمريه يسبها دلوقتي… دي مراتي بمزاجك او
غصب عنك هتفضل مراتي…”
قالت الهام بضجر محتد….
“يبقا أشهد اهلك على الموضوع ونشوف بقا
رأيهم إيه…..”
ابتسم مسعد مستهينًا معقبًا…
“ريحي نفسك كلهم عارفين….”
فغرت شفتيها بصدمة مؤلمة…. “مين؟!….”
هز راسه بتشفي…
“كلهم عارفين معادا انتي ويزن….”
سالته والارض تميد بها….
“يعني امك وعاصم عارفين كل حاجة؟!..”
أكد بمشاعر متبلدة…..
“عاصم وعمي يونس كانوا معايا ساعة كتب الكتاب
وشهده على العقد كمان…..”
وقعت الهام على أقرب مقعد جوارها ثم وضعت يدها
على راسها منحنية بانهزام امام برودة وجبروت
زوجها التي ظنت يومًا انه اضعف من ان يواجهها بمثل تلك البسالة والحقارة….
فقال مسعد بقسوة….
“ارضي بالأمر الواقع يالهام وبلاش تخربي البيت
على الأقل عشان خاطر يزن اللي استحملت
حاجات كتير منك عشانه…..”
قالت الهام وهي تبكي دون النظر إليه….
“اي السواد دا كله….لدرجة دي مفيش حاجة تشفع
ليا عندك….اذيتك في إيه عشان تأذيني….”
تاففت جيهان بينهما وهي تنظر لهما بانزعاج
شديد….
“اي الدراما دي…انا هدخل اوضتي لحد ما تخلصوا
أوف….”
قال مسعد بصوت مصقلا بالوجع…
“ولسه بتسألي انتي خليتيني مسواش في عين
نفسي حاجه من كتر كلامك وحقدك على الكل
وطول الوقت بتخططي وبتتآمري عشان الفلوس
قرفت وتعبت مش لاقي راحه في بيتي ولا معاكي..”
“وانتي عارفه ان لولا يزن مكناش كملنا لحد
دلوقتي…..”
اومات براسها فتلك هي الحقيقة الملموسة بينهما لولا يزن ما وصلت الى هنا….ولولا تخطيط وجوده
سابقًا ما كانت هنا ؟!…
استأنف مسعد مبررًا…..
“انا دورت على راحتي برا من قريب مش من بعيد
وده يثبتلك اني كنت صابر عليكي للآخر بس انتي
زي ما انتي مش بتتغيري يا إلهام….”
استفز حديثه كل عصب داخلها فنهضت من
مكانها بتشنج بعد ان رأت ان حتى الدموع لم
تأثر عليه !….
فقالت من بين اسنانها بعنف شديد…
“ويترى حفظت الكلمتين دول امتى..بترمي اللوم
عليا في الاخر ان انا الست المهملة اللي وصلت جوزها انه يخونها مع صاحبتها ويتجوز عليها…
اسمع يامسعد لو مطلقتش الزفته دي هـ..”
جاشت مراجله فقاطعها مسعد بشدة…
“طلاق مش هطلق جوازي من چيهان وضع
مفروغ منه… بس لو انتي بقا مش عاحبك الوضع
ده يلا ننزل دلوقتي على اقرب مأذون اطلقك….”
…………………………………………………………
دلفت الى البيت الكبير وهي تجر اذيال الخيبة بعد ان علمت انها تحارب على ارضًا خاسرة..لم يبقى من الزخيرة إلا ابنها الوحيد وان فرطت به لاي سبب من الأسباب ستكون العواقب وخيمة…..
راتهما جميعًا مجتمعين في صالون البيت الجدة نصرة وعاصم وابنها يتسامرا في شيءٍ ما….
دخلت عليهم بهجوم حاد تصيح بعنفوان….
“كنتوا عارفين واستغفلتوني كلكم…كنتوا عارفين
بجوازه ودريته عليه….صحيح ماهو منكم لكن انا
مين ولا اسوى حاجة عندكم….”
وزعت النظرات عليهما وهي تبكي….
“حسبي الله ونعم الوكيل فيكم…. حسبي الله
ونعم الوكيل…..”
وقف يزن فجأه سائلا
بقلق…
“في إيه ياماما….مالك… ”
صاحت الهام بقهر….
“في ان ابوك اتجوز عليا يايزن…أبوك اتجوز.. ”
جحظت عينا يزن فجاه…. “إيه…أتجوز.. ”
قالت الهام بمكر تشعل النيران في صدر
ابنها….
“ومش بس كده دا لما خيرته بيني انا وانت وبينها
اختارها هي….وعرض عليا انه يطلقني لو مش عاجبني الوضع الجديد…. ”
“بابا عمل كده…” شعر يزن وكانه في دوامه من الصدمة…
فعقبت نصرة بعدم رضا….
“دا كلام يتقال بتشيلي النفوس من بعضها يا
إلهام….”
اشتعلت عينا الهام بكرهٍ فقالت بهجوم ليس
له رادع…..
“ايوا اعملي نفسك ملاك بريء بينا وبتهدي النفوس
وانتي طبخاها مع ابنك مش بعيد تكوني انتي اللي مشجعاه مانا عرفاكي عمرك ما حبتيني…”
انتصب عاصم وافقًا يسكتها بصوتٍ غاضب
مهيب…..”اخرسي يا إلهام…..”
اقترب منه يزن والشرار يتطاير من عيناه…
“مين دي اللي تخرس… اياك تكلم مع أمي كده…”
صاحت نصرة وهي تضع يدها على صدرها
بصدمة….
“يزن انت اتجننت دا ابن عمك اخوك الكبير…”
تشدق يزن بتمرد وهو امام عاصم وجها
لوجه…
“انا مليش أخوات وكل واحد بعد كده يلزم
حدوده…”
اثار حفيظة عاصم أكثر فصاح عليه….
“مين دا اللي يلزم حدوده…. انت جرا لمخك حاجة
انت بتكلم كدا ليه يالا انت هتكبر عليا ولا إيه فوق
يا يزن….”
مسكه عاصم من ياقة قميصة فنزع يزن يده قائلا بجحود….
“انا فايق كويس…. وعارف انا بقول إيه… ابويا اتجوز على امي وكلكم عارفين بده وساكتين.. هتقوله امتى
لما يجيب عيل من التانية ويشاركني في مالي…”
رفعت نصرة وجهها بصدمة تنظر لحفيدها…بينما
تشدق عاصم بعد ان سحب نفسًا خشن..
“مالك؟!…. وانت من امتى بتفكر كده… وبعدين دا مال ابوك وهو حُر فيه يعمل اللي هو عاوزة طالما
مش حرمك من حاجة يبقا ملكش تفتح بؤك وتعترض….”
سخر يزن بصفاقة وجهٍ….
“هتفضل تمثل الدور المثالي لحد امتى متعبتش
من الدور ده…اصله مش لايق عليك… ”
اشتعل صدر عاصم بعنف كأتون حارق فلم يسيطر
على اعصابه النافرة بل رفع قبضة يده بسرعة
وسدد له لكمه أسفل فكه بقوة اوقعت الشاب
ارضًا…..
صاحت الجدة برفض متألمة قبل ان تفقد الوعي
على مقعدها…. “عاااااصم…..”
اتجه اليها الإثنين معًا بقلق….بينما ابتسمت إلهام بضغينة وهي ترى الوضع يتأزم بين الجميع…
بعد لحظات خرج الطبيب من غرفة الجدة فاتجه اليه عاصم وخلفه يزن…..
“خير يادكتور طمنى….”
رد الطبيب بعملية مطمئنًا….
“الضغط علي عندها شوية انا ادتها حقنه تنزله
ارجوكم ابعدوها عن اي ضعوطات…عشان
ميحصلش مضاعفات عن كده…. ”
شكره عاصم بملامح مقتضبة…. ثم خرج الطبيب
برفقة الخادمة للخارج……بينما دخلا الاحفاد الى الجدة…..
مالى عاصم وقبل راسها ويدها قائلا
بحنو….
“الف سلامه عليكي ياحبيبتي….”
“الله يسلمك ياعاصم….”قالتها نصرة بوهن وهي
تنظر الى حفيدها الأصغر الذي لم يقترب ولو
بخطوة واحده نحوها…
لكنه قال من باب الواجب
والذوق…
“الف سلامه عليكي ياتيته….”
امتقع وجه نصرة بحزن وقالت…
“طالما قولت تيته تبقا زعلان مني… انا مقصدش اجرح أمك او اقهرها بشكل ده… بس ده كان اختيار
ابوك….”
اشاح يزن وجهه عنها فاسترسلت نصرة
مكملة….
“يعلم ربنا ان انا وعاصم حاولنا نوقفه عن اللي في دماغه لكن مفيش فايدة…. صمم يتجوز… وهو مش صغير يابني عشان نمنعه…ابوك عمل اللي يريحه
وانت كمان مش صغير يا يزن وعارف كويس مشاكله مع امك عامله إزاي….. مكنوش مرتاحين لكنه كمل عشان خاطرك محبش يبعدك عن امك او يبعد عنك..
كنت السبب الوحيد اللي خلاهم يكملوا….”
ثم تنهدت مضيفة بوهن..
“بس كل واحد وليه طاقة وهو جاب آخره.. انا مش ببررله…. بس هي دي الحقيقه يايزن وانت عارفها من غير ما اقولهالك….”
لم تجد منه الا الصمت التام فظنت انه الصمت
الذي ياتي بعد الندم فقالت برفق…..
“أعتذر لعاصم يايزن…. دا أبوك هو اللي رباك
معقول بدل ما اشوفكم سند وضهر لبعض القيكم
بتحاربه بعض….”
بلع عاصم ريقه بألم كمن يبتلع شفرة حادة…وهو
ينظر الى يزن بخيبة أمل…..
“يزن مبقاش زي الاول ياحاجة كل مادى بيبعد عني من قبل حتى حوار أبوه…فيه حاجه مغيراه من ناحيتي…..”
زوجتك هي من قلبت الموازين…وجعلتني أراك خصم
لابد من كسره حتى افوز بها ؟!…
اقترب منه يزن مبادر بالصلح والاعتذار….
“حصل خير حقك عليا…الخبر نرفزني شوية…
بس بعد كده ابقى خف إيدك علينا شوية…”
ابتسم يزن دون مرح وهو يتحسس فكه
المتورم…
فلم تلين ملامح عاصم بل قال بخشونة
يحذره….
“تستحقها يايزن..انا مش صغير عشان تهلفت بالكلام معايا كده…عيب دا انا اول من علمك الكلام فا يوم ما حسك يطلع يطلع عليا انا…مش اخلاق عيلة الصاوي…يابن مسعد الصاوي….”
قالها عاصم بتقريع صارم جعل يزن يشيح بوجهه عنه محاول السيطرة على اعصابه قدر المستطاع…..
هتفت نصرة بعتاب…
“خلاص ياعاصم حصل خير….”
هز عاصم راسه بملامح مقتضبة…
“عشان خاطرك ياحاجة بس هسامحه….”
اكتفى يزن بابتسامة مزيفة المعاني ثم استأذن
قائلًا…
“عن اذنكم….هروح اشوف ماما واطمن عليها…”
بعد ان أغلق يزن الباب خلفه…قالت نصرة بوجع….
“حساه بقا نسخة من الهام مكنش كده….اي اللي
قلب حالة بشكل ده….”
زم عاصم شفتاه بحيرة مثلها…
“العلم عند الله….ادعيله بالهداية….”
دعت الجدة بوهن… “ربنا يهديه وينور بصيرته…..”
جلس عاصم جوارها على حافة الفراش قائلا بمناغشة….
“روقي كده مش عايزين الضغط يعلى تاني…عندنا
فرح بليل ولا انتي مش ناويه تحضري… ”
قالت نصرة ببسمة واهية…..
“لا ازاي أكيد هحضر عشان خاطر شهد…كلمتها ؟…”
“اه بكلمها علطول…..”أكد عاصم وعيناه تلمع كنجوم في سماها عند لفظ إسمها…
قالت الجدة بمحبة….
“لما بتغيب البيت بيضلم من غيرها….”
ربت عاصم على كفها قائلا…
“انهارده هتروح معانا ان شاء الله….ارتاحي انتي
يا حبيبتي……”
……………………………………………………………..
في قلب فندق فخم وفي أحد الغرف….
انهت الفتاة المسؤولة عن تزين قمر اللمسات
الأخيرة على وجهها فقالت بإبتسامة واسعة…
“اي رأيك كده ياعروسة….”
نظرت قمر الى هيئتها كعروس بثوب الزفاف
الابيض والزينة الرقيقة وتاج العروس البراق
فوق قصة شعرها الرائعة…..
ثوب الزفاف التي ابتاعته منذ شهرين بقلبٍ ابله
متيم في حب مخادع…..محتال…..
كيف كانت بتلك السذاجة معه، كيف سمحت له بتلاعب بها بهذا الشكل المثير للشفقة ؟!….
” الميكب يجنن عليكي ياقمر… ماشاء الله
ياحبيبتي….. ”
قالتها شهد وهي تجلس بالقرب من أختها التي تجلس في المقعد المجاور وامامها العاملة المسئولة عن وضع الزينة لها والتي اوشكت على الانتهاء….
هتفت كيان بعد نظرة خاطفة
عليها..
“فعلا حلو أوي أحلى عروسة….”
اكتفت قمر بإبتسامة باهته لهن وهي تعود ببنيتاها
الشاجنة الى صورتها المنعكسة في المرآة والحزن
الذي اطال ملامحها ولم تقدر ألوان الزينة على إخفاء
آثره…..
أصبحت مجبرة على المتابعة في تلك المسرحيّة
الساخرة….. على الأقل اليوم فقط ؟!!…
اقتربت منها شهد وجلست بالقرب منها مربته على كفها وهي تسالها باهتمام…..
“مالك ياقمر في إيه….”
قالت قمر بمرارة….
“هيكون مالي يعني…. مانا كويسة أهوه….”
خرج العاملتان بعد ان طلبت منهن كيان..بينما
استرسلت شهد باهتمام….
“مش كويسة خالص… من الصبح وانتي متغيرة
وطول الوقت ساكته وسرحانه… وشكلك مش مبسوطه… دا كأن الفرحة انكسرت في عنيكي
فجأه….. هو حمزة زعلك….”
هزت قمر راسها بنفي….
“مفيش حاجه الأيام اللي فاتت مكنتش بعرف
انام كويس بس….”
قالت كيان بوقاحة….. “ولا هتنامي النهاردة….”
اتسعت عينا شهد بصدمة وهي تنظر الى اختها
معقبة…..
“وانا اللي كنت ناوية اديكي نصايح ليلة الدخلة..”
قالت كيان بغمزة عابثة…..
“داليدا نورتني الحمدلله….. صاحبة جدعة… مش اختي اللي لما سالتها قالتلي….. الحمدلله….”
ضحكت شهد بحياء…بينما اردفت كيان
وهي تنظر الى قمر……
“تحبي احكيلك ياقمر…..وانورك….”
رفضت قمر بملامح واجمه….
“لا انا تمام…. احتفظي بالمعلومات دي لنفسك…”
صدح هاتف شهد فرفعت الهاتف على اذنها وبعد
دقيقة قالت وهي تغلق الخط بملامح منبسطه…
“العرسان طالعين…”
خفق قلب قمر واغمضت عيناها بقوة محاولة السيطرة على نفسها قدر المستطاع امام من
خدعها وجعل منها اضحوكة…..
بينما ابتسمت كيان بسعادة وهي ترفع راسها للاعلى
تتأمل جمالها عبر المرآة في ثوب الزفاف الراقي والذي به تشعر انها عروس هاربة من فيلم قديم يعرض بالابيض والاسود… من شدة رقي اطلالتها الملائكية وحشمة التصميم المميز عليها… وقد اختارت بذكاءًا معه تسريحة شعر تلائم وجهها
وبساطة الثوب مع تاج ملكي فخم فوق رأسها.. والزينة على وجهها كانت متقنة ومناسبة
لها بشدة زادتها بهاءًا….
نهضا العروسان بعد ان طرق على الباب بهدوء
ودلف حمزة أولا بكامل اناقته ببذلة رائعة تبرز
جسده الصلب وجزعه المنحوت وقامة طوله
الرائعة.. مصفف شعره الناعم للخلف باناقة
ومشذب اللحية كان وسيم بشدة….وسامة تفوز
على غضبها الذي تبخر للثواني فقط عند طلته
عليها ثم عاد واشتعل أكثر بنار ثائرة بالكراهية….
تسمر حمزة مكانه يتأمل هيئتها كعروس والتي
سلبت عيناه وقلبه فور رؤيتها…
ترتدي ثوب زفاف أبيض يلمع بشدة وكانه مقتبسًا
من ضوء القمر ، يفصل خصرها المنحوت ثم ينزل
باتساع تنورة كبيرة تبتلع الباقي منها….ترفع شعرها
للأعلى في تسريحة عصرية وتضع تاج مرصع بم
يشبه الالماس شكلا ولمعةٍ……وبطبع زينتها تحتاج
للألف قصيدة غزل مع عيناها الكحيلة المزينة لكنه
لم يجيد إلا تعليق واحد عند رؤيتها ، تعليق خرج
من بين شغاف قلبه الى لسانه مباشرةً…
“يسلم من سماكي قمر…”
أبتسما شقيقتاه بسعادة معًا ونظرا لوجه قمر حتى يرصدا ردة فعلها الخجولة…..
لكنهما تفاجئا بها صامته بملامح متجمدة ونظرة
غريبة تشيع من عيناها نحوه…
تبادل حمزة معها النظر بصمت قاسٍ دون ان تحيد عيناه عنها ولف كلاهما شعور المؤلم ، معهُ تأكد
حمزة الآن بانها سمعت بكل شيءٍ دار أمس….
ورغم الجدية الشديدة على محياها الأقرب للجمود
لم يقلل هذا من جمالها وجمال اللحظة في عيناه..
لذا قرر ان يجاريها في لعبة الصمت والجمود تلك
وسيكون مـتماثلا أمامها في دور الأعمى حتى تخرج عن صمتها وتواجه الحقيقة كما تعود منها…..
بارك حمزة لشقيقته الصغرى وقبل راسها بعد
ان راها بثوب الأبيض الذي كانت به اشبه باميرة خرجت للتو من حكاية خيالية….
ابتسمت كيان بمحبة وهي تبادلة العناق مباركة
له ايضًا مع تمني حياة زوجية سعيدة….
ثم اقترب حمزة منها وعلى مراى من إبصار شقيقتاه
مالى عليها طابع قبلة على جبينها شديدة الحرارة والحب تلقتها قمر برفضًا شديد ظهر مع انعقاد
جبينها وانغلاق عيناها كمن يضغط على نفسه
حتى ينتهي الأمر…..
شعر حمزة بنغزة مؤلمة في صدره بعد ان ترجم
تلك الحركات النافرة منها…..
ابتعد عنها وهو يتنحنح بخشونة هامسًا باقتضاب
امام شقيقتيه…..
“مبروك ياقمر…..”
ردت برسمية شديدة وهي تمتنع عن
النظر إليه…”الله يبارك فيك….”
مد مرفقه المثني لها بصمتٍ فنظرت قمر اليه
للحظات بنظرة باهته باردة…..فبات الحلم المنتظر كابوس بشع ترفض الاستسلام له…..
بدت بوارد القلق على وجه حمزة وشعر انها ستنفجر
الان في وجهه رافضة النزول معه…..
لكن في اللحظة التالية امتدت اصابعها الطويلة تعانق مرفقه بصمتٍ خنيق…..
جعله يقترب من باب الخروج بخطوات ثابته هادئة
وداخله يتمنى ان يمر الأمر الليلة مرور الكرام وعندما
يصل لشقتهما سيحل كل شيء وينهي سوء التفاهم
بينهما……
نظرت كيان لاختها الكبرى وقالت بريبة…
“في حاجة غريبة بتحصل بينهم…مش حاسة
بكدة؟….”
قالت شهد بتريث….
“ربنا يستر….يمكن خلاف بسيط ومصيرهم يتصالحوا…..”ثم استرسلت وهي تقرص وجنة
اختها بمحبة…”المهم انتي اي الحلاوة دي…..”
ضحكت كيان بسعادة…..
“عيونك اللي حلوة ياشوشو…..”
“ملناش احنا في الكلام الحلو ده ولا إيه….”
لفظ الكلمة بشقاوة من دلف من باب الغرفة
للتو وعطرة النافذ دل عليه كالعادة قبل ان
تسقي عينيها الفيروزية من طلته الجذابة….
هتفت كيان بخجلا…”سـلـيـم….”
ارتوى قلبها وعينيها من رؤية حبيبها وهو يرتدي حلة العرس الفخمة المتانق بها بصورة خطفت انفاسها الهادرة مختلج النبض بين ضلوعها….كان مهندم الشكل… حلو الطلة… وسيم الهيئة…….
ابتسم سليم وهو يقترب منها بنظرة تشي بمشاعر
عنيفة تستوطن قلبه الان فور رؤيتها بثوب زفاف
امه…والذي اصبح على جسدها شيءٍ اخر مختلف وكأن تمردها الواضح في شخصيتها طبع على
الثوب فجأه !…
كانت جميلة عصفورة تسر العين ببراءة ملامحها وشقاوة عينيها بثوب زفاف جعلها أمرأه جميلة
اتت للتو من زمنًا بعيد…زمنًا يعشق تفاصيله
الراقيه….كما يعشق صخبها هي…..
تسريحة مميزة وتاج ملكي وزينة وجهًا مليحة
تسر العين كعيناها الفيروزية عند النظر اليها..
استأذنت شهد بحرج منهما وخرجت تنتظر في الخارج بعد ان باركت لهما بمحبة…..
بينما وقف سليم امام كيان وعيناه تاسرها
بحب قائلا….
“مبروك ياعصفورة…..واخيرا بقيتي المدام….”
ابتسمت كيان بخجلا فمنذ ساعة تقريبًا كانت تمضي
على قسيمة الزواج بيد ترتجف بسعادة…..
انتظرت كيان على استحياء قبلة منه تطبع على جبينها كما ترى في المواقف المشابهة لهذا.. لكنها
لم تجد الى عناق عناق متلهف دافئ حاني اغرقها
به…..
فتشبثت هي بدورها بذراعيه ولسعة الدموع تحرق
مقلتاها فجأة فاغمضت عيناها متنهدة وسكن جسدها
في احضانه باشتياق و….ارتياح…..
اخرجها سليم من احضانه وطبع بلهفة قبلتين على وجنتاها ثم الثلاثة على شفتيها فزمجرت كيان برفض فصاح سليم عليها بخشونة محتد…
“اعقلي انا لسه كاتب الكتاب…دا الحبر لسه
مرحش…”
رفع كف يده امام عيناها فرفعت هي كذلك اصبعها ليرى اثار الحبر عليه فاحاط خصرها بيده قائلا بشقاوة…..
“امال اي بقا فكي كده….خلاص بقيتي حرم سليم
الجندي رسمي….”
اسبلت كيان جفنيها بحياء قائلة….
“طب احنا هنفضل واقفين كده….يلا ننزل معاهم..”
مد سليم مرفقه لها فتأبطت اياه بخجلا والسعادة
تلمع من أعينهما بالحب….
…………………………………………
هبطت على السلالم برفق خلف العرائس بثوب رائع
رقيق من اللون العسلي بأكمام طويلة واسعة تتدلى اطرافها ملامسة الأرض بفخامة كسلطانة فاتنة، كـملكة جميلة… شعرها مرفوع للأعلى باناقة ويتدلى منه خصلتين على الوجنتين…تضع لمسات بسيطه من الزينة جعلت لوجهها اشراقة مختلفة في عيناه العاشقة…
كانت بين الجميع نجمة تضوي تخطف الأنظار بطلتها
الساحرة…..
خفق قلبه ولسانه يقولها سرًا كلما رأى
جمالها منير كنجم ساطع…..
“ما شاء الله….سبحان من صورك وجملك في
عيني يا ست الحُسن.. ”
لم يقو على ازاحة عيناه العاشقتين عن عيناها الجميلتين المبتسمتين والتي تلاقت به اخيرًا بعد
صبرٍ عظيم منه….
توسعت ابتسامتها في مداعبةٍ جميلة له وهي ترفع
حاجباها معًا في حركة سريعة متفاجئة بظهورة
أمامها فرد لها الإبتسامة باخرى أعمق وبلهفة
نداها دون همسًا ان ترحم فؤاده وتقترب… فإنه
والله أشتاق لها وبشدة…..
اقتربت كيان بهيئة العروس الجميلة من المستشار الذي اخذها في احضانه بمحبة مبارك لها وعيناه
تلمع بدموع الفرح….
بينما استقبال والدها كان بارد رغم انه اخذها
بين ذراعيه كي يحفظ ماء وجهه امام الجميع إلا
انها لم تشعر بشيء مشاعرها كانت باردة متبلدة كـ
كـحضن والدها تمامًا…..
جلست كيان جوار سليم على المقعد المخصص لهما
بقلب نفس القاعة الفخمة التي اقامت اختها عرسها بها سابقًا…
كذلك جلس حمزة وقمر في الجانب الآخر بملامح
هادئة فاترة رغم ان عينا حمزة مزالت تبرق بسعادة
فقد تزوج ممن مالى قلبه لها بعد الانتكاسات الكبرى الذي عاشها في السابق…..
ترجمة قمر لمعة عيناه السعيدة بالربح بعد المكاسب
التي نالها من خلف دور العاشق الولهان في علاقة حب مضحكة بطلتها اغبى مخلوقة على وجه الأرض
لدرجة انها الان ترفع القبعة له بقلبٍ مجروح ونظرةٍ مشمئزة…
فرغم كل هذا ترك لها المحتال أيام جميلة بطعم الصدأ !..
“مالك ياقمر ساكته ليه….”
مزال مستمر في اتقان الدور…نظرت اليه بملامح
صخرية جامدة وعينين باردتين….
“هقول إيه….”
سالها وهو يزدرد ريقه…
“سكوتك ورا حاجه…. مش مطمن….”
افترت شفتيها في ابتسامه مزدرية….
“وليه قلقان اوي كده….مع انك وصلت لكل اللي خطط ليه من الأول….”
ارتاع قلب حمزة بقوة بينما استفسر بثبات
انفعاليّ…. “اللي هو؟!….”
اتجه اليهما سلطان وداليدا متانقين معًا على أكمل
وجه يليق بمناسبة رائعة كتلك…..
“الف مبروك ياصاحبي…”قالها سلطان وهو يتنحى
به جانبًا…..
تبدلا العناق والتهنئة بخشونة…ثم قال حمزة
بخفوت وهو يفصل العناق….
“الله يبارك فيك ياسلطان….دا كلام جاي اخر
واحد القاعة دا احنا متفقين تبقا هنا من الصبح…”
اعتذر سلطان بنفس الهمس وعيناه على داليدا
التي يبدو عليها التعب والارهاق من اعراض
الحمل……
“المدام تعبت الصبح وروحت بيها للدكتورة….”
ساله حمزة باهتمام….. “خير مالها…..”
ربت عليه سلطان قائلا بغمزة عابثة..
“اعراض الحمل قلبه بترجيع ودوخه…بكرة تجرب..”
نظر حمزة الى قمر بصمت غريب…..
بينما كانت قمر منشغلة في الحديث مع
داليدا…..
“جايه متاخر ليه ياداليدا دا كيان هتاكلك….”
ابتسمت داليدا بجهد….
“لسه مهزأني وانا ببارك لها…بس اعمل إيه الحمل
متعب اوي انا لولا غلاوتكم عندي مكنتش خرجت
من البيت والله….”
ثم تابعت بتنهيدة ثقيلة…
“جاي معايا باكتئاب وترجيع ودوخه وحاجة زفت
وكل شوية عند الدكتورة…”
قالت قمر بعطف…..
“معلش استحملي ربنا يكملك على خير….”
ابتسامة داليدا بمحبة….
“شكلك حلو اوي بالفستان…بصراحة انتوا الإتنين
زي القمر اللهم بارك… ربنا يحميكم من العين….”
ابتعدت داليدا عنهما وزوجها يتبعها كظلها يده
تحيط كتفها باهتمام شديد….
اهتمام من نوع اخر كأب يرعى ابنته قبل ان تكون
زوجته الحبيبة…وأميرته المدللة…
فتح حمزة مجالا للحديث
قائلا….
“شكلكم بقيتوا صحاب…..”
قالت دون النظر اليه…. “اه تقريبا…”
تنحنح بخشونة وهو يتابع….
“بس جدعة وطيبة داليدا كيان بتعزها أوي…”
اكتفت بهزة مقتضبة….. “اه فعلا بتعزها…..”
عيل صبره فمن بين اسنانه
أردف….. “انتي بتردي بالقطرة كده ليه….”
قالت ببرود…”لساني وجعني….”
تمساك بزمام الصبر قائلا برفق…
“مالك ياقمر….هو دا الفرح اللي بقلنا شهور بنحلم
بيه…..”
عقبت بلهجة تقطر ندمًا وقهر….
“انا الوحيدة اللي حلمت…اما انت كنت بتخطط ازاي
تسرق احلامي وتبعها وتاخد تمنها…..”
جفلت ملامحه بشدة فظل يحدق بها للحظات كانت كالدهر في عيناه حتى لفظ إسمها….
“قـمـر…..”
مزالت تمتنع عن النظر الى عيناه فأمام عسليتاه
انهزامها الحقيقي….فقالت بقوة جبارة….
“مش هنتكلم هنا…مش هنتكلم هنا ياحمزة….”
…………………………………………..
اقتربت منه بخطى هادئة وظهرًا منتصب بكبرياء يليق بسيدة الحُسن والجمال… تلاقت عيناه
العاشقة بعسليتاها المبتسمتين بالدلال ..
سحب نفسًا خشنًا بعد ان مالت على الجدة
نصرة تاخذها بالاحضان قائلة بحفاوة….
“فرحت اوي انك جيتي ياماما… نورتي المكان والله…”
قالت نصرة بابتسامة مجهدة….
“جيت عشان خاطرك والله… مع اني مكنتش
ناويه اجي..”
انعقد حاجبا شهد مستفسرة…..
“ليه كده بس….. خير….”
قالت نصرة برفق….
“تعبت شوية الصبح والضغط علي عليا…بس الحمدلله بقيت احسن….”
على تعبير الحزن وجه شهد فتاوهت بتأثر
وهي تربت على كتف الجدة بحنان…
“لا الف سلامه عليكي… لو كنت اعرف والله كنت قولت لعاصم يخليكي مرتاحة ولا إنك تتعبي نفسك وتيجي المشاور دا كله….”
قالت الجدة بمحبة نابعة من قلبها…
“انا بقيت احسن الحمدلله.. وبعدين مش هاجي لاغلى منكم يعني…. مبروك لاخواتك….”
ردت شهد مبتسمة….. “الله يبارك فيكي ياماما…..”
ثم جلست بينهما بالقرب من عاصم ومالت عليه
قائلة بعتاب….
“لما كلمتك الصبح مقولتش ليه انها تعبانه…..حرام تيجي وهي كده…باين عليها التعب…..”
رمقها بطرف عيناه قائلا بصوت أجش….
“هي اللي صممت تيجي…خافت على زعلك…المشكلة فيكي انتي ياست الحُسن…ليكي تأثير جبار على كل اللي بيحبوكي..”
خفق قلبها بلوعة وعيناها مأسورتين بعيناه….فمسك عاصم يدها ومرر ابهامه بحركة دائرية مداعبة على ظهر كفها هامسًا بحرارة….”وحشتيني يـا شـهـد….”
ابتسمت شهد قائلة بلوعة الشوق…. “وانت كمان….”
لوى شفتيه مؤنبًا اياها بتهكم….
“مش باين اليومين اللي غبتيهم عني مرفعتيش سماعة التلفون من نفسك تطمني عليا…”
قالت شهد بحرج شديد وعيناها تعرف موطنها….
“صدقني كنت مشغولة ليل ونهار….تقريبا انا منمتش ساعتين على بعض في الايام اللي فاتت دي كلها..
غصب عني والله ياعاصم…..”
تحسس كفها برقة باعث ذبذبات حميمية في
جسدها المتعطش له….
هل بسبب الوحم الذي يجعلها تشتهي قرب زوجها منها كلما سنحت الفرصة بذلك… ام انه مفعول الشوق الفتاك في جسدها الظمأن للهوى….
“النهارده هتنامي وترتاحي في حضني…”
همس بها عاصم فاغمضت عيناها لثانية واحده ثم فتحت اهدابها اليه تقابل عينيه القادرتين على
ارباكها بنظرة جادة نافذة……
لعقت شفتيها قائلة بحياء….
“اكيد ياحبيبي….انا محتاجه انام أوي….”
بالقرب من اذنها همس بعواطف
جياشة…. “وانا محتاج حضنك أوي….”
ضحكت دون صوت….فنظر عاصم لها قليلا ثم انزلقت عيناه على بطنها البارزة قليلا من هذا الثوب الرائع….بروز شهي يدل على بذرة حبهما التي تكبر يومًا بعد يوم بين احشاؤها…..
“اي اخبار ابننا…”
وضعت يدها على بطنها بتلقائية الأم….قائلة
ببسمة عذبة…..
“الحمدلله كويس…..أعمل حسابك هنروح للدكتورة سوا الكشف الجاي عشان هتعرفنا نوع الجنين….”
اشاح عاصم بوجهه عنها قائلا….
“يامسهل….ابقي عرفيني قبلها بس….”
نظرت شهد لجانب وجهه بقلق…ثم سالته
بعد لحظات…..
“مالك ياعاصم في حاجة مضايقك…..”
هز راسه بنفي وهو يعود اليها يحتويها بنظرة
حانية رغم الحزن الساكن في حدقتاه….
“ولا حاجة ياحبيبتي انا كويس….”
رفعت حاجبها بتسلط…
“معقول هتخبي عليا…باين في نظرت عينك….”
سالها بهدوء….. “واي هو بقا اللي باين في عيني….”
قالت بحنق بالغ…
” انك مضايق في حاجة حصلت مضايقك…..”
زفر عاصم يخبرها بالقرب من مسامعها وسط
ضجيج القاعة المكتظة….
“ولا حاجة شديت مع يزن شوية….ومديت ايدي عليه…”
خفق قلبها بهلع على سيرة هذا الشاب الذي لم ترتاح له يومًا ربما بسبب الشبه الواضح والكبير بينه وبين
عدوتها…..او لان نظراته الجريئة عليها تضايقها
والهراء الذي تفوه به قبل رحيلها من البيت زاد
نفورها نحوه….
سالته بعد لحظة صمت….”بسبب ايه؟!….”
تنهد عاصم بصدر ضاق بالحزن وخيبة
الأمل…..
“موضوع يطول شرحة….هبقا احكيلك بعدين….”
“انت بتحبه اوي كده ياعاصم….”لم تتوقع ان تنطق بسؤال قفز في عقلها فجأه…..
أكد عاصم بما لا يقبل الشك….
“طبعا ياشهد….. دا ابني اللي مربية…..”
اطرقت براسها غارقة في دوامة من الحزن والذنب
فهذا الابن الصغير يشكل خطر في علاقتهما…
“شامم ريحة غيره….”
قالها عاصم بمرح طفيف…..فجارته في الكذبة مؤكدة
“تصور وصل احساسي معاك اني اغير عليك من ابن
عمك…..”
عقب بجملة تخجلها وتضحكها في نفس
الوقت… “يسلملي الغيور….”
انتشر الوهج في وجنتاها فضحكت بعدها
هامسة بوله…. “عااصم…..”
ابتسم عاصم لعيناها قائلا بعينين تفضيان
عشقًا….
“مين يقدر يوصل لمكانك في قلبي ياشـهـد
مشاعري وقلبي معاكي في حته تانيه……”
رفع كفها وطبع قبلتين حانيتين عليه فخفق قلبها
بسرعة وسرى الدفء في أوردتها….بينما عيناها
مأسورتين به الان……وربما للأبد……
…………………………………………………
تافف حمزة وهو يرى ان الصمت بينهما يزداد قتامة وبرود وسط الفرح والصخب المقام حولهما….
فنظر لها ليجد انها على وضعها منذ اكثر من ساعتين صامته هادئة وان لانت شفتيها بابتسامة تكون مغتصبة جافة أمام عدسات التصوير….
“احنا هنفضل كدا يعني ولا إيه… فهميني…
عايز افهم….”
جزت على اسنانها قائلة….. “نعم… عايز إيه….”
بصوتٍ هادئ سالها…..
“هتفضلي قلبه بوزك كده… في يوم زي ده؟!…”
قالت بتمرد….. “والله اذا كان عاجبك….”
رد بسرعة….. “مش عاجبني…”
قالت باستنكار بارد…. “بسيطه اشرب من البحر….”
عض على باطن شفتيه بوعيد…
“بقااا كده ياقمر….”
أكدت بكبرياء دون النظر لعيناه…..”هو كده…..”
زمجر حمزة ناهضًا عن مقعده….
“تمام…. انا مش هنكد على نفسي ولو القعده عجباكي خليكي مكانك….”
رفعت عيناها اليه بحيرة…. “انت رايح فين….”
رد باسلوب بارد يماثلها…..
“رايح انبسط مع صحابي اللي جايين يجملوني ويفرحوا معايا…..”
وامام عينيها الذاهلتين الحزينتين رأته يدلف بين كومة من الشباب يصيح معاهم بفرح وقد أعطاه احد اصدقاؤه عصا غليظة كي يرقص بها وهم من حوله يهللو بسعادة مع الأغنية التي بدأت للتو…..
(انت جاي منين ياعم انت جاي من اي حته..نفسي
احطك جوا قلبي نفس ابوسك حته حته…..)
ثم نظر الى قمر وبدا يحرك عصاه بخفة امام عيناها
الحانقة…..وتابع وهو يغني مع الأغنية يخصها
بكلماتها شديدة الغزل والوقاحة…..
(العيون والنعمة طلقه انت زيك عمري مالقى من الشفايف نفسي ادوق انت كلك تفحايه حتى روح بص في مراية باختصار انا كلي شوق ياسيد الناس… يا واخد قلبي ومسيطر على القلب وكمان على الراس… ما تهدى ياواد وحن ياواد يامدلع عشقت خلاص ياسيد الناس انا هولع..ياسيد الناس…..)
كان يغني بيده وعيناه وأشار على قلبه بشقاوة اكثر من مرة لكنها بعناد لم تتجاوب معه بل اصرت على صمتها البارد متمسكه بكبرياؤها المطعون !…
رغم ان بنيتاها الجميلة تلمع بشدة عند النظر إليه وشفتاها تلين في ابتسامة تكاد لا تدركها العين…
ورغم هذا كلما تسرب شعور الدفء اليها تضع على
قلبها ومشاعرها أمامه لوح جليد….
فالدفء هو حبها له والحب يعني ندم تتجرع مرارته الان ببطئ شديد…..والسعادة التي يطلبها منها تحولت داخلها لكومةٍ من الرماد……
انتبهت الى شابة جميلة بثوب أزرق قصير ترقص بالقرب من حمزة المنشغل بين اصدقاؤه يغني ويرقص معهم بعصاه…..
تلاقت عيناها بعينا حمزة الذي خلع السترة فورًا وكورها بين يده ثم رفعها على مرمى عيناه…..
اغمضت قمر عيناها بصدمة وظنت لوهلة بانه سيلقي السترة في وجهها امام الجميع لكنه أعطاها الى صديقة في اللحظة التالية وهو يضحك…ضحكة مستفزة اختلج معها قلبها…..
فعادت عيناها تشتعل بالغيرة من تلك الفتاة التي تكاد تلتصق به في تمايلها بين الشباب…وخزة قوية اصابت قلبها المجروح… وخزة اشبه بنخر في العظام مما جعلها تنهض بهيئة العروس وتقترب منه جاذبة الأنظار لها…..
عندما راها حمزة اقترب منها تارك الشباب خلفه مع بعضٍ من الفتيات اللواتي انضما للرقص بعد ان نالت الأغنية إعجابهن…..
رقص حمزة امامها بالعصا وهو يغازلها بعسليتاه
البراقة في منتصف ساحة الرقص……..
(الخدود…. الخدود تفاح مقشر على الشفايف والشفايف أحلى واطعم من الكريز القوام
….القوام والشعر لاسمر فوق كتافك…)
مسك خصله من شعرها واستنشقها بشوق فنزعتها قمر بضيق مرتديه قناع الجمود…
فـوقوفها أمامه هكذا لم يكن إلا فرض سيطرة أنثوية
عليه ليس إلا……
زم حمزة شفتاه وهو يمسك يدها بتسلط….والاغنية
مستمرة…..
(ماتهدى ياواد وحن ياواد يامدلع عشقت خلاص
دا انا هولع…ياسيد الناس…..)
حاصر خصرها بعصاه وهو يميل عليها هامسًا
بكلمات الأغنية……
(انت جاي منين ياعم انت جاي من اي حته…نفسي احطك جوا قلبي نفسي ابوسك حته حته…العيون والنعمة طلقه انت زيك عمري مالقى باختصار انا كلي شوق….)
اغمضت عيناها على كتفه وسالت دمعتين حارتين على وجنتيها…..
…………………………………………………
مسك سلطان يد زوجته سائلا
بقلق…. “حاسه بتعب دلوقتي….”
افترقت شفتيها في ابتسامة
حانية….
“يعني شوية…. اطمن انا كويسه…”
قال بوعيد وهو ينظر الى بطنها….
“لم يجي ابن الكلب ده…. هيطلع كل ده عليه….”
شهقة داليدا بدلال قائلة……
“اخص عليك ياسلطن دا انا مستنياه بفارغ الصبر…”
ثم وضعت يدها على بطنها وتحسستها بمشاعر الامومة التي تتمكن منها يومًا بعد يوم…..
“انا كل يوم بيعدي عليا… بتعلق بيه أكتر… من غير
ما اشوفه بحبه أوي….”
زم سلطان شفتيه بغيرة….
“وناويه تسميه إيه اللي هيشاركني في حبك ده..”
برقة عينا داليدا بعد لحظة تفكير…
“اي رأيك في محمد….”
ابتسم سلطان باستحسان وعقب بمشاكسة….
“يعني بقيتي ام محمد رسمي طب ولو بنت….”
قالت بسرعة…..
“هسميها مليكة…. بحب الاسم ده أوي….”
اتكأ سلطان على يدها بين قبضته قائلا
بلهجة تفيض عشقًا….
“وانا حبيته عشانك يا ام محمد ومليكة….”
ارتاحت براسها على كتفه
هامسه….
“بحبك اوي ياسلطن….”
طبع قبلة على جبينها قائلا
بخفوت…
“وانا بموت فيكي يادواد…..”
ثم ظلت اعينهما معلقه على ساحة الرقص حتى عقبت داليدا بابتسامة بسيطه…..
“الفرح حلو أوي مش كده…..”
اكتفى سلطان بايماءة من عيناه يوافقها الرأي وخده يرتاح على راسها بينما ذراعه تحيط كتفها بامتلاك ولم يهتم بنظرات أحد من حوله ففي لحظة قلق واهتمام بزوجته الحامل أصبح نسخة مصغرة من والده الذي كان يرى اظهار مشاعره بتلك الصورة ضعفٍ…
الان فقط علم ان الضعف الحقيقي فمن حجب
الحب عن احبابة خلف قناع الصمت والجمود…
…………………………………………………….
وقفت كيان بثوب الزفاف الرائع والمريح في الحركة فتنورة به تأخذ اتساع بسيط يسهل السير والحركة.
بدأت تتمايل في ساحة الرقص امام عينا سليم والجميع من حولهما يطلق صيحات صاخبة تشارك فرحتهما وبعضٍ من أصدقاء الجامعة القدامى اطلقوا الزغاريد والتصفيق الحار فاعلين جوٍ رائع مع الأغنية التي اختارتها كيان لتغنيها الى سليم مع صوت المغني…..
بدأت تميل بخصرها وهي تقول مع الأغنية
بشقاوة….
(ياعم وعم قلبي…يامعلمني الهوا….اتفضل جوا قلبي تعالى نعيش سوا….ياسيد الناس ياجامعة في الحب وفي الملوعه انا قلبي ناره والعة وفي ايديك الدوا اديني هات هات هات…اديني هااات هات هات…..)
ضحك سليم بقوة وهو يمسك يداها فمن فتاة محبى
للكيدراما لعاشقة تعبر عن مشاعرها باغاني شعبية
لم يسمعها يوما إلا عن طريقها هي ؟!…
تركيبة عجيبة يقف المرء امامها مشدوهًا يتجدد الشغف لديه على الاقل كل دقيقة بقربها…فتلك العصفورة حياةٍ كامله بتفاصيل مبهجة بالحب والحياة التي كان بحاجة لها قبل ان يصادف
حبها خلسة..
ظلت عيناه تتاملها بعينين عاشقة بينما هي تتابع غناء وهي تعطيه غمزة شقية…..
(صباح أبيض وقشطة وخالي من القلق وخالي من
الاونطه يا أجمل ما خلق….تعالى اسقيك غرام ونخلص في الكلام……تعالى اسقيك غرام ونخلص في الكلام…..)
وقفت ترقص بين اصدقاؤها اللواتي صاحوا
معها بصخب…..
(ياسيد الناس ياجامعة في الحب وفي الملوعه…اديني هات هاات… اديني هاات
هاات هاات……)
سحبها سليم بعد لحظات من ذراعها بخفة لتقع على
صدره فرفعت عيناها الامعة اليه واحاط هو خصرها بكلتا يداه ثم دوى صوت المغني مستمرًا بسلطنة وهي بين ذراعي زوجها تتمايل….
(انا عايزك تبقا ليا والحب اتهنى بيه ونقضي اغلى غيه هناخد من الدنيا إيه…غير حبة المحبة ما تيجي نكون أحبه…غير حبة المحبة ما تيجي
نكون أحبه..ياسيد الناس ياجامعه فى الحب وفى الملوعه ان قلبى ناره والعه وفى اديك الدوا…)
حملها سليم عن الأرض ودار بها امام الجميع وهي في احضانه تخفي وجهها الضاحك في عنقه هامسة بعدة كلمات متوسلة تنتهي بـ…….(بحبك)….
…………………………………………………………..
بعد ان انتهى الاحتفال صاعدا الى غرفة مخصصه للعرسان في قلب الفندق الفخم قد حجزها سليم
سابقا للمبيت بها ثم ينتقلا غدًا في الصباح الباكر
الى أحد المناطق الساحلية البعيدة عن هنا لقضاء شهر عسل كما اتفقا…..
دلفت كيان من باب الغرفة ووقفت في منتصف المكان ترمقه بنظرة متفحصة وبملامح هادئة
أغلق سليم الباب خلفه واقترب منها….ثم عانق خصرها من الخلف محتويها بذراعيه هامسًا بالقرب
من اذنها بصوتٍ أجش مرهق….
“مبروك ياعصفورتي…واخيرًا بقيتي مراتي…بعد
عذاب…..”
اطلق زفرة صغيرة اربكتها اكثر من كلماته الممهدة
للقادم….. زفرة تحمل عطره القوي….كـقوة خفقات
قلبها الان بقربه…
الأمر صعب….صعبٍ جدًا ان مفاصل قدميها تهتز
اسفلها وكأنها ستسقط من مجرد زفرةٍ بالقرب
من اذنها….ماذا ان عانقها وقبلها ومد يده على
جسدها بوقاحة…..
بلعت ريقها بصعوبة وهي تنزع جسدها عنه فجأة
لتلف حول نفسها في مواجهة صريحة لعيناه…
فابتسم سليم وهو يتأمل وجهها…وجمالها كعروس بـهيئة خلابة ونظرة خيلاء قوية المعاني….
زادت لمعة عيناه مكرًا فاليوم سيفسد الهيئة والنظرة
ويحولهما للوحة فنية، لامرأة هائمة بين ذراعي زوجها فاغرة الفم بعينين فيروزية تلمع من شدة النشوة……
لطالما زاره هذا الحلم الخبيث خلسة في ليالٍ باردة
دونها….وكان يتمتع برؤيته وكأنه المنفذ على الصبر عليها طوال تلك الأشهر التي كتبتها عليه كالحجر الصحي….
اقترب منها سليم خطوة قائلا بشقاوة…
“ايه مفيش مبروك ياحبيبي…..سرانغي حتى….طب واحده مبروك بالكوري….”
مطت كيان شفتيها….. “تشوكاهي يـاسليم…..”
غمز لها بمناغشة وهو يقترب منها خطوةٍ أخرى…
“تشوكاهي علينا كلنا والله….دا اليوم اللي مستنية
ياعصفورتي…. ”
تبادلا النظر بصمتٍ فقال سليم والبسمة محفورة
على محياه…..”مش هتغيري ولا إيه…..”
ارتبكت وتراجعت خطوة للخلف…
“اغير…….اغير إيه بظبط….”
نظر للثوب قائلا بإيجاز… “الفستان هتنامي كده….”
نظرت لموضع عيناه ثم عادت إليه وقالت بوجهًا
شاحب… “لا اكيد هغيره…”
بنظرة حانية تعجل قائلا…..
“طب يلا عشان انا كمان عايز اغير البدلة….”
ارتعبت فجأه وقالت وهي تتراجع
للخلف….
“تغير البدلة…..ليه….هتغير ليه….”
انعقد حاجباه متوجسًا….
“اي الاسئلة دي ياعصفورة أكيد مش هنام كده يعني…..”
سالته بعفوية…. “هو انت هتنام ؟!…”
رد سليم بمشاكسة وقحة….
“دا يوم ينفع الواحد ينام فيه برضو….ما احنا يامه
نمنا خدنا إيه…. ”
نزع سليم السترة عنه والقاها على الفراش باهمال….
فقالت كيان بذعر…
“انت بتقلع الچاكت ليه…..”
رد ببساطه وهو يفك ربطة العنق
ايضًا…..
“حران انتي مش حرانه برضو….”
ثم استرسل بخبثٍ شقي….
“متفكي كده…..تحبي اساعدك في قلع الفستان
انا حاسس انه صعب….”
قالت بتهرب وهي ترتجف بخوف…
“لا مش صعب خالص دا بيتلبس وبيتقلع بسهولة
متشكرة..”
زم شفتاه ممتعضًا…. “العفو…..”
ثم نزع سليم ربطة العنق وهو يسالها
بوجوم….
“هو انتي مالك ياكيان قفشه ليه…..”
نظرت له بطرف عيناها قائلة
بتردد..
“قفشة ازاي يعني مش فاهمة….”
فتح أول ازرار قميصة وهو يذكرها بسخرية
لاذعة…..
“يعني في القاعة تحت كنتي فكه كده وفرفوشة
وبتغني اسقيك غرام وتعالى نكون احبة فين
الكلام ده….”
توهجة وجنتيها بحرج شديد فقالت بدفاع…
“دي مجرد اغنية ودا تعبير مجازي اكيد مش
هسقيك غرام يعني…”
لوى شفتيه مستهزاء بملامح
قاتمة..
“امال هتسقيني إيه….مرار !!..”
فغرت شفتيها مع اتساع عيناها وقالت بعد
لحظة استيعاب…..
“اي سوء الظن ده…اكيد لا بس يعني انا لسه
مش واخده على الوضع الجديد….”
سالها بسأم…. “وهتاخدي عليه امتى…..”
قالت هازئة بمزاح ثقيل…..
“لما اغير الفستان……انا شايفه اني لو قلعت الفستان
هقلع برقع الحيا معاه…”
تجاوب معها بوقاحة معقبًا…
“مش لدرجة برقع الحيا….اقلعي الفستان وسيبي البرقع انا هقلعهولك بطرقتي….”
زفرت كيان بنفاذ صبر وهي تحتج…
“معنى كلامك انك…. عايز تعمل قلة ادب…..
ومعايا…..”
رفع حاجبه مندهشًا ثم لم يلبث الى وصفق
مرتين لها مجيبًا بسلاسة…..
“بسم الله ماشاء اي الدماغ والمفهومية دي…اكيد
ياعصفورة الجاي كله ملوش علاقة خالص بالادب…”
عضت على باطن شفتيها قائلة بتخوف…
“بس انا….انا مش مستعده…اي رأيك نصبر شوية
اهو نقرب من بعض اكتر….”
“عندك حق…. تعالي…..”سحبها فجأه من خصرها
الى احضانه…فقالت برهبة…
“بتعمل إيه ياسليم….”
رد بصوت مضطرم بالعواطف….
“بنقرب من بعض أكتر مش ده اللي انتي عيزاه…”
ازدردت ريقها بتردد…. “انا أقصد….”
قاطعها سليم بحزم وهو يحررها من بين يداه
برفق…
“غيري الفستان وخدي وقتك….بدل ما اغيره انا بطرقتي….”
قالت بتهدج….. “ليه العنف ياسليم…..”
اجابها بصوت حاني دون تبسم….
“فين العنف ياعصفورة….انتي اللي قلبك حجر وعايزة تبوظي اليلة بكلام فارغ…..”
…………………….
دلفت الى الحمام وبين يدها هاتفها وقميص نوم حريري قد وصتها داليدا ان ترتديه بعد ان ابتاعته
لها كـهدية عرسها…..
رفعت الهاتف على اذنها وهي تقف خلف باب الحمام بقلب متسارع الخفقات….
هتفت بهمسًا منخفض جدًا حتى لا يسمعها سليم
بالخارج….
“داليدا الحقيني….انا نسيت اللي انتي حفظتيهولي..”
قالت داليدا على الخط الاخر بصوتٍ مجهد..
(نسيتي ازاي يعني…دا انا عدت الكلام عليكي اكتر من مرة….)
قالت كيان بأنين متوسل….
“اهو اللي حصل بقا…قوليلي اعمل إيه…انا متوترة
انا خايفه منه…..انا حاسه انه هياكلني….”
ضحكت داليدا بقوة ضحكة مائعة رنانة ثم تأوهت
في الاخير وهي تضع يدها على بطنها بتلقائية..
(يخربيتك ياكيان….بطني وجعتني اكتر ماهي
وجعاني….هياكلك ازاي يعني…..مش للدرجادي
الموضوع سهل وبسيط…..محتاج شوية ليونه منك.)
زمت كيان شفتيها مستهجنة….
“ليونة اي بس هو انا راحه العب يوجا…بقولك ياداليدا حاسه انه هياكلني….نظراته غريبة..
غريبة أوي….مش مريح… ”
قالت داليدا باسلوب خبير…..
(ماهما نظراتهم بتبقا غريبة لما الموضوع يرتبط بالي
بالي بالك….والحنية بقا والصبر بيدلدقوا منهم…..
سبحان يعني من مغير الاحوال بيبقوا حالة تانيه..)
زفرت كيان بتوتر متحدثه بعدها بسرعة البرق…
“طب انا اعمل ايه ياداليدا اتصرف إزاي… اسأل شهد
هتقولي الحمدلله…تقريبًا متعرفش غيرها في الاسئلة
اللي زي دي…. طب اتصل بـقمر…. طب افرضي رنيت
في وقت غير مناسب وهما مثلا مع بعض… شكلي هيبقا إيه…. وممكن حمزة يقلق عليا فيروح متصل
بسليم وتبقا فضحية….”
انهت كيان الحديث بلطمه قوية على صدرها…
فزمجرت داليدا بقنوط….
(الله يخربيتك ياكيان وترتيني انا وابني…انتي بتكلميني منين بظبط… هو جوزك مش جمبك..)
قالت كيان بهمسًا….
“لا طبعًا….. انا بكلمك من الحمام….”
شهقة داليدا قائلة بتعجب….
(ماشاء الله في شبكة في الحمام دي بتقطع عندي
مسافة ما بدخل اوضة النوم…)
جفلة ملامح كيان لبرهة ثم جزت على اسنانها
قائلة بانفعال مكتوم….
“انتي بتقولي إيه… شبكة ايه وزفت ايه دلوقتي..
اعمل ايه ياداليدا انا خايفه…..”
قالت داليدا بجدية…..
(خديها قاعده من اختك داليدا اللي تخافي منه متلاقيش احسن منه….خدي دش بارد كده وفوقي
والبسي البيبي دول اللي انا اشترتهولك واخرجي بيه…)
رفعت كيان حاجباها معًا…. “بس كده…”
قالت داليدا بمناورة….
(أيوه بس كده… مهمتك انتهت لحد كده…)
ابتسمت كيان وهي تاخذ انفاسها بارتياح…
“والله طب ماهي سهلة وبسيطه اهي امال انا رعبة
نفسي ليه….”
قالت داليدا بمناكفة لذيذة….
(مش عارفه انتي منكدة على نفسك ليه صحيح خليكي فرفوشة كده… وبعدين انتي مش كنتي عماله
ترقصي قدامه في الفرح وتقوليله انا قلبي ناره ولعه
وفي اديك الدوا….ما تسبية يطفي نارك يابت…)
اطلقت داليدا بعدها ضحكة عالية رنانة الإيقاع
معها زمجرت كيان بوجهًا محمر غضبًا….
“ااه ياداليدا ياجزمه…. والله لو شوفتك هاكلك
بسناني…”
قالت داليدا باسلوب كياد…..
(ياختي اتنيلي دا انتي اللي هتتاكلي كمان شويه..
يابتاعت النار والولعه…فين قمر تشمت فيكي..)
هتفت كيان باهتياج…..
“ماشي ياداليدا انا اصلا بنادمه مهزءه اني اتصلت بيكي انتي عشان تنصحيني في ساعة زي دي
استاهل ضرب الجزمة….”
خففت داليدا من مزاحها قائلة بحنو….
(ماشي ياستي هعتبرها كلمة شكرًا بتاعتك.. ابقي
طمنيني الصبح ها…و زي ماتفقنا اعملي… سلام ياعروسة…..)
اغلقت كيان الهاتف وهي تنظر الى قميص النوم الحريري بين يداها للحظات مفكرة ثم زمت شفتيها معًا باستسلام وهي تفتح صنبور الماء وتبدأ بنزع ثوب الزفاف عنها…
تململ سليم وهو ممدد على الفراش بعد ان ارتدى
بنطال مريح تارك صدره العاري عرضة لهواء المكيف
ولعيناها….
فـفور خروجها من الحمام تسمرت مكانها تنظر اليه
هكذا….صدره العريض العضلي المتشرب قليلا من سمار أشعة الشمس وذراعيه القويتين الصلبتين…..
انه يمتلك وسامة مهلكة تجعلها الان تقف كالبلاهاء تنظر اليه…
شعر سليم انه عرضة للمراقبة فرفع عيناه على
باب الحمام ليجدها واقفه عنده تنظر اليه بشرود….
ازدرد ريقه وهو ينهض من مكانه واقفًا امامها عن
بعد خطوات وعيناه تسبح في تفاصيل جسدها
بعد ان ارتدت هذا الثوب القصير الذي لم يترك للمخيلة شيءٍ….
كان ثوب حريري قصير من اللون الوردي الشاحب
يلتف على جسدها الناعم يبرز مفاتنها وحسن قوامها يكشف عن بشرتها البيضاء وذراعيها وكتفها وساقيها المكتنزنان شديدتا البياض والمعان….شعرها البندقي مرتاح على كتفها وزينة وجهها مزالت تترك اثر عليها
وكانها تنتظر سيدها كي يفسدها لها باسنانه وشفتيه
تقدم منها بخطى هادئة وعيناه تلمع بالرغبة والاشتياق…..
فعلى تنفس كيان بشكلا ملحوظ وبدا يتحرك صدرها
بحركة بسيطة وهي تنظر اليه بتردد شاعرة بركبتها
تتخبط اسفلها بوجل…..
حتى وقف سليم أمامها وعيناه تلتهمها بنظرات جريئة متقدة تكاد تصهرها…..
وضع سليم يده على فكها ورفع وجهها اليه برفق حتى اصبحت عيناها في قبلة عيناه المنتظرة
بلهفة….
“اي الحلاوة دي عصفورتي… دا انتي مُزة….”
اتسعت عينا كيان بصدمة… ولم تتوقعها منه…
فمالى عليها قائلًا بهمسة حارة..
“يخربيت حلاوتك…..دا واضح ان هالة كانت بتدعيلي من قلبها….”
وقبل ان تترجم الجمل وتمعنها وجدت شفتيها تلتهم
بداخل فمه وسائل دافئ يلطخ من حولها…
زاداد اتساع عيناها بصدمة مشمئزة.. وقد تخشب جسدها كليًا بين يداه لوهلة غير مصدقة ان القبل التي كان يرتجف معها قلبها في بعض المسلسلات الكورية… بهذا القرف…
لماذا يستعمل لسانه في فمها….ما العبرة ؟!…ولماذا
يداه تزداد جرأة وكأنها ترسم جسدها ومنحنياته
البارزة……
لم يلمسها أحد هكذا ولم يقبلها احد هكذا…كل شيءٍ
جديد وغريب….
قلبها يرتجف بشدة بين اضلعها رجفة غريبة..رجفة محمومة متجاوبة معه…..بل انها بدأت تفتح فمها
اكثر مستقبلة قبلاته الناهمه بضعف وانين غريب يصدر من جوفها الظمأن للحب.. وقد بدا جفناها
في الارتخاء بنشوة….بل ان مفاصل جسدها كلها
ارتخت وذابت بين يداه….
لدرجة انها سقطت بضعف فالتقطها سليم قبل ان تسقط ارضًا ثم رفعها بين ذراعيه بخفة وكأنها
لا تزن شيء…..
ولم يفكر في التوقف عن تقيبلها بل كانت شفتيه
الشهوانية تلثم كل ما تقابله….شفتيها…. وجنتاها عيناها المغمضة… انفها….هبوطًا الى جيدها الذي يقضمه باسنانه بخفة تارك علامات ملكية عليه…..
وضعها على الفراش منضمًا لها ففتحت كيان عيناها
وهي تنظر اليه بوجهًا احمر خجول….
“سـلـيـم….”
داعب سليم انفها بحب هامسًا امام شفتيها المتورمة الحمراء اثار هجومة العاطفي….
“ياقلب سليم….. بحبك ياعصفورتي…..”
ابتسمت بوجهًا متوهج فاقترب من شفتيها مجددًا
يقتحمها بالقبل الحارة…..ويداه تعمل على نزع قميصها الحريري الذي أفقدهُ صوابه فور رؤيتها
به…..
جرفها معه الى غيمةٍ وردية دافئة استقرا عليها لساعات يمارسا الحب لأول مرة…..
………………………………………………………….
اغمضت عينيها وهي تنظم انفاسها المرتجفة مرتاحة
براسها على صدره ويده تداعب كتفها العاري بانفسًا
متحشرجة….
لم تتوقع ان يتفوق شوقها على حياؤها معه فتكن
بين يداه أمرأه كالبُرعم تتفتح مع حرارة أفعاله تزدهر مع كل قطرة حب يصبها عليها….
كان متلهف في قبلاته يغزو شفتيها باسنانه وشفتيه
يلتهمها بنهم…. يدلل جسدها بلمسات في مداعبة صريحة شديدة الجرأة تبث بها النشوة….يخدر حواسها بمفردات الحب بعضها شاعري… والاخر
وقح….
وقح عندما يتغزل في جسدها بكلمات تصهرها كليا
بين ذراعيه وصفٍ صريح فتاك…يجعلها تئن مع الحديث وكانها محمومه….
كيف لها ان تقاوم ولا تشتاق للطوفان العاطفي الذي يغرقها به كلما انغلق بابهما واختلى بها فمن مجرد نظرة الى عيناه المطالبة بها يسري دفئًا حميميًا بين جوانحها وتسلم له بنظرة خانعة للهوى و… وله !..
ابتسم عاصم وهو يلامس بشرة ذراعها الناعمة على
اصابعه شاردًا في ساعات القليلة التي قضاها معها
بعد وصولهما للبيت واغلاق غرفتهما عليهما…
لم يكن صبور وهو ينزع ثوبها الناعم عن جسدها
ويغوص بهذا النعيم الذي حُرم منه لأيام طويلة
عجاف….
دون سيدة الحُسن وجمالها… وجنتها.. ومع كل
مرة يكتشف انه ليس عاشقًا لها بل هو مدمنًا عليها
وهذا أصعب شعورٍ يصل اليه مع أمرأه…
لم تكن ككل النساء ومؤكد سيظل شعوره معها منفرد ومميز……فهو يعشقها بشدة…..وهي….
هي مسطور في عيونها الحب وقلبها يفيض به
وبين شفتيها يختبئ التعبير عنه….تمتنع عن
قولها وكأنها معها نهايتهما !…
رغم ان افعالها توضح انها تقع في غرامه يومًا بعد
يوم وكانها مسحورة بالهوى ؟!…..
لو كان بيده لطلب منها سماعها لكنه يمتنع بكبرياء فان طلبها على هذا النحو ولفظتها بعد الحاح ربما تضيع حلواه الذي ينتظرها كل يوم على أمل ان تنطق بها في اي لحظة وباي صورة..
ان فكر في هذا الامر بصوتٍ عالٍ ربما سخر من
نفسه.. احتقر الرغبة الملحة بداخله لسماع كلمة بسيطه بها من الاحساس حياة لانعاش قلبه الملتاع
في حبها….
يشعر انها ستنعش داخله جزءًا يحتاجها كي يفيق
من نوبة التصدع الذي يستشعرها معها..
هو مؤمن ان الأفعال خير دليل عن الحب لكن
الكلمات والتعبير ميثاق قوي بين الأحبة بها
نتطمئن ونتابع دون تصدع او تشكيك…..
ليته قادر على كسر كبرياؤه نحوها، مطالبها بالحب
وكما تاخذ منه تعطي دون بخلًا….
بخيلةٍ حبيبته وبخلها في الحب يصيبه بالجنون
فيكن الشرود والحيرة هوة يقع بها لساعات
وساعات دون ان تشعر به….
قالت شهد بعد لحظات من الصمت….
“دا اكيد حصل لمخه حاجة…إزاي اصلا يكلمك بطريقة دي…..”
قال عاصم بصوتٍ رخيم….
“يزن لسه صغير…ويمكن الخبر اللي سمعه هزه
شوية..وزعل عشانه امه….”
انهى حديثه وحل الصمت ومزال يداعب بشرتها وعيناه معلقه على سقف الغرفة التي تنير نسبيًا بمصباح خافت الانارة….
انعقد حاجبي شهد وهي ترتاح على صدره وقالت
بنبرة مثخنة….
“من كلامك واضح ان امه مش في دماغه اصلا هو
خايف على فلوس أبوه اللي ممكن يشاركه فيها
حد تاني…”
مط عاصم شفتيه متشدق بحزن كئيب…
“يمكن…..يزن اتغير وكل مرة بحس انه بيبعد اوي
عني..وكاني بقيت عدوه…نظرته حتى اتغيرت بقا
فيها كره….معقول يكون بيكرهني….”
تشنج جسد شهد تلقائيًا وعرقلت الكلمات غصة مسننة واقفه في منتصف حلقها مباشرة….
هل هي السبب هل شبيه امه هذا يكن لها مشاعر فعلا
ام انها تتوهم…ترفض التصديق حتى الان ترفضه
بشدة وكانه وباءا سينهي حياتها !!..
اغمضت عيناها بقوة فكلما فكرت في الامر تشعر بالغثيان…..وتألمها معدتها وكان طفلها ينفر من
مجرد تحليل الأمر…..
وضعت يدها على بطنها تتحسسها بضياع خائفة بشدة….
قالت شهد بعد لحظات تقتل الصمت الذي جمدهما
معًا….
“مش معقول بيكرهك…اكيد مش انت المقصود..
يمكن الخبر ضايقه زي ما قولت فطلع نرفزته عليك
غصب عنه يعني….”
ثم رفعت راسها اليه وسندت على صدره بذقنها
قائلة بدلال وهي تداعب لحيته السوداء المشذبة
باصابعها الناعمة….
“وبعدين مين دا اللي يعرفك ويكرهك…دا يبقا
غبي…..”
لمعة عينا عاصم ببهجة بسيطة ضائع في جمال عيناها تحت الاضاءه الخافته والتي اضحت بنورها كشهاب ساطع شديد التوهج…..سالها ويده تلمس خصلةٍ ناعمة متدلية بجانب فكها….
“يعني انتي اول ما شوفتيني حبتيني ؟!….”
قالت شهد بهمسًا كالخرير وعيناها تشعان شقاوة تزورها نادرًا…..
“لا بصراحه في الأول مكنتش مستلطفه وجودك
خصوصا معاد الساعة عشرة ده كان بيضايقني
اوي…بيفكرني بزيارات المفاجاة اللي كانوا بيعملوها
الوزارة زمان ايام الدراسة…”
ابتسم عاصم وضاقت عيناه
مستفسرًا….
“انا كنت صعب اوي كده….”
اكدت بمنتهى الصراحة المطلقة….
“جدا بذات وانت داخل عليا…هي دخله كلها هيبة
بس بتوتر….ببقا واقفه قدامك مش عارفه اعمل
إيه بتقعد تبص هنا وهنا….وكانك مدايني…”
فلتة ضحكة خشنة متذكر وقوفها امامه بمنتهى الملل والغضب….واحيانا كانت تقوم بطرده بأدب متحججه بالعمل…..
من يصدق ان المرأه التي استأجرت منه المطعم
بالاتفاق مع اخيها الذي مضى العقد بدلًا منها ستكون
زوجته يومًا ما ، والان تحديدًا هي بين احضانه عارية بعد ان ارتوى من رحيق انوثتها منتشيًا….
سالها عاصم بمشاكسة…
“طب وبعد كده…بقت زيارة الساعة عشرة إيه؟!…”
قالت شهد بعينين هائمتين معترفه بخجلا…
“بقت لطيفة…بقيت بستناها بتفضل عيني تتحرك
مع عقارب الساعة…ملهوفة على معاد الساعة عشرة
والصايغ اللي وجوده لسه بيوترني بس برضو بيطمني وبيفرحني أوي مسافة ما بشوفه….”
انعقد حاجبي عاصم وهو ينظر لعسليتاها البراقة
بعتاب…..
“وكل ده كنتي حاسه بيه من قبل حتى ما تقدملك..”
عضت شهد على باطن شفتيها قائلة بخفوت…..
“كنت حاسة.. بس كنت خايفه… كنت بحاول أهرب منك باي طريقه وباي شكل لكن انت مكنتش بتديني الفرصة لده… علقتني بيك يوم بعد يوم لقيت نفسي
مش قادره ارفض مشاعرك ولا قادرة امنع نفسي عنها…..”
سالها عاصم…”عارفه ده معناه إيه….”
حدقت به قليلا ثم قالت بحرج
بعد فترة…”اني طماعه….”
هز راسه بنفي ثم قرص وجنتها
بحنو…”انك مجنونه…”
ابعدت شهد يده قائلة بجدية…..
“متغيرش الموضوع.. خلينا نرجع لموضوعنا… انا
متوقعتش خالص انك تكون عارف بجوازة عمك
من چيهان دي…..”
رفع عاصم حاجبه جافلا وقد اظلمت
ملامحه فجأة….
“مين قالك انها اسمها چيهان… انا مقولتش إسمها
خالص وانا بحكيلك…..”
اهتزت حدقتا شهد فاخفضت عيناها
قائلة….. “لا قولت….”
اصر عاصم بثقة وعينيه ثاقبتين عليها….
“انا عارف انا قولت اي كويس… عرفتي اسمها
منين؟!….”
صمتت لثوان ثم قالت وهي تنظر الى عيناه
بثبات انفعالي…..
“من ماما نصرة ماهي حكت ليا عن اللي حصل الصبح بينكم واللي خلاها تتعب بسببه..”
زفرت داخليًا بارتياح ، فحمدًا لله ان الجدة سردت
لها بعض تفاصيل شجار الصباح وذكرت دون قصد
زواج مسعد من المدعوة جيهان…..
كيف تخطأ هكذا امام عاصم….غبية ياشـهـد…ان علم
انك من اشعلتي البيت بأخبار الهام بزواج لن يرحمك…
لكنها كانت تاخذ جزءًا من الثأر جزءًا بسيط عن
حلم ضاع وصديقه باعتها واشترت مكانها اموال غريمتها….
كلما فكرت في الانتقام تجد حبها لعاصم وحملها
منه قيد حديدي يقيدها فتقف مكانها مشلولة
تاركه نفسها للايام وخباياها…..
توقف سيل الأفكار داخلها مع حديث عاصم
الذي رد عليها بهدوء…..
“عادي يعني….عمي مش صغير هو ادرى بمصلحته
وطالما مش مرتاح مع مراته يبقا من حقه يتجوز
ويدور على راحته في حته تانيه… ”
اشتعل صدرها فجأه فلوت شفتيها
مستهجنة…
“واضح ان الموضوع عندكم عادي….”
رد عاصم بهدوء….
“الشرع بيقول كده محدش اخترع ده….”
قالت شهد بتجهم……
“واضح انكم متعرفوش في الدين غير الشرع
محلل اربعة…..”
نظر عاصم لها لوهلة ثم اردف بصوتٍ غليظ
متزن…..
“انا عارف ديني كويس وعارف الأسباب اللي تدي
للراجل الصلاحيات للزواج وعمي مخلفش الشرع
لانه عنده اسباب قوية تخليه يتجوز تاني….”
قالت شهد بوجوم….
“انا مش بتكلم في موضوع عمك انا بعمم… ليه
الراجل عمتا بيهرب من الست لست تانيه اي
الحكمة فده….”
رد عاصم بصبرٍ…..
“لانه مش مرتاح معاها فـبيدور على واحده تفهمه
وتريحه…..”
هزت شهد راسها موضحة وجهة نظرها بصوتٍ
رغم الهدوء حاد المعاني….
“انت مش فاهمني يعني احنا مثلا كستات لما بنجرب
حظنا مرة في الجواز عمتا ومش بنرتاح مع شريك حياتنا بنلجأ للطلاق وبعد كده بنرمي طوبة الجواز
نهائي ومش بنفكر فيه إلا لأسباب مادية او ضغط
الاهل والمجتمع علينا… بس لو الست اتسابت لهواها وكانت بتعيش وسط مجتمع متحضر فكريًا مش هتفكر تربط نفسها براجل تاني بعد تجربتها الأولى..”
لم يقاطعها عاصم بل ظل يستمع لها بتأني والهدوء
والتفهم يعلوا ملامحه المسترخية…فهو يعشق النقاش معها ويحب ان يسمع لها حتى وان كان الحديث ضد سجيته……
استرسلت شهد تهاجم بني آدم بتهكم….
“لكن انتم بتصلحوا حياتكم بجوازة تانية بنزوات
جديدة وهكذا… احيانا كمان تلاقي واحد بيحب واحده اوي لكن ميحصلش نصيب بينهم فـيروح ينساها بواحده تانيه ويستنزف مشاعرها وحبها..
اي المبدأ ده…مش فاهمه….”
رد عاصم بخشونة….
“مش كل الرجالة بتنسى حبها بالطريقة دي…”
سالته بحاجب مرفوع…. “امال بتنسى إزاي…..”
شرد قليلا بعيناه عند جمالها السحري بوجهها وعيناها تحت خط الاضاءة الخافته وهي ملتفه هكذا بالغطاء تناقشه بحدة وهي مسالمة بين ذراعيه عارية الجسد بعد ان مارسا الحب بمنتهى التفاني…
عادت شهد تساله مجددًا بفضول
وعيناها معلقه عليه…
“امال ازاي بينسوا حبهم ؟!…..”
سحب عاصم نفسًا أجش وهو يخبرها بجد….
“فيه اللي بينسى بواحده ست زي ما قولتي وفيه
اللي بيعيش على الذكريات دافن نفسه جواها وفي
اللي بيركز في شغله واهدافه في الحياة وبيلغي قلبه…. وحتى لو دخل في علاقة هيبقا مكمل
بيها بعقله… رغبة مش أكتر…”
سالته بتردد وعيناها تحكي الكثير….
“وانت بقا انهُ واحد فيهم… لو في يوم حبيت
تنساني…..”
عبس وجهه بعد رضا….. “اي الكلام ده….”
دفعها حسها الانثوي فقالت بالحاح….
“يعني افرض متهربش من السؤال…ازاي ممكن تنساني… ”
رد بعد لحظة صمت نطقت عيناه بهما الكثير مما جعلها تخجل من طرح السؤال…
“بالموت…..”
اختلج قلبها بالنبضات واهتزت حدقتاها بعدم
فهم…..فتابع عاصم وعيناه تنطقان بالكثير….
“نسيانك بموتي ياشـهـد….. ملهاش حل تاني…”
فغرت شفتيها بصدمة محدقة به…فهي لم تتوقع
الإجابة ولا وقوعها القوي على اذنيها….وقلبها..
أردف عاصم وهو يسبح بعيناه في بحرها الذهبي
المتوهج…..
“معتقدش اني هقدر في يوم انساكي او أبطل احبك
صعب ياست الحُسن….. صعب اوي….”
انسابت دموعها فجأه وقالت بارتجاف مفاجئًا
لها قبل ان يكون له…..
“بعد الشر عليك….ربنا يجعل يومي قبل يومـ…”
وضع عاصم يده على شفتيها قائلا بهمسًا
عذب…..
“هششش…. بلاش الكلام ده…. الموت مش شر.. الشر
هو اني ممكن انساكي بواحده تانيه….”
قالت بلوعة وعيناها تقدحان شرارة الغيرة…
“متقدرش تنساني بواحده تانيه مش عشان انت اللي رافض عشان انا ممكن ادبحك لو عملت كده…”
تعمقت الابتسامة على محياه حتى شملت وجهه
وهو يعقب بشقاوة…..
“شرسه اوي…… بتغيري ياست الحُسن ؟….”
قالت بوجوم….. “انت شايف إيه…..”
لم تزول الابتسامة وهو يسالها بصبر
حاني….”انتي قولي…..”
صمتا قليلا وانتظر هو اجابتها بعينين شغوفتين
فقالت بعد تنهيدة مضنية من الحب……
“بغير ياعاصم…. والله بغير أوي…..”
وجدت فمه يطبق على شفتيها ينهي الكلمات بقبلة حارة شغوفة……وقد ارتاح ظهرها على الفراش
وهو يعلوها بجسده الصلب الضخم…..وضعت كفها
على صدره العاري تتحسسه بلهفة منتشية من القبلات التي يغرقها بها….
اطلق سراح شفتيها بعد لحظات ساندًا راسه على
جبينها فقالت شهد بصوتٍ متهدج بالعواطف….
“بغير اوي ياحبيبي…..”
مسك كف يدها وطبع القبلات المتفرقة عليه مقبل اصابعها الخمسة بحرارة وكانه يلتهمها واحدا تلو الآخر….فابتسمت شهد مغمضة عينيها بينما قال
هو بهمسًا ثائر العواطف….
“انا كلي ليكي ياست الحُسن….. ملكك…..”
فتحت عيناها بتساؤل….. “وانا…..”
مالى عليها يطبع القبل على وجنتاها الحمراء هبوطًا الى عنقها هامسًا بنبرة شغوفة….
“انتي كمان ملكي… وكل حاجة حلوة ليا انتي حبيبتي ومراتي وام ابني…”
وضعت يدها على مؤخرة عنقه والاخرى على
ظهره بينما هو شفتاه تسبح على وجهها وعنقها
طابع القبلات الحارة عليهم…..
“بحبك ياشـهـد…..”
اغمضت عيناها بنشوة واعصابها تذوب بين يداه فقال عاصم بعتاب وهو يرفع عيناه إليها….
“إزاي طوعك قلبك تساليني سؤال زي ده….انساكي
إزاي ياشـهـد ولا ألف طريقة ولا مليون زار وحجاب
ينسوني حبك…..”
ابتسمت بحرج وهي تعض على جانب شفتها
السفلى فمالى عليها واخذها من بين اسنانها
بنهم يتذوق مذاق الشهد فيهما…هامسًا بعدها
بحميمية متقدة وهو يضمها الى احضانه
أكثر……
“اه من هواكي ياست الحُسن….لو تعرفي مش هتشكي لحظة في الحقيقة….”
انتهت الكلمات هنا وضاعت بين يداه ضياع مقبول تاركة نفسها للحب ومن تحب…..
……………………………………………………….
رفعت قدمها بجسد متشنج متخطية عتبة باب
الشقة الزوجية….
شقة الأحلام التي عاشت من خلالها حلمًا جميلا لامع
كالنجوم في سماها…. خمسة أشهر كاملة كانت تكرس
وقتها وجهدها لهذا المكان كي تجعله كما هو الان مملكة خاصة تليق بهما معًا….
تحركت عيناها الفارغة من الحياة في أنحاء الشقة
وهي تقف في منتصف الردهة بثوب الزفاف الضخم
الابيض الامع كضوء القمر كما وصفه حمزة عندما راها به والذي يقف الان خلفها بصمت منتظر بملامح جافية عاصفة غضبها التي حتمًا ستجذبه للقاع….
فهو تأخر كثيرًا…. وكل دقيقة اضاعها في الاعتراف
بكل شيءٍ سيدفع ثمنها غالٍ…
لفهما الصمت القاتم الكئيب ومزالت بُنيتاها تتأمل الزوايا بتأني وكانها تراها لأول مرة….. وكأنها لم
تتعب لأشهر في شراء كل جزءًا ولو بسيط بها..
وكانها لم تضع اهتمامها وحبها في كل ركن هنا
حتى يصبح كما هو عليه الان…..
انها تتمعن بها بوجع وهي تفك الشفرة الحقيقي
خلف اصراره في ان تكون الشقة عبارة عن شقتين متصلين لكسب مساحة أكبر….وعدد غرف
أكثر….
انه حقق الاماني المستحيلة عن طريق الاحتيال عليها بالحيل والاكاذيب والكلمات المعسولة….
تنهدت وهي تشعر بالثقل يشتد قتامة في صدرها
ولسعة من نارًا تصب في عيناها فتحرقها راغبة
في البكاء بشدة… بصراخ بقوة…. بلعن والسب
والضرب و…… والموت…..
انها تفضل ان تموت الان بدلا من تلك المواجهة القاتلة لروحها… كيف ستقدر على النظر الى عينا
من رسم الحب عليها لأشهر وهو ليس أهلا له….
من استوطن قلبها اكثر من اللازم بقرب مخادع
بدافع المصلحة ونيل مراده عن طريقها بطرق غير
شريفة كـنصب عليها وسرقة ميراث والدتها….
مع من ستواجه حمزة الذي احبته ام ابن عثمان
الدسوقي الذي اتضح الان انه ليس هناك فرق
كبير بينهم نفس العينة…..
تنحنح حمزة بخشونة من خلفها فقد تعبت اعصابة
المشدودة من كثرة الانتظار والصمت المريب…
ظن ان زمن الخوف ولى ولم يقدر أحد على ارهابه
مهما حدث لكن اليوم يكتشف ان زمن الخوف عاد
بقوة متشبع من قلبه المضطرب بعنف بين اضلعه
منتظر على صفيح ساخن…عواصف غضبها….
استدارت له قمر استدارة هادئة….هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة….تطلع اليها حمزة اثناء تلك العبة الصامتة فـكم هي خلابة بهيئة العروس جميلة بثوب الأبيض البراق تشبه القمر في ضي اكتماله لو تعلم انها الان تشهر الأسلحة الفتاكة في وجهه دون ان تدرك…
ما كانت ظلمته بنظراتها النارية التي تلقي اتهام صريح في قلبه اشبة بقذيفة نارية تنفجر
بداخله الان على حين غرة…..
لوت قمر شفتيها وبملامح قاسية بدأت مقدمة
مزدرية…..
“مكنتش اعرف انك لما خدت شقتين من ابوك تفتحهم على بعض وتجوز فيهم انك بتنفذ طلبها
القديم اللي سابتك عشانه ومش بس كده دا عشان تثبت لنفسك كمان انك مش عاجز انك تحقق ده..
مع اي واحده غيرها….وتندمها على اليوم اللي
فكرت تتخلى عنك فيه…. ”
اشاح حمزة بوجهه وهو يشعر بالاختناق كطفلًا أذنب
في حق والدته ويود الإعتذار لكنه يكابر بعناد…
هي محقة في البداية اختار شقتين معًا كي يملئ النقص الذي يشعر به ويداوي ندبة عميقة سببتها
له يومًا أقرب مخلوقة لقلبه….
لكن ليس لان تندم نجلاء فندمها من عدمه أصبح
فراغ بنسبة له….وان عضت اصابع الندم وركعت
اسفل قدميه لن يغفر لها ولن يعود حبها لعهده…
فما بق منها إلا القليل من الندوب الجافة وبعض
الرماد القاتم جانبًا ، كلها أشياء ستزول مع الوقت
كما زال حبها يومًا ؟!…
وبعد صمته المؤكد هدرت قمر بعنف..
“عملت فيا كدا ليه….انا اذيتك في إيه….بتخدعني
دخلت عليا بالنظرة والكلمة الحلوة عشان تنصب
عليا…. تسرقني….”
بلع حمزة غصة مسننة وهو يقول بصوتٍ
مختنق…
“انا لا سرقت ولا نصبت عليكي…انتي فاهمة غلط
ياقمر…..اسمعيني….”
اقترب منها عدة خطوات اثناءهما رفضت
بغضب قائلة باحتقار…..
“اسمع إيه….حفظت كلمتين جداد من ابوك فجاي تقولهم ليا…..”
توقف حمزة مكانه فجأه وهو ينظر لعيناها بغضب…فتابعت قمر والدموع تتجمع في
مقلتاها بحرقة…
“بتقول انك لا سرقتني ولا نصبت عليا…..لما ترسم
عليا الحب والجواز….ويكون هدفك من الاول تنازل
مني عن ورث امي…..باتفاق مع ابوك والمحامي بتاعه يبقا ده اسمه إيه ؟!….”
ثم إضافت بصوتٍ غلبه الضياع وهي ترمقه بعينين مجروحتين….مقهورتين…
“انا مش قادرة استوعب لحد دلوقتي…ان انت اللي
تعمل كده فيا…..دا انت بلسانك قولتلي اني لو هكسب ابويا بنصب عليكي مش عايز المكسب
ده….فين كلامك ليا…دا انت كنت خايف عليا
وقتها اكتر من نفسي…..”
ضم حمزة قبضتاه جواره بقوة محاول السيطرة
على غضبه امام كل هذا الظلم والاتهام الباطل…
مسحت عيناها بظهر يدها وهي تبتسم بعصبية
ملوحة بيدها باهانة….
“بس صحيح…..انا مستغربة ليه اوي كده…ما كل
واحد وليه سعر…وهما اكيد عرفه سعرك واشتروك..”
صرخ حمزة بصوتٍ جهوري امام وجهها وهو يرفع كفه في الهواء بغضب هائل…. “قـمــر….”
نظرت لكفه المرفوع مباشرة اعلى صدغها ثم
لعيناه الغاضبتين المشتعلتين كالجمر…..فصاحت
في وجهه بجسارة دون ان تهابه….
“هتضربني…..اضربني…انا واقفه قدامك اهوه اعمل
اللي انت عايزة……”
سحب حمزة نفسًا خشن حاد وحرب النظرات بينهما
قائمة في حربًا شعواء يده مرفوعة للأعلى بينما
نظراتها المجروحة معلقة عليه بقوة جبارة
متحدية إياه بلطمها….
انزل حمزة يده بعد لحظتين من الصمت منسحب عن الدائرة القاتمة التي تحاول بغباء إقحامه بها بغير رؤية واضحة… قال بخشونة بعد صمت طويل……
“انتي مش عايزة تسمعي غير نفسك…اديني فرصة
اتكلم….”
اومات قمر برأسها بسخرية لاذعة….
“اتكلم……انا سمعاك…من حقك تدافع عن نفسك…”
نزع السترة والقاها ارضا تليها رابطة العنق ثم حل أول ازرار قميصة الأبيض ومن بعدها جلس على اقرب مقعد مخرج علبة سجائرة ثم اشعل واحدة ووضعها في فمه ينفث بها وهو يقول بملامح
جافية……
“انا اتفقت معاهم فعلا….بس عشان احافظ على
حقك منهم…..اكيد انا مكنتش هاخد تنازل منك
دي كانت لعبة على عثمان عشان اعرف اخد ورثي
انا واخواتي البنات منه…..انا محدش اشتراني انا خدت حقي…ودا حقنا ياقمر وانتي عارفه كده كويس…”
عقبت قمر بخزي….
“على كده اخواتك البنات عارفين ؟!…”
زفر دخانا رمادي وهو يجيب بهدوء…
“شهد عارفه من قريب….وقالتلي اني لازم احكيلك
على كل حاجة قبل ما اكتب عليكي….واديكي حرية
الاختيار…..”
هزت راسها بعصبية مبتسمة وكل عصب
في جسدها ينفر بغضب….
“طب والله كويس ومسمعتش كلامها ليه بقا….”
اخبرها بصوتٍ أجوف غريب… “خوفت تسبيني…..”
صححت بصوتٍ قاسٍ مزدري وعينين
ميته حد الألم…
“قصدك خوفت متخدش بقيت حسابك منه….”
جز حمزة على اسنانه بقوة وهو ينهض فجأة
بهجوم هادرًا في وجهها بضراوة….
“عايزة تسمعي الحقيقة عايزه تسمعي اللي يوجعك..
انا ندل ياقمر….كداب ونصاب…..واستغليتك عشان
اخد حقي منه…..واستغليت حبك عشان اقربلك
واتجوزك….واخد التنازل منك….ارتاحتي….”
نزلت دموعها امام وجهه الغاضب ونظراته القاتمة
بالقسوة…..فقالت له بوهن وقلبها ينزف وجعًا…
“يعني كل كلمة قالتهالي كانت كدب….كل حاجة
حصلت بينا كنت متفق عليها معاهم….”
ضرب حمزة على اقرب حائط قابل يده وهو
يزأر كالاسد المجروح…..
“ازاي بتفكري كده…بالله عليكي ازاي شيفاني كده..”
ارتجف جسدها وهي تنتحب في وقفتها
بقوة..فاقترب حمزة منها بانفاسًا متسارعة
وصدر يتألم ينهت…
ثم رفع وجهها الى مجال عيناه قائلا بعذاب….
“بصي في عيني….ليه مش عايزة تصدقي…ليه
قلباها دراما….”
هزت راسها بوجع والدموع تجري على وجنتاها…
قائلة وهي تتجرع المًا….
“دي مش دراما يابن خالي…..دا وجعي….انت
كسرت قلبي وكسرت ثقتي فيك…..انت خليت اسعد يوم في حياتي هو أبشع يوم في عمري….ربنا ما يسامحك على اللي عملته فيا….. ”
نزع حمزة يده عنها فجاة وكأنها تلقى لدغة سامة
بعد هذه الدعوة
والتي معها علم ان نيل رضاها أصعب مما توقع ولن ينتهي بالاعتراف بالحقيقة فحتى الحقيقة تراها
كذبة جديدة ؟!……
قالت قمر بعينين حمراوين كالدماء…
“انا مستعدة اكتبلك التنازل حقي في العمارتين
لابوك او ليك زي ما تحب اتصرف…بس بشرط واحد..”
انتظرت رده كي تضع الشرط لكنه لم يفعل
بل ظل متسمر مكانه بملامح قاتمة وعينين
مظلمتين……فبللت شفتيها وهي تقول
باختناق…..
“ترمي عليا يمين الطلاق…وحصل خير…..”
رفع حاجب الخطر مرددًا……
“حصل خير ؟!! …يعني إيه ارمي عليكي
يمين الطلاق ؟!!!..”
قالت بنفاذ صبر….
“يعني تطلقني مقابل امضتي على التنازل….”
صاح في وجهها على نحوٍ مفاجئ جعلها تتراجع
حينها خطوتين للخلف بتخوف….
“يولع التنازل وتتحرق امضتك….طلاق إيه انا مش بتاع طلاق….وبعدين احنا اتجوزنا اصلا ياهانم عشان
نلحق نطلق…انتي جرا لمخك حاجة….”
رفعت اصبع التحذير وهي تقول بنبرة
مرتجفة…..
“اسمع انا لحد دلوقتي بتكلم معاك بذوق وبالادب
ارمي يمين الطلاق وقبلها هكون مضيه على التنازل
ويا دار ما دخلك شر…..”
ابعد اصبعها عن وجهه وهو يزمجر بعنف…
“نزلي صباعك اللي هيخرم عين امي ده…وبعدين الشر ياهانم هو اللي انتي بتطلبيه…..انا مش بتاع طلاق سامعه….”
وضعت يدها في خصرها وهي تقول بتحدٍ
سافر…..
“لا مش سامعة وطالما مش هطلق بالذوق يبقا خلاص هرفع عليك قضية خلع….وهكسبها…”
خطى خطوةٍ مهيبة للامام وهو يسالها بملامح
تنذر بالشر… “والله قضية خلع ؟!!!….”
رفعت قمر تنورة الثوب للاعلى بكلتا يداها كي
تتمكن من التراجع للخلف وهي تقول….
“خليك متحضر ياحمزة….ونفذ الشرط….”
رد حمزة بصوتٍ اجوف بارد وهو يتقدم منها
بخطى ثابته بينما هي تتراجع بهلع للخلف بملامح
غاضبة وعينين حزينتين نافرتين…..
“من امتى وانا متحضر….لا وبنفذ الشروط كمان؟!!
انتي أول مرة تعرفيني ولا إيه… انا مش بمشي
بدماغ حد وطلاق مش مطلق….. ”
هدرت قمر بغضب سائد…..
“هطلقني…هطلقني وغصب عنك كمان..افهم يابنادم انا مش قادرة ابص في وشك…إزاي هستحمل اعيش معاك في بيت واحد…..بعد اللي عرفته….”
توقف حمزة مبهوتًا وكانها صفعته على حين
غرة….فسالها بصدمة عنيفة… “لدرجادي؟!!…..”
لم تأكد بل اشاحت بوجهها عنه قائلة بصوتٍ
متحشرج…..
“الغريبة انك مستهون باللي عملته فيا وكانه
عادي…..”
رد بصوتٍ ميت وعيناه معلقه عليها…..
“مانا قولتلك على اللي فيها…انتي اللي مش عايزة
تسمعي غير نفسك….”
عادت اليه بعينين تنزفان المًا صارخة…
“انت اللي مش قادر تفهم انك ضحكت عليا وخلتني
شبه العروسة الماريونيت بتتحرك بمزاجك
انت وابوك…..مش انتوا عملتوا كل ده عشان امضتي على التنازل انا موافقة بشرط انك تطلقني….”
صرخ برفض….
“مش هيحصل على جثتي….”
انحنت قمر تجلب حقيبتها واخرجت الهاتف
منها سريعًا قائلة بتشنج…..
“يبقا هتصل بابوك صاحب الخطة العظيمة..وهحاول
اعمل معاه ديل جديد..طلاقي منك قصاد امضتي..
اي رأيك…. ”
هجم حمزة عليها وجذب الهاتف بعنف قبل
حتى ان تنير شاشته…. حاولت اخذه وهي
تقول بجنون…..
“تلفوني هات تلفوني بقولك هات…..”
ابعدها عنه بدفعة قوية اوقعتها على الاريكة
خلفها…..
“مفيش تلفونات….تصبحي على خير…”
وامام عيناها الجاحظة دلف الى أحد الغرف تاركها
وحدها جالسة على الاريكة مصعوقة الملامح والنظرات…….
على تنفسها بسرعة مؤلمة وهي تنظر الى باب شقة الخروج بجنون فاتى صوته البارد من خلف الباب قائلا….
“متحوليش تهربي لاني قفلت الباب بالمفتاح…”
نهضت من مكانها باهتياج وهي تبحث عن النوافذ
بعقلا مشتت فقصف صوته مجددًا كاللعنة….
“كمان احنا في الدور الحداشر ولو حاولتي تنطي
من الشبابيك او البلكونة…هتنزلي على جدور رقبتك وساعتها بدل ما تاخدي لقب مطلقه هتاخدي لقب المرحومة….وهنترحم عليكي كلنا في القرافه…”
اندفع الغضب داخلها دفعة واحده وهي تقترب من
الباب ضاربة عليه بكل قوتها وهي تصيح بجنون..
“بكرهاااك بكرهااااك…..طلقني بقولك….افتح الباب
ده وطلقني……طلقني يانصاب ياحرامي ياكداب..
طلقني لحسان اصوت ولم عليك الناس….”
اعتصر حمزة عيناه خلف الباب بتعب وهو يحك
في راسه بارهاق مضني…..فمزالت كلماتها الجارحة
تجلد قلبه بسياط……ونظرات الاتهام الشائبة
بالاحتقار تصب على صدره كحمم بركانيّة
حارقة….
ضربت على الباب مجددًا باستماته
صارخة….
“افتح ياحمزة….أفتح بقولك…”
تملك اعصابة مسيطرًا على نفسه فان تركها
لهواها سيجذبها الان لهذا الفراش الخاوٍ ويترك
عليها وحوشٍ ثائرة بالرغبات…
قال حمزة محذرًا بصوت متحشرج…..
“لو فتحت دلوقتي… يمكن بعدين تندمي وانا مش عايز اخدك غصب…..”
على الجانب الاخر خفق قلبها بتأثر وضعف
واهتزت مفاصل ساقيها الا انها لم تردع لهذا
الشعور المرفوض داخلها وقالت بتجهم….
“اه انت مفكر اني هسيبك تلمسني… دا بعدك…
انا هطلع من الجوازه دي زي مادخلتها…ولو بس فكرت انا……”
انفجر حمزة من الغضب كالبركان هاتفًا من
خلف الباب…..
“كفاية استفزاز…..روحي نامي….تصبحي على خير. ”
لوت شفتيها بتهكم معقبة بكرهٍ….
“هيجي الخير منين بعد ما بقيت مراتك… هيجي منين…..بكرهااك…. ”
ثم ابتعدت عن باب الغرفة ودخلت الى غرفة النوم
الخاصة بهما….دارت حدقتاها في الغرفة المرتبة
النظيف والعطر الطيب الذي داهم انفها فور
دخولها…
التوت شفتيها بسخرية مريرة بينما عينيها الحزينة
تعلقت بقميص نومها الأبيض المرتاح على حافة الفراش بانتظارها معه قارورة عطرٍ وردية اختارتها خصيصًا بعبق ناعم مثير لتضع منها في هذه
الليلة الخاصة….
حتى قميص النوم كان شديد الاغراء والجمال عليها عندما ارتدته لأول مرة قررت حينها ان يكون أول شيءٍ يراها به بعد ثوب الزفاف…..
كانت تحيا حلمًا جميلا من خلاله هو وعندما قاربت
لمسه على أرض الواقع تبخر وكانه لم يكن !!…
انحنت بانهزام لتقع بقرب حافة الفراش ومعها انتشرت تنورة ثوبها من حولها في كومة بيضاء
تضوي بجمالا كـقمر منير لكنه حزين…..
وضعت مرفقيها على حافة الفراش فوق القميص الابيض ثم دفنت وجهها بينهما وهي تنتحب بقهر دون صوت حتى غفت بعد ساعات طويلة من البكاء والندم…..
…………….
شعرت بوجع شديد في يدها المخدرة اسفل صدغها
الثقيل ونقر مزعج فوق اذنيها…. تململت بتعب وهي تتأوه رافعه وجهها عن مرفقها الذي نمل بشدة اثار
نومها عليها وعدم تحركها لساعات….
فتحت عيناها الناعسة المتورمة بصعوبة وهي تدعك
بهم بارق محاولة تذكر اين هي…
غرفة شاسعة انيقة ومرتبة بعناية وكل ركن بها من فرش لديكور فخم وجديد…..
بلعت ريقها بوجع وكأنها تبتلع شفرات مسننة ومزال
صدرها يحترق دون هوادة……
كيف غفت بعد كل ماحدث ليلا…..كيف….
مزال النقر مستمر بازعاج جعلها تزمجر بجنون وهي
تنظر الى الباب المغلق التي أوصدته خلفها جيدًا قبل
ان تغرق في كومة احزانها التي اعتنقتها طويلًا حتى غفت مستسلمة للالم المبرح……
“ايوا….أيوا….عاااااايز ااااايه مني…..سبني في
حااالي بقااا……”
نهضت بجنون وهي تلفظ تلك الكلمات بعصبية فاتحه الباب على مصراعيه فجاة تواجهه بتلك
الحالة المزرية……
رفع حمزة حاجبه لها وهو يتأملها بصمت من أول شعرها المشعث لعيناها المتورمة الحمراء والكحل السائل على وجهها الباهت بدموع جافة الى ثوبها
البراق الذي لم يفقد رونق حسنه عليها….
حتى هي لم تفقد جمالها رغم كل هذه الفوضى
المحاط بها مزالت قمر….فإن القمر في أشجنة
الليلُ القاتم يظل قمرٍ مضيئًا !…
عض حمزة على شفتيه السفلى بحنق شديد…
“انتي بتزعقي كدا ليه….هو انا ساكن في الشارع
اللي ورا….متعرفيش تردي براحة…ولا قلقنا نوم
الهانم….”
صاحت بوجهًا مكفهر….
“انت عايز إيه……بتخبط عليا ليه اصلا…..”
رد حمزة بملامح يعلوها الاستخفاف…
“معلش اصلي باخد الغسيل فومين فقولت اخبط
عليكي اشوفك عندك حاجة عايزة تتغسل ولا لا…”
جزت على أسنانها بنفاذ صبر….
“انت مصحيني من النوم عشان تهزر معايا…”
صحح بجفاء….
“لا مصحيكي من النوم عشان تاكليني….”
ارتفع حاجباها معًا بغضب….
“نعم….عايز تاكل…وجيلك نفس كمان….”
استخفّ حمزة بالجملة قائلا بقنوط….
“سبحان الله مانتي جالك نفس تنامي وانا مرزوع
في الاوضة من بليل مش عارف اغمض عيني دقيقة
واحده حتى…..ولا هي حاجات وحاجات… ”
سحبت قمر نفسًا هادرًا…..
“انا مالي بيك يا بنادم تاكل ولا تشرب ولا حتى
تنام…. انا مالي سبني في حالي….”
ربت على كتفها وهو يقول بمهاودة….
“ازاي اسيبك في حالك… ماهو حالك هو حالي
استهدي بالله وغيري الفستان ده وتعالي نتعشى..”
رمقته بملامح مستهجنة…فتابع حمزة وهو يرى
في صمتها بصيص أمل….
“العشا بتاعنا في التلاجة من إمبارح…. تعالي انا وانتي نسخنة وناكل سوا…. وبعدها تعمليلي قهوة
من ايديكي الحلوين دول لحسان انا مصدع اوي
وتعبان……”
عيل صبرها فقالت بهجوم…
“الف سلامه… روح سخن وكل مع نفسك واشرب
قهوتك بعيد عني….وسبني في حالي… ”
زمجر حمزة مستنكرًا…..
“هو إيه اللي سبني في حالي… انتي هتفضلي قفلة
الاوضة عليكي كده…”
اكدت بنظرة سافرة…
“اه هفضل كده اذا كان عاجبك….”
صاح بحدة… “مش عاجبني….”
قالت بنبرة ظافرة….
“خلاص طلقني… وريح نفسك من وجع القلب ده..”
جاشت مراجله وهو يحذرها بنزق….
“اعقلي ياقمر وبطلي دلع….انا خلقي في مناخيري”
قالت بتمرد سافر…
“على نفسك ياحبيبي… مش عليا….”
قبض حمزة على ذراعها وهو يكاد يفقد اخر
ذرة تحضر بداخله….صارخًا باسمها بصوتٍ
جهوري….. “قـمـر…..”
تبادلا معًا النظر بقوة وكم كانت عنيدة امام غضبة
بل وتنتظر فقدان صبره عليها ببسالة….
من يومها قادرة على فقدانه صبره واثارة غضبه
بعدة كلمات بسيطة وها هي تنجح كلما حاول
التقرب منها والاعتذار تفسد الأمر بعنادها السخيف…..
نزع يده عنها وهو ياخذ انفاسه بغليان…
قائلا….
“انا هسيبك شوية هنزل قعد على القهوة…. تكوني
هديتي كده وغيرتي الفستان ده…. وبعدها نتكلم..”
عقبت قمر ببرود…..
“كل الكلام قولناه إمبارح…وانت قولت اللي عندك
وانا كمان….. خلصنا…..”
قال حمزة بصبر…
“نتكلم تاني اكيد هنوصل لحل….”
زمت شفتيها رافضة بتزمت….
“الحل انك تطلقني…..وانا هتنازل عن كل حاجه
وطلعني من حياتك بقا….”
نظر لها بصمت لبرهة ثم هز راسه قائلا
بنبرة عميقة لمست قلبها….
“مقدرش….مقدرش اطلعك من حياتي….انتي ليه
مش قادرة تفهمي…”
ورغم خفقان قلبها ردت بجفاء…
“متقدرش ليه مانا همضي على التنازل…..”
صاح بهمجية وهو يدفع ظهرها على الباب
المفتوح بعنف….
“يلعن ابو التنازل اللي قرفاني بيه… مش عايز
حاجة انا عايزك انتي….”
مطت شفتيها هازئة…. “دي كدبة جديدة…..”
أوغر صدره بالغيظ فابتعد عنها يوليها ظهره
متافف بتعب…..
“مفيش فايدة فيكي……غبية.. ”
قالت بصوتٍ محتد…..
“انا فعلا غبية اني ربط نفسي بواحد فاشل زيك..”
استدار اليها حمزة بصدمة…
“فاشل؟!….”
اومات براسها وهي تشفي غليل قلبها متابعة
باهانه……
“فاشل وكداب ونصاب وحرامي…ومتفرقش حاجة
عن عثمان الدسوقي نفس العينة….”
حديثها المهين لم يكن بمثابة صفعة واحده بل عدة صفعات قوية تلقاها منها على حين غرة…..
فاشار على نفسه بملامح شاحبة وعينين رغم
الجمود تشع المًا……
“انتي شايفني كده بجد…..انا صغرت اوي كده في نظرك ؟…”
قالت بجمود…”فوق ما تتخيل….”
سالها بخفوت.. “بقيتي بتكرهيني ياقمر؟!…”
انحنت عيناها ارضًا ولم تقدر على الرد..فلو يعلم
ان كل شيءٍ تفعله ماهو إلا قناع من الجمود تستر
ضعفها وحبها خلفه….وان كل كلمة تقصد بها الامه
تجد صداها في قلبها أضعاف مضاعفة….
ابتعد حمزة عنها خارج من الغرفة ومزالت هي مكانها
واقفه عند الباب المفتوح…..
“انا هنزل وهسيبك لوحدك شوية… يمكن لما ارجع
نعرف نتكلم احسن من كده….”
خطى خطوتين للأمام ثم توقف فجأة في مكانه
ودون الالتفات قال بصوتٍ ميت…..
“على فكرة انا مش فاشل… انا بس الدنيا عندتني ومخدتش اللي انا عايزة منها فلما جت الفرصة
مقدرتش اسيبها تضيع من بين ايدي خصوصًا انه
حقي وحق اخواتي البنات ….”
خرج حينها من الشقة بأكملها ناسيًا إغلاق الباب
خلفه بالمفتاح بل نسى كل شيءٍ هاربًا مع
اوجاعه……
تركت قمر جسدها يهوى ارضًا بتعب وهي تنفجر
في البكاء هامسة داخلها بعذاب وكأنها تحدثه…
“عشان توصل للي انت عايزة دست على قلبي
وكسرت كل حاجة حلوة جوايا…عايزني ازاي اسامحك…”
بعد اكثر من خمس ساعات عاد للبيت بجسد مجهد
متعب من كثرة الهموم والتفكير وعدم النوم حتى
الان ومنذ ليلة الحنة وهو لم ينم ساعة واحده كاملة
يعيش في دوامة قاتمة تجرفه بقوة للهاوية….
والتفكير المزمن القاتل يفتك برأسه….
القى سلسلة المفاتيح على الطاولة باهمال وهو ينظر
الى غرفة نومها المفتوحة تنحنح بخشونة وهو يقترب منها مناديًا….
“قـمـر……”
تطلع في الغرفة الفارغة منها عدا ثوب زفافها التي وضعته باهمال على الفراش وفوقه ورقة مطوية..
خفق قلبه بخوف وهو يسحب الورقة ويفتحها
ليقرأ رسالة مختصرة باردة المعاني والمشاعر….
(اللي بينا انتهى يابن الناس….وانا مش عايزة حاجة
منك غير ورقة طلاقي…..)
اظلمت عينا حمزة فأطبق على الورقة بين قبضة يده الفولاذية بحث عن هاتفها في الغرفة الأخرى فلم يجده اخذته كما اخذت اغراضها….
أخرج هاتفه من جيب بنطالة مجري اتصال بها وكما توقع وجد الهاتف مغلق فصرخ فجأة بوحشية مرعبة وهو يطلق السباب بكلمات نابيةٍ…
يتبع…

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا

اخرجت ذراعها من خلال نافذة السيارة جوارها فضرب كفها حفنة من الهواء القوي متدفقة بقوة فبدأت تحرك اصابعها معها بانسيابية وكانها تلعب على الجيتار بخفة ضاربة الاوتار دون قيود…
والسعادة تعرف الطريق الى قلبها…..
رائع الحب أليس كذلك؟!…
كل مافي الحب رائع ممزوج بالنعيم والهنا
خصوصًا ان تجد بعد عناء وغربة نصفك الآخر
ملاذك الأبدي…
ازدردت ريقها بحياء وهي تحاول إلا تنظر اليه في
خلال تلك الرحلة القصيرة فهو الان يقودها بسيارته
من الصباح الباكر متجهين الى أحد المناطق الساحلية البعيدة في أحد الفنادق الفاخرة….
ادخلت ذراعها بهدوء ووضعت كفيها في حجرها
والحياء اضفى على وجهها الاحمر المتورد
مزال جسدها يحيا برجفة أمس عندما….
اغمضت عيناها مشيحة بوجهها المتخضب الى النافذة المجاورة حتى لا ينكشف امرها….
منذ الصباح وهي تفكر في كل ما حدث بينهما أمس
كل شيءٍ كان عبارة عن قبلاتٍ دافئة.. لمساتٍ جريئة
همساتٍ محمومة….وهمهمات خشنة مُثارة……
وهي هي كانت عبارة عن طالبة مهذبة تسمع وترى
وتنفذ بحرصٍ شديد خوفًا من ان تفسد الأمر أو
تفشل في المسايرة…
لكنه في لحظة اثار مشاعرها بخبرة رجولية فرض بها نفسه عليها وكانه اتكا على زر سري في جسدها فجر مشاعرها واشعلها رغم الحياء فبقت حينها اكثر تجاوبٍ وليونه…..وحب…..
أحبت هذا رغم غرابة كل شيءٍ، أحبت هذا القرب
لانها معه…. مع من دق قلبها له رغم العقد المحاط بها….
حانت منها نظرة عليه نظرة مختلفة سرحت عينيها
الفيروزية به وسيم زوجها يحمل جاذبية مهلكة
لقلبها رجلا عبارة عن شعلة من المشاعر
فيضان من الحب..
مهذب في الحديث…ولبق في معاملة الإناث..
ناجح وطموح في عمله…..يبر والده….. ويحبها بشدة…
ماذا تريدين اكثر من هذا هل تطمعين في شيءٍ
اخر ؟!!…..
هزت راسها بنفي والرضا يعلو وجهها المتوهج
بحمرة الحياء….فـقدرها كان أفضل مما تمنت
فالحقيقة هي لم تتوقع إلا الاسواء وفي لحظة يأس جبر الله بخاطرها وربت على قلبها بهذا الحب..وتلك العائلة الصغيرة أضحت اليوم فردًا مهم بينهم……
وسط صخب الأفكار وجدت سليم يمسك يدها ويرفعها عن حجرها الى فمه وطبع قبله عليها
ناظرًا اليها بعينين تنطقان عشقًا…..
“عصفورتي سرحانه في إيه…..”
قالت بجذل….. “بفكر فيك…..”
سالها بحاجب مراوغ….. “وانا جمبك ؟!!.”
اكدت ببسمة متوهجة….. “تصور !!….”
سالها سليم بنظرة شغوفة….
“مبسوطه ياكيان ؟!…..”
تسارع نبض قلبها وهي تجاوب
بخجلا… “أيوا…..وانت؟….”
تنهد تنهيدة عميقة سعيدة واصابعه تضرب
بخفة على عجلة القيادة بمزاج عال….
“طاير من الفرحة….مش مصدق ان احنا بقينا مع
بعض……وبقيتي مراتي…..”
سالته بملامح متعجبة….
“كان مستحيل لدرجادي ؟!…”
مط شفتيه معاتبًا…
“انتي اللي خلتيه مستحيل….”
سالته بحيرة…. “إزاي….”
هز راسه وكأنه يبعد فكرة الحديث في
الأمر مستهجنًا….
“مش هنتكلم في فترة الخطوبة….”
ضاقت عيناها بشقاوة
حلوة…
“دا انت شايل ومعبي بقا…..”
أكد سليم بوعيد وقح…..
“أوي بس كله هيطلع عليكي….الاسبوعين
الجايين دول…..”
لعقت كيان شفتيها بحرج وهي
تسأله بهدوء..
“هنقضي اسبوعين بس ؟!!…”
اجابها سليم بأسف….
“كان بودي يكونوا أكتر بس انتي عارفه الشغل
وبابا كمان مش حابب يفضل لوحده كل ده
بقلق عليه..”
قالت كيان بهدوء….
“انا اصلا شيفاهم كتير….اسبوع كفاية….”
رفض سليم بنظرة شقية….
“أسبوعين ياعصفورة…هخطفك اسبوعين…نبعد
فيهم عن كل الناس ونبقا مع بعض…”
بنظرة مطيعة قالت…
“اللي تشوفه ياسولي…..سرانغي…”
هز رأسه بعدم رضا….
“نفسي في مرة تقوليلي بحبك زي الناس…..”
ضحكت برقة ثم قالت… “بحبك ياسولي….”
“وانا بموت فيكي…..”قالها وهو يأسرها بنظرة
عاطفية مشتعلة بالكثير من المعاني…
اشاح بوجهه عنها وهو يقول بندم…
“خسارة اننا نزلنا الصبح بدري كان المفروض نتاخر
شوية…..”
زمت كيان شفتيها بحسرة كذلك…
“انت اللي صحيت مستعجل….دا انا حتى والله ملحقتش أفطر….”
انعقد حاجبا سليم مستنكرًا….
“فطار إيه ؟!!…..ما احنا يامه فطرنا…في حاجات أهم
من الفطار…..”
قالت بجدية…. “مفيش حاجة اهم من الفطار…..”
اوقفها بنظرة وقحة….
“لا عندك الحاجة دي عندي هتبقا اهم من
الفطار….”
لمحت المعنى الخفي في حديثه فقالت
بحياء…. “اه ياقليل الادب…..”
زم سليم شفتيه ببراءة….
“فين قلة الادب دي… دا انا حتى مؤدب خالص
من ساعة امبارح…..”
قالت بتبرم…. “ياريت تفضل كده….”
غمز لها بخبث قبل ان يركز اكثر على
القيادة… “موعدكيش ياعصفورة….”
وصلا معًا الى الفندق الفخم الذي سيقضيا به أجازة
شهر العسل….والذي كان يحتوي على خدمة مميزة
وشكلا وهيئة مرموقة لا يدخله الى صفوة المجتمع
الذي زوجها واحدًا منهم…….
دخلا معًا الى الجناح الخاص بهما والذي لا يقل فخامة واناقة عن المكان….شرفة تطل مباشرة
على البحر في مظهرًا طبيعي وخلاب سلب
عيناها وقلبها…..
فوقفت لبرهة في الشرفة تفتح ذراعيها مستقبلة الهواء الرطب الممزوج برائحة البحر المالح بينما كان
سليم عند الباب يدفع الإكرامية للعامل الذي أوصل الحقائب…..
شعرت بذراعيه الصلبتين تحتوي خصرها وذقنه يرتاح على كفتها بعد ان طبع قبلة حانية عليه…
تنهدت كيان برقة وهي تغمض عيناها وتريح ظهرها
على صدره العريض متمايلة معه بخفة وكانهما يرقصا مع الهواء وصوت الامواج البعيدة موسيقاهم الحالمة…..
“بـحـبـك ياكـيـان…..”
خفق قلبها بشدة وجسدها في تمايل رقيق هائم..
بينما شفتيها همست بعذوبة….
“وانـا أكـتـر يـاحـبـيـبـي……”
سالها وعيناه تنظر الى امتداد البحر عن
بعد….. “عجبك المكان…..”
قالت بسعادة…. “اوي أوي ياسـلـيـم…..”ثم بعد
لحظة صمت تساءلت….
“انت جيت هنا قبل كده ؟!….”
اكد بهزة بسيطة…. “مرة مع ناس صحابي…..”
“كان فيهم بنات ؟!….” تساءلت بعد ان هاجمها
شعورٍ مقيت…
رد سليم بصراحة اقرب الى الفخر….
“في الاول لا…. بس بعد كده بقا فيه…..”
استدارت اليه في انتفاضة مستهجنة…
“لا أفهم إزاي يعني….”
رد باختصار بريء….
“يعني جينا لوحدنا وصاحبنا هنا….”
رفعت حاجبها قليلا جافلة….
“اي الصراحة دي…..وجيبني هنا ليه عشان تفتكر
نزواتك..”
قال سليم بصوتٍ متأني وعيناه تجوبان على ملامحها الجميلة التي أضفى عليها الغيرة..
“جايبك هنا عشان انا حبيت المكان ولانه بعيد عن
اي حد ممكن يزعجنا… ثانيا انا نسيت فعلا اي حاجة قبلك مسافة ما قبلتك وحبيتك… فبلاش تقلبيها نكد
هتعلميني الكدب عليكي كده ياعصفورة…. تعالي…”
سحبها الى داخل الغرفة فتاففت كيان
بتغنج….
“ابعد عني ياسليم…. انا زعلانه منك…”
نزع عنها سترة الطاقم الكلاكسيكي التي
ترتديه….قائلا بعبث….
“ومالوا ياقلب سليم اصالحك حالًا…..”
اتكات على شفتيها تمنع ضحكةٍ خائنة…
وهي تمتنع بضجر….
“لا مش عايزة أبعد كده….”
فتح ازرار قميصها باصابع عابثة بينما يده
الاخرى تحتجز خصرها بقوة…قائلا بلهفة…
“سرانغي يامجنونة…فكي بقا…عايزين نبدأ
شهر العسل…”
ضحكت بحياء وهي تجد نفسها مرفوعه بين ذراعيه
بعد ان تخلص من قميصها والقاه ارضًا…..وضعها على
الفراش وهو معها… أبحر في جسدها بروح قبطان
وهي معه غارقة في بحر الهوى…..
…………………………………………………..
في مسبح خاص مغلق عليهما كان يسبح في الماء
برشاقة مستمتع بتدفق المياة من حوله بينما عيناه
بين الحين والاخر ترمقها من خلال جلوسها بالقرب
منه على أحد المقاعد تستلقي باسترخاء واضعه
النضارة فوق عيناها والسماعات في اذنيها تسمع أحد
الأغاني الكورية المفضلة مدندنه معها بهمساتٍ ناعمة
ابتسم سليم بخبث وهو يقترب من موقعها ثم بضربة
بسيطه على سطح الماء نثر قطرات الماء بعنف عليها…
شهقة كيان وهي تنزع النظارة والسماعات
كذلك ناظرة اليه بتوبيخ….
“اي دا ياسليم….مش تحاسب بلتني….”
رد وهو يفرد ذراعيه على سطح الماء بسطوة
جذابة….
“ماهو دا المطلوب….هتفضلي قعده عندك انزلي يلا…..”
احمرت وجنتيها وهي تهز راسها برفض ناظرة الى المئزر الصوف الطويل التي ترتديه.. والذي يخفي
ثوب السباحة الازرق الفاتح القريب من لون مياة المسبح…
“هو إيه اللي لا…. هو احنا نزلين عشان تقعدي تتفرجي عليا…. اقلعي البرنص دا ياعصفورة
ويلا……”
نظرت حولها بحرج…. فنظر سليم معها متعجبًا من هذا التردد الواضح على محياها فهو اختار مسبح
مغلق حتى تكون على راحتها اكثر معه…..
اقنعها سليم قائلا بجدية…
“يلا ياعصفورة… بلاش تبوظي اليوم… محدش يقدر
يدخل هنا غير بأمر مني… انا منبه على ده…”
نظرت اليه بتفكير فقال سليم مسترسلا…
“وبعدين احنا لحد دلوقتي مفطرناش مش ناويه
تفطري ولا إيه…..”
اشار سليم على سلة ملونة كبيرة على شكل قلب
أبيض مزينة بزهور تطفو على سطح الماء جانبًا منتظرة ….. تحوي فطار شهيًا معه بعض العصائر المنعشة والفاكهة الطازجة…
عاد سليم اليها بعيناه منتظرًا….فعضت على باطن شفتيها ناهضة من مكانها وهي تفك رباط المئزر
بحياء شديد…
لماذا يفترسها الحياء الان بعد ما حدث بينهما أمس
واليوم صباحًا…الأمر فقط انها لم تعتاد بعد على هذا
التقارب…..
تأملها سليم بنظرة متأنية فكانت تكشف عن جسدها
بحياء جميل يعشقه بها…..
سافرت عيناه على منحنيات جسدها الفاتن بشوق
لا ينضب…ومشاعر مضطرمة بالعواطف….بلع ريقه وهو يرى جسدها الابيض الناعم أمامه كالقشدة الصباحية تنادي الجائع يلتف في ثوب سباحة
أزرق عبارة عن قطعتين صغيرتين رقيقتين…..
ثقل تنفسه وهو غير قادر على ابعاد عيناه عن مفاتنها
المكتنزة وقوامها المغوي….وشعرها البندقي الناعم
انساب على كتفها بعد ان نزعت مشبك الأسنان
الحاد التي كانت تحجزة داخله…..
اقترب سليم منها ومد يده لها مساعدة على النزول
بخفة….
ففعلت وهي بين يده نزلت المسبح والماء البارد يعانق جسدها بينما يده تعانق كفها بامتلاك…
إبتسمت وهي تمسح على سطح الماء بكفها
قائلة بعفوية…
“الماية حلوة أوي يـاسليم…”
احتوى سليم خصرها العاري
قائلا…..
“انا بقول كده برضو….”
اغمضت عيناها وهي تستقبل قبلة على كتفها العاري
ثم جيدها صعودًا الى وجنتها و…..
قضم شفتيها الشهية برقة اذبت مفاصل قدمها فاحاطت عنقه بكتفها مستكينة في احضانه….
أطلق سراح شفتيها بعد ان احتاجا للهواء معًا
فضمها سليم الى احضانه بانفاس متحشرجة
وهي ترتاح على كتفه مبتسمة بلوعة الحب..
اخرجها من احضانه وهو يشير الى السلة
البيضاء…..
اومات براسها مبتسمة…..ثم بدأ يفطرا بداخل
المسبح بشاعرية مفرطة مستمتعين بالاجواء
المميزة في هذا المكان….
قالت كيان ضاحكة بسعادة..
“مش مصدقة اني بفطر هنا….”
بعض ان دهن قطعة من الخبز بالزبدة اعطاها
لها باهتمام وهو يسالها بتعجب…
“وليه بقا….مستغربة…..”
نظرت كيان الى صدره العاري ولثوب السباحة التي ترتديه ثم لسلة الفطور امامهما وللمكان الفخم والمميز بخصوصية لا يحظى بها الكثير…..
“كل حاجة بعشها غريبة بس جميلة…..”
اعطاها سليم شريحة من التفاح وهو يقول
بنبرة شغوفة….
“انتي أجمل حاجة فيها ياكيان…..افرحي ياعصفورتي
على قد ما تقدري افرحي انا جايبك لحد هنا عشان
ننبسط سوا ونعوض كل اللي فاتنا….”
ارجعت خصلة من شعرها المبلل خلف اذنها قائلة باستحياء عذب…”بحبك ياسـلـيـم….”
اعطاها قطعة من الخبز مدهونة
بالعسل…
“وانا بموت فيكي ياقـلـب سـلـيـم….”
وضعتها في فمها وهي تقول على
مضض….
“كفاية بقا انا كده هبقا شبه الدرفيل….”
رد دون اهتمام…
“مش مهم كلي لحد ما تشبعي…”
سالته بنظرة لئيمه…
“مش هتضايق لو تخنت ؟!…”
هز راسه بنظرة وقحة على
صدرها….
“بالعكس دي هتبقا متعة تانيه….”
ادعت كيان الحنق..
“بطل قلة ادب….وسفالة.. ”
كرر الكلمة بهمهمات مستمتعة….
“سفالة ؟!…الله الكلمة دي فتحت نفسي على حاجات
كتير اوي……”
اقترب منها بعبث فابتعدت مزمجرة تكبح
ضحكتها…. “سليم اتلم…..”
أصر سليم وهو يلحق بها بشقاوة….
“تعالي بس هقولك حاجة في ودنك….”
هزت راسها وهي تسبح بعيدًا عنه…..”لا…..”
سبح سليم خلفها وهو يشاكسها….
“هتروحي مني فين…..دا متر في متر……”
ضحكت وهي تفلت منه بخفة وهو خلفها مصمم
على الحاق بها حتى امسكها في نهاية المطاف وعاقبها عقاب يروق لقلبها العاشق له حتى
النخاع…….
وبعد فترة من السباحة معًا واللهو والمشاكسات اللطيفة المتبادلة بينهما صعدا الى غرفتهما
للنوم الساعات المتبقية من النهار…..
….
وضعت فرشاة الزينة على سطح الطاولة ثم نهضت عن مقعدها متأملة نفسها عبر المرآة…..
خرج سليم من الحمام بكامل اناقته مرتدي طاقم
شبابي أنيق يليق بالمكان الذي سيذهبا إليه..وقد
صفف شعره الاسود الغزير للخلف وشذب لحيته
مسك زجاجة العطر ورش منها القليل وعيناه
تسري على جسدها منتشيًا…
فقد تانقت هي أيضًا في (جمبسوت)بُني اللون مغطى بالترتر الامع والذي يليق بسهرة اليوم…
ترفع شعرها البندقي للأعلى على شكل ذيل
حصان يتدلى خلف عنقها بنعومة….واضعه
على وجهها زينة رقيقة متقنة وكانها خطت
إياها بريشة سحرية….
أطلق سليم صفيرة إعجاب وهو يغلق زجاجة العطر… بينما ضحكت كيان وهي تلتف حول نفسها قائلة بغرور..
“اي رأيك في اللوك ده…..”
انتظرت تعلقيه على أحر من الجمر بروح متوهجة
لتجده يخبرها بعد لحظة تأني كان يلتهمهما خلالهما
بعيناه الثاقبة….
“مُزة….”
اخيرًا علق بكلمةٍ لم يجد سواها في قاموس
الغزل ؟!!… ولم تصدق حتى الان انه ينطقها للمرة الثانية بتلك الاريحية و النظرة الوقحة….
اتكأت على اسنانها فرغم غرابة الكلمة منه هو تحديدًا الى انها بها سحرًا غريب يرضي انوثتها…ويسعدها…..
الغزل السوقي من فم استاذها شيءٍ آخر !!..
معه تحب كل شيءٍ غريب وغير متوقع….وماذا بعد
يارجل ؟!!!….
حركت كتفيها باستياء وهي تقول
بخفوت…
“شكرًا…..مقولتليش بقا هنروح فين….قولتلي اننا
هنسهر النهارده في مكان حلو بس مقولتش فين
بظبط….”
رد سليم مختصرًا وهو يضع زجاجة
العطر….
“سمعت ان في حفلة هتتعمل على
الشط فقولت نحضر وننبسط شوية….”
تهللت اساريرها بتساؤل….
“بجد ؟!!…حفلة….متعرفش مين هيغني….”
هز راسه بنفي….
“مركزتش اوي بس في كذا مغني معروفين هيحضروا…معظم اغنيهم كلاسيك رايقة….”
قالت باستحسان مبتسمة….
“احسن برضو انا بحب الاغاني الهادية بعيد عن الطبل والزمر…..”
نظر لها سليم بعيني نمر وهو يرفع حاجبه
مكذبًا…
قالت كيان بعد ان حلت شفرة تلك النظرة…
“بلاش البصة دي ياسليم…عبد الباسط حمودة
دا في حته لوحده راجل رايق كده واللي بيسمعوا ناس رايقة زيه…. بتحب تسلطن…..”
عقب سليم بنظرة
فاترة…
“ماشي ياجميل يارايق…..”
قالت كيان وهي تنظر الى نفسها في المرآة
مجددًا….
“صحيح انا لحد دلوقتي مسالتكش انت بتحب
تسمع لمين…..”
رد بايجاز وعيناه لا تحيد
عنها….
“كوكب الشرق ام كلثوم……”
زمت كيان شفتيها ممتعضة…
“ياساتر….مش بحبها خالص….”
رفع سليم حاجبيه قليلا متشدقًا بذهول…
“كده المستشار يزعل وانا قبليه….انتي جربتي تسمعي ليها حاجة ؟!… ”
أكدت وهي تعود بعيناها إليه….
“طبعا حاولت بس محبتهاش….اغانيها طويلة أوي
ولي بتعيدوا بتزيده….”
ثم اتسعت عيناها متاففة باستهجان…
“ربع طولت بالها وشغفها في شغلها وهي واقفة تغني
بالخمس ساعات والفرقة وراها….”
لم يحبذ الجدال في هذا الأمر فاختصر
الحديث قائلا بابتسامة متزنة….
“حاولي تسمعي ليها تاني اديها فرصة….اكيد هتعجبك…”
هزت كيان راسها بانصياع قائلة بتفكير…
“تمام ممكن اسمع لها تاني عشان خاطرك انت
وعمو بس….”
اخرج سليم الهاتف من جيب بنطالة
قائلا بتذكر…..
“فكرتيني عايز اكلمه افكره بحباية الضغط…..”
اقتربت منه وهي تساله
بقلق…
“هو عمو عنده الضغط…..”
اجابها وهو يرفع عيناه عليها…
“اه من كام سنة كده بقا بيتعالج منه….”
وقفت كيان بجواره ثم قالت بتأثر….
“ربنا يشفيه….طب رن عليه يلا قبل ما ننزل عشان
انا كمان عايزة اكلمه واطمن عليه… ”
وضع سليم الهاتف على اذنه وانتظر لبرهة…..
وعندما فتح الخط قال بلهفة الابن…
“ايوا ياسيادة المستشار….وحشتني…وحشتني
اوي يابابا….”
اتى صوت المستشار عبر سماعة
الهاتف بوقار…..
(لو وحشتك تعالى اي اللي مقعدك عندك….)
ضحكت كيان دون صوت بعد ان طلبت منه
فتح مكبر الصوت لتطمئن معه وقد سمعت تعليق
والده عليه….
ادعى سليم الجدية….
“اوي اوي من بكرة هتلاقيني عندك….”
تافف والده بمزاح…..
(انت بتتحجج بيا ولا اي ياولد….خليك مكانك انا ماصدقت خلصت منكوا انتوا الإتنين….)
اندفع صوت كيان متذمرة بعتاب….
“كده ياعمو….بتجمعني معاه برضو….”
ضحك المستشار فور سماع صوتها ثم
قال بملاطفة….
(اهلا اهلا بعصفورتنا الصغيرة….انا اقدر برضو
اجمعك معاه دا انتي في حته لوحدك….)
غمز لها سليم ضاحكًا فرفعت كيان راسها بزهو..
ثم حدثت والده باهتمام….
“عامل اي ياعمو….اي أخبارك…..”
رد المستشار عليها بمحبة….
(الحمدلله يابنتي…انتي اللي عامله إيه…اوعي
يكون سليم مزعلك…..)
قالت كيان بحياء….
“لا ياعمو الحمدلله احنا كويسين اوي….”
تنهد المستشار بمودة….
(يارب دايما يابنتي يديم عليكم الرضا والسعادة..)
انبثق صوت سليم من بينهما
باهتمام….
“خدت حباية الضغط يابابا….”
رد والده بهدوء حاني….
(ايوا ياحبيبي اطمن اتغديت من بدري وخدت علاجي وهدخل انام كمان شوية…..متشغلش بالك انت بس بيا وركز مع مراتك وانبسطوا….)
اخذ سليم منها الهاتف قائلا باهتمام…
“ومالوا يابابا لما برضو اطمن عليك انا ليا مين
غيرك…..”
رد والده بمودة….(ليك مراتك وحياتك….)
قال سليم بحزم…… “وانت قبل اي حاجة….”
ظهرت البسمة مع صوت والده المتفهم…..
(عارف ياسليم من غير ما تقول….بس برضو اليومين
دول بتوعكم حاولوا تنبسطوا وتفرحوا بشبابكم..)
“اكيد بنعمل كده اطمن…في حفظ الله ياسيادة
المستشار….هكلمك الصبح.. “أغلق سليم الهاتف
بعد السلام….
ثم تنهد بارتياح وهو ينظر الى كيان التي قالت بعينين ترقرق بهما الدمع بتأثر وبراءة….
“بحب علاقتكم أوي….وبحب باباك جدا….ربنا
يحفظه ليك…”
وضع الهاتف في جيبه ثم مد يداه محتوي خصرها
بحب وهو يأسر عينيها الجميلة طابع قبلة دافئة
على وجنتها..
“ويخليكي ليا..انتي كمان بقيتي فرد مهم في العيلة
دي…انتي الست الوحيدة اللي هتدخل البيت ده بعد
امي…وهيبقا ليها كل الصلاحيات..اوعديني ياكيان..”
قراءة نظرة عيناه لها والوعد الذي يطالب به…
فبللت شفتيها ثم قالت وهي بين يداه مسالمة له
وللحياة الجديدة التي انساقت خلفها….
“أوعدك اني هحاول أسعدك واكون نعمة الزوجة ليك
واكون بارة باباك…..”
ابتسم سليم بارتياح وهو يتحسس خصرها قائلا كذلك بصوتٍ حاني… حاسم…
“وانا اوعدك بسعادة ياعصفورتي وان حياتي وقلبي هيفضلوا ملك ايديكي لاخر يوم في عمري….”
انكمشت ملامحها بعدم رضا….
“بعد الشر عليك… متقلبهاش دراما بقا….”
ثم اخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة
الامعة وهي تقول بجذل….
“يلا نتصور سوا…. صورة حلوة بمناسبة اننا مطقمين…”
وقفت بين ذراعيه بدلال تلتقط صورةٍ تذكارية
لهما وهما يبتسما معًا كان ينظر اليها بحب بينما
هي تلتقط الصورة وعيناها على عدسة التصوير
وتم التقاط الصورة على هذا النحو،صورة جميلة
متشبعة بعفوية الحب والكمال بينهما….
..
وسط الاضاءة الخافته الشاعرية و الموسيقى الكلاسيكية المنبعثة من أعلى المسرح الغنائي
وصوت المطرب الذي يغني باحساسٍ يهدي
العشاق بلاغة التعبير عن الحب بابسط الكلمات
واعمقها اثرٍ على القلوب….
كان يعانق خصرها من الخلف وترتاح هي على صدره
العريض متمايلة معه على كلمات الاغنية في وقفة
مشتعلة بالعشق….
همس بجوار اذنها بصوتٍ اجش وهو يضمها
الى صدره أكثر…
“بـعـشـقـك ياكـيـان…..”
“وانا كمان ياحبيبي….” قالتها برقة وهي تغمض عيناها محلقة في سماء الحب بين يداه….
انها تعيش أجمل أيام عمرها في احضانه انها سعيدة
سعيدة جدًا وتريد ان تصرخ بها باعلى صوتها….
“اي ده سليم معقول ؟!!….”
فتحت عيناها مصعوقة وهي تهبط باقصى سرعة
على أرض الواقع ، ارضًا شديدة الصلابة والقسوة..
فتحت عيناها وهي تنظر الى تلك المرأه الشبه عارية
بثوب قصير جدًا لم يترك للمخيلة فرصة…..
تنحنح سليم وهو يعتدل في وقفته قليلا دون
ان يبعدها عن احضانه…..
“هاي يا روما…..اي الأخبار…..”
قالت تلك المرأة العارية بصوتٍ ناعم جدًا
مستفز لأبعد درجة….
“هاي ياسـلـيـم…..انا تمام بقالي يامه مشوفتكش..”
رد سليم بحرج…
“مشاغل بقا ما انتي عارفه….”
“اه واضح…..”القت نظرة ذات مغزى على كيان
التي بدورها اظلمت ملامحها وهي تشع لها نظرة عدائية..
فقالت روما بلؤم…
“هي ايتن ليه مش معاك…..”
احتقن وجه كيان بينما ارتفع حاجب سليم
وهو يركز بنظرة عليها قائلا بخشونة….
“هو انتي متعرفيش اننا سبنا بعض…انتم
المفروض صحاب أوي ؟!!.”
ادعت الدهشة ببراعة قائلة..
“لا معرفش انا كنت في أمريكا عند دادي ولسه
راجعه من كام يوم….معقول سبتوا بعض دا انتوا
كنتوا كابل هايل…..خسارة…..”
امتقع وجه سليم وهو ينظر الى كيان
الصامته المستمعة لهما…..فاشار عليها
بفخر قائلا…..
“كُنا….احب أعرفك كيان مراتي….”
فغرت شفتيها بدهشة…… “بسرعة دي…..”
اظلمت عينا سليم بينما اتكأت كيان على اسنانها
تكبح جنونها….فتداركت روما الخطأ وقالت
بترحيب فاتر….
“اوه سوري تشرفنا….كيان…..”
دون سلام ردت كيان بجمود…”اهلا… ”
اغتصبت روما الابتسامة وهي تقول
بتودد…..
“واضح انكم بتقضوا الهاني مون هنا…”
رد سليم بإيجاز…… “بظبط…..”
لمعة عينا روما بخبث فقالت بصوتٍ ناعم جدًا
كان نشاز على الأذان….
“خلاص بقا يبقا اعزمكم على عيد ميلادي هو
كمان يومين …”
القى سليم رفضًا قاطعًا….
“مش هينفع يا روما خليها مرة تانيه…..”
قالت روما بتعجب…
“ليه بس كده ياسليم…. حاول تيجي صدقني هتنبسط اوي والاجواء هتعجبك….”
رفض بتصميم…. “روما الـ….”
قاطعته روما بدهاء…..
“أكيد رافض عشان ايتن هتكون موجودة….بس انا مش شايفه فيها مشكلة انتوا مش أول اتنين يسيبوا
بعض بعد قصة الحب الكبيرة اللي كانت بينكم….”
ثم استرسلت وهي تنظر الى كيان المستكينة
بجوار زوجها بصمتٍ مهذب…..
“على فكرة يامدام انا اعرف ناس بعد الانفصال
بيبقوا اعز صحاب…..”
قالت كيان بابتسامة باردة…..
“والله….طب كويس منك نستفيد واضح
انهم كتير في حياتك….”
احتقن وجه روما بتساؤل….. “مين هما ؟!!….”
قالت كيان بنظرة سامة….
“الناس اللي بينفصلوا هيكونوا مين يعني….”
انهى سليم الحوار المحتد بينهن قائلا….
“ان شاء الله ياروما هنشوف ظروفنا ونقولك…”
هزت روما راسها بخيلاء….
“اوك هبعتلك العنوان على البرايفت…دا اذا حبيت
تيجي….باي….”
ثم نظرت الى كيان وقالت بنظرة
تقليل….
“فرصة سعيدة….. كيان…..”
ردت كيان بنظرة اشد استخفاف
وسخرية
“انا اسعد……روما….”
عندما ابتعدت عنهما وبعيدًا عن ضجيج الحفل
رفعت الهاتف على اذنها قائلة بنبرة تشفي….
“ايتن مش هتصدقي قابلت مين هنا….”
تلونت ابتسامتها بخبثٍ مضيفة…
” لا لا طبعًا الموضوع مش هينفع في التلفون….
لازم تيجي…وعشان احمسك أكتر…..الموضوع
يخص سليم الجندي حبيبك….”
اغلقت الهاتف والابتسامة تتسع بتسلية…
مغمغمة بنشوة…..
“وأخيرًا لقينا حاجة تسلينا بدل الملل ده….”
……………………………………………………………..
وضعت يدها على بطنها وبدأت تتحسسها برفق
وهي تشعر بتشنجات اسفل يدها ووجع مستمر
في ظهرها غير الغثيان الذي لا يفارقها….
اغمضت عيناها باعياء منذ ان بدات تظهر أعراض
الحمل وهي تعاني باستمرار….
“على راي ماما….. العيل مش بيجي بساهل…”
قالتها وهي تريح راسها على ظهر الاريكة وعيناها
معلقة على شاشة التلفاز بملل….
حتى سمعت بعد لحظات رنة مفاتيح زوجها يليها
دخوله بخطوات رغم ثباتها الى انها تحوي لهفة
يستشعرها قلبها ولا تكذبها اذنيها….
“عامله اي يادودا النهاردة….”
ابتسمت داليدا وهي ترفع عيناها اليه قائلة
بجزع…
“زي ما انت شايف ياسلطن…مش قادرة اتحرك..”
أقترب منها جالسًا بجوارها على حافة الاريكة
ثم مسك كفها بحنو قائلا….
“انا مش بسالك اتحركتي ولا لا انا بسألك.. حاسه
بوجع زي امبارح….”
هزت راسها بنفي قائلة بهدوء….
“لا بقيت احسن الحقن دي ريحتني شوية….”
تنهد سلطان بارتياح ناظرًا اليها بعطف….
“طب كويس وزي ما الدكتورة قالتلك بلاش تتحركي
كتير الشهر ده…”
زمت داليدا شفتيها بتبرم…
“بس انا مش بحب قعدت العواجيز دي…”
هز رأسه بوجوم قائلا….
“عارف بتموتي في العغرته استحملي عشان خاطر
اللي في بطنك….”
ابتسمت بحنين وهي تمسح على
بطنها…
“اه ياسلطان… امتى اولد بقا عشان أرتاح….”
رفع حاجبه بشك….”تفتكري ياداليدا؟!!..”
أكدت عليه بسعادة…..
“طبعا الحمل متعب أوي….لكن لما يبقا قدام
عنيا رعايته هتبقا سهله….”
مالى سلطان عليها وطبع قبلة حانية على وجنتها قائلا بحب جارف….
“يمكن..انا اكره يعني.. ربنا يقومك بسلامة ونعدي المرحلة دي على خير….انا ببقا في الورشه بين
نارين مش عارف اركز في شغلي من القلق
عليكي.. ”
انعقد حاجباها متعجبة بحيرة…..
“مش عارفه انت ليه قلقان ما أميرة وجنة بنتها
بيعدوا عليا يقعدوا معايا كل يوم ومامتك
كمان طول النهار معايا أطمن….”
طبع سلطان قبلة ثانية في داخل كف يدها
قائلا بمناغشة….
“لو مقلقتش عليكي انتي هقلق على مين يادودا..
دا انتي طلعتي غالية عليا اوي يابت….”
احمرت وجنتاها خجلا وسالته بدلال..
“الحمل بس هو اللي خلاني غالية عندك ؟!!.”
نظر الى وجهها الجميل وعيناها الشقيتين
المغويتين بالحسن…..ثم اخبرها بعذوبة
الحب….
“انتي عارفة انك غالية عندي من قبل كده بس
غلاوتك زادت بعد مابقيت حامل في ابننا…”
اتسعت البسمة على شفتيها حتى شملت وجهها
فقالت برضا تام وهي تقرص خده..
“بحبك ياسلطن…. بحبك يابو مليكة….”
ابعد يدها منزعجًا من تلك الحركة السخيفة
والدلع الاكثر سخافة….والذي للعجب يعشقه من
بين شفتيها الشهية ؟!!..
عقب بعدم رضا….
“مليكة ؟!… طب ما ممكن يبقا محمد….”
زمت داليدا شفتيها وهي تمسح على بطنها مجددًا وكانها تشارك طفلها جزءًا من الحديث بتلك الحركة
البسيطة التي تشع لطف الامومة……
“مش عارفه ماما بتقولي ان الحمل محليني يبقا
اكيد حامل في بنت…. أصلي لو حامل في ولد هبقا
وحشة….”
عقب سلطان بتجهم.. “اي الكلام الغريبة ده….”
هزت داليدا راسها بنفي موضحة….
“مش غريب ولا حاجة دي حاجة شبه السونار
كده وبتطلع صح مية في المية… وبعدين تعالى
هنا وشك قلب ليه لما قولت مليكة… انت
منهم ولا إيه….”
سالها بخبث…. “هما مين ؟!!….”
ضاقت عيناها باتهام…
“اللي بيحبوا خلفت الولاد أكتر….”
اجاب بهدوء…
“كل اللي يرزقنا بيه ربنا رضا….”
سالته داليدا عن كثب…
“ايوا مقولناش حاجة بس انت نفسك في إيه…”
رد سلطان مختصرًا….
“انا طماع عايز الاتنين الولاد والبنات….”
رمقته داليدا بسأم فتدارك سلطان الوضع وهو
يحتوي كتفها بذراعه قائلا….
“بس طبعا لو جت بنت مش هزعل دي هتبقا حبيبة
ابوها….”
على وجهها تعبير الغيرة فقالت بتذمر…
“ولما هي من الاول كده هتبقا حبيبة أبوها..انا هبقا
اي بقا يا سلطان….”
“قلب وروح وعقل أبوها….”قطف قبلة حارة
من بين شفتيها السخية….
فابتسمت داليدا برضا تام وهي تساله
بحنان..
“مش جعان ياسلطان….”
اجابها وهو يبعد ذراعه عنها…
“ميت من الجوع….انتي كلتي؟…”
اجابته بنظرة مليئة بالحب….
“اه كلت مع أختك وخدت علاجي….أميرة عملت لنا الغدا النهاردة وكلنا سوا وشلنالك منه….هقوم اسخنلك..”
اوقفها سلطان بأمر خشن….
“خليكي انا هدخل اسخن لنفسي…بس هتاكلي معايا
عشان تفتحي نفسي على الأكل….”
قالت بخفوت….
“طب روح انت غير هدومك وانا هسخنلك…”
اصر على الرفض وهو ينهض من مكانه
قائلا بحزم…
“لا ياحبيبتي انا هغير هدومي وبعدين اسخن وناكل
سوا خليكي مكانك وارتاحي….”
بعد لحظات كانا يأكلا على طاولة صغيرة
امام شاشة التلفاز….كان يأكل القليل ويطعمها
أكثر بنفس الاهتمام والحب الذي ازداد عن
المعتاد معه اثناء فترة حملها والتعب الملازم
لها…..
شعرت داليدا بان معدتها اوشكت على الانفجار
من كثرت الطعام…فتاوهت برفضًا تمتنع….
“كفاية بقا ياسلطان انا شبعت والله….”
“انتي لحقتي كلتي..”مد يده لها بمعلقة ارز
أخرى اخذتها على مضض…..
“كفاية بالله عليك عشان مرجعش….”
اوما سلطان براسه بايجاز….وبدا ياكل بصمت
بملامح متجهمة…فسالته داليدا بعد الملاحظة
“مالك ياسلطان شكلك مضايق في حاجه حصلت..”
اخبرها على مضض…. “هدى بنت عمتك….”
شحب وجه داليدا فجأة وهي تساله
بارتياع…. “مالها…”
اجاب بقنوط…. “جالها عريس ورفضته…”
ازدردت ريقها بخوف مستفسرة…..
“واي المشكلة ممكن ميكونش مناسب ليها…هو
مين.. ”
رد بملامح جافية…..
“حسني…ابن الست فتحية….”
فغرت داليدا شفتيها بصدمة لوهلة
ثم سألته….
“اي ده هو رجع من الكويت….”
اجابها سلطان وهو يرتشف القليل
من الماء….
“رجع وبيدور على عروسة….عشان يتجوزها ويسافروا….”
قالت داليدا بعفوية….
“يعني اللي هيتجوزها هتسافر معاه….طب وليه
رفضت….”
أوغر صدر سلطان بالغيظ من خسارة
فرصة زواج كـتلك…..
“مش عارف مع ان حسني ده جدع ومفهوش غلطة…وامه رشحتها ليه وهو وافق أول ماشاف صورتها….”
اختنقت الكلمات في حلق داليدا وهي الان
تدرك السبب الرئيسي لرفض ابنة عمتها لفرصة
ذهبية كـتلك….
تحيا نفس الوهم التي عاشته هي سابقًا تسد اذانها
وتغمض عيناها عن طيب خاطر فقط ليرضا
عنها الحقير……
الذي هو الان في عيناها فارسها الشجاع كما
كانت تتوهم هي بهذا سابقًا…..
سألت سلطان بعد لحظة صمت ثقيلة
على صدرها…..
“طب وعمتك عملت إيه لما هدى رفضت…”
تنهد سلطان مختصر الوضع….
“هتعمل إيه….حاولت تغصب عليها بس هدى استنجدت بيا وبعمامك فمحدش رضي بجوازها
غصب…..”
ثم على وجه سلطان تعبير غريب مخيف…
“اللي مستغربه ليه هدى رفضت مع انها من فترة قصيرة كانت مستعده توافق باول عريس يدق
على بابها…..”
هزت داليدا راسها مؤكده دون مواربة….
“وده كان أول عريس فعلا يدق على بابها…يمكن
هي شايفه حاجة احنا مش شيفنها ربنا يسترها….”
رمقها سلطان بأستغراب…..
“ليه بتقولي ربنا يسترها…انتي تعرفي حاجة ومخبياها عني….”
اختلج قلبها فجأه بفزع وتشنجة معدتها أكثر جراء
السؤال والنظرة الحادة في عيناه فقالت بثبات انفعاليّ تستحق جائزة ذهبية عليه…..
“هكون عارفه اي يعني…هو انت شايف سرها معايا
او عمرنا كنا صحاب حتى…..”
طال بهما الصمت والنظرات المتبادلة حتى هز راسه مقتنع بحديثها ثم نهض من مكانه يحمل صنية الطعام قائلا بهدوء….
“انا هروح اعملي شاي… وهصبلك كوبايه عصير….”
قالت داليدا بامتناع وهي على وشك التقيؤ
في اي لحظة…..
“لا ياسلطان مش قادرة بالله عليك…”
اردف سلطان بملاطفة….
“بطلي دلع يادودا…اهو تشربيها معايا واحنا بنتفرج
على الشاشة…وبالمرة تحكيلي عن الحلقة اللي فاتتني في المسلسل….”
ابتعد امام عيناها الحزينة فقالت داليدا بسخرية
في محاولة منها للتخلص من تلك المشاعرة
السوداوية المخيفة….
“على أساس انك بتحبه يعني…دا انت بتقعد معايا تتفرج عليه جبر خواطر….”
عاد من المطبخ وبين يده كاس من العصير
الطازج….ثم استأنف بمداعبة….
“حصل…بس بعد كده شدني….وبعدين القعده
معاكي قدام التلفزيون حاجة تانية…..”
اسبل عيناه وابتسم بسخرية متعجبًا من حالة والى اي مدى وصل به العشق…..
سالته داليدا بفضول….
“اي اللي ورا الإبتسامة دي اي افتكرت إيه ؟!..”
رفع عيناه عليها والابتسامة مزالت متعلقة على
محياه…..
“افتكرت نفسي لم كنت بستغرب ابويا ليه بيحب يتابع فيلم أو مسلسل مع امي…دلوقتي عرفت…”
قالت داليدا بروح متوهجة…..
“المشاركة حلوة…حتى لو بابسط الحاجات…عشان
كده انا قررت بما انك بتحب الكورة الماتش الجاي هقعد اتفرج معاك واشجع الفريق المنافس….”
رفع سلطان حاجبه بصدمة متشدقًا
باستهجان….
“دي كده مش مشاركة دي حرقة دم….”
ضحكت داليدا وهي ترفع كوب العصير الى فمها بينما هو عاد الى المطبخ لاعداد الشاي…
وعندما اختفى عن مرمى ابصارها اعادت الكوب
مكانه وانحنت بانهزام مرعوبة من القادم….
…………………………………………………………..
شعرت بمداعبة لطيفة فوق بشرة خدها يليها قبلة صغيرة فوق جبينها وهمسة خشنة حانية تدللها
باسمًا منفرد رائع يعزز انوثتها مع كل خطوة تخطوها معه…
“ست الحُسن والجمال….”
لانت شفتيها في ابتسامة صغيرة شديدة الرقي
وبدات ترمش بجفنيها باهداب كثيفة جميلةٍ….
فظهرت عسليتاها والتي بدت كشمسان متوهجتان في صيفٍ حار…..
سحبت نفسًا طويلا ثم قالت بهمسًا والبسمة تزين
ثغرها الشهي…..
“صباح الخير ياعـاصـم…..”
ابتسم لعيناها البديعة في الطلة وعند النظر والى اسمه من بين شفتيها يُنطق بصفوٍ ودلال ليس
كمثله أحد…..
مالى على شفتيها وقطف قبلة صباحية حلوة المذاق
وهو يرد تحية الصباح كما اعتادت منه…
“صباح الشهد….”
اعتدلت في جلستها غير مصدقة انها أمس كانت
تحضر حفل زفاف شقيقيها وانتهت الامسية بين
احضانه وهو يغرقها في موجة ثائرة من الحب والغزل..
تحدث عاصم بمشاكسة….
“اي الكسل دا كله… احنا سهرنا اوي كده إمبارح…”
عضت على باطن وجنتها وهي ترفع حاجبها له
فغمز لها قائلا بمناكفة….
“كله منك….كل مرة بنسهر فيها لوش الصبح بيبقا بسبب رغيك اللي بيقلب بحاجات تانية…”
فلتة منها شهقة صغيرة
مصدومة…
“انا رغاية ياعاصم ؟!!….”
اكد بهزة من راسه….. “جدًا….”
رفعت حاجبٍ متجهمًا…. “طب وحضرتك…”
مط شفتيه يجيب بجدية….
“لازم اخد وادي معاكي…. السوق علمنا كده…”
ازداد إرتفاع حاجبها….. “جبر خواطر يعني؟!!…”
اكد باستفزاز….. “بظبط….”
أوغر صدرها بالغيظ فقالت بسطوة….
“طالما انا رغاية والموضوع جبر خواطر… من اليلادي
هتنام على الكنبة….او على الأرض…”
تراجع عاصم قائلا بابتزاز عاطفي….
“اهون عليكي ياست الحُسن…انام ازاي بعيد عن حضنك…”
اختلج قلبها بين اضلعها بتأثر الى انها
قالت بجمود….
“عادي هتعرف على فكرة….”
رد بصوتٍ أجش عميق زلزل كيانها….
“مقدرش… خلاص اتعودت عليه….وطني ده….”
نست ان تاخذ انفاسها وهي
تسأله…
“حضني هو وطنك ؟!!…”
سحب كفها ورفع اياه لمستوى شفتيه ثم طبع
القبل عليه وهو يخبرها بعاطفة جياشة…
“كلك على بعضك وطن…وطن عاصم الصاوي..وطني
وعوضي من الدنيا… انتي ياست الحُسن….”
ارتجفت الابتسامة على شفتيها وهي
تناديه بصوتٍ متهدج… “عـاصـم…..”
طبع قبلة اخرى على باطن كفها…
“عيون عاصم…..”
قالت بضعف انثوي….
“الكلام الحلو ده على الصبح خطر على قلبي..”
طبع قبلة اخرى على باطن كفها قبل ان يترك
سراحها مؤقتًا…. “ناجله لـحد بليل….”
ثم نهض من مكانه يتابع ارتدى ملابسة مضيف اللمسات الأخيرة كارتداء السترة والعطر….
تاملت شهد الهيئة الانيقة المرتبة والنظافة الواضحة
عليه انه يلمع من كثرة اهتمامه بأقل التفاصيل خصوصًا نظافته الشخصية !!….
الأمر أقرب للهوس….
“انت نازل الشغل ؟!…”
القت السؤال وهي ترفع ساقيها للاعلى بملامح منبسطه وهي تشاهد بعسليتاها العاشقتان العرض
الأقرب الى قلبها
تأنقه المعتاد كل صباح وكأنه ذاهب لمؤاتمر صحفي
وسيكون تحت الأضواء لحظة بلحظة……
رد عاصم بهدوء….
“اه بعد ما نخلص مشورنا….”
انعقد حاجباها باستفهام….. “مشورنا ؟!…”
وضع عاصم زجاجة العطر واستدار اليها
قائلا….
“انتي ناسية ولا إيه مش قولتي معاد الدكتورة النهاردة…”
اتسعت عينا شهد بدهشة…
“ايوا صح…..كُنت ناسية….”
ابتسم عاصم وهو يأمرها بلطف…..
“يعني كسلانة وناسية كمان كده كتير…يلا ادخلي
خدي شور كده واجهزي..وانا هستناكي تحت نفطر معاهم ونمشي و بالمرة أطمن على الحاجة نصرة وشوفها خدت علاجها ولا لا على ما تنزلي….”
خرج من الغرفة بخطى هادئة تشع رجولة ووقار..
واخيرًا هيئة انيقة ونظيفة كما اعتادت رؤيته…
ابتسمت شهد بسعادة وهي تبعد الغطاء عنها
بقوة مندفعة الى الحمام بخطى سريعة متراقصة
على اوتار السعادة
عندما دلف عاصم الى غرفة الطعام وراى الحاضرين تسمر مكانه مصعوقًا لوهلة بعد ان راى الهام بصحبة رُفيدة شقيقتها يجتمعا مجددًا في هذا المنزل وعلى
سفرة طعام واحده بعد كل هذه المدة التي
مضت بعد طلاقهما…
كان على راس السفرة الجدة نصرة وعلى الجهة اليسرى يجلس يزن وجواره امه وخالته رفيدة…. والجهة اليمنى فارغة فلم يحضر عمه منذ البارحة
فيبدو انه يتهرب من مواجهة ابنه بعد ان زفة الهام له خبر الزواج….
بعد ان ذابت الصدمة عنه اقترب من الجميع بهدوء
ملقي السلام وهو يقترب من الجدة طابع قبلة
حانية فوق رأسها….
“عاملة اي ياحبيبتي دلوقتي…خدتي علاجك.. ”
ردت نصرة بمحبة وهي تربت على كفه..
“الحمدلله ياعاصم خدته وبقيت احسن….”
انبسطت ملامح عاصم بارتياح ثم حانت منه
نظرة على رفيدة ومن باب الذوق رحب بها
بفتور….
“أزيك يارفيدة….عاملة إيه….”
بنظرة حزينة يشوبها حسرة ضياعه
قالت…
“الحمدلله ياعاصم….انت عامل ايه…..”
رد وهو يتخذ أول مقعد في الجهة
اليمنى.. “الحمدلله….”
قالت الهام بصوتٍ متداعٍ حزين….
“كويس انك جيتي يارافي….كنت محتاجة اقعد معاكي أوي….”
“وانا كمان يالومي…”قالتها رفيدة ثم نظرت
الى يزن بمحبة….
“ويزن حبيبي وحشني….”
رد يزن بإبتسامة مناغشة…
“وانتي كمان ياروفي هنقضي اليوم سوا أكيد….”
اكدت رفيدة بضحكة فاتنة…. “اكيد يايزون…..”
ثم رفعت عيناها على عاصم الذي يأكل بهدوء
متجاهل النظر اليهما….فقالت بحرج حتى
تلفت انتباهه لها بعد ان تأنقت على نحوٍ مبالغ
كما أمرتها اختها…..
“اتمنى مكنش ازعجتك بزيارتي دي ياعاصم…”
رفع عاصم عيناه عليها ثم اجاب بخشونة…
“ليه بتقولي كده….احنا في الاول وفي الاخر عيلة..
ومرحب بيكي في اي وقت….”
سالته رفيدة بلؤم…
“ويترى مراتك رايها من رأيك….”
اجاب بنبرة مثخنة جادة….
“شهد بنت أصول…وتفهم في الاصول كويس أوي…”
تدخلت نصرة في الحديث مؤكدة بنفسٍ
راضية….
“فعلا والله شهد دي زي البلسم….كفاية ادبها واحترامها للكل…..ربنا يصلح حالها ويسعدها….”
احتقن وجه رفيدة بغضب وهي تنظر الى اختها
التي كان حالها لا يقل عنها غضبًا وكرهًا كلما ذكر
اسم هذه المخلوقة…..
بينما قلب ابنها يرفرف بين ضلوعه بسعادة عند ذكرها وعيناه تبرق بهوس يتخطى الحدود..
سمع عاصم طرقات حذاء تقترب….فرفع عيناه عند باب الغرفة منتظر…..
فظهرت شهد امامه متوهجة الجمال كنجمة متلالأة متأنقة بطاقم شبابي عبارة عن بنطال جينز وكنزة صيفية رقيقة من اللون الأخضر الفاتح تترك شعرها حرًا خلف ظهرها…وتضع زينة بسيطة تشرق وجهها
وتزيده بهاءًا…..
ورغم البساطه بها الى ان جمالها يضوي متخطي الحدود في عيناه الغارقة في حبها…
ازدرد ريقه عندما تقدمت منه وقد انكمشت ملامحها
باستهجان بعد رؤيتها للضيفة الغير متوقعة والتي
تتشارك معهم وجبة الفطور بمنتهى السلاسة
والحرية وكانها معتادة على فعلها….
تبادلت إلهام النظرات الخبيثة مع اختها التي ابتسمت بسخرية وهي ترمق شهد بازدراء وحقد…..
“صباح الخير….”
قالتها شهد وهي تدور حول سفرة الإفطار ثم جلست في مكانها جوار زوجها بصمتٍ تام وملامح
جامدة المعاني….
ردت نصرة بابتسامة صافية…بينما رد يزن تحية
الصباح وهو يرمقها بشوقًا مستتر وباهتمام
واضح….
“صباح النور…. يازهرة سراية الملوك…”
ضاقت عينا عاصم وهو ينظر الى يزن ثم الى شهد التي تبادلت معه النظرة بحنق ومزال صدرها متقد كبركان ثائر يوشك على الانفجار في اي وقت منذ ان رأت رفيدة تشاركهم وجبة الإفطار….
عقب عاصم وهو ينظر الى
يزن….
“زهرة سراية الملوك ؟!!….”
اكد يزن بهزة بسيطة مجيبًا….
“اي رايك لايق عليها الاسم مش كده….”
احتد صوت عاصم قليلا وهو يقول بغيرة منه
لاول مرة تنشب في صدره بعد اخر شجار
حدث بينهم….
“ومين اداك الحق انك تناديها باسم تاني غير إسمها حتى لو على سبيل الهزار…..”
عقب يزن باستفزاز…
“واي المشكله يعني…. انت غيران ؟!….”
امتقع وجه شهد بخوفًا…بينما قال
عاصم بحدة….
“الحكاية مش غيره قد ماهو احترام….”
سخر يزن باستنكار…
“وانا كده قللت من احترامها….”
هتف عاصم بنفاذ صبر…
“انا احب التعامل مع مراتي يكون بحدود عن كده…انت مش صغير عشان افهمك حاجه زي دي….”
تدخلت نصرة بتردد…
“محصلش حاجة ياعـاصـم….”
اوقفها يزن بصوتٍ ازداد انفعالا ملحوظ…
“استني ياتيته…بس انا مش شايف شهد مضايقة..”
“ملكش دعوة بـشهد….”صاح بها عاصم وهو في ذروة غضبه…..
اشتدت نظرات الهام بالكره نحو شهد التي كانت تتابع الحديث بصمت ووجهًا شاحب….
ساله يزن بصفاقة
وجه…
“يعني بتكلم بلسانها ؟!!…”
اكد عاصم بنظرة مرعبة…. “اه عندك مانع !!…”
أسبل يزن عيناه بغضب مكتفي بالصمت…
بينما قالت نصرة بتعب متعجبة من انقلاب حال الجميع في هذا البيت….
“لا حول ولا قوة إلا بالله….في اي بس ياعاصم….مالك يابني….هترجعه تشده مع بعض
تاني مش كده ياولاد دا اكيد عين وصبتكم….دا
انتوا عمركم ما كنتوا كده….”
غمغمت الهام بمقت…
“منه لله اللي كان السبب في خراب البيت ده…”
شعرت شهد بانسحاب الهواء من امامها فالأول مرة
تكون الهام على حق !!….
ان شعور الذنب يذبحها الان بسكين بارد…
بينما سالتها نصرة بضجر…
“تقصدي مين بكلامك دا يالهام…..”
تجاهلتها الهام عمدًا وهي تنظر الى اختها قائلة
بمكر….
“مالك ياروفيدة مش بتفطري ليه…هو انتي
محتاجة عزومة دا انتي في بيتك….”
جزت شهد على اسنانها وهي تشيع نظرة نارية
الى الهام التي ابتسمت بتشفي…مؤكده بنظرة
خبيثة بان وجودها مؤقت وسيعود كل شيءٍ
كما كان قبل ظهورها….
فقالت الهام بعد حرب ضارية بالنظرات….
“صحيح ياشـهـد دخلتي كده من غير حتى ما
تسلمي انتي مش شايفه رفيدة ولا إيه…..”
قالت شهد بابتسامة منفعلة…
“لا مش واخده بالي منها….أهلا….”
رفعت الهام حاجبها بصدمة..
“اهلا ؟!!….دا واضح ان وجودها مضايقك…..”
قالت نصرة بملاطفة….
“بلاش الكلام ده… رفيدة مرحب بيها في اي
وقت….دا زي بيتها بظبط… ”
تنهدت رفيدة بارتياح وهي تنظر الى الجدة
بامتنان..
“ربنا يخليكي ليا ياماما…..طول عمري بشوفك
عيلتي التانية…..”
قالت نصرة بمجاملة…
“ربنا يسعدك يابنتي ويعوضك….”
اسبلت رفيدة جفنيها بحزن قائلة…
“مفيش عوض بعد اللي راح ياماما انا حياتي
وقفت خلاص…..”
سعل عاصم فجأه رغم انه لم يضع لقمة في فمه
لكن يبدو ان حديثها كان بمثابة غصة تخنقه…
مدت له شهد كوب من الماء بملامح محتقنه
بالغضب والغيرة….”ماية…”
اخذها عاصم منها دون النظر اليها وكانه
يخشاها ؟!!…
كان يسخر سابقًا من الرجال الذين يخشوا زوجاتهم
في بعض المواقف ، متعجبًا من سلطة النساء على الرجال بعد الزواج لكن الان علم السبب وبات
حليف لهم ؟!!..
“انتوا النهاردة رايحين للدكتورة ياشـهد…”
سالتها الجدة نصرة باهتمام فاجابتها شهد
بهدوء…..
“ايوا ياماما نصرة هنروح عشان نعرف نوع
الجنين ونطمن….”
تركت شهد الطعام ورجعت بظهرها للخلف بتعب
فاستدرا عاصم بكليته إليها بقلق….
“مالك ياحبيبتي…..”
قالت شهد بتعب….
“مش عارفه نفسي مسدوده ليه….”
“ليه بس انتي مكلتيش حاجة…. “ثم قرب عاصم
من فمها لقمة صغيرة قائلا بحنان….
“خدي دي مني….”
قالت شهد بامتناع….
“لا ياحبيبي مش قادرة…. بجد شبعت…”
ألح عليها بنبرة حنونة…
“دي بس يـاشـهـد عشان خاطري….”
اخذتها من بين يده وهي تشيع نظرة مستفزة
الى الهام وشقيقتها….
واللتان كانا يحترقا على صفيح ساخن بينما نهض
يزن من مكانه فجأه مغادرًا دون استأذن مما جعل ملامح عاصم جافية مظلمة بشك !!..
………………………………….
“ممكن افهم انتي مضايقه كدا ليه….”
سالها عاصم بجزع وهم بداخل المرأب يستقلا احد سياراته الفارهة….
اشاحت شهد بوجهها الى النافذة
المجاورة بتبرم..
“لا وكمان بتسأل ؟!!…”
اثارت حفيظته فهدر بانفعال…
“واحده جايه تشوف اختها عايزاني اطردها…”
قالت بغصة مختنقة…..
“انا مقولتش تطردها بس على الاقل كنت عارفني
انها هنا….كنا خارجنا فطرنا برا…مش لازم نقعد
معاهم…ونفطر كمان….”
رد عاصم بقلة صبر….
“مكنتش اعرف انها هنا انا اتفجات زيك…”
ثم رمقها بعينين تقدحان شررًا….
“وبعدين انا عايز افهم انتي ليه مش حاطه حدود
بينك وبين يزن في الكلام…..واخد عليكي اوي
كده ليه أفهم !! ”
سالته شهد بملامح مشدوهة…
“انت بتشك فيا ولا إيه ياعـاصم….”
احتد صوته عليها…
“ردي على قد السؤال ياشـهـد….”
صاحت بكبرياء… “دا مش سؤال دا اتهام….”
هتف عاصم بقسوة….
“انا لو شاكك فيكي او بتهمك مش هسيبك على ذمتي دقيقة واحدة…”
انتفض قلبها بين اضلعها بوجع…ونظرت اليه
بصدمة معقبة….”لدرجادي ؟!!…”
لم تجد الى صمت كئيب لفهما معًا في موجة باردة
ومزالت عيناه معلقه عليها بحدة وانفاسه خشنة هادره….
فقالت شهد بشجن وعتاب….
“انا عارفه حدودي كويس اوي وبذات مع ابن عمك
ومش معقول هتحاسبني على تصرفاته….”
قال عاصم بخشونة…
“انا مش بحاسبك انا بسألك….”
صاحت بنشيج…. “قصدك بتتهمني….”
“وليه متسمهاش اني غيران عليكي….”نظر لها بملامح جامدة لا تلين وصاح وهو يمسك يدها
بقوة مؤلمة…..
“انا بغير ياشـهـد….بغير عليكي…”
تسارع نبض قلبها بعذاب وقالت بصوتٍ
مرتجف…
“من حقك تغير ياعـاصـم…بس ليه تشك فيا…”
ترك يدها بحنق بالغ…..
“برضو مصممة اني بتهمك وبشك فيكي….”
ودون النظر اليها قال ساخرًا….
“انتي كمان لسه متهماني اني عارف ان رفيدة هنا
وخبيت عليكي….”
ثم زفر عندما لم يجد منها ردًا فأمرها
بصلابة..”اربطي الحزام…”
رفضت بعناد أهوج…. “مش عايزة…..”
مالى عاصم عليها يربط حزام الأمان لها بقوة ثم
نظر الى عيناها بضيق عند هذا القرب..
“فكي التكشيرة دي الزعل غلط على اللي في
بطنك…”
لوت شفتيها مستهجنة….
“كويس انك صريح وكل خوفك على اللي في بطني…..”
هتف عاصم بغلاظة….
“مفيش فايدة فيكي…..شاطرة اوي في قلب الطربيزة……”
نظرت اليه بعسليتان عاصفتان بالغضب….
“هو انت ليه مصمم اني برضو غلطانه…انا مليش دعوه بتصرفات ابن عمك الغريب ده…”
“الموضوع اتقفل لحد هنا يـا شـهـد…”ثم ادار محرك السيارة ملقي الخبر على نحوٍ مفاجئ….
“انا مشيت المهندسة اللي ماسكة تشطيب الشقة وعينت مكانها مهندس جديد بعمالة جديدة وكلها اسبوعين ونستلم الشقة مفروشة…..”
نظرت اليه شهد بصدمة….فقال عاصم بنبرة
حاسمة…..
“خلينا نخلص من الصداع ده….ونبعد عن البيت
بمشاكلة….انا زهقت.. ”
التزمت شهد الصمت بجمود بعد هذا التعليق
وبعد تفكير وجدت بان هذا أسلم حل بعد كل ماعاشته في هذا البيت من حقائق مفجعة
وصدمات قاسية كانت كسياط تجلدها بلا
رحمة…
ربما عليها المغادرة من هذا المكان حتى تخلص
حالها من وخزة الضمير وتنسى رغبة الانتقام التي
لم تجني من خلفها إلا الأوجاع ….
ستمضي في حياتها دون الالتفات للخلف لن تغفر
لكنها ستمضي برفقة من تحب فـعاصم والطفل يستحقا هذا….
………………………………………………….
جزت رفيدة على اسنانها ووجهها أربد غضبًا بينما عينيها اشتعلت كالجمر وهي تهتف بضغينة
وكرهٍ….
“شوفتي وهي بتدلع عليه….شغل حواري بلدي..
مش عارفه عجباه على إيه…”
جلست الهام على حافة الفراش وهي تنفث دخان سجارتها بغيظٍ شديد….
“يامه قولتلك بلاش تضيعي عاصم من ايدك امسكي
فيه بايدك واسنانك….دا احنا ما صدقنا انك لفتي
انتباهه واتجوزك….”
ازداد انفعالها بازدراء….
“اديكي شايفه بنت كريمة حطاه في جيبها
الصغير….”
رمقتها رفيدة بشك…
“انتي تعرفي امها ولا إيه ؟!!…”
“معرفة قديمة….”ثم استرسلت بصوتٍ مثخن
حاد…….
“مش ده المهم دلوقتي… يارفيدة المهم ان انا عايزاكي علطول تبقي هنا تيجي وتروحي عليا..
وتاخدي بالك من شكلك اكتر من كده..”
رمقت رفيدة هيئتها ثم عادت بعيناها لاختها
تزم شفتيها مع نبرة حاقدة متعالية….
“اعمل إيه اكتر من كده يا إلهام… انتي مش شايفاها
كانت نازله معاه عاملة إزاي….لبسها لوكل خالص دي
مش بتلبس براندات… أوه بيئة أوي….”
لمعة عينا الهام بفكرة وهي تنفث في سجارتها بشراهة….
“دي نقطة في صالحنا… انتي لازم تكوني احسن منها
في الحته دي دا غير اني عيزاكي تحاولي تقربي من عاصم أكتر من كده…حاولي تفتحيه في شغل بينكم انك مثلا هتبقي وجه اعلاني لبراند معروف وانك وقت التصوير هتستخدمي اكسسورات من الالماظ الحر بتصميم معين….وهتطلبي منه ان هو اللي يعملهولك…بما انها شغلته…..”
مطت رفيدة شفتيها…..
“هي فكرة حلوة بس انا مجاليش عرض زي ده…افرضي شك فيا….”
عيل صبر الهام فقالت بحدة…
“وايه اللي هيخلي يشك هو هيعملك الطقم وخلاص
مش هيسأل….”
قالت الاخرى بتململ….
“وهجيب فلوس منين بقا للمجوهرات اللي هطلبها
منه….”
تاففت الهام قائلة بتهكم…..
“ملكيش دعوة انا هدفع….اعتبريهم هديه مني ليكي
المهم تجيبي رجله من تاني….انا عايزة اخلص من
الحيه دي باي طريقة….”
اومات رفيدة براسها باستحسان…
“هحاول ياالهام….مع اني حاسه انه مبقاش زي
الأول وانه بيحبها….”
هتفت الهام بانكار….
“مش بيحبها دي نزوة…انتي الاصل يارافي هو بيحبك انتي….بس زي مابيقوله كده… السكينة سرقاه.. ”
اسبلت رفيدة عيناها بحزن شاعرة بحرقة قوية
في صدرها متجرعة معها مرارة الخسارة والغيرة
في ان واحد…..
“لا يالهام انتي مشوفتيش نظرة عنيه ليها ولا خوفه
عليها دا مكنش كدا معايا….”
قالت الهام بمكابرة….
“بكرة يبقا كده معاكي واكتر كمان لما تخرج من حياته وميبقاش فاضل ليه غيرك….”
سالتها رفيدة بلوعة….
“طب واللي في بطنها يالهام دا كلها كام شهر
وابنهم يبقا في حضنهم…. ”
جزت الهام على اسنانها بوعيد أسود…
وعندما وجدت رفيدة اختها صامته شاردة بملامح منفعلة تشي بالكثير غيرت مجرى الحديث بسؤال قلق…
“صحيح يا الهام هو في مشكلة بين عاصم
ويزن…انا أول مرة اشوفهم كده مع بعض…”
هتفت الهام من بين اسنانها بغضب سافر…
“كله منها دخلت البيت وقلبت حياتنا…بس انا
مش هرتاح غير لم اطردها منه…بس قبلها
هجيب مناخيرها الأرض….”
……………………………………………………..
رغم ربكة المشاعر وتخبط الهرمونات وتغيرات الجسد يبقى أفضل شعور للمرأة (الامومة) والتي
تزدهر في فترة الحمل يومًا بعد يوم وكلما اقترب
معاد إلقاء الأول تزداد لهفة قلبها وتشع عيناها
بالحب والحنين لهذا الضيف الفضولي….
ترتاح الان على سرير الفحص تنظر للسقف بينما يدوي من حولهما صوت نبضات الجنين السريعة
الخافتة اشبه بصوت قطرات الماء…انها تسمعها باستمرار اثناء فترة المتابعة مع الطبيبة…..
لكن عاصم يسمعها لأول مرة…فبدا مرتبك قليلا رغم
الهدوء والوقار المشعان منه….لكنه مرتبك صامت
متأثر….
يمسح على لحيته الكثيفة وهو ينظر لها قليلا ثم للشاشة المعتمة والتي يرى من خلالها جنين يسبح بشقاوة…
شملت الابتسامة وجهه بعد لحظات من الصمت وبوادر السعادة تعرف طريقها الى عيناه ثم صدره
الذي أشرق من جديد بشمسٍ دافئة متلهفة لرؤية
هذا الشقي الصغير….
قالت الطبيبة ببهجة وهي تحرك الجهاز برفق على بطن شهد التي كانت شاردة قليلا في شاشة السونار
“مبروك ياشـهد….بنوته زي القمر….”
فغرت شهد شفتيها في ابتسامة جميلة وهي تنظر
الى الشاشة عن كثب….
“بجد بنت….”
اكدت الطبيبة بتودد….
“ايوا بنوته زي القمر طالعه لمامتها….”
نظرت شهد لعاصم تأخذ أول انطباع على هذا الخبر
الذي اسعدها بشدة فهي كانت تتمنى ان تكون أول
فرحتها ابنة صغيرة جميلة تكن حنونة وجميلة
القلب كوالدها…..
رأت عيناه تزداد لمعان وهو ينحني عليها مقبل جبينها ثم خدها هامسًا بسعادة وعيناه النافذة
بحب وحنان العالم تحتويها بقوة تصهر اعصاب
عظامها في تلك اللحظة….
“مبروك علينا شـهـد الصغيرة…..”
قالت الطبيبة بفضول وهي تعطي المنديل
الورقية لها….
“ناوين تسموها شهد ؟!….”
تخضبة وجنتاها بخجلا وهي تمسح السائل اللزج
عن بطنها فساعدها عاصم برفق وهو يسحب منديلا
ورقي اخر….ثم هندم ملابسها بيده وجعلها تجلس
على حافة السرير وانحنى امامها مساعدها على
ارتدى حذاؤها الرياضي….
ازداد حرج شهد بعد نظرة الطبيبة المتفحصة لهما
خلف نظارتها الطبية…نظرة تشع فضول وانبهار بعد رؤية هذا المشهد النادر و القريب من القلب..
قالت الطبيبة بلؤم….
“واضح انك بتحبها أوي….عشان كده هتسميها
شهد…..”
تقدم عاصم من مكتب الطبيبة ويده تحتوي
كف زوجته…..ثم قال بعاطفة جارفة وهو ينظر
الى زوجته الغارقة الان في خجلها….
“يارب بس تطلع نسخة تانيه من امها..ساعتها الفرحة هتبقا فرحتين..”
عضت شهد على باطن شفتيها وهي تتكأ على
يده كي يصمت ولا يزيد حرجها أكثر بهذا الكلام المعسول ففلتت ضحكة خشنة من عاصم كبحها
وهو يستمع الى الطبيبة التي قالت بود….
“ربنا يكملها على خير….عمتا ياشـهـد…شهد الصغننه
كويسة أوي الحمدلله و وزنها وحجمها مظبوط…بس
هكتبلك على شوية فيتامينات هتحتاجيهم الفترة
الجاية….. ”
خرجا معًا من عيادة الطبيبة والسعادة داخلهما لا توصف بكلمات كانت أكبر وأعمق من اي تعبير….
كان يقود السيارة وهي بجواره تنظر الى النافذة بنفس الإبتسامة الجميلة التي خرجت بها من عيادة
الطبيبة بينما يدها الرقيقة تمسد على بطنها بحنان هامسة بشفتيها بعدة كلمات خافته سرية لا يسمعها سواها هي والصغيرة شـهـد…سيدة الحُسن الصغيرة والتي ستقلب كيانه عما قريب…..
“بتقوللها إيه….”
سالها عاصم بفضول مشاكسًا بعيناه الحانية…
زمت شهد شفتيها بدلال
قائلة…”ملكش دعوة….”
قطب حاجباه مستفسرًا…. “انتي لسه زعلانه ؟!…”
اشاحت بوجهها للناحية الأخرى بحركة أنثوية جميلة
متدلله..
جعلت عاصم يبتسم وهو يمسك كفها برفق بين يده ثم رفعه الى مستوى شفتيه وطبع القبلات المتفرقة بتأني عليه يلثم اصابعها بالقبل الحارة وكانه يرسمها بشفتاه هامسًا في غمرة العشق….
“بحبك ياشـهـد…..بغير عليكي ياحبيبتي قدري ده
وهحاولي تستحمليني وانا متعصب وبلاش تجادليني
وقتها….”
ذابت مفاصل يدها المسالمة بين يده بل ذابت عيناها
وقلبها وهي تنظر اليه بضعف الحب….كادت ان تنطق
بجنون انها مغرمة به تعشقه بشدة….تهواه بقوة… بل بجنون…
لكن لسانها شل وعقلها استعصى أوامر قلبها الخاضع بأسمه…
فنكست راسها ارضًا بملامح حزينة وتركت قلبها يسقط بقسوة في رقعة مظلمة باردة متجرع
الخذلان منها للمرة التي تعجز عن عدها……
“لدرجادي انا مزعلك…”
استفسر عاصم وهو يوزع نظرة عليها ثم على الطريق الممتد امامه ومزال كفها بين قبضة
يده بتملك….
هزت راسها بنفي ومزالت نظراتها ضائعة مشتته
بين مشاعرها والمنطق…..
“انا مش زعلانه منك ياعاصم…يمكن في الأول بس
مسافة ما دخلنا عند الدكتورة وخرجنا….وانا صفيت
من ناحيتك ونسيت كل حاجة….”
نظر لها بطرف عيناه مناغشًا….
“بجد….طب كنتي بتقولي اي لشهد الصغيرة إيه…”
قالت مبتسمة وهي تمسد بطنها بيدها
الحرة….
“بقولها انها محظوظة انك باباها…”
عقب عاصم بعينين شغوفتين….
“هي محظوظه اكتر ان انتي أمها….وانا محظوظ بيكم انتوا الإتنين…..”
خفق قلبها متجاوب مع حبيب القلب وكلامه
المعسول…لذا قالت باستسلام….
“محدش يقدر يغلبك بالكلام يامعلم عاصم…”
عقب عاصم….
“تقدري تغلبيني بكلمة واحده….”
انعقد جبينها بعدم فهم…. “اي هي ؟!..”
القى عاصم نظرة عابرة عليها ثم عاد بتركيزة
الى الطريق دون تعقيب……
فاسبلت شهد عيناها بعجز….
أرحم قلبي أرجوك انا أحاول ياحبيبي اقسم
لك أحاول ان اتعافى بك ولأجلك….
ألا تكفي كلمة (حبيبي..)لتثبت لك حبي…
انعقد حاجباها عابسة وهي تهز راسها بنفي…
لا تكفي صدقًا لا تكفي انا لا اتفانى في عشقي له…
ولا ابذل مجهود يذكر في اظهار حبي…
بينما هو… انا أتنفس من خلاله عشقًا…احيا بين ذراعيه… اتذوق حلاوة الدنيا مع كل ذرة اهتمام
يغرقني بها….
انا مقيدة….ولا أعرف كيف احل وثاقي واتحرر
من براثن الماضي…..لكني أعشقك…أعشقك
وبشدة….
توقف عاصم امام أحد المتاجر الفاخرة والتي لها واجهة زجاجية رائعة تعرض على المجسمات الصغيرة ملابس مخصصة للأطفال من عمر
المواليد….
خرجت شهد من السيارة وهي تنظر الى واجهة المحل بتعجب….وقلبها يخفق بسعادة…
“انت ليه جايبنا هنا….”
“هنجيب حاجة لشهد…..الصغيرة….”قالها بابتسامه حنونه وهو يمد يده لها كي تقترب منه ففعلت والسعادة تتوهج في عسليتاها الجميلة…..
عندما دخلا المتجر بدا يبحثا عن كل ما يخص المواليد حتى وجد قسم خاص بهما….
جلبا لها اشياء كثيرة وتشاركا في الرأي اثناء
رحلة بحثهما عن ملابس قطنية مريحة وعن ألوان تلائم (سيدة الحُسن الصغيرة) حتى الالعاب احضروها لها وقد اختارتها شهد بحرصًا شديد
كلها محشو بالفراء الناعم حتى لا تتأذى الصغيرة فيما بعد…..
بعد ان دفع عاصم لهم فاتورة المشتريات وأمرهم
باحضارها الى العنوان الذي املاه عليهم..
كان ينوي المغادرة مع زوجته التي استمتعت جدًا
في هذا المكان وقد انبسطت ملامحها اكثر بالسعادة والرضا بعد ان ابتاعت كل ما اعجبها هنا….
لفت انتباه عاصم قبل الخروج ثوبٍ زهري
صغير مطبع بالورد الابيض الرقيق معه قبعة
انيقة تماثلة…كان معلق في احد الزوايا بعيدًا
عن الأنظار…وكانه ينفرد بحالة دون ان يعلق
مع قطعةٍ أخرى كالباقية…..
شرد قليلا متخيل صغيرته بهذا الثوب الزهري
ترتديه مع تلك القبعة الانيقة جالسة في احضانه
امام البحر على الصخور تشاركه هوايته المفضلة الصيد….ومن بعدها ركوب الخيل….
فهو يريد ابنته متقنة للفروسية بروح شجاعة
تكون جميلة كأمها قوية وشجاعة كأبيها
واجدادها…
اقترب عاصم من الثوب ولمسه بيده فنظرت اليه
شهد قليلا ثم قالت….
“خلاص ياعاصم….احنا جبنالها حاجات كتير اوي
واصلا بعد شهرين بظبط هيتركنوا وهنجبلها تاني..”
أردف وهو ينظر الى الثوب بحنين
غريب…
“هنجيب ده كمان عشان عجبني….”
“شكله حلو فعلا….”
قالتها شهد وهي تنظر الى الثوب عن بعد خطوات
مقتنعة اخيرًا باناقته المنفردة عن الباقية….متخيلة هي ايضًا طفلتها جالسة به على رمال الشاطئ…
……………………………………………..
دخلت شهد الى البيت بعد ان اوصلها عاصم واكمل
طريقة الى شارع الصاوي لمتابعة عمله….
دلفت شهد الى الصالون بعد ان اخبرتها الخادمة ان
اخيها ينتظرها هناك منذ فترة وجيزة…..
عندما رأته شهد هكذا تسمرت مكانها بقلق وهي
ترى حالته مزدرية مشعث الشعر بعينين حمراون كالدماء ملابسه مجعده غير مهندمة ويبدو انه قضى اليوم في الشارع يتنقل هنا وهناك…
“في إيه ياحمزة مالك….”
سالها حمزة بنظرة عاجزة تحوي غضب
أسود…”قمر عندك؟….”
هزت راسها بنفي مستفسرة بحيرة…
“اي اللي هيجيب قمر هنا يوم الصباحية..خير اي اللي حصل بينكم ؟!!…”
أردف حمزة بتوسل وهو ينظر الى اخته
مستشف الصدق على وجهها الجافل منذ
رؤيته…
“بالله عليكي ياشهد قوليلي الحقيقة هي مش عندك..متصلتش حتى بيكي….”
قالت شهد وهي تجلس بتعب ناظرة اليه
بصدمة….
“والله ما عندي ولا أعرف عنها حاجة…اخر مرة
كانت إمبارح وهي لبسه فستان الفرح وقعده
جمبك في العربية…اي اللي حصل فهمني…”
نظر امامه بوجوم…..
“عِرفت كل حاجة….وسابت البيت النهاردة
ومشيت.. ”
اتسعت عينا شهد بصدمة وهي تضع يدها
على صدرها….
“مشيت إزاي ؟!!…هو انت صارحتها بالحقيقة زي
ما قولتلك…”
قال حمزة بنبرة ميته….
“لأ عرفت يوم الحنه بعد ما كتبت عليها…سمعتني
انا والمحامي وابوكي واحنا بنتفق….”
رفعت شهد حاجبيها بدهشة
مؤنبة….
“طب وليه مقولتلهاش الحقيقية….”
هتف حمزة بنزق وعيناه تزداد ظلمة….
“قولتلها…. بس هي مش مصدقة….شيفاني لسه بكدب وانها تمثليه جديدة بلعبها عليها….”
زفرت شهد بعصبية وهي تنهض من مكانها
قائلة بتقريع….
“انت اللي عملت في نفسك كده ياحمزة…من ساعة
ماحكتلي وانا قولتلك قولها… وعرضت عليك احكلها
انا الموضوع وبالطريقة كنت هعرفها انك بتحبها وان
الاتفاق كان حجة عشان تتجوزها…”
ثم استدارت الى اخيها لتجده جالسًا مكانه بعجز
وكل عصب به ينتفض بغضب….فخففت من
حدتها قائلة بقنوط….
“اللي خوفنا منه حصل…طب انت روحت القاهرة
يمكن تكون في شقتها….”
اجابها حمزة بصعوبة وعقله انحسر في أفكار
سوداء….
“روحت ولسه راجع من هناك.. وبلغت البواب أول ما يلمحها يديني خبر وديته مبلغ كويس…يمكن ترجع
شقتها….ويبلغني… ”
رفعت شهد الهاتف على اذنها ولم تلبث إلا ثواني
وانزلت الهاتف بتافف…..
“تلفونها مقفول…”
“من ساعة ما مشيت وهي قفلاه….” اردف حمزة
بقلق بعد الأفكار التي تداهم عقله بعذاب من وقت
اختفائها….
“من الصبح وهي قفلاه….مش عارف اعمل إيه…
خايف يكون جرالها حاجة….”
مسح على وجهه وشعره بعنف….
بينما حاولت شهد بث الطمأنينة له….
“هيكون جرالها إيه خير ان شاء الله… يمكن عند
حد من قرايبها ولا صحابها اللي في القاهرة…”
استأنف حمزة بملامح جافية….
“ملهاش حد..إحنا صحابها وقرايبها..ملهاش حد..”
ثم رفع راسه كرصاصة طائشة الى اخته قائلا
بلهفة……”تفتكري عند مرات سلطان ؟!..”
تحلت شهد بالصمت تفكر وهي تنظر اليه ثم بعد لحظتين هزت راسها بحذق….
“معتقدش انها تروحلها….لان سلطان صاحبك واكيد لو عنده معلومة زي دي هيعرفك….”
اخرج حمزة الهاتف متسرع…. “اتصل بيه…اسأله…”
منعته شهد بصوتٍ حازم…
“بلاش تهور ياحمزة….. النهاردة صباحيتكم اي
سؤال كده ولا كده لصاحبك او لمراته هيخلي
وضعكم انتوا الإتنين زي الزفت….أصبر…يمكن
تفتح تلفونها….كمان شوية او بكرة… ”
انتفض حمزة من مكانه فجأة والغضب
يدور حوله بجنون…
“بكرة ؟!!…اسيب مراتي تبات برا البيت إزاي…
إزاي وانا معرفش عنها حاجة ولا هي فين
ولا عند مين… إزاي ياشهد….”
ربتت شهد على كتفه تقول بصوتٍ مرتجف
بالقلق…..
“أهدى ياحمزة….أكيد هتظهر هتروح فين يعني…
هعملك حاجه تشربها..انت وشك اصفر وعنيك
حمرة زي الدم….”
“مش عايز انا ماشي…”تخطاها حمزة دون سلام
مندفع للخارج بغضب…مسكت شهد ذراعه توقفه
بقلق….
“رايح فين وانت كده….”
نزع ذراعه بعنف من يدها وهو يهدر بملامح
وحشية مظلمة…..
“هروح ادور عليها تاني….بس اقسم بالله لو عطرت
فيها مش هرحمها…..”
وقع قلب شهد برعب وهي تلحق خطواته
المندفعة للخارج….
“ياحمزة أصبر…طب اهدى طيب…نفكر…..”
وقفت امام باب البيت المفتوح فقد تخطى حمزة البوابة الكبيرة ومنها الى سيارته القديمة التي
قادها بسرعة مختفي من أمامها….
تنهدت شهد باسى وهي تغمغم بقهر….
“ليه بس كده ياقمر…ليه تكسري قلبه..دا والله بيحبك..”
ثم رفعت الهاتف مجددًا على اذنها متلقية
بعدها نفس الجواب المزعج (الهاتف مغلق..)
سالت عسليتاها بالدمع مزمجرة بعدها
بضيق…
“ردي أبوس إيدك….اخويا هيتجنن…”
………………………………………………………….
دلف الى الشقة ليلا بخطوات ثقيلة منهكة يجر اذيال الخيبة بعد ساعات طويلة ومضنية من البحث عنها
في الشوارع وفي اقسام الشرطة والمستشفيات…
كان يجول المدينة بجنون ساعات طويلة عقله يعمل
في عدة إتجاهات بينما قلبه محجوز بين قبضة فولاذية من القلق….الخوف….
الخوف عليها لا يوازي اي شعور اختبره يومًا قبلها…
وكانها هاجرت ومعها قلبه….تركته ومعها جزءًا مهم
في حاجة إليه….
سرقت مفتاح قلبه ولاذت بالفرار جبنًا او ربما
انتقامًا منه…
مزال يسأل نفسه كيف هان عليها….انه ظن ان حبها
سيشفع لهُ عندها ويكن منيع للبعد ؟!!…
اعتمد على حبها بغباء كمن أسند ظهره على الهواء
فوقع ارضًا بقسوة وأضحك الجميع عليه….
القى جسده على الاريكة بأرهاق وهو يشعر بان
عظام ساقه تكاد تتمزق الانسجة بها من كثرت
اللف والدوران هنا وهناك…..
انهُ متعب جدًا والصداع يتفاقم براسه بشدة قارب
للانفجار…..رفع راسه للاعلى على السقف بعينين حمراء كالدم من شدة التعب وعدم النوم لثلاثة
أيام من يوم الحنة وهو لم يذق طعم النوم…..
حرمت عليه النوم كما حرمت عليه الراحة والسعادة معها…..ان رآها سيدق عنقها في أقرب لوح خشب
ليرى بعدها كيف ستهرب منه مجددًا !!..
صدح الهاتف بجواره فالتقط اياه دون النظر الى الشاشة عالم بانها (شهد) فانها لا تكف عن الإتصال
به من وقت خروجه من عندها وكالعادة ليس
هناك جديد في جوابه عليها.. يبحث عن زوجته
دون جدوى…وكأنها فص ملح وذاب…..
(اخيرا رديت عليا…. وحشتني ياحمزة… انا تعبانه
اوي من غيرك…..)
لم تكن اخته بل كان صوتٍ اخر…. صوتٍ عاش معه
سنواتٍ عديدة… صوتٍ كان أنيس ايامه ورفيق احلامة….صوتٍ كان ترياق الحياة له والان أصبح
مرض مميت يفتش عنه في الارجاء….
زم شفتيه وهو يحاول تمالك اعصابه التي اوشكت
على الانفجار….
“عايزة إيه يانجلاء…. احنا مش خلاص فضناها…”
هتفت نجلاء بصوتٍ باكِ عبر سماعة الهاتف…..
(سامح طلقني ياحمزة…. طلقني بعد ما اكتشفت خيانته ليا…. دا طلع متجوز وعنده ولد…الواطي
مرضاش يطلقني غير لما اتنازل عن كل حاجة
كتبهالي بأسمي…. فعملت كده عشان اخلص
منه…. والحمدلله اطلقت….)
وهج صدر حمزة بالغضب وعادت بحديثها تنبش
في الجراح القديمة بمنتهى الغباء…
اجاب حمزة بملامح باردة….. “ها وبعدين…”
هتفت نجلاء بنحيب….
(ايه هو اللي بعدين ياحمزة بقولك اطلقت منه.. وعايزة ارجعلك….)
التوى ثغره بسخرية…. “ببساطه كده…”
قالت نجلاء بوهن وهي تتجرع الندم بعد الزهد
فيه….
(بلاش تقسى عليا ياحمزة انا عارفة اني غلط… بس
اقسم بالله انا ما حبيت حد غيرك… انا وفقت من ضغط امي عليا…. وانت عارف ظروفك وقتها
كانت عاملة إزاي….)
حاول تمالك اعصابه وهو يردف بسخط…
“ودلوقتي ظروفي بقت احسن… فبقيتي عيزانا نرجع….طب ازاي وانا متجوز عندك استعداد نبقا
مع بعض كده…. ”
قالت نجلاء بصوتٍ متداعٍ…..
(انا موافقة على إي حاجة ياحمزة…طالما هنرجع..)
قال بعينين مظلمة وملامح
مشمئزة…
“حتى لو من غير جواز ؟!!… ”
قالت نجلاء بثقة….
(مصيرك تتجوزني انت مش بتحبها ياحمزة…انت بتحبني انا…..)
اندفع الغضب داخله دفعة واحده….
“وانتي قدرتي الحب ده…. انتي بعتيني للي دفع
أكتر زي الكلبة جريتي وراه….”
قالت نجلاء بنشيج….
(كان غصب عني امي اللي عملت كده فيا… انتي ليه
مش قادر تعذرني…. والله غصب عني انا لسه بحبك
والله لسه بحبك ياحمزة….)
ضحك حمزة بسخرية مريرة….
“دا عشان هو طلع متجوز بس افتكرتي انك
بتحبيني لكن لو كان زي ماهو بنفس الصورة الحلوة اللي رسمهالك كنتي هتلعني حمزة واللي جبوه…”
جز على اسنانه وهو يقول بنفاذ صبر…
“اسمعي انا استكفيت من زلك وشفيت غليلي منك
والمكالمة دي بردت ناري…. وردت جزء كبير من اللي
عملتيه فيا انتي وأمك….”
ثم هدر بصوتٍ مهيب زلزل المكان من
حوله……
“ورحمة امي يانجلاء لو لقيت رقمك ده على
تلفوني تاني برسالة ولا برنة هجرسك هخلي
فضحتك انتي واللي جبِتك بجلاجل…العمارة كلها هتتفرج على فضايحكم وبدل ماتبقي مطلقة
بس هتبقي مطلقة و*************…..”
اغلق الهاتف في وجهها وهو يضع رقمها على الحظر
ويمسح الرسائل التي كانت ترسلها بتذلل وقهر اليه بين الحين والاخر….
إرجع شعره للخلف بعنف يكاد يقتلعه من جذوره
بينما يأخذ انفاسه العالية الغاضبة بصعوبة يكاد يمزق ازرار قميصة…. وشفتاه لا تتوقف عن قذف السباب البذيء عليها فاخيرًا وجد منفث للغضب المتقد بصدره….
جاشت مراجله أكثر وهو يجد بعد نصف ساعة من تلك الجلسة المضنية الشاشة تنير باتصال جديد
تلك المرة نظر الى الشاشة بوجه مكفهر…
فسقطت فجأة كل الاقنعة عن وجهه وهو يجد الهاتف
ينير باسمها..فتح الخط سريعًا وهو يصيح بلهفة
“قمر انتي فين…. انتي كويسة…”
سمع نحنحة رقيقة يليها صوتها الحزين المعذب
وهي تخبره بمنتهى البرود الذي لم يستشعر
به في بعدها….
(انا اتصلت بيك عشان اعرفك اني كويسة واني
كل اللي عايزة منك دلوقتي ورقة طلاقي…)
صاح بعنف وهو يفقد زمام صبره….
“انـتـي فـيـن بظبط… انتي في شقة القاهرة ؟!..”
اردفت قمر بعناد….
(لا…. وملكش دعوة انا فين… طلقني…)
كور حمزة كف يده وضرب ذراع الاريكة بعنف هادرًا…..
“يعني إيه مليش دعوة…وايه طلقني دي… دا انا لو طولتك هعلقك في نجف الشقة كله.. اعتر فيكي بس…. وساعتها ورحمة امي ما هرحمك يا قمر…
انطقي يابت انتي فين….”
هتفت قمر بضجر بالغ…..
(بت ؟!!…طب والله انا غلطانه اني رنيت عليك وعبرتك…حيوان وهمجي هنتظر منك إيه اكتر
من كده…)
اتسعت عينا حمزة بصدمة…
“انـا حـيـوان ياقـمـر….”
قالت هازئة ببرود….
(وبنسبة لهمجي ملفتش انتباهك لاي حاجة…)
عيل صبره فزمجر بعنف….
“اخـرسـي… انتي فين بظبط….”
مطت الكلمات بعناد….
“مش هقولك غير لما تطلقني….”
ضيق حمزة عيناع مستفسرًا…
“واطلقك إزاي كده….عايزة تطلقي غيابي مثلا….”
خفق قلبها بوجع فقالت بضعف مرتبكة…
(معنى كلامك انك موافق انك تطلقني ؟!!…)
اوما حمزة براسه بملامح مربدة…..
“موافق بس نتقابل…..عشان نطلع على مكتب المأذون علطول….”
لم يجد إلا الصمت ردًا فسالها
بتريث….”ها فكرتي ؟!!….”
ازدردت ريقها وهي تقول بتخوف….
(وانا ايش ضمني انك بتكلم بجد…ما ممكن يكون
كمين…..)
“ماهو كمين فعلا يروح امك….”صاح بها بانفعال
ولم يتمالك اعصابة ازاء استفزازها المتواصل
معه…
جحظت عينا قمر بهلع وهي تسمع نشيج انفاسه العالية يزداد حدة وخطورة….فلفح اذنها نبرة حمزة
المتوعدة لها….
“والله لو ما قولتي انتي فين ياقمر بذوق….هجيبك وساعتها هطلع عليكي كل اللي عملتيه فيا….”
قالت قمر بصيحة مستنكرة….
(حلو قلب الطربيزه ده وكاني مليش حق عندك…)
اردف حمزة بقرف قانطًا…
“لو كنتي صاحبة حق مكنتيش هربتي..وبطريقة
الهبلة دي….”
لم يجد إلا صمتٍ حزين من الناحية الأخرى
فقال حمزة بقلة صبر….
” ارجعي ياقـمـر.. اسمعي الكلام ارجعي او قوليلي انتي فين وانا هاجي اخدك…..”
قالت قمر بمكابرة مصرة….
(مش هرجع ياحمزة غير لما تطلقني…)
مسح حمزة على وجهه وهو يومأ براسه
باستسلام….
“كده تمام هفكر في كلامك…بس خلي تلفونك
مفتوح.. ساعة بظبط وهرد عليكي بأه او لأ….”
قالت قمر بصدمة حزينة…
(ساعة ؟!!….مش شايف ان ساعة شوية على
قرار زي ده…..)
تافف حمزة بملامح مظلمة…..
“مش عارف ياقمر….بس كلامك هزني حاسس
ان عندك حق…..الطلاق أسلم حل بينا….”
رفع حاجبه بخبث عندما لم يجد منها ردًا
فسألها….
“ساكته ليه…انتي غيرتي رايك ولا إيه..”
(لا انا لسه عايزة أطلق….)قالتها بسرعة اصابة معها صميم قلبه بكدمة قاسية…..
فهز راسه بملامح جافية متألمة….
“تمام….ساعة بظبط وهديكي الاوكية….”
أغلق الخط معها واجرى اتصال سريع بأحد
الاصدقاء القدامى له…
عندما فتح الخط ابتسم حمزة وهو يصيح
بحفاوة…..
“صاحبي وحبيبي….هكر اسكندرية….وحشني….”
استمع للطرف الاخرى فتبادل معه الكلمات
بضحكة شقية زائفة خرجت من بين ضغوط
وتراكمات ثقيلة…
“حبيبي لا الشقاوة خفت…هبقا اعدي عليك..ونقعد
مع بعض زي زمان….كلهم وحشوني والله نتلم تاني
إحنا ورانا إيه…..”
” اسمعني بالله عليك عايزك في خدمة كده…
هبعتلك رقم عايز أعرف مكانه فين بظبط..”
لمعة عيناه بالمكر وهو يرد على الطرف
الآخر….
“لا اطمن التلفون مفتوح….بس انجز قبل ما
يتقفل….تمام هستناك…حبيبي هو ده العشم…”
أغلق الهاتف وهو يأخذ انفاسه هذه المرة بارتياح
فأصبح بينه وبينها دقائق معدوده ويعرف اين
هي تحديدًا…
تمتم حمزة بوعيد وعينيه ضارية تبرق
بالخطر….
“بتلعبي بنار يابنت عمتي….بس على مين
هجيبك والحساب يجمع…”
وبعد ان اخترق صديقه هاتفها علم مكانها بضبط
وقد املى عليه العنوان والذي هو فندق صغير
معروف في المدينة…..
أوقف السيارة أسفل أحد المباني ثم خرج منها وهو
يرفع عسليتاه القاتمة على العقار والتي اتضح انه فندق بسيط يستقبل الزوار يوميًا موفر لهم غرف
للنوم بمقابل مادي زهيد….
وقف عند الاستقبال الرديء والمظلم وابصر بعيناه هذه المرأة السمينة التي تنام على المقعد رافعه
راسها للسقف.. تطلق من حلقها صوت شخير عالٍ….
زفر حمزة بعصبية وهو يضرب على سطح الطاولة
بلا رحمة…فانتفضت المرأة كالغريق….
“إيه….إيه….مين…فين.. ”
ابتسم حمزة لها ببراءة لا تناسب مافعله منذ
دقيقة…”صباح الخير…..”
قالت السيدة السمينة بضجر….
“مفيش أوض فاضية…..شوف مكان تاني….”
تحدث حمزة بهدوء….
“بس انا مش عايز أوض انا عايز اطلع فوق…”
هللت السيدة بذراعيها بتهكم…
“تطلع فوق فين هي وكالة من غير بواب….”
قال حمزة بصبرٍ…..
“لا مش وكالة بس في حد فوق يخصني…”
نظرت للدفتر أمامها بعينين ناعستين….
“اسمه إيه ده….”
صحح حمزة يرمق الدفتر….
“قصدك إسمها…قمر سلامة….شوفي اسمها عندك كده..”
هزت السيدة راسه تتفحص الأسماء وبعد لحظات
قالت بخشونة….
“اه دي في اوضة رقم ١٣…جت هنا تقريبا العصر….”
هز حمزة راسه بامتنان….
“تمام شكرًا….. كملي نومك بقا….”
جفلت السيدة لوهلة وهي تراه ينوي صعود
درج السلم…فلحقت به بغضب….
“استنى عندك ياجدع انت هتطلع لها بصفتك إيه
بظبط….”
توقف مكانه ودون الاستدارة
أجاب… “جوزها….”
التوى ثغر السيدة بسخرية….
“قديمة….عندك ورقة تثبت انك جوزها…”
التفت اليها حمزة متمسك بزمام الصبر…..
“لسه مجبناش قسيمة الجواز…أصل عقبال عندك احنا متجوزين مبقلناش يومين….”
انعقد حاجبي السيدة بريبة….
“متجوزين وهي بايته لوحدها في أوضة هنا ؟!!.
انت زعلتها ولا إيه… ”
انهت الجملة الاخيرة بنظرة مقروءة المعاني
فعدل حمزة ياقة قميصه متنحنح بحرج…..
“اي البصة دي لا دا انا راجل أوي….الحكاية ومافيها….”
صمت فجأه ثم أردف بغلاظة….
“هو حضرتك حشره نفسك ليه بين واحد ومراته…”
تراجعت السيدة للخلف خطوة قائلة بصرامة
الناظرة….
“هحشر نفسي بينكم ليه انا معرفكوش أصلا…دي اجراءات لبد منها….انت هنا في مكان محترم
ولازم تحترمه….”
تافف حمزة وهو يخرج مبلغ مالي من جيبه مقترب
منها على عجلة….
“بقولك إيه خدي دول….وكملي نوم…انا كده كدا هطلع اجبها وننزل علطول….. ”
ثم ابتعد أمام عيناها المصدومة والأوراق المالية محتجزة بين قبضة يدها……
رفع الهاتف على اذنه وهو يصعد على السلالم فاتى
صوتها الحزين المتحشرج وكانها كانت تبكي طوال
تلك الساعة بعد ان اخبرها بالموافقة على طلب الطلاق….
(ايوا ياحمزة….)
قال دون مقدمات…..
“مش ناويه برضو تقولي انتي فين….”
قالت قمر بانفعال مبالغ فيه….
(انت مش قولت انك هطلقني…ولا انت بتلعب بيا…)
رد باستهانة…
“بصراحة بلعب بيكي….”
صاحت بضيق مفتعل….
(تصدق اني استاهل ضرب الجذم….)
اكد بأسلوب فظ بارد…..
“و زيدي عليهم كمان… اني لما اشوفك هرنك علقة
بنت حرام…”
تمردت بصيحة قوية…..(والله ما تقدر…..)
رفع حاجبه….
“ولو عملتها هتعملي إيه….”
صمتت تفكر بعقلا عاجز للحظات حتى قالت
بحماقة… (هصوت….)
ابتسم حمزة بعصبية قائلا بأمر غليظ….
“ياحلووة…طب يلا افتحي الباب عشان نصوت عليكي كلنا….”
تحشرجت الأحرف في حلقها من هول
الصدمة….(با…..باب إيه….)
قوس حمزة شفتيه امام باب غرفتها بملل…
“أيوا بدانا نتلجلج ونخاف ونكش…هيكون باب الحمام يعني باب اوضة النوم اللي قعده فيها
رقم ١٣ اللي في فندق *****….”
من خلف الباب المغلق راته من العين السحرية فضربت على خدها بفزع هاتفه…
(انت هنا بجد ؟!…)
لا يعرف ان كان هذا سؤال ام تعريف..لذا جاوبها
بقلة صبر….
“قدام الباب….افتحي…..”
هتفت بعناد……(لا….)
على وجهه تعبير مظلم غريب معقبًا على
رفضها باستهجان…..
“والله؟!!.طب زودي على نفسك أكتر…. كله متخزنلك…”
ثم استرسل على الهاتف بوعيد خطر….
“اسمعي هعد لحد تلاته لو الباب ده متفتحش بذوق
هكسره فوق دماغك ولا هيهمني…انتي عرفاني….”
على صوت تنفسها بخوف أثناء قولها
برجاء…
(حمزة لو سمحت خليك انسان متحضر…)
توحش صوته بغضب مكتوم….
“لا دا انا همجي وحيوان…افتحي يابت انا على
اخري منك….واحد…..”
ضربت قمر على خدها بينما ازداد خفقان قلبها
رعبًا…فقالت بتهديد أهوج….
(على فكرة لو حاولت تكسر الباب انا….انا هنط من
الشباك….)
هلل حمزة قائلا بتشجيع أسود…..
“عين العقل….نطي خلي رقبتك تكسر واخلص
منك…إتنين….تلاتـ”
فتحت الباب فجأة وابصرها حمزة بعيناه المحترقة بالغضب والغيرة ترتدي منامة بسيطة محتشمة وتطلق شعرها الأسود الطويل حرًا بخصلاته المتراقصة خلف ظهرها..وجهها شاحب وعيناها شديدتا الاحمرار من كثرة البكاء بينما الارهاق والتعب يظهر بصورة أوضح أسفل عيناها على
شكل هالات سوداء داكنة…
تبادل النظر للحظات كانت كالدهر بنسبة لهما..
نظرات مشحونة غاضبة..يشوبها الخذلان..
والشوق..
أردف حمزة بملامح مظلمة جافية…
“ادخلي غيري هدومك…وهاتي شنطتك ويلا….”
اوشكت على الاعتراض بتمرد لكن نظرة قاتمة مخيفة من عسليتاه الجمت لسانها فأومات براسها مذعنة وهي تدلف الى داخل الغرفة تاركة الباب مفتوح…..
تسمر حمزة مكانه يراقبها بعينين مستعرتين بالغضب
محاول بقدر المستطاع ضبط اعصابه….فهو لا يضمن
نفسه ان دلف خلفها واغلق الباب ماذا سيحدث….
حاول لجم غضبه بكل قوته وهو يكور يده جواره كاظم انفجاره عليها مؤقتا الى ان تخطو شقتهما وحينها الوضع سيختلف….وللحديث بقية……
…………………………………………………………
وقفت الهام في منتصف الغرفة تلف جسدها
بمئزر حريري طويل تاركه شعرها الاشقر مشعث بجنون من حولها…بدا جسدها ينتفض بغضب بينما عيناها تقدحان شررًا أسود وهي ترمق مسعد الذي يقف امامها وابنهما بينهما يقف بجمود كالصنم لم يحدد بعد سيكون ضد من في ساحة المعركة…
ساد الصمت للحظات كانت كالدهر حرب النظرات
المتبادلة هي القائمة بينهما حتى قطع يزن الصمت
سائلا بغضب مكتوم….
“انت فعلا اتجوزت يابابا ؟!…”
أومأ مسعد براسه بملامح واجمة…
“أيوا…. اتجوزت….. اي المانع….”
انفعل يزن صائحا بنزق..
“هو ايه اي المانع بعد السنين دي كلها تتجوز
على ماما…”
اشاح مسعد بوجهه قائلا بجزع…
“انت لسه صغير يا يزن ومش عارف حاجة…”
انتفخت عروق يزن اكثر وصورتها تداعب
خياله….
“انا مش صغير انا كبرت….وكلها كام سنة وابقى الدكتور يزن…. يزن مسعد الصاوي….”
ثم خفف حدته وهو يرمق والده بسخط مشيرًا
على أمه…
“حضرتك مفكرتش فيا او فيها..تتجوز على ماما وفي السن ده… ومين جيهان الكيلاني اللي تعتبر من دور عيالك مش شايف انك صغرت نفسك اوي وصغرتنا كلنا بالجوازة دي….”
“أخرس…ومن امتى كانت بالسن…” تقدم منه مسعد
خطوة واحده وكاد ان يصفعه الى انه تمالك نفسه في اخر لحظة وهو يقول بضجر….
“وطالما بقا مش صغير… يبقا لازم تعرف ان الحياة بيني وبين امك بقت مستحيلة…. انا استحملتها السنين دي كلها عشانك… وعشان خوفت اخسرك لو طلقتها… خصوصا انك ابني الوحيد… خوفت تقسي
قلبك عليا وتبعدك عني… فرضيت بالامر الواقع….”
اظلمت ملامح الهام وعيناها وهي تنظر الى
مسعد باحتقار…..
فتابع مسعد بانفاسا هادرة….
“بس خلاص انا تعبت….ومبقتش قادر استحمل
انا راجل وليا طلباتي ومش لاقي راحه مع أمك
ومن حقي أدور عليها برا… خصوصا اني صبرت
العمر دا كله….”
“انا كمان صبرت عليك كتير… ومبقتش قادرة استحملك….”قالتها الهام بابتسامة سمجة
صفراء وهو تضيف ناظرة اليه ثم لابنها الذي
يتابع العرض بكسرة نفس شاعرًا بصدع يزداد
اتساع داخله….
“انت بترسم على ابنك انك الزوج الوفي المخلص
اللي استحمل كل ده عشان خاطر ابنه لا عمره خان ولا بص برا… مش كده يامسعد….”
شعر مسعد بالحرج والريبة وهو ينظر
اليها بصمت….
فاضافت الهام بحسرة وكراهية….
“بس لا انت كداب وخاين… وانا كنت عارفه بخيانتك
ليا طول السنين دي كلها بس كنت بصبر نفسي عشان خاطر ابنك….مش انت اللي صبرت يا مسعد… لا انا…
انا اللي صبرت واستحملت كتير… كتير أوي…”
نزلت دموعها وهي تنحني على أقرب مقعد
تدعي الهزيمة والظلم…..
فسالها مسعد ببرود مزدري….
“واي اللي سكتك السنين دي كلها يا الهام…”
قالت بنشيج…..
“لانها عمرها ما وصلت للجواز….”
التوى فم مسعد باحتقار علني….
“شايف يا يزن… الزوجة العظيمة والام المثالية
اللي استحملت ده كله عشانك وبتشوه صورتي قدامك دلوقتي هي للاسف كانت بتعمل دا كله
عشان نفسها وعشان الفلوس…..”
تابع مسعد باستهجان…..
“سكتي السنين دي كلها يا الهام بس لما وصلت للجواز وواحده تانيه هتشاركك مش فيا في مالي
وقفتي واتكلمتي….”
رفعت الهام وجهها اليه بصفاقة….
“عشان دا حقي…. حقي بعد السنين دي كلها..”
هدر مسعد فجأة على نحوٍ مفاجئ…..
“وحقي انا فين… مش كل حاجة الفلوس…انا محتاج
اكتر من الفلوس…محتاج زوجة وابن… محتاج ناس
تكون بتحبني عشاني انا..مش عشان الفلوس…
عمركم حسستوني بده…انتي او إبنك….”
ثم اشار الى ابنه هذه المرة باتهام علني ويبدو
ان الحرب القائمة منذ البداية لم تكن دفاع بل
ضد بها الجميع يشهر سلاحه المميت في وجه
الآخر دون ذرة تردد ، فقد سقطت الاقنعه الان
وأصبحت الحقيقة المؤلمة واقع ملموس
بينهم ؟!…
“يزن مش زعلان عشانك او عشاني… يزن خايف اجبله أخ يشاركه في كل ده….مش كده يا يزن ؟!! ”
هتفت الهام بنظرة
متشفية….
“مش هتجيب يا مسعد….”
“معناها ايه النظرة دي يا إلهام….”انعقد حاجبا مسعد
بارتياب منها ثم رفع اصبع التحذير قائلا بوعيد….
“انا بحذرك يالهام…چيهان عندي خط أحمر…إياكي تحاولي تأذيها….”
ثم نظر الى ابنه قائلا بتحذير…
“وانت يا يزن يا تعقل وتخرج الهبل ده من
دماغك…يأما… ”
ساله يزن ببرود…”ياما إيه ؟!!!…”
هدر مسعد بنفاذ صبر….
“هحرمك من كل حاجة على حيات عيني…”
صرخت الهام بجنون….
“انت اتجننت يا مسعد….”
نظر اليها مسعد بملامح صخرية…..
“دا اللي عندي…ولو انتي كمان عايزة تتطلقي فانا مستعد وحقوقك كلها هتاخديها وبزيادة…”
هدرت بقوة…..
“انا مش هطلق يامسعد…ومش هقبل بالخسارة..”
رد مسعد بصوتٍ قاسٍ مزدري….
“يبقا هيفضل الوضع زي ماهو…. اللي فرق بس
انكم دلوقتي بقيتوا عارفين كل حاجة…”
ثم خرج من الغرفة وسادت هدنة الحرب من
حولهما سكون ما بعد الانفجار…..
هذا الهدوء المعذب الذي يتجرع مرارته الخصم
الخاسر وهما كذلك لذا هتفت الهام بعنف….
“شايف أبوك….باعنا… باعنا واشتراها…عشان تبقا
تصدقني…. ”
لم يرد يزن عليها بل اندفع كالثور الهائج الغاضب
خارج الغرفة بل من البيت بأكمله ثم استقل السيارة وقادها بسرعة قصوى مبتعدًا عن هذا المكان بكل
من فيه…..
صرخت الهام بقوة وهي تهشم كل ما تتلقاه يدها
ارضًا بجنون لاعنه الجميع بأقذع الكلمات النابية
واولهم زوجها الخائن الذي يصر الان على جعلها اللاشي في حياته…
انحنت ارضًا وهي تأخذ انفاسها بصعوبة متذكرة
هذا اليوم جيدًا اليوم الذي اتخذت به قرارًا مصيري
صائب…قرار جعلها حتى الان متوجة في هذا البيت
رغم انف الجميع…..ورغم كل ما تتعرض اليه مزالت
تمتلك الورقة الرابحة……يزن…….
……………………………..
(انت بتقول ايه يا فواز….مسعد مش
بيخلف إزاي…..)
قالتها الهام بملامح مشدوهة تلك الشابة الجميلة
التي وقع في حبها أثرى واوسم رجلا وتزوجها
في فترة قصيرة محارب عائلته والجميع لأجلها
وكاي زوجه في وضعها الحساس حاولت البحث
عن أقرب وسيلة للحفاظ على مكانتها في قلب
زوجها وعائلته وهو طفل يحمل اسم العائلة
ويكن الوريث لهم……
لم تحملها قدماها من قوة الصدمة التي ضربتها كالصاعقة الكبرى فجلست على المقعد المقابل
لمكتب الطبيب والذي كان صديق قديم لعائلتها
ويعرفها جيدًا…
(يعني ايه مفيش أمل انه يخلف يافواز….)
مط الطبيب شفتيه بأسى موضحًا ابعاد
الحالة…
(للأسف يالهام مفيش امل ولو واحد في المية…
هو عاجز حاليا عن الخلفه….لكن انتي الفحوصات
بتقول انك سليمة ميه في المية وتقدري تخلفي
في اي وقت…..)
هبطت دموعها وهو يتقول….
(مسعد مش لازم يعرف حاجة زي دي يافواز…
اوعى تقوله….)
أراح الطبيب يداه على سطح المكتب
سائلا…..(ولو سألني…..)
قالت وهي تمسح دموعها بعنف…
(قوله ان احنا الاتنين تمام مفيناش حاجة…بس
لسه ربنا مأذنش….)
تنهد فواز بقنوط….
(انا من رايي تصرحية يالهام بالحقيقة هتخبي عليه
لحد إمتى….)
لاح في صوتها الخوف وعدم الأمان….
(لو عرف هيعرف اهله ومش بعيد يسلطوه عليا عشان يطلقوني منه مانت عارف….مفيش حد فيهم
موافق عليا….بذات ابوه صابر الصاوي ممكن بكلمة
واحده يرميني برا البيت… وانا لازم اخلف يافواز
باي طريقة لازم اجبلهم ولد… ويبقا ليا مكان في
البيت ده وسطهم….)
ضاقت عينا فواز…
(والعمل يا الهام بتفكري في إيه….)
سالته بتشتت….
(مفيش اي طريقة اجيب بيها الولد….)
زم شفتيه بخبث…..(تتبني مثلا….)
هزت راسها برفض مستجدية…
(مينفعش اتبنى…انا عايزة أحمل باي طريقة بس
من غير ما اعمل حاجه حرام….)
زجرها فواز بنفاذ صبر…..
(ودي اعملها إزاي… الفحوصات اللي قدامي بتأكد
ان جوزك عنده عقم ومستحيل يخلف ولو بعد
مية سنة….الا ان حصلت معجزة….)
طلبت العون بضياع….
(مفيش اي طريقة يافواز…. انت اللي دكتور وانت اللي فاهم في المجال ده اكتر مني….)
صمت فواز قليلا يفكر وهو ينظر الى عيناها
الباكية ونظرت الضياع بهم….
(مفيش غير حل واحد….)
قالت الهام بسرعة…
(الحقني بيه يافواز انا في عرضك….)
مالى عليها بصوتٍ خافت….
(احنا نعملك عملية حقن مجهري ونقنع مسعد بيها
ان العملية دي الحل الوحيد للخلفه….)
سالته بوجل…..(وبعدين…..)
رد بهدوء وايجاز…..
(هحلها انا يا الهام…بعينة تانيه لواحد تاني لا يعرفك ولا تعرفيه….)
اتسعت عيناها شاعره بالورطة تلوح في
الأفق….(مين ده ؟!!..)
اجابها بعملية…
(واحد شغال معايا…. دي شغلته…)
ازداد اتساع عيناها بشكلا
مريع…(شغلته ؟!!….)
اوما فواز مبتسمًا بسماجة….
(أمال انتي فاكره نفسك انتي لوحدك اللي عايزة
تخلفي بالطريقة دي…)
على تنفس الهام بقلق وحل الصمت للحظات…فعقب
فواز بغرابة….
(متردده ليه دا انتي اللي عرضتي عليا الموضوع..)
سالته الهام بطرف عيناها وعقلها في دهاليز
القصة يتلوى كالطير المذبوح بالالم….
(مش متردده بس انت متأكد ان اللي شغال معاك
ده مش هيعرف عني حاجة….)
اردف فواز ببساطه…
(هو ميهموش انتي مين المهم الفلوس…)
اندفع لسانها قبل عقلها …
(انا هدفع اللي تتطلبه المهم أحمل يافواز….باي
طريقة….)
كانت لحظة جنون قادتها الى هنا اجرت العملية بعد أشهر وحملت بين احشاؤها بذرة رجلا لا تعرفه ولا
يعرفها وكل ما جمعهما هو المال فقط…
ولم تتوقع ان يموت السر بعد عشر سنوات
مع الطبيب الذي أجرى لها العملية ويبقى
السر في حوزتها هي فقط ولا يعلم عنه
أحد سواها….

لقراءة الجزء الاول 1 من رواية الحب اولا 💜👇
لقراءة الجزء الثاني 2 من رواية الحب اولا 💜👇
لقراءة الجزء الرابع 4 من رواية الحب اولا 💜👇

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-